ما هو الأجر العادل؟
primeum.com

ما هو الأجر العادل؟

بعد مرور عدة أعوام على اندلاع احتجاجات السترات الصفراء (حركة عمالية احتجاجية حدثت في فرنسا - أواخر العام 2018)، لا تزال مسألة الأجر العادل قائمة وفعالة حتى يومنا. بينما يتفق معظم العمّال الفرنسيين وغيرهم كثير على أن مسألة "الأجر العادل" يجب أن تكون مساوية لمدخلات الفرد (أي الإنتاجية) وبشكل متناسب. إلا أن الطموحات في الأجور المرتفعة، والمزيد من التحسينات الاقتصادية لا تزال طلبًا منشودًا بين قطاع واسع من السكان، وبغض النظر عن أي عوامل أخرى حسب وجهة نظرهم. الأمر الذي يدفعون نحوه بشكلٍ خاص، والقول دائمًا في وجوب أن يكون الأجر؛ "عادلًا"

حسنًا. ما هو الأجر العادل؟ في هذه المقالة نحاول أن نستعرض عدد من النقاشات المختلفة لهذه القضية الحسّاسة، وذلك بالنظر إلى علم النفس والاجتماع والاقتصاد وإدارة الموارد البشرية.

الصيغة الرابحة: تصوّر الراتب "العادل"

ما الذي يجعل الأجر عادلاً في نظر الناس؟

الأجرالذي يُنظر إليه على أنه "عادل" هو الذي تتناسب تفاصيله المالية مع مدخلات الفرد (أي الإنتاجية / والجهد المبذول). نعم. يحدث أن تؤخذ معايير أخرى في الاعتبار عند التفكير في ما الذي يجعل الأجر "عادلًا" مثل تلك المتعلقة بالمساواة والإنصاف بين الموظفين (العدالة الداخلية: Internal Equity).

نعلم أن الأجر العادل لدى كثيرين هو ما يراه الموظف أولًا بأنه "عادل"، وبغض النظر عن مدى دقة هذا الشأن. إلا أن التركيز في هذه المسألة يجب أن يكون من جانبين أساسيين. الجانب الأول. إن الأجر الذي يتم تلقيه كمقابل للجهد المبذول، هو ما يجب أن يشجع الموظف على بذل المزيد من هذا الجهد أو خفضه (لا سيما عند الشعور بالاحباط أنه يبذل أكثر مما يتلقى). ومن جانب آخر. فإنه للحفاظ على الوظيفة الحالية لفترة أطول أو أقل لدى الموظف. فإنه يقوم بإجراء مفاضلة حقيقية، وشبه دورية بين مستوى الأجر الذي يتلقاه، وكمية وصعوبة مسؤولياته اليومية (أي تكلفة المعيشة).

وفقًا لكتاب (The works of John Adams)، وهو المتخصص في علم النفس التنظيمي. فإن الموظف يقوم بالتحليل والتقييم لمسألة الأجر بناءً على نسبتين رئيسيتين. أولًا. المستوى الذاتي. أي يقوم بتحليل نسبة مدخلاته الملموسة في الشركة والعائد من ذلك (أي الجهد المبذول / في مقابل المكافأة المادية). ثانيًا. (المستوى الموضوعي). أي أن يقوم بمقارنة وضعه مباشرةً مع وضع زملائه من خلال نسبة راتبه المرتبط بخبرته وجهوده المبذولة في مقابلهم (العدالة الداخلية: Internal Equity).

بناءً على ذلك، وعندما تكون النتائج مرضية، وعادلة، ومتوزانة. فإن الموظفين يعتبرون ذلك مدعاة للمزيد من العمل، وبذل المزيد عبر تطويرهم لإحساس قوي بالإلتزام والولاء تجاه المنظمة التي يعملون بها، وهذا يأتي انطلاقًا من كونهم يتلقون أجورًا بشكل عادل ومنصف. وعلى عكس ذلك. فإن هذا الشعور يمكن أن ينقلب سريعًا لإحباط إذا ما شعر الموظف أن نتائج النسب الآنفة غير مرضية، وغير عادلة. فورًا يشعر بمعاملة غير جيدة تحدث له في هذا المكان. ولن يتردد؛ أولًا. في تقليل الجهد (أي أن يعمل بالحد الأدنى من الجهد، وفي أحيان أقل من ذلك بكثير)، وبعبارة أخرى. لن يكون حريصًا على نتائج أعمال ذات جودة أعلى. وأخيرًا. سيترك المنظمة في أقرب فرصة مواتية، ودون تردد.

هنا. وبصفتك صاحب عمل. فإنه من المهم أن تهتم بهاتين النسبتين، وذلك في سبيل قياس كيفية إدراك موظفيك لمكافآتهم، والذي يمكنك من خلاله فهم فكرة الالتزام لدى موظفيك بشكل أفضل، وكذلك القدرة والإمكانية على تحديد أي اسباب تغيير قد تطرأ على جهودهم ومدخلاتهم (أي انتاجيتهم). من المهم ملاحظة أن في مجتمع المبيعات - على سبيل المثال. يتم اعطاء أهمية أكبر لمسألة الدوران الوظيفي (Turnover)، وكيفية تجاوزه. بالتالي. فإن التزام مندوب المبيعات سيعتمد بشكل كبير على طبيعة المنتج أو الخدمة التي يتحمل مسؤولية ترويجها وبيعها، وإمكانية أن يوّلد ذلك مكافآت جاذبة بالنسبة له، ومن خلال هيكل أجور وحوافز جيدة.

إن هذا النموذج الذي نحن بصدد مناقشته في تحليل مسألة "العدالة" للأجور. يأتي بناءً على المدخلات الملموسة لكل فرد ينوي المساهمة في تطوير المنظمة (أي جهده المبذول)، وهو الذي يتسم بنهج الانصاف (أي الأجر مقابل الجهد)، ويبرر إلى حدٍ ما بعض التفاوت الوارد في الأجور. في الواقع، ونظرًا إلى أن مستوى الأجور يرتبط ارتباط جوهري بالمساهمات الفردية، والقيمة المضافة المقدمة من الموظفين لمنظماتهم. فإن الفرق والاختلاف حينئذٍ يكون منطقيًا في اختلاف هذه المدخلات، ومستويات القيمة، وتأثيراتها. بالتالي. فإن شرح وتبرير تصوراتنا نحو "الأجر العادل" وبشكلٍ عملي؛ هي ما تستخدمه كثيرمن الشركات، ويدعى منهجية \ طريقة هاي (HAY)، والتي تستند على مسألة "وزن الوظيفة"، وتهدف إلى تحليل هذه المساهمات، والمدخلات، ومطابقتها مقابل الأجور المقدمة في المنظمات.

موازنة الأجور: تمييز وزن كل منصب \ وظيفة

ليست كل الوظائف في المنظمة متساوية

بفضل نظام وزن الوظائف فإنه من الممكن تمييز الوظائف المختلفة وتصنيفها وفقًا لتأثيرها المباشر على الأداء، وبشكل أوسع على نمو المنظمات. وبهذه الطريقة، يمكن لنا أن نبرر حصول بعض المناصب الإستراتيجية على أجر مرتفع نسبيًا وفقًا لمستوى مساهمتها في إستراتيجية المنظمة واستدامتها (الارتباط بالقيمة). كما يجب أن نتذكر أن وزن الوظيفة هو تقييم كمي للوظائف في المنظمة بناءً على مؤشرات عامة تنطبق على جميع أنواع الوظائف وجميع أنواع المنظمات. يسمح تقييم المعايير المحددة بالقيام بما يلي لكل من المناصب التي تم وزنها: تتم مقارنة خصائص أعمالهم، ويتم إنشاء اسم مشترك لكل منصب ووظيفة (العوائل الوظيفية)، وفي النهاية يتم تقييمها وتصنيفها حسب الأهمية الاستراتيجية للمنظمة.

باستثناء بعض الوظائف (المبيعات \ الإدارة) وغيرها. فإنه من النادر أن يتم دفع الأجور للموظفين على أساس ثابت، ومقابل غير متغيّر نتيجةً لمساهماتهم (وجهودهم المبذولة). هناك عوامل أخرى تلعب دورًا كبيرًا في تطوير مفاهيم التعويضات. مثل؛ الحد الأدنى للأجور في عدد من قوانين الدول، وكذلك الأعراف، والقواعد المختلفة بالسوق، والزيادات المرتبطة بالأقدمية وما إلى ذلك. تتيح مثل هذه المعايير إمكانية مراعاة الاحتياجات الفردية، أو معايير المساواة والعدالة على نحوٍ أكبر. من المهم أيضًا أن نتذكر أن أكثر من نصف الموظفين، وأكثر من ثلثي التنفيذيين يحصلون اليوم على تعويضات، وحوافز أكبر بكثير من معايير العدالة وحسب، ووفقًا لما ذكر من العوامل المختلفة آنفًا. وقد تزايدت هذه النسبة بشكل مطرد في الأعوام الأخيرة.

تجانس الراتب (Salary smoothing): ماذا عن الرواتب التي يُنظر إليها على أنها منخفضة بشكل غير عادل؟

يحدد التسلسل الهرمي للاحتياجات لماسلو إطارًا رسميًا لدوافع الأفراد في شكل احتياجات يجب تلبيتها في تسلسل هرمي من خمسة مستويات مختلفة

وفي هذا الإطار الذي طوّره أبراهام ماسلو، عالم النفس الأمريكي الشهير في القرن العشرين. فإنه يصف التسلسل الهرمي للاحتياجات تسلسلًا هرميًا يبدأ بالاحتياجات الفسيولوجية ويستمر حتى المرحلة النهائية من تحقيق الذات. هذه المستويات المختلفة من الاحتياجات من شأنها أن توّلد التوتر في الفرد وفي النهاية تكون مؤثرة بشكل كبير على دوافعه.

على هذا النحو. يحتوي الجزء السفلي من الهرم على الاحتياجات التي يجب إشباعها حسب أولوية الترتيب: الاحتياجات الفسيولوجية من ناحية، واحتياجات الأمن والاستقرار من ناحية أخرى. بالإضافة إلى ذلك. فإن الاحتياجات الأساسية أو البيولوجية هي أول ما يجب إشباعه ، مثل النوم والطعام والملابس. ثم هناك احتياجات الأمان، والتي تمثل الحاجة للعيش في بيئة مستقرة ومحمية. في ضوء هاتين الفئتين من الاحتياجات نقوم بتحليل علاقة الناس بأجورهم. وبالتالي. فإن الحصول على راتب يسمح بمستوى معيشي مريح يندرج في فئة الاحتياجات الأساسية، ولكن أيضًا يتداخل ضمنًا في الفئة التي تعكس حاجة كل إنسان إلى الأمان والاستقرار.

أعادت أزمة السترات الصفراء الأخيرة إشعال الجدل حول الفروق في الأجور ومسألة ماهية "الراتب اللائق والكريم". من المهم التأكيد على أن الحاجة الأساسية لكل موظف ليكون قادرًا على إعالة أسرته بكرامة من خلال راتبه يجب تمييزها عن فكرة المساهمة الفردية المذكورة أعلاه، وبصرف النظر عن تقييم مساهمة الفرد، والقيمة المضافة. فإن شرط الأجر العادل لجميع العمال هو إمكانية أن يسمح هذا الأجر للفرد وعائلته بالعيش بكرامة وبالتالي تلبية احتياجاتهم الأساسية (الأساسية أو الفسيولوجية أو الأمن والاستقرار) دون القلق بشأن الغد.

لذلك. فإنه يجب أن يكون الراتب الأساسي مرتبطًا ارتباطًا مباشرًا بالمستويين الأولين من الاحتياجات الموصوفة في هرم ماسلو، وما يسمى بالاحتياجات الفسيولوجية الأولية واحتياجات الأمن والاستقرار. إن الشعور بالأمان الذي توفره الاستجابة المناسبة لهذين النوعين من الاحتياجات ذات الأولوية ستمكن الموظف من المضي قدمًا في تنميته الشخصية، والمهنية، وبالتالي توقع تلبية الاحتياجات الأخرى. بالطبع. مع التركيز بشكل أكبر على التنمية المهنية والشخصية في نهاية المطاف.

وبهذه الطريقة، ومن خلال ضمان راتب أساسي يسمح للموظف بالعيش بكرامة، سينشأ في المنظمة وبشكل مباشر ظروف عمل تعزز التطور الشخصي والأداء. بطبيعة الحال. ستكون منطلقات المساهمات الفردية التي يقدمها الموظف، منطلقات محفزة، وآمنة، ومطمئنة بشأن الوضع الاقتصادي بشكل أكبر. إن الشعور بالتحرر من القيود المرتبطة بالاحتياجات الأساسية هو ما يمّكن الموظف، وأي إنسان؛ في التركيز على تطوير مهاراته، وبالتالي أنشطته داخل المنظمة. على العكس من ذلك. فإنه من الضروري مقاربة الأجور بما يتماشى مع التضخم المتزايد، وإلا فلن يتم تلبية الاحتياجات الأساسية للموظفين، وسيكون هناك استياء حقيقي وتعاسة بسبب وضعهم المالي الصعب.

الاتجاهات الحديثة في تعويضات الحوافز: وظيفة واحدة، نموذج واحد؟

من حيث تعويضات الحوافز. هناك قضايا محددة تعتمد على فئات المهن وقضايا الأعمال المختلفة المرتبطة بها

بادئ ذي بدء. من الضروري الإشارة إلى أن تعويضات الحوافز (أي المتغيّرة بطبيعتها)، وخلافًا لعدم المساواة في الأجور الثابتة على أساس الجنس، والتي يمكن ملاحظتها في عدد واسع من الشركات. فإنه يجب أن ينطبق وبدقة؛ دون تمييز بين النساء والرجال الذين يشغلون نفس الوظيفة. أي يجب أن يخضع موظفان يشغلان نفس المنصب ولديهما قضايا متطابقة نسبيًا لنفس مخطط تعويض الحوافز وتقييمهما بناءً على أدائهما.

علاوةً على ذلك. فإن تعويضات الحوافز لموظفي المبيعات - على سبيل المثال. يُعد مكونًا أساسيًا في محاولة فهم حزمة رواتبهم كرافعة تحفيزية حقيقية (Motivational Lever). فالمكاسب المحتملة في هذا الشكل من التعويضات يُعد مغريًا أيضًا للباحثين عن العمل (أي نقطة جذب وسمعة للمنظمات في السوق المهني).

بالطبع. لا يزال من الصعب العثور على أجر متوازن، ومنصف بشكل مطلق. (هي أسئلة كثيرة يجب الاهتمام بها. وذلك في مثل)؛ ما هو الأجر الجيد؟ كيف تحدد ذلك بشكل صحيح؟ وكيف تصل إلى هذا التوازن الصحيح بين التعويضات الثابتة والتحفيزية (أي المتغيّرة)؟ وفي الوقت الذي تزداد فيه أهمية (التنافسية) في الأجور، وتأثيرها في العلاقة بين الموظفين وشركاتهم (كنقطة أساس في العلاقة). فإن مسألة المزيد من البحث عن أجر متوازن، وبما يتفق مع مساهمة الموظف، والقيمة المضافة التي يقدمها (كمسائل أولية)؛ لا يقل أهميةً عن ذلك.

في حرب المواهب. فإن تقديم الأجر العادل هو من أفضل الطرق المتاحة للمنظمات في سبيل الحفاظ على قدراتها التنافسية، وذلك سواءً من ناحية التوظيف، ومن ناحية الولاء والالتزام المطلوب.


Source: What is a fair wage? (primeum.com)

Translated by: Thamar M. Baqami.

Ali Algohary

Senior Accountant at Taqniyat Al Tasweeq for Trading Company (Quara Holding Group)

١ سنة

مقال رائع

إعجاب
الرد

لعرض أو إضافة تعليق، يُرجى تسجيل الدخول