صحراء النقب.. "عامرة بالخطط" من خارطة موريسون إلى حرب غزة

مشهد من صحراء النقب | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

سلطت الأحداث الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل وهجوم الأخيرة المستمر على قطاع غزة، الضوء على أماكن مقترحة في محيط قطاع غزة لنزوح السكان إليها وسط دعوات إسرائيل بتهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، الأمر الذي دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى رفض هذا المخطط بشكل قاطع، واقتراح النقب كملجأ للفلسطينيين الفارين من الحرب إلى أن تستقر الأوضاع في غزة.

تعد منطقة صحراء النقب موطناً لقبائل عربية على صلة قرابة مع قبائل عرب سيناء، ويقطنها اليوم نحو 300 ألف نسمة. ودخلت النقب في خطط الاستيطان في وقت متأخر من الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين والتي بدأت تتكثف منذ عام 1903.

بقيت منطقة النقب في معزل عن خطط الهجرة حتى عام 1946 أي قبل عامين فقط من قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين وإعلان دولة إسرائيل. فقد أقرت لجنة التحقيق الأنغلو-أمريكية في 20 أبريل 1946، إنشاء لجنة جديدة لتحديد كيفية تنفيذ المقترحات الأنغلو-أمريكية، بقيادة نائب رئيس الوزراء البريطاني هربرت موريسون والدبلوماسي الأمريكي هنري فرانسيس غرادي.

كانت خطة موريسون–غرادي، المعروفة أيضا باسم "خطة موريسون" أو خطة الحكم الذاتي على صعيد المقاطعة، تقضي بإنشاء وصاية فدرالية موحدة في فلسطين الانتدابية، أعلن عنها في 31 يوليو 1946.

كانت خريطة هذه الخطة أقل من طموحات الوكالة اليهودية المشرفة على مشروع دولة إسرائيل، فقد استثنت خطة موريسون–غرادي منطقة صحراء النقب المذكورة في "التوراة" من مشروع دولة إسرائيل، وتم تصنيفها منطقة حكم ذات عربية للقبائل العربية. ورداً على ذلك، سارعت الوكالة اليهودية إلى إعلان مشروع عرف باسم "11 نقطة" الخاصة بإنشاء 11 مستوطنة في النقب في عام 1946، وذلك قبل قرار تقسيم فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل.

كان الهدف من الخطة ضمان ضَم النقب ذات الأغلبية العربية إلى دولة إسرائيل في التقسيم، إضافة إلى إيجاد موطئ قدم عسكري للوكالة في المنطقة قبل بدء حرب التقسيم.

تطورت هذه النقاط لاحقاً إلى ما يعرف اليوم بمستوطنات "غلاف غزة" التي هاجمتها حركة حماس يوم 7 أكتوبر.

"ديمونا" والتنمية

ومنذ النكبة الفلسطينية عام 1948، شهدت صحراء النقب عشرات المشاريع البرّاقة من قبل إسرائيل، بعضها تم تنفيذه بالفعل، مثل الزراعة الصحراوية الأكثر تقدماً في العالم، وبعضها كان مجرد عناوين لإخفاء أمور أخرى، مثل مفاعل ديمونا الذي أطلق تحت شعار "تنمية النقب" وسكانها البدو منذ عام 1964 قبل أن تتبين الأغراض العسكرية النووية للمفاعل في الثمانينيات.

و«رمات النقب»، وهو اسم المشروع الزراعي في صحراء النقب، واحدة من أكبر وأنجح المناطق الزراعية في إسرائيل. تم تطوير المعرفة الزراعية في المنطقة على مدار الخمسين عاماً الماضية في مركز الزراعة التجريبية الصحراوية.

وتعد الخضراوات من المحاصيل الرئيسية المزروعة في صحراء النقب، ويقدر إجمالي الإنتاج السنوي بحوالي 177 مليون دولار. ما يقرب من 70 ٪ من إجمالي الإنتاج يذهب إلى الصادرات، في المقام الأول إلى أوروبا والولايات المتحدة. هناك أيضاً محطة لتحلية المياه قليلة الملوحة في المنطقة تنتج 3.5 ملايين متر مكعب من المياه عالية الجودة لاستخدامها محلياً من قبل السكان.

قرى "معترف بها"

تمتد صحراء النقب على مساحات شاسعة تبلغ 14 ألف كيلومتر مربع، ويقطنها 300 ألف فلسطيني، يعيشون في تجمعات بدوية منتشرة في نواحي المنطقة، التي تصنفها إسرائيل بقرى معترف بها، وهي أشبه بتجمعات سكنية تعاني قلة الميزانيات ونقص الخدمات التي تقدمها لها، أما الشق الآخر فهي قرى لا تعترف بها إسرائيل وتعتبرها تجمعات سكانية غير مرخصة رسمياً، ووفقاً لذلك لا تمدها بالخدمات الأساسية من خطوط الكهرباء والمياه، ومسطحات البناء والمواصلات، الأمر الذي يجعل تلك المناطق تعيش ظروفاً مأساوية.

وفي  ديسمبر 2013 أعلن مسؤول إسرائيلي أن إسرائيل تراجعت عن مخطط مثير للجدل لنقل آلاف من البدو العرب في صحراء النقب ومصادرة أراضيهم ضمن ما عرف بـ"مخطط برافر".

وفي مارس 2022 صادقت الحكومة الإسرائيلية على إقامة أربع مستوطنات جديدة في النقب ضمن مساعيها لإعادة توزيع السكان وتخفيف الضغط على مدن مزدحمة مثل حيفا ويافا وتل أبيب، إلا أن قلة من المستوطنين يختارون بأنفسهم الانتقال إلى صحراء النقب.

 وقال وزير البناء الإسرائيلي زئيف إلكين، إن الإقامة الجديدة في النقب هو "حلم الاستيطان الصهيوني" و"سيحرك انتقال سكان من وسط اسرائيل إلى جنوبها، وسيعزز اقتصاد النقب وأمن السكان في المنطقة كلها".

ويتندر سكان أن الإقامة في مستوطنات النقب، رغم أنها بعيدة عن الصحراء القاسية في الجنوب وقريبة من غزة، تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية! 

 

 

Email