قصة أصحاب الأخدود .. 4 مشاهد فصلت بين الحق والباطل

قصة أصحاب الأخدود

قصة أصحاب الأخدود هي إحدى القصص القرآنية الهامة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وهي تحكي عن كملك كان يحكم ضد دين الله عز وجل، وواجه أصحاب البلاد الذين آمنوا بغلام صغير آمن بدوره بالله عز وجل، وهو ما جعل هذا الملك يقوم بعقاب أهل تلك البلدة وحرقهم في أخدود، فما رأيكم أن نقوم في السطور القليلة القادمة في سرد قصة أصحاب الأخدود حيث نتعرف على أهم مشاهد تلك القصة من خلال ما حكاه العلماء والفقهاء من السنة النبوية الشريفة وفي ظلال القرآن الكريم والقصة القرآنية، فهيا بنا.

قصة أصحاب الأخدود في القرآن الكريم

جاء ذكر قصة أصحاب الأخدود في جميع مشاهدها في سورة البروج، والتي حكت هذه القصة القرآنية، وقد فسرها رسول الله عندما حكى لأصحابه عن قصة الغلام والملك، كما سنتعرف عليها بعد قليل.

أما سورة البروج، فإنها من السور القصيرة والتي حكت هذه القصة، حيث قال الله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ*وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ*وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ*قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ*النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ*إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ*وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ*وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ*الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ*إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ*إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ.

مشاهد قصة أصحاب الأخدود

هذه القصة نتحدث عنها كما حكاها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذا من خلال مشاهد أربعة وهي:

المشهد الأول: الغلام يؤمن بالله تعالى على يد الراهب
كان هناك ملكاً لحمير في اليمن وهو زرعة بن تبان بن اسعد الحميري المعروف في التاريخ بذي نواس، وكان هذا الملك يهودياً، وقد اعتنق عدد من رعاياه النصرانية، والتي كانت تدعو لتوحيد الله سبحانه وتعالى، وهنا عاقبهم، ولكن كيف بدأت الحكاية؟

كان الملك له ساحر، وكان الساحر هذا قد تقدم به العمر، وخاف أن يموت دون أن ينقل فنون السحر لأي أحد، فطلب من الملك أن يرسل له غلام لكي يتعلم هذه الفنون، وبالفعل بعث الملك غلاماً إليه، ولكن كان الغلام غير ملتزماً بمواعيد الساحر، فعاقبه الساحر بالضرب في كل مرة يتأخر فيها.

وكان الغلام يتأخر بالفعل على الساحر ولكن كان سبب التأخير هو أنه يذهب لراهب في منتصف الطريق، وقد علمه الراهب الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وفي يوماً ما وفي تلك الأثناء الذي كان الغلام مذبذباً ما بين عقيدة الساحر وعقيدة الراهب، رأى دابة تسد الطريق وقد ساء ذلك أهل القرية.

فقال الغلام لأهل القرية سأقتل هذه الدابة، وبالفعل قتلها، بعد رميها بحجر، بعد أن قال بسم الله وكان ذلك غريباً على مسامع أهل القرية.

المشهد الثاني: شهرة الغلام في جميع أنحاء المملكة
اشتهر الغلام بسرعة، حتى أنه كان يشفي الناس بإذن من الله تعالى، وكان هذا أسلوبه في الدعوة إلى الله، وكان يمر على المرضى فيشفيهم بإذن الله، وكان يدعو الله تعالى أن يشفيهم فيشفيهم الله.

وقد طارت الأخبار هذه إلى جميع الأنحاء في المملكة، أن الغلام يدعو ربه ليشفي الناس ويرجع أسماعهم وأبصارهم، وتحدث المعجزات ويتم شفاء الناس بالفعل، وكان رد الفعل دخول هؤلاء في دين الله عز وجل بفضل الغلام ودعوته إلى الله.

وكان من هؤلاء جليس الملك، والذي لاحظ الملك شفائه من مرضه الطويل، فقال له ما هو سبب شفائك، فقال أن الله تعالى شفاه، فغضب الملك من رده، فقد كان الملك يدعي الالوهية ويعبده الناس في المملكة، فسجن الجليس وعذبه حتى يدل على الغلام سبب الفتنة في المملكة.

المشهد الثالث: محاولات قتل الغلام
بعد أيام من العذاب، دل جليس الملك على الغلام، فأمر الملك جنوده بالقبض على على الغلام، وبالفعل قبضوا عليه وعذبوه حتى دلّ بدوره على الراهب، فقبض الجنود على الراهب، وأمرهم الملك بقتله بالمنشار إذا لم يرجع عن الإيمان بالله، وبالفعل لم يؤمن بالملك بل أصر على الإيمان بالله، فنفذ فيه الجنود حكم الإعدام فشق جسمه بالمنشار نصفين.

جاء الدور إذن على الغلام، فأمر الملك بإعدامه من خلال الذهاب قمة أحد الجبال ويتم تخييره بين الرجوع إلى دين الملك أو الموت، فإذا اختار الموت، يتم رميه من الجبل، وبالفعل ذهب عدد من الجنود مع الغلام لقمة الجبل، وقبل أن يرموه دعا الغلام الله عز وجل بأن ينجيه من هؤلاء، وبالفعل ارتجف الجبل بالجنود وتساقطوا ووقعوا.

رجع الغلام للملك، فتعجب الملك منه، وحكى له دعوته إلى الله، فأمر الملك بالقبض على الغلام، وأمر جنود أن يذهبوا به إلى سفينة، ثم إذا كانوا في عرض البحر يرموا الغلام في البحر حتى يغرق، وبالفعل نفذوا هذا الأمر ولكن عندما كانوا في عرض البحر دعا الغلام الله تعالى أن يكفيه شر هؤلاء، وبالفعل أرسل الله رياح عاتية أغرقت السفينة، وخرج الغلام من البحر سالماً وذهب للملك ثانية.

اغتاظ الملك من الغلام، وأمر بالقبض عليه مرة أخرى، فقال له الغلام، إذا أردت أن تقتلي لن يتم هذا إلا بطريقة واحدة فقط، وهي أن تصلبني على جذع نخلة، وتجمع أهل المملكة في صعيد واحد ثم تأخذ سهماً لتقتلي به وتقول بسم رب الغلام وتطلق السهم وهنا ستقتلني.

بالفعل دعا الملك لمكان إعدام الغلام الناس أجمعين، ونفذ طلب الغلام، وقال بصوت عالي بسم الله رب الغلام ورمى الغلام بسهم وقتله بالفعل، وهنا صاح الناس وقالوا آمنا برب الغلام.

المشهد الرابع والأخير: إيمان أهل المملكة وقتلهم
بعد المشهد السابق وقتل الملك للغلام، آمن أهل المملكة بالله سبحانه وتعالى، فاغتاظ الملك، وأمرهم ان يرجعوا عن ذلك، ولكنهم رفضوا فهددهم بالقتل، فأمر جنوده أن يقوموا بحفر أخاديد وبها نار ليرموا فيها من يرفض الرجوع لدين الملك.

وبالفعل قتل كل من آمن بالله في الأخدود، لذلك سميت القصة بأهل أو أصحاب الأخدود، هذا إلى جانب قصة المرأة التي قتلها الملك في أثناء ذلك، حيث هددها بأطفالها ورماهم في النار، ومنهم رضيع، والذي تحدث في مهده بأمر من الله حتى تثبت المرأة على موقفها وبالفعل رمى الرضيع في النار، ثم ثبتت المراة على الإيمان بالله، فأمر جنوده أيضاً برميها في النار.

دروس مستفادة من قصة أصحاب الأخدود

لكل قصة معاني، ولكل معاني دروس نستفيد منها في حياتنا، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى القصص القرآني لنعتبر منها في حياتنا، وتعطينا القوة والأمل والصبر والمعاني والفضائل، وتحذرنا من مصير الكافرين الجاحدين بأنعم الله سبحانه وتعالى، ومن هذه القصة، قصة أصحاب الأخدود والتي لها العديد من المعاني العميقة، والتي نتعرف عليها من خلال النقاط التالية:

التنشئة الصالحة
من ضمن أهمية قصة أصحاب الأخدود هي تنشئة الابناء على الفضيلة وعلى الدين والأخلاق، فنحن رأينا في المشهد الأول، حيث قام الغلام بالإيمان بالله في سن صغيرة على يد الراهب، فقد اختار الراهب وآمن بعقيدته، ورفض عقيدة الساحر الكافرة وأفعاله وفنونه، وذلك لأنه اختار بقلبه وعقله وبعد عن ما يسيء لهذا العقل.

وهذا يعلمنا ويعطينا درس في الحياة، أن نربي أبنائنا على التنشئة الصالحة، ونبعدهم عن كل ما يسيء إلى قلوبهم وعقولهم، ونعطيهم العديد من المواقف التي تساعدهم في الحياة، وتساعد مهاراتهم.

ضرورة تعلقنا بالله سبحانه وتعالى
من مباديء الإيمان هو التعلق بالله سبحانه وتعالى، وهذا التعلق القلبي والوجداني والنفسي بالله يساعدنا في هذه الحياة، وفي تخطي المصاعب، وقد راينا مدى تعلق قلب الغلام بعقيدة الله، والإيمان به سبحانه، وأن الله له مقاليد السموات والأرض، وكل شيء بأمره سبحانه، وهذا ظهر في المشهد الأول، عندما قام الغلام برمي الدابة بالحجارة وسمى الله، وظهر من خلال دعوة الغلام إلى الله.

بل إن تعلق الغلام بالله تعالى أنقذه مرتين، مرة عند الجبل الذي سقط الجنود من على قمته، ومرة عند السفينة وغرق الجنود، بل وصل اليقين بأن يلقن الملك الوصفة التي تساعده بالتخلص من الغلام نفسه، عندما قال له قل وأنت ترمي السهم من جعبتك بسم الله رب الغلام، وهذا يقين وتعلق شديد بالله وثقة فيه سبحانه وتعالى، وثقة وهيمنته على الأمور وقدرته على الخلق.

البطانة الفاسدة حول الطغاة أساس الفساد
هذا ظهر في بداية القصة، حيث كان للملك ساحر يعينه على الفساد والطغيان، وينفذ له رغباته، وهذا سبب الطغيان، أن تجد بطانة فاسدة تحقق مصالحها على حساب الملك، وعلى حساب الحاكم، وبالتالي على حساب الرعية، لذلك نتعلم هذا الدرس جيداً أن نختار بطانة صالحة وصحبة خيرة تعيننا على الخير والفلاح في الدنيا، وتبصر لنا الطريق وتعرفنا بعيوبنا الخطيرة.

الابتلاء سنة كونية تحدث للمؤمنين
الكل مبتلى في هذه الحياة الدنيا، فالابتلاء سنة من سنن الله في الخلق، وسنة في سنن الأرض، ومعاني الابتلاء عديدة في الحقيقة، فهي تنقي من الذنوب، وتمتحن إيمان الخلق، بل يميز الله بها الخبيث من الطيب في صفوف الناس، حيث قال الله سبحانه وتعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ.

وهذا وجدناه في أحداث قصة أصحاب الأخدود، فالابتلاء حدث للجميع، حدث للراهب الذي ثبت حتى النهاية، وحدث للغلام الذي لاقى الويلات والعذاب على يد جنود الملك، وتعرض للقتل في النهاية، بل وتعرضت له المرأة التي رمي أولادها في النار حتى ترجع لدين الملك، ولكنها نجحت في الاختبار وثبتها الله، كذلك أهل المملكة الذين آمنوا و تعرضوا للحرق والرمي في الأخدود دون أن يرجعوا في دين الملك، بل ثبتوا على الإيمان حتى النهاية.

دين الله هو المنتصر في النهاية
مهما كانت المصاعب التي يعيش فيها المؤمنين، ومهما كانت التحديات أمام دعوة الله عز وجل، فإن نصر الله قادم، وهذ ما تثبته الأيام والأحداث السابقة، وهذا ما نجده في القصص القرآني العظيم، وهذا ما قرأناه في قصة أصحاب الأخدود التي بين أيدينا، حيث تعرفنا أنه بالرغم من المصاعب والابتلاءات التي واجهها الغلام والراهب إلا أن دينهم ودين الله ودعوته كانت هي الغالبة بالرغم من القوة المفرطة والطغيان ضدهم، فآمن أهل المملكة وتحدوا الملك ذي نواس وثبتوا على الإيمان بالله.

قصة أصحاب الأخدود بها العديد من العبر والعظات، وقد تعرضنا لها بالتفصيل من خلال السطور القليلة السابقة.

بواسطة: Asmaa Majeed

مقالات ذات صلة

اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *