تجارة "التبن" تحقق مكاسب كبيرة في درعا


على الرغم من توفر النباتات الرعوية في الكثير من مناطق درعا المحررة خلال فصل الربيع، إلا أن "التبن" يبقى من مقومات العليقة الغذائية، التي تقدم للأبقار والأغنام بشكل خاص، وللثروة الحيوانية بشكل عام، لتشكل التجارة بهذه المادة واحدة من أهم أشكال تجارة المحاصيل الزراعية، وأكثرها ربحاً.

ويشير "أبو سعيد الحوراني"، 48 عاماً، وهو أحد تجار التبن، إلى أن التبن كمادة غذائية أساسية للحيوانات كانت متوفرة دائماً، وفي متناول جميع مربي الثروة الحيوانية.

وأضاف أن تراجع المساحات المزروعة بالقمح والشعير والبقوليات، وخروج مساحات زراعية واسعة بسبب الحرب، تسبب في عدم توفر هذه المادة بشكل دائم، مبيناً أن التجارة بهذه المادة أصبحت رائجة إلى حد كبير، بسبب زيادة الطلب عليها، وباتت تحقق أرباحاً محترمة لمزاوليها.

وأضاف أن تجارة التبن، ليست حكراً على مناطق درعا المحررة، بل أصبحت تنشط في بعض المحافظات المجاورة، مشيراً إلى أن إنتاج درعا من هذه المادة يباع في محافظات السويداء وريف دمشق، وبعض مناطق سيطرة النظام، وبأسعار جيدة.

ولفت إلى أن تجار التبن، يقومون بشراء هذه المادة من المزارعين بعد حصاد الموسم في شهري حزيران وتموز من كل عام، وبأسعار مقبولة نسبياً، ثم يقومون بتخزينها إلى فصل الشتاء، وإلى الفترات التي يحصل فيها نقص في المراعي، ويزداد الطلب على التبن، ليتم بيعه بأسعار عالية.

وأشار إلى أن تجار التبن يملكون مخازن كبيرة، تتسع لعشرات الأطنان لتخزين هذه المادة، تتوفر فيها جميع شروط التخزين، من عزل للرطوبة والتهوية، إضافة إلى قبابين كبيرة، وعمال تحميل وتعبئة، لافتاً إلى أن هذه التجارة، تؤمن عدة فرص عمل موسمية للشباب.

ويقول معتز الحمد، 39 عاماً، وهو أحد تجار التبن، أن أسعار التبن تختلف من نوع إلى آخر، لافتاً إلى أن تبن "البيقية" و"الجلبانة" و"الحمص" يعتبر من أغلى الأنواع، نظراً لقيمته الغذائية العالية في العليقة العلفية، التي تحضر للأغنام والماعز.

ولفت إلى أن سعر طن تبن الحمص والبيقية يتراوح ما بين 60 و70 ألف ليرة سورية، فيما يبلغ سعر طن تبن القمح أكثر من 50 ألف ليرة سورية، وتبن الشعير نحو 40 ألف ليرة سورية، وذلك حسب زيادة الطلب على المادة.

وأضاف أن العامل الموسمي، الذي يعمل في تحميل وتعبئة التبن، يتقاضى يومياً نحو 3 آلاف ليرة سورية، فيما تتقاضي السيارة أربعة آلاف ليرة سورية على حمولة كل طن، ينقل إلى أسواق التصريف، لافتًا إلى أن حمولة السيارة تزداد وتنقص حسب حجمها.

ويقول حازم عبيد، 20 عاماً، وهو طالب جامعي، "أضطر للعمل في تعبئة وتحميل التبن، لتأمين مصاريفي الجامعية"، لافتاً إلى أن العمل في هذه المهنة متعب جداً، وخاصة مع ارتفاع درجة حرارة الجو، ووجود رياح قوية.

وأضاف أن فرص العمل في هذا المجال محدودة، وقليلة جداً، إضافة إلى أنها لا تلقى الإقبال من قبل الشباب، بسبب صعوبة العمل فيها، لكنها تبقى فرصة عمل، يمكن للمحتاج أن يستفيد منها، أمام التضاؤل الكبير في فرص العمل، وقلة الخيارات المتاحة.

وفي هذا السياق، يستذكر الحاج محسن العبدالله، 70 عاماً، أيام الزمن الجميل، وطقوس نقل التبن عن البيادر.

وقال: "إن التبن في السابق كان يملأ البيادر، وكان ثمنه رمزي لأنه موجود عند كل فلاح"، لافتاً إلى أن من كان ينقصه بعض التبن لحيواناته، كان يطلبه من جاره مجاناً، أو يستقرضه على الموسم.

وأضاف أن مواسم نقل التبن عن البيادر إلى "التبان" - "مكان تخزين التبن"، كانت تتحول إلى مواسم فرح في ريف درعا، يسودها التعاون والمحبة والتكافل الاجتماعي، حيث يساعد الجار جاره، والقريب قريبه، في نقل التبن دون مقابل.

ولفت إلى أن جميع شباب الحارة الواحدة، كانوا يشاركون في هذه الطقوس الجميلة، يتوزعون العمل فيما بينهم، فمنهم من يقوم بتعبئة أكياس الخيش الكبيرة على البيدر، ومنهم من كان ينقلها على الحمير إلى التبان، ومنهم من كان يحمل الأكياس، التي يتجاوز وزنها الـ 60 كغ على ظهره، إلى سطح التبان، بواسطة سلم خشبي، ويقوم بتفريغها في التبان من خلال ما يطلق عليه "الروزنة"، وهي فتحة لا يتجاوز قطرها المتر موجودة في سقف التبان.

وقال: "إن هذه الطقوس والعادات كانت من الزمن الجميل، لكنها تلاشت مع التطور الحديث وظهور وسائل النقل، كالجرارات والسيارات والدرّاسات".

وأضاف أن هذه الأعمال رغم صعوبتها، كانت تسودها أجواء المرح والمزاح، حيث كانت تنتهي بتقديم أكلة "اللزاقيات" التي تتفنن المرأة الحورانية في صناعتها، أو ببعض الحلويات الشعبية، احتفالاً بما يطلق عليها "الجورعة" أو نهاية أعمال الموسم الزراعي.

ترك تعليق

التعليق