ا٠ÙÙظÙÙ Ø© اÙدÙÙÙØ© Ù٠اÙرتاث اإÙساÙÙ Ù . ٠٠خاÙÙ Ùتاب ا٠ÙÙÙ ÙاÙÙØÙ ÙÙØ´Ùرس
ا٠ÙÙظÙÙ Ø© اÙدÙÙÙØ© Ù٠اÙرتاث اإÙساÙÙ Ù . ٠٠خاÙÙ Ùتاب ا٠ÙÙÙ ÙاÙÙØÙ ÙÙØ´Ùرس
ا٠ÙÙظÙÙ Ø© اÙدÙÙÙØ© Ù٠اÙرتاث اإÙساÙÙ Ù . ٠٠خاÙÙ Ùتاب ا٠ÙÙÙ ÙاÙÙØÙ ÙÙØ´Ùرس
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني.<br />
د. طييب غماري،<br />
خمرب البحوث االجتماعية والتارخيية،<br />
جامعة معسكر.<br />
مقدمة:<br />
إن اهتمام نظرية التنظيم باملؤسسة الدينية، ال يعين إسقاط ما<br />
توصل إليه هذا العلم من مبادئ وأفكار على هذا النوع من املؤسسات، أو<br />
حتويل املؤسسات الدينية إىل مؤسسات علمانية مدنية، ثم التعامل معها<br />
على هذا األساس، إنه حماولة لفهم كيف تقوم هذه املؤسسات بفرض<br />
منطقها على الفاعلني االجتماعيني الذي تربطهم بها عالقة مباشرة أو غري<br />
مباشرة من جهة؛ ومن جهة ثانية حماولة لفهم اآلليات اليت يعتمدها هؤالء<br />
الفاعلني االجتماعيني من أجل تغيري وتطوير املؤسسات الدينية، باعتبار<br />
أنها مؤسسات اجتماعية تسري عليها نفس القوانني اليت تسري على باقي<br />
مؤسسات اجملتمع، أي التأثري والتأثر.<br />
ميكننا تقسيم األدبيات اليت تناولت املؤسسة الدينية إىل قسمني<br />
كبريين، فمن جهة جند الدراسات الفقهية اليت عادة ما تكون حبيسة<br />
املصطلحات اخلاصة بالديانة الواحدة، عادة ما تركز هذه الدراسات<br />
الفقهية على تفرد ومتيز التجربة الدينية، حبيث يغلب اجلانب الديين فيها<br />
على اجلانب العقالني املوضوعي، فاملسلمون يتكلمون عن املؤسسات<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 7<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
اإلسالمية واملسيحيون عن املسيحية، ولكن كل واحد حياول أن يقدم<br />
األدلة والرباهني على مسو دينه ومتيزه مقارنة بالديانات األخرى؛<br />
أما القسم الثاني فيتعلق بالبحوث العقالنية اليت حاولت مقاربة<br />
التجربة الدينية انطالقا من منهجية علمية واضحة ومضبوطة، هدفها هو<br />
فهم املؤسسات الدينية وأسلوب عملها، أكثر من الرتويج هلذا أو ذاك<br />
الدين، يف هذا االجتاه.<br />
تعترب أعمال كل من دوركايم وفيرب من أهم األعمال اليت اهتمت<br />
بالدين عموما وباملؤسسة الدينية خصوصا، أدت الدراستان إىل تقديم<br />
مشاريع حبث مهمة مما أدى إىل تتابع العديد من الدراسات حول الدين<br />
واملؤسسة الدينية وهذا إىل غاية السبعينات، أين اجتهت السوسويولوجيا<br />
بفعل التحوالت اليت عرفها العامل إىل املواضيع املرتبطة أكثر بالتنمية،<br />
وبدأت تركز أحباثها على املؤسسات املدنية أو العلمانية، مؤسسة بذلك<br />
لنظرية إخراج الدين من احلياة البشرية.<br />
نتج عن هذا التحول يف األحباث تطور كبري لعلم التنظيم ولنظريات<br />
التنظيم يف العديد من احلقول العلمية )علوم التسيري، علم االجتماع، علم<br />
النفس، علم النفس االجتماعي(، يف مقابل هذا التطور شهدنا تراجع<br />
الدراسات اليت تهتم باملنظمات الدينية، وكان جيب أن ننتظر نهاية القرن<br />
العشرين ليعاد بعث الدراسات اليت تهتم باملؤسسات الدينية، كاستجابة<br />
لعودة الدين إىل احلياة االجتماعية والسياسية. إن أهم مالحظة نسوقها يف<br />
هذا املستوى هي أن كل األعمال اليت جاءت بعد فيرب ودوركيام، ال<br />
تكاد خترج عن التوجهات النظرية هلذين املفكرين، وهذا ما يعطي يف<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 8<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
نظري للعلوم الغربية قوتها، فاحلقول العلمية تتطور وقف مشاريع معرفية<br />
يتم صقلها جيال بعد جيل.<br />
انطالقا مما سبق، وبأعني شاخصة على التجربة املعرفية الغربية،<br />
سنحاول يف هذه الورقة تبيان أهمية املؤسسات الدينية يف الرتاث<br />
اإلسالمي، من خالل االعتماد على مصنف مهم يف هذا اجملال، هو<br />
كتاب، امللل والنحل للشهرستاني، علما أن هذا العمل الرائد، كان<br />
ميكن أن يصبح قاعدة لعلم التنظيم الذي يهتم باملنظمات الدينية، هذا لو<br />
عرف العرب واملسلمون كيف يواصلون مشروع هذا العامل، ليؤسسوا<br />
على عمله تراكما علميا، بالدراسة والتحليل والنقد أو بالتوسيع<br />
والتطوير.<br />
فكتاب الشهرستاني، يعد حبق خارطة مفصلة للتوزيع الديين عرب<br />
العامل، فحتى وإن كان هذا التوزيع غري شامل لكل امللل والنحل، إال أنه<br />
يبقى توزيعا مميزا من وجهني على األقل: الوجه األول هو منهجيته العلمية<br />
الدقيقة واملوضوعية؛ أم الوجه الثاني فيتمثل يف إملامه بأغلب األديان وامللل<br />
والنحل اليت كان هلا أثر سياسي أو اجتماعي على العامل آنذاك.<br />
معامل نظرية البد منها حول املؤسسة:<br />
تعرف املؤسسة من قبل<br />
(Harry S. Stout & D. Scott<br />
Cormode)<br />
" على أنها<br />
بنية اجتماعية مكونة من القواعد والرتاتبيات،<br />
اليت أوجدت من أجل دعم وختليد جمموعة من املعايري والقيم األخالقية<br />
بني أتباعها"<br />
،(Harry S. Stout; D. Scott Cormode. 1998: 64)<br />
فبالرغم من قصور أي تعريف عن إعطائنا املعنى اجلامع واملانع ملا نريد<br />
تعريفه، فإن هذا التعريف يبقى يف نظري قادرا على حتمل عبء مصطلح<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 9<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
اجلماعة الدينية عندما ينظر هلا كمؤسسة دينية، فاجلماعات والطوائف<br />
الدينية على اختالف توجهاتها وأيديولوجياتها تشرتك يف مسألة القواعد،<br />
والرتاتبية، حيث أن هذه القواعد هي اليت تضمن للجماعة هويتها املستقلة<br />
عن باقي اجلامعات، أي أنها تربر وجود اجلماعة بالنسبة لآلخر<br />
اخلارجي، يف حني أن الرتاتبية تضمن للجماعة انسجامها الداخلي من<br />
خالل ضبط وتنظيم العالقات بني األفراد املشكلني للجماعة من األدنى<br />
إىل األعلى. وهذا كله من أجل دعم املعايري والقيم الثقافية اليت من أجلها<br />
أوجدت أو تأسست اجلماعة، وهذا عن طريق التعليم والنشر الواسع هلذه<br />
املعايري والقيم، ثم ختليدها عن طريق التوارث بني األجيال املتعاقبة هلذه<br />
اجلماعات.<br />
حيدد لنا هذا التعريف مستويني مهمني يف املؤسسة بصفة عامة،<br />
مستوى البنيات ومستوى الثقافات، حيث أن "البنيات تنظم والثقافات<br />
تتكلم<br />
،(Harry S. Stout; D. Scott Cormode. 1998: 66) "<br />
وهذا ما نالحظه يف اجلماعات الدينية حيث جند البنيات اليت تنظم<br />
اجلماعة األم يف مجاعات أصغر، وتنظم العالقات بني اجلماعات وبني<br />
األفراد، كما تنظم مسألة القيادة، اليت تعترب عنصرا مهما يف كل<br />
املؤسسات الدينية؛ أما الثقافة ومن خالل اللغة والقيم واملعايري والتقاليد،<br />
فتتحدث عن املؤسسة مقدمة شرحا تثبيتيا وإقناعيا لألتباع، وحتفيزيا<br />
ودفاعيا لآلخرين الذين ليسو من األتباع بعد، بغرض ضمهم أو اتقاء<br />
شرهم.<br />
من جهة أخرى يشري هذا التعريف وبطريقة غري مباشرة إىل ما<br />
أمساه<br />
(Paul DiMagio & Walter Powell)<br />
باحلقل التنظيمي<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
(Harry S. Stout; D. Scott Cormode. 1998: 67; Thomas H.<br />
(91 ،Jeavons. :1998 فباعتبار أن املؤسسات الدينية ال تعيش وحدها<br />
بل تتفاعل مع باقي املؤسسات<br />
االجتماعية<br />
اليت قد تكون من نفس<br />
طبيعتها أو من طبيعة خمتلف عنها، يصبح احلقل التنظيمي مصطلحا<br />
مهما يسمح بتجميع كل املؤسسات اليت تتشابه من حيث النشاط<br />
واخلدمات اليت تقدمها، ومن هذا املنطلق ميكن احلديث عن احلقل<br />
التنظيمي للدين كما ميكن احلديث عن احلقل التنظيمي لإلعالم أو<br />
للمال والنقد...<br />
عند<br />
من هذا الباب سيكون هذا التعريف إجرائيا بالنسبة ملا سنقوم به<br />
معاينة مصنف الشهرستاني لنرى إىل أي مدى كان كاتبنا سباقا<br />
قبل أكثر من عشرة قرون إىل جتسيد هذا املعنى أثناء تصنيفه ودراسته<br />
للمؤسسات )للجماعات( الدينية الناشطة يف زمنه.<br />
حيث سنوضح القواعد<br />
والبنيات اليت على أساسها قام بإحصاء وتصنيف املؤسسات الدينية<br />
باعتبارها جزء من احلقل التنظيمي للدين آنذاك.<br />
التعريف بالكاتب والكتاب:<br />
هو حممد بن عبد الكريم بن أمحد أبو الفتح الشهرستاني، من<br />
شهرستان خرسان، يرجح العلماء أنه ولد سنة 974 ه وتوفى سنة<br />
املوافق ل<br />
895 ه<br />
6618<br />
-6851<br />
م، كان شافعي املذهب أشعري األصول، إماما<br />
وفقيها ومتكلما وواعظا، صنف الكثري من الكتب يف خمتلف جماالت<br />
املعرفة يف علوم الدين ويف علم الكالم<br />
)الشهرستاني، )66 : 6441<br />
أما عن كتاب امللل والنحل فيعترب من وجهة النظر التارخيية أهم<br />
املصنفات اليت اهتمت بالشأن الديين يف العصور املاضية، إن أهمية هذا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 00<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
الكتاب ال تكمن فقط يف حجم املعلومات اليت قدمها الشهرساتين عن<br />
امللل والنحل، بل وأيضا يف املنهج العلمي الذي تبناه الكاتب يف تقديم هذه<br />
املعطيات وشرحها وحتليلها، األمر الذي جعل من هذا املصنف مشروعا<br />
حقيقيا للبحث يف احلقل التنظيمي الديين، مشروع مل يقم الالحقون<br />
مبواصلته ليتأسس من خالل الرتاكم حوله نظرية علمية إسالمية تهتم<br />
بتصنيف ومقارنة األديان، فكان مصري هذا املشروع نفس مصري مشروع<br />
إبن خلدون من بعده، أي السقوط يف غياهب النسيان، وتنتظر األمة جميء<br />
املستشرقني، ليقوموا بنفض الغبار عن هذه األعمال الكبرية، ونبقى حنن<br />
منبهرين ورمبا غري مصدقني بأن تراثنا حيتوي على مثل هذه اإلسهامات<br />
اجلليلة.<br />
إن القارئ ملقدمة الشهرستاني اليت أوضح فيها وبشكل دقيق<br />
منهجه يف التصنيف، ال يشعر باالغرتاب بالنسبة للمناهج األكادميية<br />
احلديثة، لقد قام يف هذه املقدمة بتحديد وبدقة ووضوح األطر النظرية<br />
اليت سيعتمد عليها يف تصنيفه لألديان. إن الفصل الذي قام به<br />
الشهرستاني فيما يتعلق بتعريف املفاهيم األساسية، وفيما يتعلق مبعايري<br />
التصنيف املعتمدة، كان فصل العارف بصعوبة التحكم يف موضوع<br />
الدين خاصة عندما يتعلق األمر بالتعرض للعديد من امللل والنحل.<br />
منهج الشهرستاني يف كتاب امللل والنحل:<br />
التصنيف: يوضح الشهرستاني يف مقدمته األوىل، األسس املعتمدة<br />
يف تصنيف "أهل العامل" أي تصنيف البشر، حيث أوضح ان هناك أربعة<br />
معايري ميكن أن تعتمد يف تصنيف العلماء للناس: )الشهرستاني،<br />
:6441<br />
)65<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 02<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
1 التصنيف على أساس األقاليم<br />
2 التصنيف على أساس األقطار من شرق وغرب ومشال وجنوب<br />
3 التصنيف على أساس األمم العرب والعجم والروم واهلند<br />
4 التصنيف على أساس اآلراء واملذاهب<br />
فمن وجهة نظر الشهرساتين متثل هذه األسس األربعة اإلمكانات<br />
املتاحة للعالِم من أجل تصنيف البشر يف جمموعات متجانسة حبسب<br />
اهلدف من الدراسة اليت يريد القيام بها، ومن مثة وانطالقا من اهتمامه<br />
بالبحث يف األديان اليت تعرب عن آراء ومذاهب متعدد ومتنوعة، اختار<br />
املعيار األخري، أي تصنيف البشر على أساس أرائهم ومذاهبهم، حيث<br />
يقدم لنا بعد ما اختار معيار التصنيف تصنيفا ثنائيا ألهل اآلراء واملذاهب،<br />
حيث يرى أنهم ينقسمون إىل<br />
)الشهرستاني،<br />
"<br />
: 6441<br />
أهل الديانات وامللل، وأهل األهواء والنحل"<br />
64(، ثم يوضح يف هذه املقدمة األوىل كيف أن<br />
هذين الصنفني ينقسمان فيما بعد إىل أصناف ثم تتشعب األصناف إىل<br />
فرق قد ال تعد وال حتصى، حتى وإن حاول أن يوقف تعداد الفرق يف<br />
خمتلف الديانات عند أعداد حمددة رمبا كانت صحيحة يف زمنه، حيث<br />
أوقف تعداد الفرق املاجوسية عند سبعني فرقة، واليهودية عند إحدى<br />
وسبعني فرقة، والنصرانية عند اثنني وسبعني فرقة واإلسالمية عند ثالث<br />
وسبعني فرقة.<br />
حتديد قواعد اإلحصاء والتصنيف:<br />
يبدأ الشهرستاني مقدمته الثانية بأساليب اليت اعتمد عليها<br />
السابقون يف إحصاء الفرق اإلسالمية، فيقرر منذ البداية التعدد<br />
واالختالف بني العلماء يف املعايري املعتمدة من أجل إحصاء ثم تصنيف<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
الفرق اإلسالمية، فالواضح هنا أن كاتبنا يريد يف هذا املستوى أن يفصل<br />
يف مسألة منهجية جد مهمة وهي مسألة حدود املفهوم وما هي القواعد<br />
اليت جيب تبنيها لتعيني حدود هذه الفرقة حتى تكون متميزة عن غريها<br />
من الفرق وتلك اليت جتعلها جزء من فرقة أخرى.<br />
فبغرض القيام بإحصاء دقيق ومنهجي وتصنيف موضوعي، حيدد<br />
الشهرستاني أربعة قواعد يتم على أساسها إحصاء الفرق الدينية<br />
اإلسالمية ثم فيما بعد تصنيفها:<br />
)الشهرستاني، )16 : 6441<br />
القاعدة األوىل: الصفات والتوحيد فيها<br />
القاعدة الثانية: القدر والعدل فيه<br />
القاعدة الثالثة: الوعد والوعيد واألمساء واألحكام<br />
القاعدة الرابعة: السمع والعقل والرسالة واإلمامة<br />
يدرك الدارس هلذه القواعد من الوهلة األوىل أنها تعتمد على<br />
املسائل اخلالفية اليت أدت إىل ظهور الفرق اإلسالمية الكربى مبختلف<br />
تشعباتها. مرة أخرى يدهشنا الشهرستاني بوضوح منهجه، حيث أنه حيدد<br />
منذ البداية املعامل اليت ميكن للقارئ أن يقيمه على أساسها، إنه<br />
يتصرف بعقلية العامل املدرك لصعوبة احلقل املعريف الذي هو بصدد<br />
دراسته، العارف بهشاشة احلدود، وهلذا فهو يقرر تبين هذه القواعد<br />
األربعة اليت سيقوم باإلحصاء على أساسها بدون أن يقرر بأنها هي<br />
القواعد الوحيدة، فهو يبنيها ويؤسسها بغرض إمتام هذه الدراسة فقط،<br />
إنه يفصل يف<br />
(<br />
أو يتبنى( مفاهيمه اخلاصة والضرورية للتقدم يف هذا<br />
املشروع، وهنا يبدو لنا الشهرستاني وكأنه قد تنبه إىل مسألة املفاهيم<br />
اإلجرائية منذ نهاية القرن احلادي عشر وبداية القرن الثاني عشر. خاصة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
وانه حيدد منذ البداية الكيفية اليت سيتعامل بها مع هذه الفرق فيقول:<br />
"فإذا وجدنا إنفراد واحد من األئمة مبقالة من هذه القواعد، عددنا مقالته<br />
مذهبا ومجاعته فرقة. وإذا وجدنا واحدا انفرد مبسألة فال جنعل مقالته<br />
مذهبا، ومجاعته فرقة، بل جنعله مندرجا حتت واحد ممن وافق سواها<br />
مقالته، ورددنا باقي مقاالته إىل الفروع اليت ال تعد مذهبا مفردا"<br />
)الشهرستاني،<br />
،)11 -16 : 6441<br />
تعترب هذه املقدمة يف نظري أحسن<br />
مثال عملي على عملية أجرأة املفاهيم اليت تعترب املرحلة املفصلية يف املسار<br />
املنهجي، واليت على أساسها ميكننا الوثوق<br />
/<br />
أو عدم الوثوق يف<br />
إمكانيات الباحث على الوصول مبشروعه إىل الغايات احملدد مسبقا.<br />
أكثر من هذا يلزم الشهرستاني نفسه منذ البداية مبا نسميه اليوم<br />
املوضوعية، حيث يقول "وشرطي على نفسي، أن أورد مذهب كل فرقة<br />
على ما وجدته يف كتبهم؛ من غري تعصب هلم، وال كسر عليهم؛ دون أن<br />
أبني صحيحه من فاسده، أو أعني حقه من باطله" )الشهرستاني،<br />
: 6441<br />
11(، فاحلديث عن احلياد العلمي وجتنب األحكام القيمية املتحيزة،<br />
عند تناول موضوع بهذه احلساسية، ينبئ بشجاعة علمية كبرية حتلى بها<br />
الشهرستاني. خاصة وحنن نعلم أن أغلب مآسي العلماء املسلمني عرب<br />
التاريخ اإلسالمي كانت بسبب مواقفهم من هذه أو تلك الفرقة.<br />
حتديد مفاهيم املصطلحات اليت سيستعملها:<br />
بعدما فصل يف مسألة املنهجية املعتمد يف اإلحصاء والتصنيف،<br />
يعرج الشهرستاني املصطلحات اليت سيستعملها يف هذه الدراسة، علما أنه<br />
سيعتمد على عدد من املصطلحات املتداخلة واليت كثريا ما يستعملها<br />
العامة وكأنها مرتادفات، فيقف عندها وقفة املمحص الذي يلزم نفسه<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
بشحنة مفهومية حياول أن ال خيرج عنها طوال حبثه، ومن بني املصطلحات<br />
اليت يتوقف عندها كاتبنا لغة واصطالحا جند "الدين وامللة والشريعة<br />
واملنهاج واإلسالم واحلنيفية والسنة واجلماعة" )الشهرستاني،<br />
: 6441<br />
)88<br />
فبعد شرحه ملعنى الدين يركب بني هذه املصطلحات، ليوضح لنا<br />
الرتابط العضوي القائم بني املصطلح واآلخر، مقدما لنا تفسريا اجتماعيا<br />
ودينيا للجماعة، يقول الشهرستاني: "وملا كان نوع اإلنسان حمتاجا إىل<br />
اجتماع مع آخر بين جنسه يف إقامة معاشه واالستعداد ملعاده؛ وذلك<br />
االجتماع جيب أن يكون على شكل حيصل بالتمانع والتعاون حتى حيفظ<br />
بالتمانع ما هو أهله، وحيصل بالتعاون ما ليس له، فصورة االجتماع على<br />
هذه اهليئة هي امللة. والطريق اخلاص الذي يوصل إىل هذه اهليئة هو<br />
املنهاج، والشرعة، والسنة. واإلتفاق على تلك السنة هي اجلماعة"<br />
)الشهرستاني، )86 : 6441<br />
لقد مجع لشهرستاني يف هذه املصطلحات الكلمات املفتاحية اليت<br />
ستساعده على فهم الفرق املختلفة ومن مثة إحصائها ثم تصنيفها،<br />
فاجلماعة تبدأ بالفرد الذي يولد جمبوال على االجتماع مع غريه، هذا<br />
االجتماع الذي ميكن أن تؤطره امللة كمرجعية أيديولوجية وجتسده<br />
الشريعة والسنة واملنهاج، اليت تشرح لألفراد كيفيات التعاون والتمانع.<br />
فعندما يقتنع األفراد بكل هذا ميكننا أن نتكلم عن اجلماعة من وجهة<br />
نظر الشهرستاني.<br />
من املصطلحات األخرى اليت أبدع كاتبنا يف حماولة عقلنتها<br />
بالرغم من إربتاطها الوثيق بالقداسة واملقدس، جند مصطلح اإلسالم،<br />
حيث وحبركة فكرية حاول أن يركب فيها بني الدين والفلسفة، قدم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
لنا معنى املسلم كفاعل اجتماعي غري مقدس، فاإلسالم يف منظور<br />
الشهرستاني هو أدنى مرتبة من بني مرتبتني أخريني: اإلميان واإلحسان،<br />
فاإلسالم حسبه وانطالقا من احلديث النبوي الشريف، هو االنقياد<br />
والتسليم، فإذا صاحبه اإلخالص والتصديق باهلل ومالئكته ورسله<br />
وكتبه واليوم اآلخر والقدر خريه وشره، انتقل إىل اإلميان، ثم عندما يتم<br />
الرتكيب بني اإلسالم واإلميان يكون اإلحسان، وعليه ف"اإلسالم مبدأ،<br />
واإلميان وسط، واإلحسان كمال، وعلى هذا مشل لفظ املسلمني: الناجي<br />
واهلالك" )الشهرستاني،<br />
)89 : 6441<br />
فاملسلم هو الفرد الذي انقاد وسلم<br />
بشريعة املسلمني، ويف هذا املستوى فهو ال ميتاز عن غريه إال بالشيء<br />
اليسري، إنه فاعل اجتماعي ميكن أن يصيب كما ميكن أن خيطئ.<br />
متثل هذه القراءة املتفرد حلديث اإلسالم واإلميان واإلحسان، حماولة<br />
لعقلنة وعي املسلمني لذواتهم، فاملسلم من منظور الشهرستاني ميكن أن<br />
يكون ناجيا كما ميكن أن يكون هالكا، ويف كلتا احلالتني هو<br />
فاعل، وال ينتقل إىل املستوى األدنى من القداسة إال عندما حيقق<br />
اإلميان،أما أعلى مستويات القداسة أي الكمال، فال تكون إال مع<br />
اإلحسان.<br />
القيادة:<br />
متثل مسألة القيادة والسلطة القاسم املشرتك بالنسبة جلميع<br />
املنظمات كيفما كان نوعها أو طبيعيتها، وإذا كانت كل<br />
املنظمات "<br />
تقدم تفسرياتها وتربيراتها اخلاصة ملسألة السلطة،فإنه يبقى أن نعرف<br />
)بالنسبة للمؤسسات الدينية( إىل أي مدى ميكن أن تصاغ هذه السلطة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 07<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
بتعابري دينية، أو كيف تؤسس على مبادئ دينية" .H (Thomas<br />
Jeavons. 1998: 91)<br />
تعترب مسألة القيادة أو ما يعرف يف األدبيات اإلسالمية باإلمامة،<br />
واحدا من الرهانات األساسية يف تاريخ األمة اإلسالمية بل إن الكثري من<br />
املفكرين يقرر بأن رهان القيادة قد أثر سلبا أو إجيابا يف مصري األمة<br />
اإلسالمية طيلة أربعة عشر قرنا من وجودها.<br />
من هذا املنطلق حيدد الشهرستاني يف مقدمته الرابعة اخلالف على مسألة<br />
القيادة أو اإلمامة كمعيار يتم على أساسه التمييز بني الفرقة واألخرى،<br />
فلإلجابة على سؤال كيف تتم خالفة الرسول<br />
اختلف )ص(،<br />
املسلمون<br />
منذ اجتماع السقيفة، فإن كان هذا االختالف يبدو للوهلة األوىل اختالف<br />
تشاور ومقارعة الرأي بالرأي اآلخر، إال أنه قد تطور فيما بعد ليتحول إىل<br />
خالف مصارعة الرأي للرأي اآلخر مصارعة تراجيدية، وأصبحت اإلجابة<br />
على هذا السؤال مبثابة املعامل اليت تعني حدود االنتماء إىل هذه الفرقة أو<br />
تلك.<br />
تثبت<br />
ومنه تأسست حسب الشهرستاني إجابتني، واحدة تقول "بأن اإلمامة<br />
باالتفاق<br />
)الشهرستاني،<br />
لالنقسام<br />
واالختيار"<br />
:<br />
6441<br />
وثانية تقول<br />
"بأن اإلمامة تثبت بالنص والتعيني"<br />
11(، لقد كان هذا املعيار احملدد األساس<br />
األول الذي عرفته األمة اإلسالمية، حيث<br />
تأسست<br />
على ضوئه<br />
ثالثة فرق أساسية، أنتجت فيما بعد عديد الفرق واملذاهب، حيث يرى<br />
الشهرستاني أنها وصلت إىل ثالثة وسبعني فرقة مثل ما رأينا سابقا.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 08<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
احلقل التنظيمي الديين اإلسالمي:<br />
املسلمون<br />
املعتزلة<br />
اجلرب<br />
الصفاتية<br />
اخلوارج<br />
املرجئة<br />
الشيعة<br />
الواصلية<br />
اهلذيلية<br />
اجلهمية ية<br />
النجارية<br />
األشعر<br />
ية<br />
املشبهة<br />
احملكمة<br />
األوىل<br />
األزارقة<br />
اليونسية<br />
العبيدية<br />
الكيسانية<br />
الزيدية<br />
النظامية<br />
الضرارية<br />
الكرامية<br />
النجدات<br />
الغسانية<br />
اإلمامية<br />
اخلابطية<br />
العاذرية<br />
الثوبانية<br />
الغالية<br />
احلدثية<br />
البشرية<br />
البيهسية<br />
العجاردة<br />
الثعالبة<br />
التومانية<br />
الصاحلي<br />
ة<br />
اإلمساعيلية<br />
الباطنية<br />
املعمرية<br />
اإلباضية<br />
املردارية<br />
الصفرية<br />
الثمامية<br />
اهلشامية<br />
اجلاحظية<br />
اخلياطية<br />
الكعبية<br />
اجلبائية<br />
البهشمية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 09<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
احلقل التنظيمي الديين ألهل الكتاب ومن هلم شبهة كتاب:<br />
أهل الكتاب ومن له شبهة كتاب<br />
اليهود<br />
النصارى<br />
املاجوس<br />
الثنوية<br />
العنانية<br />
امللكانية<br />
الكيومريثية<br />
املانوية<br />
العيسوية<br />
النسطورية<br />
الزورانية<br />
املزدكية<br />
املقاربة<br />
اليعقوبية<br />
الزردشتية<br />
الديصانية<br />
اليوذعاني<br />
ة<br />
املوشكا<br />
نية<br />
السامرة<br />
املرقيونية<br />
الكينوية<br />
الصيامية<br />
التناسخية<br />
االستنتاجات:<br />
فصل الشهرستاني يف تفرعات كل فرقة من الفرق، أي أن الكثري<br />
من الفرق املبينة يف هذه اخلطاطات تنقسم بدورها إىل العديد من الفروع،<br />
لقد اعتمد الشهرستاني على املعايري اليت بيناها أعاله بالنسبة للتفريعات<br />
األساسية بالسبة للفرق اإلسالمية، أما بالنسبة لباقي الفرق والفروع فقد<br />
اعتمد على مشايخ فسمى كل فرع بشيخه.<br />
استعمل الشهرستاني ألفاظ "املسلمون" "اليهود" "النصارى"... لتعيني<br />
اجملال التنظيمي الكلي لدين من األديان، ومل يقل اإلسالم أو اليهودية أو<br />
املسيحية، وهذا يف نظري فهم دقيق ملسألة الفرق الدينية، فالفرق<br />
واالختالفات فيما بينها ناجتة عن اختالف قراءات املسلمني ملبادئ الدين<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
اإلسالمي. أي أنه يف احملصلة النهائية، تكون االختالفات بني الفرق<br />
الدينية اختالفات بشرية وإنسانية، مصدرها القراءات واإلضافات اليت<br />
أحدثها مؤسسو هذه الفرق على الصورة األصلية للدين الذي ينتمون إليه.<br />
وهذا ما يعين إمكانية تناول احلقل التنظيمي بالدراسة والبحث كحقل<br />
تنظيمي بشري وإنساني خال من أية شحنة تقديسية حتد من إمكانية<br />
مقاربته بشكل علمي وعقالني.<br />
عندما نطبق مصطلح احلقل التنظيمي على ما قام به الشهرستاني،<br />
نالحظ أنه كان وفيا ملبدأ جتميع كل الفرق الدينية اليت تتشابه من<br />
حيث األصول، واليت ال تكون االختالفات بينها إال يف بعض الفروع<br />
والتفاصيل، ليشكل جمموعة متجانسة، يتم مجعها مع جمموع ثانية<br />
وثالثة ورابعة ليشكل لنا يف نهاية املطاف احلقل التنظيمي للدين<br />
اإلسالمي ثم احلقل التنظيمي لألديان األخرى، ويف األخري يشكل الكل<br />
احلقل التنظيمي الديين الذي جيعله يف مقابل احلقل التنظيمي اخلاص<br />
باألهواء واألفكار والنحل.<br />
خامتة<br />
6 التفكري يف اجلماعات الدينية على أنها مؤسسات يعين أنها<br />
بشرية، أي أنها من صنع البشر بالرغم من أن اهتماماتها ترتبط ارتباطا<br />
وثيقا باملقدس، فاملتمعن يف مشروع ابن حزم يدرك أنه ينطلق من مسلمة<br />
مهمة هي أنه على املستوى النظري تبقى احلقيقة )الدينية( واحدة ألن<br />
مصدرها واحد، لكن على املستوى العملي جند أن احلقائق الدينية<br />
متعددة، وهو يرجع هذا التعدد إما إىل االختالف حول األصول أو<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 20<br />
العدد الثاني<br />
جوان
1<br />
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
االختالف حول الفروع، وهذا يعين أن اجلماعات الديين يف نهاية املطاف<br />
ليست إال قراءات متعددة حلقيقة مقدسة واحدة.<br />
يرتبط هذا االختالف وهذا التعدد بالشرعنة، فاملؤسسة الدينية<br />
عادة ما تنشأ من أجل اإلجابة على تساؤل ديين )قراءة( أو للرد على إجابة<br />
دينية )قراءة أخرى( ترى أنها غري سليمة، وهذا يعين أنها تريد أن متنح<br />
الشرعية جلهة على حساب جهة أخرى. ففي رهان الشرعية والشرعنة،<br />
يصبح املقدس أمرا ثانويا، أو على األقل قابل للتجاوز من أجل مقدس<br />
جديد أو خمتلف عن املقدس األصلي.<br />
1 عادة ما ترتبط املؤسسات الدينية باجملاالت املادية واملالية، أي<br />
بالربح )مجع التربعات، األوقاف، اهلبات، الزكاة...(، ويف هذا ال ختتلف<br />
يف شيء عن املؤسسات املدنية األخرى، حيث يتطلب مجع الثروة وتسيريها<br />
مهارات بشرية بعيدة كل البعد عن جمال املقدس.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 22<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />
من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />
د. طييب غماري<br />
املراجع:<br />
الشهرستاني، )6441(، امللل والنحل، حتقيق أمري علي مهنا وعلي حسن<br />
فاغور، ط. 1، بريوت: دار املعرفة<br />
- Harry S. Stout; D. Scott Cormode. (1998). "Institutions<br />
and the Story of American Religion A Sketch of a<br />
Synthesis". In. N.J. Demerath III et al. (1998). Sacred<br />
companies Organizational Aspects of Religion and<br />
Religious Aspects of Organizations. Oxford : Oxford<br />
University Press.<br />
- Thomas H. Jeavons. (1998). Identifying Characteristics of<br />
"Religious" Organizations: An Exploratory Proposal. In.<br />
N.J. Demerath III et al. (1998). Sacred companies<br />
Organizational Aspects of Religion and Religious<br />
Aspects of Organizations. Oxford : Oxford University<br />
Press.<br />
- Paul J. Dimaggio. (1991). "Constructing an organizational<br />
field as a professional project: US art museum، 1920-<br />
1940". In Powell walter W.; Paul DiMaggio. (1991). The<br />
new institutionalism in organizational analysis. Chicago:<br />
The university of Chicago press.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />
العدد الثاني<br />
2102 جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي،<br />
خمرب البحوث االجتماعية والتارخيية،<br />
جامعة معسكر – اجلزائر-<br />
يشكل الواقع االجتماعي اجلزائري حالة فريدة للتحليل<br />
السوسيولوجي واالنرتبولوجي بالنظر إىل خصوصيته اليت تربز يف ضوء<br />
اإلشكاالت واملعادالت املطروحة معرفيا واملرتبطة بالظواهر والتحوالت<br />
اليت يعيشها عرب الفرتات الزمنية، األمر الذي يولد أسئلة مفصلية تتناول<br />
توصيف هذه الظواهر وتتعمق يف أسبابها.<br />
إن حماولة حتليل مالمح اجملتمع اجلزائري وفهم خصوصيته عائدة<br />
باألساس إىل رغبة يف فهم هذه املظاهر والتحوالت بالشكل الذي ميكن<br />
إدراكه يف ضوء املعرفة باحملددات املعرفة بشخصية الفرد اجلزائري.<br />
و هي احملددات اليت يلعب فيها اإلسالم دورا بارزا، كعقيدة متد<br />
معتنقيها جبملة التفسريات اليت يعرف بها نفسه و يربر بها وجوده.<br />
لقد ساير اإلسالم منذ دخوله إىل اجلزائر حتوالت وتشكيالت<br />
ارتبطت أحيانا بطريقة فهمه ومتثله، األمر الذي أوجد حتوال عرب بعد<br />
زمين شاقولي ارتبط بتأثري عامل الزمن بالنظر إىل التبدالت احلاصلة من<br />
خالل عنصر التغيري و القدم، و كذا يف بعد أفقي أوجد فهومات متنوعة<br />
وتشكيالت خمتلفة.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
إن وضع اإلسالم يف اجلزائر يشكل خصوصية، فعلى الرغم من<br />
التقاطعات العديدة اليت تربزها صورة الفرد املسلم و العادات املنتشرة بني<br />
املسلمني، إال أن ذلك مل مينع من اتسام اجملتمع اجلزائري باخلصوصية<br />
املتأتية أساسا من احلوادث واملنعطفات التارخيية واالجتماعية اليت لعب<br />
فيها الدين الدور األبرز.<br />
لقد شكل اإلسالم الشكل اهلوياتي األبرز يف فرتة االستعمار وهو<br />
ما سعت مجعية العلماء املسلمني إىل جتليته<br />
مع بداية الثالثينات من القرن املنصرم بغرض العودة إىل األصول<br />
وبالتالي التميز عن اهلوية املقابلة املشكلة للمستعمر.<br />
و هو اجملال الذي اتضح فيه اآلخر كانتماء خمتلف فكريا و<br />
عقديا مع رغبة جاحمة يف تأسيس<br />
تشكل اللغة العربية وجهه اآلخر.<br />
" النحن "<br />
عرب ملمح الوطنية اليت<br />
لقد أصبح من الواضح أن التشكل اهلوياتي قد برز يف ضوء سعي<br />
لتمثل منوذج مواطنة يشكل اإلسالم عنوانه األبرز مبقابل آخر ينتمي إىل<br />
جمموعة مفارقة و خيتلف عن<br />
واملعتقد.<br />
" النحن "<br />
يف الشكل والنفسية واللغة<br />
مما أدى إىل بروز الدين كضامن مفصلي للهوية الوطنية وحمفز<br />
للدفاع عنها، وهو ما اتضح بشكل بارز يف عهد االستعمار يف ضوء تغذية<br />
روح املقاومة وكذا يف إشارة<br />
جزائري.<br />
اإلسالمية "<br />
اإلسالم والغرب: الصورة العامة للصراع<br />
"<br />
اليت كثريا ما عربت عما هو<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
وضع اإلسالم مبقابل الغرب أو العكس يف إطار ثنائي مانوي<br />
مسألة حتتاج إىل جتلية بطرح التساؤل عن احلدود الضامنة هلذا التشكيل<br />
( اهلوياتي<br />
اإلسالم مبقابل الغرب<br />
.)<br />
والواقع أن موضوعة الغرب كدائرة مغلقة متماسكة ارتبطت يف<br />
تقابلها مع اإلسالم يف إطار صراع وتنافس يرنو إىل اكتساب مناطق نفوذ<br />
بالشكل الذي حدث مع االستعمار أو بشكل متقدم مع احلمالت<br />
العسكرية املسماة بالصليبية.<br />
ليتحدد هذا اإلطار يف مسات اآلخر املختلف، املتطور، الغالب<br />
بلغة ابن خلدون<br />
-<br />
-<br />
الذي ينبغي إما إزاحته بالسيطرة عليه وبالتالي حتطيم<br />
ما توصل إليه أو التفاعل معه وحماورته واالستفادة من منجزه احلضاري<br />
يف صعد خمتلفة.<br />
لقد أوجدت التعقيدات اليت أبرزتها العوملة يف توجهاتها السياسية<br />
واالقتصادية والثقافية املؤسسة على أهمية الربح والعائد املادي كفيصل<br />
لكل املقاربات التفاعلية سعيا للتحكم والتفرد يف وسائل اإلنتاج وآلياته<br />
وبالتالي ربح أكرب قدر من األسواق ورؤوس األموال.<br />
وهو التوجه الذي برز يف الواليات املتحدة األمريكية من خالل<br />
أدبيات احملافظني اجلدد وتطبيقاتهم السياسية حيث وجدوا يف حوادث<br />
احلادي عشر من سبتمرب الذريعة املثلى ملعاودة الظهور بشكل بارز عن<br />
طريق توطيد اإلحساس باالنتماء الوطين والديين باستثمار متثالت<br />
املفكرين كإدموند بريك و ليوسرتاوس الداعية إىل توطيد مكامن القوة<br />
و التفوق عن طريق إحداث<br />
"<br />
الضربة االستباقية<br />
". الشر احملض " لقوى "<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 27<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
و قد جتسد هذا الطرح عن طريق غزو العراق و أفغانستان، وكذا<br />
بفتح معتقل غوانتنامو الشهري الذي أسرت فيه السلطات األمريكية من<br />
" وصفتهم<br />
باإلسالميني املتشددين<br />
."<br />
لقد أجج اخلطاب اإلعالمي الدعائي لبعض القنوات والوسائل<br />
اإلعالمية " صورة املسلم املتشدد<br />
"<br />
وراحت حتشد هذا التصور باحملموالت<br />
اليت يربزها أحيانا بعض املسلمني أنفسهم من خالل قناعاتهم وتصرفاتهم<br />
املنافية للفهم اإلنساني لإلسالم.<br />
األمر الذي أدى إىل بروز ظاهرة االسالموفوبيا كحالة نفسية<br />
واستجابة ملربرات عديدة كانت الدافع حنو تهديد متثالت غربية أخرى<br />
عن اإلسالم تتسم باهلدوء والتنوع لصاحل تصورات تنميطية ثابتة ترى يف<br />
صورة املسلم حالة بالغية للشهوة والقسوة<br />
( هشام جعيط .) 6448961<br />
والواقع أن االسالموفوبيا تشكل حالة إجحاف يف حق املسلمني يف<br />
ضوء كراهية شديدة وغري مربرة لإلسالم برزت كحالة مؤججة بعد<br />
حوادث احلادي عشر من سبتمرب عرب مظاهر عنصرية صرحية أو توظيفا<br />
لقوانني حتد من<br />
". أسلمة الغرب "<br />
الغرب واإلسالم يف اجلزائر: استقصاء العوائق<br />
هذه العالقة ليست نتاجا لعقالنية معزولة، و إمنا هي نتاج لتفاعل<br />
حثيث بني تصورات وبنى خمتلفة تتأثر باملنطلقات وكذا الرتاكمات<br />
واألبعاد، وهي احلالة اليت ميكن أن ننعت بها حماولة فهمنا للحالة<br />
اإلسالمية يف اجلزائر حتديدا يف عالقتها مع الغرب.<br />
تفرد احلالة اإلسالمية يف اجلزائر يشكل إضافة للمعطى<br />
اإلسالمي العام، وهو األمر املتأتي يف خصوصية البادية من كرنولوجيا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 28<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
اجملتمع اجلزائري بداية من دخول اإلسالم واعتناق اجلزائريني له مرورا<br />
باالستعمار الفرنسي وصوال إىل قيام احلركات اإلسالمية وكذا إىل<br />
حالته اليوم، عن طريق<br />
اخلصوصية احلادثة وطنيا عرب الكرنولوجيا<br />
اخلاصة للشأن اإلسالمي وكذا وضعيته على حد سواء، ومن جهة أخرى<br />
يف التباين احلادث بني الفلسفات اليت تتبناها احلركات اإلسالمية واليت<br />
ميكن إدراكها مثال يف التوجهات السياسية لألحزاب اليت تتخذ اإلسالم<br />
منطلقا هلا<br />
وتفعيله<br />
.(Boubekeur Amel1887986)<br />
والواقع أن بروز التوجه اإلسالمي عرب قناعات تدعو إىل تطبيقية<br />
يعود ألسباب خارجية مرتبطة باجلو العام على الصعيد العاملي<br />
واإلسالمي يف ضوء جناح الثورة<br />
السوفياتي<br />
ألفغانستان<br />
اإليرانية<br />
)<br />
6474<br />
(<br />
)<br />
6474<br />
(<br />
وكذا الغزو<br />
وصوال إىل اتفاقية كامب ديفيد<br />
يف<br />
السنة نفسها واليت رأى فيها كثري من املعتقدين يف جدوى احلل اإلسالمي<br />
اعرتافا بالعدو األبدي.<br />
كما يعود هذا الربوز ألسباب داخلية تعود جذورها إىل مرحلة ما<br />
قبل الدولة الوطنية وبشكل جلي مع إسهامات مجعية العلماء املسلمني<br />
اليت رفعت راية اهلوية اإلسالمية، مبا يشكل اهلوية الضائعة اليت اجتهت<br />
بعض التمثالت الدينية إىل حماولة استعادتها بعد االستقالل كفعل يرنو<br />
إىل تشكيل ملمح هوياتي جزائري خمتلف يف شكله و مضمونه عن<br />
اهلوية اليت سعى االستعمار الفرنسي إىل ترسيخها.<br />
وقد مت ذلك عرب إنشاء مجعية القيم يف<br />
6411 فرباير 69<br />
بتأطري من<br />
اهلامشي تيجاني وعبد اللطيف سلطاني يف حماولة لتأصيل البعد العروبي<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 29<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
واإلسالمي، وكذا من خالل إصدار جملة التهذيب اإلسالمي عرب إسهام<br />
شهري يشجع تفعيل القيم<br />
( الزبري عروس .) 61 :6441<br />
هذا زيادة على إسهامات ملتقيات الفكر اإلسالمي بالنظر إىل<br />
العناية السياسية واالجتماعية اليت القتها حينذاك، حيث شكلت فرصة<br />
للقاء بعلماء اإلسالم خصوصا، وبالتالي مد املشروع الديين يف اجلزائر<br />
مبربرات إضافية للتطور واالستمرارية.<br />
لذلك كثريا ما كان ينظر إىل مضادات اهلوية اإلسالمية على أنها<br />
صنيعة غربية أو استعمارية باألساس، وهو الوعي الذي اجته يف ضوئه<br />
أشد مناصريه يف منتصف الثمانينيات إىل تنظيم احلمالت التأديبية بغرض<br />
تطهري اجملتمع من مراكز الفجور وصوال إىل تبين املوقف السياسي يف<br />
شكله الذي يشجب تصرفات السلطة اخلارجة عن التعاليم الدينية حمل<br />
االعتقاد.<br />
وهو املنطق الذي وجد يف اخللفية السوسيو تارخيية السند املالئم<br />
الستمرارية الفعل املرسخ للتصور اهلوياتي والذي حييل باملقابل إىل طريقة<br />
فهمها لآلخر املختلف، والذي عادة ما كان ينظر إليه كعائق رئيس أمام<br />
الرغبة يف التطور حبسب املقاسات اإلسالمية بالشكل الذي ميكن<br />
إدراكه من خالل عدد ال يستهان به من القيم املتباينة اليت ميكن التفريق<br />
يف ضوئها بني الشرق والغرب، وهي القيم املتباينة اليت أوجدت انشطارا<br />
إيديولوجيا بني خطاب حمافظ على القيم األصيلة داع إىل إحياء الغائب<br />
منها، وخطاب آخر ينعت بالتحديثي يأخذ مربراته من منطلقات تقنية<br />
ولغوية، األمر الذي أسس لثنائية ظلت حتافظ على وجودها بالرغم من<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
التشظي السياسي الذي حصل بإنهيار األحادية احلزبية، يف ضوء تبين<br />
تعددية أبانت عن حضور إسالمي قوي يف البداية.<br />
لقد نظر الغرب يف صورته السياسية خصوصا بعيين الريبة لتطور<br />
املد اإلسالمي يف اجلزائر اليت حتتل موقعا جيو اسرتاتيجيا مينحها فرصة<br />
احليازة على وضعية متقدمة يف عالقتها مع أوروبا وكذا بسبب العالقة<br />
اليت تفرضها حضور اجلالية اجلزائرية.<br />
هذا زيادة على املصاحل االقتصادية والتجارية املشرتكة، بالنظر<br />
إىل دور اجلزائر املفصلي يف تزويد أوروبا بالبرتول والغاز وكذا اعتبارها<br />
سوقا منوذجيا لتصريف املنتوج األوروبي.<br />
وقد أججت تلك الرؤية تصرحيات وتصرفات بعض املنتسبني الذين<br />
رأوا يف فرنسا<br />
– مثال -<br />
احلليف اجلزائري األول، ويف الغرب عموما<br />
سببا يف تفشي ظاهرة الفساد واالحنالل اليت متثلها القيم الغربية من<br />
خالل الطروحات الليربالية اليت تدعو إىل احلرية الشخصية واملساواة بني<br />
اجلنسني.<br />
معامل يف طريق التفاهم<br />
ال أحد ينكر اإلسهامات واالجتهادات اليت جتسدت يف أشكال<br />
التفاهمات بني اإلسالم والغرب، ففي اجلزائر مثال ميكن احلديث عن<br />
الكاتبة السويسرية الروسية األصل إيزابيل إبريهارت اليت عمدت يف<br />
كتبها إىل االحتفاء باإلسالم، ما دفعها العتناقه واستلهام جوانبه<br />
الروحية بالشكل الذي برز يف مؤلفها " حتت الظالل الدافئة لإلسالم<br />
."<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 10<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
وهو االحتفاء الذي جنده عند إتيان ديين الرسام العاملي الفرنسي<br />
األصل الذي أبرز برسوماته مساحة اإلسالم وبعده اإلنساني<br />
.(Bruno Etienne:64549668)<br />
والواقع أن عالقة الغرب باإلسالم مل خترج يف عمومها عن تصورات<br />
يغلب عليها طابع القبلية والثبات يف ضوء حالة غرائبية مشبعة بروح<br />
األسطورة كما هو حادث يف ألف ليلة وليلة، أو حالة انبهار وتقديس رأى<br />
البعض أن باطنها ال خيرج عن إطار التقريظ الزائد عن حده الذي يدرأ<br />
الرغبة يف العمل والتطوير أو حالة ثالثة هي نتاج تراكم تارخيي أوجد<br />
بروزه العاملي مع حوادث احلادي عشر من سبتمرب يف الشكل الذي أصبح<br />
يعرف باإلسالموفوبيا.<br />
لقد برز هذا التفريع الذي أوجد حضوره يف اجلزائر نتيجة تأثريات<br />
الساحة العاملية وكذا بالنظر إىل خصوصية احلالة اجلزائرية املتأتية مما<br />
عاشته من عنف يف ما أصبح يسمى<br />
"<br />
بسنوات الدم و الدمار<br />
."<br />
لقد شهدت اجلزائر يف أوج العنف الذي شاهدته تقتيال وإبادة لعدد<br />
من األجانب حتت طائلة مربرات دينية رمت األجانب بالعدائية على مستوى<br />
امللة والقناعات وكذا بالنظر إىل موقف بلدانهم األصلية.<br />
والزالت بعض احلوادث تلقى بظالهلا على طبيعة التفاهم، خصوصا<br />
ما تعلق حبادثة رهبان تبحرين بدير سيدة األطلس بوالية املدية حيث مت<br />
قتل جمموعة من الرهبان األمر الذي وسع اهلوة بالشكل الذي ألب الرأي<br />
العام الفرنسي خاصة والغربي عموما على اإلسالم واملسلمني.<br />
هذا زيادة على ما يتم الرتويج له من قبل بعض وسائل اإلعالم ذائعة<br />
الصيت اليت تضخم تصرحيات املتشددين وتربز صورهم وكلماتهم مدعمة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 12<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
برتمجة حرفية مباشرة ملا يقولون واليت يعمدون فيها إىل تكفري الغرب<br />
ويدعون إىل إبادته.<br />
ويبقى احلوار رهينا للذكريات املؤملة واملفاهيم اخلاطئة املؤسسة<br />
على عناد املتلقى وتسرعه يف األحكام أحيانا، األمر الذي أدى يف شكله<br />
العام إىل إقصاء متبادل أبانته مواقف كثرية تراكمت عرب التاريخ،<br />
خصوصا تلك املواقف ذات السمة النفسية عرب تداعيات<br />
66<br />
من سبتمرب أو<br />
يف ضوء تلك النظرة النمطية الثابتة اليت متاهي بني املسلم والتخلف<br />
واإلرهاب.<br />
وكذا من خالل تصور الضفة األخرى الذي يرى يف الغرب سببا<br />
مباشرا ألزمة فلسطني وكذا سياسات القهر اليت تعيشها اجلاليات<br />
اإلسالمية اليت ال حترتم خصوصياتها عرب حاالت منع احلجاب على سبيل<br />
املثال ال احلصر.<br />
إن كثريا من املؤسسات السياسية والدينية ممثلة يف اليمني<br />
السياسي والديين تدق نواقيس اخلطر عرب ما يسمى باخلطر اإلسالمي<br />
من خالل تنامي عدد املسلمني وهو األمر الذي أبرزه اليمني السياسي<br />
الفرنسي عرب لوحات انتخابية حذرت من اخلطر اإلسالمي يف صورة<br />
المرأة متحجبة وبأيقونة حتيل إىل ما هو جزائري األمر الذي فهم أنه<br />
استثمار لألزمة اجلزائرية ملصاحل انتخابية.<br />
ويف ظل هذا الزخم من الصراع يربز شكل آخر يف الرغبة يف<br />
التفاهم وجتاوز خمتلف العوائق وتفكيكها سواء يف ممارسة النقد<br />
الذاتي أو التوجه حنو اآلخر بغرض تأسيس منطلقات حوار يدرأ التأويل<br />
املتطرف والصور النمطية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
ويف هذا السياق ميكن اإلشارة إىل إسهامات املفكر اجلزائري<br />
مصطفى شريف الذي يتوجه حنو تبين عمق أكادميي يف طروحاته<br />
املعرفية من خالل رغبته يف إشراك أهم رموز املعرفة اإلنسانية يف احلوار<br />
الدائر مع الغرب ممثلة يف جاك دريدا وجون لوك نانسي.<br />
كما يعتقد مصطفى شريف أن الغرب الزال يضع العوائق أمام<br />
حوار علمي هادف وذلك يف تبنيه ملفاهيم مؤسسة على مصاحله اخلاصة<br />
وعلى توظيف سلوكات املتزمتني واعتبارها داللة على جوهر اإلسالم<br />
.،(Cherif Mustapha1888965)<br />
لقد عمد مصطفى شريف إىل تفكيك معوقات التفاهم<br />
وذلك بتبين رؤية يف حوار يبدأ أوال باالستعداد النفسي ليتجه على مستوى<br />
القصد حنو الطبيعة الفكرية، العلمية والدينية، وهو ما اتضح يف توجهه<br />
حنو أعلى اهلرم املسيحي حينما التقى مع البابا بنديكت السادس عشر يف<br />
66 نوفمرب François1884988) 1881 (Bousquet .<br />
وتتأسس دعوة مصطفى شريف على عدم تبديد املسلمني جلهودهم<br />
أثناء إبراز مكامن قوة الدين اإلسالمي، بالقدر الذي تساهم هذه اجلهود<br />
خصوصا املعرفية منها يف جتاوز النتائج الكارثية حلوادث<br />
الشهرية.<br />
من سبتمرب 66<br />
جتدر اإلشارة إىل أن التقصي املعمق بغرض التعرف على أسباب<br />
احلقد والكراهية أمر مفصلي إلجياد حمفزات هذه العالقة اليت ينبغي<br />
أن تتوجه يف إطار إنساني يدرأ األفكار املتزمتة اليت ترى يف الغرب إباحية<br />
ويف الشرق تعصبا لصاحل ميزان قوى جديد ينبين أوال على قيم التعايش،<br />
فقد كان التعايش سببا مهما يف اعتناق إيزابيل إبريهارت اإلسالم حينما<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
تعرفت على زوجها اجلزائري سليمان هين، كما كانت للصداقة<br />
حضورها مع الرسام العاملي إتيان ديين الذي عاش و مات وفيا لصديقه<br />
اجلزائري سليمان بن براهيم باعمر.<br />
أخريا، ميكن القول أن احلالة اجلزائرية لواقع اإلسالم يف تفردها<br />
وعموميتها تتقاطع يف جوانب عديدة مع احلاالت املوجودة يف اجملتمعات<br />
اإلسالمية األخرى ليتحدد يف هذا اإلطار فهم الغرب لإلسالم أساسا<br />
باملسلمني وقدرتهم على اإلقناع وكذا قوتهم املادية إضافة إىل سلوكاتهم<br />
اليت تعكس البعد اإلنساني لإلسالم على الرغم من احلاصل يف محالت<br />
التشويه اليت يتعرض هلا.<br />
وتبدأ اخلطوة األوىل بتفعيل املؤسسات الدينية الكفيلة بتبليغ<br />
اإلسالم احلضاري والعمل على تفعيله وتروجيه عن طريق األفكار<br />
والسلوكات اليت ينخرط فيها مجيع املسلمني وخصوصا أولئك املنتمني<br />
جملال البحث.<br />
إن تآزر اجلهود يف خدمة أهداف إنسانية حمددة سيجلب فائدته<br />
لصاحل أكرب قدر من الناس يف الشرق والغرب بالشكل الذي يعطي<br />
لآلدمية صفتها احلقيقية، خصوصا وأننا نعيش يف زمن يروج فيه كثري ا<br />
ملقولة الصراع الثقايف الذي ال مكان فيه لثقافة ال متلك القدرة على<br />
اإلقناع واالنتشار.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />
حتليل ملعوقات التفاهم<br />
د. بشري خليفي<br />
املراجع<br />
جعيط هشام)6448(، أوروبا واإلسالم، دار الطليعة، بريوت.<br />
عروس الزبري )6441(، يف بعض قضايا املنهج وتاريخ احلركة اإلسالمية<br />
باجلزائر، جملة نقد للدراسات والنقد االجتماعي، مطبوعات املؤسسة<br />
الوطنية للكتاب، اجلزائر، العدد األول.<br />
Boubekeur Amel(2007)، Political Islam in Algeria، CEPS<br />
Working Document N 268، Belgium.<br />
Bousquet François (2009)، Le Dialogue Interreligieux،<br />
Edition Institut Catholique de Paris<br />
Bruno Etienne(1989)، La France et L’islam، Hachette،<br />
paris.<br />
Cherif Mustapha(2005)، L’islam، L’autre et la Modernité،<br />
ANEP، Alger.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
مؤسسة اآلباء البيض: الفضاء الديين واالقرتاب اجملتمعي.<br />
مالمسة سوسيو- تارخيية مبنطقة غرداية<br />
د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
املركز اجلامعي غرداية<br />
متهيد:<br />
لعبت اجلمعيات التبشريية املسيحية دورًا كبريًا يف نشر معتقداتها<br />
يف اجلزائر وإفريقيا، وتشري املصادر التارخيية إىل تواجدها املنظم يف<br />
اجلزائر منذ الفرتة العثمانية، أخذت حماوالتها التبشريية بادئ األمر<br />
الصبغة السلمية،وبازدياد حضورها الديين واالجتماعي كثافةً حينما<br />
رافقت اجليوش الفرنسية، وشروعها يف بناء الكنائس، واملرافق<br />
االجتماعية والرتبوية والصحية املختلفة بُغية إحياء الكنيسة اإلفريقية<br />
الرومانية باجلزائر، غريت من شكل ممارساتها املساملة إىل أشكالٍ<br />
عنيفة مرتبطة باملسالة الدينية، عندما تدخلت يف شؤون األوقاف، ما<br />
ساهم يف غلق املدارس والزوايا، واستولت على بعض األمالك الوقفية،<br />
وهدمت العديد من املساجد فحوّلتها إىل كنائس.<br />
و قد تأرجح مركز اهتمامها بني الفضاء الديين وحماوالت اقتحام<br />
الفضاءات االجتماعية، والرتبوية املختلفة كالتعليم،<br />
والتمريض،...لالندماج اجملتمعي.<br />
- 1<br />
احلركة التبشريية يف اجلزائر: األصول واجلذور.<br />
تُعد سنة 6181م بداية التقاطع املنظم للجمعيات التبشريية<br />
باجلزائر، يف اللحظة اليت توافد فيها مبشرو مجعية ”آباء دوالمرسي“<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 17<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
،Les pères de la merci بُغية نشر تعاليم اإلجنيل وسط السكان،<br />
وتأسيس مجعيات مسيحية وبناء معابد، فاستمر بعد ذلك تدفق مجعيات<br />
أخرى كالالزاريني<br />
،Les Lazaristes بقيادة<br />
”سان فانسان دي بول“<br />
St<br />
،Vincent De Paul<br />
الذين استحوذوا على إدارة الكنيسة اإلفريقية،<br />
اليت فرضت سلطتها على أغلب اجلمعيات املسيحية األخرى، ونظمت<br />
العمل التبشريي يف اجلزائر حتى بلغ عدد الرهبان باجلزائر ستني<br />
)18(<br />
راهبًا يف سنة 6156م، ثم تتضاعف هذا العدد بتزايد اجلمعيات والرهبان<br />
املسحيني حبجة افتداء األسرى األوروبيني وتقديم املساعدات اإلنسانية<br />
هلم، حيث كان حيتجزهم األسطول العثماني حينها، إىل غاية سنة<br />
6517م عندما تعطل عمل نيابة أسقفية اجلزائر بسبب تردي العالقة بني<br />
فرنسا واجلزائر )شارل روبار اجريون، 19- 1881:<br />
.)91<br />
وبعد احتالل فرنسا للجزائر اشتد تنافس اجلمعيات التبشريية على<br />
الفضاء الديين باجلزائر، فربزت للوجود مجعيات كثرية منها: مجعية<br />
اآلباء اليسوعيني jésuites" ،“les وأخوات القديس جوزيف دي البريسيون<br />
“ Delaprition ،”Les Sœurs du St Joseph والراهبات الثالوثيات<br />
Les " وأخوات العقيدة املسيحية ،“les Religieuses trinitaires"<br />
les وراهبات القلب املقدس" ،”Sœurs de la Doctrine Chrétienne<br />
Les " ومجعية الرتابيست: ،"religieuses du Sacré Cœur<br />
،”trappistes ومجعية إخوان القديس جوزيف دي مانس<br />
Les Frères "<br />
،"de St Joseph Du Mans ومجعية أخوات القديس فانسان دي بول<br />
"Sœurs de St Vincent De Paul"<br />
)خدجية بقطاش، 6441(.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 18<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
ويف سنة 6517م متَ تعني األب شارل أملان الفيجري<br />
Charles<br />
Allemand Lavigerie<br />
على رأس أسقفية اجلزائر، فاستأنف نشاطه بإنشاء<br />
مجعية املرسلني إىل إفريقياd’Afrique ،Société Des Missionnaires أو<br />
ما يُطلق عليها "اآلباء البيض"<br />
،Les Pères Blancs وهم أعضاء<br />
تلك اجلمعية<br />
اإلرسالية الكاثوليكية التبشريية، املسماة "مرسلي اجلزائر"، قبل أن تتحول<br />
إىل "مجعية مرسلي إفريقيا"<br />
.Société Des Missionnaires d’Afrique<br />
و نظرًا اللتزام أعضاء هذه اجلمعية ارتداء الثوب األبيض، انسجامًا مع<br />
الزي التقليدي اجلزائري الذي كان منتشرًا لدى قاطين مشال إفريقيا، أُطلق<br />
عليهم تسمية "اآلباء البيض" ،Les Pères Blancs ويتألف لباسهم من عباءة<br />
بيضاء وسبحة طويلة حتيط بالرقبة يتدىل من طرفها صليب يقع فوق الصدر.<br />
وبُغية التوغل أكثر يف اجملتمع اجلزائري، ضمَ الفيجري<br />
األخوات البيض<br />
Lavigerie<br />
Les Sœurs Blanches<br />
إىل هذه اجلمعية يف سنة 6514م،<br />
لذا عند احلديث عن اآلباء البيض، فإننا املوضوع يضم اآلباء واألخوات معًا.<br />
وتتخذ هذه اجلمعية شعار هلا: "البحث عن اهلل يف خدمة اآلخرين"،<br />
ويتعهد أعضاؤها بأن يكونوا مبثابة آباء وإخوة لآلخرين، كما يسعون<br />
لاللتزام باحلياة البسيطة القريبة من حياة الناس العاديني ألنها تقربهم إىل الرب<br />
)أسعد سكاف،1887:<br />
.)68<br />
اآلباء البيض بغرداية: الكرونولوجيا والنشاط<br />
املرحلة األوىل: حماوالت االستقرار.<br />
-<br />
1-<br />
2<br />
2<br />
تذكر إحدى األخوات البيض يف مذكراتها أنّ أوىل حماوالت التواجد<br />
املسيحي بغرداية يعود إىل سنة 6581م<br />
(La chronique des sœurs<br />
(1922:207, ،missionnaire ومل يكن من السهل على اآلباء البيض<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 19<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
االستقرار بهذه املنطقة، فقد تعددت حماوالتهم،<br />
فاستغرقت مدة إثنى<br />
عشرة سنة من 6571م إىل 6559م، وبعد جمهودات معتربة استطاعوا سنة<br />
6571م إقناع أحد السكان بأن يبيع هلم منزله القديم وقطعة األرض<br />
اجملاورة له يف أسفل مدينة مليكة<br />
)إحدى مدن مزاب السبع(، ومبجرد<br />
انتشار اخلرب عمت االحتجاجات وسط السكان املزابيني، ممّا جعل<br />
صاحب األرض واملنزل يرتاجع ويُلغي صفقة البيع مع اآلباء البيض،<br />
فاستمرت احملاوالت إىل أن متّ شراء منزلٍ وسط مدينة متليلي سنة 6579م<br />
)تبعد حبوالي<br />
19كم جنوب مدينة غرداية(، من طرف اآلباء<br />
بومليي"P.Plaumier، و"بيري بوشن"<br />
مينوري"F.Menoret.<br />
: "بول<br />
، و"فيليب<br />
P.Bouchand<br />
ومبجرد وصوهلم قاموا جبعل املنزل مركزًا هلم ولنشاطاتهم، غري<br />
األمر مل يستمر طويالً، فقد قتلوا مجيعًا يوم<br />
مدينيت املنيعة وعني صاحل<br />
املركز شهر فيفري سنة<br />
مالفري"<br />
جانفي 18<br />
6571م، بني<br />
1825-1892:240) Renault, (F. ، فأُغلق<br />
F.Malfreyt<br />
6575م، ويف سنة 6551م أعاد اآلباء "فيليكس<br />
و"شارل كريمابون"<br />
C.Kermabon<br />
فتح مركز<br />
اآلباء البيض مبتليلي، وبعد مرور سنة واحدة، استأجروا منزالً متواضعًا<br />
لليهودي إسحاق بن داوود مقابل<br />
188<br />
فرنك فرنسي سنويًا )وهو مبلغ جد<br />
معترب حينها( باحلي اليهودي وسط مدينة غرداية سنة 6559م، فقاموا مع<br />
البنّاء الفرنسي بابتيست<br />
Baptiste<br />
.(Dahbia Abrous, 2007:88)<br />
17 يوم ويف<br />
ديسمرب سنة<br />
غرداية، منهن: األخت جوزفني<br />
6541م،<br />
،Josephine<br />
برتميم املنزل دون أن يغادروه<br />
وصلت<br />
األخوات البيض إىل<br />
واألخوات لوويز<br />
،Louise<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
وسان لوك<br />
،Saint Luc<br />
2-<br />
2<br />
وكلوتيد<br />
Clauthide،وسكنَ<br />
منزالً صغريًا<br />
يسمى بدار "موالي" حبي العفافرة الذي يبعد حبوالي كلومرتين عن مدينة<br />
غرداية، ريثما جيدن مقرًا أنسب )وثيقة مرقونة، شهادة األخت جوزيفني(.<br />
اجملتمعي.<br />
املرحلة الثانية: اقتحام الفضاءات االجتماعية<br />
واالقرتاب<br />
قدمت األخوات البيض إىل منطقة غرداية، بُغية اقتحام الفضاء<br />
النسوي للمجتمع، وبعد أيام قليلة فقط من قدومهن، مجعن بضع فتيات،<br />
وبدأن يف إجناز مشغل للخياطة<br />
شهادة األخت جوزيفني(.<br />
جانفي 16 يوم<br />
6541)وثيقة مرقونة،<br />
فوجدن صعوبات مجّة يف توسيع اجملال املكاني لنشاطهن بادئ<br />
األمر، إذ تصدت هلن بعض النساء الداعيات منهن<br />
"اللة نسليمان"<br />
اليت<br />
منعت التعامل مع األخوات البيض، وقد قالت عنها إحدى األخوات يف<br />
مذكرتها: »لقد كانت اللة نسليمان امرأةً مثقفةً ال تغادر الكتب العربية<br />
يديها، بالرغم من كون القراءة والكتابة شبه منعدمة عند املرأة املزابية،<br />
لقد كانت ترتدي مالبس بسيطة جدًا، إالّ أنها متلك أسلوبًا جذّابًا جعلها<br />
تستقطب الفتيات والنساء على حدٍ سواء« Abrous, (Dahbia<br />
2007:91).<br />
مل تقتصر حماوالت اقتحام الفضاءات االجتماعية على األخوات<br />
دون اآلباء البيض، إذ مبجرد استقرار هؤالء باملنطقة حتى سارعوا إىل<br />
تأسيس أول مدرسة هلم، رغم معارضة السلطات العسكرية الفرنسية،<br />
وعلماء املنطقة وأعيانها، إالَ أنَ تلك املدرسة استطاعت أن تستقبل يف<br />
بداية سنتها األوىل68 تلميذًا، ثم وصل العدد إىل<br />
19<br />
تلميذًا، أغلبهم من<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 10<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
اليهود والعرب، ممَا جعل السلطات الفرنسية تفتح مدرسةً موازيةً بأعالي<br />
مدينة غرداية سنة 6558م، ثم أصدر احلاكم العسكري الفرنسي أمرًا<br />
بإجبارية التعليم، بعد رفض بعض العائالت تعليم أبنائهم بكلتا<br />
املدرستني، وجلأت بعض العائالت امليزابية إىل دفع ما بني<br />
و98 98<br />
فرنكًا فرنسيًا ألطفال من السود واليهود، وغريهم للذهاب إىل املدرسة،<br />
بدالً عن أبنائها<br />
.(Dahbia Abrous, 2007:95)<br />
مل يقتصر طابع املقاومة على رفض االلتحاق مبدارس اآلباء البيض<br />
والتعامل مع األخوات البيض فحسب، بل جترأ بعض الشباب املزابيني إىل<br />
إلقاء زجاجات حارقة على املنازل اليت كانت تسكنها األخوات البيض،<br />
إالّ أنَ السلطات العسكرية الفرنسية تعاملت بصرامة اجتاه الشباب،<br />
بتحميل العشائر والضمّان مسؤولية ذلك.<br />
فشعر اآلباء البيض باألمن مما مكّنهم من تكثيف نشاطاتهم،<br />
والتغلغل يف األوساط السكانيه، من خالل مؤسسات املدرسة<br />
واملستوصف ومراكز التكوين املهين للذكور واإلناث، إضافة إىل<br />
األعمال اخلريية والزيارات املتكررة للسكان البدو الرحل.<br />
وبعد توسع نشاط اآلباء واألخوات يف جمال التعليم عند كال<br />
اجلنسني، اخنفضت حدة الرفض االجتماعي لتواجدهم باملنطقة، فقد<br />
قام األب ”دافيد“<br />
David<br />
بكراء ثم شراء منزل للسيد كركاشة سنة<br />
6481م، ومل متر سنة على ذلك حتى اشرتى اآلباء البيض أيضًا قطعة<br />
أرض كبرية ب“تيضفت“، ثم اقتنوا املنازل اجملاورة هلا، واليت كانت ملك<br />
السادة: بن جلول، وبوعروة، ومركوتي، فهدموا تلك املنازل القدمية،<br />
لتشييد بناءات جديدة حملها، وتوىل اآلباء البيض العمل بأنفسهم، دون أن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 12<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
يثري ذلك السكان كما كان حيدث بادئ األمر، وممّا أورده النوري: »أن<br />
كنيسة غرداية بنيت سنة 6489م يف منزل يقع يف بساتني غرداية«<br />
)حممود عيسى النوري،6459: 619(.<br />
عرفت مدرسة اآلباء البيض خالفات ومناوشات كثرية بني<br />
التالميذ اليهود واملزابيني، ما اضطر اآلباء البيض إىل نقل مقر املدرسة<br />
إىل حي باب الراعي بوسط املدينة سنة 6557م، ثم نُقل بعد ذلك مقر<br />
اآلباء البيض نهائيًا من احلي اليهودي يف أفريل 6489م، إىل حي احلفرة<br />
بوسط املدينة.<br />
*<br />
أ( مدرسة التعليم العام:<br />
لقد كانت انطالقة عملية التعليم يف سنواته األوىل صعبةً، إذ رفض<br />
الكثري من سكان غرداية تعليم أبنائهم عند اآلباء البيض، واعتربت<br />
اهليئات العرفية احمللية ملزاب كل من يرتدد على املدرسة أو يرسل أبناءه<br />
إليها منبوذا<br />
(1945:40 Long, ،(Michel Le أمَا من حيث جتهيز<br />
األقسام، فلم تكن الوسائل البيداغوجية متوفرة لدى اآلباء، نظرًا<br />
ملعارضة السلطات الفرنسية التعليم بهذه املدرسة، وقد بلغ عدد التالميذ<br />
سنة 6558م حوالي<br />
ذلك ليبلغ حوالي<br />
18<br />
46<br />
تلميذًا، ثم ارتفع عدد املسجلني عشر سنوات بعد<br />
مسجالً، إالَ أنَ معدل الذين كانوا يواظبون يوميًا<br />
على احلضور مل يتجاوز 11 تلميذًا.<br />
ويف سنة 6547م تقلص عدد التالميذ إىل<br />
18<br />
تلميذًا، بسبب طرد<br />
عدد كبري من التالميذ نتيجة تلك املناوشات بني التالميذ اليهود<br />
وامليزابيني باملدرسة. وبعد انتقال مقر املدرسة من حي اليهود سنة 6489م،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
إىل حي باب الراعي، متَ تسجيل حضور عدد معترب من التالميذ<br />
امليزابيني، مقابل تراجع عدد التالميذ اليهود.<br />
ومن سنة 6489م إىل 6411م اخنفض معدل حضور التالميذ بسبب<br />
احلرب العاملية األوىل، ففي سنة 6469م بلغ معدل التالميذ املواظبني على<br />
احلضور يوميًا<br />
91<br />
تلميذًا، كما خصص اآلباء البيض دروسًا مسائية<br />
لتعلم اللغة الفرنسية سنة 6488م، واجلدول التالي يبني أعداد التالميذ<br />
امللتحقني بهذه املدرسة.<br />
اجلدول رقم )1(:عدد التالميذ مبدرسة اآلباء البيض بني سنة 1884 إىل<br />
1591. )أرشيف مركز الوثائق الصحراوية، غري مصنف(<br />
عدد التالميذ<br />
التواريخ<br />
68<br />
11 جانفي 6559<br />
من 18 إىل 18<br />
19 جانفي 6558 88<br />
مارس 6548<br />
14<br />
ديسمرب 6548<br />
من 48<br />
ديسمرب 6541 18<br />
6547<br />
98<br />
6488<br />
648<br />
6411 -6489<br />
161 أكتوبر 6491<br />
-6419 611<br />
6491 -6491<br />
661<br />
188<br />
أكتوبر 6491<br />
6488<br />
-6499<br />
إىل688<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
وقد متّ تسجيل ارتفاع عدد املتمدرسني باملدرسة سنوات الثالثينات<br />
بعد أن وظف اآلباء البيض معلمني جزائريني مثل: قندافة سامل الذي عمل<br />
باملدرسة من سنة 6464م إىل غاية سنة 6498م، والطيب زاي بني سنيت<br />
6414م، و6497م، وعدون حممد يف الفرتة املمتدة من 6411م إىل غاية<br />
6499م، وقد بلغ عدد املعلمني اجلزائريني مبدرسة اآلباء البيض من سنة<br />
6464م إىل 6498م حنو<br />
ارتفع وأصبح عددهم<br />
1<br />
69<br />
االستقالل حيث بلغ عددهم<br />
معلمني، وبداية من سنة 6491م إىل 6411م<br />
17<br />
98<br />
معلمًا، وواصل عددهم يف االرتفاع بعد<br />
معلمًا عند تأميم التعليم سنة 6471م. وقد<br />
أُطلق عليهم تسمية "املعلمني الالئكيني"، واملقصود بالالئكيني، الذين ال<br />
ينتمون إىل مجعية اآلباء البيض، لكنهم يف خدمة البعثة سواء يف جمال<br />
التعليم، أو يف اخلدمات االجتماعية األخرى، كما عمل بعضهم يف<br />
املناصب اإلدارية، وقد بلغ عدد اجلزائريني يف امليدان التعليمي أكثر من<br />
معلمًا منذ نشأة املدرسة)أرشيف مركز الوثائق الصحراوية، غري<br />
مصنف(.<br />
ويعترب املعلم غناي عمر من املعلمني الذين قضوا أطول مدة مبدرسة<br />
اآلباء البيض، إذ بدأ التدريس سنة 6499م إىل غاية 6471م )مقابلة مع<br />
ابنه غناي حييى(.<br />
أمَا بالنسبة للربامج التعليمية اليت كانت تُدرس باملدرسة، فقد<br />
متثلت يف تعليم اللغة الفرنسية، واحلساب، والتاريخ، واجلغرافيا، إضافةً<br />
إىل بعض قواعد اللغة العربية، ويتحصل الطالب يف النهاية على الشهادة<br />
األهلية االبتدائية )مقابلة مع أسقف األغواط(.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
ب( مدارس التعليم املهين:<br />
لقد أسس اآلباء البيض نوعني من مدارس التعليم املهين، األوىل<br />
موجهًا للذكور، والثانية لإلناث، واهتمت األخوات البيض بالبنات، إذ<br />
فتحهن هلن ورشة لتعليم النسيج واخلياطة والطرز إىل جانب تعليمهن<br />
التدابري املنزلية، وتلقينهن دروسًا يف اللغة الفرنسية سنة 6541م، كما مت<br />
إنشاء ورشة أخرى بغرداية سنة 6415م، موجهة للفتيات اللواتي مل<br />
يستطعن التوجه إىل املدرسة، ومل تقتصر مهمة األخوات البيض يف التعليم<br />
فحسب، بل قمنا بربط عالقات "طيبة" مع النساء ببلدة غرداية وضواحيها<br />
من خالل القيام بزيارات ملنازهلن، وكان يرحب بهن، ويتبادلن احلديث<br />
مع النساء، ويبحثن عن انشغاالتهن اليومية.<br />
أما بالنسبة للتعليم املهين املوجه للذكور، فقد أنشأ اآلباء البيض<br />
يف البدايات األوىل ورشةً لتعليم النقش على النحاس وصناعة اجللود<br />
واحلدادة، وأسس األب<br />
Robin<br />
ورشة لصناعة اخلزف باملنيعة سنة<br />
6469م (1986:215 Cuoq, ،(Josphe كما قدّمت هذه الورشات<br />
دروسًا يف الرتبية الروحية، يقول األب<br />
:Nouet<br />
»وإن املعامل والورشات<br />
هي املكان املناسب للتعليم، وتزويد التالميذ باألفكار املسيحية،<br />
وتشكيكهم يف دينهم اإلسالمي، ثم تركهم بعد ذلك، ليبحثوا عن<br />
احلقيقة املسيحية.«<br />
(Michel Gagnon, 2000: 21)<br />
كما أسسوا مركزًا ملا قبل التمهني يف أواخر اخلمسينات، يسمح<br />
للتالميذ الراسبني، والذين مل ينتقلوا إىل الطور املتوسط بالتكوين ملدة<br />
سنتني، ويتضمن التكوين دعمًا يف اللغة العربية واللغة الفرنسية والعلوم<br />
الطبيعية والرسم، إضافة إىل تعليمهم بعض حرف اليدوية كالنجارة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
واحلدادة والصناعة اإللكرتونية، وعند نهاية التكوين يقوم الطالب<br />
بامتحان يسمح له باالنتقال، وتوجيه إىل مراكز التكوين املهين<br />
املتخصصة ملتابعة التكوين ملدة 1 سنوات، وتقدم له شهادة دولة من طرف<br />
وزارة التكوين املهين، ولعل اجلدول التالي يوضح تزايد عدد األقسام<br />
والتالميذ املنتسبني هلذه املدارس.<br />
اجلدول رقم<br />
: )2(<br />
مدارس اآلباء البيض بغرداية سنة 1591 )سعيد يوسف<br />
بن بكري، 159( 1881:<br />
نوع املدارس<br />
عدد األقسام عدد التالميذ<br />
184<br />
مدرسة اآلباء البيض 1<br />
مدرسة األخوات<br />
البيض<br />
)تعليم عام(<br />
مدرسة األخوات<br />
البيض<br />
)تعليم مهين(<br />
668 9<br />
11<br />
1<br />
كما قام اآلباء البيض بإنشاء إكمالية بغرداية سنة 6487م،<br />
مكنت املئات من الشباب ذكورًا وإناثا من تلقي تكوينٍ تقينٍ وأخالقيٍ<br />
(1986:217 Cuoq, ،(Josphe وال تتوفر لدينا إحصائيات عن الطلبة<br />
بهذه اإلكمالية.<br />
ج( التطبيب أو التمريض:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 17<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
اهتم اآلباء واألخوات البيض بالتمريض، عمالً بتوصيات مؤسس<br />
مجعيتهم الفيجري<br />
Lavigerie<br />
ملا هلذه الوسيلة من دور هام يف استمالة<br />
"قلوب" املرضى، والتأثري على النساء باخلدمات اخلريية، فكانوا يعملون<br />
يف عيادات التمريض واملستوصفات واملستشفيات، إذ متَ إنشاء أول<br />
مستوصف يف غرداية باحلي اجلديد وآخر بباب الراعي، تديره األخوات<br />
ثم مستشفى<br />
"Saint Madeleine"<br />
حبي "تيضفت" )املقر السكين<br />
احلالي لآلباء البيض(، كما كانوا يعملون باملستشفى املدني األهلي<br />
الذي أُنشئ سنة 6541م، الذي كان يستقبل وباالتفاق مع السلطات<br />
الفرنسية األهالي والعسكريني واملدنيني األوروبيني على السواء. )سعيد<br />
يوسف بن بكري، 648( 1881:<br />
يف بداية األمر، رفض السكان املزابيون األدوية والعالج املقدم من<br />
قبل اآلباء واألخوات البيض، باعتبارهم غري مسلمني وال جيوز التعامل<br />
معهم، وأنَ األدوية ال متلك القدرة على الشفاء، ألنّ القدرة على ذلك هلل<br />
فقط، وأنَ هذه األخرية جتلب هلم العار<br />
(Dahbia Abrous,<br />
(2007:94، أمَا بالنسبة لقبيلة بين مرزوق واملذابيح فلم يكونوا من<br />
الرافضني للعالج، إالَ أن فكرة الرفض تغريت مبرور الزمن، وأصبح<br />
السكان يرتادون هذه املستشفيات.<br />
د( الكشافة:<br />
تُعد الكشافة من بني املؤسسات الرتبوية اليت اهتم اآلباء البيض<br />
بتأسيسها، فالتعاون مع الفرق احمللية متَ تأسيس فرق الكشافة مبناطق<br />
خمتلفة من اجلزائر تضم عددًا من املسلمني واليهود واملسيحيني، وكانت<br />
بداية تأسيس الكشافة بغرداية يف مدينة املنيعة على يد األبDuvollet،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 18<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
ثم تابع األب<br />
Jean Le Vacher<br />
اإلشراف على الكشافة بغرداية سنة<br />
76) 6489 Gagnon, 2000: ،(Michel وقامت هذه املؤسسة بتنظيم<br />
رحالت وخميمات صيفية إىل كل من املنيعة ومتليلي وزلفانة وإىل مناطق<br />
خمتلفة من اجلزائر، كما اعتمدت يف نشاطها على شباب املنطقة.<br />
إالّ أنه وجدوا صعوبات يف تكوين املؤطرين الرتبويني لفرق<br />
الكشافة، وال تتوفر لدينا إحصائيات عن الكشافة مبدينة غرداية.<br />
ه( املركز الثقايف للوثائق الصحراوية بغرداية:<br />
تعود نشأة املركز إىل سنة 6491م على يد مؤسسه األب<br />
Jean<br />
،(Josphe Cuoq, 1986:141) Lethielleux<br />
الذي قام جبمع<br />
الكتابات اليت تركها اآلباء البيض السابقون، يتوجد باملركز إضافةً<br />
لذلك العديد من الوثائق والكتب الثمينة وتقارير تضم بعض املالحظات<br />
النفسية واالجتماعية، دوّنها بعض اآلباء واألخوات البيض عن مناطق<br />
جزائرية، أغلبها يتعلق باملناطق الصحراوية.<br />
وقد تعاقب على تسيري املركز عدة آباء بيض، ساهموا مجيعًا يف<br />
إنشائه، وذلك بتجميع الوثائق وتصنيفها وكتابة التقارير املختلفة وتأليف<br />
الكتب، نذكر منهم:Stager David Bond،Roman<br />
Jean ،<br />
Philippe ، Jean Le Vacher، Diego Sarrio،Delheure<br />
،Marcel Chiron،Thirier<br />
ويشرف على املركز حاليًا األب<br />
،Krzysztof Stolarski ويسمى مشرفً عامًا.<br />
وحيوي املركز أيضًا مؤلفات كثرية لآلباء البيض يف جماالت<br />
متعددة، إذ ألّف مثالً األب<br />
Delheure<br />
معجمًا للغة امليزابية، واألب<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 19<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
David Louis<br />
اإلباضي...اخل.<br />
واألب<br />
Pierre Cuperly<br />
3-<br />
2<br />
املرحلة الثالثة: حماوالت التأثري الديين.<br />
كتبًا حول املذهب<br />
يرى النوري أنّ ما كان يقوم به اآلباء واألخوات البيض يف مزاب<br />
من أعمال ال يتجاوز يف عمومه حدود العمل اخلريي اإلنساني، إذ أنهم ال<br />
يتطرقون ملوضوع التبشري إالّ عرضًا يف بعض دروسهم)حممود عيسى<br />
النوري،6459: 619(، وما كان مييز مدرسة اآلباء البيض، عن املدرسة<br />
الرمسية الفرنسية، هو طبيعة التسيري والتدريس، إذ أنّ مسريوها من<br />
رجال الدين يتولون ذلك، كما أنها مل تكون تسعى حملو االنتماء الديين<br />
من أذهان التالميذ، على غرار املدرسة الفرنسية الالئكية يف تعليمها،<br />
إالَ أنَ العملية التعليمية يف مدرسة اآلباء البيض مل ختلوا من الطابع<br />
التبشريي املسيحي، فقد اآلباء البيض يقدمون دروسًا يف الرتبية الروحية<br />
املسيحية،<br />
وهو ما كان يسمى ب: morale" ،"les leçons de تتضمن<br />
تعليم القيم كإتقان العمل، والصرب، والتسامح، اعتمادًا على تعاليم<br />
اإلجنيل، وقد عرف األب<br />
Yves Alliaume<br />
الروحية، خاصة تلك املوجهة إىل األطفال.<br />
بكتاباته عن الرتبية<br />
يقول األب بارمانتيي :Henri Parmentier »أنَ ما كان يهم اآلباء<br />
البيض ليس التكوين من أجل احلياة االجتماعية وإمنا تكوين الروح<br />
الدينية لدى الفرد شيئا فشيئا ثم تغيري طباعه.«<br />
1937:364)<br />
وقد التزم اآلباء البيض يف غرداية بتوصيات ”الفيجري“، يف حني<br />
األب عارضها<br />
“روبرتو فوكا“<br />
(Le père Permantier,<br />
6557(Robertoم- Foca<br />
6471م(<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
ومل يكن ملتزمًا بها، وكان له اطالع واسع بالقرآن الكريم، فتورط يف<br />
نقاش ديين، وجدل عقدي مع علماء وأعيان املنطقة، ممّا أغضب اآلباء،<br />
فتمّ إرساله إىل لبنان.<br />
وقد استقر اآلباء البيض مبدينة املنيعة سنة 6541م، يف منزل<br />
مأجور، وفتحوا مدرسة تقدم دروسًا يف الفرتة الصيفية أثناء جتمع البدو<br />
الرحل يف الواحات وليتوزعوا بعد ذلك عرب الصحراء يف فصل الشتاء، ثم<br />
بُنيت فيها كنيسة<br />
Saint Joseph<br />
سنة 6547م<br />
(Michel Gagnon,<br />
10) ،2000: ومتَ دفن األب Charles de Foucauld<br />
جبانبها، إضافة<br />
إىل بناء ملجأ لألطفال اليتامى، كانوا قد تلقوا فيه تكوينًا دينيًا بني<br />
سنيت 6485م و6461م، حيث بلغ عددهم حينها<br />
فتاتًا حسب اجلدول التالي:<br />
196<br />
اجلدول رقم )3( : عدد اليتامى مبلجأ اليتامى باملنيعة.<br />
طفالً، منهم<br />
698<br />
(Michel<br />
Gagnon, 2000: 27)<br />
السنة<br />
عدد األيتام<br />
11<br />
78<br />
15<br />
6416<br />
6418<br />
6411<br />
نالحظ من خالل هذا اجلدول ارتفاع عدد اليتامى مبلجأ املنيعة يف<br />
سنة 6418م، وهذا يعود إىل أن السلطات الفرنسية طلبت من اآلباء البيض<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 10<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
التكفل بأبناء العسكريني الفرنسيني ذوي األمهات اجلزائريات وقد متَ<br />
تكوينهم على الدين املسيحي.<br />
كما شهدت مدينة املنيعة أكرب عدد من املنصرين، لتواجد ملجأ<br />
األطفال اليتامى هناك، حيث كانوا يف احتكاك دائم ومستمر مع اآلباء<br />
واألخوات البيض، يف حني مل يكن مبدينة غرداية ملجأ لليتامى.<br />
4- 2<br />
املرحلة الرابعة: البحث عن الفضاءات االجتماعية<br />
الشاغرة.<br />
تابعت املراكز التعليمية لآلباء البيض نشاطاتها بعد االستقالل، إال<br />
أنَ إصالح التعليم وتأميم املراكز الرتبوية اخلاصة وإحلاقها باملؤسسات<br />
الرمسية، وإنشاء اللجنة الوطنية إلصالح التعليم سنة 6414م )بن تركي<br />
6451: رابح،<br />
55(، انتهى بتأميم املراكز التعليمية لآلباء البيض<br />
باجلزائر، ومشل ذلك تأميم مدرسة اآلباء البيض والورشات واملستشفى<br />
ومركز ما قبل التمهني بغرداية يف أفريل 6471م، ومتّ إحلاقها<br />
باملؤسسات الرمسية، إالَ أنَ اآلباء البيض احتفظوا باملناصب اإلدارية هلذه<br />
املراكز الرتبوية، وقاموا بتكوين إطارات جزائريني.<br />
مل مينع هذا التأميم اآلباء واألخوات البيض من مواصلة العمل يف<br />
جمال التعليم بغرداية، فقد تابعوا عملهم بهذه املراكز الرتبوية، واشتغل<br />
بعضهم بتدريس اللغات األجنبية باملؤسسات الرمسية كاألب<br />
Raphaël<br />
،Deillon الذي درّس اللغة االجنليزية بثانوية مفدي زكرياء من سنة<br />
6458م إىل غاية 6448م، واألب Claude Rault )أسقف األغواط حاليا(<br />
الذي درّس اللغة االجنليزية مبدينة تقرت، واشتغل بورشة لصناعة النحاس<br />
بغرداية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 12<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
األب<br />
كما مت تأميم املراكز الرتبوية باملنيعة، عدا املتحف، الذي يديره<br />
René Le Clerc<br />
اليت أجريناها مع األب<br />
منذ الستينات إىل يومنا هذا. وحسب املقابلة<br />
Mikel Larburu<br />
يضم هذا املتحف وسائل،<br />
وأدوات قدمية، كان رجل اجلنوب يستعملها للتأقلم مع بيئته الصحراوية،<br />
إىل جانب بعض اهلياكل العظمية حليوانات منقرضة، قام جبمعها<br />
األبLeclerc ،René<br />
وكانت نواة املتحف يف غرفة بإقامة اآلباء البيض،<br />
ثم حتول إىل مقر تابع للبلدية. )مقابلة مع األب الربورو(<br />
إضافة إىل األعمال اليت قامت بها األخوات البيض، فقد سُجّل<br />
حضورهن مبدينة العطف من سنة 6479م إىل 6451م، أين درَسن<br />
باملدرسة احلرة، وقدّمن دروسًا يف التدابري املنزلية واحلرف اليدوية،<br />
إضافة إىل تدريسهن بالتعليم الرمسي، أما مبدينة بين يزقن فلم تكن مدة<br />
تواجد األخوات البيض فيها طويلة مقارنة مبدينة العطف، فقد درسن بها<br />
ملدة سنتني فقط، وذلك من 6458م إىل 6451م، وبطلب من املشرفني على<br />
املدرسة احلرة مبدينة مليكة قدمت األخوات البيض دروسًا يف اخلياطة<br />
والطرز ودروسًا يف اللغة الفرنسية، وفقًا للمقابلة اليت أجريناها مع األخت<br />
Gertrude Christen<br />
املدرِسة السابقة بتلك املدرسة، فقد قضت بها<br />
مدةً زمنيةً طويلة امتدت من سنة6478م، إىل مغادرة املدرسة مع رفيقاتها<br />
األخريات سنة 6448م، نتيجة الظروف األمنية، ولقد سألناه عن طبيعة<br />
التعليم الذي كانت تقدمه فأجابت أن الدروس كانت كلها باللغة<br />
الفرنسية وكانت تشمل تقنيات اخلياطة والتفصيل والطرز واللغة<br />
الفرنسية والتدابري املنزلية، وعن املبادئ اليت سعت إىل تكريسها يف<br />
نفوس طالباتها، أعلمتنا األخت<br />
Gertrude<br />
بأنها درّست فتيات بني سن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
69<br />
و65 سنة، وقد عملت جبد على تعليمهن حب العمل وإتقانه واكتشاف<br />
ذواتهن من خالل اإلبداع، وعن سؤال حول ما إن كانت تتحدث للطالبات<br />
باملدرسة احلرة، عن تعاليم الدين املسيحي، فأجابت أنها مل تقم بذلك،<br />
وأن هدفها كان تدريس ما كان مطلوبًا منها من قبل املشرفني على<br />
املدرسة فقط )مقابلة مع األخت جارتريد(.<br />
9- 2<br />
املرحلة اخلامسة: النشاط احلذر.<br />
تتميز هذه املرحلة بالظروف األمنية اجلزائرية املرتدية، وكان اآلباء<br />
البيض من الفئات املستهدفة، فلم يقتصر األمر على جمرد التهديد، فقد<br />
تعداه سنة 6448م عندما تعرض املركز الثقايف للوثائق الصحراوية<br />
العتداء أسفر عن جرح اثنني منهم، حني حاوال الفرار، ونظرًا لألسباب<br />
األمنية املرتدية، غادر اآلباء البيض املنطقة، فأُغلق املركز إىل غاية<br />
6445م، متَ أُعيد فتحه من جديد، مع تغيري يف تسميته من مركز الوثائق<br />
الصحراوية "CDS"إىل املركز الثقايف للوثائق الصحراوية<br />
،"CCDS"<br />
وأصبح ينظّم نشاطات ثقافية من حماضرات ومعارض. )مقابلة مع األب<br />
فيليكس( ومن بني تلك النشاطات الثقافية ما يلي:<br />
أُقيم يف سنة 1881م باملركز معرض لصور فوتوغرافية لطلبة<br />
املركز القدامى، رفقة معلميهم اآلباء البيض.<br />
نظّم املركز بالتعاون مع مركز الدفاع عن حقوق الطفل واملرأة،<br />
حماضرة بتاريخ<br />
للمحاضرة نادية<br />
18<br />
جانفي 1887م بعنوان "قانون األسرة اجلديد"<br />
آيت زاي عن وضعية حقوق املرأة والطفل باجملتمع<br />
اجلزائري، وقد دافعت بشدة عن قانون األسرة اجلديد.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
مبناسبة شهر الرتاث، أقيم معرض آخر شهر أفريل 1884م،<br />
وعُرضت فيه صور فوتوغرافية قدمية ملنطقة غرداية.<br />
61 نظم يوم يف<br />
أفريل سنة 1884م املركز حماضرة بعنوان: "األمري<br />
عبد القادر: حقوق اإلنسان وحوار الديانات" من تقديم األسقف السابق يف<br />
اجلزائر العاصمة<br />
.Henri Teissier<br />
ويف الفرتة املمتدة ما بني 65إىل<br />
16<br />
أفريل 1884م، متَ تنظيم عرض<br />
شريط بعنوان "نظرة إىل مزاب األمس" وذلك بعرض فيلم:<br />
"Lumières<br />
M'zab" du جبزأيه.<br />
وبالتعاون مع ديوان محاية سهل وادي مزاب وترقيته، ومجعية<br />
الرتشيد السياحي بغرداية، نظم املركز ندوة علمية بعنوان "الوضعية<br />
احلالية للغة املزابية"، نشطها الباحث يف الليسانيات<br />
.Arne Kirchner<br />
)1<br />
مكتبة املركز:<br />
توجد باملركز مكتبة متنوعة املراجع، وُضعت حتت تصرف الطلبة<br />
والباحثني، تضم جناحني مستقلني عن بعضهما:<br />
أ( مكتبة الوثائق والبحث:<br />
تضم هذه املكتبة وثائق خمتلفة بعضها مُحرر من طرف اآلباء<br />
البيض، على شكل تقارير وشهادات، وكتبًا ومؤلفات خاصة باملناطق<br />
الصحراوية عامة، ومبزاب على وجه اخلصوص، إذ يغلب عليها اجلانب<br />
التارخيي، ويعكس هذا اهتمام اآلباء البيض بالعمق التارخيي للمنطقة،<br />
كما جنذ مؤلفات أخرى عن األديان، واجلغرافيا، واجليولوجيا،<br />
والفلسفة، وعلم االجتماع، وعلم النفس، وعلم اللسانيات، إضافة للفنون،<br />
واآلداب، والعلوم التكنولوجية، واالقتصاد، وجمالت علمية، وثقافية،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
أغلبها باللغة الفرنسية، والقليل منها باللغة العربية، أو لغات أخرى، غري<br />
أنه ال يُسمح باإلعارة اخلارجية نظرًا لقيمتها ونذرتها.<br />
و بهذا اجلناح أيضًا، جمموعة كبرية من الصور الفوتوغرافية<br />
القدمية والنادرة، التقطها اآلباء البيض ملناطق خمتلفة من اجلزائر خالل<br />
زياراتهم هلا.<br />
ب( مكتبة املراجع القابلة لإلعارة اخلارجية:<br />
يضم هذا اجلناح كتبًا متنوعة يف خمتلف التخصصات؛ كعلم<br />
االجتماع، وعلم النفس، واحلقوق،، التاريخ واجلغرافيا، إضافة لكتب<br />
الدعم املدرسي، والروايات، وبعض اجملالت، واجلرائد، ومعظمها باللغة<br />
الفرنسية، والبعض اآلخر مكتوب بلغات أخرى، وما مييز هذا اجلناح<br />
عن سابقه، هو السماح للمنخرطني باإلعارة اخلارجية للمراجع املختلفة،<br />
إذ على الفرد الراغب يف االخنراط يف كال اجلناحني، يدفع مبلغ ألف<br />
دينار جزائري )6888دج( سنويًا للعامل، ومخسمائة دينار جزائري<br />
)888دج( سنويًا لغري العامل والطالب، فتُصنع له بطاقة خاصة، ومبوجبها<br />
يصبح له احلق يف إعارة أي مرجع شاء، على أالَ تطول مدة اإلعارة عن<br />
الشهر الواحد، وبالرغم من توفر خمتلف املراجع يف كال اجلناحني،<br />
ورمزية مثن االخنراط، واعتقاد اآلباء البيض أن املركز يشهد تزايدًا<br />
معتربًا لعدد املنخرطني يف السنوات األخرية، مع افتتاح املركز اجلامعي<br />
لغرداية، إالَ أنّ اإلقبال على االخنراط ال يزال متواضعًا حسب اعتقادنا،<br />
بل يشهد تراجعًا يف أعداد املنخرطني منذ 1881م، وهذا ما يبينه اجلدول<br />
التالي:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
اجلدول رقم<br />
:)14(<br />
2111<br />
يبني عدد املنخرطني يف مكتبة املركز بني سنيت<br />
و2115.<br />
املنخرطني يف املكتبة املنخرطني يف املكتبة<br />
املواسم الدراسية<br />
178<br />
1887<br />
موسم -1881 118<br />
1885<br />
موسم -1887 111<br />
1884<br />
موسم -1885 )2<br />
العملية التعليمية باملركز:<br />
اهتم اآلباء البيض بالعملية التعليمية منذ أن وطأت أقدامهم أرض<br />
هذه املنطقة، وقد سبق احلديث عن املراحل اليت مرت بها العملية<br />
التعليمية، وال يزال االهتمام بهذا اجلانب قائمًا، إذ أنهم يشرفون حاليًا يف<br />
املركز الثقايف للوثائق الصحراوية منذ إعادة افتتاحه سنة 6445م، على<br />
تقديم دروس يف اللغات األجنبية، كاللغة الفرنسية، واإلجنليزية، ويتم<br />
التسجيل يف بداية كل سنة دراسية، مببلغ رمزي للعامل يقدر بألف دينار<br />
)6888دج( سنويًا، بينما يدفع غري العامل والطالب نصف املبلغ )888دج(<br />
سنويًا، وبهذا التسجيل يصبح املتعلم منخرطًا يف مكتبة املركز بدون<br />
دفع مبلغ االخنراط فيها، وبعد االنتهاء من عملية التسجيل يقوم املشرفون<br />
على العملية التعليمية باختبار املسجلني قصد تصنيفهم ضمن املستويات<br />
الثالث وحسب اللغة اليت يرعبون تعلمها، وقد متَ هذه السنة إلغاء املستوى<br />
الثالث، فأصبح باملركز مستويني فقط، وباملقابل أُضيف تعلم اللغة<br />
األملانية موسم<br />
احلالي.<br />
-1887<br />
1885، وتعويضها باللغة اإلسبانية منتصف املوسم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 17<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
ولقد كان اجملال سابقًا مفتوحًا لطلبة السنة الثالثة ثانوي،<br />
للتسجيل وتعلم اللغات األجنبية، ونظرًا للطلبات الكثرية ونقص املعلمني<br />
واخلوف من االكتظاظ متَ يف هذه السنة إلغاء تسجيلهم، واالكتفاء<br />
باملتعلمني<br />
"البالغني"<br />
فقط، وتبني اجلداول التالي إحصائيات املتعلمني يف<br />
.1887<br />
املركز منذ املوسم الدراسي: 1881-<br />
اجلدول رقم<br />
:)19(<br />
إحصائيات املتعلمني يف املركز لبعض السنوات<br />
الدراسية )أرشيف مركز الوثائق الصحراوية، غري مصنف(<br />
السنوات<br />
اللغات<br />
عدد<br />
عدد<br />
اجملموع<br />
عدد<br />
الدراسية<br />
املُدرّسة<br />
الطلبة<br />
طلبة<br />
املعلمني<br />
البالغني<br />
النهائي<br />
8<br />
6<br />
655<br />
618<br />
78<br />
618<br />
661<br />
-<br />
الفرنسية<br />
االجنليزية<br />
-1881<br />
1887<br />
1<br />
185<br />
648<br />
اجملموع 661<br />
8<br />
6<br />
168<br />
78<br />
678<br />
18<br />
698<br />
98<br />
الفرنسية<br />
االجنليزية<br />
-1887<br />
1885<br />
6<br />
18<br />
18<br />
األملانية 88<br />
7<br />
968<br />
118<br />
اجملموع 658<br />
1<br />
1<br />
618<br />
611<br />
88<br />
88<br />
618<br />
611<br />
الفرنسية<br />
االجنليزية<br />
-1885<br />
1884<br />
6<br />
18<br />
88<br />
االسبانية 18<br />
8<br />
167<br />
88<br />
اجملموع 167<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 18<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
املراجع:<br />
مقابلة مع األب<br />
Mikel Larburu<br />
: 18 يوم<br />
أفريل 1884، مبركز الوثائق<br />
الصحراوية بغرداية.<br />
وثيقة مكتوبة باآللة الراقنة حتمل رقم 1815، موجودة مبكتبة األستاذ: عبد<br />
الرمحان حوّاش بغرداية معنونة ب:<br />
Témoignage de la sœur<br />
Josephine<br />
األرشيف غري املصنف مبكتبة البحوث باملركز الثقايف للوثائق الصحراوية،<br />
غرداية. مكتوب على علبة األرشيف:<br />
Ghardaia, école des pères<br />
1885، مبركز<br />
68<br />
blancs 1884-1976<br />
Gertrud Christen<br />
ديسمرب<br />
يوم مقابلة مع األخت<br />
الوثائق الصحراوية بغرداية.<br />
أفريل<br />
مقابلة مع أسقف األغواط األب: كلود روRault ،Claud يوم 1884 مبركز الثقايف للوثائق الصحراوية بغرداية، وهو مقر األسقفية.<br />
مارس<br />
مقابلة مع ابنه غناي حيي، مدير مدرسة ابتدائية، يوم مبكتبه يف املدرسة ببين يزقن.<br />
مقابلة مسجلة مع األب فيليكس تيليشياTellechea ،Félix حصة إذاعية،<br />
حواضر بالدي، إذاعة غرداية يوم:<br />
،1884<br />
86<br />
61<br />
69 جوان .1885<br />
خدجية بقطاش، احلركة التبشريية يف اجلزائر6518-<br />
دحلب، اجلزائر<br />
6576، منشورات<br />
.6441<br />
محو حممد عيسى النوري، دور امليزابني يف تاريخ اجلزائر، ج6، دار<br />
الكروان، باريس، 6459.<br />
حصلنا على اإلحصائيات من املشرف العام على املركز الثقايف للوثائق<br />
الصحراوية األب<br />
Krzysztof Stolarski<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 19<br />
العدد الثاني<br />
جوان
مؤسسة اآلباء البيض د/ خواجة عبد العزيز أ/ داود عمر<br />
<br />
بن تركي رابح، جهود اجلزائر يف تعريب التعليم العام والتقين واجلامعي<br />
6459، جملة الثقافة، العدد: 46، فيفري 6451، اجلزائر.<br />
-6411<br />
احلاج سعيد يوسف بن بكري، تاريخ بين ميزاب: دراسة اجتماعية واقتصادية<br />
وسياسية، املطبعة العربية، غرداية، اجلزائر، ط1، 1881.<br />
أسعد السكّاف، اآلباء البيض: مجعية مرسلي إفريقيا، يف: موسوعة األديان،<br />
دار النفائس، ط9، بريوت، 1887.<br />
أجرون.ش.ر، اجملتمع اجلزائري يف خمرب اإليديولوجية الكولونيالية، تر: ولد<br />
خليفة حممد العربي، منشورات ثالة، اجلزائر،1881<br />
-Joseph Cuoq, Lavigerie, les pères blancs et les Musulmans<br />
Maghrébins, Société des Missionnaires d'Afrique, Rome,<br />
1986.<br />
- Henri Thissier, Histoire des Chrétiens d'Afrique du Nord,<br />
(Libye. Tunisie. Algérie. Maroc), Edition Desclée, France<br />
1991<br />
- Michel Lelong. P.B, Le Sahara Aux Cents Visages, Edition<br />
ALSATIA, 1945, France.<br />
- Michel Gagnon et al, , Aperçu sur l'histoire de la mission au<br />
Sahara, Fascicule 1, Laghouat (Algerie), 2000.<br />
- Le père Parmentier, Le père Parmentier, Les écoles, Revue<br />
grands lacs, Revue Mensuelle des Missionnaires d'Afrique,<br />
53ème année, N : 5-6, 1er Mars 1937, Paris, France.<br />
- La chronique des sœurs missionnaire de notre-dame<br />
d’Afrique9 sœurs Blanche du cardinal Lavigerie, 11e année,<br />
Paris, janvier 1922.<br />
- F. Renault, Le cardinal Lavigerie 1825-65419 L’eglise,<br />
l’Afrique et la France, édition Fayard, Paris, 6441.<br />
- Dahbia Abrous, la Société des Missionnaires d’Afrique à<br />
l’Epreuve du Mythe Berbère kabyle- Aurès -Mzab, édition<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بني التأصيل التارخيي والواقع املعاصر.<br />
أة. بودالية تواتية، أة. سواملية نورية<br />
جامعة معسكر<br />
قال وزير الشؤون الدينية يف افتتاحية العدد السادس من رسالة املسجد:<br />
" "عندما تدافع<br />
رسالة املسجد"عن مرجعية العمل الديين يف اجلزائر فإنها<br />
تدافع عن ذلك املوروث املشرتك املتمثل يف االختيارات األساسية اليت توطأ<br />
عليها اجملتمع اجلزائري منذ قرون خلت. واليت متثل إجابات عن مسائل<br />
خالفية أساسية رمست كل إجابة منها ملمح التدين يف بقعة من بقع<br />
الدنيا، باعتبار القاعدة الذهبية اليت تقول" ال ينكر تغري األحكام بتغري<br />
الزمان". هذه املرجعية جيب أن يراعيها كل موظفي الفضاء الديين يف<br />
اجلزائر، وأن حترتمها كل هيئات اجملتمع األخرى، وأن يستمد منها<br />
اإلمام واملرشدة الدينية ومعلم القرآن الكريم، واملؤذن.... وأن يستمدوا<br />
مجيعا من هذه املرجعية اخللفية املنهجية للعمل الديين يف اجلزائر" )بوعبد<br />
اهلل غالم اهلل، 1(. 1884:<br />
وانطالقا من هذه الفكرة كانت إشكالية هذا البحث تتمحور حول<br />
طبيعة املرجعية للخطاب املسجدي، وهل اخلطاب املسجدي يف اجلزائر<br />
يعتمد يف ممارسة وجوده على مرجعية دينية وطنية، وهل تتماشى هذه<br />
املرجعية مع املنحى احلضاري املعاصر لواقع اجلزائر؟<br />
ولإلجابة عن هذه التساؤالت ينبغي أن حندد:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 10<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
-<br />
-<br />
-<br />
6<br />
1<br />
1<br />
مفهوم اخلطاب الديين واملرجعية الدينية.<br />
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي: املرجعية العقدية<br />
والفقهية يف الرتاث اإلسالمي للجزائر.<br />
واقع اخلطاب املسجدي يف اجلزائر.<br />
أوال: اخلطاب الديين يف الوضع اللغوي واالصطالحي<br />
اخل طاب الديين ه و ك ال م اهلل ت ع ا ىل ل لنّ اس أمج ع ني، م ن خ الل<br />
الدعوة اليت محلها كتابه الكريم، بقوله عز وجل: )ادْعُ إِلَى سببِيلِ رببِكَ<br />
بِالْحِكْمبةِ وبالْمبوْعِظَةِ الْحبسبنبةِ وبجبادِلْهُمْ بِالَتِي هِيب أَحْسبنُ إِنَ رببَكَ هُوب أَعْلَمُ<br />
بِمبنْ ضبلَ عبنْ سببِيلِهِ وبهُوب أَعْلَمُ بِالْمُهْتبدِينب(<br />
)النحل: 618(<br />
، كما أمر<br />
الرسول صلى اهلل عليه وسلم بتبليغ الدين وخماطبة النّاس مبا يفهمونه وما<br />
تقبله عقوهلم وليس مبا يعجزون عن فهمه وإدراكه، ومن وسائل التبليغ<br />
خماطبة املبلغني. حيث يقول عز وجل: )وبمبا أَرْسبلْنبا مِنْ ربسُولٍ إِلَا بِلِسبانِ<br />
قَوْمِهِ لِيُبيِنب لَهُمْ فَيُضِلْ اللَهُ مبنْ يبشباءُ وبيبهْدِي مبنْ يبشباءُ وبهُوب الْعبزِيزُ<br />
الْحبكِيمُ(،. فمن الطبيعي أن يكون اخلطاب هو الوسيلة املثلى لتبليغ<br />
الرسالة احملمدية.<br />
- 1<br />
-2<br />
اخلطاب لغة<br />
ورد عند ابن منظور يف لسان العرب كلمة اخلطاب مبعنى الكالم،<br />
أو ما يتصل بالكالم. واخلطاب واملخاطبة تعين مراجعة الكالم، ومنه<br />
اخلطبة وهي عند العرب الكالم املنثور املسجع )ابن منظور، د ت: 118(.<br />
اخلطاب يف االصطالح<br />
ه و ك - ل ك ال م جت ا وز اجلم ل ة س وا ء ك ان مك توب ا أ و م لفوظ ا )سعد<br />
البازعي، ميجان الرويلي، 44(. 1888:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 12<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
-<br />
ميز الباحث املغربي علي أومليل بني نوعني من اخلطاب: "خطابا<br />
حيمل أمرا مقدسا شرعيا أو خربا من السماء تصديقه أمر، وخطابا خيرب<br />
عن الواقعيات من عامل الطبيعة، ولكل خطاب مقياس للصدق تبعا للعامل<br />
الذي حييل إليه عامل الغيب أو عامل الطبيعة"<br />
)علي أوميل، 91(. 6459:<br />
-<br />
عرفه الند: "اخلطاب هو التعبري عن الفكر وتطوره بواسطة متتالية<br />
من الكلمات والقضايا املتسلسلة املرتابطة"<br />
(Lalande, 1996: 277-<br />
.278)<br />
-<br />
اخل ط أما اب ال ديين فه و البي ان ال ذ ي يو ج ه با س م اإل س ال م إ ىل النّ اس<br />
مسلمني وغري مسلمني لدعوتهم إىل اإلسالم أو تعليمه هلم أو تربيتهم عليه<br />
عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، فكرا وسلوكا، لشرح موقف اإلسالم<br />
من قضايا احلياة واإلنسان والعامل فرديا أو اجتماعيا روحيا أو ماديا<br />
نظرية أو عملية<br />
)يوسف القرضاوي، 18(. 1889:<br />
ويتخذ اخلطاب أساليب شتى قدمية وحديثة: من اخلطبة واحلاضرة<br />
والدرس واحلديث واملقالة والرسالة والكتاب والندوة والبحث امليداني<br />
والتحقيق الصحفي، والربنامج اإلذاعي والتلفزيوني )يوسف القرضاوي،<br />
.)61 :1889<br />
-3<br />
وسنقتصر يف حبثنا هذا على اخلطاب املسجدي.<br />
اخلطاب املسجدي<br />
تستدعي الدعوة اإلسالمية إىل ألسنة قوالة من أهل اإلسالم لتأييده<br />
ونص ره، ونش ر ت عاليم ه ومبادئ ه ع ل ى أ حس ن و ج ه و أ كم ل ح ال، ف إنّ<br />
خماطبة احلشود واجلماعات حتدث يف صفة متكررة يف اجلمع واألعياد،<br />
ولعل من أوائل أنواع اخلطابة يف اإلسالم ما صدع به الرسول عليه السالم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
بني ظهراني قريش بعدما أنزل اهلل عليه قوله تعاىل) وأنذر عشريتك<br />
األقربني( )سعود بن براهيم الشريم، د ت: 66(.<br />
وبعد فرض صالة اجلمعة وخطبتها أصبحت صلة النيب صلى اهلل<br />
عليه وسلم جبمهور النّاس تتكرر نهاية كل أسبوع، مما أفضى على<br />
اخلطبة شيئا من األهمية واملكانة، ألنّها منرب التوجيه واإلرشاد فضال عن<br />
األعياد واملناسبات العامة كالكسوف واالستسقاء، ثم ورثها عنه اخللفاء<br />
الراشدون )سعود بن براهيم الشريم، د ت: 66(. واتسعت مبرور الزمن<br />
ح ت ى أص بحت يف ال ع لم ا ء واملش اي خ وم ن أ ش هرهم يف ال ت اري خ اجلزائ ر ي يف<br />
العصر الوسيط اخلطيب ابن اخلراط أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل بن<br />
حممد املعافري القلعي<br />
)حييى بوعزيز، 11( 6448:<br />
، والشيخ عيسى بن<br />
أمحد اهلنديسي ابن الشاط البجائي خطيب جامع جباية )حييى بوعزيز،<br />
17(، 6448: واخلطيب حممد بن عيسى أزبار من كبار علماء وادي<br />
ميزاب، واخلطيب أمحد بن باديس أبو العباس القسنطيين، واخلطيب<br />
الفقيه املالكي حسن بن خلف اهلل بن حسن بن أبي القاسم بن ميمون بن<br />
باديس القيسي القسنطيين )عادل نويهض، 61؛ 6458: 17-<br />
نطاقها يف مساجدنا اليوم.<br />
.)15<br />
-4<br />
واتسع<br />
مكونات اخلطاب الديين<br />
ميكننا أن نرُدَ مكونات اخلطاب اإلسالمي إىل نوعني: املكون<br />
الشرعي املتمثل يف الوحي اإلهلي من قرآن وسنة نبوية صحيحة وهو أصل<br />
اخلطاب اإلسالمي ومنطلقه ومرجعيته الثابتة الدائمة، لكونه صادرا عن<br />
اهلل سبحانه الذي أبدع الوجود كله. واملكون البشري الذي يعود إىل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
اجتهادات البشر يف الفقه واالستنباط من النصوص الشرعية )رابطة<br />
اجلامعات االسالمية، د ت: 17(.<br />
: ثانيا<br />
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي يف التاريخ اجلزائري<br />
من خالل استقرائنا مجلة من اخلطب املسجدية يف اجلزائر لعدد من<br />
اخلطباء وجدنا اتفاقا واضحا يف االستدالل على املواضيع املطروحة<br />
بأ حاديث م طر وقة يك ث ر طر حه ا وذ كره ا م ع أنّ هن اك أ حادي ث جيه ل ها<br />
ويغفل عنها الكثري من األئمة يف الوقت احلاضر، وليس هذا احتقارا أو<br />
تقليال من شأنها، ولكن نريد أن نصل إىل مبتغانا وهو املرجعية اليت<br />
يقصد بها" اإلطار الكلي واألساسي املنهجي، املستند إىل مصادر وأدلة<br />
معينة لتكوين معرفة ما أو إدراك ما يبين عليه قول أو مذهب، أو اجتاه<br />
يتمثل يف الواقع علما أو عمال" )سعيد بن ناصر الغامدي،<br />
-911 :6916<br />
.)114<br />
وال غاية م ن ه ذا احل ديث ف تح اجمل ال ل لخ طب ا ء ل ل تن قي ب ع ن املر ج عي ة<br />
الدينية الوطنية يف بطون كتب الرتاث اإلسالمي اجلزائري، الذي يزخر<br />
باجتهادات يف العقيدة والفقه واخلروج بالفوائد، وهو ما حيتاج إليه اجليل<br />
املعاصر أشد احلاجة لالستفادة واالطالع عليه. فهل هناك مرجعية دينية<br />
وطنية يعتمد عليها اخلطاب املسجدي؟<br />
عرفت اجلزائر منذ الفتح اإلسالمي هلا دخول عدة اجتاهات مذهبية<br />
عقدية قهي ة وف ؛ حبي ث ت عايش ا امل ذهب امل الكي واإلباض ي، واحلنف ي ب ع د<br />
خضوعه للحكم العثماني، لكنه سرعان ما تقلص، بسب نصرة املذهب<br />
املالكي الذي توطدت أركانه، وقويت دعائمه حتى غدا املذهب السائد<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
يف اجلزائر. واملنحنى البياني يوضح قوة الفقهاء املالكية يف اجلزائر من<br />
الفتح حتى نهاية العهد العثماني.<br />
اجلدول إ رقم"6" حص ائيات ح ول ع دد الف قه ا ء يف اجلزائ ر حس ب امل ذهب<br />
من خالل كتاب عادل نويهض<br />
املذهب مالكي شافعي حنفي إباضي<br />
النسبة % 49 % 81، 8 % 11، 6 % 91، 58،1 %<br />
% 100,00<br />
نسبة الفقهاء حسب المذهب<br />
% 80,00<br />
% 60,00<br />
% 40,00<br />
النسبة%<br />
% 20,00<br />
% 0,00<br />
مالكي شافعي حنفي اباضي<br />
إذن ميكن القول أنّ هناك مرجعية دينية وطنية فيما كتبه علماء<br />
اجلزائر يف العلوم اإلسالمية، فلقد حفل التاريخ الفقهي اإلسالمي<br />
باجلزائر بعصور اجملتهدين الذين أثروا يف الفكر اإلسالمي وبينوا<br />
الثوابت واجتهدوا يف املتغريات. فيقول احلفناوي يف ذلك<br />
فالظاهر أنّ :"<br />
القطر اجلزائري قد اجتهد قدميا يف طلب العلم جبميع أسبابه، وأتاه من<br />
سائر أبوابه، ووقف على معقوله ومنقوله، فتمكن من أصوله وفصوله،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
-6<br />
وكان لعلوم وقته جامعا ولرياته رافعا مثل أخويه املغربني األقصى<br />
واألدنى، فظهر يف األقاليم بدره، واشتهر يف التاريخ قدره بعلماء بنوا<br />
تأليفهم على أركان التحقيق وحصنوها بأسوار التدقيق، فكانوا يف<br />
عص ورهم جن و م اه ت دا ء و أئم ة اق ت دا ء، ولك ن ط واهم و أض رابهم ف ل ك<br />
االنقالب يف مغارب األفول" )أبو القاسم احلفناوي، 6(. 6446:<br />
ويف هذا املقام يتعذر علينا إيراد كل ما كتبه علماء اجلزائر يف<br />
جمال العلوم اإلسالمية لكثرتها ووفرتها، فاإلنتاج غزير ومتعدد املشارب<br />
لتتعدد قضايا الفقه نفسه، ومن جهة أخرى فنحن مل نطلع على كل هذا<br />
اإلنتاج الذي ال يكاد خيلو يف أي فرتة من تاريخ اجلزائر يف كتاب عادل<br />
نويهض" أعالم اجلزائر من الفتح اإلسالمي إىل الوقت احلاضر". ومن هذا<br />
املنطلق نسعى إىل حتديد مناذج ألعالم املرجعية الدينية الوطنية الّذين<br />
ساهموا يف الفقه وأصوله، واحلديث وعلومه، وكتبوا يف العقيدة<br />
والتوحيد. ونصنفهم حسب:<br />
املرجعية العقدية:<br />
علم الكالم وعلم التوحيد على السواء من أهم العلوم، فقد عرفه<br />
مصطفى الرصايف يف القرن الثاني عشر مبا يلي:" علم الكالم أوثق العلوم<br />
دليال وأوضحها سبيال، وأشرفها فوائد، واجنحها مقاصد، إذ تعرف ذات<br />
احلق وصفاته، ويصرف عنه ما ال يليق به وال يقبل تقبله ذاته" )أبو القاسم<br />
سعد اهلل، 46( 6458:<br />
، ويضيف وزير الشؤون الدينية:" وليس أستاذ<br />
العقيد يف معهد تكوين األئمة... إال ورثة السنوسي واألخضري وأمثاهلما<br />
الذين ورثوا هذا املنهج يف فهم العقيدة وتدريسها عن أبي احلسن<br />
األشعري، وأبي زيد القريواني، وهم الذين ترمجوا عقيدة السلف تفي<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 17<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
حباجة عقل زمانهم، فدافعوا عن الشبهات اليت أثارها..أصحاب الفلسفات<br />
واألفكار الوافدة مع توسع الفتح اإلسالمي" )أبو عبد اهلل غالم<br />
اهلل،1884<br />
.)9:<br />
<br />
جمال العقيدة:<br />
ونظرا هلذه األهمية نذكر بعض ممن اهتموا بالتأليف يف<br />
أمحد بن قاسم بن حممد بن ساسي التميمي البوني)6811-<br />
6614ه/6181-<br />
6711م( )عادل نويهض،6458<br />
،)88<br />
-94 :<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
)حممد<br />
إبراهيم علي، 818(، 1886: من كبار فقهاء املالكية، عامل باحلديث،<br />
ول د ببون ة ب عناب ة ش رقي اجلزائ ر، ل ه ك ت ب ك ث ري ة ع ددت مبائ ة ك ت اب<br />
نذكر منها يف العقيدة:<br />
فتح األعالق على وجوه مسائل خليل بن إسحاق.<br />
النور الضاوي على عقيدة الطحاوي.<br />
النفحة املكية يف نظم العقيدة السبكية.<br />
فتح املعيد بنظم عقيدة ابن دقيق العيد.<br />
املعارف األنسية بنظم العقيدة القدسية.<br />
الفتح املتوالي بنظم عقيدة الغزالي.<br />
نظم عقيدة الرسالة.<br />
نظم العقيدة الوسطى للسنوسي.<br />
نظم عقيدة ابن حاجب.<br />
م د يو س ف ب ن عم ر ب ن ش عيب أب و عب د اهلل السنو س ي )511-<br />
548ه/6915-<br />
6948م( )عادل نويهض،6458<br />
: 685( كبري علماء<br />
تلمسان وزهادها يف عصره، عامل يف التفسري واحلديث وعلم التوحيد،<br />
وله:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 18<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
عقيدة أهل التوحيد ويسمى العقيدة الصغرى.<br />
العقيدة الوسطى.<br />
شرح صغرى الصغرى.<br />
حممد بن أمحد بن حمم د ب ن أمح د ب ن حمم د ب ن أب ي بك ر ب ن<br />
مرزوق)711- 591ه/6119- 6917م( )ابن مريم، 186(، 6451:<br />
أ) محد بابا التنبكيت، 944- 1888:<br />
)885<br />
، املعروف باحلفيد، فقيه<br />
حجة يف املذهب املالكي، عامل باألصول، حافظ للحديث، وله يف<br />
العقيدة: اآليات الواضحات يف وجه داللة املعجزات. عقيدة التوحيد<br />
املخرجة من ظلمة التقليد.<br />
حممد بن عبد الرمحن الديسي)6178- 6198ه/6589- 6411م(<br />
)عادل نويهض،6458<br />
)691 :<br />
، مقرئ حنوي، متكلم أصولي، فقيه<br />
مالكي، ولد يف قرية الديس بالصحراء الغربية يف جنوب اجلزائر، نبغ يف<br />
العلوم الشرعية ومن كتبه:- درة عقد اجليد يف عقائد علم التوحيد.<br />
شرح أرجوزة التوحيد للشيخ شعيب التلمساني.<br />
العقيدة الفريدة منظومة يف التوحيد.<br />
أمحد بن الطيب بن حممد الصاحل بن سليمان العيساوي الزواوي<br />
)ت6186ه/6511م( )عادل نويهض،6458<br />
املالكية، من أثاره:<br />
)616 :<br />
-<br />
التوحيد.وتكملة الفوائد يف حترير العقائد.<br />
-1<br />
املرجعية الفقهية:<br />
من كبار علماء<br />
الدرة املكنونة أرجوزة يف عقائد<br />
-<br />
-<br />
-<br />
<br />
-<br />
-<br />
<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 19<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
<br />
عندما نتحدث عن اإلنتاج الفقهي يف اجلزائر فمن الطبيعي أننا<br />
سنركز على إنتاج الفقه املالكي الذي تنوعت فنونه الشرعية من األصول<br />
والفرائض والف ت ا و ى واأل حك ا م، والش ر وح واحلوا ش ي و غ ريه ا مم ا ي تص ل<br />
بالعبادات وم واملعامالت. ن أ ع ظ م الف قه ا ء ال ذين ع رف تهم اجلزائ ر تدريس ا<br />
وتأليفا نذكر على سبيل املثال ال احلصر:<br />
أبو جعفر أمحد بن نصر الداودي )ت 981ه/6866م( )حييى بوعزيز،<br />
،)6448918<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
<br />
)أبو رأس الناصري، 17( 1885: عامل من أئمة املالكية،<br />
أصله من مدينة مسيلة، وقف ضد الشيعة الفاطميني وكفر كل من<br />
يدعو هلم على املنابر، ومن كتبه:<br />
النامي وهو شرح لكتاب املوطأ مالك يف الفقه واحلديث.<br />
النصيحة، وهو شرح كتاب صحيح البخاري يف احلديث.<br />
كتاب تفسري القرآن الكريم.<br />
الواعي يف الفقه.<br />
اإليضاح يف الرد على القدرية.<br />
عبد الرمحن بن حممد بن خملوف الثعاليب،)751-<br />
6978م( )عادل نويهض،6458<br />
)48 :<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
578ه/6159-<br />
من كبار املفسرين وأعيان اجلزائر<br />
وعلمائها، ولد ونشأ بناحية وادي يسر باجلنوب الشرقي من مدينة<br />
اجلزائر، له أكثر من تسعني كتابا منها:<br />
اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن.<br />
روضة األنوار ونزهة األخيار يف الفقه.<br />
جامع األمهات يف أحكام العبادات.<br />
الذهب اإلبريز يف غريب القرآن العزيز.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
األنوار املضيئة يف اجلمع بني الشريعة واحلقيقة.<br />
اإلرشاد يف مصاحل العباد.<br />
رياض الصاحلني.<br />
إرشاد السالك.<br />
العلوم الفاخرة يف النظر يف أمور اآلخرة.<br />
د ب ن حمم د ب ن عب د ال رمحن امل غ را و ي ال ت لمس اني) 751-<br />
598ه/6158-<br />
6996م( )عادل نويهض،6458<br />
وحمدث، أصولي، درس يف املدرسة اليعقوبية. ومن كتبه:<br />
: )681 ، مفسر<br />
-<br />
تفسري الفاحتة، شرح التلمسانية يف الفرائض، مقدمة يف التفسري، منتهى<br />
التوضيح يف عمل الفرائض، وأجوبة فقهية) خمطوط(.<br />
أب و ال عب اس أمح د ب ن حي ي ب ن حمم د الونشريس ي ال ت لمس اني<br />
)ت469 ه(حامل لواء املذهب املالكي واملنظر فيه، انتهت إليه الرياسة،<br />
ومل يكن له نظري يف عصره، له عدة مؤلفات أشهرها املعيار املعرب<br />
واجلامع املغرب عن فتاوي علماء افريقية واألندلس واملغرب الذي مجع<br />
فأوعى وأحاط بالفقه املالكي أصال وفرعا<br />
)عمر اجليدي، 51(، 6446:<br />
ويشيد احملقق مبكانته بقوله:" أما مكانة املعيار فتنجلي يف اهتمام<br />
فقهاء األمصار به منذ عصر املؤلف إىل أيامنا، حتى ال تكاد جتد كتابا<br />
فقهيا ألف بعده إال وفيه نقول عنه، أو إحاالت عليه... ولقد رأيت الكثري<br />
من علماء العدوتني باملعيار" )الونشريسي، 6456: املقدمة(.<br />
ويف السياق نفسه<br />
قال أبو القاسم سعد اهلل:" لو درس الباحثون كتاب<br />
املعيار دراسة اجتماعية خلرجوا منه بكنز كبري يف معرفة أحوال العصر<br />
وأحوال اجملتمع املغربي عامة باإلضافة إىل معرفة آراء املؤلف يف حميطه<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 70<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
وقضايا عصره، فنوازل البدع واإلجازة يف التعليم، والفتيا، ومساع<br />
املوسيقى، والتصوير، وحكم حلقات الذكر، وقضية القياس واملوقف<br />
من التصوف ورجاله، ومن تقليد العلماء واستقالهلم. كلها أمور تستحق<br />
اهتمام اليوم" ))أبو القاسم سعد اهلل، 611( 6458: ، ومن أثاره أيضا:<br />
إيضاح املسالك إىل قواعد اإلمام مالك.<br />
عدة الربوق يف مجع ما يف املذهب من اجلموع والفروق.<br />
لف ائق، املنهج ا واملنه ل الرائ ق، وامل غن ى الالئ ق ب آداب املوث ق و أ حك ا م<br />
الوثائق.<br />
خمتصر أحكام الربزلي.<br />
-1<br />
إحصائيات حول اجتهادات علماء اجلزائر يف العلوم اإلسالمية<br />
من خالل تراجم عادل نويهض<br />
لقد كفانا عادل نويهض مؤونة البحث عن تراجم علماء اجلزائر اليت<br />
مت مجعها والتنقيب عنها من خمتلف املصادر، وتقدر حبوالي 517 ترمجة<br />
من فقيه وعامل وأديب، وعليه استقينا منها حوالي 965 ترمجة عاملة يف<br />
الفقه املالكي ومت تصيف مؤلفاتهم كما هو موضح يف اجلدول رقم<br />
،"6"<br />
وحتويلها إىل عملية رقمية. وذلك رغبة يف تقديم إحصائيات على وجه<br />
التقريب قاصدين تسليط الضوء على اجتهادات علماء اجلزائر يف العلوم<br />
اإلسالمية ممن ذكرت مصنفاتهم.<br />
اجلدول رقم<br />
"1"<br />
العلوم اإلسالمية<br />
الفقه<br />
اجتهادات علماء اجلزائر يف العلوم اإلسالمية<br />
الدراسات<br />
عدد نسبة االجتهاد %<br />
% 69.66 84 - 6<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 72<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
% 67.49 87 - 1<br />
احلديث<br />
% 1.14 68 - 1<br />
األحكام<br />
% 4.11 14 - 9<br />
العقيدة<br />
% 5.61 11 - 8<br />
احلواشي<br />
% 11.47 691 - 1<br />
الشروح<br />
% 1.14 15 - 7<br />
الفتاوي<br />
% 9.89 67 - 5<br />
ت<br />
املختصرا<br />
% 1.85 68 - 4<br />
النظم<br />
% 1.85 68 - 68<br />
األرجوزة<br />
نسبة االجتهاد<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
7<br />
8<br />
9<br />
10<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
إنّ ال ظاهر من خ الل الش كل البي اني أنّ أب رز ش ئ ام ت از ب ه ع لم ا ء<br />
اجلزائر خدمتهم للمصنفات احلديثية بالدرجة األوىل خدمة فقهية تدرسيا<br />
وتأليفا، نظرا لقوة احلفظ اليت كانوا ميتازون بها فكثرت الشروح<br />
واحلواشي خاصة على كتاب خمتصر البخاري. كما مسحت االجتهادات<br />
الفقهية يف جمال الفرائض والعبادات بتطور الفقه على حساب العلوم<br />
االخرى كالفتاوي اليت ختتلف بدوها حسب درجة العامل وعدد التالميذ<br />
ونوعية الفتوى.أما املختصرات واألحكام مكانتها متواضعة مقارنة مع<br />
اإلنتاج الفقهي الذي تالزم انتاجه مع الفكر العقدي يف املغرب األوسط.<br />
اجلدول رقم"1" نسبة توزيع العلماء يف اجلزائر<br />
املناطق الغرب الوسط الشرق الصحراء<br />
النسبة % 91 % 64، 68 % 48، 19 % 15، 87،1 %<br />
% 50,00<br />
ال…<br />
نسبة توزيع العلماء في الجزائر<br />
% 40,00<br />
% 30,00<br />
% 20,00<br />
% 10,00<br />
% 0,00<br />
الغرب الوسط الشرق الصحراء<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
من الصعب حتديد عدد علماء اجلزائر ولكننا قمنا قدر املستطاع<br />
التنويه لوجودها من خمتلف الدراسات، والظاهر من خالل الرسم البياني<br />
أنّ منطقة الغرب اجلزائري استحوذت على اكرب نسبة من الفقهاء<br />
باعتبارها منطقة استقطاب لفقهاء من بالد األندلس واملغرب األقصى،<br />
فقد أجنبت تلمسان يف عهودها الزاهرة أعظم الفقهاء الذين عرفتهم<br />
اجلزائر تدريسا وتأليفا، ومن ابرز العائالت التلمسانية اليت اهتمت بالفقه<br />
عائلة الونشريسي واملغيلي واملقري والعقباني )حييى بوعزيز، 1881:<br />
-78<br />
175(. كما نافست كل من مازونة وغدامس ووهران علماء مدينة<br />
تلمسان يف ميدان الفقه.<br />
وحظيت منطقة الشرق اجلزائري مبكانتها العلمية يف الدراسات<br />
الشرعية، فقد كانت املدن قسنطينة، وجباية، وعنابة، وبسكرة<br />
مر ك زا ل لنش اط الف قه ي با ع تباره ا م ع ربا ي ع ربه ال ع لم ا ء اجلزائري ون يف<br />
رحلتهم إىل احلج أو إىل طلب العلم يف املشرق اإلسالمي. ورغم مكانة<br />
بعض علماء اجلزائر العلمية يف الوسط، إال أنها مل تستطع منافسة اإلنتاج<br />
الفقهي لعلماء الغرب أو شرقها. وإذا احندرنا إىل اجلنوب وجدنا الفقه<br />
االباضي املسيطر على وادي ميزاب، وبالتالي تقل دراسات علماء الصحراء<br />
يف الفقه املالكي.<br />
إنّ هذا التوزيع اجلغرايف لإلنتاج الفقهي ال يدل إال على أنها إشارات<br />
ثابتة يف املصادر التارخيية تبني مدى مساهمة علماء اجلزائر يف العلوم<br />
الشرعية يف خمتلف القطر اجلزائري، ولو عثر على هذه املؤلفات ومت<br />
حتقيقها ألثرت املكتبة اإلسالمية والدراسات الفقهية على اخلصوص<br />
مبادة غزيرة ينهل منها اخلطباء.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
ثالثا: واقع اخلطاب املسجدي يف اجلزائر<br />
يتعرض اخلطاب الديين مبرور الزمن إىل حتكم الواقع مبصريه<br />
فيصبح رهينا للتطوير والتغيري، فيكتسي صبغة خاصة وذلك حسب ما<br />
أورده الدكتور يوسف القرضاوي:"وإذا كان احملققون من أئمة الدين<br />
وفقهائه قد قرَروا أنّ الفتوى تتغري بتغري الزمان واملكان واحلال، والفتوى<br />
تتعلق بأحكام الشرع فإنّ نفس هذا املنطق يقول: إنّ تغيري الدعوة أو<br />
اخلطاب يتغري بتغري الزمان واملكان والعرف واحلال أحق وأوىل" )يوسف<br />
القرضاوي،<br />
،)67 :1889<br />
-<br />
ومنه فإنّ اخلطاب الديين اإلسالمي يستند إىل<br />
الرتاث اإلسالمي أوال، وكذا إىل الواقع االجتماعي الذي يعترب املوجه<br />
واملرشد له.<br />
لكن وقبل الدخول يف تفاصيل حيثيات اخلطاب املسجدي ال بد من<br />
حتديد بعض األطر املنهجية اليت متكننا من التوغل يف هذا املوضوع اهلام<br />
والتطرق إىل ما هو غري معلن ومصرح عنه، وانطلقنا من تساؤالت من أجل<br />
استكشاف مضامني اخلطاب املسجدي واملتعلقة بطبيعة وخصائص<br />
اخلطاب الديين املسجدي يف اجلزائر، وعن الفاعلني ومؤسسي اخلطاب<br />
والقائمني عليه.<br />
اخلطاب املسجدي واهلوية الوطنية<br />
باعتبار أنّ املسجد جهاز إيديولوجي للدولة فإنّه خيضع ملقاييسها<br />
وأنظمتها وإنّه البد من أن يتماشى املسجد مع املؤسسات االجتماعية<br />
بشكل عام، فموضوع اخلطاب يكون حسب املناسبات الوطنية والدينية<br />
واالجتماعية للمجتمع، وأصبحت تقرتن بعمليات التعبئة الفكرية<br />
والروحية ملواجهة املشاكل والصعوبات؛ حيث دعت وزارة الشؤون الدينية<br />
6<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
واألوقاف إىل ضرورة تسخري اخلطاب املسجدي للحفاظ على الذاكرة<br />
الوطنية ومحاية الوحدة وغرس حب الوطن يف نفوس الناشئة، حمذرة من<br />
كل عوامل االنقسام والتشتيت من خالل زرع النعرات ونسيان األجماد<br />
وسط األجيال، أي أنّ "اخلطاب املسجدي ينبغي أن خيضع إىل أرضية<br />
موحدة األهداف تسعى إىل التذكري بأجماد وتاريخ هذا الوطن وحتارب<br />
سيا سة النسيان وال غف لة، وت عمل ع ل ى تو حي د أبن ا ء ال وطن م ع غ رس أ س س<br />
املواطنة والفضيلة يف نفوس األجيال الصاعدة" )جريدة الفجر، 1868(.<br />
وأكد سعيد معول مدير التكوين وحتسني املستوى بوزارة الشؤون<br />
الدينية واألوقاف يف ندوة حول اخلطاب املسجدي "بعدم القبول ألي متزق<br />
لوحدة ووطنية اجلزائر ال باسم الدين وال العروبة وال العرق وال األحزاب"<br />
وأضاف نا قائال:" إنّ لس نا ع ل ى ش ي ء إال إذا ا س ت ط عنا أن جن ع ل ش بابنا أم ة<br />
واحدة وعلمناه كيف يعشق كل ذرة من تراب اجلزائر ويستلذ<br />
مثارها")جريدة الفجر، 1868(. وهذا من أجل احلفاظ على الذاكرة<br />
اجلماعية وعالج اآلفات االجتماعية اليت تنخر جسم اجملتمع.<br />
ولتشديد الرقابة على اخلطاب املسجدي قررت الوزارة املعنية إشراك<br />
ممثلني عن وزارات الدفاع الوطين والداخلية واجلماعات احمللية والعدل،<br />
يف إدارة جملس التوجيه املسيّر للمدرسة الوطنية لتكوين وحتسني مستوى<br />
إطارات إدارة الشؤون الدينية واألوقاف، وهذا من أجل إشراك هذه<br />
القطاعات احلساسة إلعطاء توجيهاتها يف الربامج التكوينية لألئمة<br />
لتجنيب اجلزائر ما حدث من احنراف خالل سنوات التسعينات )محيد<br />
زعاطشي، :1868 .)<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 77<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
وهذا ما جينب األئمة التحدث يف النّاس مبا خيالف توجه احلكومة<br />
وخصائص اجملتمع اجلزائري ومكوناته وتراثه )فتيحة بوروينة،<br />
وهنا تطرح مسألة توحيد خطبة اجلمعة.<br />
.)1888<br />
-1<br />
توحيد خطبة اجلمعة<br />
إنّ اخلطاب الديين داخل املسجد يتوجه إىل فئات متفاوتة كل حبسب<br />
مستواه التعليمي أو الثقايف، وحبسب مكانته السوسيواقتصادية ومهنته<br />
وظروفه اخلاصة، وعليه فإنّ اخلطاب املسجدي خيتلف حسب هذه<br />
املستويات باختالف همومها ومشاغلها. مبعنى أنّ دروس الوعظ واإلرشاد<br />
وخطب اجلمعة حمكومة كلها بالواقع االجتماعي )اهلم االجتماعي(<br />
ومراقبته ومعايشته دومنا انفصال عنه، فهل ميكن إعداد وتوزيع خطبة<br />
اجلمعة من طرف الوزارة الوصية؟<br />
لقد صرح لنا أحد مدراء الشؤون الدينية أنّ اإلدارة مل تسبق أن<br />
راسلت اإلمام إلجباره على تناول خطبة معينة ما عدا ما تعلّق ببعض<br />
املناسبات اخلاصة واهلامة أو الظروف اليت متر بها البالد.كما أكد<br />
األئمة الذين التقني بهم أنّ اخلطاب املسجدي هو اجتهاد فردي، أما<br />
اإلدارة فهي تقرتح وأحيانا تنصح األئمة دون إجبارهم للتطرق ملواضيع<br />
حسب ما ت ق تض ي ه الض ر ور ة كاملس تجدات ال عاملي ة وم ا حي دث يف خم ت ل ف<br />
الدول إضافة إىل ما تطرحه أحداث وطنية كذكرى الثورة اجلزائرية.<br />
وعن حتكم الوزارة يف اخلطب عرب املساجد وتوجيهها، نفى ممثلها<br />
ذلك قائال "يف كل والية يوجد جملس علمي يضم خرية األئمة على مستوى<br />
الوالية، يوجّه حتت إشراف مدير الشؤون الدينية فتتم دراسة اجلوانب<br />
العلمية ملختلف القضايا اليت ميكن التطرق إليها من خالل اخلطب عرب<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 78<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
املنابر"، مضيفا أنّه "يتم اقرتاح مواضيع دورية كل ثالثي ليتناوهلا األئمة<br />
يف خطب وتقرتح احملاور ويفتح الباب الجتهادات األئمة لتكييفها حسب<br />
سكان املنطقة اليت يعيشون فيها"<br />
)النصر، 1866(.<br />
-1<br />
فبالرغم من أنّ هناك مراقبة على خمتلف اخلطب املسجدية، إال أ ّن<br />
املواضيع النهائية ترجع إىل اإلمام نفسه، وهنا تطرح مقدرة هذا اإلمام<br />
على مواجهة املشاكل املطروحة يف حيه والتصدي هلا، مع األخذ بعني<br />
االعتبار خصوصية كل فئة.<br />
اخلطباء وترتيب األولويات<br />
يقصد باخلطيب مرسل اخلطاب، ومرسل اخلطاب املسجدي يف بالدنا<br />
هم األئمة الذين يتكونون من إمام أستاذ رئيسي، إمام أستاذ، إمام<br />
مدرس وإمام معلم، الذين يساهمون يف ترقية اخلطب املنربية والدروس<br />
املسجدية وهلم وظيفة إلقاء دروس الوعظ واإلرشاد دون غريهم )اجلريدة<br />
الرمسية، 1885<br />
:18(، لكن وأمام العجز الذي يعرف القطاع ونقص<br />
األئمة يف بالدنا أصبح بإمكان سلك معلمي القران الكريم واملتكون من<br />
أساتذة التعليم القرآني ومعلمي القران الكريم، وسلك أعوان املساجد من<br />
مؤذن وقيم إلقاء اخلطاب املسجدي شريطة أن يكون له تكليف من إدارة<br />
الشؤون الدينية. ويتم توظيف وترقية هؤالء اخلطباء حسب شروط مت<br />
وضعها بالتفصيل يف اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية، العدد71،<br />
15ديسمرب 1885.<br />
واجلدول التالي يبني شروط توظيف كل من األئمة<br />
ومعلمي القران الكريم وكدا أعوان املساجد.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 79<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
اجلدول رقم )89(: شروط توظيف خطباء املساجد يف اجلزائر.<br />
شروط التوظيف<br />
اخلطباء<br />
شهادة ماجيستار أو مايعادهلا يف العلوم<br />
االسالمية واحلافظون للقران الكريم<br />
كامال<br />
شهادة ليسانس أو ما يعادهلا يف العلوم<br />
االسالمية واحلافظون للقران الكريم<br />
شهادة حفظ القران الكريم كامال<br />
املتحصل عليها بعد الطور الرابع من<br />
التعليم القراني<br />
أو احلائزون على مستوى الثالثة ثانوي<br />
احلافظون للقران الكريم كامال.<br />
رتبة ايلة إىل الزوال<br />
إمام أستاذ<br />
رئيسي<br />
إمام أستاذ<br />
إمام أستاذ<br />
إمام معلم<br />
سلك األئمة<br />
شهادة حفظ القران الكريم كامال<br />
املتحصل عليها بعد الطور الثالث من<br />
التعليم القراني<br />
أو احلائزون على مستوى الثانية ثانوي<br />
احلافظون للقران الكريم كامال.<br />
رتبة ايلة إىل الزوال<br />
أستاذ<br />
التعليم<br />
القراني<br />
معلم القران<br />
الكريم<br />
سلك معلمي<br />
القران الكريم<br />
مستوى أوىل ثانوي واحلافظون لنصف<br />
مؤذن سلك أعوان 2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
املساجد<br />
قيم<br />
القران الكريم.<br />
مستوى الرابعة متوسط واحلافظون<br />
لنصف القران الكريم.<br />
أما فيما خيص الرتقيات فإنّه يسمح للّذي تتجاوز مدة عمله 8 سنوات<br />
االن ت قال إ ىل رتبة أ ع ل ى ع ل ى أ س اس ام تح ان مه ين، كم ا ت تم ع ل ى أ س اس<br />
االختيار للذي يفوق عمله يف املنصب 68 سنوات. باإلضافة إىل هذه<br />
الشروط يسمح ألعوان املساجد الرتقية إذا أمتموا حفظ القران الكريم<br />
كامال.<br />
ومن أجل تقريب الظاهرة والتقصي عليها حاولنا القيام بعملية<br />
إحصائية متخذين والية معسكر منوذجا، إذ حتتوي 186 إمام وحوالي<br />
888<br />
مسجد من بينها 188 متارس فيها خطب اجلمعة. واجلدول رقم<br />
)88(<br />
يبني توزيع خطباء املساجد على مستوى والية معسكر حسب رتبتهم<br />
املهنية )حسب إحصائيات 1868(.<br />
اجلدول رقم)88(: توزيع اخلطباء والية معسكر حسب رتبتهم املهنية.<br />
اخلطباء<br />
سلك<br />
األئمة<br />
إمام<br />
أستاذ<br />
رئيسي<br />
إمام<br />
التكرارات<br />
النسب<br />
املئوية<br />
%<br />
8.89<br />
التكرارات<br />
النسب<br />
املئوية<br />
%<br />
19.19<br />
186<br />
1.84<br />
89<br />
64<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 80<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
64.11<br />
696<br />
أستاذ<br />
إمام<br />
98.74<br />
144<br />
66.51<br />
17.68<br />
57<br />
سلك 171<br />
معلمي<br />
مدرس<br />
إمام معلم<br />
أستاذ<br />
التعليم<br />
القران<br />
القراني<br />
1.15<br />
17<br />
الكريم<br />
معلم<br />
القران<br />
19.41<br />
615<br />
69.88<br />
سلك 681<br />
أعوان<br />
الكريم<br />
مؤذن<br />
68.46<br />
58<br />
املساجد<br />
قيم<br />
688<br />
711<br />
688<br />
املجموع 711<br />
الكلي<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 82<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
النسبة%<br />
إمام استاذ رئيسي<br />
إمام استاذ رئيسي<br />
إمام مدرس<br />
إمام معلم<br />
أتاذ التعليم القرأني<br />
معلم القرآن الكريم<br />
مؤذن<br />
قيم<br />
يتضح لنا من خالل اجلدول والدائرة النسبية أنّ نسبة األئمة قدرت<br />
ب%19.19 بالنسبة للمجموع الكلي أغلبهم إمام مدرس إمام معلم أي<br />
ذوو مستوى ثانوي، أما نسبة إمام أستاذ رئيسي وصلت إىل %8.89<br />
بالنسبة إىل اجملموع الكلي هم غري مكلفني طب اجلمعة إال يف<br />
الظروف االستثنائية)حسب تصريح أحد موظفي مديرية الشؤون الدينية(،<br />
ألنّ هلم وظيفة أرقى كاملشاركة يف إعداد الفتاوى وتقنينها وتأطري األئمة<br />
املرتبصني. وتعترب نسبة أساتذة التعليم القرآني النسبة العالية حيث وصلت<br />
إىل %17.68<br />
بالنسبة للمجموع الكلي تسند إليهم وظيفة تقييم حفظ<br />
القران الكريم وتأطري مسابقات ترتيل القران الكريم وحفظه وجتويده.<br />
ومن املالحظ أنّ كل اخلطباء بتنوع رتبهم املهنية حافظني للقران<br />
الكريم سواء نصفه أو كله، لكن الكثري منهم )ونقصد معلمي القرآن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
أ<br />
الكريم وأعوان املساجد(جاهلني يف ميادين الفقه والشريعة اإلسالمية<br />
ألنهم مل يكوّنون بهدف إلقاء اخلطب املسجدية، ومعظمهم خرجيوا<br />
الكتاتيب والزوايا واملعاهد القرآنية الوطنية والقلة القلة منهم خرجيو<br />
اجلامعات واملعاهد األكادميية )أغلبهم شباب(.<br />
-تأطير املساجد<br />
أكد وزير الشؤون الدينية واألوقاف اجلزائرية يف تصريح له مع<br />
جريدة النصر )النصر،<br />
)1866<br />
تسجيل تطور ملموس يف تأطري املساجد<br />
خالل اخلماسي املنصرم حيث انتقل عدد املناصب املالية اخلاصة باألئمة<br />
من 61<br />
ألف و685 سنة 1888<br />
إىل 64<br />
)النصر، 1866(.<br />
ألف و685 منصب سنة 1868م<br />
ومن أجل التخفيف من العجز وحتسني نوعية تأطري املساجد حددت<br />
الوزارة حسب ما ذكر الوزير أهدافا على املديني القريب واملتوسط من<br />
خالل املخطط اخلماسي<br />
من<br />
-1868(<br />
1869(، ويف هذا الصدد ذكر وزير<br />
"غالم اهلل" أنّ القطاع سيسعى إىل رفع عدد املناصب املالية املمنوحة سنويا<br />
6888 إىل 888<br />
منصب، وهو األمر الذي متت املوافقة عليه كما قال.<br />
فضال عن توسيع 5 معاهد إسالمية لتكوين اإلطارات الدينية العاملة<br />
حاليا من أجل رفع طاقة استيعابها، وكذا بناء 8 معاهد إسالمية وطنية<br />
جديدة، ومدرسة وطنية عليا لتكوين اإلطارات الدينية ذات تكوين عال،<br />
وينتظر بناء 68 مدرسة قرآنية منوذجية بالنظام الداخلي لتعليم القرآن<br />
والعلوم الشرعية و68مدرسة قرآنية أخرى خالل املخطط املوالي)النصر،<br />
.)1866<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
ب ل ور ة ال ول تص ور ال ذ ي تري ده احلكوم ة ل د ور املس جد ور س ال ت ه يف<br />
اجملتمع وكذلك نوع اخلطاب الذي ينبغي أن يبثه. استحدثت وزارة<br />
الشؤون الدينية واألوقاف باجلزائر مدرسة عليا لتكوين إطارات القطاع،<br />
تكون هلا مهمة إعداد األئمة من املستوى العالي.<br />
وتتوىل املدرسة ضمان التكوين التحضريي إلطارات إدارة الشؤون الدينية<br />
واألوقاف وحتسني مستواهم، لشغل املناصب يف رتبيت اإلمام األستاذ<br />
واإلمام األستاذ الرئيسي وسلك املرشدات الدينيات وسلك وكالء<br />
األوقاف، إضافة إىل إعداد الدراسات والبحوث واالستشارة يف اجملاالت<br />
املتعلقة مبهامها واملشاركة يف تصور وإعداد برامج التكوين يف املعاهد<br />
الوطنية للتكوين املتخصص التابعة لوزارة الشؤون الدينية. كما حدد<br />
املرسوم التنفيدي رقم 49-<br />
911املؤريف يف 6449/89/17 معايري انشاء<br />
املدارس القرانية وتنظيمها.<br />
ويف صدد احلديث عن تكوين األئمة اجلدد فإنّ السيد وزير الشؤون<br />
الدينية "غالم اهلل" ينوه ويذكر دائما هؤالء األئمة من أجل إعادة املسجد<br />
للمجتمع وض اجلزائري ر ور ة ال تمس ك ب املنه ج املو ح د ل لمس جد و ع ل ى ع د م<br />
عدم اخلروج عن التوجيه املسطر من طرف الدولة بعدما حيد عنه يف<br />
سنوات التسعينات، مع ضرورة استعادة املسجد من أيدي الذين زجوا<br />
باجملتمع يف دوامة العنف كما سبق الذكر، فاملسجد مؤسسة اجتماعية<br />
ينبغي أن تعمل يف تناسق وانسجام مع املؤسسات األخرى.<br />
وقد اعترب مسؤول القطاع أنّ خصوصيات املسجد يف اجلزائر تكمن<br />
يف نصرة القرآن الكريم والتمسك به "ومن ختلى عن القرآن وذهب يبحث<br />
عن ن ظر ة أ خ ر ى و أفك ار أ خ ر ى ف ق د خت ل ى ع ن ال ق د و ة الص حيحة" )غنية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
قمراوي، 1868( يف إشارة إىل استبدال املنهج اجلزائري مبناهج مستوردة<br />
من هنا وهناك، وهذا ما سيحول دون طبع املسجد بلون طائفي أو حزبي<br />
من طرف األشخاص الذين حيملون أفكار تناقض املذهب الديين املتبع يف<br />
اجملتمع.<br />
وعليه أكد الوزير غالم اهلل: "إنّه ال بد من اعتماد أئمة موثوق بهم،<br />
وتأهي ل هم إل ع اد ة اال ع تب ار ل لمس جد ال ذ ي د خ ل يف م تاه ات ال تي ار السلفي"<br />
)غنية قمراوي، 1868(، ملوِحًا باختاذ إجراءات عقابية يف حق األئمة<br />
السلفيني الذين تصدر عنهم ما مسّاها ب"الفتاوى اخلاطئة"، أي املخالفة<br />
للمذهب املالكي.<br />
وأكد املسؤول عن القطاع أنّ األئمة مكلفون بالعمل يف املسجد على<br />
مدار األسبوع وطوال اليوم، مؤكدا أنّ: "املهمة صعبة حقا، ألنّ اإلمام<br />
يبدأ يومه من صالة الفجر وينتهي بعد صالة العشاء" )غنية قمراوي،<br />
.)1868<br />
ب-<br />
أي أنّ اإلمام ال تتوقف مهمته يف يوم اجلمعة وخطبتها.<br />
أجور ورواتب األئمة<br />
كشف وزير الشؤون الدينية واألوقاف أبو عبد اهلل غالم اهلل أ ّن 29<br />
باملائة من األئمة يتغيبون عن مهامهم يف املساجد رغم تقاضيهم رواتب قارة.<br />
ما جعل الوزارة تقرر إلغاء رتبة إمام خطيب يف القانون األساسي اجلديد،<br />
واالكتفاء برتبة إمام أستاذ العتقاد األئمة بأنّهم مكلفون طبة وصالة<br />
اجلمعة دون مزيد )غنية قمراوي،<br />
توظيف األئمة يتم سنويا بعدد<br />
،)2115<br />
888<br />
إمام جديد، فوق<br />
وهنا يشري الوزير إىل أ ّن<br />
188<br />
منهم يتخرجون<br />
م ن م عاه د ال تك وين ال تاب ع ة ل ل وزار ة والب قي ة ه م خرجي و اجلام ع ات ال ذين<br />
يوظف ون ع ل ى أ س اس مس اب قات وطني ة به دف رف ع مس تو ى أدا ء اإلم ا م،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
وكذلك رفع املستوى العلمي يف املساجد وذلك حسب قول الوزير "اجلزائر<br />
هي الدولة الوحيدة اليت ترعى مساجدها وتتحمل مسؤوليتها يف رعاية<br />
اإلمام خلدمة اجملتمع، ألنّهم يتحملون مهمة إخراج املواطن الصاحل" )غنية<br />
قمراوي،<br />
.)2111<br />
وأمام هذا الوضع يطالب األئمة بتحسني أوضاعهم االجتماعية<br />
واملهنية وإعادة رد اعتبار لالئمة<br />
)غنية قمراوي،<br />
(<br />
)1866<br />
بني 65<br />
-9<br />
؛<br />
األئمة مازالوا يف أخر سلم األجور(<br />
حيث ذكر لنا أحد األئمة أنّ األجور ترتاوح<br />
ألف و 19 ألف دينار، وأغلبهم يتقاضى أجر 11 ألف دينار.<br />
و ه ذا قلي ل أم ام س اع ات العم ل ا ملق ررة ل إلم ام ه ذا م ا سيؤرقه ويتعبه، وال<br />
يستطيع حتى شراء الكتب أو االستفادة من خدمات اإلنرتنت حبكم<br />
مرتبه )ال يستطيع التفرغ لتكوين نفسه أو املساهمة يف حل مشاكل<br />
النّاس واالستماع إىل انشغاالتهم(، كما أنّ الكثري من األئمة املوظفون<br />
ال ميلكون سكنات وظيفية ويتخذون من املقصورات سكنات مؤقتة،<br />
وتساهم هذه الظروف يف إبعاد املسجد عن دوره االجتماعي املنوط به.<br />
أسباب حتديث اخلطاب املسجدي<br />
يعود سبب حتديث اخلطاب املسجدي إىل االعتبارات التالية:<br />
االعتبار التارخيي<br />
ي ت ع ل الذي ق باألزم ة األمني ة ال يت م رت به ا اجلزائ ر<br />
خالل العشرية السوداء حيث كانت املساجد تعتمد على األئمة املتطوعني<br />
بشكل أكرب، لكن بعدها انتهت تلك احلقبة اليت حنن بصدد معايشة<br />
آخر آثارها على اعتبار أنّنا يف مرحلة انتقالية وحتولت رؤية اإلدارة إىل<br />
ضرورة تطوير املساجد وترقية أداء األئمة.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 87<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
و االعتبار التكويين فيتعلق مبستوى األئمة الذي حيتاج إىل تطوير<br />
ومتابعة، فالتكوين الذي يتلقاه اإلمام غري كايف، بالنظر إىل التطورات<br />
احلاصلة واليت جيب أن يسايرها اإلمام باعتباره طرفا فاعال يف اجملتمع،<br />
لذا يفرتض إقرار تكوين متواصل بدل اعتماد بعض األئمة احلريصني<br />
على مواكبة بيئتهم االجتماعية واملؤدين لرسالتهم االجتماعية على<br />
تكوينهم العصامي.<br />
وهناك مسألة أخرى رمبا ساهمت إىل حد ما يف زيادة الفجوة بني<br />
املسجد ورواده وهي مسألة انتداب األئمة من مناطق ختتلف عن املنطقة<br />
اليت يتواجدون فيها ثقافيا واجتماعيا الختالف التصورات، فيصبح بذلك<br />
اإلمام عاجزا عن مواكبة وإدراك واستيعاب الظواهر االجتماعية والوقوف<br />
عليها، فليس كل جمتمع يفتح لك أبوابه ويتقبل منك مناقشة انشغاالته،<br />
ال سيما إن مل تكن من أهل املنطقة ومل تبذل جهودا لالندماج مع أهلها<br />
ومشاكلهم والتطرق إليها من على املنابر.<br />
والظاهر عند اجملتمع اجلزائري أنّ خطب األئمة أصبحت تتسم غالبا<br />
بسطحية املواضيع والتكرار اململّ هلا اليت عادة ما تكون كالسيكية<br />
وال تواكب أحداث الساعة واملستجدات احمللية والعاملية، فيتحوّل إىل<br />
خطاب جامد ال يتالءم مع تطلّعات النّاس واجملتمع.<br />
يرى العديد من املختصني ضرورة إعادة النظر يف طريقة اخلطاب<br />
املسجدي على حنو يكون فيه أكثر واقعية، وذلك للدور الكبري الذي<br />
ميكن لبيوت اهلل أن تقوم به يف عالج مشاكل الناس واحليلولة دون<br />
االنتشار غري املسبوق لآلفات االجتماعية اليت باتت مصدر تهديد للمجتمع<br />
اجلزائري. فتحوي اجلزائر على حوالي 61 ألف مسجد عجزت عن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 88<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
-9<br />
التخفيف من طوفان االحنراف وسيل املشاكل اليت يتخبط فيها النّاس،<br />
وهو ما عمق الفجوة بني املواطن واملسجد الذي وجهت إليه أصابع االتهام<br />
يف العشرية السوداء، فزاد ختوف الناس وانفصاهلم عنه، وبدل املكوث<br />
يف املسجد للذكر والتفقه صار الشعار هو "صلي وارفد سباطك".<br />
ومن األسباب األخرى لتحديث اخلطاب املسجدي ضعف تفعيل<br />
اخلطباء املرجعية الدينية الوطنية املالكية على الواقع املعاصر، وهذا ما<br />
أكدته معاينتنا امليدانية فجاء يف تصريح إمام أستاذ عندما طرحنا عليه<br />
ؤال ح ول املر ج عي ة الديني ة واملرا ج ع ال يت ي ع تم د ع ليه ا يف خ طاب ه<br />
املسجدي: "نعتمد على القران والسنة النبوية" ثم أوقف احلديث وهرع،<br />
ونفسر هذا التصرف بسببني أوهلما ختوف األئمة من التصريح بسبب<br />
الضغوطات املفروضة عليهم من اإلدارة التصريح الذي قد يهز منصبهم<br />
باعتباره موظف تابع للدولة، وثاني سبب عدم معرفة مرجعية خطابهم أو<br />
أن خطابهم ينطلق من نصوص القرآن الكريم واألحاديث النبوية<br />
واجتهادات فردية.<br />
مظاهر التجديد يف اخلطاب املسجدي<br />
عندما نطرح ضرورة جتديد اخلطاب املسجدي ال نقصي الثوابت<br />
األصلية وال املرجعية الدينية الوطنية واجتهاد علماء وفقهاء أجالء، بل<br />
حناول التأكيد على عدم إهمال متطلبات الواقع واملشكالت املطروحة<br />
يف البيئة االجتماعية اليت ينتمي إليها املسجد، فاخلطاب املسجدي حيتاج<br />
إىل إصالح شامل يشمل اخلطاب يف حد ذاته كما يشمل القائمني به.<br />
أ -إحياء املرجعية الدينية الوطنية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 89<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
إنّ أهمية التأكيد على جتديد اخلطاب املسجدي ليس مطروحا<br />
بوصفه هوية شخصية، بل باعتبار وظيفته املرجعية، فالتجدّد كفعل ذاتي<br />
متجاوبٍ مع حاجات حقيقية. وال شك أنّ أي مرجعية إال وتتسم<br />
-<br />
بالضرورة- ببعض مسات املعتقد الديين، إذ ال ميكنها أن حتقق وظائف<br />
املرجعية اليت يعتنقها اإلنسان بوصفها منظومة اعتقاديه بشكل من<br />
األ ش كال د ون أن ت تس م بس مات امل ع ت ق د ال ديين، وب ذلك ف إنّ املرجعية<br />
خاضعة حلتمية التجدد الذاتي انطالقا من تلك السمات )مسري بودينار، ب<br />
ت:(.<br />
والدعوة إىل تفعيل املرجعية الفقهية املالكية والذود عنها هي تأكيد<br />
للهوية احلضارية لألمة اجلزائرية اإلسالمية، وهي ضمان للتفاعل<br />
ال تارخيي البنّا ء الذ ي رب ط ب ني ه ذه املر ج عي ة واملر ج عي ات الف قهي ة األص ي لة<br />
اليت عايشت دخول املذهب املالكي إىل اجلزائر. وتبقى بذلك مهمة خدمة<br />
املرجعية الدينية مهمة اخلطاب املسجدي مسؤولية مؤسسات أخرى<br />
كمصلحة الرتاث بوزارة الشؤون الدينية واليت ميكنها إحياء هذه<br />
املرجعية وخدمتها بالتنسيق مع الباحثني على مستوى اجلامعات أو<br />
مؤسسات البحث األخرى.<br />
ب- جتديد الشخصية الدينية<br />
إنّ املقصود يف جتديد الشخصية الدينية احلاملة والناقلة للخطاب<br />
الديين تقديم اخلطاب الديين املسجدي يف أفضل صورة واخلروج به إىل<br />
العاملية )حممد نعيم، حممد هاني ساعي، 691( 1881:<br />
ومالحظة ،<br />
الفروق اجلوهرية بني ما هو مشرتك إنساني، وما هو خصوصية حضارية<br />
مع احلرص على إبراز ثوابت اإلسالم وقيمه اإلنسانية السامية ولذلك<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
يفرتض أن يكون صاحب أو صانع اخلطاب على علم ودراية مبا يقدمه<br />
جلمهوره، ومتسلحاً بالفقه اإلسالمي وله اإلحاطة الواسعة مبجريات<br />
العلوم<br />
والتقنيات<br />
االتصالية<br />
احلديثة. وااللتزام باملرجعية الدينية الوطنية<br />
وال دفا ع عنه ا أص بح م ن م ع اي ري ال توظي ف يف منص ب اإلمام ة )النصر،<br />
.)1866<br />
فتكوين األئمة الذي يلقن فيه اإلمام األساسي من علوم الدين<br />
اإلسالمي ينبغي أن يشفع بتكوين مهين يعتمد على تبصري اإلمام<br />
باملستجدات والتحديات، وقضايا األمة املشرتكة، وتقريب مستواها يف<br />
استيعاب مشاكل اجملتمع ملعاجلتها )أبوعبد اهلل غالم اهلل، 88(. 1884:<br />
وحرص هذا األخري على مسايرة البيئة االجتماعية اليت حييا بها،<br />
باإلضافة إىل انتداب أئمة ضمن نفس البيئة اليت نشئوا فيها أو قريبة منها<br />
من أجل إجياد تقارب يف التصورات واالنشغاالت.<br />
إذن فمن شروط القائم باخلطاب الديين أن يكون على علم ودراية<br />
بأحوال عصره وقضايا أمته، واالهتمام بالعلوم السياسة واإلنسانية<br />
واإلعالمية،<br />
ج-<br />
عن فضالً<br />
الدراية بقوانني الشريعة واملوازنة بني الثابت<br />
واملتغري، من أجل اخلروج بهذا اخلطاب إىل فضاء العاملية وعدم تكريس<br />
التخلف عن ركبها )حممد بن شاكر شريف، 64(. 1889:<br />
جتديد الرسالة اليت حيملها اخلطاب الديين<br />
إنّ التجديد يف اخلطاب ورسالته هو عودة اجملتمع اجلزائري إىل<br />
إسالمه بأشكاله ومعانيه ومشوله، وعمومه وتناسقه وتكامله، بأخالقه<br />
الظاهرة، ومضمونه العظيم. ولن يكون ذلك إال عن طريق:<br />
- التنوع يف أساليب تناول املوضوعات وطرح األفكار وتلوينها بالصور من<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 90<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
شأنه أن يضفي على اخلطاب حيوية وحيظى مبقبولية عالية لدى املتلقي<br />
أما التكرار فإنّه ال يأتي جبديد ولكن الذكرى تنفع املؤمنني، فقد ردّ<br />
عن ممثل الوزارة "هذه قضايا عقائدية أخالقية دينية وثوابت جيب<br />
التذكري بها باستمرار، وهناك متغريات جيب أن نواكب بها العصر وال<br />
ميكن بأي حال من األحوال أن نستغين عن هذا النوع من اخلطاب حتى<br />
ولو مكان متكررا" )غنية قمراوي،<br />
.)2111<br />
-<br />
االطالع على الرتاث اإلسالمي اجلزائري من أجل إحداث نوع من<br />
التأثري يف رواد السجد وحيدث نوعا من التغيري يف حميط املسجد باعتباره<br />
املؤسسة اليت تنتج اخلطاب.<br />
للحفاظ على هوية اجلزائريني وجب توحيد املرجعية الدينية ألنها املدخل<br />
الرئيس لتحقيق "األمن الفكري" )أبوعبد اهلل غالم اهلل، )أبو عبد اهلل<br />
غالم اهلل،1884<br />
)86 -98:<br />
-<br />
-<br />
مراقبة وتدقيق املعلومات الدينية وتدقيقها قبل السماح بنشرها<br />
وإشاعتها من خالل العودة إىل الفقه اإلسالمي مبوازينه وضوابطه<br />
ومناهجه وقواعده وأصوله، وإعادته إىل مسرح احلياة بشكل متكامل<br />
)حممد نعيم، حممد هاني ساعي، 614(. 1881:<br />
اجلمع بني األصالة واملعاصرة فهو خطاب حيرص على املعاصرة<br />
ويتمسك باألصالة وهذا التجديد ال يعين التنكر للقديم وهذه املرونة ال<br />
تعين التنكر للثوابت ولكن هناك ثباتا لألهداف وتطورا للوسائل )عثمان<br />
علي حسن، 64(. 1888:<br />
- مراعاة العصر الذي نعيش فيه واهتمامات أفراده، والقضايا<br />
الساخنة املطروحة يف الساحة ملواجهة مثل الشيوعية والرأمسالية<br />
-<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 92<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
والقومية والعلمانية واحلداثة والعوملة وحنو ذلك من قضايا العصر،<br />
وهو ما يسمى بواجب الوقت، أو كما يسميه العالمة القرضاوي<br />
بفقه األولويات )عثمان علي حسن، 17(. 1888: ويف هذا اإلطار<br />
ذكّر سعيد معول- املدير الوطين للتكوين وحتسني املستوى<br />
بوزارة الشؤون الدينية- املتحدث بسياسة احلكومة يف التعامل<br />
مع وضع اجلزائر اجلديد ضمن الشراكة مع االحتاد األوربي<br />
والتعاون مع اجلوار يف إطار الفضاء األورو<br />
-<br />
.»<br />
متوسطي يف ما<br />
أصبح يصطلح عليه بالعوملة »حنن جمتمع يعيش على ضفاف البحر<br />
ألب يض امل تو س ط، وجي ب أن ن ل ت ز م باملب ادئ ال عاملي ة حل ق و ق اإلنس ان<br />
وكشف سعيد معول أن هذه الرهانات سوف تصبح اعتبارات<br />
راسخة يف الربنامج الذي تسطره احلكومة لقطاع الشؤون الدينية<br />
والتكوين بشكل حمدد، حتى تتفادى الوصاية خروج األئمة يف<br />
خطبهم ودروسهم عن اإلطار الذي رمسته الدولة، وجينب األئمة<br />
التحدث يف الناس مبا خيالف توجه احلكومة يف كل اجملاالت<br />
))فتيحة بوروينة، 1888(.<br />
خامتة<br />
أ خ ريا ميك ن ال ق ول أنّ ه م ن خ الل ه ذه النم اذ ج و غ ريه ا نك تش ف أنّ<br />
اإلن تا ج الف قه ي يس تجيب ملخ ت ل ف حا ج ات ال عص ور قاب ل لإلض افة واإلث را ء.<br />
واملدرسة املالكية يف اجلزائر برتاثها اإلسالمي تشكل فضاء خصبا<br />
ومر ج عا هاما خل طبا ء ال عصر م ن حي ث أنه ا مت دهم مب ا ق د يكف يهم م ن<br />
مصادر التشريع اإلسالمي. وهي أيضا حسب وزير الشؤون الدينية" تلك<br />
املكتبة العظيمة اليت ورثناها يف خمتلف فنون العلوم اإلسالمية، مما يلقن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
املبتدي ويتيح االجتهاد للمنتهى، وإن كان جله خمطوطا وبعضه مفقودا،<br />
خت طف ت ه يد فا جر ة فخ ل عت م ن ذا ك ر ة األم ة مر كب ا م ن مر كباته ا، أم ا<br />
بعضه األخر فمهجور بفعل اجلهل بذات اليد، وازدراء جهد القريب" )أبو<br />
عبد اهلل غالم اهلل،1884<br />
.)8:<br />
-<br />
ومثل هذا االجتهاد يف البحث عن املرجعية<br />
الوطنية السابقة الذكر واالطالع على الرتاث اإلسالمي من خالل البحث<br />
عن هذه املخطوطات وحتقيقها من قبل الباحثني. وكل هذا سيساعدنا<br />
على زيادة املقدرة التوليدية للمنظومة الفقهية وعلى تنمية العلوم لدى األئمة<br />
وتبقى هذه املهمة منوطة بوزارة الشؤون الدينية، كما سيساعد املسلمني<br />
يف اجلزائر على ترسيخ أقدامهم على أرضيتهم العقائدية.<br />
قائمة املصادر واملراجع:<br />
املصادر<br />
القرآن الكريم.<br />
ابن منظور، لسان العرب،دار صادر، بريوت)د.ت(، ج1.<br />
أبو القاسم احلفناوي، تعريف اخللف برجال السلف، موفم للنشر،<br />
، ج .<br />
ابن مريم، البستان يف ذكر األولياء والعلماء بتلمسان، ديوان املطبوعات اجلامعية،<br />
اجلزائر، 1891.<br />
امحد بابا التنبكيت، نيل االبتهاج بتطريز الديباج، حتقيق عبد احلميد عبد اهلل<br />
اهلرامة، منشورات دار الكتاب، طرابلس، ط2، 2222.<br />
حممد بن أمحد أبي راس الناصري، عجائب األسفار ولطائف األخبار، حتقيق<br />
حممد غامل، منشورات<br />
،crasc اجلزائر، 2229، ج2.<br />
الونشريسي أمحد بن حيي، املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوى علماء افريقية<br />
واملغرب، حتت إشراف حممد احلجي، دار الغرب اإلسالمي، بريوت،<br />
مقدمة التحقيق.<br />
،1891<br />
1<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
املراجع -<br />
أبو القاسم سعد اهلل، تاريخ اجلزائر الثقايف، املؤسسة الوطنية للكتاب،<br />
ج2.<br />
،1891<br />
سعد البازعي وميجان الرويلي، دليل الناقد العربي، املركز الثقايف العربي، ط2،<br />
.2222<br />
سعود بن إبراهيم بن حممد الشريم، الشامل يف فقه اخلطيب واخلطبة، دار الوطن<br />
للنشر.<br />
علي أومليل، اخلطاب التارخيي، دراسة ملنهجية ابن خلدون، ط1، مطبعة النجاح،<br />
دار البيضاء، 1891.<br />
عادل نويهض، معجم أعالم اجلزائر من الفتح إىل الوقت احلاضر، مؤسسة نويهض<br />
الثقافية للتأليف والرتمجة، ط2، 1892.<br />
عمر اجليدي، مباحث يف املذهب املالكي، ط191881.<br />
حممد نعيم حممد هاني ساعي، اخلطاب الديين بني حتديث الدخالء وجتديد<br />
العلماء، دار السالم، القاهرة، ط1، 2221.<br />
حممد بن شاكر الشريف، جتديد اخلطاب الديين بني التأصيل والتحريف، ط1،<br />
جملة البيان، 2221.<br />
حممد إبراهيم علي، اصطالح املذهب عند املالكية، ط192222، دار البحوث<br />
للدراسات اإلسالمية وإحياء الرتاث، مكة املكرمة.<br />
يوسف القرضاوي، خطابنا اإلسالمي يف ظل العوملة، دار الشروق، القاهرة، ط1،<br />
.2221<br />
حيي بوعزيز، أعالم الفكر والثقافة يف اجلزائر احملروسة،ج1، دار الغرب<br />
اإلسالمي، بريوت،ط191881.<br />
2<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
حيي بوعزيز، مدينة تلمسان عاصمة املغرب األوسط، دار الغرب للنشر والتوزيع،<br />
اجلزائر،2222.<br />
Lalande ،Vocabulaire، technique et critiques de la<br />
philosophie، Parie، Presses de France،1996.<br />
-1<br />
اجملالت واجلرائد<br />
أبو عبد اهلل غالم اهلل، "معامل مرجعيتنا الدينية"، رسالة املسجد، وزارة الشؤون<br />
الدينية، اجلزائر، السنة7، العدد1، جوان2228.<br />
أبو عبد اهلل غالم اهلل، "األمن الفكري ومتغريات املغالبة"، رسالة املسجد، وزارة<br />
الشؤون الدينية، اجلزائر، السنة7، العدد1، جوان2228.<br />
محيد زعاطشي، "لتشديد الرقابة على اخلطاب الديين وزارتا الدفاع والداخلية<br />
تشاركان يف تكوين األئمة"، اخلرب اليومية اجلزائرية،<br />
العدد1128.<br />
،2212/12/7<br />
فتيحة بوروينة، "احلكومة حتكم قبضتها على قطاع الشؤون الدينية لتفادي<br />
أوضاع التسعينات"، صحيفة الرياض اليومية،، مؤسسة اليمامة<br />
،2221/22/28 العدد .12121<br />
سعيد بن ناصر الغامدي، "املرجعية معناها وأهميتها وأقسامها"، جملة جامعة أم<br />
القرى لعلوم الشريعة والدراسات اإلسالمية، العدد 12، رجب1121ه، ص ص<br />
.121 -218<br />
غنية قمراوي،<br />
الين،<br />
"<br />
ربع أئمة اجلزائر يتغيبون عن مهامهم باملساجد"، الشروق أون<br />
.2228/21/21<br />
غنية قمراوي، "مدير التوجيه الديين يكشف خالل استقباله لطلبة الزوايا<br />
احملتجني: زيادات مابني<br />
12<br />
،2211/22/22<br />
العدد2212.<br />
أالف و22 ألف دينار يف أجور األئمة"، الشروق،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />
بودالية تواتية،<br />
سواملية نورية<br />
ق.و<br />
غنية قمراوي، "للحفاظ على هوية اجلزائريني توحيد املرجعية الدينية املدخل<br />
الرئيس لتحقيق األمن الفكري"، الشروق أون الين، 2212/21/27.<br />
ه.ع،"شروط صارمة لعضوية اجلمعيات الدينية والتوظيف يف اإلمامة"، النصر يومية<br />
إخبارية وطنية،<br />
االثنني ،2211 /21/2 العدد: .12172<br />
واج /<br />
جريدة<br />
"<br />
وزارة الشؤون الدينية دعت خطباء املساجد إىل إبراز أسس املواطنة<br />
،"<br />
الفجر 2212/22/21.<br />
-1<br />
<br />
عثمان علي حسن، "اخلطاب العقدي بني األصالة واملعاصرة"، جملة الشريعة<br />
والدراسات اإلسالمية، العدد اخلامس، 2221.<br />
اجلريدة الرمسية، املادة 21 اخلاصة بتحديد مهام األئمة.<br />
املواقع االلكرتونية<br />
مسري بودينار، "جتدد اخلطاب الديين أو سؤال املرجعية: قضايا فكرية"، من<br />
املوقع االلكرتوني:<br />
.http://www.hiramagazine.com/archives/title/231<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 97<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 98<br />
العدد الثاني<br />
2102 جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
أة. خديم أمساء،<br />
خمرب البحوث االجتماعية والتارخيية،<br />
جامعة معسكر.<br />
اقتضت الضرورة املعرفية وخاصة الفلسفية منها أن ولوج أية مسألة<br />
أومقاربة أي إشكالية،أن نتعامل مع املفاهيم باعتبارها أدوات<br />
إبستمولوجية حتظى باملكانة املهمة داخل احلقول املعرفية باخلصوص يف<br />
جمال الدراسات اإلنسانية واألدبية،فاملفهوم مبثابة احملرك األساسي<br />
للمادة العلمية واملعرفية والفنية،بل واحلامل هلذه املادة أيضا.<br />
إن هذه اخلصوصية اليت متيز املفهوم جتعلنا نتعامل معه حبرص<br />
شديد، فهو ميلك محولة فكرية وثقافية جتعل منه إنتاجا تارخييا ال<br />
يتعاىل على الزمان واملكان. بل هو يقوم داخل شبكة من العالقات<br />
الفكرية ويتغذى عليها. واملفهوم هو أعلى درجة لتحصيل املعرفة النظرية<br />
والعملية إلجناح اإلنسان يف هذا الكون، ألن املفهوم منظم للحدس<br />
ولإلحساس )مفتاح،م.1888<br />
)64:<br />
وفق هذه االعتبارات جند أن مفهوم املؤسسة الدينية يقوم يف دالالته<br />
وأبعاده على أكثر من مستوى خاصة بوضعه يف إطار أو مرجعية ثقافية<br />
مثل الفكر اإلسالمي ؟وخصوصية هذا الفكر تكمن يف صعوبة موضعة<br />
أي مفهوم داخله إال وفق شروط اإلمكان. مبعنى آخر أن هناك صياغات<br />
لغوية وبالطبع مع ما تعكسه من معاني،ال جتد هلا تأسيسا تأصيليا إال إذا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 99<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
أخضعناها تعسفيا، واألمر كذلك عندما نتحدث عن ما يُعرف باملؤسسة<br />
الدينية.فما مفهوم املؤسسة الدينية؟ وهل ميكن احلديث عن مؤسسة<br />
دينية يف اإلسالم؟وإذا افرتضنا وجودها؛ما دورها وما طبيعة اخلطاب الذي<br />
تنتجه؟وما هي متظهراتها؟وأخريا كيف ميكن هلذه املؤسسات أن تعبِر<br />
وتصيغ جوهر الدين؟<br />
لقد تبني لنا منذ الوهلة األوىل انفراد هذا املفهوم ومتيزه؛ حيث<br />
كان عصيا على التحديد حتديدا دقيقا.لكن ما سهل املهمة هوربطها<br />
مبفهوم الدين باعتباره جامعا لكل األشكال واملمارسات العقائدية.أي أنه<br />
حيتمل مفهوم املؤسسة. بالعودة إىل اللغة العربية جند كلمة الدين مأخوذة<br />
من دان،دانه أي ملكه وحكمه وساسه.أما اصطالحا فكلمة الدين<br />
عندما نربطها بأمة معينة تصبح جمموعة املعتقدات واملبادئ اليت ختضع<br />
هلا تلك األمة، وهذا االعتناق يرتتب عنه ما يُعرف بالتشريع ومع ذلك هناك<br />
اختالف بني أي دين وآخر من حيث ظاهره وباطنه.هذا وجند الالند<br />
يتحدث عن كلمة<br />
religion<br />
باعتبارها تعين يف الالتينية اإلحساس<br />
املصحوب وف وتأنيب ضمري بواجب ما جتاه اآلهلة فلم يكن لدى<br />
القدماء فكرة التوحيد.أما فكرة اإلله الواحد كقوة معنوية فقد أدت<br />
إىل فكرة دين واحد له ميزة معنوية،أخالقية...ففي نظرنا كل دين<br />
هومنظومة كاملة تعرب عن نفسها أنها املنظومة احلقيقية الوحيدة واعتبارا<br />
من هذه اللحظة عربت الكلمة عن ثالث أفكار:فكرة إقرار نظري أو<br />
جمموعة إقرارات نظرية عقلية،فكرة جمموعة أفعال عبادية، فكرة<br />
عالقة مباشرة ومعنوية بني النفس البشرية<br />
واهلل) )Lalande.A.1996 :916<br />
ومن جهة أخرى يتخذ املفهوم عنده داللة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
أخرى حيث يرى أنه ال ميكن للمرء،دون جتاهل العنصر األصلي<br />
واخلصوصي حقا للدين يف وعي اإلنسان الديين،أن يُرد الدين إىل مؤسسة<br />
اجتماعية أوإىل منظومة فردية من املشاعر واالعتقادات والعبادات،وحتى<br />
إىل تركيبة من املبادرات الفردية واالستجابات اجلماعية اليت يكون اهلل<br />
موضوعها<br />
) Lalande.A.1996 :917(<br />
مل ختتلف داللة املفهوم؛ أي الدين عند مجيل صليبا يف معجمه<br />
الفلسفي عندما يشري إىل استخدام القدماء من الفالسفة له للتعبري عن<br />
وضع إهلي يسوق ذوي العقول إىل اخلري.والفرق بني الدين وامللة واملذهب،<br />
أن الشريعة من حيث هي مطاعة تسمى دينا ومن حيث أنها جامعة تسمى<br />
ملة ومن حيث أنها يُرجع إليها تسمى مذهبا وقيل الفرق بني الدين وامللة<br />
واملذهب،أن الدين منسوب إىل اهلل تعاىل وامللة منسوبة إىل الرسول<br />
واملذهب منسوب إىل اجملتهد)صليبا.ج.6451<br />
871:<br />
(.أما يف الفلسفة<br />
احلديثة فقد تعددت معاني الدين :املعنى األول هو مجلة من اإلدراكات<br />
واالعتقادات واألفعال احلاصلة للنفس من جرّاء حبها هلل وعبادتها إياه<br />
وطاعتها أوامره. صوص املعنى الثاني جند ما عُرف بالدين الطبيعي<br />
Religion naturelle<br />
وهوما أطلق يف القرن<br />
65<br />
على االعتقاد بوجود اهلل<br />
وخرييته، وبروحانية النفس وخلودها وبإلزامية فعل اخلري انطالقا من وحي<br />
الضمري ونور العقل.وعلى صعيد آخر جند معنى ثالث يتجاوز الفرد إىل<br />
اجلماعة حيث يعترب الدين مؤسسة اجتماعية تضم أفرادا يتحلون<br />
بالصفات التالية:قبوهلم بعض األحكام املشرتكة وقيامهم ببعض الشعائر<br />
ثانيا إميانهم بقيم مطلقة وحرصهم على احلفاظ على ذلك اإلميان.أما ثالثا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
فاعتقادهم أن اإلنسان متصل بقوة روحية أعلى منه مفارقة هلذا العامل أو<br />
سارية فيه،كثرية أو موحدة)صليبا.ج.6451<br />
.)871:<br />
عندما نتوقف يف هذا املستوى،أي ربط الدين باجملتمع وجعله<br />
كعامل يشرتك فيه األفراد يف عالقة تكاملية حبيث تغيب تلك الصورة<br />
اليت تعكس صفة التفرد على ارتباط اإلنسان باهلل لتحوهلا إىل نوع من<br />
املشاركة والتماهي مع اآلخر أي اجلموع البشرية.هذه الرؤية اتضحت لنا<br />
من خالل التعاريف السابقة كما سنجدها لدى بعض املفكرين<br />
الغربيني؛حيث اعترب دوركايم<br />
Durkheim<br />
الدين عبارة عن نظام متسق<br />
من املعتقدات واملمارسات اليت تدور حول موضوعات مقدسة جيري عزهلا<br />
عن الوسط الدنيوي،وحتاط بشتى أنواع التحريم وهذه املعتقدات<br />
واملمارسات جتمع كل املؤمنني بها يف معنوية واحدة تدعى الكنيسة<br />
)65: 1960.E .Durkheim(.وعلى خالف دوركايم يعترب ماكس فيرب<br />
Weber<br />
أن املمارسة الدينية هي ممارسة حنو العامل األرضي، وأنها تتسم<br />
بالعقالنية وعلى هذا يعترب أن املسيحية الغربية كانت متلك قابلية للعقلنة<br />
حيث يقول :"ليس من قبيل الصدفة كون املسيحية الغربية قد استطاعت<br />
أن تبين الهوتها بشكل منهجي أكثر،وبطريقة معاكسة لعناصر<br />
الالهوت الذي جنده عند اليهودية،بل إنها أعطته تطورا ذا معنى<br />
تارخيي...فالالهوت هو"عقلنة" فكرية لإلهلام الديين ")فيرب.م.6451<br />
14:<br />
(.وقد خلص إىل هذا االستنتاج انطالقا من قناعته بأن اإلنسان انتقل من<br />
مستوى التفكري السحري الالمعقول إىل مستوى التفكري الديين<br />
العقالني وذلك بعد تعرفه على العلوم وانفتاحه عليها، وهذا جعله ينتقل<br />
إىل الربوتستانتية حيث نزعت الصبغة اإلكلريوسية عن املسيحية وإضعاف<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
السلطة االجتماعية لإلكلريوس املسيحي،وبناءا عليه مت تأكيد حقوق<br />
الفرد واالعرتاف حبريته يف العبادة دون وساطة رجال الدين.<br />
إن احلديث عن انتقال اإلنسان األوروبي من املستوى اإلعتقادي يف<br />
الدين إىل املستوى االنتقادي يقودنا إىل حتليل عناصر ذلك التحول الذي<br />
تزامن مع قيام املشروع النهضوي ثم تاله الفكر التنويري،وهي مشاريع<br />
حددت مجلة من األهداف أهمها ختليص اإلنسان من القوى الظالمية اليت<br />
سيطرت عليه خالل فرتة القرون الوسطى واملمثلة حتديدا يف<br />
الكنيسة،هذا من جهة ومن جهة أخرى حتريره من كل سلطة خارجية<br />
ميكنها أن متلي عليه أفعاله وحتول دون استخدامه لعقله. إنه حتوّل مهم<br />
يف حياة اإلنسان األوربي،الذي ما كان ليملك تلك اجلرأة يف التناول<br />
العقلي للدين يف حضور سلطة الكنيسة،ثم جنده يعلن عن رغبته هذه<br />
مؤكدا أن الطبيعة بكل تفاعالتها حتتاج إىل وصاية العقل الذي ينظمها<br />
ويوحدها وهذا التصور جنده يتفق مع عقلية العلماء املنحدرين من<br />
النهضة)دوكاسيه.ب.6451<br />
)49:<br />
إن هذا احلضور القوي للعقل سيمتد بعيدا، حيث مل يقتصر على<br />
فهم معطيات الواقع وال تتبع احلقيقة العلمية من وراء الظاهرة<br />
الطبيعية،بل إنه سيصبح الوسيلة اليت تشق للنفس طريق االهتداء إىل<br />
اإلميان،فهو الذي يكشف قيمة اإلميان الالمتناهية وجيعل القلب<br />
يتحسس هذه القيمة)دوكاسيه.ب.6451<br />
) 661:<br />
إذا كانت العالقة بني العقل والدين يف صورتها األولية،عالقة فهم<br />
واكتشاف فإنها حتولت فيما بعد إىل أمناط خمتلفة من التفكري،فهي<br />
جتسدت يف مواقف إما تشكيكية أو رافضة ويف أحيان أخرى<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
إصالحية.وعلى العموم فإن هذه املواقف رغم تباين مفاهيمها وتأويالتها إال<br />
أنها تتفق على رفضها للصيغة الغيبية اليت متيز بها الدين.<br />
وهكذا عرفت مسألة الدين حتوال كبريا بعد اجتياح العلوم لساحة<br />
الفكر سواء من حيث طبيعة األسئلة املطروحة،أومن حيث فهم وتصور<br />
فكرة اهلل.ألن مجلة التغريات الثقافية ستسمح للتيولوجيا بدخول ثورة<br />
جذرية للتفكري يف هذا املفهوم )267: Hoffe.O.1993(حيث تنظر<br />
املسيحية نظرة جديدة له،فلم يعد وجودا مفارقا أوغاية يسعى اإلنسان<br />
إليها،بل خالفا لذلك تصورت ن اهلل هو الذي يهبط إىل األرض ليعيش مع<br />
الناس باسطا يده ملساعدتهم<br />
) Piguet.J.C.1985 :237)<br />
إن هذه النقلة<br />
يف حتديد مفهوم املطلق داخل الفضاء املسيحي، أعادت تركيب العالقة<br />
بني اإلنسان واهلل وذلك من مستوى املعرفة إىل مستوى احملبة.فاإلنسان ال<br />
ميكنه أن يتعرف على اهلل إال من خالل حمبته<br />
) Piguet.J.C.1985 :238(<br />
احلديث عن احملبة يف املسيحية يقودنا بالضرورة إىل ذلك التقارب<br />
الذي حدث بني طريف العالقة،ألن احملبة متبادلة مما يسمح بتجسد اهلل يف<br />
صورة إنسان،وبالتالي تتغري بذلك منزلة اإلنسان داخل التاريخ ألنه ميثل<br />
الصورة املثلى اليت ميكن هلل أن يظهر فيها فيبدومن أكثر الكائنات<br />
قربا منه مما يعزز ثقته بنفسه.<br />
إن هذا التغري الذي عرفته منزلة اإلنسان يف الفكر األوربي كان<br />
له انعكاسه على الكنيسة اليت فقدت مقابل ذلك مركزيتها وهيمنتها<br />
على احلياة االجتماعية والفكرية.وهنا ستتواىل اخلطابات الفلسفية اليت<br />
تتحول فيما بعد إىل نظريات تعمل على هدم أوإعادة قراءة للرتاث الديين<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
الذي خلفته الكنيسة. وبناءا عليه أفرز هذا الوضع مجلة من الفلسفات<br />
الدينية املتعددة والثرية حيث مسحت لإلنسان بفهم وكشف حقائق الدين<br />
خاصة اليهودية واملسيحية،كما انتقل الفكر الديين من املستوى النظري<br />
إىل العملي،وبعد ما كان حكرا على رجال الدين أصبح موضوعا<br />
للدراسة والفهم عند العلماء والفالسفة ومت إيصاله إىل عامة الناس بالطرق<br />
األبسط.<br />
من خالل ما استعرضناه من تغريات يف بنية الفكر األوربي تبني لنا<br />
أن العلم هواحملرك األساسي لتلك "الثورة" إن صح لنا هذا التعبري، حيث<br />
مت مبوجبه فصل عامل ما فوق القمر )الالهوت( عن عامل ما حتت<br />
القمر)احلياة االجتماعية(. أما عندما نتحدث عن الفضاء العربي اإلسالمي<br />
فاألمر خمتلف، وحتى نتفادى الوقوع حتت تأثري سحر التجربة الغربية من<br />
الضروري إبعاد أي مقارنة أو إسقاط لنموذج على آخر.لكن ال ميكن<br />
كنتيجة لذلك أن نهمل ذلك التواصل الذي حدث بني احلضارتني<br />
اإلسالمية والغربية من جهة،وكذلك حقيقة أن النهضة والتقدم العلمي<br />
اللذان عرفتهما احلضارة اإلسالمية كانا أيضا عاملني أساسيني يف قيام<br />
مثل تلك احلضارة عند املسلمني؛وهذا ما يقرّب التصورات وجيعل مقاربة<br />
احلضارتني واستحضارهما معا ممكنة.ومع هذه اإلمكانية البد من<br />
التمييز بني معطيات الثقافة الغربية ومعطيات الثقافة اإلسالمية،فالفصل<br />
الذي مت عند الغرب بني السلطة الروحية املمثلة يف الكنيسة وبني السلطة<br />
الزمنية املمثلة يف الدولة،ليس له ما يقابله يف اإلسالم.مبعنى آخر،أننا مل<br />
نعرف يف تارخينا املاضي جتربة مماثلة يف سيطرة املؤسسة الدينية على<br />
الدولة وعلى األفراد مما يقتضي ضرورة الفصل بني الدين<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
والدولة،وفكرة العلمانية اليت نادت بها أوربا ما كانت لتكون لوال<br />
اهليمنة الكنسية اليت سادت يف العصور الوسطى.وال غرابة يف ما ذهب<br />
إليه األستاذ اجلابري عندما قال أن الدول العربية اليوم،ومنذ قيام هذه<br />
"يف قوانينها<br />
"علمانية الدول ككيانات حديثة ومستقلة،كلها دول وحتى الدول اليت تتخذ من إعالن<br />
وسلوكها وسياستها الداخلية. وإيديولوجيا هلا،فإنها يف الواقع العملي<br />
التمسك باإلسالم شعارا سياسيا "علمانية"إىل حد كبري)اجلابري،م،ع.1868<br />
) 688:<br />
وبالنظر إىل واقع احلياة االجتماعية والسياسية يف اجلزائر أويف أي<br />
دولة عربية ال نلمس حضورا قويا للمؤسسة الدينية إال من خالل بعض<br />
األشكال و التمظهرات؛ كاالحتفاالت الدينية اليت تتخللها أنشطة<br />
اجلمعيات ذات الطابع الديين أو الزوايا،وكذلك دروس الذكر يف<br />
املساجد واليت غالبا ما تكون يف شهر رمضان أويف أية مناسبة دينية. من<br />
جهة أخرى جند أن خطاب املؤسسة الدينية أُختزل يف الفقه وحتديدا<br />
اإلفتاء،طبعا ال ميكن إنكار أهمية ذلك يف جمتمعاتنا خاصة يف الوقت<br />
الراهن،لكن أليس جديرا أيضا أن يبحث الفقهاء مسائل أخرى حنن يف<br />
أمس احلاجة هلا كفهم القرآن نفسه من حيث البيان واإلعجاز اللغوي<br />
والعلمي الذي تضمنه،وهذا ما جيعل أمور التفسري هينة وممكنة.ملاذا ال<br />
يتم ربط النص القرآني حبمولته البيانية والعلمية والفقهية بالواقع؟ كيف<br />
ميكن تفسري تلك الكثافة الدينية اليت تعج بها الكتب ووسائل اإلعالم،<br />
بينما يف مقابل ذلك نرى جتاوزات أخالقية واجتماعية أكثر بكثري من<br />
املاضي، أي حني كان اإلنسان يعيش على سجيته؟ ملاذا مل تستطع رسائل<br />
وخطابات الفقهاء أن حتد من املمارسات غري األخالقية كاحنراف بعض<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
الشباب، والرشوة وكل مظاهر الفساد اليت عرفتها جمتمعاتنا؟وأين<br />
يكمن اخللل،هل هويف املتلقي،أم يف سبل إيصال اخلطاب،يف اخلطاب<br />
نفسه،أم تُراه يف صاحب اخلطاب)الفقيه(؟<br />
أيا كانت اإلجابة،أجدني يف أمس احلاجة إىل أن أقف على<br />
األرضية احلقيقية ملفهوم املؤسسة الدينية،ويف حماولة منا للتنقيب عن<br />
أسباب أوسبب هذا الغياب، غياب السلطة الدينية عن توجيه احلراك<br />
االجتماعي والتدخل يف صنع آليات تسيري العالقات بني األفراد وكذا<br />
باقي املؤسسات األخرى.فاملؤسسة الدينية تعد متثال للدين أوهي متظهر<br />
نسيب ملا هو مطلق،قد يعتقد البعض أن الدين ال ميكن أن متثله<br />
مؤسسة،مبعنى غري قابل للمأسسة.لكن من شروط انتشار أي دين جند<br />
ضرورة إنتاج فئة ختتص مبعرفة أفضل للتعاليم أو بكونها قدوة للمجتمع<br />
مهمتها فهم الدين والعمل على إرشاد الناس إىل الفهم الصحيح منه.أهم<br />
وأوىل تلك املهام ضبط النص واالجتهاد فيه فهما وتفسريا واستخالصا ملا<br />
فيه من مبادئ وتشريعات،أما مجلة الوظائف اليت ختول هلا التعبري عن<br />
حقيقة الدين فهي متعددة كالوظيفة الروحية بتطبيق تعاليم<br />
الدين،الوظيفة التعليمية، التشريع والقضاء،اإلرشاد األخالقي واملشاركة<br />
يف احلكم باسم الشورى. وحتقيق مثل هذه األغراض يقتضي وبصورة<br />
ملحّة مواكبة راهنية العصر؛مبعنى أن حيتكم الفقيه أو العامل على<br />
الرؤية العلمية املوجهة وفق املناهج واملعايري الدقيقة، ويف مقابل ذلك يبتعد<br />
عن التفسريات املشوبة باخلرافة وسوء التقدير. وقد وصف األستاذ طه<br />
عبد الرمحن ما عُرف باليقظة الدينية اليت دخل فيها العامل اإلسالمي يف<br />
العقدين األخريين، على انتشارها يف اآلفاق وتأثريها يف النفوس،أنها<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />
خديم أمساء<br />
تفتقر إىل سند فكري حمرّر على شروط املناهج العقلية واملعايري العلمية<br />
املستجدة، فال نكاد نظفر عند أهلها ال بتأطري منهجي حمكم وال<br />
بتنظري علمي منتج، وال بتبصري فلسفي مؤسّس )عبد الرمحن، ط.<br />
1881<br />
.)<br />
84:<br />
فبانفتاح رجل الدين على روح العصر حيقق تكامال بني ما هو<br />
روحي وما ينزع حنو املادية يف سبيل تفعيل التنظري الديين على أرض الواقع<br />
وجتاوز كل أشكال التفكري الشمولي والطوباوي.<br />
قائمة القواميس واملراجع :<br />
القواميس :<br />
1. Lalande، André، (1996).Vocabulaire technique et critique de la<br />
philosophie، 18 éme édition، Paris : PUF.<br />
.2<br />
صليبا، مجيل )1892(. املعجم الفلسفي ج1، بريوت: دار الكتاب اللبناني.<br />
املراجع :<br />
.1<br />
.2<br />
اجلابري،حممد عابد،)2212(<br />
دراسات الوحدة العربية.<br />
عبد الرمحن،طه،)2221<br />
)<br />
إشكاليات الفكر العربي املعاصر،ط21،بريوت<br />
العمل الديين وجتديد العقل، ط21،الدار البيضاء<br />
:<br />
.2<br />
الثقايف العربي.<br />
مفتاح،حممد،وجمموعة من الباحثني<br />
)2222(<br />
.1<br />
:منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية.<br />
:مركز<br />
املركز<br />
املفاهيم تكوّنها وسريورتها،ط1،الرباط<br />
فيرب،ماكس،)1892( رجل العلم ورجل السياسة،تر: نادر ذكري،القاهرة<br />
دار احلقيقة. :<br />
5. Durkheim، Emile (1960)، Les formes élémentaires de la vie religieuse،<br />
4 éme édition، Paris : PUF.<br />
6. Hoffe، Otfried، (1993) Introduction à la philosophie pratique de Kant<br />
،Paris :librairie philosophique، J.Vrin.<br />
7. Piguet، Jean-Claude(6458) Ou va la philosophie et d’où vient –elle ?<br />
Suisse : Editions de la Baconnière.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
املركز اجلامعي غرداية.<br />
مقدمة:<br />
لقد كثر احلديث مؤخرا عن التغريات االجتماعية اليت مست<br />
اجملتمع اجلزائري اليت أفرزت العديد من الظواهر الغريبة عن اهلوية<br />
احلضارية والدينية للمجتمع اجلزائري.ومن أبرز تلك الظواهر زيادة<br />
االحنراف وتغييب القيم األخالقية اليت حافظت على النظام االجتماعي<br />
الذي كان قائما يف ظل هذه التغريات اليت مست العديد من املؤسسات<br />
االجتماعية منها األسرة، ولرمبا يربز اخلطاب الديين بشكل قوي ليحدد<br />
مدى التباين واالختالف احلاصل بني الشرائح االجتماعية،حيث أن البعض<br />
يفسر دينه حسب أوضاعه وحاجاته اخلاصة باألسرة حبكم أنها املكون<br />
األول واألخري هلذا اجملتمع.<br />
وقد كان لتعدد اخلطابات الدينية اليت تتبناها احلركات<br />
اإلسالمية أثر يف ظهور منط تربوي غريب عن النمط التقليدي السائد يف<br />
اجلزائر،ويتجلى هذا يف البعد الرتبوي وذلك من خالل توجيه السلوك يف<br />
احلياة العامة واخلاصة بوصفه ثقافة وعبادة،ولعل ظاهرة احلركات<br />
اإلسالمية وامتداداتها الرتبوية خاصة على مستوى األسرة نظرا للمرجعية<br />
الدينية لآلباء، قد أسالت الكثري من احلرب واسرتعت اهتمام األطر<br />
االجتماعية ملا هلا من أثر بليغ على التوجهات الفكرية الدينية لآلباء.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
من خالل ذلك جاءت هذه الدراسة لتساهم ولو بالقدر القليل يف<br />
حتليل وفهم اخلطاب الديين هلذه احلركات، البعد الرتبوي الذي حيمله<br />
خاصة على مستوى األسرة اجلزائرية مع تعدد خمتلف القنوات املساهمة<br />
يف تربية األوالد، كذلك تعدد املرجعات الرتبوية يف ذلك من وسائل إعالم<br />
خطب ومفاهيم مل تكن موجودة يف اجملتمع اجلزائري بقوة مما يؤدي إىل<br />
وجود تنوع واختالف يف النمط الذي تتبناه األسر إىل جانب جمموعات<br />
اجتماعية دون أخرى. يف هذا الصدد بعيدا عن طموحات األبناء اليت تزداد<br />
ميوالتهم وكذا رغباتهم ملعرفة أكثر عن انتمائهم احلضاري ألن األسرة<br />
تعترب أكثر البيئات تعبريا عن الوضعية االجتماعية واالقتصادية، وكذلك<br />
االنتماءات اجلغرافية والثقافية للمجتمع اجلزائري.<br />
ومن خالل هذا الطرح املوجز حاولنا تفكيك هذا املوضوع وذلك<br />
بطرح تساؤالت أبرزها:<br />
هل التباين يف اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية حيدد النمط<br />
الرتبوي لألسرة ؟وهل اخلطاب الديين للمنتمي للحركة السلفية يتحكم<br />
يف حتديد نوع التنشئة االجتماعية ألسرته؟هل للمنتمي حلركة اإلخوان<br />
املسلمني أكثر استقرارا مع أوالده وزوجته مقارنة مع الذي ينتمي<br />
للحركة السلفية؟ إىل أي مدى تراجع الدور الرتبوي لألسرة التقليدية أمام<br />
تعدد اخلطاب الديين هلذه احلركات اإلسالمية وتأثريها على التنشئة<br />
االجتماعية؟ ما هي اآلليات اليت ينتهجها املنتمني هلذه احلركات يف<br />
تنشئتهم أبنائهم؟ هل السلطة األبوية لألب السلفي ختتلف عند األب الذي<br />
ينتمي لإلخوان املسلمني؟<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
-0<br />
التأسيس املفاهيمي:<br />
من الضرورة مبكان وضع داخل هذه الدراسة تعريف املصطلحات<br />
اليت حتويها وذلك من أجل<br />
اجلوانب ميدانية للموضوع.<br />
معان<br />
أ-<br />
منها:<br />
الوقوف على معانيها بدقة،ثم االنتقال إىل<br />
الرتبية: يتضمن املعنى اللغوي لكلمة تربية يف اللغة العربية عدة<br />
النمو<br />
والزيادة،<br />
لسان العرب البن منظور<br />
تعاىل:)<br />
يربي الصدقات(<br />
:<br />
والتغذية،<br />
: ربا الشيء<br />
فيهم )خليف يوسف الطراونة، 1(. 2221:<br />
املعجم تربي<br />
إن ربيته تربية<br />
نشأ أي<br />
التنشئة،<br />
التثقيف،حيث جاء يف<br />
زاد و منا، ورابيته منيته،قال<br />
أي يزيدها نقول ربيت يف بين فالن أي نشأت<br />
تعين غدوته<br />
تغذى وتثقف<br />
نعين منا قواه اجلسمية، العقلية<br />
يف اللغات أما<br />
األجنبية<br />
هذا كل ما ينمى كالولد الزوج يف<br />
)الزخمشري،<br />
218(، ورباه:<br />
:1811<br />
لقية. . خلا<br />
فلدينا<br />
مصطلحان<br />
.Éducation –<br />
:<br />
pédagogie<br />
:Pédagogie كلمة يونانية مكونة من مقطعني<br />
péd<br />
يعين :<br />
طفل agogus مبعين قيادة أو التوجيه البيداجوج عند اإلغريق املربي أو<br />
املشرف على تربية األوالد،فهي تعين إذن فعل التوجيه والقيادة<br />
،de conduire وتشري بعض املراجع أن املقصود بفعل<br />
قيادة<br />
الطفل من<br />
طرف شخص<br />
املدرسة إىل معني<br />
l'action<br />
القيادة هنا<br />
)رشا بسام،<br />
هو<br />
:2221<br />
.)27<br />
ب-<br />
األسرة: هي جمموعة من النسيقات، مثل نسيق األم والطفل،<br />
نسيق األخوة، ونسيق الزوجني ويتألف النسيق غالبا من شخصني تنظم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 000<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
بينهما جمموعة من القيم االجتماعية، وأن نسيق األم والطفل أكثر<br />
النسيقات ختصصا يف اجملتمع"<br />
بينما يقول بريجس و لوك<br />
)مصطفى اخلشاب، 99(. 1891:<br />
"<br />
فاألسرة جمموعة من األشخاص<br />
يرتبطون معا بروابط الزواج أو الدم أو التبين ويعيشون يف منزل واحد<br />
ويتفاعلون معا وفقا ألدوار اجتماعية ويعملون على احملافظة على منط<br />
ثقايف واحد". ( عبد اهلل عبد الرمحن، 211(. 1888:<br />
وجند تعريف كينكزلي<br />
ديفز)Davis ) KINGGSLEY<br />
لألسرة كما يلي" :إنها مجاعة من األفراد تربطهم روابط دموية<br />
واجتماعية متماسكة" )بريي الوحيشي امحد، 19(. 1889:<br />
أما مريدوك)MURDOK<br />
)<br />
فريى أنها"مجاعة اجتماعية، تتميز<br />
مبكان إقامة مشرتك، وتعاون اقتصادي ووظيفة تكاثرية، ويوجد بني<br />
اثنني من أعضائها على األقل عالقة جنسية يعرتف بها اجملتمع، وتتكون<br />
األسرة على األقل من ذكر بالغ وأنثى بالغة، وطفل سواء كان من<br />
نسلمها أو عن طريق التبين" )وصفي عاطف، 11(. 1871:<br />
ج- مفهوم اخلطاب الديين<br />
يتفق بعض الباحثني يف اخلطاب الديين بأن املقصود به هو: "توجيه<br />
الكالم املتعلق بأمور الدين حنو الغري إلفهامه ثم تنقل إىل ما يقع به<br />
التخاطب أو الكالم املقصود منه إفهام من هو متهيئ لفهمه " )علي عبد<br />
السميع حسني، 21(. 2221:<br />
عرفه األصفهاني:" بأنه توجيه ما أفاد حنو املستمع أو من يف<br />
حكمه" )األصفهاني،<br />
)19 :1888<br />
والعادة والشأن، الدين الطاعة ومنه الدين اصطالحا.<br />
الديين نسبة للدين والدين يف اللغة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 002<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
وصل بعض الباحثني إىل تعريف الدين بأنه "وضع إهلي سائق لذوي<br />
العقول السليمة باختيارهم إىل الصالح يف احلال والفالح يف املآل" )حممد<br />
عبد اهلل، 22( 1872:<br />
د- السلفية:<br />
مصطلح السلفية من املصطلحات اليت حييط مبضمونها الغموض<br />
وبالتحديد يف عدد من الدوائر الفكرية والسياسية يف الواقع العربي<br />
واإلسالمي املعاصر، حيث يرى البعض يف<br />
: السلفيني" " و " السلفية "<br />
التيار احملافظ واجلامد، بل والرجعي يف حياتنا الفكرية ويف اجلانب<br />
الفكري الديين منها على وجه اخلصوص، يف حني يرى البعض اآلخر أن"<br />
السلفية" تعترب من بني التيارات األكثر حتررا من فكر اخلرافة والبدع<br />
ومن األكثر حتررا واستنارة يف جمال الفكر الديين بالذات )أمحد<br />
عمارة، .)22 :1887<br />
- ه<br />
اإلخوان املسلمون:<br />
انفجرت أحداث أكتوبر<br />
1899<br />
اليت جاءت بدستور<br />
22<br />
1898<br />
فيفري<br />
والذي من خالله دخلت البالد عهد التعددية السياسية، وقبلها<br />
كانت مجاعة اإلخوان املسلمون يف اجلزائر قد بادرت بتشكيل مجعية<br />
خريية مستها "مجعية اإلرشاد واإلصالح" وقد لعبت دورا بارزا يف توجيه<br />
األحداث والتكفل باجلانب االجتماعي، مع العلم أن إطارات ومجاعة<br />
اإلخوان املسلمون كان هلم باع طويل يف مايسمى املبادرة االجتماعية ولعل<br />
اجلماعة تعترب أكثر احلركات فعالية وتأثريا يف الظاهرة اإلسالمية<br />
خالل الثمانينات واستقطاب شرائح كبرية من اجملتمع ألنه كان ميثل<br />
اإلسالم احلركي الذي خياطب الواقع يف اجلزائر خالل هذه األحداث<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
برز أسم حمفوظ حنناح حينما وجه خطابا رفقة زعماء التيار اإلسالمي<br />
بتحميله أجهزة الدولة مسؤولية األوضاع اليت آلت إليها األوضاع ومن<br />
ضرورة الوصول إىل حل لألزمة الراهنة من خالل الدعوة إىل املشاركة يف<br />
حوار وطين<br />
.(Abdelhamid boumezbar, Azine Djamila, 2002: 79)<br />
-2<br />
بعدما استعرضنا أهم املفاهيم السوسيولوجيا اليت قمنا<br />
باستخدامها داخل دراستنا،سوف ننتقل إىل الدراسة امليدانية لكن قبل<br />
ذلك سنتطرق ألهم احملددات املنهجية واليت تتمثل يف العينة واملنهج وأدوات<br />
مجع املعلومة.<br />
مدخل منهجي:<br />
كانت اختيارنا بلدية غرداية واليت يقطنها ما يقارب<br />
ساكن )مديرية التخطيط والتعمري، غرداية،<br />
122<br />
)2221<br />
ألف<br />
نظرا ألنها متتاز<br />
بنوع من الفسيفساء الدينية التقليدية واحلديثة سواء من ناحية املذهبية<br />
الدينية املذهبية املالكية و اإلباضية، أو من ناحية احلركات اإلصالحية<br />
مجاعة اإلخوان،اجلماعات الصوفية، مجاعة الدعوة والتبليغ واحلركة<br />
السلفية حيث تشهد انتشار متسارعا من سنة ألخرى وبشكل يدعوا لطرح<br />
عديد األسئلة، فال ميكن اليوم أن ختلو من مظاهر التدين على الطريقة<br />
السلفية الوهابية من خالل إعفاء اللحى، وتقصري السراويل، وإرتداء<br />
األقمصة، أو من الطرح اإلخواني من خالل املمارسة السياسية<br />
واالجتماعية واألنشطة الثقافية، فهي تزداد توسعا أكثر فأكثر من كل<br />
البيئات والطبقات االجتماعية،لتكون بيئات بديلة عن البيئة األسرية<br />
التقليدية اليت كانت حتدد االنتماء االجتماعي،لتأخذ هذه البيئات<br />
اجلديدة دورا يف حتديد العالقات األسرية وتنشئة األوالد، واليت كانت<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
-1<br />
تستند على العرف أو التقاليد بشكل كبري، ليدخل الدين أو الفكر<br />
الديين املستند هلذه املرجعيات بشكل قوي وفق ما تعلمه سابقا وما<br />
سيختاره الحقا.<br />
وقد اخرتنا على مستوى األحياء كل من حي الثنية وحي احلاج<br />
مسعود، هذا نظرا لالعتبارات التالية:<br />
وجود كثافة سكانية عالية مقارنة باألحياء األخرى مما<br />
يسمح بإجراء الدراسة فحي الثنية يقطنه حوالي<br />
احلاج مسعود حوالي<br />
22<br />
11<br />
غرداية، 2221(.<br />
-2<br />
ألف ساكنا وحي<br />
ألف ساكنا )مديرية التخطيط والتعمري،<br />
تارخيا كال احليني يعتربان معقال للجماعات والتيارات<br />
اإلسالمية واملرجعية الدينية حلركة اإلخوان والتيار السلفي، حيث<br />
نستطيع القول أن هذه األحياء مكان جيد ومنطقة النتشار اإلسالميني.<br />
قد أكدت الكثري من الدراسات الراهنة على هذه الفرضية أن هذه<br />
الفئات تعترب الدين هو منفذها بعد أن عجزت عن اللحاق بالتحضر الذي<br />
أصبح يتطلب االرتقاء االقتصادي، فالعلم مل يعد مقياس من مقاييسه يف<br />
ظل التحوالت والتغريات اليت تصيب اجملتمع يف كل األنساق<br />
السوسيوثقافية واالقتصادية وحتى الدينية للتخلص من الفقر والتخلف.<br />
وبعد حتديدنا اجملال املكاني الذي أجرينا به الدراسة قمنا<br />
باستخدام أداة االستمارة وهي األكثر شهر يف البحوث السوسيولوجيا<br />
حيث قمنا بتوزيعها على أفراد العينة،حيث بلغت حوالي<br />
وألغينا منها<br />
221<br />
21<br />
استمارة<br />
استمارة ألسباب منهجية حمضة،وبعد ما قمنا بتوزيعها<br />
واجهتنا بعض الصعوبات منها عدم تقبل بعض املبحوثني وخاصة من<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
السلفية اإلجابة على حمتوى االستمارة وهذا رمبا يرجع لكون اجملتمع<br />
الغرداوي مازال مل يتعود على مثل هذه البحوث اإلمربيقية، وقد دامت مدة<br />
التوزيع واالسرتجاع حوالي<br />
21<br />
أشهر ابتداء من ماي إىل سبتمرب، وهي<br />
الفرتة اليت يتخللها رمضان حيث يربز أصحاب هذا التوجه بشكل قوي<br />
من أجل التعبد خصوصا يف هذا الشهر مما يتيح لنا االلتقاء بهم.<br />
أما بالنسبة للعينة فقد تكونت من<br />
222<br />
أب موزعني على<br />
122<br />
-1<br />
-2<br />
فرد ميثلون االجتاه اإلخواني، و122 فرد ميثلون االجتاه السلفي موزعني<br />
على أحياء احلاج مسعود وحي الثنية نظرا لوجود هذه املرجعيات بنسب<br />
بارزة مقارنة بأحياء أخرى.<br />
التحقيق امليداني:<br />
قمنا بتقسيم اجلزء امليداني إىل شقني وذلك من أجل تفصيل بدقة<br />
متغريات الدراسة، حيث سنتناول هذه الدراسة ميدانيا كما يلي:<br />
1(االستقرار األسري واخلطاب الديين:<br />
أ- الدخل واالستقرار األسري: يلعب الدخل دورا كبريا يف قوة<br />
العالقات األسرية نظرا ألنه يعترب أحد العوامل املساعدة يف حل الكثري<br />
من املشاكل املرتبطة مبدى توفري حاجيات األسرة، ولذا قمنا بإدخاله<br />
لنوضح هل له دور رئيسي يف حل اخلالفات بينهما أم أن ذلك يرجع إىل<br />
عوامل أخرى.<br />
معرفة العالقة بني الزوجني هل ختضع إىل قيم معنوية أساسها<br />
وجود تآلف أسري، أم أنها قائمة على اجلانب املادي وهل اخلالفات<br />
الزوجية ترجع بالدرجة األولي إىل القصور يف هذا اجلانب،واجلدول التالي<br />
يوضح عالقة الدخل األسري وتأثريها على حل اخلالفات.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
جدول رقم<br />
:)10(<br />
يوضح العالقة بني الدخل األسري وكيفية حل<br />
اخلالفات الزوجية حسب االجتاه.<br />
-<br />
ومن خالل النسب اإلحصائية داخل اجلدول نالحظ أن:<br />
الزوج اإلخواني كلما تناقص دخله زاد حل اخلالفات بينهما<br />
بواسطة الرتاضي،بينما الزوج السلفي كلما زاد الدخل توجه الزوج حنو<br />
الرتاضي مع زوجته.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 007<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
إن أكرب نسبة من االجتاه اإلخواني أجابت مبعدل<br />
بأنها % 71<br />
حتل خالفاتها عن طريق الرتاضي بينما نالحظ أنه كلما كان الدخل<br />
غري حمدد زادت النسبة يف حني كلما زاد الدخل قلت نسبة الرتاضي بني<br />
الزوجني.<br />
ورغم أن الكثري من عينة اإلخوان جلأت إىل احلل املرتبط بالتفاهم<br />
بني الزوجني إال أن نسبة منهم فضلت اللجوء إىل األهل يف حالة حدوث<br />
مشاكل، مما يدل على أن الغالبية العظمى من هذه العينة يكون<br />
اخلالف بينهما حول أمور ميكن تداركها بني الزوجني مما يبني على أن<br />
هناك قاعدة من احلوار والتفاهم املتبادل بني الزوجني أو مانسميه نوع من<br />
االرتباط العضوي بينهما، وأن هناك استقرار أسري له جوانب عدة مرتبط<br />
بالعشرة الزوجية.<br />
يف املقابل جند أن نسبة املبحوثني من عينة السلفية ترتفع فيها<br />
النسبة من ذوي الدخل الغري حمدد والدخل املرتفع مقارنة مع الدخل<br />
املنخفض اليت صرحت<br />
% 12<br />
من فئة الدخل اقل من 120222دج، وأنه يف<br />
حالة اخلالف يلجأ الزوج إىل التهديد بالطالق أو يهجرها من هنا نالحظ<br />
أن اجلانب املادي يف هذه الفئة له أكرب التأثري يف العالقات الزوجية بسبب<br />
الضغوطات اليت تتعرض هلا من جراء الوضع االقتصادي الذي تعيشه<br />
البالد، ومن طبيعة الوضع االجتماعي الذي تعانيه البالد عموما.<br />
واملالحظة الثانية هو أن الزوج يهددها بالطالق وهو يعترب حالة<br />
شخصية مرتبطة بالفرد، بينما فضلت نسبة منهم اللجوء هلجر الزوجة وهو<br />
عقاب يوافق النص الديين قال اهلل "و اهجروهن يف املضاجع<br />
)النساء: "<br />
12( مما يبني أن أصحاب التوجه السلفي يلجأون إىل األمور الشرعية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 008<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
ويتبنوها يف حالة وقوع اخلالفات األسرية أو تأثر العالقات الزوجية،<br />
وعموما من خالل النسب املوجودة يف كال التوجهني نالحظ أن الدخل<br />
ليس له تأثري يف االستقرار العائلي بل أن العائلة اجلزائرية خصوصا لدى<br />
هذين االجتاهني جندها متالمحة ومتماسكة وتظهر صفات التضامن<br />
والتعاون يف املسؤولية األسرية.<br />
املالحظة األخرى أن هنا نسب البأس بها ذكرت أنه يف حالة وقوع<br />
اخلالف إنها تلجأ إىل األهل من كال االجتاهني، مما يبني أن هناك من<br />
يتبنى حل اخلالفات الزوجية على النمط التقليدي للعائلة اجلزائرية مما له<br />
داللة سوسيولوجية بأن هناك نوع من االمتداد والتواصل يف العائلة<br />
اجلزائرية.<br />
ب- املستوى الثقايف للزوجة وطبيعة العالقات األسرية<br />
يؤثر املستوى التعليمي للزوجة يف مجيع اجملاالت ولقياس هذا<br />
التأثري حاولنا أن نربط بني املستوى التعليمي<br />
للزوجة وطبيعة العالقة بني الزوجني، فهل له تأثري يف احلياة<br />
الزوجية وما مدى تأثريه هذا ما يوضحه اجلدول التالي:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 009<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
اجلدول رقم:)12( العالقة مابني املستوى التعليمي للزوجات ونوعية<br />
العالقة مع الزوج<br />
-<br />
نالحظ من خالل قراءتنا اإلحصائية هلذا اجلدول أن:<br />
أن الزوج اإلخواني كلما كان املستوى التعليمي للزوجته<br />
منخفضا كلما كانت العالقة عادية بينهما يف حني بالنسبة للزوج السلفي<br />
كلما زاد املستوى التعليمي للزوجته كانت العالقة جيدة.<br />
من جهة أخرى نالحظ أن املبحوثني الذين صرحوا أن العالقة<br />
عادية كان املستوى التعليمي عاديا مما يدل على أن املستوى التعليمي<br />
للزوجة يلعب دورا يف تقوية العالقة وهذا راجع إىل عدة عوامل من بينها لغة<br />
احلوار بني الزوجني، ووجود كذلك توافق من ناحية متطلبات احلياة<br />
ومساعدة الزوج يف تربية األبناء عرب التوجيه يف احلياة ومساعدته يف تعليم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
األوالد، حسب ماصرح به أفراد من العينة من خالل املساعدة يف مراجعة<br />
دروس األوالد وكذلك مراقبة تنشئة األوالد بطرق علمية مما جيعل الزوج<br />
تنقص عنه الكثري من املسؤولية والضغط، كما أن احلوارات اليت<br />
يكون فيها املستوى العلمي مرتفعا تزيد من الوعي واإلدراك مما خيلق نوع<br />
من التوافق األسري ويزيد يف متاسك أفراد األسرة.<br />
بالنسبة لالجتاه السلفي صرحت نسبة كبرية من أفراد العينة<br />
أنه كلما كان املستوى التعليمي عاليا كلما زاد توجه العالقة حنو<br />
األحسن كما تبني النسب املعطاة، والشيء املالحظ أن عينة السلفيني<br />
تنعدم فيها مفهوم العالقة السيئة مما يدل على أن هنا اجتاها عاما لدى<br />
أفراد العينة للتأكيد على أن نوعية العالقة<br />
حيدده املستوى التعليمي حبيث تساعده على أداء واجباته الدينية<br />
والدنيوية، كما صرحت به بعض أفراد العينة يضاف إىل ذلك أن املرأة<br />
املتعلمة حتاول أن جتعل من الوسط األسري وسط عقالني حيتكم فيه إىل<br />
احللول اليت حتافظ على الكيان األسري يف حالة حدوث خالفات أو<br />
مشاكل داخل األسرة وإىل منطق احلوار والتفاهم بني الزوجني مما يدل<br />
على أن هنا نوع من االنسجام بني الزوجني.<br />
ج- املستوى االجتماعي والعالقات األسرية:<br />
يعترب السكن ضرورة من ضروريات احلياة الزوجية، فهل سكن<br />
الزوجني وحدهما أو مع العائلة األهل له تأثري على عالقتهما حيث<br />
سنتطرق فيه إىل حتديد نوعية العالقة مابني الزوجني ومعرفة قوتها، وهل<br />
السكن مع األهل أو االستقاللية يف السكن تساهم يف االستقرار<br />
األسري وحل اخلالفات.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 020<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
اجلدول رقم:<br />
)11(<br />
يوضح العالقة مابني حمل اإلقامة والعالقة مابني<br />
الزوجني حسب االجتاه.<br />
من خالل اجلدول يتضح لنا أن عينة اإلخوان تكون العالقة مع<br />
الزوجة جيدة إذا كان له مسكن مستقل يف حني جند أن السلفية تكون<br />
العالقة مع الزوجة جيدة يف حالة إقامته مع األهل، وهذا راجع لعدة عوامل<br />
من بينها أن الكثري من املبحوثني اإلخوان هلم زوجات عامالت، مما<br />
يفرض نوع من عدم تدخل األهل يف العالقة القائمة بينهما خصوصا أن<br />
الكثري منهم يفرتض وجود تعاون اقتصادي قائم على حتمل تكاليف<br />
املعيشة بينهما.<br />
كذلك أن معظم العامالت هلم مستوى ثقايف متوسط أو عالي<br />
مما يسمح بتفهم الطرف اآلخر خصوصا إذا كان هذا الطرف له مسكن<br />
مستقل مما يسمح هلما )الزوج والزوجة( باملشاركة يف اختاذ القرارات<br />
املتعلقة بالبيت سواء يف تربية األوالد أو تسيري شؤون املنزل، مما يسمح<br />
بنوع من الرتاضي بني الزوجني وعدم حدوث مشاكل وجند مايدعم ذلك<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 022<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
أن نسبة كبرية من اإلخوان قد أجابت بأن العالقة عادية منهم نسبة<br />
كبرية من هذه العينة مقيمة مع األهل.<br />
يف حني جند أن غالبية املبحوثني السلفيني قد أجابت بأن<br />
العالقة جيد منهم نسبة كبرية مقيمني مع األهل وهذا مايؤكد على أن<br />
هناك نوع من التوافق بني قيم املنتمني هلذا االجتاه والقيم التقليدية، وهذا<br />
راجع إىل عوامل منها أن غالبية هذا االجتاه يفضلون املرأة املاكثة يف<br />
البيت حسب ما الحظنا وهم يستدلون على ذلك بالنصوص الشرعية،<br />
كذلك تشجيعهم لبعض األعمال املنزلية واألشغال اليت ختص الزوجة،<br />
وكذلك حرص هؤالء على ضرورة تقيد الزوجة بطاعة الزوج والقيام<br />
بالواجبات األخرى وهذا ما توفره البيئة التقليدية.<br />
فالسلفية احملافظة )الوهابية( هي تيار يدعوا إىل العودة إىل<br />
اجملتمع اإلسالمي األول)جمتمع الصحابة( بكل أشكاله وصوره سواء يف<br />
السلوك أو املظهر أو املعاملة وهذا ما توفره إىل حد ما األسر املمتدة<br />
التقليدية اليت حتاول أن تكون حمافظة، واليت تنبذ الزوجة العاملة خارج<br />
املنزل أكثر مما خيلق نوع من التفاهم بني قيمهم يف حني أن هذا الطرح<br />
غري موجود لدى التيارات اإلسالمية األكثر عقالنية، حيث تتأقلم مع<br />
الواقع وتطمح إىل املستقبل مثل اإلخوان مما جيعلهم يفضلون أن يكون<br />
املسكن مستقل عن ألهل حتى تشعر.<br />
)2 -2<br />
دور اآلباء يف التنشئة االجتماعية لألبناء.<br />
أ- املستوى الثقايف لآلباء وأساليب التنشئة االجتماعية لألبناء:<br />
تعترب نوعية التعليم بالنسبة للتنشئة األسرية عامال مهما يف حتديد<br />
نوع العالقة بني األب وأبناءه وللوصول إىل معرفة هل هناك نظرة تقليدية أم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
حديثة يف معاملتهم لألبناء وقياس مدى جتاوبهم مع رغبات األبناء، وهل<br />
هناك ما يسمى بالتعامل الدميقراطي يف حالة التدخل لصاحل األبناء، ومن<br />
أجل الوصول إىل معرفة ذلك قمنا بالربط بني نوع تعليم اآلباء وكيفية<br />
تنفيذ األمر بالنسبة لألبناء وهذا ما يوضحه اجلدول التالي:<br />
اجلدول رقم: )11( يوضح العالقة مابني نوع التعليم لآلباء وطلب األمر<br />
بالنسبة لألبناء<br />
-<br />
من خالل املالحظ عن كثب للنسب اإلحصائية املوجودة داخل<br />
اجلدول أعاله نستنج مايلي:<br />
بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان األب من الذين تلقوا تعليما<br />
رمسيا كان األمر الذي يصدره البنه ينفذ فورا.<br />
وبالنسبة لالجتاه السلفي كلما كان األب من الذين تلقوا<br />
كال التعليمني )الرمسي والديين( كان األمر الذي يصدره ألبنائه ينفذ<br />
فورا.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
% 71 إن نسبة<br />
-<br />
-<br />
من اإلخوان قد صرحت بالتنفيذ األمر يتم فورا منها<br />
نسب%1107 هلا تعليم رمسي، مما يوضح العالقة القوية القائمة بينهما،<br />
برغم من أن اجملتمع اجلزائري مازال حمافظا على النمط التقليدي يف<br />
الرتبية، خصوصا أن هذا االجتاه حيمل قيما تدعم النمط الرتبوي السائد<br />
يف الرتبية التقليدية<br />
بينما نالحظ أن املنتمني للتوجه السلفي قد صرحوا بأكرب نسبة<br />
منهم بأن تنفيذ األمر يتم فورا، وقد الحظنا أن النسبة الكبرية منهم تلقوا<br />
التعليم الديين والرمسي معا، وبالتالي فهناك عالقة قوية ومنه نصل إىل<br />
النتائج التالية:<br />
نالحظ من خالل اجلدول أن هناك عالقة قوية بني اإلخوان<br />
الذين تلقوا تعليما رمسيا وأبنائهم.<br />
وجود عالقة قوية بني السلفية الذين مزجوا بني التعليم الرمسي<br />
والديين وأبنائهم.<br />
ومنه نصل إىل النتائج التالية:<br />
من ناحية االجتاه اإلخواني نرى أن الذين تلقوا تعليما رمسيا ترتفع<br />
نسبتهم وتنخفض كلما اجتهنا إىل التنفيذ املكره لألمر والتنفيذ بالرغبة<br />
مما له داللة سوسيولوجية بأن هذا االجتاه ال يلجأ إىل الطرق التقليدية يف<br />
عالقته مع أبنائه، بل جند أن هذا التوجه يعتمد يف الرتبية األسرية على<br />
مفهوم احلوار والعقلنة من أجل حتبيب هذه الصفة إىل أبناءه مما خيلق<br />
نوعا من التقدير والتعاون واتساع نطاق التسامح بني األسرة الواحدة<br />
ويكتمل التوافق النفسي واالجتماعي بني األفراد.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
تهتم العائلة اجلزائرية بضرورة وجود التوافق بني اآلباء واألبناء<br />
فهي تعمل على ترسيخه يف األبناء منذ الصغر، علما أن الذين تعلموا يف<br />
الكتاب والتعليم الرمسي قد تلقوا تنشئة دينية وتربية تقليدية، وبالتالي<br />
فهم حيرصون على مفهوم الطاعة فهذا يوجد نوعا من االرتباط الديين بني<br />
ما يعتقده وما يريده من التنشئة الدينية ومن خالل ذلك فهو حياول كذلك<br />
املزج بينها وبني الرتبية التقليدية فاكرب نسبة من املبحوثني أجابت بتنفيذ<br />
األمر إذا طلب منه فورا يف حني نرى أن هذه النسبة تنعدم عندما يكون<br />
األمر حسب رغبته بينما ترتفع هذه النسبة إىل التنفيذ حتت اإلكراه، مما<br />
يؤكد على أن التوافق يكون بني اآلباء واألبناء.<br />
ومنه جند أن األبناء يلجؤون إىل التقاليد ومرد ذلك املرجعية<br />
التقليدية يف الرتبية اليت ترسخ مفهوم الطاعة يف األوالد منذ الصغر عرب<br />
حتبيب القيام باألعمال اخلريية، ألنها أساس التماسك والتناسق العائلي.<br />
ب- املستوى التعليمي لآلباء وتوجيه العالقات األسرية:<br />
املستوى التعليمي لآلباء له دور كبري يف التنشئة األسرية، وهو<br />
كذالك يؤثر على طريقة تفكري اآلباء ونظرتهم للفتاة والتمييز بينها وبني<br />
الذكر هلذا قمنا بالربط بني املستوى التعليمي لآلباء واملوقف من التعليم<br />
اجلامعي للفتاة، واجلدول التالي يوضح ذلك.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
جدول رقم<br />
)11(<br />
من التعليم اجلامعي للبنت<br />
يوضح االرتباط مابني املستوى التعليمي لآلباء واملوقف<br />
-<br />
-<br />
إن أكرب نسبة من املبحوثني أجابت مبوافقتهم للتعليم اجلامعي<br />
للبنت حسب التالي:<br />
بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان املستوى التعليمي لآلباء<br />
مرتفعا زادت املوافقة على التعليم اجلامعي للفتاة.<br />
وبالنسبة لالجتاه السلفي كلما كان املستوى التعليمي لآلباء<br />
مرتفعا زادت املوافقة على التعليم اجلامعي للفتاة.<br />
من خالل ذلك نالحظ أن كال االجتاهني يوافق على التعليم<br />
اجلامعي للبنت مما له داللة سوسيولوجية أن النظرة التقليدية للبنت قد<br />
تغريت وأن هناك نوع من االستقاللية لدى البنت يف احمليط األسري،<br />
وهناك نوع من التوافق األسري يف العالقات القائمة بني اآلباء واألبناء،<br />
وعليه نالحظ من خالل املستوى الدراسي لآلباء أنه كلما زاد املستوى<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 027<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
الدراسي زاد التماسك األسري يف العالقات مابني اآلباء واألبناء وهذا<br />
يظهر املعاملة احلسنة اليت تتلقاها البنت، فكلما زاد العامل الثقايف زاد<br />
معه مستوى الوعي واإلدراك ومنه فإن كال االجتاهني ينفي النظرة<br />
التقليدية للفتاة وأنها أقل شأنا من الذكر مما جيعلها تشعر بهذا الشعور<br />
االضطهادي الذي جيعل العالقة بني البنت واآلباء هي عالقة متوترة.<br />
ولكن على العكس من ذلك فإن وجود نسبة كبرية من الذين<br />
وافقوا على التعليم العالي للبنت يظهر بأن اجملتمع اجلزائري يتجه حنو<br />
املساواة بني اجلنسني رغم أن العينة كانت قد درست يف اجلامعة وبالتالي<br />
فهي على دراية بأن الرتبية األسرية داخل العائلة يقوم على مفهوم<br />
الدميقراطية واملشاركة يف اختاذ القرار وعدم التمييز بني األبناء مما<br />
يعمل على زيادة الروابط والتماسك األسري.<br />
ج- مكان اإلقامة واملعاملة الوالدية لألبناء:<br />
يلعب السكن دورا كبريا يف تنشئة األبناء حيث أن معاملة االبن يف<br />
كنف والديه فقط ختتلف عن معاملة الطفل وسط العائلة املمتدة، وهلذا<br />
أدخلنا عامل السكن لنرى نوعية العالقة بني اآلباء واألبناء حسب اجلدول<br />
التالي:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 028<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
جدول رقم<br />
)11(<br />
املتعلق بالعالقة مابني السكن ومعاملة اآلباء لألبناء<br />
حسب االجتاه.<br />
أكد الكثري من املبحوثني على حسب النسب املوجودة أن كال<br />
االجتاهني أكدا على أن العالقة بينهم وبني أبنائهم يسودها االحرتام وقد<br />
برز بنسبة كبرية عند اإلخوان الذين لديهم مسكن مستقل، مما يدل<br />
على أن هناك توافقا ميثل االستقاللية والقدرة على اختاذ القرارات ومن ثم<br />
وجود عامل داخلي مقدس يسوده االحرتام املتبادل بني أفراده، هذا راجع<br />
إىل أن النمط الرتبوي اإلخواني يقوم بتعويد أوالده على مفهوم االحرتام<br />
املتبادل من خالل العالقة املوجودة بينه وبني زوجته والتحكم يف توجيه<br />
أوالده دون تدخل من األهل يف النمط الرتبوي الذي يريده.<br />
ومن هنا نالحظ نوعا من الرتبية التقليدية اليت حتث كثريا على<br />
هذا السلوك وتعمل على ترسيخه يف األفراد أثناء معاملة من هم أكرب منه<br />
سنا إذ خييم عليها جو من االحرتام املكنون لألب، وبالتالي فإن هناك نوع<br />
من االستقاللية يقوم األب بتلقينها لالبن من خالل تنشئته على مفهوم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 029<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
الطاعة واحرتام من هم أكرب منه سنا بينما يقل االحرتام إذا كان<br />
يسكن مع أهله مما يفقده نوع من التحكم يف توجيه األبناء.<br />
بينما تقل هذه النسبة عند السلفية حيث جند هذه النسبة ترتفع<br />
عند املقيمني مع أهاليهم من السلفية فقد الحظنا أن العالقة االجتماعية<br />
مابني اآلباء السلفيني وذويهم املقيمني عندهم ختضع إىل مفهوم الطاعة<br />
املستند إىل قضية الذين والتماسك االجتماعي الذي حث عليه، مما جيعل<br />
منه منوذجا يقتدي به األوالد وهذه إحدى مسات العائلة اجلزائرية فالعائلة<br />
اجلزائرية متكونة أساسا من جمموعة القرابة األبوية، وبالتالي فهي تعترب<br />
مجاعة مرتابطة فيما بينها وذلك بواسطة اجلد أو األب أو سيد العائلة إذ<br />
خييم عليها جو من االحرتام أو احملافظة على التسلسل السلمي ومن هنا<br />
نستنتج أن هناك نوع من التوافق يف الرتبية األسرية بني اجتاهات النمط<br />
الرتبوي التقليدي والرتبية األسرية للسلفيني.<br />
حيبذ السلفية العيش مع األهل وهم ال يتعارضون يف ذلك معهم من<br />
خالل طاعة الذين ورعايتهم مما يساهم يف تعويد األبناء على االمتثال هلذا<br />
النموذج القائم على احلب والتعاون والتماسك األسري من جهة ومن جهة<br />
أخرى جيعل األوالد يف حالة مراقبة دائمة جتعله يتعلم االحرتام وميتثل<br />
لنظام القيم املتفق عليه.<br />
1(نتائج التحقيق امليداني:<br />
من خالل النتائج اليت حتصلنا عليها واليت قمنا مبالحظتها الحظنا<br />
أن هناك اختالف حول املؤشرات واألبعاد اليت تتحكم يف توجه عينة<br />
اآلباء حنو االختيارات اليت يفضلونها أو ينصحون بها األبناء بني االجتاهني<br />
يف حني أن كال االجتاهني يلتقيان يف بعض النقاط اليت يرى كالهما أنه<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
األفضل يف تربية االبن أو حتديد خياراته يف احلياة،ومن أهم هذه النتائج<br />
ما يلي:<br />
بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان األب من الذين تلقوا تعليما<br />
رمسيا كان األمر الذي يصدره البنه ينفذ فورا، وبالنسبة لالجتاه السلفي<br />
كلما كان األب من الذين تلقوا كال التعليمني )الرمسي والديين( كان<br />
األمر الذي يصدره ألبنائه ينفذ فورا.<br />
إذا كان املستوى التعليمي لألب اإلخواني مرتفعا زادت املوافقة<br />
على التعليم اجلامعي للفتاة،وأيضا احلال نفسه بالنسبة لالجتاه السلفي<br />
فكلما كان املستوى التعليمي لآلباء مرتفعا زادت املوافقة على التعليم<br />
اجلامعي للفتاة.<br />
- كلما كان األب اإلخواني يسكن مستقال كانت هناك عالقة<br />
احرتام، أما إذا كان األب السلفي يسكن مع األهل وجد نوع من االحرتام<br />
لرغبة األبناء هو اآلخر.<br />
بالنسبة للزوج السلفي كلما كانت الزوجة عاملة كلما كان<br />
اجتاه الزوج حنو اللجوء إىل أحد األصدقاء، وكلما كانت الزوجة ماكثة<br />
يف البيت كان االجتاه حنو اللجوء حنو احد األصدقاء بالنسبة للزوج<br />
اإلخواني.<br />
بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان املستوى التعليمي لآلباء<br />
مرتفعا كلما زادت املوافقة على التعليم اجلامعي للفتاة وهو األمر نفسه<br />
بالنسبة لآلباء الذين ينتمون لالجتاه السلفي.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
-<br />
بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان تناقص السن كان<br />
االجتاه حنو الرياضة، أما املنتمني لالجتاه السلفي كلما زاد السن كان<br />
االجتاه حنو اختيار املطالعة<br />
اخلامتة<br />
عندما بدأت حتول اجملتمعات التقليدية بالتحول من االقتصاد<br />
الزراعي إىل االقتصاد الصناعي أصبحت حقيقة البقاء مسلم بها و بدأت<br />
املعتقدات الدينية باالحندار و قد فسر الكثري منهم بأن انهيار الشيوعية<br />
أدى إىل انتشار حالة من عدم االستقرار، اليت شجعت على العودة إىل<br />
املعتقدات الدينية، يف اجملتمع مابعد الصناعي و بقيت االهتمامات<br />
البشرية جزءا من التطلع البشري أما عن اجملتمعات العربية و اإلسالمية،<br />
ففقد كان األمر خمتلفا فهي شهدت هذه احلالة من عدم االستقرار منذ<br />
احنطاط العامل اإلسالمي و انتهاء اخلالفة العثمانية و طغيان االستعمار<br />
اليت رافقتها حماوالت للنهضة و التنوير قاده زعما مثل مجال الدين<br />
األفغاني و حممد عبده و حسن البنا.... أدت إىل نشأة تيار ديين حياول أن<br />
جيعل من اإلسالم منطلقا لعوامل النهضة و التحرر من مثالية النموذج<br />
الغربي عرب تفعيل القيم احلضارية و املوجودة يف اإلسالم من خالل<br />
استثمارها و حتويله إىل واقع معاش لذا كان خطاب هذه احلركات<br />
خياطب العقل مستعمال النقل دون تغييب للعقل و مرة يأخذ بالنقل مطلقا،<br />
حماوال االستثمار يف أهم مؤسسة اجتماعية ميكن أن حتدث التغيري من<br />
خالهلا يف نواحي كثرية أال و هي األسرة اليت أصبحت حمال للصراع<br />
القائم بني احلركات اإلصالحية اليت متجد العقل و احلركات اليت ترى<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
يف املاضي املنهج األمثل للريادة و باعتبار البيئة االجتماعية هي نتاج هلذه<br />
األسرة فإن هذه اخلطابات الدينية كانت و التزال حتاول االستحواذ على<br />
هذه املؤسسة باعتبارها أول مجاعة دينية حتافظ على املقوم الديين الذي<br />
يعترب من أهم النظم االجتماعية اليت خيضع هلا الفرد فغي سلوكه و<br />
تصرفاته فاألسرة تعترب الدين من أهم عناصر ثقافتها األساسية و الشك<br />
أنه من أهم العوامل اليت تؤدي إىل زيادة التكامل و الوحدة بني أعضاء<br />
اجملتمع وانطالق منت أنه ال ميكن فهم هذه املؤسسة منعزلة عن بقية<br />
العوامل الداخلية و اخلارجية فهي متعلقة باجملتمع الكبري حيث حتدث<br />
تفاعالتها وسلوكات أفرادها و تعامالتهم، و تتجسد أمناطها و نظمها<br />
املميزة، متأثرة باالقتصاد و الثقافة و السياسة و كذا الدين فلكل نظام<br />
اجتماعي معطياته اليت تتحكم يف مسار تغيريه و تنظيم األسرة فيه.<br />
مما جيعلنا نطرح العديد من التساؤالت حول ماهي التنشئة الدينية األمثل<br />
أو التنشئة األسرية عموما يف ظل اجلذب والشد بني هذا اخلطاب و ذاك<br />
مما جيعل العديد من الدراسات خاصة يف اجملال السوسيولوجي حياول<br />
الغوص يف األفكار واملناهج اليت حتاول أن يعطيها هذا اخلطاب فمن<br />
خالل الفكر أو النمط الرتبوي الذي يتبناه يف ظل تراجع القيم الدينية<br />
لدى األسر اجلزائرية اليت مل حتدد هذه القيم فأصبح الصراع بني ماهو<br />
تقليدي و حديث نتيجة لعوامل تارخيية ويف ظل التغري االجتماعي احلاصل<br />
يف اجملتمع نتيجة لعوامل داخلية و خارجية مما يرتك الباب مفتوحا ملزيد<br />
من الدراسات اليت تهتم بهذا اجملال و تفسري اجتاه الكثري للبحث عن<br />
اإلجابة من خالل اخلطاب السوسيو- ثقايف الذي تتبناه هذه احلركات<br />
اإلصالحية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
يف ضوء النتائج املتوصل إليها يف الدراسة نقدم التوصيات التالية:<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
إن األسرة مشروع إنساني متكامل، ينبغي احملافظة عليه و<br />
محايته و تدعيمه و تعزيز مكانته يف اجملتمع<br />
- جتتاز األسرة اجلزائرية اآلن، مرحلة االنتقال من النمط التقليدي<br />
إىل النمط احلديث، و ينبغي على متخذي القرار إجياد سياسات حساسة<br />
هلذا التحول<br />
تشجيع البحوث اليت تهتم بالعالقات األسرية سواء بني اآلباء و<br />
األبناء خاصة يف ظل التغريات احلادثة يف اجملتمع ووجود أمناط تربوية<br />
خمتلفة عن النموذج السوسيو- ثقايف للعائلة اجلزائرية.<br />
ينبغي على املشرع يف جمال األسرة و حقوق املرأة و الطفل، أن<br />
يستفيد من معطيات علم النفس علم االجتماع األنثروبولوجيا كما ينبغي<br />
السهر على التطبيق السليم ملواد القانون.<br />
ينبغي تشجيع و تنفيذ حبوث و دراسات حول األسرة اجلزائرية<br />
بصفة دورية، و إنشاء بنوك معلومات و إحصاءات حول هذا املوضوع.<br />
دراسة شاملة و عميقة حول هذه املؤسسة االجتماعية و التغريات<br />
احلاصلة فيها انطالقا من املرجعيات الرتبوية اليت توجد يف اجلزائر.<br />
املوجودة فيها.<br />
-<br />
دراسة القيم اليت حتملها هذه األسر و التطرق إىل اخلصائص<br />
تشجيع البحوث اليت تساهم يف تسليط الضوء على املشاكل<br />
احلقيقية اليت تشهدها األسرة جراء التغري االجتماعي احلاصل يف اجملتمع<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
-<br />
من أجل املساهمة للتوصل إىل احللول املناسبة من أجل ترقية هذه املؤسسة<br />
االجتماعية و احملافظة على النسيج االجتماعي.<br />
رعاية الدراسات اليت تهتم باالختالفات و الفروقات احلاصلة يف<br />
النظام الرتبوي لألسر اجلزائرية<br />
قائمة املراجع:<br />
املراجع باللغة العربية:<br />
.<br />
-1<br />
القرآن الكريم:رواية حفص،كتبه اخلطاط عثمان طه،البينة للطباعة<br />
والنشر،دمشق،سوريا،127ه.<br />
بريي الوحيشي أمحد<br />
األسرة :<br />
طرابلس،اجلامعة املفتوحة،1998<br />
والزواج :<br />
.<br />
-2<br />
-2<br />
: رشا بسام<br />
-1<br />
مقدمة يف علم االجتماع العائلي،<br />
مدخل إىل الرتبية، دار البداية، عمان، األردن، 2221.<br />
مشس الدين حممود عبد الرمحن األصبهاني: شرح املنهاج للبيضاوي،تح<br />
عبد الكريم النملة، مكتبة الرشد،الرياض،1888.<br />
عبد اهلل عبد الرمحن: علم االجتماع.النشأة و التطور،دار املعرفة<br />
اجلامعية،اإلسكندرية، 1888.<br />
-1<br />
-1<br />
حممد عبد اهلل دراز<br />
وصفي عاطف<br />
:<br />
:<br />
-7<br />
-9<br />
بريوت،1871.<br />
: الزخمشري<br />
الدين، دار القلم، الكويت، ط 1872. 2،<br />
األنثروبولوجيا الثقافية، دار النهضة العربية،<br />
أساس البالغة، دار صادر،، بريوت،<br />
.1811<br />
-8<br />
خليف يوسف الطراونة: أساسيات يف الرتبية، دار الشروق، عمان،<br />
األردن،2221.<br />
علي عبد السميع حسني: جتديد اخلطاب الديين، دار الكتب العلمية،<br />
بريوت، 2221.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />
أ. حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />
.1898<br />
-12<br />
-11<br />
حممد عمارة: الطريق إىل اليقظة اإلسالمية، دار الشروق، بريوت،<br />
حممد عمارة: تيارات الفكر اإلسالمي، دار الشروق، القاهرة، مصر،<br />
.1887<br />
-12<br />
مصطفى اخلشاب: دراسات يف علم االجتماع العائلي، دار النهضة<br />
العربية، بريوت،1891.<br />
املراجع باللغة الفرنسة:<br />
( Abdelhamid Boumezbar، Azine Djamila :L’islamisme<br />
algérienne de la genèse au terrorisme، Ed Chihab، Batna،<br />
Algérie، 2002 ، P 79<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
أة. عقون مليكة،<br />
جامعة معسكر.<br />
ترتكز مداخلتنا هذه حول تسليط الضوء على احد أهم املفاهيم اليت<br />
تعاطت معها احلركة اإلسالمية يف اجلزائر، كإشكالية العالقة بني<br />
اإلسالميني والدميقراطية، وعالقتهم بالسلطة، واهم العوامل اليت حتدد<br />
موقفهم من القضية الدميقراطية، إضافة إىل نتائج املواجهة اليت آلت إليها<br />
هذه العالقة، فمن خالل أطروحات احلركة اإلسالمية<br />
بيانات، -<br />
نصوص، شعارات- ، ممثلة يف اجلهة اإلسالمية لإلنقاذ قبل دستور<br />
فرباير 1898، وبعده ميكننا القول أنها مل تشهد تفاعال حقيقيا مع هذه<br />
املفاهيم، كما أنها مل تتميز بالقدرة الفكرية الالزمة الستيعابها،<br />
وإدماجها يف خطابها بالشكل الذي يفضي عليها نوعا من القوة<br />
االقناعية، وجيعل من املمارسة السياسية اإلسالمية ممارسة واقعية، قابلة<br />
للتنافس مع اآلخر، على مستوى الربامج واألفكار الوضعية )املعطي،م،<br />
:2229<br />
11(، ذلك ان تعاطيهم مع املسالة الدميقراطية،غري املؤصل له<br />
فكريا ونظريا، كان قد أقحم املشروع اإلسالمي الذي علقت عليه آ مال<br />
شرائح عريضة من املواطنني، يف مواجهات مباشرة وغري مباشرة مع<br />
السلطة واألطراف املعادية له، تلك املواجهات اليت كانت قد أثارتها<br />
مسألة طرحهم الغامض لكيفية تطبيق الشريعة، وما يرتبط بها من<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
إشكاالت تعين يف ذهن عامة الناس "إقامة احلدود "، واليت ترمز بدورها<br />
إىل قطع يد السارق، ورجم الزاني، وقتل املرتد...... اخل)املعطي،م<br />
:2229<br />
.)22<br />
وإذا كان األمر كذالك فهل دلك يعين أن تعاطيهم مع هذه املفاهيم مل<br />
يكن يف واقع األمر سوى شكال من أشكال االحتجاج على عدم إلتزام<br />
دولة االستقالل بتطبيق الشريعة، وليس تعبريا عن تصور سياسي ناضج؟<br />
-<br />
وحنن بصدد فك االشتباك بني هذه العالقات املتعددة، حاولنا من<br />
خالل هذه الورقة صياغة الفرضية التالية: أن مستقبل اجملتمع اجلزائري<br />
زهني مبدى حتقيق القيم الدميقراطية، اليت من ضمنها احرتام احلريات<br />
العامة، واالعرتاف مبجموع التناقضات الداخلية، اهلوياتية، واللغوية،<br />
والثقافية، واإليديولوجية، فتحقيق هذا املستقبل يتوقف على مدى<br />
مساهمة خمتلف االجتاهات السياسية الفاعلة يف اجملتمع، واليت على<br />
رأسها جزما، احلركة اإلسالمية باختالف مرجعياتها، واليت تفردت يف<br />
استقطاب فئة عريضة من املواطنني، فضال عن كونها تتحمل جزءا من<br />
املسؤولية يف التوافق حول اخليار الدميقراطي الذي يتسع جماله للجميع،<br />
والذي مل يعد مطلبا غربيا إيديولوجيا<br />
- فحسب –<br />
-<br />
، بل احد أهم<br />
أولويات التنمية املستدامة، اجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.بهدف خلق<br />
االندماج، واالنسجام الضروري داخل اجملتمع، فضال عن التحرر<br />
واالستقالل عن التبعية واهليمنة الغربية.<br />
يف سياق مناقشة هذه العالقة جتدر بنا اإلشارة قبل البدء، رصد<br />
مالحظتني على نفس القدر من األهمية، تتعلق األوىل بأحد أهم العوامل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
اليت تعوق عالقة اإلسالميني بالدميقراطية<br />
عمارة، سليم العوا، حممد العشماوي<br />
–<br />
-<br />
-<br />
-<br />
حسب كتابات حممد<br />
واليت تتمثل أساسا يف مشكل<br />
التأصيل النظري ملفاهيم احلكم احلديثة بالنسبة لإلسالميني،أما<br />
املالحظة الثانية، فتتعلق بتحديد مفهوم احلركة اإلسالمية والسياق الذي<br />
وجدت فيه، إضافة إىل مفهوم الدميقراطية، ومدى تبلوره داخل الرتاث<br />
السياسي العربي.<br />
املالحظة األوىل : عائق التأصيل النظري.<br />
لعل مشكل التأصيل الفكري والنظري ملفاهيم احلكم احلديثة ظل<br />
منذ عشرينات القرن املاضي يشكل معوقا كبريا بالنسبة احلركة<br />
اإلسالمية، يصعب جتاوزه، فضال عن كونه حيول دون بلوغها األهداف<br />
اليت ناضلت، وتناضل من أجلها، بسبب فقر الفقه اإلسالمي السياسي،<br />
مقارنة جبوانب الفقه اإلسالمي األخرى، كالعبادات واملعامالت، سواءا<br />
من حيث الكم أو الكيف، حسب تعبري الباحث<br />
السنهوري<br />
-<br />
-<br />
عبد الرزاق<br />
، ذلك أن الشريعة اإلسالمية قد ظلت املرجع الوحيد<br />
للحكم منذ تأسيس دولة املدينة، كما شكلت مصدر األحكام يف<br />
القضاء، غري أنه ومع مرور الزمن، تشكلت نوع من االستقاللية أ<br />
والقطعية بني احلكام والفقهاء، يف تدبري شؤون الدولة، إذ لنا من صور<br />
التاريخ اإلسالمي،<br />
-<br />
واليت تغنينا عن التفصيل<br />
-<br />
ما يربز هذه<br />
القطيعة، وهو التاريخ الدموي احلافل مبشاهد اضطهاد الفقهاء،<br />
وسجنهم، بسبب آرائهم السياسية، وهو األمر الذي أدى إىل تراجع وضآلة<br />
اإلنتاج السياسي اإلسالمي، وغلق باب االجتهاد يف جمال الفقه السياسي<br />
)املعطي،م، .) 11 :2229<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
-<br />
فهذا الفقر يف ميدان اإلنتاج النظري أزم وضع حركات اإلسالم<br />
السياسي، إذ وضعها يف مأزق من حيث التعاطي مع املسألة<br />
الدميقراطية،وغريها من املفاهيم احلديثة للحكم، حيث استعصت هذه<br />
املفاهيم على استيعابها يف إطار املنظومة اإلسالمية، وهو األمر الذي زاد<br />
من عجزها، و أضعف من قدرتها على فك ذك االشتباك املفتعل، الذي<br />
شكل عائقا حقيقيا حال بني احلركات اإلسالمية و أهدافها داخليا<br />
وخارجيا.<br />
املالحظة الثانية<br />
:<br />
العائق املرجعي املفاهيمي<br />
:<br />
-<br />
تقديرينا املتواضع<br />
يتعلق األمر مبفهوم احلركة اإلسالمية، فهي<br />
-<br />
-<br />
حسب<br />
ليست جبهة موحدة من حيث املرجعية، فإذا أخذنا<br />
بعني االعتبار االجتاهات املنضوية حتت لوائها وأساليبها يف التغيري،وإذا<br />
سلمنا جدال بأنها ذلك االجتاه الذي جيهر القول بأن له مرجعية إسالمية،<br />
فان تلك املرجعية بطبيعة احلال ليست مطلقة، إذ ما يغلب على املرجعية<br />
اإلسالمية كإيديولوجية هو نسبيتها،ذلك أن ما ميكن أن نعتربه اإلسالم<br />
الصحيح هو جمرد تأويل من بني تأويالت خمتلفة ومتعددة، مبا أن<br />
االنقسامات يف تأويل النصوص الدينية حدثت حتى قبل انتهاء فرتة<br />
اخلالفة الراشدة،بدليل تعدد الفرق اإلسالمية وأحقية كل منها بالتمثيل<br />
الصحيح لإلسالم، فاإلسالم كدين، مل يطالب بأي شكل حمدد<br />
للحكم، بل إدراكا منه لسنة التطور ترك ذلك للمسلمني ولظروفهم<br />
املتغرية. )محانة،ب، 7(، 1882: كما أن مرجعية احلركة اإلسالمية يف<br />
اجلزائر خاصة، تعدد منابيعها بني حركة اإلخوان املسلمني يف مصر،<br />
وبني ما يسمى بتيار" البناء احلضاري"، أو" حركة اجلزأرة"، أو مجعية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
القيم بقيادة املفكر اإلسالمي "مالك بن نيب"، واليت منت يف ظل<br />
الفضاءات الشبانية يف اجلامعة اجلزائرية،كما أنها تعد استمرارية<br />
لنشاط مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني، إضافة إىل احلركة السلفية<br />
اليت نهلت من احلركة الوهابية باململكة السعودية، تلك هي احلركات<br />
اليت ساهم العمل اجلمعوي يف بروزها، وخروجها من حيز العمل الدعوي<br />
والتلقني الديين، إىل حماولة تغيري النظام بأدوات الدميقراطية نفسها.<br />
)بن الشيخ،ع،<br />
2212<br />
:21(، ذلك أن التحوالت اليت شهدتها اجلزائر<br />
مسحت بإتاحة هامش من احلرية، إثر إقرار التعددية احلزبية مبوجب<br />
دستور فرباير<br />
98<br />
-<br />
وهو األمر الذي مكن احلركة اإلسالمية، ممثلة يف<br />
اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ من القفز إىل الواجهة ودخول غمار االنتخابات،<br />
وحتقيق النصر الكاسح الذي قلب الدميقراطية وجعلها متشي على<br />
رأسها،األمر كذلك الذي غري كيفية تعاطي اإلسالميني مع الدميقراطية<br />
وحدد موقعهم، إضافة إىل عوامل أخرى لعل أبرزها تلك املرتبطة بشروط<br />
إنتاجها، تارخييا، واجتماعيا وسياسيا، وثقافيا....داخليا وخارجيا، وهي<br />
العوامل كذلك اليت حددت تفاصيل العالقة وجتلياتها يف املشهد<br />
اجلزائري فيما بعد.<br />
ثانيا: بالنسبة ملفهوم الدميقراطية:<br />
لعل جتربة البلدان العربية يف التعاطي مع املسألة الدميقراطية ال<br />
تزال يف طور الطفولة، ذلك ألنها ليست وليدة تطور علمي، وثقايف<br />
واجتماعي واقتصادي وسياسي، بالنسبة للعامل العربي اإلسالمي، كما<br />
هو احلال بالنسبة ألوروبا.*)محانة،ب،1882:<br />
)11<br />
لذلك فهي جتربة<br />
حديثة يف البلدان العربية لظروف خمتلفة،ال يتسع اجملال لذكرها، إذ مل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
يتم التعامل معها ككل متكامل، مما يعين أنه مت اختزاهلا فيما يسمى ب<br />
الدميقراطية اجلزئية<br />
"<br />
"<br />
أو "الدميقراطية االنتقائية" عرب اآللية االنتخابية،<br />
صناديق االقرتاع، عدد األصوات، نسبة املشاركة، وتتوقف مسرية<br />
الدميقراطية بعد ذلك...،إما عمدا أو انتهازية، أو جهال، من طرف القائمني<br />
عليها، مسؤولني أومثقفني، أو عامة الناس، يف حني أن إجراءات تطبيق<br />
الدميقراطية تتجاوز عدد الناخبني إىل مبدأ التداول على السلطة ذهابا، وإيابا،<br />
واخلضوع للمساءلة القانونية، وحق التغيري، وحق تأليب الرأي العام....لكن هذه<br />
اإلجراءات مفقودة ومغيبة يف جتربتنا ألسباب خمتلفة، أوهي دميقراطية أقرب<br />
إىل األوليغارشية االستعبادية منها إىل احلرية احلقيقية )محانة،ب،<br />
:1882<br />
.)11<br />
غري أن الدميقراطية احلقيقية النقية، قبل أزمتها يف الدول الغربية وقبل أن<br />
تتعرص للنقد، هي فلسفة نابعة عن اختيار فكري يؤصل لقيمة الفرد<br />
والفكر، واالختيار احلر فضال عن كونها إنتاج احلضارة اإلنسانية مجعاء،<br />
وتعتمد مساهمة كل الفئات من أجل تأسيس مشروع جمتمعي، قائم على<br />
املساواة، والعدالة واحلرية، والكرامة اإلنسانية، وما يرتبط بها من تفاصيل<br />
أخرى كالتدين من عدمه، واملثلني والسحاقيني، واألمهات العازيات، والقتل<br />
الرحيم، وغريها، مما جيعلنا نعتقد مجيعا أن اجملال الدميقراطي وحده<br />
األوسع، والكفيل باحتضانها، وهي مسائل ال جيادل أحد يف جوازها من<br />
عدمه، على أساس التفوق الديين أو العريف أو اجلنسي، أو ما شابه ذلك....اخل<br />
وإذا كان األمر كذلك بالنسبة للدميقراطية، كمفهوم، وكإجراءات<br />
تطبيقية، فإن عالقة اإلسالميني بالدميقراطية، قد تبدوا مالحمها<br />
واضحة إن هي حتددت مطالبهم على أساسها أم ال؟<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
وإذا كانت رغبتهم تتجه إىل املشاركة يف تأسيس مشروع جمتمع<br />
دميقراطي أم ال؟<br />
أما إذا كان اجلواب بالنفي، فعلينا قلب السؤال بصيغة أخرى، هل نظم<br />
احلكم اليت تدعي اليوم أنها إسالمية، تشكل بالنسبة للمسلم وغري<br />
املسلم مناذج مشجعة؟<br />
)محانة،ب، .)11 :1882<br />
-<br />
-<br />
طبيعة العالقة بني اإلسالميني والسلطة يف اجلزائر:<br />
مبجرد حصول اجلزائر على استقالهلا، انتهجت السلطة مواقف<br />
استبدادية تسلطية يف عالقتها مع املعارضة، على اختالف مرجعياتها، إذ<br />
رفضت االعرتاف مبجموع التناقضات الداخلية، أيا كان شكلها<br />
ومظهرها، باسم احملافظة على الوحدة الوطنية، ومتسكا بالشرعية<br />
التارخيية، اليت سرعان ما تداعت أركانها، وتآكلت هياكلها، مبجرد<br />
فشل املشروع التحديثي التنموي، وما جنم عنه من انعكاسات سلبية،<br />
ظهرت يف شكل أزمات، أدت يف نهاية املطاف إىل عجز النظام نهائيا عن<br />
امتصاصها، واليت انفجرت يف اخلامس من أكتوبر1899، رغم<br />
حماوالت النظام املتعددة الحتواء حركات الرفض السياسية<br />
واالجتماعية، والثقافية، واليت شكلت احلركات اإلسالمية أبرزها،<br />
حيث عمل النظام على صدها مبختلف الوسائل من خالل تعبئة العامل<br />
الديين خلدمة سياساته املختلفة، كإستثمار فكرة التوافق بني اإلسالم<br />
واإليديولوجية االشرتاكية، يف الوقت الذي استمرت احلركة اإلسالمية<br />
يف موقفها املتزمت إزاء النظام وخياراته، مثل مجعية القيم اليت مت<br />
حضرها سنة 1872، واحلركة اإلسالمية اليت قادها الشيخ بويعلي<br />
والذي مت القضاء عليه سنة 1897، بعد سلسلة التفجريات اليت قام يها،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
وهي األحداث اليت جعلت احلكومة اجلزائرية تعيد النظر يف موقفها من<br />
دور املؤسسات الدينية التقليدية، من خالل اعتمادها دائما على مفهوم<br />
التعبئة بدل املشاركة* )الرياشي وآخرون،<br />
،)11 :1888 لتكريس<br />
شرعيتها من جهة واحليلولة دون وصول احلركة اإلسالمية للحكم من<br />
جهة أخرى، األمر الذي استدعى تأسيس جملس إسالمي أعلى، برئاسة<br />
أحد أعضاء احلكومة، مهمته مراقبة نشاط اجلماعات اإلسالمية وتقزيم<br />
دورها،* )الرياشي وآخرون،<br />
:1888<br />
-<br />
17( مما يعين زيادة التوتر بينها<br />
وبني السلطة، وهو األمر كذلك الذي جنم عنه ضرورة التفريق بني<br />
اإلسالم كدين، واإلسالم كمؤسسة.<br />
غري أن عملية تعبئة العامل الديين، سرعان ما أفلتت من يد السلطة،<br />
وتفردت به احلركة اإلسالمية، نظرا ألهمية اإلسالم كأحد أهم<br />
املكونات الثقافية للمجتمع اجلزائري،و حيث األوضاع املرتدية، متكنت<br />
اجلبهة اإلسالمية من فرض وجودها، بواسطة تطويع اخلطاب الديين<br />
لصاحلها، إذ متكنت اجلبهة من توظيف رموزه خلدمتها، كاملسجد،<br />
خطب اجلمعة، األعياد، املناسبات<br />
)الرياشي،وآخرون،7291888(....اخل، مما يعين أن املؤسسة الدينية قد<br />
جتاوبت مع العملية الدميقراطية، كأحد أهم العوامل العقائدية، اليت<br />
دعمت موقف اجلبهة من جهة،واليت امتزجت وطبيعة الواقع االجتماعي<br />
من جهة،وهو العامل الذي شكل أهم احملددات اليت ساعدت على تنامي<br />
نشاط اجلبهة اإلسالمية، هذا الواقع الذي تتمثل أهم خصائصه فيما يلي:<br />
قوة املؤسسة العسكرية وهيمنتها على خمتلف اجملاالت، حيث<br />
أشادت قيادات اجلبهة يف عدة مواقف بدور املؤسسة العسكرية، رغم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
الضربات اليت تلقتها على يد قياداتها، إضافة إىل خصائص أخرى لعل<br />
أهمها االنتقال الفجائي والسريع، من نظام احلزب الواحد إىل التعددية<br />
احلزبية، حوالي ستون حزبا بني عشية وضحاها،إضافة إىل عامل آخر<br />
متثل يف عالقة التعايش احلذر بني الشعب والنظام، حيث جتذر أسلوب<br />
العنف، نظرا العتماد النظام على شرعية تارخيية مهرتئة<br />
*)الرياشي،وآخرون،11191888( فضال عن األزمة االقتصادية<br />
وخملفاتها، وعدم الثقة يف اآللية االنتخابية بالتالي االنقالب على<br />
الدميقراطية، فحينما حقق اإلسالميون النصر رأى العسكريون أن<br />
الدميقراطية ال تصلح للجزائر، نظرا للنسبة املرتفعة اليت صوتت<br />
لصاحلهم، كما احتج اإلسالميون على عدم صالحية النموذج<br />
الدميقراطي للجزائر،بدليل استيالء العسكريني على السلطة ألن النتائج<br />
مل تكن يف مصلحة النخبة الفرنسية املثقفة<br />
*)الرياشي،وآخرون،12891888(.<br />
تلك هي إذن خصائص الواقع االجتماعي والسياسي يف اجلزائر،<br />
واليت شكلت أهم احملددات، اليت ساهمت يف بلورة موقف احلركة<br />
اإلسالمية من الدميقراطية، وهو األمر الذي حييلنا إىل عدة استنتاجات<br />
قد جتلي اللبس يف إطار هذه العالقة لعل أهمهما<br />
الباحث فهمي هويدي<br />
–<br />
–<br />
حسب ما أشار إليه<br />
هو أن ننطلق يف حتليل هذه العالقة من موقف<br />
الدميقراطية من احلركة اإلسالمية، وليس العكس، ذلك ألن<br />
احلركات اإلسالمية كانت قد اجتهت إىل االعتدال، والقبول<br />
بالدميقراطية منذ سبعينات القرن املاضي، وقبلها منذ نهاية العشرينات،<br />
على يد اآلباء املؤسسني للحركة اإلسالمية أمثال حسن البنا....بينما مل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
يقبل القائمني على الدميقراطية باإلسالميني لكونهم يهددون وجودها،<br />
بالتالي جيب احليلولة دون وصوهلم إىل السلطة<br />
*)الرياشي،وآخرون،121-<br />
.)12191888<br />
-<br />
بالدميقراطية<br />
لعل هذه املناقشة<br />
-<br />
-<br />
املتواضعة لعالقة اإلسالميني<br />
من خالل النموذج اجلزائري، مل تستوف معظم تفاصيله<br />
وجزئياته لعدة اعتبارات أهمها، كون جتربة احلركة اإلسالمية يف<br />
اجلزائر يف عالقاتها بالسلطة والدميقراطية، حديثة جدا، مقارنة بغريها<br />
من التجارب األخرى اليت دامت لعقود ومازالت، ذلك أن ثالث سنوات، يف<br />
تقديرنا املتواضع<br />
–<br />
غري كافية بشكل من األشكال للحكم عليها،<br />
وجمادلتها، وبغض النظر عن النتائج اليت آ لت إليها، فان عرضنا اجلزئي<br />
للمشهد اجلزائري، قد أحالنا إىل بعض املالحظات حول جتليات هذه<br />
العالقة لعل أ برزها هو حداثة األنظمة العربية يف عالقتها بالدميقراطية<br />
اذأنها غري مهيأ ة يف أ سسها للتعاطي مع املسألة الدميقراطية، نظرا<br />
للطابع العسكري الذي تتميز به هذه األنظمة بصفة عامة، وتتفرد به<br />
اجلزائر بصفة خاصة.<br />
كما أن جتليات هذه العالقة، ليست دائما سلبية، بل إنها<br />
تستبطن كذلك جوانب اجيابية، كتحويل الدين من قدسيته إىل جمال<br />
النسبية، من خالل إقحامه يف حيز الصراع السياسي ليحتل وضعه<br />
الطبيعي، بشكل فعلي يف اجملتمع، ومؤسسات الدولة، وهو األمر الذي<br />
ميكن أن يؤدي إىل االنتقال السلسل حنو الدميقراطية والذي لن يتم إال<br />
من خالل التفاعل باجيابية مع الدين من جهة، وارتفاع نسبة التدين يف<br />
اجملتمع من جهة أخرى، وإذا ما متكن النظام السياسي من تطبيع عالقته<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
-<br />
-<br />
-<br />
بالدين فهو بال شك سيساهم يف تبيئة الدميقراطية كمفهوم لتوائم<br />
خصوصيات واقعنا املؤمل.<br />
بالتالي متكيننا من مواجهة جتليات احلداثة وإفرازات الثورة<br />
التكنولوجية، والفقر والغزو الغربي...... فضال عن إحداث القطيعة مع<br />
إيديولوجية التطرف الديين، ودميقراطية الدبابات، والسلفية الوهابية<br />
على حد سواء، وهي أمناط مستوردة ال تؤدي إىل جعل جمتمعاتنا عرضة<br />
للهيمنة واالستغالل فحسب، بل تهدد وجودنا يف حد ذاته، مما يعين<br />
ضرورة االشتغال على الدين بقراءات جديدة أكثر مطابقة لروح القرآن<br />
والسنة من جهة، ومتوافقة مع احلقائق العلمية واالجتماعية من جهة<br />
أخرى، وجمموع التغريات احلاصلة، ولن يتأتى ذلك إال بإشراك مجيع<br />
النخب السياسية والفكرية باختالف مرجعياتها، بهدف حتقيق املصاحلة<br />
بني الدميقراطية من جهة، وبني ذواتنا من جهة أخرى.<br />
ملخص: على ضوء املناقشة<br />
بعد مناقشة هذه الورقة يف ختام أشغال هذا امللتقى حول املؤسسة<br />
الدينية يف اجلزائر،أثار احلاضرون مسائل عديدة مثل مربرات العودة<br />
لضغط النص، وما الذي بقي أمام احلركات اإلسالمية بعد اخنراطها يف<br />
قواعد اللعبة الدميقراطية وقبوهلا بنموذج الدولة املدنية، وهل أن األحداث<br />
الراهنة اآلن جتاوزت الدميقراطية أم احلركات اإلسالمية،و قد مت<br />
توضيح هذه املسائل كالتالي:<br />
لعل مفهوم احلكم الديين مفهوم غريب عن اإلسالم، إذ أن من أعاد<br />
توظيفه يف العصر احلاضر هو املفكر أبو األعلى املودودي، قبيل قيام<br />
دولة باكستان سنة<br />
1819<br />
نتيجة التجاوزات اليت قامت بها األغلبية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
-<br />
اهلندوسية ضد األقلية املسلمة، كما أن مفهوم احلكم يف اإلسالم ال<br />
يعين تطبيق الشريعة حرفيا حسب ما ذهب إليه بعض كبار املفسرين<br />
أمثال "الزخمشري،السيوطي.....،إمنا يعين الفصل بالعدل يف اخلصومات<br />
بني الناس فقط، كما أنه ال أحد بإمكانه االدعاء بأن اخلالفة تشكل<br />
مبدأ من مبادئ اإلسالم، ذلك أن اإلسالم مل يوجبها، ومل ينه عنها،<br />
خالفا ملا تدعيه احلركات اإلسالمية اليوم يف حماولتها العودة بالقوة إىل<br />
منوذج النبوة والسلف الصاحل، فأبا بكر الصديق رضي اهلل عنه ملا مات<br />
حممد صلى اهلل عليه وسلم قال:" لقد مضى حممد لسبيله وال بد هلذا<br />
األمر من قائم يقوم به" كما عني أبا بكر عمر بن اخلطاب، ومل يستشر<br />
أحد من املسلمني، كما مل يعرتض على ذلك أحد.فقد شهدت فرتة<br />
اخلالفة الراشدة وفرتات أخرى من التاريخ اإلسالمي، صور مشرقة<br />
ومشرفة للحكم اإلسالمي الراشد، امتثاال لقوله صلى اهلل عليه وسلم يف<br />
غزوة بدر" املسلمون هم أدرى بشؤون دنياهم".<br />
ذلك أن ما يسمى بضغط النص، ومنوذج العنف الذي نشهده اليوم يف منهج<br />
احلركات اإلسالمية يف التغيري ال مربر وال مصوغ له، سوى أنه شكل من<br />
أشكال التطرف األعمى الذي مل يزد صورة اإلسالم، مبعية وسائل<br />
اإلعالم،إال تشويها لدى الغرب، ومن مثة نشوء ذلك التصور اجلامد لديه<br />
عن اإلسالم.<br />
بالتالي فإن احلركات اإلسالمية بهذه الصورة تبدو فاقدة للشرعية<br />
وضعيفة أمام الواقع الذي أنتجها وجتاوزها أخريا، بظهور ربيع الثورات<br />
الشعبية، اليت متيزت وتفردت بقدرتها على تغيري األنظمة االستبدادية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />
العدد الثاني<br />
جوان
عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />
-احملددات والتجليات-<br />
عقون مليكة<br />
بتكلفة اقل، زمنيا وبشريا، وبطرق سلمية، وهو األمر الذي مل تتمكن<br />
منه احلركات اإلسالمية على مدى ثالث عقود وأكثر من الزمن.<br />
-<br />
– )1<br />
: قائمة املراجع<br />
محانة البخاري<br />
– 1882<br />
-<br />
والدميقراطية يف اجلزائر.<br />
ملتقى الفلسفة واملشروع الدميقراطي يف اجلزائر<br />
الرتاث السياسي العربي اإلسالمي<br />
–<br />
– )2<br />
مركز الوثائق<br />
اجلامعية للعلوم اإلنسانية – حتت إشراف معهد الفلسفة جامعة وهران<br />
واجلمعية الفلسفية اجلزائرية.<br />
بن الشيخ عصام<br />
– 2212<br />
البعد السياسي يف اخلطاب الديين للحركة<br />
اإلسالمية يف اجلزائر- مركز األهرام للدراسات اإلسرتاتيجية<br />
-<br />
العدد – 29 .21011<br />
– )2<br />
الرياشي سليمان وآخرون.<br />
الوحدة العربية – العدد 11 ص.<br />
88<br />
األزمة اجلزائرية<br />
–<br />
.121 .128 .17 ،11<br />
** )1<br />
نص مفرغ بتصرف من خالل تسجيل لندوات فكرية<br />
مركز دراسات<br />
–<br />
مباشر 2228.<br />
-)1<br />
قناة اجلزيرة<br />
املعطي منجب:2229 مواجهات بني االسالميني والعلمانيني باملغرب<br />
_<br />
دفاتر وجهة نظر_ مركز ابن رشد للدراسات والتواصل، الرباط 2229.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
2102 جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي )املساجد<br />
والكنائس(<br />
أة. بالل ريم،<br />
جامعة معسكر<br />
مقدمة:<br />
عملت املساجد والزوايا والكتاتيب القرآنية يف بالدنا ومنذ ظهورها<br />
على تعليم القرآن وتربية األجيال تربية دينية فقد عمل معلموها على<br />
احلفاظ على طابعها التعليمي منذ نشأتها وهذا إن دل فهو يدل على مدى<br />
جناحه يف تربية النشء، ومل يقتصر التعليم فيها على قراءة وتالوة القرآن<br />
الكريم وإمنا كل ما تيسر هلم من علوم الدين والفقه والشريعة واللغة<br />
العربية من قواعد وصرف وحنو، ساعدت املؤسسات الدينية يف احلفاظ<br />
على املقومات العربية اإلسالمية اجلزائرية وتغلبت على الكثري من<br />
الصعوبات يف ظل االستعمار الفرنسي حيث قاومت البدع واجلهل والتخلف<br />
االجتماعي وساهمت يف إصالح اجملتمع وأحواله والزالت تقوم بدورها إىل<br />
يومنا هذا غري أن اإلقبال عليها مل يبقى كسابق عهده ويعود ذلك إىل<br />
عوامل خمتلفة جمتمعية أو اقتصادية. تقوم املؤسسات الدينية بدور مهم<br />
ووظيفة حيوية يف عملية التنشئة االجتماعية والرتبية اليت<br />
تنمي "<br />
الشخصيات البشرية االجتماعية إىل أقصى درجة تسمح بها إمكاناتها<br />
واستعداداتها حبيث تصبح شخصية مبدعة خالقة منتجة لذاتها وجملتمعها<br />
تعترب الرتبية عملية صقل وتطوير وتهذيب الفرد من استعدادات<br />
وقدرات")البخاري،ح.1881:<br />
)112<br />
وباإلضافة إىل هذه اخلصائص،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
-<br />
-<br />
إحاطة عملية التنشئة بهالة من التقديس وإجيابية املعايري السلوكية اليت<br />
تعلمها لألفراد واإلمجاع على تدعيمها، ويظهر دور للمؤسسة الدينية يف<br />
تنشئة الفرد من حيث: " تعليم الفرد واجلماعة التعاليم الدينية واملعايري<br />
السماوية اليت حتكم السلوك مبا يضمن للفرد سعادة أفراد اجملتمع و<br />
البشرية مجيعا.<br />
إمداد الفرد بإطار سلوكي نابع من تعاليم دينه.<br />
الدعوة إىل ترمجة التعاليم السماوية إىل ممارسة عملية وتنمية<br />
الضمري عند األفراد.<br />
-<br />
توحيد السلوك االجتماعي والتقرب بني خمتلف الطبقات<br />
االجتماعية")أبومغلي،س.2222<br />
عندها رغم<br />
.)187:<br />
"<br />
املؤسسات الدينية اجلزائرية يف العهد العثماني:<br />
لقد وجدت فرنسا التعليم و الرتبية على أحسن حال مما كان<br />
اتسام احلكم العثماني باجلمود والعزلة وسوء العالقة بني<br />
احلاكم واحملكوم كونها دولة حربية قائمة على القوة")رياض،ز.ب<br />
ت:7( مما أدى إىل إهمال نوعا ما قطاع الرتبية و تركوه حرا يساير<br />
الظروف االقتصادية واالجتماعية يف البالد فهو شبيه بالتعليم يف باقي<br />
الدول العربية تعليم تقليدي له مؤسساته ونظامه اخلاص به، اقتصر<br />
التعليم يف هذه الفرتة على املؤسسات الدينية اإلسالمية اليت يكتنفها جو<br />
عبادي يشعر فيه املتعلم واملعلم والسامع أنه يف بيت من بيوت اهلل فيكونوا<br />
أقرب إىل اإلخالص والنية احلسنة وأهدافهم سامية هي التفقه يف الدين<br />
وأداء العمل على وجهه الصحيح، كما أن الدراسة فيها تتميز عن<br />
الدراسة يف املدرسة حيث أن الدراسة ليست دراسة نظرية يقصد منها<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
جمرد العلم واملعرفة وإمنا هي دراسة تربوية تطبيقية يقصد منها العمل<br />
أوال يظهر من خالل تغري سلوك الدارس ومسو أخالقه ويظهر مبظهر املتزن<br />
احلكيم ويقوي إميانه فينشر هذه الفضائل بني أفراد أسرته ومن يتصل<br />
به من معارفه يف اجملتمع الذي يعيش فيه،أما عن انتشاره العلم يف هذه<br />
الفرتة فكان واسعا وقد غطى التعليم مناطق خمتلفة من مدن وقرى وحتى<br />
الصحراء وكان خاصا يقوم على جهود األفراد واملؤسسات اخلريية<br />
وساهم رجال الدولة يف متويله لكن كأفراد إذ كان<br />
"<br />
ينظر للتعليم على<br />
أنه أساس الدين وفريضة من فرائضه لذا وجدوا أن صفة القرآن كان<br />
عمدة التعليم االبتدائي ومعرفة العلوم اخلاصة بالقرآن الكريم كان<br />
عمدة التعليم الثانوي والعالي حتى احلساب كان اهلدف منه دينيا بالدرجة<br />
األوىل فيه تعرف الفرائض و تقسيم املواريث والتقوميات")أبو القاسم،<br />
س.ب ت<br />
"<br />
.)112 :<br />
دور األوقاف:<br />
متيزت الفرتة العثمانية باجلزائر بتكاثر األوقاف وانتشارها يف<br />
خمتلف أحناء البالد منذ أواخر القرن 11م وحتى مستهل القرن 18م،<br />
وتزايدت حتى أصبحت األوقاف تشكل نسبة كبرية من املمتلكات<br />
الزراعية احلضرية منذ أواخر القرن 19م. ففي سنة 1712م فقد<br />
تضاعفت العقود األوقاف اثين عشر مرة مقارنة بسنة 1122م، وهذا<br />
التزايد املستمر لألمالك املوقوفة خالل هذه الفرتة ميثل إحدى دورات املد<br />
الوقفي يف تاريخ اجلزائر")مهدي، م.<br />
: 2222<br />
21(،كانت األوقاف أو<br />
االحباس املصدر األساسي لتمويل التعليم واملتعلمني واملكتبات واملساجد<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
وحتى احلركة العلمية ككل فبها توفر أجور عالية للمعلمني واملداخيل<br />
اجليدة اليت تصرف يف سبيل العلم ورجاله.<br />
اهلياكل التعليمية يف الفرتة العثمانية:<br />
لقد كانت املساجد، اجلوامع، الزوايا والكتاتيب والرباطات<br />
مركزا للعلم، والتعلم، حيث كان التعليم يف اجلزائر يرتكز عليها، إذ<br />
كانت هذه األخرية تؤدي عدة أدوار، إىل جانب كونها مركز للعبادة،<br />
ودورها يف احلياة االجتماعية.<br />
املساجد: هي<br />
"<br />
أفضل بقاع األرض ومركز هداية دائمة وتوجيه<br />
ديين وفكري وتعليمي ومعنوي وروحي وأخالقي وتربوي وأدبي واجتماعي<br />
واملدرسة األوىل اليت تعتين باإلنسان وتنمي الروح ومركز تآيف وتساو<br />
يستقبل املسلمني دون تفريق. و املسجد دار عطاء يلقن العلم ويهذب النفس<br />
ألن العلم من مساته أن يرتقي بالفكر اإلنساني، وليس من دين كرم<br />
العلم ودعا إليه مثلما فعل اإلسالم، ومعجزته القرآن، كتاب العقل و<br />
الوجدان") الصاحل، م.<br />
: 2222<br />
21(.لقد كان املسجد والزال هو بدء<br />
احلركة العلمية فهو ساحة عبادة وهو معهد وجامعة...وإذا كان العلم<br />
قضية اإلميان فإن فيه راحة اإلنسان وفيه خمتلف ألوان املعارف والعلوم،<br />
ففي املسجد درج العلم وانبثقت ثورات فكرية ودينية وعلمية غريت مالمح<br />
التفكري البشري وشكلت اجتاهاته،وقامت حلقات الدرس فيه منذ أن<br />
انشأ واستمرت على مر السنني والقرون ولعل السبب يف جعل املسجد<br />
مركزا ثقافيا هو أن الدراسات األوىل كانت تهتم بتعليم اإلسالم وهذه<br />
اتصلت باملسجد اتصاال وثيقا، ومل خيتص املسجد بتعليم الكبار فقط<br />
غري أن تعليم الصغار فإن فقهاء املذهب املالكي يرون أن تعليمهم يف<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
املسجد غري الئق حيث قال اإلمام مالك<br />
"<br />
ال أرى ذلك جيوز، ألنهم ال<br />
يتنظفون من النجاسة، ومل ينصب املسجد للتعليم")التيجاني، ع.<br />
: 1892<br />
.) 22<br />
ت<br />
الرباطات:"هو يف األصل رابط إذا الزم ثغر العدو، وقد أطلق لفظ<br />
الرباط على بعض الثكنات العسكرية اليت تقام يف الثغور وأصبحت مع<br />
مرور الزمن تطلق على البيوت اليت يأوي إليها املتقشفون و الصوفية ابتعادا<br />
عن الضوضاء واعتكافا على العبادة") التيجاني، ع. 1892<br />
: .)11 كانوا<br />
:<br />
يقومون بدراسة القرآن واحلديث وغريهما أيام السلم و اهلدنة كان<br />
العلماء يأتون هذه الرباطات وخاصة أيام رمضان للعبادة والتدريس ومن<br />
أعماهلم استنسايف الكتب وحتبيسها على طالب العلم.<br />
الزوايا: هي بيت أو جمموع بيوت يبنيها الفضالء إليواء الضيوف<br />
وقراءة القرآن وذكر اهلل تعاىل. "هي عبارة عن مسجد ومدرسة أو معهد<br />
للتعليم القرآني والديين ومأوى للطلبة الداخليني يعيشون يف تلك الزاوية<br />
بال مقابل وهي يف اجلملة قصرية احليطان، منخفضة القباب، قليلة<br />
النوافذ، وإذا كان للزاوية مسجد فهو يف الغالب بدون مئذنة وقد كانت<br />
بعض الزوايا متخصصة يف استقبال نوع معني من الضيوف")نسيب،م. ب<br />
11(، وقد بنت اجلزائر زوايا على شكل مساجد يؤمها الصوفية<br />
املتعبدون، ويدير أمرها مشايخ الطرق، يصلون فيها ويدرسون القرآن<br />
وخمتلف العلوم، ويذكرون اهلل فيها ويربون الناس فيها تربية علمية<br />
روحية، لقد كانت زوايا القرآن والعلم والرتبية يف اجلزائر حصنا للثقافة<br />
اإلسالمية ومنهال للغة العربية ومدرسة للرتبية الدينية الوطنية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
" الكتاتيب:<br />
الكتاب هو اقل وحدة تعليمية منتشرة بشكل كبري<br />
من الزوايا إذ تتواجد يف أحياء املدن والقرى، وقد تكون حجرة من منزل<br />
أو بناية مستقلة على شكل مدرسة أو ملحقة مبسجد بنيت خصيصا<br />
لتعليم القرآن ويعلم فيه بأجرة يتقاضاها من أولياء التالميذ")غياث،<br />
ب.1882<br />
".)21 :<br />
أثاثه احلصر وجمموعة من األلواح اخلشبية وأقالم من<br />
قصب وكمية من الصلصال والصمغ وجمموعة من املصاحف وبعض<br />
الكتب الفقهية والنحوية والصرفية والتعليم بالكتاب تعليم أولي ومنه<br />
ينتقل التالميذ إىل زوايا ومساجد كربى إلنهاء دراستهم الثانوية")<br />
التيجاني، ع.<br />
،)12 :1892<br />
وقد قام الكتاب مبهمة تربوية عظيمة حيث<br />
جنده يف كل مكان وكان يؤمه األطفال ليحفظوا بعض السور من<br />
القرآن ومبادئ العبادات جبانب القراءة والكتابة.<br />
لعبت املؤسسات الدينية اإلسالمية دورا كبريا يف ترسيخ اللغة<br />
العربية و احلفاظ على املقومات اإلسالمية وبينت مدى اهتمام اجلزائريني<br />
بتعليم أوالدهم، كما جند تنوع املواد اليت تدرس فاملؤسسات الدينية<br />
اإلسالمية كانت متاثل مستوى التعليم االبتدائي تقريبا وكانت تنظم يف<br />
بعض الكتاتيب حلقات يف دراسة مبادئ التوحيد و الفقه و التجويد<br />
للتالميذ.<br />
مراحل التعليم: كان التعليم العربي اإلسالمي احلر يشمل ثالث<br />
مراحل تعليم ابتدائي وتعليم ثانوي وعالي:<br />
التعليم االبتدائي: ويعطى يف الكتاتيب ويقبل الناس عليه إقباال<br />
شديدا فال جند مدينة أو قرية إال بها الكتاب وكان التعليم بها سطحيا<br />
جدا يشمل: القراءة الكتابة والقرآن الشريف، وبفضل تلك الكتاتيب<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
كانت األمية قليلة االنتشار بالقطر اجلزائري،<br />
"<br />
يسجل الوالدين األوالد<br />
يف سن مبكرة غري أن املعلمني يرون خالف ذلك، واتفق اجلانبني على سن<br />
السادسة أو السابعة وهي السن املعتدلة اليت ميكن للطفل أن يستوعب ما<br />
يلقى عليه وهي السن اليت يأمر بها الصيب باآلداب الشرعية الكتمال<br />
وعيه") التيجاني، ع.<br />
)11 : 1892<br />
واقتصر التعليم يف الكتاب على<br />
األوالد فقط خصوصا يف البادية.<br />
التعليم الثانوي و العالي: كانا باملساجد والزوايا يتوالها شيويف من<br />
املشهود هلم بالعلم والدراية والنزاهة،<br />
فكانت الدروس اإلسالمية والعربية توجد يف أغلب املساجد و<br />
الزوايا.<br />
الربامج الرتبوية يف املؤسسات الدينية اإلسالمية:<br />
إن الرتبية هي مناط تنشئة األجيال على االستقامة والرتباط العلم<br />
ارتباطا وثيقا بالدين اعتمد املعلمني على التأكيد على الرتبية اإلسالمية<br />
وإدراجها ضمن املقررات وقسمت الربامج إىل قسمني برامج خاصة بالتعليم<br />
االبتدائي وبرامج تتعلق بالتعليم الثانوي و العالي:<br />
برامج التعليم االبتدائي: " متثلت براجمه يف القراءة والكتابة بعد<br />
حفظه للحروف اهلجائية والتخطيط على اللوح ثم كتابتها، وحفظ القرآن<br />
حيفظ بعض السور كسورة اإلخالص والفاحتة و الكوثر بالرتديد<br />
اجلماعي للصبية، ينتقل بعد ذلك إىل الصف األول ويعتمد على نفسه يف<br />
كتابة وحفظ السور حتى خيتم القرآن، ويقوم املعلم بتعليمه املبادئ<br />
األولية يف الفقه والتوحيد باإلضافة إىل احلساب") التيجاني، ع.<br />
:1892<br />
.)12<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />
العدد الثاني<br />
جوان
2<br />
1<br />
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
الربامج املتعلقة بالتعليم الثانوي والعالي: أي التعليم باملساجد اليت<br />
هلا مسعة شيخه ليتعلم النحو والصرف والبالغة وعلوم الفقه والشريعة<br />
وأصول الدين والتفسري واحلديث وهذه النظم التعليمية تكاد متشابهة يف<br />
مجيع أقطار املغرب العربي واجلزائر خاصة وكمثال منطقة تلمسان<br />
" متثلت يف:<br />
التوحيد: من بني املؤلفات السنوسية حملمد بن يوسف من بين<br />
سنوس، واجلوهرة لإلمام إبراهيم اللقاني املصري، والدرر اللوامع لإلمام<br />
املقرى علي بن حممد الرباطي يف الفقه:املرشد املعني البن عاشر، الرسالة<br />
لعبد اهلل ابن أبي زيد القريواني، واملختصر للشيخ خليل بن إسحاق<br />
املالكي، السرية:كتاب الربدة حملمد سعد بن الصنهاجي، والشمائل ألبو<br />
عيسى الرتمذي أما القواعد: كتاب األرجومية حملمد بن أرجوم<br />
الصنهاجي، وكتاب القطر البن هشام، واأللفية حملمد بن مالك<br />
األندلسي")")<br />
التيجاني، ع. 12(. 1892:<br />
يتم التعليم يف املسجد وفق نظام معني حيدده الشيخ واملعلمون<br />
ويكون يف حلقات أو جلسات بني كل صالة<br />
خالل أيام األسبوع كلهن تستهدف الرتبية إىل بناء إنسان على خلق<br />
قويم وقيام جمتمع تسوده جمموعة من<br />
القيم احلميدة واملثل العليا والقيم واألخالق اإلسالمية تتميز بأنها<br />
واقعية مبقدور اإلنسان أن يتخلق بها وأن<br />
يلتزم بها ومن أساليب الرتبية اإلسالمية<br />
:<br />
"<br />
أسلوب الرتغيب والرتهيب.<br />
أسلوب القصص القرآنية والنبوية وهو من أقوى أساليب الرتبية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />
العدد الثاني<br />
جوان
2<br />
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
احلوار") رجب، م.<br />
أسلوب األمثال وما يفيض به من عوامل التأثري و أسلوب<br />
.)89: 2228<br />
مكتبة املسجد:" كانت املكتبات تلحق<br />
باملساجد أو تنقل إىل مكان قريب منه تعمل على مجع الكتب وترمجتها<br />
من شتى العلوم وخاصة علوم الدين والطب والطبيعة يقوم املسؤولون عليها<br />
بنسخ وترمجة الكتب وتصنيفها حتى يتسنى للطلبة االطالع عليها")عبده،<br />
م. .)18 -19 :1899<br />
أهم خصائص الرتبية يف املساجد:<br />
- 1<br />
أوىل "خصائص الرتبية هي أنها تربية إميانية تهدف إىل<br />
تكوين اإلنسان املؤمن الذي يوحد اهلل تعاىل، ويراقبه يف سره<br />
وعالنيته")الصاحل، م.2222:<br />
،)18<br />
وهذه الوصية الرتبوية النبوية تدل<br />
على أن العقيدة هي أساس الرتبية يف املنهج اإلسالمي، فاإلميان بأن اهلل<br />
تعاىل هو وحده احلافظ واملعني والنافع والضار، حيرر فكر اإلنسان من<br />
األوهام واخلرافات، ويوجهه يف طريق التفكري السليم.<br />
- 2<br />
"تربية متوازنة<br />
:<br />
من أهم خصائص الرتبية يف املنهج<br />
اإلسالمي أنها تربية تهتم ببناء شخصية اإلنسان من مجيع جوانبها، تقدم<br />
له حاجته من الرتبية الروحية والعقلية واجلسدية، وتسعى لتنمية طاقاته<br />
املتنوعة وصقل مواهبه، وتتجلى أهمية الدين يف احلياة البشرية من خالل<br />
ارتباط الراحة النفسية باالعتقاد أو الدين فهو عنصر ضروري لتحقيق ذلك<br />
")قطب، م.<br />
:1892<br />
أجنع وسائلها، وأنفع أدواتها.<br />
- 2<br />
28(، وللعبادة فضل كبري يف الرتبية الروحية، فهي<br />
"تربية مستمرة: ومعنى مستمرة أنها ليست حمصورة يف<br />
مرحلة معينة من العمر، بل تستمر مدى احلياة، يف مرحلة الصغر يقوم بها<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
املعلمني، ويف مرحلة الرشد يواصل اإلنسان نفسه تربيته ")الصاحل،<br />
م.2222: 12(.<br />
- 1<br />
"الرتبية العلمية و العملية: اهتم اإلسالم باجلانب العلمي<br />
وتنمية العقل وشجع عليه من خالل تنمية القيم العلمية لدى األفراد ورفع<br />
مكانة العلماء، وأن ال تكون الدراسة نظرية فحسب بل جيب أن تكون<br />
دراسة من أجل التطبيق العملي هلا يف جمال الرتبية و التعليم") رجب، م.<br />
: 2228<br />
111(. متيز املسجد مبجموعة من اخلصائص ساعدت يف انتشار<br />
العلم واملعرفة والثقافة اإلسالمية يف مجيع املناطق اجلزائرية أهم هذه<br />
اخلصائص، جمانية التعليم ودعوة معلميه إىل العلم واحلث عليه وعدم<br />
كتمان العلم، وهذه هي النقاط األساسية للتعليم يف املسجد وقد اهتمت<br />
الرسالة الرتبوية للمسجد ببناء الشخصية اإلسالمية من مجيع جوانبها<br />
بناءا متكامال ومتوازنا وتربى فيه املسلم تربية وجدانية، روحية،<br />
واجتماعية، وفق تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية،"وتعد الدروس<br />
الفقهية والعلمية من أهم العناصر اليت تساعد يف نشر الثقافة يف خمتلف<br />
أرجاء اجملتمع اإلسالمي وتؤتي هذه الدروس مثارها يف نشر الوعي<br />
والثقافة الدينية بني مجوع املصلني")نوبي،ح.2222: 121(.<br />
الرتبية يف فرتة االحتالل الفرنسي:<br />
أصرت السلطات الفرنسية على طمس الشخصية اإلسالمية<br />
اجلزائرية فمارست مجلة من املمارسات التعسفية ضد املؤسسات الدينية<br />
"حيث سجل الكاتب الفرنسي"<br />
)التيجاني، ع.<br />
القرارات التعسفية:<br />
"René Basset<br />
19 كتابا ومسجدا<br />
"<br />
)22 :1892<br />
فقط يف مطلع القرن العشرين ومن أهم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
التضييق على التعليم العربي اإلسالمي:<br />
أدرك املستعمر منذ احتالله اجلزائر، خطورة الرسالة اليت تؤديها<br />
املساجد والكتاتيب والزوايا، يف احملافظة على شخصية األمة. فلم تكن<br />
هذه املراكز قاصرة على أداء الشعائر التعبدية فحسب، بل كانت<br />
أيضًا حماضر للرتبية والتعليم وإعداد الرجال الصاحلني املصلحني،<br />
لذلك صبّت فرنسا غضبها عليها بشدة، فعمدت إىل إمخاد جذوة العلوم<br />
واملعارف حتت أنقاض املساجد والكتاتيب والزوايا حيث قال الكردينال<br />
الفيجري "علينا أن خنلص هذا الشعب، وحنرره من قرآنه، وعلينا أن نعين<br />
على األقل باألطفال لننشئهم على مبادئ غري اليت شب عليها أجدادهم<br />
فان واجب فرنسا تعليمهم اإلجنيل، أو طردهم إىل أقاصي الصحراء<br />
)18 :<br />
-<br />
-<br />
بعيدين عن العامل املتحضر") حزيف، ص.1892<br />
مدمريه وعمل على:<br />
وهلذا جند املستعمر<br />
"استيالؤها وقضاءها على معظم معاهد العلم و التعليم اليت<br />
كانت موجودة مثل املساجد والزوايا والكتاتيب وحرق معظما وحولت<br />
األخرى إىل كنائس وثكنات عسكرية)كجامع كتشاوة باجلزائر(.<br />
القضاء على معظم رجال العلم و التعليم ورجال الطرق الصوفية<br />
الصاحلون.<br />
- سحب الرخص املتعلقة بالتعليم بفضل قانون<br />
1821/2/21<br />
الذي<br />
مينع أي جزائري بفتح مدرسة أو كتاب لتعليم القرآن الكريم إال<br />
برتخيص خاص من احملافظ أو احلاكم العسكري.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />
العدد الثاني<br />
جوان
یوأ<br />
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
-<br />
فرض نظام تربوي مسيحي على أنقاض النظام الرتبوي العربي<br />
اإلسالمي")عمامرة،ر.ب ت<br />
.)112 :<br />
مصادرة األوقاف اإلسالمية: باعتبار التعليم يف اجلزائر يعتمد<br />
اعتمادًا كبريًا على مردود األوقاف اإلسالمية يف تأدية رسالته، وكانت<br />
هذه األمالك قد وقفها أصحابها للخدمات اخلريية، وخاصة املشاريع<br />
الرتبوية كاملدارس واملساجد والزوايا. وكان االستعمار يدرك بأن التعليم<br />
ليس أداة جتديد خُلقي فحسب، بل هو أداة سلطة وسلطان ووسيلة نفوذ<br />
وسيطرة، وأنه ال بقاء له إال بالسيطرة عليه، فوضع يده على األوقاف،<br />
قاطعًا بذلك شرايني احلياة الثقافية.<br />
اهلياكل التعليمية املسيحية:<br />
الكنائس: الكنيسة "هي املؤسسة اإلهلية العظمى و املعنى<br />
احلقيقي لكلمة "كنيسة" مأخوذ من أصل الكلمة اليونانية<br />
أكليسيا :<br />
ويعين مجاعة املؤمنني")226،Antoine: .)A et all. 2008<br />
ینتظم<br />
املؤمنون يف الكنيسة اإلجنيلية بهدف القيام باخلدمات الدینية<br />
والرتبویة واالجتماعية واخلريیة اليت تقوم بها الكنائس عموما ومنها:<br />
- 1<br />
"عبادة اهلل وممارسة الفرائض املسيحية إلمتام هذه الغایة،<br />
تقيم الكنيسة خدمات العبادة املنظمة أیام اآلحاد<br />
األسبوع.<br />
- 2<br />
ام أخرى وسط<br />
بناء املؤمنني روحيا، وذلك من خالل الوعظ من الكتاب<br />
املقدس وتعليم العقائد واملبادئ املسيحية املعلنة فيه.<br />
- 2<br />
العمل اإلرسالي وما يتضمنه من تأسيس الكنائس احمللية<br />
واملؤسسات اخلريية واإلنسانية والرتبوية ودور النشر واملكتبات وبنائها.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
- 1<br />
- 1<br />
الشراكة األخوية بني املؤمنني حبسب تعاليم الرب ووصاياه.<br />
تدريب اخلدام الكنسيني والقادة الروحيني وجتهيزهم،<br />
وذلك عرب التعليم األكادميي والالهوتي يف معهد الالهوت املعمداني، وغريه<br />
من مراكز الرتبية الدینية اليت قد تنشئها<br />
الكنيسة")Chapeau، S.2004 :<br />
.)220<br />
املدارس الدينية املسيحية: هي مدارس "ذات صبغة تبشريية تابعة<br />
للكنيسة الفرنسية أسسها الكردينال الفيجريي عام<br />
وكون 1919<br />
مراكز مسيت مبدارس اآلباء البيض كانت ممولة من طرف أغنياء<br />
فرنسا أهم املراكز منطقة القبائل حيث سجل فيها مخس مدارس يف سنة<br />
1972<br />
عدد تالميذها أقل من<br />
12<br />
تالميذ )مبنطقة تاغمونت عزوز،<br />
تواريت عبد اهلل، أبركانن، بين امساعيل، بن منقالت( و يف سنة 1971<br />
فتحت مدرستني مبنطقة آيت لرباع و منطقة صهاريج. باإلضافة إىل<br />
مدارس مبدينة العاصمة وورقلة واألغواط بسكرة وبوسعادة و حتى<br />
مدرسة مبنطقة اهلقار، حيث وصلت عدد املدارس يف سنة<br />
مركزا مسيحيا و<br />
11 إىل 1977<br />
17<br />
راهبا و121 مبشر وموزعة على هذه املناطق،<br />
وجدت يف اجلزائر ثالث أبرشيات)العاصمة، وهران وقسنطينة( تتفرع<br />
منها جمموعة من املراكز هلا أهداف ظاهرها الرمحة والتعليم وباطنها<br />
التبشري")102-116،Ceillier .) J-C.2008 :<br />
نظام التعليم يف املؤسسات املسيحية: هناك مرحلتني يف التعليم<br />
املسيحي باجلزائر مرحلة الرتهنب واملرحلة الالهوتية.<br />
- 1<br />
" الرتهنب: هي<br />
فرتة من التدريب الروحي قبل التثبيت بعد<br />
تعميد الطفل ومل حتدد املدة فيها وقد تكون مدتها ثالث سنوات إذا مت<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
مقاطعة الطالب من طرف والديه و سنة واحدة إذا كان الطالب يتيم<br />
الوالدين وهي الفرتة اليت حددها الفيجريي، وتعترب هذه املرحلة مبثابة<br />
املرحلة االبتدائية وتداول على ترأسها األب<br />
،Charbonnier<br />
، Chapeau(" Viven، Lechaptois،Bridoux،Toulotte<br />
) S.2004 : 37<br />
- 2<br />
" الالهوتية:<br />
الالهوت عند بولتمان هو إيضاح منظم<br />
لكلمة الرب، وكشف للفهم الذاتي املعطى من خالل هذه الكلمة<br />
واإلميان")قاسم،ع.<br />
: 2221<br />
" 222(هي<br />
أكادميية مسيحية تعترب مبثابة<br />
املرحلة الثانوية والعالية مدتها أربعة سنوات بنيت أول مدرسة مبنطقة<br />
األبيار سنة Ceillier("1972<br />
برامج التعليم:<br />
.) J-C.2008 : 118،<br />
كان اهلدف األول من التعليم بالنسبة لالفيجريي هو تكوين رجا<br />
ونساء أقوياء روحيا متشبعني بالرتبية املسيحية حتى يكون اخللف الذي<br />
يقوم بتنصري اجلزائريني عن طريق اجلزائريني نفسهم ومتثلت الربامج<br />
التعليمية الرتبوية املسيحية يف الرتكيز على" احملبة األخوية والصحة<br />
واحلياة الروحية والتفان والتضحية واألمانة واإلخالص يف الصالة واحملبة<br />
األخوية و الرتكيز على الروح األسرية بني اإلخوة باإلضافة إىل تعلم اللغة<br />
الفرنسية وقواعدها وتلقني بعض نصوص الكتاب املقدس")<br />
،Ceillier<br />
)J-C.2008 : 116<br />
املرحلة الالهوتية فرتكز على<br />
"<br />
ويعترب هذا الربنامج األول يف مرحلة الرتهنب أما<br />
تلقني الطالب الكتاب املقدس دون نقد<br />
حسب ما هو موجود يف الدليل وإتباع النص املطروح وال جيب على املعلم<br />
االنشغال يف التطوير الشخصي هلذه النصوص كما جاء يف املقررات لذلك<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
جند رقابة صارمة من طرف املشرف على املدرسة ومن أساليب التعليم<br />
فيها أسلوب القصة واحلكم وشرح النصوص تارخييا ولغويا واألخذ<br />
باملوعظة املستنتجة منها")Chapeau<br />
.) S.2004 : 237،<br />
أهداف النظام التعليمي املسيحي:أهداف النظام الرتبوي يف هذه<br />
الفرتة هي أهداف استعمارية تبشريية يقول سكرتري )بيجو(:" آخر أيام<br />
اإلسالم قد دننت ويف خالل عشرين عاما لن يكون للجزائر اله غري<br />
املسيح. أما العرب فلن يكونوا ملكا لفرنسا إال إذا أصبحوا مسيحيني<br />
مجيعا")حزيف، ص.1892<br />
أساسية:<br />
)18 :<br />
" - 1<br />
الثقافة اإلسالمية.<br />
- 2<br />
على الدين اإلسالمي.<br />
- 2<br />
مسيحية")أبو القاسم،س. 1889<br />
نلخص أهداف املستعمر يف ثالث نقاط<br />
الفرنسة: إحالل اللغة الفرنسية وثقافتها مقام العربية و<br />
التنصري: هو أداة سياسية يف ثوب ديين هدفه القضاء<br />
اإلدماج: ربط اجلزائريني ثقافيا وخلق عائلة عربية<br />
.)98 -21 :<br />
دور اهلياكل الرتبوية اجلزائرية يف اإلصالح: لقد عانت املؤسسات<br />
الدينية اإلسالمية جراء حماوالت املستعمر وفرض نوع من التعليم والرتبية<br />
املسيحية، مما اضطر بعض املصلحني إىل تأسيس نظام تربوي تعليمي<br />
خاص بهم تولت القيادات مهامه ومن أبرزهم الشيخ احلداد املقراني<br />
واألمري عبد القادر وابن باديس.<br />
حيث عمل األمري عبد القادر إىل جانب دوره السياسي القومي<br />
بالرتكيز على قضية التعليم وقد رتب يف سائر املدن والقرى هياكل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
تعليمية ملحقة ببعض املساجد أو مستقلة الستقبال التالميذ ووظف علماء<br />
لتدريسهم مجيع فنون العلم املوجودة آنذاك وخص املعلمني بأجور حسب<br />
الدرجة العلمية والتخصص.وحرص على توفري الكتب واجتهد يف مجعها<br />
وأوجد مكتبة ورتبها يف الزمالة غري أنه مت حرقها يف معركة طاكني.<br />
" وظهر<br />
الشيخ عبد احلميد ابن باديس حيث آمن أن مقاومة االحتالل<br />
تكون بالتعليم فعمل على نشر العلم والعودة إىل اإلسالم وحماربة الفرق<br />
الصوفية الضالة اليت تعاونت مع االستعمار وكانت املساجد هي امليادين<br />
اليت يلقى فيها دروسه مثل اجلامع األخضر، مسجد سيدي قموش،<br />
اجلامع الكبري بقسنطينة وأسس مكتب التعليم االبتدائي يف مسجد<br />
سيدي بومعزة ثم تطور إىل مجعية الرتبية والتعليم اإلسالمية تضم<br />
االجتاهات املذهبية املختلفة: مالكيني، اباضيني ومصلحني طرقيني<br />
ليرتأس بذلك مجعية العلماء املسلمني") حزيف، ص.1892<br />
األهداف الرتبوية:<br />
.)11<br />
-11 :<br />
-<br />
-<br />
"-<br />
نشر األخالق الفاضلة واملعارف الدينية العربية.<br />
العناية بالطلبة وسري عملهم وتطور معارفهم.<br />
األماكن البعيدة.<br />
-<br />
-<br />
-<br />
تكوين صندوق مالي خمصص إلعانة الطلبة الوافدين من<br />
إرسال بعثات إىل تونس ومصر واملغرب وسوريا لطلب العلم.<br />
إحداث شهادة املدرسة االبتدائية بعد عام 1812.<br />
إصدار صحف وجمالت مثل املتقد<br />
الصراط والبصائر") حزيف، ص.1892<br />
1821<br />
.)19 -12 :<br />
و الشهاب و السنة و<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />
العدد الثاني<br />
جوان
أ-<br />
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
السابع<br />
وكان<br />
أخرى<br />
الدينية<br />
مرحلة االستقالل:<br />
ظهرت<br />
ميالدي<br />
املسجد<br />
شاركته<br />
سواء<br />
املؤسسات<br />
- اهلجري األول القرن منذ اجلزائر يف الدينية<br />
–<br />
هو<br />
ذات<br />
يف<br />
عندما<br />
هذه أول<br />
رسالته<br />
الطابع<br />
اإلسالم وصل<br />
املؤسسات<br />
مثل:الزوايا<br />
االجتماعي<br />
،<br />
"<br />
-<br />
أو<br />
على<br />
ثم<br />
الفاحتني أيدي<br />
األوائل،<br />
ظهرت بعد ذلك مؤسسات<br />
واملدارس<br />
الرتبوي<br />
القرآنية<br />
ومؤسسات<br />
واجلمعيات<br />
التكوين<br />
الديين من جامعات ومعاهد إسالمية واجمللس،اإلسالمي األعلى، ووزارة<br />
الشؤون الدينية ومديرياتها الوالئية.<br />
واألوقاف<br />
مباشرة،<br />
أنواع املؤسسات الدينية اإلسالمية يف اجلزائر:<br />
أكرب<br />
إن<br />
وزارة<br />
وجود<br />
الشؤون<br />
مؤسسة<br />
هذه<br />
دينية<br />
الدائرة<br />
الدينية<br />
يف<br />
احلكومية بعد االستقالل قد جعلها<br />
اجملال أبرزها كربى<br />
الوقفي،<br />
الوزارية<br />
جانب نشاطات أخرى ال تقل أهمية، و<br />
واألوقاف:<br />
اجلزائر،<br />
تتميز<br />
الشؤون وزارة<br />
أنشأت بعد<br />
ضمن خمتلف<br />
و صوصيات<br />
الدينية<br />
االستقالل<br />
التشكيالت<br />
تنفرد<br />
الثقافة اإلسالمية واإلرشاد الديين<br />
هي :<br />
بهمام<br />
إىل<br />
التعليم القرآني و التكوين<br />
واحملافظة على الرتاث، تندرج حتتها جمموعة من املديريات مديرية احلج<br />
والعمرة ومديرية<br />
اإلسالمية<br />
حيث<br />
الديين يف اجلزائر.<br />
ب- -<br />
التوجيه<br />
تهتم<br />
اجمللس<br />
الديين<br />
والتعليم<br />
القرآني<br />
ومديرية<br />
الثقافة<br />
هاتان األخريتان بكل مل يتعلق بالرتبية والتعليم<br />
اإلسالمي<br />
األعلى:<br />
يعترب<br />
األعلى ثاني اكرب مؤسسة دينية على املستوى الوطين<br />
اجمللس<br />
، مت<br />
اإلسالمي<br />
تأسيسه سنة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
-<br />
1966كهيئة تابعة لوزارة الشؤون يشمل ثالث حماور تهتم بالتكوين<br />
والرتبية الدينية نشر الثقافة اإلسالمية الصحيحة و املشاركة الدولية<br />
لتبادل املعلومات بني خمتلف الديانات.<br />
بالشخصية املعنوية<br />
ج- مؤسسة املسجد<br />
:<br />
،<br />
مبقتضى املرسوم التنفيذي رقم<br />
هي مؤسسة دينية رمسية تتمتع<br />
واالستقالل املالي غايتها النفع العام ، مت إنشائها<br />
7 يف -81 92<br />
رمضان عام<br />
1881<br />
واهلدف من إنشائها هو تفعيل أكثر لرسالة املسجد وتوحيد الرؤية<br />
للرسالة املسجدية")الويفي،س. 2228-<br />
أهداف املسجد<br />
.)122 -81 : 2212<br />
الرتبوية :<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
التعليمي حسب ما هو موكل إليها وزاريا مبا يلي:<br />
تقوم مؤسسة املسجد يف اجملال الرتبوي<br />
القيام بنشر القرآن الكريم وتيسري حتفيظه بالوسائل املختلفة.<br />
تعليم األطفال واألميني من الرجال والنساء ما تيسر من القرآن<br />
الكريم، كتابة وقراءة مع األداء السليم، والفهم الصحيح.<br />
تعليم الضروري من الدين، وتلقني املختارات من األحاديث<br />
النبوية الشرفة ذات الصلة الوثيقة بتنظيم احلياة وتقويم السلوك.<br />
االعتناء بالناشئة وتعهدها خالل مراحل تكوينها، وال سيما<br />
مرحلة احلضانة ضمانا لتواصل القيم الدينية عرب األجيال.<br />
-العناية بعمارة املساجد بدروس الفقه والتفسري وغريها من العلوم<br />
اإلسالمية.<br />
توفري الظروف املالئمة للمرأة قصد املساهمة يف خمتلف أوجه<br />
نشاط املسجد<br />
-العمل على ترقية الكتاتيب إىل أقسام ومدارس للتعليم القرآن.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
أقسام املسجد: يقسم املسجد إىل: اجمللس العلمي، جملس البناء<br />
سبل<br />
باإلضافة إىل جملس املسجدي والتعليم اقرأ والتجهيز وجملس اخلريات.<br />
: أنواع املساجد<br />
هناك ثالث أنواع من املساجد حسب وزارة الشؤون الدينية مساجد<br />
أثرية وهي املساجد اليت هلا ميزة تارخيية و أثرها احلضاري ومساجد<br />
وطنية هي املساجد الكربى ذات اهلندسة املعمارية املميزة حيث يصنف<br />
كال النوعني لدى وزارة الشؤون الدينية وتهتم بها و تعني األئمة املعلمني<br />
فيها واملساجد احمللية وهي األكثر انتشارا يف اجلزائر وال تصنف ضمن<br />
السابقتني واألكثر قربا من اجملتمع احمللي غري أنها ال تؤدي وظيفتها<br />
كاملة من حلقات وجلسات إال القليل وتقتصر الدروس على الدرس<br />
األسبوعي فقط يوم اجلمعة وال يرتدد الطلبة عليها إال نادرا ومل تعد تؤدي<br />
دورها الرتبوي كما عهدت عليه ويعود ذلك للتعليم الرمسي يف املدارس<br />
وقلة األئمة الفقهاء واخلرجني من املعاهد.<br />
إن املسجد لو أدى وظيفته على النحو الذي بين عليه يف احلقيقة<br />
فإن األسباب اليت أدت إىل عزله عن اجملتمع وحتليل وظائفه يف البيئة اليت<br />
صرفت الناس عنه سواء كانت أسباب نابعة من اجملتمع أو الوافدة لبدأ<br />
املسجد يسهم يف أداء الواجب املنوط به فإن هذه األسباب ستفقد فعاليتها<br />
وتزول زواال مطلقا وعندئذ يعود للمسجد مكانته وللمجتمع عزته.<br />
املدارس القرآنية: تعترب املدارس القرآنية من املؤسسات الدينية<br />
الرمسية اليت تقوم بتحفيظ القرآن الكريم، وتلقني املبادئ العامة<br />
ألحكام الرتبية اإلسالمية وتكون هذه املدارس ملحقة باملساجد الوطنية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
الرمسية يف غالبيتها حيث تتكون من جمموعة من األقسام يشرف عليها<br />
جمموعة من املرشدين واملرشدات بتم من خالهلا حتفيط القرآن وتلقني<br />
خمتلف العلوم الشرعية.<br />
املعاهد التعليمية الدينية:<br />
وهي مؤسسة التعليم تكوين اإلطارات الدينية و األوقاف،<br />
واملؤسسات اجلامعية التابعة لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي وهي<br />
قسمان املعاهد اإلسالمية لتكوين اإلطارات الدينية واملركز الثقايف<br />
اإلسالمي.<br />
الزوايا: هي املؤسسات الدينية غري رمسية املنتشرة عرب ربوع الوطن<br />
ونظرا الهتمام الدول بها وتدعيمها فهي تكاد تكون رمسية ويقدر<br />
عددها ب722 زاوية، وهناك نوعني من الزوايا، الزوايا اليت أسست<br />
لعبادة اهلل وحتفيظ القرآن وتعليم الدين و الزوايا اليت يدعي شيوخها<br />
مبعرفة أسرار دينية غيبية، وهذا النوع مال إىل اخلرافة واستغالل أموال<br />
الناس.<br />
قامت الزوايا أدوار تربوية تعليمية دينية من خالل حتفيظ القرآن<br />
وحماربة اجلهل و األمية وإزالة الفوارق االجتماعية، وظهور هذه املعاهد<br />
أنقص بطريقة معينة من الدور الرتبوي للمسجد خاصة املساجد احمللية<br />
لنقص اإلمكانيات بها املادية واملعنوية.<br />
املؤسسات الدينية املسيحية: بعد االستقالل قامت اجلزائر باستعادة<br />
ممتلكاتها من املساجد و اجلوامع اليت مت حتويلها إىل كنائس حيث<br />
يوجد يف اجلزائر اليوم ثالث أبرشيات رمسية توجد بوهران اجلزائر<br />
وقسنطينة.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
أبرشية وهران: اليت أسست سنة<br />
12 راهبا 11 تتضمن 1911<br />
متدين وقيم أفرادها املسيحيني يف مناطق خمتلفة يف الغرب اجلزائري بعني<br />
الرتك، أرزيو، الغزوات، معسكر، مستغامن وسيدي بلعباس، تيارت<br />
وتلمسان.<br />
أبرشية العاصمة: اليت قام الكاردينال الفيجريي بتسيريها بعد<br />
الكاردينال بايف<br />
) Pavy(<br />
12<br />
راهب ومتدين باإلضافة إىل 71 متدينة.<br />
أبرشية قسنطينة: تتكون من<br />
واليت أسس بها مجعية اآلباء البيض تتضمن<br />
18<br />
راهب و27 متدين وتتفرع إىل<br />
عدة مراكز بالشرق اجلزائري أهمها مركز عنابة الذي يهتم باستقبال<br />
التالميذ من خمتلف البلدان.<br />
أبرشية األغواط وغرداية:أسست سنة<br />
1972<br />
واحنصر دورها<br />
كثريا وهي اآلن تستقبل السياح ومكان للحج حيث تعترب املركز<br />
الروحي لشارل دو فوكو الذي عاش بها 11 سنة حيث وجد قربه يف قلعة<br />
بتمنراست.<br />
أدوارها الرتبوية: ينحصر دورها الرتبوي على توفري املكتبات يف<br />
خمتلف مناطق اجلزائر كما تقوم باستقبال الطلبة األفارقة املسحيني أو<br />
تقديم ملتقيات فكرية أما األدوار األخرى فكلها خريية حيث تتكفل<br />
بالفقراء وذوي لالحتياجات اخلاصة.<br />
إن تغري حال املسجد عما كان يف سابق عهده وهذا نتيجة<br />
الصراعات اليت كانت ضد املسجد واليت قادها جمموعة من األشخاص<br />
استطاعوا يف كثري من األحوال أن يفصلوا بني املسجد واملسلمني<br />
واقتصرت الرتبية على صالة اجلمعة وأغلبها خالية من املكتبات أو إن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 070<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
وجدت فالكتب قليلة واهتمامهم بالنقوش والزينة اليت ابتدعت من اليهود<br />
والنصارى ويعود هذا االحنسار إىل تطور اجملتمعات العربية اإلسالمية،<br />
وإنشاء مؤسسات تعليمية مستقلة كانت يف األصل ملحقة باملسجد<br />
فانساليف هذه الوحدة التعليمية عن املساجد أدى بعزوف الناس عن املسجد<br />
مما أدى إىل ابتعادهم عن التوجيهات الروحية الصحيحة والتعاليم الدينية<br />
اليت تنمي الروح تنمية إسالمية، وحالة االحنسار هذه تنطبق على<br />
الكنائس بسبب عودة املسحيني بعد استقالل إىل ديارهم باإلضافة إىل<br />
العشرية السوداء اليت ذهب ضحيتها العديد من الرهبان مما قلل نشاطهم<br />
التعليمي أو اخلريي.<br />
املراجع:<br />
أبو القاسم سعد اهلل، تاريخ اجلزائر الثقايف،ج1،ط1،دالر الغرب اإلسالمي،<br />
بريوت،1889.<br />
أبو القاسم سعد اهلل، حماضرات يف تاريخ اجلزائر احلديث،ط2، الشركة الوطنية<br />
للنشر، اجلزائر، بدون تاريخ.<br />
أبومغلي مسيح وآخرون، التنشئة االجتماعية للطفل، دار البازوري العلمية للنشر<br />
والتوزيع،2222.<br />
البخاري محانة، التعلم عند الغزالي، املؤسسة الوطنية للكتاب،اجلزائر، 1881.<br />
التيجاني عبد الرمحان بن امحد، الكتاتيب القرآنية بندرومة)1822-<br />
املطبوعات اجلزائرية، 1892.<br />
ديوان 1877(<br />
الرفاعي عبيد منصور، مكانة املسجد ورسالته،مكتبة الدار العربية للكتاب،1887<br />
الصاحل حممد بن أمحد بن صاحل، املسجد جامع وجامعة، مكتبة امللك فهد الوطنية،<br />
ط1، 2222.<br />
املختار علي حممد، دور املسجد يف اإلسالم، جملة احلق سلسلة شهرية، العدد<br />
،11<br />
1121 ه<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 072<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
الويفي مسري، دور املؤسسة الدينية الرمسية يف التغري االجتماعي، مذكرة لنيل شهادة<br />
.2212<br />
املاجستري 2228-<br />
رجب مصطفى، يف هوية الرتبية اإلسالمية، دار العلم واإلميان للنشر والتوزيع،2228.<br />
رياض زاهر، املسيحيون والقومية املصرية، دار الطباعة القومية، بدون تاريخ.<br />
حزيف صاحل، األدب اجلزائري احلديث، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، اجلزائر<br />
1892<br />
عبده حممد، اإلسالم والنصرانية بني العلم واملدنية، املؤسسة الوطنية للكتاب،<br />
اجلزائر،1899.<br />
عبيد منصور الرفاعي، مكانة املسجد ورسالته، مكتبة الدار العربية للكتاب،ط1،<br />
.1887<br />
عمامرة رابح تركي، الشيخ عبد احلميد بن باديس فلسفته وجهوده يف الرتبية والتعليم،<br />
ط2، الشركة الوطنية للنشر، اجلزائر،بدون تاريخ.<br />
غياث بوفلجة، الرتبية ومتطلباتها،ديوان املطبوعات اجلزائرية، 1882.<br />
قاسم علي حسنني، ملحد يف املذبح األقدس، املكتبة املصرية،2221.<br />
قطب حممد، منهج اإلسالم يف بناء العقيدة والشخصية، دار االعتصام القاهرة،1892.<br />
نوبي حممد حسن، عمارة املسجد يف ضوء اإلسالم و السنة، دار نهضة الشرق، 2222.<br />
نسيب حممد، زوايا العلم والقرآن يف اجلزائر،دار الفكر اجلزائري بدون تاريخ.<br />
مهدي حممود أمحد، نظام<br />
امللك فهد الوطنية للنشر،جدة،2222.<br />
الوقف يف التطبيق املعاصر،وقائع ندوات رقم11، مكتبة<br />
Augerantoine، Fauvergue، Andre Sarnette، et all، dictionnaire<br />
Hachette، édition Hachette، 2008.<br />
Ceillier، Jean-Claude، histoire des missionnaires d’Afrique (Pères<br />
Blancs)، édition Carthala، 2008.<br />
Chapeu، Sybille، des chrétiens dans la guerre d’Algérie، édition<br />
Atelier، 2004.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />
بالل ريم<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />
العدد الثاني<br />
2102 جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية للعدو إبان الفرتة االستعمارية<br />
أ. شاطو حممد،<br />
جامعة معسكر.<br />
الريب يف أن الدّعوة اإلسالمية إنّما قامت على عقيدة التوحيد،<br />
توحيد العقيدة، وتوحيد الكلمة، وتوحيد النّظم، وتوحيد اجملتمعات،<br />
وتوحيد املقاصد والغايات؛ ظلّت املؤسسة الدينبة عرب العهود<br />
املتالحقة تتحمّل تبليغ رسالتها.<br />
فأصبح املسلمون بنعمة اهلل إخواناً، فتحوا األصقاع والبقاع،<br />
وصاروا سادة األرض، ودعاة الناس إىل احلرية واإلنسانية، وقواد اإلصالح<br />
والعدالة اإلجتماعية والقيم األخالقية،<br />
اىل أن أصابهم الوهن، فتخلوا عن واجبهم، واستهانوا بوحدتهم؛<br />
فكانوا عرضة لالستعمار الذي نال كثرياً من عزًتهم.<br />
وصدق الشاعر إذ يقول<br />
:<br />
تأبي الرّماح إذا اجتمعن تكسُراً<br />
***<br />
وإذا افرتقن تكسّرت آحادا<br />
فتوحيد الكلمة وتعزيز أواصر األخوة، و ملّ الشَمل ونبذ اخلالفات<br />
سيظل دائماً رمز قوتنا وعزة أمتنا.<br />
فاملسلمون ملّة واحدة جيمعهم إله واحد، وكتاب واحد، ودين<br />
واحد، وشريعة واحدة فما جيمعهم أكثر مما يفرقهم. واجلميع كما<br />
: يقول الشاعر<br />
إنّا لتجمعنا العقيدة أمة<br />
***<br />
ويضمنا دين اهلدى أتباعا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
ويؤلف اإلسالم بني قلوبنا<br />
***<br />
مهما ذهبنا يف هوى أشياعا<br />
من هذا املنطلق كانت املؤسسة الدينية يف اجلزائر زاوية كانت<br />
أو مسجداً حاضرة يف كل املراحل التارخيية اليت مرّ بها هذا البلد، وال<br />
سيما أثناء الفرتة االستعمارية<br />
1922<br />
1812؛ أين جيمع كل<br />
من كان يالزمها بني الرمحة والشدة، والزهد والنعيم، فتجده ينال الدنيا<br />
حبقها، وينال اآلخرة بالسعي هلا، ولذا ال تغلب عليه صفة من صفات عُبّاد<br />
الدنيا، وال يأخذه اهلوس الديين، أو الغلو التكفريي، جامعًا بني االمارة<br />
والفقه، وبني السياسة والتجارة. ألنًه مدرك أنّه عبد هلل تعاىل )1( .<br />
اإلسهامات الرتبوية للمؤسسة الدينية يف اجلزائر<br />
يقول املستشرق الفرنسي املسلم "إريك جيوفروي" املختص<br />
يف الصوفية جبامعة لوكسمبورج، مشال فرنسا يف حواره اخلاص مع<br />
"إسالم أون الين نت<br />
:<br />
"أن املستقبل يف العامل اإلسالمي سيكون حتماً<br />
للتيار الصويف". ويرى أيضاً أنّ الصّوفية قد مارسوا السيّاسة يف أحيان<br />
كثرية كما مارسوا أدواراً ثقافيةً واجتماعيةً.<br />
من هذا املنطلق حناول اخلوض يف هذا املوضوع، حبثاً يف سبب<br />
احتالل هؤالء الصّوفية هذه املكانة الرفيعة،ونرى ماذا قدّم<br />
التّصوف والصّوفية للمجتمع اجلزائري خالل الفرتة االستعمارية بوجه<br />
اخلصوص ؟ وهل اقتصر دورهم فقط على التحرير الذاتي، وتطهري النفس<br />
من الرّعونات؟ وهل مكثوا يف زواياهم يردّدون األذكار غري ملتفتني إىل<br />
ما جيري حوهلم من تطوّرات وتغيّرات ؟ أم أنّهم سعوا إىل تغيري واقعهم<br />
واحمليط الذي يعيشون فيه، وخدموا اجملتمع الذي وُجدوا به وقادوه إىل<br />
بر األمان. وعليه فسنتناول يف هذه العجالة ثالثة نقاط أساسية ميكن من<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
خالهلا اإلجابة عن بعض التساؤالت ومنها<br />
:<br />
نشأة العالقة بني الصوفية<br />
كمؤسسة دينية واجملتمع، ثم الدّورالديين و اإلجتماعي والعسكري<br />
الذي قام به املتصوفة يف اجلزائرإبان الفرتة االستعمارية، ثم موقف<br />
االستعمار من املؤسسة الدينية عموماً.<br />
العالقة بني الصوفية واجملتمع:<br />
اختذ التصوف يف اجلزائر كما يف بقية بلدان العامل اإلسالمي <br />
منذ بداية ظهوره أبعاداً اجتماعية، وذلك بسبب الظّروف اليت<br />
كانت تعيشها البالد يف تلك الفرتة<br />
)ق7، 9،<br />
8ه( وانساق الناس وراءه ملا<br />
وجدوا فيه من بساطة ومساواة وعدل وإحساس بالذات، كما كان<br />
شكلًا من أشكال التعبري عن الرفض يف التمييز بني طبقة األغنياء<br />
املرتفني، وطبقة الفقراء املُعدمني.<br />
من هنا كان املتصوفة األوائل مبثابة النخبة اليت متسكت<br />
باستقالليتها الفكرية وسلوكاتها الدينية جتاه السلطة احلاكمة، ويف<br />
ظل هذه األجواء نشأت فئة متنورة من اجلزائريني أصحاب الثقافة<br />
لذلك وقع اضطهادهم من طرف احلكام، وقاومهم<br />
"التقليدية". )2(<br />
العلماء الرمسيون. واملشهد نفسه يتكرر تقريبًا يف كل العهود، كما وقع<br />
مع أمحد التيجاني، حمي الدين بن مصطفى احلسين يف العهد العثماني،<br />
ووقع االلتقاء بني املتصوفة وعامة الشعب، يف مواجهة السلطة<br />
كلما<br />
أحلقت بهم الضرر، متوقعوا يف نفس اخلندق، ووجدوا أنفسهم يف<br />
نفس اجلبهة، يقاومون الظلم والتعسف، والتمييز. وهو رمبا ما يفسر لنا<br />
سر هذه العالقة بني العامة واملتصوفة، قبل الوصول إىل مبدأ الكرامة<br />
وسلطة األولياء على أفكار الناس وخياهلم.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 077<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
وسعى الصوفية إىل حل مشاكل اجملتمع ووقفوا اىل جانبه<br />
متحدان، فاحتاد اهلدف نابع من فكرهم وعقيدتهم: العيال عيال اهلل.<br />
وقد كان الصوفية على مر العهود رمز الوحدة مع اجملتمع،<br />
واملطالبة علنا حبقوق الشعب ومصاحله.<br />
إن هذا التالقي وإن بدأ بشكل عفوي، دون سابق حتضري أو تنظيم<br />
أو استعداد، فقد أفرز الكثري من النتائج اهلامة ولعل من أبرزها االنتشار<br />
السريع للتصوف بني خمتلف الطبقات الشعبية، فقيادة الشعب بعد انهيار<br />
الدولة اجلزائرية مع الغزو الفرنسي سنة 1922، واستطاع املتصوفة<br />
توظيف هذه العالقة يف الدفاع عن مصاحل الشعب، ومل تنقطع هذه الصلة<br />
بني املتصوفة والعامة إىل يومنا هذا، حبيث ال نزال جند تأثريهم موجوداً<br />
يف جمتمعنا، بالرغم من التطور الفكري والثقايف، ودخول<br />
األفكاراحلديثة؛ وان بنسب متفاوتة بني منطقة وأخرى.<br />
من هنا ميكننا أن نفهم<br />
:<br />
ملاذا اختارت الفئات الواسعة من<br />
اجملتمع االنتماء إىل هذا االجتاه الفكري، حتى وإن كان خمالفاً لفكر<br />
حكامها أحياناً فكان الصويف فردًا من جمتمع الناس، يأكل ويتاجر<br />
ويتزوج كما يفعل الناس، لكنه يف نفس الوقت كان ميثل قدوة هلم<br />
ومنوذجًا يتطلعون إليه ويعلمون سريته بينهم<br />
.<br />
وإذا كان بعض الصوفية<br />
من جلأ إىل الفلوات واملقابر زاهدين متعبدين متجردين، فإنّ هذا ال ينطبق<br />
على كل الصوفية بل هي حاالت استثنائية خاصة، ثم إنهم يرون أنه<br />
عندما تدعوهم احلاجة فإنهم يتخلون عن جماهداتهم اخلاصة وينتقلون<br />
إىل خدمة الصاحل العام، ولعل أبرز مثال على ذلك هو األمري عبد القادر،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 078<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
الذي لبى داعي الواجب الديين والوطين وختلى عن عزلته وتدريسه بزاوية<br />
والده الشيخ حمي الدين بوادي احلمام بالقرب من مدينة معسكر.<br />
دور املؤسسة الدينية إبان الفرتة االستعمارية:<br />
احتلت املؤسسة الدينية مكانة هامة يف حياة اجملتمع اجلزائري،<br />
منذ البداية إىل يوم الناس هذا، ولعل ذلك راجع إىل الدور الكبري الذي<br />
قامت به يف حياة اجملتمع اجلزائري. وإذا أردنا معرفة وحصر األدوار اليت<br />
قامت بها املؤسسة الدينية يف اجلزائر فسنجدها كثرية متعددة ومنها:<br />
الدفاع عن الدين والوطن:<br />
من أهم األدوار اليت قامت بها املؤسسات الدينية، يف ظل ظروف<br />
سياسية متدهورة دور البديل واملنقذ وامللجأ ملختلف طبقات الشعب اليت مل<br />
جتد بغيتها وضالتها إال يف هذه املؤسسات ويف مقدمتها الطرق الصوفية<br />
وزواياها املنتشرة يف كل مكان، ومن أهم األحداث السياسية<br />
اليت ميكن لنا رصدها:<br />
استمرار تدهور السلطة املركزية.<br />
اشتداد األخطار اخلارجية، احلمالت الصليبية<br />
اإلسبانية والربتغالية اليت عرفتها سواحل اجلزائر منذ مطلع القرن<br />
.11<br />
وهي املعادلة الصعبة اليت وجد الصوفية أنفسهم ضمنها فحاولوا أن يقفوا<br />
موقف الوسط للدفاع، واحلفاظ على مصاحل األمة<br />
ففي حالة ضعف السلطة احلاكمة أو انهيارها وغيابها،<br />
قاد الصوفية مجوع الشعب إىل الدفاع عن الدين والوطن من اخلطر<br />
اخلارجي .<br />
وكما نعلم فإن من أسباب انتشار الرباطات والزوايا على طول<br />
السواحل اجلزائرية، هو مقاومة الغزو الصلييب املستمر، ومن األدلة على<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 079<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
هذا الدور رسالة الشيخ عبد الرمحن الثعاليب يف الدعوة إىل اجلهاد،<br />
كما أن زاويته كانت مقراً لالجتماعات واالستعداد ملواجهة العدو، وظل<br />
ذلك دأب اجلزائريني إىل غاية القرن 18.<br />
وكذا زاوية الشيخ التازي بوهران اليت كانت متثل قاعدة خلفية<br />
مليئة مبختلف أنواع األسلحة،استعملها اجملاهدون يف صد<br />
عدوان الصليبيني.<br />
وبعد سقوط الدولة إثر االحتالل، كانت الطرق الصوفية هي اليت<br />
تولت املبادرة، فمقاومة األمري عبد القادر كان مصدرها الطريقة<br />
القادرية، حيث التفاف اجلموع والقبائل حول شخص الشيخ حمي الدين،<br />
الذي كان ميثل شيخ هذه الطريقة اليت عرفت بتغلغلها يف األوساط<br />
الشعبية، وحنن نعلم أن تأثري الشيخ حمي الدين مل يكن مصدره جاه أو<br />
سلطة أو مال، فلم يكن ميثل أي منها، ومل يكن رمزا إال للطريقة<br />
القادرية اليت تشرف دمتها، و دمة زاوية جده الشيخ مصطفى ملدة<br />
سنوات، وعرف بتصوفه وزهده، وعلمه وحلمه .وتستوقفنا أيضا<br />
مقاومة 1971<br />
ببالد القبائل واليت مثل الشيخ احلداد زعامتها الروحية،<br />
وهو شيخ الطريقة الرمحانية، وكذا مقاومة الال فاطمة نسومر، كما<br />
نالحظ احلضور الفعال واملستمر لرجال الطرقية يف خمتلف الثورات،<br />
أوالد سيدي الشيخ، ثورة الشيخ بوعمامه 1991، الشيخ آمود، الشريف<br />
بو بغلة، الشيخ بوزيان<br />
(<br />
الزعاطشة(. حتى أن السيد أوكتاف ديبون <br />
املفتش العام للبلديات املختلطة باجلزائر ومن مؤلفي كتاب الطرق الدينية<br />
يف اجلزائر<br />
1987<br />
املكلفة باجليش واليت كان يرأسها<br />
يؤكد يف تقرير بعث به إىل جلنة جملس الشيويف<br />
"كليمانصو": "<br />
إننا سلفا جند<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
يدا مرابطية وراء كل هذه الثورات اليت يقوم بها األهالي ضدنا". ويقول<br />
املؤريف الفرنسي مارسيل إميريي: " إن معظم الثورات اليت وقعت خالل<br />
القرن التاسع عشر يف اجلزائر كانت قد أُعدت ونُظمت ونُفذت بوحي من<br />
الطرق الصوفية، فاألمري عبد القادر كان رئيسًا لواحدة منها وهي<br />
اجلمعية القادرية، ومن بني اجلمعيات املشهورة اليت أدت دوراً أساسيًا يف<br />
هذه الثورات: الرمحانية، السنوسية، الدرقاوية، الطيبية ."ويذكر<br />
محدان خوجة يف كتابه املرآة أن شيويف الطرق الصوفية هم الذين أمروا<br />
مجيع املواطنني اجلزائريني بالتعبئة العامة والدفاع عن مدينة اجلزائر<br />
العاصمة بعد ختلي األتراك عن هذه املهمة.<br />
كشف الضابط دي نوفو يف كتابه اإلخوان الصادر سنة<br />
1911<br />
عن الدور الرئيس الذي أدته الطرق الصوفية يف مقاومة االحتالل، وحتدث<br />
النقيب ريتشارد عن ثورة الظهرة اليت قامت سنة<br />
الذي قامت به الطرق الصوفية يف هذه الثورة<br />
حُرر باجلزائر سنة<br />
1911<br />
.<br />
1911<br />
الدرقاوية: "<br />
مربزًا الدور املهم<br />
ومن تقرير للمفتشية العامة<br />
يعرتف بالدور اخلطري الذي تقوم به الطريقة<br />
الدرقاوية كانوا معادين لنا كل العداء ألنغايتهم كانت<br />
سياسية بوجه خاص، أرادوا ان يشيدوا من جديد صرح امرباطورية<br />
إسالمية ويطردوننا، إن هذه الطريقة منتشرة جدا يف اجلنوب ومن الصعب<br />
جدا مراقبتهم."<br />
التعليم واإلرشاد والتوجيه:<br />
صبحت املؤسسة الدينية مع مرور الزمن والتحاق العديد من أبناء<br />
الشعب بها، مراكز إشعاع ونشاط فكري عظيمني، بل أحيانا امللجأ<br />
الوحيد للتعليم، وتبادل األفكار والنقاش، وكذلك اإلنتاج. ورغم القيود<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 080<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
اليت فرضها االستعمار عليها تولت العناية بتحفيظ القرآن لألطفال،<br />
وتعليمهم القراءة والكتابة، واملباديء األولية يف اللغة واحلساب وبعض<br />
املتون، وإرشادهم بضرورة التمسك بتعاليم دينهم، وحتذيرهم من سياسة<br />
التنصري اليت كانت فرنسا تنتهجها مع أبناء الشعب اجلزائري<br />
الدور اإلقتصادي<br />
أصبحت املؤسسة الدينية ويف مقدمتها الزوايا تشرف بصفة مباشرة<br />
على االقتصاد احمللي واإلقليمي، بل على بعض احلركات التجارية<br />
احلساسة، وقد جتسد ذلك كله بواسطة امتالك األراضي ووقفها<br />
خلدمتها، ومجع التربعات اليت تصل من املريدين، وكذا الزكاة اليت<br />
كانت متثل مصدراً هامًا للمال بالنسبة هلذه املؤسسات الدينية.<br />
الدور االجتماعي للمؤسسة الدينبة يف اجلزائر:<br />
نظرا للخدمات اجلليلة اليت قدمها رجال الدين عموماً وأهل<br />
التصوف خصوصاً للمجتمع اجلزائري، أصبحت العامة تعتمد اعتماداً<br />
كليًا عليهم ملواجهة األزمات االجتماعية واالقتصادية اليت كانت حتل بها<br />
من حني آلخر، وهذا نظراً لعجز الدولة أو السلطة على التكفل حبل<br />
مشاكل الناس، ومع مرور الزمن ترسخت قناعة لدى العامة أن الصوفية<br />
هم أقدر الناس على حل املشاكل وتقديم املساعدات للطبقات احملرومة،<br />
بل أصبحت يف مناطق شتى املالذ األول واألخري للجماهري<br />
فإذا كانت غاية الطريق الصويف هي غاية خلقية تتمثل يف إنكار<br />
الذات والصدق يف القول والعمل والصرب واخلشوع وحمبة الغري والتوكل<br />
على اهلل وغري ذلك من الفضائل اليت دعا إليها اإلسالم؛ فإنها ومن<br />
خالهلا املؤسسة الدينية ويف مقدمتها الزوايا ظلّت مركزاً لوحدة القبيلة،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 082<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
وملجأ للفقراء واملساكني وحمطة لعابري السبيل ومأوى لليتامى، كما<br />
أنها كانت قبلة للمتخاصمني من أجل فض نزاعاتهم، ومركز إشعاع<br />
حيافظ على تقاليد اجملتمع وعاداته وأصالته يف مواجهة السياسة<br />
االستعمارية الرامية إىل طمس معامل اجملتمع اجلزائري العربي<br />
املسلم؛ وقد صدق من عرًف الزاوية بأنها مؤسسة شاملة، فهي مسجد<br />
للعبادة ومدرسة للتعليم، وملجأ للهاربني، ومأوى للغرباء، ومركز<br />
)2(<br />
للفقراء.<br />
وسنتناول هذه الوظائف بنوع من الشرح.<br />
أوال: مركزاً لوحدة القبيلة:<br />
إنّ املؤسسة الدينية زاوية كانت أو مسجداً قد قامت بدور جيدر<br />
التنويه به من الناحية االجتماعية، فقد ساهمت يف فض النزاعات<br />
واخلصومات على األرض والتحكيم بني املتنازعني يف القبيلة والتدخل<br />
لرفع مظلمة ودفع مغرم على فرد أو مجاعة. كانت مركزا لوحدة<br />
القبيلة، والتوحيد بني القبائل األخرى وفك اخلصومات والنزاعات بينها،<br />
وضبط النظام العام كل ذلك امتثاالً لقوله تعاىل<br />
فأصلحوا بني أخويكم واتقوا اهلل لعلكم ترمحون<br />
" :<br />
)1( "<br />
إمنا املؤمنون إخوة<br />
وأصبحت مع مرور<br />
الزمن معلمًا يلتف حوله رجال القرية وتدور عليه حياتهم السياسية<br />
واالقتصادية واالجتماعية،ورمزاً اكتسب قوته من قوة شخصية الشيخ<br />
والتفاف أفراد قبيلته حوله. ووجدوا فيه واجهة ومظهراً يعرب ميثلهم يف<br />
مركز الرّيادة والقيادة يف املنطقة.<br />
ثانيا: فك اخلصومات:<br />
من األدوار األساسية اليت أدتها الزوايا واملساجد يف اجملتمع<br />
فك :<br />
اخلصومات والنزاعات بني القبائل، وإصالح ذات البني والتوحيد<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
بينها. فكثريا ما حتدث اخلصومات بسبب االختالف على املاء أو األرض<br />
أو أو املرعى أو ثأر بني القبائل املتنازعة، فال جتد هلا حالً سوى اللجوء إال<br />
شيويف الزوايا واملساجد لفض النزاع، وهو موقف نابع من حاجة الريفي أو<br />
البدوي لتقديره لرجال الدين أو األشراف، خصوصًا إذا اشتهروا بالصالح<br />
والتقى وهي ظاهرة ملسناها مع انهيار الدول الثالث يف املغرب العربي،<br />
وسيادة الفوضى واالضطراب يف احلكم، وحتى بعد دخول العثمانيني<br />
وجدنا هذه الظاهرة بل ازدادت انتشاراً وتوسعًا<br />
.<br />
ولقد سعت السلطات الفرنسية إىل استبدال القوانني اإلسالمية يف<br />
اجملال القضائي، بالقوانني الفرنسية، ففي<br />
فيفري 19<br />
1911، صدر<br />
أمر<br />
من السلطات يتضمن التنظيم القضائي يف اجلزائر، انتزعوا مبوجبه من<br />
القضاة املسلمني البت يف األمور اجلزائية، وأصبح القضاء اإلسالمي<br />
مقتصراً على األحوااللشخصية، وحتى هذه األخرية حاولت السلطات<br />
الفرنسية إخضاعها للقوانني الفرنسية وإلغاء االحتكام للشريعة<br />
اإلسالمية من خالل قانون " سناتور كونسيلت."<br />
أمام هذا الوضع ويف ظل هذه الظروف أصبحت املؤسسات الدينية<br />
ملجأ للسكان من أجل فك نزاعاتهم وحل خصوماتهم، سواء كانت بني<br />
األفراد أو بني القبائل واألعراش، حيث يذكر أن قضايا األحوال<br />
الشخصية أو قضايا اجلنايات واخلالفات على األراضي، كان يفصل<br />
فيها بالزاوية، أو املسجد وحيتكم فيها إىل الشيخ ، وأصبحت املؤسسة<br />
الدينية متثّل املرجع األعلى يف القضايا، واحملكمة العليا بالنسبة لألفراد<br />
والقبائل يف تلك الفرتة، امتثاالً لقوله تعاىل<br />
"<br />
إالّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصالح بني النّاس<br />
ال خري يف كثري من جنواهم<br />
. )1(<br />
"<br />
وهو األمر الذي<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
لفت انتباه الكاتب الفرنسي<br />
Lehraux Leon<br />
، خالل زيارته إىل اجلزائر<br />
حيث يقول: " تعترب الزاوية مقرّا للقضاء، فهي ختتصّ بالفصل يف القضايا<br />
املدنيّة واجلنائيّة، حيث كانت حتلّ من قبل الشيخ حبكم مكانته<br />
العلميّة واالجتماعيّة وما هو مشهود عنه من عدل وحكمة وعلم، ويكون<br />
فصله إمّا بالصلح والرتاضي، أو بالتعويض، أو الفدية، فالقضايا<br />
املدنيّة متمحورة يف النزاعات حول األراضي، واملباني أو املرياث،والقضايا<br />
اجلنائيّة تتمثّل يف جرائم القتل وتدخّل األعراش للثأر. كما تعترب الزاوية<br />
مقرا لعقد القران، والتعاقد بني األفراد.<br />
ثالثا: الشفاعات:<br />
لقد كان شيخ الزاوية أو شيخ املسجد أو الكُتاب يسعى لقضاء<br />
حوائج من يقصده من الناس، ويستغل مكانته يف هذا الباب، وكثريا ما<br />
جتاب رغباتهوطلباته من طرف ذوي اجلاه والسلطان حلاجتهم اىل دعم<br />
الشيخ هلم واتقاء سخطه عليهم، فيكون واسطة بينهم وبني<br />
الناس ؛ امتثاالً لقوله تعاىل<br />
منها<br />
" :<br />
. )1( "<br />
من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب<br />
لقد كان رجل الدين يقوم بدور حيوي يف اجملتمع الذي فتكت به<br />
األزمات، فهو حياول حل األزمة وتعويض املأزومني مادياً وروحياً<br />
حتقيقًا لتوازن جمتمعه.<br />
استطاع رجال الدين التوفيق بني احملافظة على النقاء<br />
الروحي واخللقي وواحتواء اجملتمع ككل، وحنن نعلم مدى صعوبة هذا<br />
األمر واستحالة حتقيقه يف الغالب. إذ غالبًا ما نضحي إما بالنقاء الروحي<br />
واخللقي أو باملكانة يف اجملتمع. جنحوا يف التأثري على جمتمعهم،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
واحلفاظ على سلوكهم اإلنساني احملدد ضمن املبادئ<br />
الشرعية اإلسالمية.<br />
رابعا: كفالة اليتامى واألرامل:<br />
من اآلثار السلبية لالحتالل الفرنسي كثرة األرامل واأليتام، وذلك<br />
بسبب انتشار اجملاعات من حني آلخر، وكثرة األمراض الفتاكة اليت<br />
كانت تصيب أفراد اجملتمع اجلزائري النعدام الرعاية الصحية، وتدهور<br />
الظروف املعيشية للسكان، وعدم توقف الثورات الشعبية طيلة القرن<br />
التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وقد أولت الزوايا واملساجد اهتمامًا<br />
كبرياً باأليتام من خالل إيوائهم والتكفل بهم وحباجياتهم، ومل تكن<br />
املؤسسة الدينية تكتفي بتوفري املأوى واملأكل لليتامى فقط، بل كانت<br />
تهتم برتبيتهم وتعليمهم وتسمح هلم بتولي املناصب العليا اخلاصة<br />
بتسيريالزاوية أو الكتاب أواملسجد، حيث يذكر أنّ أفرادًا من<br />
أسرة املقراني قد عينوا كمقاديم يف الزاوية.<br />
وقد عرب أحدهم عن كل هذا بقوله:" ترى بالقرب من الزاوية مجعًا<br />
من كل األعمار، أطفال بؤساء عراة، أمهات تظهر عليهم مظاهر الفقر،<br />
وشيويف جالسني على تل صغري، هذا هو اجلو العائلي بالنسبة لألسر اليت<br />
تطلب الصدقة يف هذا املكان الكريم"<br />
خامسا: املساعدة يف أوقات الشدة<br />
خالل أعوام<br />
1911<br />
1919م، تواصل القحط واجلفاف، مما أدى<br />
إىل انعدام املواد الغذائية، واحلبوب للناس، وانعدام العلف للحيوانات،<br />
وهنا تدخلت الزوايا فآوت الكثري من العائالت املتضررة من هذا<br />
اجلفاف، وقد بلغ الذروة سنة<br />
1918<br />
حيث حصلت اجملاعة الكربى اليت<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
مل تعرف هلا البالد مثيال على مدى التاريخ، فمات من جرائها اآلالف، ومل<br />
تفعل السلطات الفرنسية شيئا، مما اضطر السكان إىل للجوء إىل الزوايا<br />
واملساجد، وكثري من سكان اهلضاب العليا هاجر حنو مدن الشمال،<br />
ومنعهم األوربيون من كسب قوتهم، ووضعوهم يف حمتشدات عامة:<br />
مليانة، األصنام، غليزان. وهنا تدخلت املؤسسة الدينية ممثلة يف الزوايا<br />
واملساجد احلرة وأنقذت الكثري ممن كانوا على وشك اهلالك. انطالقاً<br />
من حديثه صلى اهلل عليه وسلم رواه الشيخان<br />
" :<br />
املسلم أخو املسلم ال<br />
يظلمه وال يسلمه، من كان يف حاجة أخيه كان اهلل يف حاجته، من فرج<br />
عن مسلم كربة فرج اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن سرت<br />
مسلماً سرته اهلل يوم القيامة")7(<br />
: سادسًا<br />
احلفاظ على عادات اجملتمع:<br />
ساهمت املؤسسة الدينية من خالل خمتلف األنشطة يف احلفاظ على<br />
عادات وتقاليد اجملتمع اجلزائري الذي امتاز بشدة متاسكه وتآزره،<br />
خاصة يف مواجهة األزمات؛ ومن ذلك<br />
:<br />
التويزة: تعاون كافة أفراد اجملتمع يف القيام بأعمال ذات منفعة عامة<br />
دون مقابل، تطبيقا لقوله تعاىل: وتعاونوا على الربوالتقوى، وال<br />
تعاونوا على اإلثم والعدوان[، منها: ترميم أو بناء مسجد أو بناء سد،<br />
وكان يتم اإلعالن عن موعدالتويزة بالزاوية أو املسجد عقب الصلوات<br />
اخلمس، وجتدر اإلشارة هنا إىل أن املسجد والزاوية نفسها بنيت<br />
واستكملت أغلب مرافقها بواسطة أعمال التويزة.<br />
االحتفاالت الدينية: إلحياء املناسبات واألعياد الدينية، املولد<br />
النبوي الشريف، ليلة القدر، ختم البخاري، ختم املختصر اخلليلي.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 087<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
االحتفاالت اخلاصة مبوسم احلج: وقد كانت املؤسسة الدينية<br />
مسجداً كان أوزاوية تسهر على توفري املال لبعض احلجاج، ملا كان<br />
يتطلبه احلج من أموال باهظة، وتكاليف مرتفعة، وينطلق ركب احلجاج<br />
من املؤئئة الدينية بعد توديعهم للشيخ الذين يطلبون منه الدعاء هلم وتيسري<br />
حجهم، وعند عودتهم أول مكان ينزلون به هو مقر الزاوية أو املسجد،<br />
حيث يسلمون على الشيخ ويتربكون به، ثم ينطلقون إىل أهاليهم؛ وهي<br />
عادة ال تزال موجودة إىل يومنا هذا يف كثري من مناطق وطتتا حبمد اهلل.<br />
جاء يف تقرير لسلطات االحتالل : " يف خمتلف املناسبات واألعياد<br />
الدينية، تأتي أعداد كبرية من الزوار واملريدين، من بعيد، حلضور<br />
االحتفاالت بعيد الفطر، عيد األضحى، عاشوراء، واملولد النبوي والذي<br />
يتميز عن غريه من املناسبات، حيث توزع فيه الصدقات واألموال على<br />
الفقراء"<br />
ويتضح لنا من خالل هذا العرض أن املؤسسة الدينية ورجاهلا قد<br />
أدّوا ما عليهم من واجب جتاه دينهم ووطنهم وجمتمعهم الذي عاشوا<br />
فيه وتفاعلوا معه، مع قضاياه، مشاكله، اهتماماته، بل كانوا ميثلون<br />
صوت األمة وضمريها احلي يف جل الفرتات والعهود املتعاقبة، فقد نادوا<br />
باحلرية عاليا، نادوا بالثورة على األوضاع، نادوا بالتغيري، مارسوا حق<br />
تغيري املنكر الذي منحتهم إياه الشريعة اإلسالمية.<br />
خدموا الدين واألمة بالرغم من احلصار واملضايقة<br />
والتهديد والتشريد والسجن واملتابعة، حياتهم كلها جهاد ونضال<br />
واستبسال يف سبيل الدفاع عن القيم واملبادئ والدين والوطن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 088<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
النتائج االجيابية اليت قدمتها املؤسسة الدينية<br />
:<br />
التخفيف من معاناة الشعب اجلزائري، وذلك من خالل التكفل<br />
بالفقراء واملساكني واليتامى واألرامل .<br />
احلفاظ على متاسك اجملتمع اجلزائري ووحدته، حيث كانت جتتمع<br />
بالزاويا خمتلف األعراش والقبائل، من مناطق خمتلفة، فتنمحي بذلك<br />
الفوارق اجلهوية.<br />
متكنت من قطع الطريق على كافة اجلمعيات التبشريية اليت<br />
كانت تتخذ من النشاط االجتماعي وسيلة لتحقيق مآربها التنصريية،<br />
خاصة اجتاه اليتامى من أبناء هذا الشعب. لقد عملت املؤسسة الدينية<br />
من خالل نشاطها على تنظيم العالقات بني خمتلف شرائح اجملتمع وتدعيم<br />
عملية التكافل بينها، وقد كانت تستقبل األموال من األغنياء<br />
وتصرفها على الفقراء.<br />
متكنت من انتشال العديد من اليتامى واملشردين وتكفلت<br />
بهم وكونت منهم علماء صاحلني، ساهموا بفعالية يف خدمة جمتمعهم<br />
مثلت املؤسسات الدينية قالعًا حصينة يف وجه املشاريع االندماجية<br />
اليت سعى االستعمار الفرنسي إىل تطبيقها بأرض اجلزائر.<br />
كانت زوايا الطرق الصوفية مبثابة خمازن ودواوين للكتب<br />
واملخطوطات يف خمتلف العلوم والفنون.<br />
اهتمت بتحفيظ القرآن الكريم لألطفال، ونشره بصورة<br />
مكثفة بني خمتلف الطبقات االجتماعية.<br />
احتضنت اللغة والثقافة العربية االسالمية فكان ذلك شكالً من<br />
أشكال مقاومة اجلهل واألمية. )9(<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 089<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
موقف السلطات االستعمارية من املؤسسات الدينية<br />
منذ وطئت أقدام املستعمر الفرنسي أرض اجلزائر أعلن احلرب<br />
على املؤسسة الدينني وال سيما املساجد اليت حوّل بعضها اىل كنائس<br />
كما حدث بالنسبة ملسجد كتشاوة.<br />
من سنة 1922 واىل غاية 1812 ظل الناقوس يسمع من منارته بدل<br />
اآلذان، فصار على حدّ تعبري الشاعر أبي البقاء الرندي<br />
حتى املساجد قد صارت كنائس ما<br />
حتى احملاريب تبكي وهي جامدة<br />
:<br />
***<br />
***<br />
فيهن اال نواقيس وصلبان<br />
حتى املنابر ترثى وهي عيدان<br />
)9(<br />
وحوّلت بعضها اىل خمازن حبوب واسطبالت، وعينت يف أغلب<br />
املساجد املتبقية أئمة موظفون تصفهم جريدة البصائر مبا يلي<br />
وأمّا : "<br />
رجال الدين عندنا فقد اختارتهم حكومة الئكية متسلطة وما اختارتهم<br />
إالّ بعد أن ارتضتهم مبيزانها ال مبيزان االسالم، وراعت فيهم شروطها ال<br />
شروط االسالم، وما رأيناها حتفل يف هذه الوظائف بالعلم وال بالكفاءة<br />
الدينية... وإنها يف حقيقتها مصائد ال وظائف... وحمال على احلكومة أن<br />
تطعم مثرها، من يعصي أمرها." )12(<br />
أمّا بالنسبة للزوايا فقد ظلّت ولقرون خلت حمطّ رحال حفظة<br />
القرآن وطلبة العلم، ورباطات للجهاد كلما دعت احلاجة اىل ذلك؛ هذا<br />
الدّور الذي ميّزها جعل االستعمار الفرنسي حياربها على عدّة جبهات<br />
:<br />
1<br />
األوىل هدم بعضها ومصادرة أمالكها وأمالك الباقيات منها،<br />
وضم مداخيلها اىل أمالك الدولة الفرنسية، يف املدن أوال ثم يف األرياف<br />
الحقا.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
2<br />
2<br />
1<br />
الثانية إنشاء املدارس الفرنسية االبتدائية يف املدن واألرياف<br />
لسحب التالميذ من الزوايا ونشر التأثري الفرنسي ازاءها.<br />
الثالثة حماربة كبار املرابطني واستدراجهم بالوظائف والزواج<br />
املختلط، وتشجيع الدروشة والتدجيل بدل التعليم.<br />
وأخريا منع الزوايا من نشر التعليم العام وفرض برنامج ضيق<br />
عليها اليتعدى حتفيظ القرآن الكريم دون تفسري أو تعليم قواعد اللغة<br />
وأصول الدين دون فهم.<br />
ويف إحصاء يرجع إىل سنة<br />
األرياف كان<br />
1911<br />
90217<br />
متعلمًا، وعدد الزوايا<br />
جاء أنّ عدد تالميذ الزوايا يف<br />
182<br />
زاوية. وكان برناجمها<br />
تعليم الفقه والنحو والتاريخ اإلسالمي واألدب، إخل. ويدخلها التالميذ<br />
الذين أنهوا املرحلة األوىل فحفظوا القرآن الكريم، وتعلموا القراءة<br />
والكتابة واحلساب وبعض املتون.<br />
واهل<br />
كتاب<br />
)00(<br />
ولعلنا جند يف ما أدىل به املؤرخان الفرنسيان موريس<br />
،Maurice wahl<br />
وأوغستان برنارد<br />
Augustin Bernard يف<br />
" اجلزائر "<br />
ما خنتم به حديثنا هذا.<br />
قاال وهما من غالة املعمرين<br />
" :<br />
إ نً الذي جيمع بني سكان<br />
الصحراء وفالحي التل هو الدين، فكلهم مسلمون: فاملساجد والزوايا<br />
) القباب ( واألضرحة<br />
هي مراكز جتمعاتهم إن الكثري منهم منخرطون<br />
يف الطرق الصوفية: الرمحانية الطيبية، التجانية والسنوسية والقادرية<br />
وهذه الطرق قوية... متشبثون بتعاليم دينهم، وقليل منهم من مل يراع هذه<br />
التعاليم، وضوء، صالة صيام رمضان ويف كل سنة يذهب اآلالف منهم<br />
إىل احلج فمنهم من ميوت يف طريق الذهاب أو اإلياب أو منهم من يرجع<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 090<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
منهوك القوى من أثر التعب واحلرمان، إال أنهم مسرورون بأداء الواجب<br />
املقدس، إن هذه الروح احلماسية يف التعلق بالدين، وهي العائق الوحيد<br />
الذي وجدناه يف طريقنا، فهي اليت تعزز الروح الوطنية إليقاد نريان<br />
الغضب وتشجيع املقاومة، أن معظم الثورات اليت اجتاحت البالد كانت<br />
بسبب دعاية رجال الدين واألدهى أنهم مبجرد إعالنهم للحرب على العدو<br />
الكافر تزول اخلالفات بني األفراد والقبائل فهذه هي احلقيقة دائما<br />
واليت رمبا نصل إىل التخفيف من مفعوهلا إال أن القضاء عليها صعب<br />
جدا...<br />
إىل أن يقول:<br />
"<br />
أما تنصري املسلمني الذي حيلم به بعضهم فهو خيال، حلم حمفوف<br />
باألخطار، فتعاليم اإلسالم ومعنوياته واضحة فهو من هذه الناحية ال<br />
)02(<br />
خيتلف عن بقية األديان إخل.<br />
من هنا نشري اىل أنّ املؤسسة الدينية حافظت رغم املضايقات اليت<br />
فرضت عليها، من حماوالت تدجينها، ومتييعها، وإبعادها عن مهامها<br />
الرئيسية <br />
ظلّت حمافظة على وترية عملها يف تبليغ رسالتها ولو بصور<br />
متفاوتة، تتأرجح بني القوة والضعف تارة، وبني القيادة واالنسياق تارة<br />
أخرى.<br />
وكما وجد اجملتمع اجلزائري متمسكاً مبقوماته احلضارية ويف<br />
مقدمتها التعاليم الدينية اليت يعرب عنها فاغنر )01(<br />
: " بقوله<br />
جدير باالعتبار أن ترى املسلم الفخور املعتز بنفسه ينحين أمام ربّه<br />
إنّه ملنظر<br />
شوع<br />
العبد املذنب املرتعد. فاملصلون يصطفون خلف اإلمام دون أن يقيموا وزناً<br />
للمكانة أو األصل والنسب. )01(<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 092<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
1<br />
2<br />
2<br />
1<br />
1<br />
1<br />
7<br />
9<br />
<br />
اإلحاالت<br />
د.حممود اخلالدي: املدخل إىل اخلطاب الرتبوي يف التفكري اإلسالمي،جملة<br />
جامعة األمري عبد القادر للعلوم اإلسالمية، عدد 21، شركة دار اهلدى<br />
للطباعة والنشر والتوزيع، عني مليلة، اجلزائر 2229، ص 122<br />
محيدة عمرياوي<br />
:<br />
جوانب من السياسة الفرنسية وردود الفعل الوطنية يف قطاع<br />
الشرق اجلزائري )بداية االحتالل(، دار البعث للطباعة والنشر، قسنطينة،<br />
اجلزائر 1891، ص 21.<br />
أبو القاسم سعد اهلل<br />
:<br />
تاريخ اجلزائر الثقايف، ط1،ج2، 19221811، دار<br />
الغرب االسالمي، بريوت، لبنان<br />
1889، ص<br />
.171<br />
سورة احلجرات، اآلية 12.<br />
اآلية 111، من سورة النساء.<br />
اآلية 91 من سورة النساء.<br />
حيي بن شرف الدين النووي<br />
:<br />
رياض الصاحلني، اختصره ورتبه الشيخ النبهاني<br />
املتويف سنة 1212ه، دار القلم، بريوت، لبنان 1891م، ص<br />
.187<br />
د.حيي بوعزيز<br />
:<br />
أوضاع الطرق الصوفية والزوايا ياجلزائر خالل القرنني<br />
18و22م،ملتقى الفكر االسالمي الواحد والعشرون "احلياة الروحية يف<br />
االسالم<br />
"، معسكر<br />
21أوت اىل 1سبتمرب 1897، ملتقيات الفكر االسالمي،<br />
اجلزء الرابع، منشورات وزارة الشؤون الدينية واألوقاف 2221، ص ص<br />
12221221.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،<br />
واملقاومة العسكرية<br />
للعدو أ. شاطو حممد<br />
أنظر 8<br />
الطاهر بوشوشي<br />
: صفحات من تاريخ جامع كتشاوة، األصالة،عدد<br />
11911،إصدار وزارة التعليم األصلي والشؤون الدينية، اجلزائر<br />
1872، ص<br />
.288<br />
12<br />
11<br />
12<br />
الشيخ البشري اإلبراهيمي : عيون البصائر،ص 17.<br />
أبو القاسم سعد اهلل : تاريخ اجلزائر الثقايف، ط1،ج2، 19221811، دار<br />
الغرب االسالمي، بريوت، لبنان 1889، ص 172.<br />
الشيخ املهدي البوعبدللي :لقطات من ظهور السلفية باجلزائر انطالقاً من<br />
أوائل القرن التاسع اهلجري وتطورها ثم أثرها واستمراريتها<br />
الرابع عشر،<br />
اإلسالم<br />
"، معسكر<br />
ملتقى الفكر<br />
اإلسالمي<br />
الواحد والعشرون<br />
إىل<br />
أوائل القرن<br />
"احلياة الروحية يف<br />
21أوت اىل 1سبتمرب 1897، ملتقيات الفكر اإلسالمي،<br />
اجلزء الرابع، منشورات وزارة الشؤون الدينية واألوقاف 2221، ص ص<br />
1289<br />
12<br />
1212.<br />
هو موريس فاغنر رحالة أملاني عاش يف اجلزائر ما بني 1921و1929، انظم<br />
خالهلا اىل أعضاء البعثة العلمية الفرنسية، وشارك يف بعض احلمالت.<br />
منها<br />
محلة قسنطينة، وزار مناطق خمتلفة من البالد اجلزائرية، منها املناطق اليت مل<br />
تكن وطأتها األقدام الفرنسية، حيث أتيح له أن يزور منطقة معسكر حتت<br />
محاية خليفة األمري عبد القادر. وقد حتدث عن هذا كله يف كتابه<br />
والية اجلزائر<br />
"<br />
"<br />
الذي أصدره عام<br />
1911<br />
11<br />
الفرتة.<br />
د.<br />
أبو العيد دودو<br />
االحتالل،األصالة، عدد<br />
:<br />
اجلزائر 1872، ص 12.<br />
رحالت يف<br />
مقدماً فيه صورة عن جزائر تلك<br />
احلياة االجتماعية يف مدينة اجلزائر إبان<br />
9، إصدار وزارة التعليم األصلي والشؤون الدينية،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
دراسة ميدانية على عينة من الغرب اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء؛ أ. بوقريرس فريد،<br />
خمرب البحوث اإلجتماعية والتارخيية،<br />
جامعة معسكر.<br />
بداية أود اإلشارة إىل أن هذه املداخلة هي جزء من دراسة ميدانية<br />
أجريت يف سنة<br />
2212<br />
يف إطار مرصد الظاهرة الدينية التابع ملخرب<br />
البحوث التارخيية واالجتماعية جبامعة معسكر من طرف األستاذة<br />
جعدوني الزهرة واألستاذ بوقريرس فريد ومبشاركة طلبة اجملستار علم<br />
االجتماع الدين وطلبة املاسرت علم االجتماع الدين وعلم االجتماع املدرسي.<br />
أعتدر لعدم ذكر أمسائهم.<br />
انطلقنا يف تفكرينا من ذلك التناقض املالحظ بني وجهيت نظر<br />
حول دور وأثر التدين أوالدين على صحة األفراد النفسية والعقلية،<br />
فبالنظر إىل رأي<br />
(Freud)<br />
فيما أشار إليه يف مسؤولية الديانات يف<br />
ظهور بعض االضطرابات النفسية الفردية وأيضا يف اضطراب اجملتمع؛<br />
حيث أشار يف مؤلفه "مستقبل الوهم" إىل أن الدين يصبح عصابا قسريا<br />
عامليا لإلنسانية، ويؤدي إىل التنازل أوإىل تأجيل إشباع الغريزة الفطرية<br />
بسبب ما يفرضه من أسس للعالقات اإلنسانية، لتتحول الغريزة اجلنسية<br />
إىل مفهوم املقدس كشكل للتسامي عن اجلنسية وكقوة داخلية<br />
حمركة لإلنسان يف شكلها املبدع. ويسمح هذا املقدس بتغذية الوظيفة<br />
املعرفية يف عالقة اإلنسان مع الفناء واملوت ليحمي الفرد من قلق املوت<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
الذي يالزمه.<br />
ووصل فرويد عام<br />
1827<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
إىل حد الربط بني العصاب<br />
االستحواذي واملمارسة الدينية من حيث مبدأ النظام والتكرار يف كليهما<br />
هناك الكثري من اآلراء اليت تتفق وهذا املوقف يف اعتبار الدين<br />
أوالتدين مشكلة اجتماعية أوسبب يف اإلضطرابات الفردية واجلماعية.<br />
يف حني جند يف اجلهة<br />
والتدين يف حتقيق السواء الفردي واجلماعي،<br />
النفسانيني<br />
يؤكدون على<br />
املقابلة هلذا املوقف رأي يشيد بدور الدين<br />
فالكثري<br />
من املمارسني<br />
سهولة العالج ويسره لدى األشخاص ذوي<br />
االعتقاد الديين القوي، وأدى هذا إىل اعتماد أسلوب عالجي نفسي عرف<br />
بالعالج الروحي القائم على دعم اجلانب الديين يف األنا األعلى؛ ألن الدين<br />
كان أول جميب على العديد من التساؤالت املاورائية، كخلق اإلنسان<br />
وداللة التواجد اإلنساني ليغذي بذلك الوظيفة املعرفية، كما عمل على<br />
خلق روابط اجتماعية بني األفراد الذين يشرتكون يف نفس املعتقد ليحدد<br />
الوظيفة اهلوياتية، اليت متيز وتفرق مجاعة عن باقي اجلماعات. كما أن<br />
الدين يتناول إشكاليات النموالنفسي للطفل خاصة اإلشكالية األوديبية؛<br />
حبيث قامت كل الديانات التوحيدية على العالقة مع األب واألم وهذا<br />
مبراعاة االختالف اهلام بني الديانات الثالثة؛ إذ ترتجم حاجات الطفل<br />
األوىل يف محاية أبويه يف شكل أحاسيس طفولية الحتياج وسند األبوين،<br />
تتحول فيما بعد إىل قلق أمام قدرة القدر الذي يكون سببا مباشرا يف<br />
احلاجة إىل االعتقاد الديين، فيجتمع هذا اإلحساس الفردي بدعم احمليط<br />
لينتج ميكانيزما فرديا إلنكار التهديد اآلتي من العامل اخلارجي،<br />
وجيعل الفرد بذلك يتعلق باإلنسانية ويقبل اآلخر ويندمج يف اجلماعة حبثا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
عن اللذة والسعادة واالرتياح النفسي املنشود، خاصة إذا كانت روابط<br />
اجلماعة روحية ودينية،<br />
هذا ما جيعلنا نتوسط أمرين أوهلما اجلانب االجيابي للدين يف<br />
تكوين ومنوواستقرار الفرد نفسيا، وثانيهما اجلانب السليب يف ضغطه<br />
على الغريزة وعدم السماح هلا باإلشباع، بعبارة أخرى سنعمل على البحث<br />
يف العالقة القائمة بني تدين الفرد والصحة النفسية وعليه نطرح التسائل<br />
التالي:<br />
هل ملستوى تدين األفراد الراشدين عالقة بصحتهم النفسية<br />
)االرتياح النفسي( يف اجملتمع اجلزائري؟<br />
لإلجابة عن هذا التساؤل انطلقنا من حتديد عدة مسائل مرتبطة<br />
باملفاهيم األساسية اليت مشلتها الدراسة تثبيت قيمة هذا العمل من جهة<br />
وتضبطه منهجيا من جهة ثانية، وتتمثل يف:<br />
مسألة التدين ومسألة<br />
االنفصال أواالتصال بني االعتقاد واملمارسة الدينية، ثم مسألة الصحة<br />
النفسية )العقلية(.<br />
الضبط اإلجرائي للمفاهيم:<br />
التدين: أوال:<br />
ال ميكن اخلوض يف هذه املسألة واستحضار كل<br />
اآلراء واالجتاهات املمكنة ألنها متعددة وتتأثر باإلديولوجيا وخصوصية<br />
الدين املعين، لكن هذا ال مينع من اإلشارة، إىل معنى هذه الكلمة.<br />
فالدين حسب دوركايم<br />
E. Durkheim<br />
املعتقدات واملمارسات املرتبطة بأشياء مقدسة،<br />
"هونظام متكامل<br />
من<br />
فهوبذلك يشكل عالقة<br />
ارتباط بني الكائن البشري واملقدس أواإلهلي، اهلدف منه اإلجابة على<br />
األسئلة املتعلقة بادراك الكون، وخلق رابط اجتماعي بني أفراد اجلماعة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 097<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
املؤمنة؛ فالدين يرتبط مبعتقدات الفرد واجلماعة وبوجود قوى عليا خيضع<br />
هلا الفرد وتسري حياته بأكملها.<br />
وبذلك ميكننا أن نقسم الدين إىل<br />
قطبني اثنني: معتقدات وطقوس )شعائر وممارسات( وتشكل هذه األخرية<br />
التعبري الرمزي عن املعتقد.<br />
فما هي املعتقدات ؟ وما هي الطقوس؟<br />
والدين اإلسالمي ال حييد عن هذا التقسيم<br />
.<br />
.0<br />
املعتقدات الدينية:<br />
املعتقدات باختالف أنواعها، الفلسفية واحلياتية والسياسية<br />
والدينية تعترب من أهم مكونات الثقافة اإلنسانية اليت ال ميكن االستغناء<br />
عنها،.<br />
تعترب املعتقدات الدينية من أبرز أنواع املعتقدات؛ نظرا ألهميتها<br />
البالغة يف حياة الفرد واجلماعة وتأثريها على األفكار واملمارسات، وهي<br />
شكل من أشكال الوعي املبين على أساس ممارسات أجيال اجلماعة<br />
املتتابعة.<br />
العقيدة يف اللغة العربية من الفعل عقد، الذي يعرب عن العهد على<br />
الشيء أوضمانه. واعتقد يف الشيء أي صدقه وتدين به، )البستاني فؤاد<br />
ابرم،<br />
)<br />
119<br />
:1819<br />
وهي الرأي أواحملور األصلي يف التعاليم<br />
والفلسفية والسياسية وغريهاPaul (Pierre et<br />
1977 : 328) ،<br />
الدينية<br />
يعرف املعجم اجلديد يف الفلسفة والعلوم االجتماعية املعتقدات ب: "<br />
.. الفعل الذي يقود العقل من خالله إىل مقرتح أوحجة أومعتقد من دون<br />
االشرتاط على أن يكون مؤكدا أوغري مؤكد"،<br />
يف حني يرى<br />
(R.<br />
Boudon)<br />
بأنها<br />
" مقرتحات يظنها األفراد كحقيقة حتى ولومل تكن<br />
ذات بعد منطقي أوعلمي. ميكن أن تظهر يف شكلني: نفسية أواجتماعية<br />
.)2001 : 52( "<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 098<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
ليس بالضرورة أن تكون املعتقدات اليت تؤمن بها مجاعة معينة<br />
صحيحة أوعقالنية أومنطقية؛ ألنّ كل مؤمن بها يراها حقيقة مطلقة غري<br />
قابلة للتغيري أوالنقد أواالختالف،<br />
والرتاثي الذي يتلقاه الفرد من جمتمعه الذي ينتمي إليه.<br />
املعتقد<br />
الغلة والشك واإلنكار<br />
فهي إذن جزء من التكوين الثقايف<br />
وسيلة تتخذها ديانة ما لتحفظها من البلبلة وحتميها من<br />
من الفكر البشري.<br />
على املرء أن يسلم حبقيقتها ويؤمن بها بال تردد.<br />
وهومن األمور الدينية اليت<br />
ختتلف املعتقدات الدينية باختالف األديان واجملتمعات، فاملعتقدات<br />
اإلسالمية متعلقة بتقرير القلب الذي ال يراوده أي شك يف حقيقة املطالب<br />
اإلهلية والنبوية ويوم القيامة وخمتلف جوانب اإلميان.<br />
وقد تشكلت هذه<br />
املعتقدات اإلسالمية بعد الدعوة احملمدية، وخالل املسار التارخيي<br />
للمجتمعات اإلسالمية باختالف أعراقها وثقافاتها وفظاءاتها وغري ذلك من<br />
العوامل اليت أثرت فيها وتأثرت بها.<br />
ومن أهمها حماولة املؤمنني إضفاء<br />
طابع احمللية على معتقدهم. وهذا ما ظهر جليا يف حالة الدول املغاربية ذات<br />
األصل األمازيغي فيما يعرف بالتصوف الطرقي؛ الذي يعترب معتقدا شعبيا<br />
تؤمن به نسبة كبرية من أفراد اجملتمع. ونظرا ألهميته ودوره يف اجملتمع<br />
اجلزائري، فقد ركزنا يف دراستنا هذه على املعتقد الديين الشعبوي وما<br />
ينجر عنه من ممارسات وطقوس وسلوكيات، وتأثريه على حياة الفرد<br />
اليومية وكيفية تعامله مع احمليط اخلارجي.<br />
إذا فهذه الدراسة رغم أنها تتناول الدين اإلسالمي إال أننا التزمنا<br />
بالدين أواملعتقد الديين السائد يف اجملتمع اجلزائر وهوما نسميه بالدين<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 099<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
.2<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
الشعبوي، دون الرتكيز يف مسألة صحة أوخطأ تلك املعتقدات، بل<br />
أقصينا كل معتقد ميثل خصوصية مجاعة أوطائفة.<br />
الطقوس الدينية:<br />
عندما تصل اخلربة الدينية املباشرة إىل حالة من الشدة لدى اإلنسان<br />
فإنها تستدعي القيام بسلوك ما، وذلك من أجل إعادة التوازن إىل النفس<br />
اليت غيَرتْ التجربةُ من حالتها االعتيادية، هذا السلوك ندعوه بالطقس.<br />
كلمة طقس<br />
»<br />
Rite<br />
«<br />
مشتقة من الكلمة الالتينية<br />
»<br />
Ritus<br />
«<br />
وهي عبارة تعين عادات وتقاليد جمتمع معني، كما تعين أنواع االحتفاالت<br />
اليت تستدعي معتقدات تكون خارج اإلطار التجرييب. الطقس هوجمموعة<br />
من اإلجراءات واحلركات اليت تأتي استجابة للتجربة الدينية الداخلية،<br />
وهي "<br />
.)122 :2222<br />
الشهري؛<br />
تعبري رمزي عن األفكار واملشاعر باملرور إىل الفعل"<br />
دور يتمثل<br />
الطقس يف<br />
احلفاظ على<br />
)فروم،<br />
استمرارية احلدث التارخيي<br />
فهومييل إىل تكريس دميومة احلدث االجتماعي أواألسطوري<br />
الذي أوجده، ويعيد بذلك خلق ماض غامض غالبا ويستحضره يف الزمن<br />
احلاضر ويأخذ معناه ورمزيته عند الذين يستخدمونه على أنه فعل ديين.<br />
وهي<br />
يشري<br />
(Van Derlew)<br />
أساطري تتحرك؛<br />
تسبقه وتضمن بقائه.<br />
إىل أن الطقوس هي إحياء لتجربة مقدسة<br />
ألن األسطورة هي<br />
وهي بذلك تشكل<br />
املؤسسة<br />
للفعل املقدس،<br />
فهي<br />
" سلوكات مرمزة ومفروضة<br />
من طرف اجلماعة، تتكرر وفقا ملخطط ثابت كل مرة ختلق فيها ظروف<br />
ترتبط بها كاحلركات والكلمات والوضعيات. املواضيع املكونة هلا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
ليس هلا تفسري لكن فقط استناد رمزي يوجه لالتصال بالقوى فوق<br />
الطبيعية " :196)،(Ferréol . 2004<br />
اجلدير بالذكر أن الطقوس مفهوم علمي يقابله يف الدين<br />
اإلسالمي مفهوم العبادة، وله داللة ختتلف عن العبادة يف كونه يشري إىل<br />
تلك األشياء الثقافية اليت ميزجها األفراد بالدين لتصبح كأنها من<br />
الدين، بينما العبادة هي مفهوم ديين حبت. الطقوس يف هذا املعنى الديين<br />
ليست<br />
إعادة إنتاج الشيء وإمنا<br />
)ماري إلياس، 2228(<br />
الشيء يف<br />
حد ذاته، وهي<br />
حقيقة مُعاشة<br />
فالزمن املقدس يؤثر على األفراد فيغريون بعض عاداتهم<br />
وسلوكياتهم اليومية، ليضيفوا صفة االبتهاج واالحتفال إىل العيد وصفة<br />
احلزن والتعذيب الذاتي لطقس عاشوراء عند الشيعة مثال. تتجلى الطقوس<br />
يف عادات وتقاليد جمتمع ما وتنبين على معتقدات دينية لتميز بذلك هذا<br />
اجملتمع<br />
عن اجملتمعات األخرى، كما أنها تتضمن جمموعة من<br />
االحتفاالت املتنوعة<br />
إياها مينحها<br />
املرتبطة<br />
السياق الديين<br />
الدينية يف اإلسالم إىل ثالثة أقسام:<br />
القسم األول يشمل<br />
بهذه املعتقدات.<br />
هلذه الطقوس معنى ووظيفة<br />
واالجتماعي، وميكننا تقسيم<br />
املمارسات اليومية<br />
(<br />
اثنني ومخيس، وضع اليد )اخلامسة( أوالودعة، الصدقة<br />
يشمل الثاني<br />
وصيام شهر<br />
األضحى، احلج<br />
املمارسات املومسية<br />
رمضان<br />
اخل(<br />
)احتفاالت<br />
الطقوس<br />
الصالة ، صوم كل يومي<br />
عاشوراء<br />
وإحياء لياليه بالصالة واحتفاالت<br />
فيشمل الثالث القسم أما<br />
والقسم اخل(<br />
واملولد النبوي<br />
عيد الفطر وعيد<br />
املمارسات الظرفية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />
العدد الثاني<br />
جوان
ك)<br />
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
زيارة األضرحة<br />
وغريها.(<br />
وطقوس الزواج<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
والشعائر اجلنائزية<br />
والعقيقة<br />
واخلتان<br />
لقد التزمنا بالشيء نفسه بالنسبة للطقوس، فهي خمتلف الطقوس<br />
اليت ميارسها غالبية الشعب اجلزائري، ولقد أقصينا أيضا الطقوس اليت<br />
متارسها فئة معينة فقط.<br />
ثانيا: الصحة النفسية:<br />
احلديث عن الصحة النفسية<br />
)العقلية(<br />
ال يشري إىل غياب املرض<br />
النفسي أوالعقلي فقط؛ ففي تعريف للمنظمة العاملية للصحة<br />
تقول بأن<br />
(OMS)<br />
"<br />
الصحة هي حالة كاملة لالرتياح اجلسدي<br />
واالجتماعي وال ختص فقط غياب املرض أوالعاهة"<br />
والعقلي<br />
نظرا ألن الصحة<br />
النفسية والعضوية واالجتماعية هي جوانب أساسية للحياة وهي جوانب<br />
مرتابطة تكمل بعضها بعضا، لكنها رغم ذلك مستقلة عن بعضها داخليا<br />
وبالتالي فللصحة النفسية أهمية حيوية يف الوصول إىل نوع من التوافق<br />
واالرتياح النفسي مع الذات ومع اآلخرين.<br />
الصحة النفسية إذن هي قدرة اجلهاز النفسي للفرد على العمل<br />
بشكل متناغم ومتناسق وفعال، والقدرة على مواجهة الوضعيات الصعبة<br />
واملعقدة بنوع من الليونة وكذا القدرة على اسرتجاع التوازن.<br />
وحتى عن<br />
يف علم النفس نتحدث عن حالة التوافق النفسي أوالتكيف النفسي<br />
" حالة السواء كنوع من التكيف مع الذات ومع اآلخرين<br />
والقدرة على حل الصراعات الداخلية بشكل حيدث االرتياح النفسي"<br />
2008 : 149)،(Bergeret<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
يتكرر لدينا مفهوم االرتياح النفسي كأحد املفاهيم املفتاحية<br />
للصحة النفسية، وهومفهوم ذاتي يقصد به<br />
اإلدراك الذاتي للفعالية<br />
الشخصية واالستقاللية والكفاءة والقدرة على التفعيل الذاتي للوجود<br />
الفكري والعاطفي.<br />
)1897(<br />
Okun et Stock<br />
يريان بأن االرتياح<br />
النفسي هو"بناء مضلي مرجعيته االستجابات العاطفية لألفراد أمام<br />
جتاربهم احلياتية مبحتوى اجيابي أوسليب" )ص 191( وهذا ما يفسر ذاتية<br />
هذا املفهوم.<br />
كما اعترب العديد من علماء النفس املعاصرين االرتياح<br />
النفسي مكونا أساسيا ملفهوم نوعية احلياة ومؤشرا نفسيا اجتماعيا<br />
هاما، كونه يؤثر بشكل مباشر على خمتلف اجلوانب احلياتية اإلنتاجية<br />
واإلبداعية خاصة.<br />
إذا الصحة النفسية هي مستوى االرتياح النفسي الذي يعرف الفرد<br />
من خالله قدراته على مواجهة القلق العادي للحياة والعمل بشكل مثمر<br />
مع الذات ويف اجملتمع، كما يشري إىل إمكانية األفراد واجلماعات<br />
اإلنسانية على النمووالوصول إىل حتقيق األهداف املسطرة.<br />
أشارت البحوث املعاصرة يف جمال علم النفس املرضي إىل<br />
" أن<br />
الشخص ميكن أن يكون يف حالة ارتياح نفسي مهما كانت مشاكله<br />
العميقة إذا توصل إىل تسوية ذلك والتكيف مع ذاته ومع اآلخرين دون أن<br />
يصاب بشلل داخلي بسبب صراعاته، وال أن يرفض من طرف احمليط<br />
ويبعد إىل املصحات النفسية والسجون"<br />
.<br />
2008 : 150)،(Bergeret<br />
عدم التوافق النفسي ال يعرب بالضرورة عن املرض النفسي، لكن الشخص<br />
يف هذه احلالة حيمل بداخله تثبيتا لصراعات نفسية )مبفهوم التحليل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
النفسي( كافية ألن جتعله عرضة لإلصابة باملرض النفسي أوالعقلي أمام<br />
أي فشل أوإحباط أوأزمة حياتية.<br />
.عينة الدراسة:<br />
قمنا باختيار العينة بطريقة قصدية، حيث كان اهلدف حماولة<br />
الوصول إىل عينة تشمل أكرب قدر من واليات الغرب اجلزائري حسب<br />
اإلمكانيات املتوفرة، واليت مل تسمح لنا باختيار عينة عشوائية ممثلة ،<br />
لكننا حاولنا توفري بعض الشروط يف العينة واملتمثلة يف<br />
تغطية كل الشرائح االجتماعية.<br />
أن يكون الفرد سليم من<br />
اضطراب نفسي أوعقلي مشخص(.<br />
:<br />
الناحية النفسية ظاهريا<br />
)ال يعاني من<br />
أن يكون املستوى التعليمي للفرد ال يقل عن مستوى التعليم<br />
املتوسط وذلك ليتمكن من قراءة وفهم املقياسني املستعملني يف مجع<br />
املعطيات.<br />
موجهة للراشد.<br />
أن ال يكون عمر املبحوث أقل من<br />
قمنا يف البداية بتعامل مع<br />
املطبقة عليهم قمنا بإقصاء<br />
19<br />
1122<br />
117<br />
سنة باعتبار الدراسة<br />
مبحوث ، وبعد مجع الوسائل<br />
منهم وذلك إما لسوء إجابة املبحوث<br />
أولنقص اإلجابة على الوسيلتني أولتطرف ومنطية االستجابة<br />
املبحوث(<br />
)عدم جدية<br />
واليت متكنا من تشخيصها بواسطة املفردات املعكوسة يف<br />
مقياس مستوى التدين.<br />
الدراسة<br />
822 فبقي معنا<br />
.<br />
حالة متثل احلجم النهائي لعينة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
اجلدول رقم<br />
:)11(<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
يبني توزيع العينة حسب مكان اإلقامة<br />
مكان اإلقامة التكرار النسبة املئوية<br />
4،37<br />
معسكر 349<br />
3،22<br />
تسمسيلت 208<br />
0،13<br />
غليزان 121<br />
6،9<br />
سعيدة 90<br />
6،8<br />
اجللفة 80<br />
7،4<br />
الشلف 44<br />
4،4<br />
وهران 41<br />
0،100<br />
اجملموع 933<br />
.0.1<br />
مقياس مستوى التدين:<br />
وضع هذا املقياس من طرف الباحثني ومبشاركة جمموعة من طلبة<br />
املاجستري يف علم االجتماع الدين، حيث اعتمدنا يف صياغة بنوده على<br />
الضبط النظري واإلجرائي ملفهوم التدين؛ فالدين يرتبط مبعتقدات الفرد<br />
واجلماعة وبوجود قوى عليا خيضع هلا الفرد وتسري حياته بأكملها.<br />
ينقسم الدين إىل قطبني اثنني: معتقدات وطقوس )شعائر وممارسات(<br />
وتشكل هذه األخرية التعبري الرمزي عن املعتقد.<br />
أما األول فهواملعتقد الديين الشعيب وما ينجر عنه من ممارسات<br />
وطقوس وسلوكيات، وتأثريه على حياة الفرد اليومية وكيفية تعامله مع<br />
احمليط اخلارجي.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
ك)<br />
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
يف حني متثل الطقوس الدينية جمموع السلوكيات واألفعال<br />
واملمارسات الفردية واجلماعية<br />
أواجلماعة<br />
استجابة لتجربة دينية داخلية<br />
الطقوس الدينية يف اإلسالم إىل ثالثة أقسام:<br />
القسم األول يشمل<br />
اثنني ومخيس، وضع اليد<br />
يشمل الثاني<br />
وصيام شهر<br />
األضحى، احلج<br />
اليت تتجاوز الكالم،<br />
املمارسات اليومية<br />
)اخلامسة(<br />
املمارسات املومسية<br />
رمضان<br />
زيارة األضرحة<br />
وغريها.(<br />
اخل(<br />
(<br />
)معتقد(<br />
يقوم بها<br />
الفرد<br />
وميكننا تقسيم<br />
الصالة ، صوم كل يومي<br />
أوالودعة، الصدقة<br />
)احتفاالت<br />
عاشوراء<br />
وإحياء لياليه بالصالة واحتفاالت<br />
القسم أما<br />
وطقوس الزواج<br />
فيشمل الثالث<br />
والشعائر اجلنائزية<br />
الصورة النهائية ملقياس مستوى التدين تتكون من<br />
بندا يقيس املعتقدات و)17( بندا يقيس املمارسات الدينية.<br />
والقسم اخل(<br />
واملولد النبوي<br />
عيد الفطر وعيد<br />
املمارسات الظرفية<br />
والعقيقة<br />
واخلتان<br />
)28( بندا. )12(<br />
.2.1<br />
مقياس االرتياح النفسي:<br />
اعتمدنا يف دراستنا هذه على مقياس االرتياح النفسي لقياس<br />
مستوى الصحة النفسية ألن اهلدف من هذه الدراسة هوقياس مستوى<br />
الصحة النفسية يف عالقته مبستوى التدين لدا الراشد يف اجملتمع<br />
اجلزائري، وألننا انطلقنا من الفكرة اليت مفادها أن قياس الصحة<br />
النفسية ال يعتمد بالضرورة على قياس مستوى الضيق النفسي<br />
السلبية(<br />
العواطف (<br />
خاصة عند العاديني؛ وإمنا يعتمد على قياس مستوى ارتياحهم<br />
النفسي )العواطف اإلجيابية(.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
الشيء الذي تتفق حوله الكثري من الدراسات واليت ذهبت إىل أن<br />
"<br />
العواطف اإلجيابية اليت يظهرها األفراد متثل مؤشرا جيدا لقياس مستوى<br />
الصحة النفسية"<br />
0.2.1.وصف مقياس االرتياح النفسي:<br />
هومقياس قام بإعداده ماسي<br />
الباحثني بكندا عام<br />
1998 :352)،(Massé et al<br />
(R. Massé)<br />
1889<br />
وجمموعة من<br />
باالعتماد على الرتاكم العلمي الكبري حول<br />
مسألة االرتياح النفسي، وتراكم املؤشرات املستعملة يف العديد من<br />
الدراسات؛ فقام الباحثون باختبار تلك األبعاد واملؤشرات اليت مجعوها<br />
حول املسألة ليتوصلوا يف النهاية إىل وضع مقياس يتكون من ستة أبعاد<br />
ومخسة وعشرون بندا كما هومبني أسفله:<br />
البعد<br />
عدد<br />
البنود<br />
التحكم<br />
تقدير االلتزام الكفاءة<br />
يف الذات<br />
التوازن<br />
الذات االجتماعي االجتماعية<br />
واألحداث<br />
الشعور<br />
بالسعادة<br />
-20 -07<br />
-0<br />
01 -01 02 -9 8 -1<br />
21 21<br />
1<br />
وألن املقياس وضع يف بيئة أجنبية وبلغة أجنبية، قمنا برتمجة<br />
املقياس إىل اللغة العربية ثم قمنا بإعادة ضبطه وتقنينه على اجملتمع<br />
اجلزائري.<br />
8. عرض النتائج وحتليلها:<br />
توجد عالقة تفاعلية بني مستوى التدين بشقيه<br />
واالرتياح النفسي لألفراد الراشدين<br />
(<br />
.<br />
معتقد وممارسة(<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
وهي الفرضية اليت قسمناها إىل فرضيتني جزئيتني، ختصان<br />
مستوى التدين وقطبيه<br />
(<br />
املعتقد واملمارسة<br />
ويف ما يلي عرض لنتائج هذه الفرضيات:<br />
)<br />
.1<br />
االرتياح النفسي لدا الراشد.<br />
.2<br />
االرتياح النفسي لدا الراشد.<br />
اجلدول رقم<br />
وعالقتهما بالصحة النفسية،<br />
هناك عالقة تفاعلية بني املعتقدات الدينية ومستوى<br />
هناك عالقة تفاعلية بني املمارسة الدينية ومستوى<br />
:)01(<br />
النفسي والتدين والطقوس واملعتقد<br />
املتغري املتغريات<br />
التابع املستقلة<br />
التدين<br />
االرتياح<br />
الطقوس<br />
النفسي<br />
املعتقدات<br />
جمموع<br />
املربعات من<br />
النوع 1<br />
228،272<br />
378،509<br />
165،281<br />
حتليل التباين متعدد املتغريات بني االرتياح<br />
متوسط<br />
درجة املربعات<br />
احلرية قيمة ف<br />
F<br />
690،1<br />
604،1<br />
421،1<br />
الداللة<br />
دالة<br />
دالة<br />
دالة<br />
)* *(<br />
)* *(<br />
)* *(<br />
723،1 158<br />
224،3 158<br />
780،1 158<br />
)**(<br />
دالة عند مستوى1.10<br />
)<br />
( ،<br />
بالرجوع جلدول توزيع قيم )ف-<br />
دالة عند<br />
مستوى 1.11<br />
)F<br />
مع درجات احلرية جند أن<br />
النسبة الفائية )ف( دالة إحصائيا؛ حيث تتجاوز مستوى ثقة ال)%88(.<br />
هذا يعين أن الفروق املالحظة بني املتغريات املستقلة جمتمعة واملتغري التابع<br />
دالة إحصائيا. إذا فالتدين بصفة عامة أوبقطبيه معتقد وممارسة يتفاعل<br />
بصفة كبرية مع االرتياح النفسي، وبعبارة أخرى يؤثر يف االرتياح النفسي<br />
لألفراد الراشدين. وهذا ما يظهر يف التمثيل البياني التالي:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />
العدد الثاني<br />
جوان
Occurrences<br />
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
30<br />
20<br />
10<br />
Religiosité<br />
élevee<br />
0<br />
2,32 3,92 4,76 5,52 6,16 6,80 7,44 8,08 8,72 9,36<br />
3,40 4,40 5,12 5,84 6,48 7,12 7,76 8,40 9,04 9,68<br />
faible<br />
Bien ètre<br />
الرسم البياني رقم<br />
:10<br />
معدالت األفراد على مقياس االرتياح<br />
النفسي حسب مستوى التدين<br />
نالحظ من خالل املنحنى أنه هناك اختالف بني األفراد اللذين<br />
يظهرون مستويات عالية من التدين واللذين يظهرون مستويات متدنية يف<br />
معدل درجاتهم على مقياس االرتياح النفسي لصاحل األفراد األكثر<br />
تدينا، مع العلم أن هذه الفروق دالة إحصائيا كما سبق وأشرنا إىل ذلك.<br />
إذا ميكننا القول أن مستوى التدين العالي يتفاعل باإلجياب مع الصحة<br />
النفسية لألفراد الراشدين، فقط يبقى علينا أن نبني ما إذا كان هناك<br />
فرق بني املعتقد واملمارسة يف تأثريهما على الصحة النفسية لألفراد<br />
)االرتياح النفسي( مع العلم أن حتليل التباين املتعدد قد أظهر وجود تفاعل<br />
دال إحصائيا بني االرتياح النفسي وكل من املعتقد واملمارسة الدينية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />
العدد الثاني<br />
جوان
Occurrences<br />
Occurrences<br />
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
30<br />
20<br />
10<br />
Croyance<br />
élevée<br />
0<br />
2,32 3,92 4,76 5,52 6,16 6,80 7,44 8,08 8,72 9,36<br />
3,40 4,40 5,12 5,84 6,48 7,12 7,76 8,40 9,04 9,68<br />
faible<br />
Bien étre<br />
الرسم البياني رقم<br />
:12<br />
حسب مستوى التدين يف قطبه املعتقد.<br />
معدالت األفراد على مقياس االرتياح النفسي<br />
30<br />
20<br />
10<br />
Rite<br />
éleve<br />
0<br />
2,32 3,92 4,76 5,52 6,16 6,80 7,44 8,08 8,72 9,36<br />
3,40 4,40 5,12 5,84 6,48 7,12 7,76 8,40 9,04 9,68<br />
faible<br />
الرسم البياني رقم<br />
Bien étre<br />
:11<br />
النفسي حسب مستوى التدين يف قطبه املمارسة.<br />
من خالل التمثيل البياني<br />
معدالت األفراد على مقياس االرتياح<br />
) و22 22(<br />
وبالرغم من وجود تفاعل دال<br />
إحصائيا بني االرتياح النفسي وكل من املعتقد الديين واملمارسة الدينية،<br />
ميكننا القول بأن املعتقد أكثر تفاعال مع الصحة النفسية) الا رتياح<br />
النفسي( بصفة عامة؛ حيث يربز بصورة واضحة الفرق يف معدالت األفراد<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
على مقياس االرتياح النفسي حسب مستوى املعتقدات الدينية لصاحل<br />
املعتقد الديين العالي، يف حني تبقى الفروق يف املعدالت على مقياس<br />
االرتياح النفسي أقل وضوحا حسب املمارسة الدينية، ويظهر جليا نوع من<br />
التقارب بني اجملموعتني<br />
دينية منخفض(.<br />
(<br />
تسمح لنا هذه النتيجة بأن نقول:"<br />
مستوى ممارسة دينية عالي ومستوى ممارسة<br />
أن املستوى العالي من التدين<br />
يتفاعل اجيابيا مع االرتياح النفسي لألفراد أي مع صحتهم النفسية،<br />
فكلما كان مستوى تدين الفرد عاليا كلما كانت العواطف اإلجيابية<br />
لديه هي املسيطرة، وبالتالي كان مستوى ارتياحه النفسي كبريا،<br />
وهوالشيء الذي يؤثر إجيابيا على مستوى الصحة النفسية بصفة عامة.<br />
كما ميكننا أيضا أن نفرق بني تأثري قطيب التدين<br />
)املعتقدات<br />
واملمارسات(؛ فاملعتقد الديين على ما يبدوأكثر تأثريا من املمارسة الدينية<br />
يف مستوى االرتياح النفسي بصفة عامة ويف الصحة النفسية".<br />
نصل هنا إىل طرح تسأل مهم حول أثر التدين يف الصحة النفسية،<br />
على ما يبدوفالدين الشعيب له أثر إجيابي على صحة األفراد يف اجملتمع<br />
اجلزائري، وألننا ال ننفي إمكانية تأثري املعتقد الديين على صحة األفراد<br />
وسالمتهم العقلية والنفسية واالجتماعية، فهذا يقودنا إىل احلديث عن<br />
طبيعة التدين يف حد ذاته.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 200<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
قائمة املراجع:<br />
طواليب نور الدين<br />
)0988(، الدين والطقوس و التغريات،<br />
اجلزائر، ديوان املطبوعات اجلامعية.<br />
حممد مكحلي<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
ترمجة وجيه البعيين،<br />
قراءة انثروبولوجية لظاهرة الوعدة: من الطقوس العقائدية<br />
/2<br />
32:<br />
:<br />
،)2117(<br />
إىل التعبريات احلضارية، جملة العلوم االنسانية،السنة الرابعة<br />
موقع<br />
ك العدد<br />
www.4shared.com يوم .2101/11/21<br />
مداس فاروق<br />
املدني.<br />
فروم ايريك<br />
مكتبة غريب.<br />
ماري إلياس<br />
)2111(، قاموس مصطلحات علم االجتماع، الطبعة األوىل، اجلزائر، دار<br />
)2111(، الدين والتحليل النفسي، ترمجة فؤاد كامل، اإلسكندرية،<br />
)2119(، مفهوم املسرحة، جملة نزوى، العدد 11.<br />
فراس السواح)2118(، األسطورة والطقس، جملة معابر، اإلصدار احلادي عشر،<br />
،www.maaber.org تصفح يوم 2101/11/21م على الساعة 08:11<br />
Argyle (1987)، La psychologie de bonheur، Newyork، Methuen.<br />
Bergeret. J (2008)، Psychologie pathologie، 10 eme Ed، Paris،<br />
Masson.<br />
Bordeleau.M ، et al ) 2119(<br />
. La santé mentale : l’affaire de tous،<br />
pour une approche cohérant de la qualité de vie، centre<br />
d’analyse stratégique، www.stratégie.gouv.fr. consulté le<br />
20/05/2010.<br />
Boudon .R، Phillips. B، Cherkaoui. M، Bernard. P (2001)<br />
Dictionnaire de sociologie، Paris، Ed du Club France loisir.<br />
Boudon. R et coll. (2005)، Dictionnaire de sociologie، 1ere Ed،<br />
Paris Larousse.<br />
Chelhod. J (1986)، Les structures du sacré chez les arabes،<br />
Paris، Maison neuve et la rose.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 202<br />
العدد الثاني<br />
جوان
التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />
أ. جعدوني زهراء أ. بوقريرس فريد<br />
Douchin. E (2009)، Religion، magie، superstitions et sectes،<br />
conférence du 05 février 2009.<br />
Freud. S. (1930)، Malaise dans la civilisation، Paris، Payot،<br />
1971.<br />
Freud. S. (1933)، Nouvelles Conférences d’introduction à la<br />
psychanalyse، Paris، Gallimard، 1984.<br />
Freud، S. (1941). Abrégé de psychanalyse، Paris، PUF، 1950،<br />
1979<br />
Freud. S (1927)، Avenir d’une illusion، Paris، PUF، 1973.<br />
Gaudeul. J-M، (2004)، Changement d’affiliation entre<br />
christianisme et islam، Etude 2004/5، Tome 401، In<br />
WWW.Cairn.info/article.php.<br />
HAMEL. S ; DUBE. M ; LEFRANCOIS. R، COUTURE. M<br />
(2003)، Actualisation transcendante et activités<br />
spirituelles/religieuses chez les personnes âgées de plus de 60<br />
ans، Revue québécoise de psychologie، vol. 24، n o 3، 2003.<br />
Laplanche. J et J. Pontalis،(2008)، Vocabulaire de la<br />
psychanalyse، PUF، paris، 1967.<br />
Nasio. J-D (2001)، Enseignement des 7 concepts cruciaux de la<br />
psychanalyse، Paris، Payot.<br />
Okun. MA، Stock. WA (1987)، Correlates and components of<br />
subjective well beingamong the elderly، Jappel Gerontoc.<br />
Pierre. L et Paul. A (1977)، Petit Larousse Illustré، 1 ere Ed،<br />
Paris، librairie Larousse<br />
Tarot. C (2008)، le symbolique et le sacré: théories de la<br />
religion، Paris، édition la découverte- MAUSS.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />
العدد الثاني<br />
2102 جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
املؤسسة الدينية<br />
مقدمة:<br />
:<br />
املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة،<br />
جامعة معسكر.<br />
لقد عرفت اجملتمعات اإلنسانية القدمية واحلديثة، املتطورة<br />
واملتخلفة ظاهرة الدين، فهو يعترب من مستلزمات وضروريات احلياة<br />
االجتماعية، حبيث ال ميكن لإلنسان االستغناء عنه، مما له من أهمية<br />
داخل احلياة االجتماعية سواء على املستوى الفردي أو على املستوى<br />
اجلماعي، سواء على مستوى العالقات )املعامالت( أو على مستوى<br />
املمارسات )السلوكات(. فالدين هو روح اجملتمع.<br />
فاملظهر االجتماعي للدين يتجسد يف شكل مؤسسات خمتلفة<br />
ومتعددة ومتنوعة األدوار والوظائف واألهداف وبعبارة أخرى فالوجود<br />
االجتماعي للدين يكون يف شكل مؤسسة وهنا نكون يف صلب املداخلة<br />
املعنونة "باملؤسسة الدينية املفهوم واألشكال". وقبل التطرق للحديث عن<br />
مفهوم وأشكال املؤسسة الدينية سنشري إشارة قصرية إىل تاريخ ظهور<br />
وبروز هذا النوع من املؤسسة، يف احلقيقة إن املؤسسات الدينية مل يعرفها<br />
اإلنسان كما عرف ظاهرة الدين منذ أن دب على وجه األرض، بل عرفها<br />
بعد فرتة طويلة من الزمن عرب مراحل تارخيية، أي أن مأسسة الدين ليست<br />
قدمية قدم الدين ذاته، فقد أكدت نتائج التنقيب األركيولوجي يف<br />
مواقع أو فرتة العصر احلجري أن اجملتمعات اإلنسانية يف ذلك الوقت<br />
عاشت وفق معتقداتها ومارست طقوسها وقصت أو روت أساطريها دون<br />
مؤسسة دينية تشرف وتوجه وجتعل من نفسها السلطة املرجعية العليا داخل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
-1<br />
اجملتمع. فبالرغم من وجود أفراد متميزون يف تلك الفرتة )العصر<br />
احلجري(، كانوا يقومون باإلشراف على الطقوس الدينية والتوسط بني<br />
العامل الدنيوي والعامل الديين )القدسي(، إال أن هؤالء األفراد مل يتخذوا<br />
صفة الكهان املرمسني باملعنى املعروف اليوم، ومل يتمتعوا بسلطة مطلقة<br />
على احلياة الدينية ألفراد اجملتمع، وهذا ما يشري إىل أن وجود الكهنة<br />
مرتبط بوجود املؤسسة الدينية يف حد ذاتها. وقد عرفت اجملتمعات ظاهرة<br />
املؤسسة الدينية مع ظهور اجملتمعات الزراعية، حيث ظهرت بشكلها<br />
البسيط أي عبارة عن كهوف وبيوت وأكوايف كأماكن للعبادة، ثم<br />
تطورت وأخذت أشكاال وأنواعا متعددة ومعقدة متثلت يف املعابد<br />
واملساجد والكنائس واألحزاب الدينية...اخل.<br />
إذن ظهور املؤسسة الدينية يف شكلها احلديث مرتبط حبضارة<br />
املدينة. وبهذا فإن انتشار هذه املؤسسات الدينية وتوسع نطاقها داخل<br />
اجملتمع يكون دائما بشكل متدرج ال دفعة واحدة، فالظروف االجتماعية<br />
واملعيشية لإلنسان املتدين هي اليت ختلق له طرقا إلجياد أو ابتكار<br />
مؤسسات دينية تتأقلم مع الوضع الذي يعيش فيه وبعبارة أخرى فإن تطور<br />
وتوسع وتزايد املؤسسات الدينية يتزامن مع تطورات التاريخ حبد ذاته.<br />
ولكن ماذا نعين باملؤسسة الدينية؟ وفيما تتمثل أهميتها؟ وما هي<br />
األهداف اليت يسعى املسجد لتحقيقها؟ وما نوع العالقة السائدة فيه؟<br />
مفهوم املؤسسة الدينية: تعد مشكلة التعريف باملفاهيم<br />
وحتديدها من املشكالت األساسية يف التحليل وخنص بالذكر يف<br />
التحليل االجتماعي، إذ تتعدد وتتداخل التعريفات للمفهوم الواحد األمر<br />
الذي خيلق لنا االضطراب واللبس عند استعمال هذه املفاهيم. ويرجع عدم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
)1<br />
)2<br />
اتفاق الباحثني واملفكرين يف حتديد تعريف واحد للمفهوم لألسباب<br />
التالية:<br />
تعكس التعاريف ختصص ووجهة نظر الباحثني<br />
أن الظواهر االجتماعية عامة تكون متعددة املتغريات، كما<br />
أنها تعكس خربات ومعاني األفراد واجلماعات اليت ختتلف من جمتمع<br />
آلخر ومن زمن آلخر.<br />
ونظرا لتعدد وتنوع تعاريف النظرية ملفهوم املؤسسة الدينية سأعتمد<br />
يف هذه املداخلة على طرح أو عرض تعريف شامل وعام للمؤسسة جيمع<br />
بني البنية والوظيفة هذا من جهة ومن جهة أخرى عرض خصائص وأهمية<br />
املؤسسة حتى يكون التعريف شامال وعاما وواضحا.<br />
املؤسسة الدينية: هي هيئة اجتماعية تسعى لتحقيق أهداف حمددة،<br />
حبيث هلا حمددات واضحة وكذلك بناء وظيفي واضح ومقصود، وهي<br />
متعددة األشكال واأللوان.<br />
يف حني جند<br />
Hoult. F. T<br />
يعرف املؤسسة الدينية: "بأنها عبارة<br />
عن منظمة رمسية ذات السمة الدائمة واملستمرة كوزارة األوقاف أو<br />
املساجد أو أماكن العبادة األخرى التابعة أو اخلاصة باألديان البدائية<br />
والفلسفية والسماوية"<br />
)1(<br />
إن حتليل هذه التعاريف سيكون انطالقا من املستويات التالية<br />
واليت من خالهلا نتعرف على ماهية املؤسسة الدينية.<br />
-1 -1<br />
على مستوى اخلصائص واملميزات:<br />
للمؤسسة الدينية طابع أو شكل رمسي له صفة االستمرارية.<br />
للمؤسسة الدينية هدف أو غرض تسعى لتحقيقه.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 207<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
أن املؤسسات الدينية هي ظاهرة تارخيية واجتماعية ارتبطت<br />
باألديان والعقائد كافة.<br />
ختتلف أشكال املؤسسات الدينية وتركيبها باختالف جمموعة<br />
الوظائف اليت تقوم بها واليت تتشابك وتتداخل فيما بينها وبدرجات<br />
متفاوتة، ولكن تبقى املؤسسة الدينية يف شكلها ويف مضمونها تتمثل يف<br />
كل وظيفي، يستمد أو يعتمد يف مقوماته على النظام الديين السائد يف<br />
اجملتمع. ومن بني أنواع وأشكال املؤسسات الدينية جند املسجد والزوايا<br />
واجلمعيات اخلريية ذات الطابع الديين واألحزاب الدينية، فاهلدف<br />
األساسي الذي تسعى إليه هذه املؤسسات هو نشر الثقافة الدينية وتنمية<br />
الوعي الديين وبث روح التعاون والتضامن بني أفراد اجملتمع، وبعبارة<br />
أخرى للمؤسسة الدينية بعد روحي أكثر منه مادي.<br />
ما مييز هذه املؤسسات الدينية أيضا أنها ذات طبيعة اجتماعية<br />
خاصة، حيث تتخذ لنفسها جمموعة أو نسقا من العادات واألعراف<br />
والتقاليد والتحرميات باإلضافة إىل الطقوس ومستويات السلوك والتنظيم<br />
واألدوار... وغريها من أمناط السلوك اليت ينصب اهتمامها ويربر وجودها<br />
على كل ما هو مقدس.<br />
ويف األخري تتداخل املؤسسة الدينية مع املؤسسات االجتماعية<br />
األخرى وهذا نلمسه خاصة لدى اجملتمعات العربية اإلسالمية عامة<br />
واجلزائر خاصة.<br />
حبيث حتتل هذه املؤسسات مكانة مركزية وحمورية داخل<br />
اجملتمع اجلزائري وذلك انطالقا من تسيريها وحتكمها يف احلياة<br />
االقتصادية واالجتماعية والثقافية والدينية والسياسية، يف حني جندها<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 208<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
)املؤسسات الدينية( يف اجملتمعات الغربية تعاني من التهميش واالنعزال<br />
والالمباالة فدرجتها ومركزيتها داخل اجملتمع جندها يف أدنى السلم<br />
االجتماعي وذلك راجع ألسباب نذكر منها: هيمنة وسيطرة وطغيان<br />
الكنيسة يف القرون الوسطى )عصر الظلمات( وكذلك ظهور تيارات<br />
واجتاهات نادت بفصل الدين عن الدولة أي فصل تلك املؤسسات الدينية<br />
عن نشاطات وميادين احلياة االجتماعية، الشيء الذي أضفى عليها<br />
)اجملتمعات الغربية( صفة العقالنية أي جمتمع له طابع مادي أكثر منه<br />
روحي، على عكس اجملتمعات اإلسالمية العربية اليت أضفي عليها<br />
الطابع العاطفي أي جمتمع روحاني أكثر منه مادي.<br />
-2 -1<br />
-<br />
على مستوى األهمية والوظيفة:<br />
تزايدت املؤسسات الدينية كما ونوعا، حبيث أصبح التكامل<br />
والتساند الوظيفي فيما بينها هو الصبغة السائدة الشيء الذي جعلها<br />
مسؤولة عن إشباع احتياجات األفراد املختلفة واملتعددة لدرجة أنها<br />
)املؤسسات الدينية( أصبحت مسؤولة عن غالبية أنشطة الفرد وأمناط<br />
سلوكه مبا يساعده على التوافق والتكيف واالندماج يف جمتمعه. وبعبارة<br />
أخرى فإن أهمية املؤسسات الدينية تعود أو ترجع إىل الوظائف اليت تؤديها<br />
ومن بينها: تنشئة الفرد اجتماعيا ودينيا وثقافيا وسياسيا.<br />
تعترب املؤسسة املعنية بنشر الثقافة الدينية و تنمية الوعي الديين<br />
لألفراد.<br />
تعترب وسيلة من الوسائل املؤدية للتضامن والرباط االجتماعي،<br />
وبالتالي تنمية اجملتمع وتطويره ومساعدته يف استقراره من خالل ضبط<br />
وتنظيم سلوكات أفراده.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 209<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
-<br />
كما أنها تعترب مركزا ملمارسة الطقوس الدينية كالصالة<br />
وتالوة القرآن... ونلحظ ذلك يف املساجد والزوايا.<br />
وخالصة القول أنه مهما اختلفت تلك املؤسسات وتفاوتت أهدافها<br />
وتنوعت وظائفها فإنها وجدت مجيعا خلدمة اإلنسان، وتسهيل عملية<br />
العيش يف هذه احلياة.<br />
-2<br />
بن تهامي منوذجا<br />
مسجد<br />
-1<br />
-2<br />
السلوك التنظيمي داخل املؤسسات الدينية: مسجد مصطفى<br />
تعريف املسجد:<br />
إن أول مسجد شيده الرسول صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه هو<br />
"قباء" حبيث كان أول منارة دينية شيدت يف اإلسالم. "فكلمة<br />
مسجد من الناحية اللغوية تطلق على كل مكان يسجد فيه، وبعد بعثة<br />
الرسول صلى اهلل عليه وسلم أصبح يطلق على املكان املخصص إلقامة<br />
الصلوات اخلمس"<br />
2<br />
.<br />
فاملسجد باملعنى االصطالحي هو مكان مقدس، حبيث تقام فيه<br />
جمموعة من الطقوس الدينية واالجتماعية كالصالة والدعاء والذكر<br />
وتعليم القرآن الكريم وبعبارة أخرى هو مركز ديين وثقايف وبوتقة<br />
للرباط االجتماعي.<br />
-2<br />
-2<br />
حملة تارخيية عن مسجد مصطفى بن تهامي: تعود فرتة<br />
تشييد مسجد مصطفى بن تهامي إىل الفرتة العثمانية على يد الباي احلاج<br />
عثمان بن إبراهيم عام 1112ه، 1717م، وقد مسي فيما مضى باجلامع<br />
الكبري. أما عن املوقع اجلغرايف للمسجد فهو يقع يف قلب مدينة معسكر<br />
بالقرب من مسجد سيدي حسن )أو مسجد املبايعة( على بعد 222م، ومن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
اجلنوب ساحة مصطفى بن تهامي ومن الشرق شوارع عمومية ومن الشمال<br />
جند محام الربكة الذي أسسه الباي احلاج عثمان بن إبراهيم.<br />
)2( 2<br />
املسجد على مساحة 1119م .<br />
-2<br />
-2<br />
يرتبع<br />
السلوك التنظيمي داخل مسجد مصطفى بن تهامي: إن<br />
السلوك التنظيمي عامة نقصد به جمموعة السلوكات واملمارسات اليت<br />
تصدر عن أعضاء املؤسسة الدينية ككل، وبصيغة أخرى هو الطابع<br />
السلوكي للمؤسسة، ما ميكن اإلشارة إليه أن هناك العديد من<br />
الدراسات اليت قامت بدراسة جمموعة من املؤسسات االجتماعية الدينية<br />
منها واالقتصادية والثقافية...<br />
كدراسة مثال كيفية إدارتها أو دراسة<br />
وظائفها أو عالقة املؤسسات بعضها البعض وكذلك عالقتها باجملتمع يف<br />
حد ذاته أو دراسة دوافع العمل فيها أو دراسة أهمية الثقافة واملعايري والقيم<br />
داخلها...اخل يف حني أن دراسيت هذه ترتكز على املؤسسات الدينية عامة<br />
واملسجد خاصة وذلك بدراسة الطابع السلوكي داخله )املسجد( باالعتماد<br />
أو اجلمع بني ثالثة أبعاد تتمثل فيما يلي:<br />
/1<br />
/2<br />
داخل املسجد.<br />
/2<br />
األهداف التنظيمية: أي اهلدف الذي يسعى املسجد لتحقيقه.<br />
املنايف التنظيمي:<br />
الفعالية التنظيمية<br />
:<br />
وهذا البعد يرتبط مبشاعر واجتاهات األفراد<br />
وفيه<br />
داخل املسجد وكذلك أمناط االتصال داخله.<br />
-1<br />
-2<br />
-2<br />
يتم دراسة أمناط أو أنواع السلطة<br />
أهداف املسجد: يتعلق وجود أي مؤسسة دينية مبدى<br />
سعيها حنو حتقيق أهداف حمددة قد رمستها من قبل أي أن استمرار أي<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 220<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
)1<br />
)2<br />
مؤسسة دينية يتوقف على مدى جناحها يف حتقيق أهدافها، وللوصول إىل<br />
مبتغاها )حتقيق هدفها( وجب عليها توفري الشروط التالية:<br />
أن تكون أهداف املؤسسة واضحة<br />
أن تكون أهدافها ذات أثر إجيابي ونفعي على األفراد سواء<br />
املستفيدين أو األعضاء )املشاركني يف املؤسسة(.<br />
)2<br />
)1<br />
)2<br />
أن توفر املؤسسة ألعضائها إمكانيات مادية وإمكانيات<br />
معنوية، ألن هذه اإلمكانيات تعترب عامل من العوامل املساهمة يف جناح أو<br />
فشل املؤسسة. وتعترب هذه الشروط كمفتاح للنجاح أمام أي مؤسسة ولذا<br />
وجب عليها )املؤسسة( استعماله لضمان جناحها واستمرارها داخل<br />
اجملتمع، وبصيغة أخرى تعترب هذه الشروط عامال من عوامل جناح أي<br />
مؤسسة سواء كانت دينية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.<br />
ومبا أن املسجد كغريه من املؤسسات الدينية يسعى هو بدوره<br />
لتحقيق أهداف معينة واليت تتسم بالوضوح والدقة وهي كاآلتي:<br />
يسعى املسجد لنشر تعاليم الدين اإلسالمي<br />
تنمية الوعي الديين لدى أفراد اجملتمع<br />
2( ضبط وحتديد سلوكات األفراد أي حتديد إطار سلوكي معني<br />
من جوانب عدة، من جانب املمارسات )احلث على املمارسات الدينية<br />
كالصالة والزكاة والصوم، قراءة القرآن،... أي كل املمارسات اليت<br />
تؤدي إىل العبادة "عبادة اخلالق عز وجل"( ومن جانب املعامالت أن تكون<br />
العالقة بني األفراد عالقة مسلم بأخيه، املسلم أي أن تتسم بطابع<br />
اإلنسانية واألخالق، أي التحلي مبجمل الصفات احلميدة كالرأفة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 222<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
)1<br />
باملساكني والفقراء ومساعدة اليتيم والتخفيف عن أمله وعن وحدته،<br />
احلث على التعاون والتضامن والتكافل االجتماعي وزيارة املريض...اخل.<br />
الدعوة إىل االبتعاد عن االحنراف االجتماعي واملشاكل<br />
االجتماعية كالسرقة والقتل واالغتصاب...وغريها من الرذائل اليت تضر<br />
باإلنسان وتسبب له الدمار واهلالك يف الدنيا واآلخرة.<br />
تتسم أو تتميز أهداف املسجد بالفعالية ملا هلا من أثر إجيابي على<br />
اجملتمع وعلى أفراده، حبيث تساهم يف استقرار واستمرار اجملتمع، وذلك<br />
من خالل توحيد أفراده )اجملتمع( جبمع مشلهم يف خطاب ديين، سواء يف<br />
فرتة املناسبات الدينية االجتماعية )االحتفاالت( أو يف وقت الصالة<br />
)الصلوات اخلمس: الفجر والظهر والعصر واملغرب والعشاء(، وبصيغة<br />
أخرى يعترب املسجد بوتقة للرباط االجتماعي حيث يتم الربط بني خمتلف<br />
الطبقات االجتماعية أي ربط الفقري بالغين واجلاهل باملتعلم واألجنيب<br />
بالعربي واألسود باألبيض والكبري بالصغري.<br />
كما أن تلك األهداف تساهم بصورة أو بأخرى يف تنشئة الفرد<br />
اجتماعيا ودينيا وثقافيا. أما عن أعضاء املسجد "املقيم واإلمام" فهم<br />
بدورهم ينتفعون مثلما ينتفع أفراد جمتمعهم فعملهما داخل املسجد له<br />
مقابل سواء من الناحية الدينية حبيث جيازيهم اهلل أجرا ومنفعة يف الدنيا<br />
واآلخرة أو من الناحية االجتماعية فهم يتقاضون أجرا مقابل عملهم هذا<br />
)أي املساهمة يف حتقيق األهداف أو الرسالة اليت وجد من أجلها<br />
املسجد(، زيادة عن ذلك فهم يقومون بتكوين عالقات اجتماعية متنوعة<br />
مع أفراد جمتمعهم واليت تتلخص يف املودة والتعاطف والتآلف والتضامن<br />
والتسامح... وغريها من القيم األخالقية النبيلة.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
وفيما خيص توفر اإلمكانيات داخل املسجد جند أنها متوفرة سواء<br />
إن تعلق األمر باإلمكانيات املادية "كتوفر كتاب القرآن الكريم بأعداد<br />
كبرية، وكذلك وجود كتب خاصة بالثقافة الدينية اإلسالمية،<br />
ككتب فقه السنة وكتب خاصة بالدعاء )حصن املسلم(، كما جند<br />
أيضا توفر اإلنارة واملاء والزرابي وغريها من األشياء.<br />
أما عن اإلمكانيات املعنوية اليت جندها يف املسجد ميكن<br />
إجيازها أو عرضها يف النقاط التالية:<br />
- 1<br />
- 2<br />
اهلدف املنشود للمؤسسة<br />
- 2<br />
هذه األهداف<br />
- 1<br />
الرضا عن العمل من طرف القيم واإلمام<br />
وجود عاملي التفاهم والتعاون بني القيم واإلمام لتحقيق<br />
إميان واقتناع كل من القيم واإلمام بأهمية وضرورة حتقيق<br />
الشعور بالثقة املتبادلة بني اإلمام والقيم الشيء الذي يؤدي إىل<br />
االستقرار والراحة النفسية.<br />
ما ميكن اإلشارة إليه أن اإلمكانيات املعنوية تساهم بشكل<br />
كبري يف تأدية رسالة املسجد ذلك ألن اجتاهات وأحاسيس الفرد هلا تأثري<br />
قوي على عمله، حبيث قد تؤدي إىل جناحه أو فشله، تطوره أو تدهوره،<br />
استقراره أو عدم استقراره.<br />
وخالصة القول: إن الشروط اليت مت عرضها سابقا لنجاح هدف أي<br />
مؤسسة )دينية أو غري دينية( جندها متوفرة يف مسجد مصطفى بن تهامي<br />
انطالقا من وضوح اهلدف وأثره اإلجيابي على أعضاء املسجد وأفراد<br />
اجملتمع وأخريا توفر فيه اإلمكانيات املادية واملعنوية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
-2 -2 -2<br />
العالقات االجتماعية املهنية داخل املسجد:<br />
يعترب املسجد بناء قائما على نسيج من العالقات االجتماعية، حبيث<br />
تتشابك فيه العالقات والعمليات وتكثر اللوائح والتعليمات واألوامر. وهذه<br />
العالقة تكون نتيجة اتصال األفراد مع بعضهم البعض. فاالتصال يعترب<br />
ضرورة إنسانية، واجتماعية لتماسك األفراد واجلماعات وهو القدرة على<br />
مشاركة اآلخرين أفكارهم وخرباتهم ومعرفة حاجاتهم والعمل على<br />
إشباعها، فاالتصال هو عملية التفاعل االجتماعي بني األفراد يف موقف<br />
اجتماعي معني.<br />
ويتخذ االتصال أشكاال خمتلفة ومتنوعة فمنه ما حيدث بني<br />
املنظمات واملؤسسات واهليئات ومنه ما يتم عن طريق التفاعل املباشر،<br />
ومنه ما يتم عن طريق وسائل اإلعالم ومنه ما حيدث بني األفراد، وهنا<br />
وحنن يف صدد احلديث عن الشكل األخري من االتصال أال وهو االتصال<br />
بني األفراد يف مكان معني )املسجد(. فاالتصال داخل مسجد مصطفى بن<br />
تهامي يتسم بالرمسية ذلك ألن عملية االتصال بني اإلمام والقيم قائمة على<br />
أساس مهين أي اتصال أعضاء املسجد )القيم واإلمام( يكون يف إطار<br />
العمل فقط. الشيء الذي يشري إال انعدام االتصاالت الغري الرمسية القائمة<br />
أو اليت تقوم على أساس العالقات الشخصية واالجتماعية واخلارجة أو<br />
البعيدة عن نطاق العمل، بالرغم من أن كل من اإلمام والقيم يقطنان يف<br />
نفس املدينة "مدينة معسكر" إال ان االتصال بينهما منعدم، زيادة عن ذلك<br />
فهما ينتميان إىل نفس الفئة العمرية أي يف الستينات من العمر"فسن القيم<br />
12 سنة وسن اإلمام 11 سنة(.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
وهنا يظهر لنا أنه ال توجد عوائق تعيق عملية االتصال سواء<br />
االتصال الرمسي الذي جنده داخل املسجد أو االتصال الغري الرمسي الذي<br />
ال جنده داخل املسجد أي منعدم، ويف هذه احلالة تظهر وظيفة وأهمية<br />
املؤسسة الدينية عامة واملسجد خاصة يف تكوين عالقات اجتماعية حتى<br />
يف شكلها أو طابعها الرمسي، فهي بصورة أو بأخرى تؤدي إىل اتصال<br />
األفراد بعضهم بعض.<br />
باإلضافة إىل وجود السلوك االتصالي داخل املسجد، فإننا جند<br />
أيضا سلوكا آخر أال وهو السلطة وهذه األخرية يعرفها فايول<br />
(Henri<br />
Fayol)<br />
-1<br />
-2<br />
بأنها: "احلق يف إصدار األوامر وقوة احلصول على الطاعة" )1( .<br />
فالفرد عندما ميتلك السلطة فهو ميتلك بذلك احلق يف وضع قوانني<br />
داخل املؤسسة وإصدار القرارات واألحكام يف مسائل معينة الشيء الذي<br />
خيوله للتصرف كقائد يف توجيه اآلخرين وإدارة املؤسسة.<br />
فاحلديث عن السلطة داخل املسجد جند أنها تنقسم إىل ثالث<br />
أقسام: السلطة الرمسية والسلطة الوظيفية والسلطة الشخصية.<br />
السلطة الرمسية: إن تعيني كل من القيم واإلمام يكون من<br />
طرف وزارة الشؤون الدينية املرتبطة بالدولة وبهذا فإن توظيفهما<br />
ووجودهما داخل املسجد له طابع رمسي، فعملهما يتمثل يف السعي لتحقيق<br />
هدف املسجد، ومقابل هذا العمل يتقاضيان أجرهما كل شهر من طرف<br />
الدولة اجلزائرية.<br />
السلطة الوظيفية: ويتمتع بها كل من القيم واإلمام انطالقا<br />
من العمل اللذان يقومان به، حبيث يتمثل عمل القيم يف فتح املسجد<br />
وغلقه، يفتحه عند صالة الفجر ثم يغلقه ثم يعود ليفتحه مرة أخرى على<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
12922 الساعة<br />
زواال إىل غاية<br />
21912<br />
-2<br />
ليال أي بعد االنتهاء من صالة<br />
العشاء مباشرة، كما يقوم أيضا بدور املؤذن، كما يسعى إىل احلفاظ<br />
عل نظافة املسجد وعلى األشياء املوجودة فيه من كتب وزرابي... باختصار<br />
فهو يقوم بتسيري وتنظيم املسجد.<br />
يف حني جند أن عمل اإلمام يتمثل يف إلقاء اخلطب الدينية والدروس<br />
اليت تعقب كل صالة واحملاضرات اليت يلقيها يف فرتات دورية أو يف<br />
مناسبات خاصة )مثل يوم العلم، االحتفال بعيد االستقالل واالحتفال<br />
باملولد النبوي الشريف...( كما يقوم بدور القائد يف أداء صالة اجلماعة،<br />
باإلضافة إىل حل النزاعات بني األفراد وبالتالي إقامة الصلح فيما بينهم.<br />
باختصار تعتمد السلطة الوظيفية على اخلربة واملعرفة يف العمل<br />
وهذان العنصران أو العامالن متوفران يف القيم واإلمام.<br />
السلطة الشخصية: وهذه السلطة جندها عند اإلمام فقط<br />
واليت تكمن يف مؤهالته وكفاءته العلمية وقدرته على اإلقناع أي أنه<br />
ميتلك القدرة يف التأثري على سلوكات األفراد، اليت حتقق له يف األخري<br />
النفوذ واملركز االجتماعي الذي حيتله داخل اجملتمع عامة واملسجد<br />
خاصة.<br />
ومما مت ذكره ميكن اإلشارة إىل أن عملية التسيري والتنظيم داخل<br />
املسجد املبنية أو القائمة على العالقات الرمسية بني األفراد تطابق املبادئ<br />
اليت نادت بها النظرية التايلورية<br />
واليت من أبرزها:<br />
(Taylorism)<br />
-1<br />
أي نظرية اإلدارة العلمية<br />
املناداة بضرورة تقسيم العمل داخل املؤسسة وأهمية اإلشراف<br />
الدقيق على العمل وذلك من اجل جناح املؤسسة يف حتقيق هدفها.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 227<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />
لغرس سهيلة<br />
-2<br />
كما أشار أيضا إىل أهمية األجر باعتباره احلافز الرئيسي<br />
الذي حيفز اإلنسان على أداء عمله على أحسن وجه.<br />
إذن املبادئ اليت يقوم عليها املسجد تشري إىل جناحه يف حتقيق<br />
هدفه )رسالته(.<br />
اخلامتة<br />
إن اختالف املؤسسة الدينية يف أشكاهلا ووظائفها يؤدي بالضرورة<br />
إىل اختالفها يف طريقة التسيري والتنظيم.<br />
اهلوامش:<br />
1- Hoult F.T. (1988). The sociology of religion. New<br />
york. P97<br />
-2<br />
-2<br />
-1<br />
مدحية حممد سيد ابراهيم. )ب ت( .<br />
ص212.<br />
حييى بوعزيز. )ب ت( .<br />
ص228<br />
بورحلة عالل<br />
)2221( .<br />
علم االجتماعي الديين.<br />
املساجد العتيقة بالغرب اجلزائري.<br />
حتليل<br />
املنظمات.<br />
والنشر والتوزيع. اجلزائر. سيدي بلعباس. ص82<br />
القاهرة<br />
اجلزائر<br />
مكتبة الرشاد للطباعة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 228<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
)تديكلت وهلقار أمنوذجا(<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
املركز اجلامعي غرداية.<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
تعد املؤسسات الدينية فاعال رئيسا يف اجملتمعات اإلسالمية، ذلك<br />
من خالل األدوار املنوطة بها، وهذا ليس بدعا إذ إنها منذ القرون كانت<br />
هي الصمام واحلافظ واالمسنت الواقي الذي وسخ كيان هذه اجملتمعات<br />
عقديا وسلوكا من خالل حماربة البدع واخلرافات وتصديها حملاوالت<br />
املسخ الذي تتعرض له بلدانها من جراء االحتالل األجنيب واحلمالت<br />
الصليبية املسعورة وغريها، اصة يف جزائرنا العميقة، ومن ذلك مناطق<br />
اجلنوب اجلزائري.<br />
فهذه الورقة أحببنا أن منيط الغبار عن بعض هذه املؤسسات، ممثلة<br />
يف الكتاتيب والزوايا واحللل من حيث دورها التعليمي والدعوي اصة.<br />
وخطتنا يف ذلك:<br />
معامل الورقة.<br />
الدرس التعليمي مبؤسساتها الدينية.<br />
بعض املؤسسات الدينية.<br />
نتائج واقرتاحات.<br />
أوال: معامل الورقة: نبدأ من حيث انتهينا، تديكلت، هلقار،<br />
الكتاتيب، الزوايا، احللل.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 229<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
.6<br />
تديكلت: عاصمتها مدينة عني صاحل، وهي نقطة تقاطع والية<br />
أدرار بوالية متنراست، كلمة بربرية، وإديكل هو الكف، أو راحة اليد.<br />
)التومي سعدان، 11( 1888:<br />
تقع وسط الصحراء بني توات غربا وهضبة تادمايت ماال وهصبة<br />
مويدر جنوبا، تبعد عن العاصمة ب<br />
أولف، أنيغر، فقارة الزوى. تيط وغريها.<br />
6175 كلم.<br />
.1<br />
تضم دائرة عني صاحل،<br />
هلقار: عاصمتها متنراست مقر الوالية، وهي سلسلة جبلية،<br />
أصل التسمية خمتلف فيه: قيل حشرة تسمى تامنغاست كانت تعيش<br />
هناك، وبعضهم يرجعها إىل أمرية امسها "تامن" غرقت بواد كانت تستحم<br />
فيه بهذه املنطقة، فراح األهالي يصرخون ويصيحون "تامن غاست" أي<br />
غرقت. )حممد السويدي، 6451971(<br />
يرى اجلغرايف الفرنسي<br />
"رميون فريون .R" Furon<br />
.1<br />
أن أول من ذكر<br />
كلمة هلقار هو ابن بطوطةFuron)، ، .R (1964:2 وابن خلدون يسمى<br />
"هلقار" هكاره أو اهلكار ويرجعها إىل كلمة هواره )عبد السالم<br />
بوشارب، 61(، 6448: سكان تديكلت وهلقار: عرب وبربر.<br />
الكتاتيب: مجع كُتَاب، مدرسة تقليدية صغرية لتعليم الصبيان<br />
القراءة والكتابة وحتفيظهم القرآن )جمموعة أساتذة،ب ت:<br />
،)6815<br />
يقول الدكتور حيي بوعزيز: "وهذه الكتاتيب أحيانا بيوت منفردة وأحيانا<br />
جممعات من البيوت خمتلفة األحجام واألشكال".<br />
ويف هذه املناطق يقول عبد السالم: هي مؤسسات تعليمية شعبية<br />
أهلية بسيطة كانت حتمل تارة على ظهور اجلمال وتارة حتت سقف سعف<br />
النخيل، ومنها على سبيل املثال مدرسة )تيزقداوين(، ويتمركز حول هذه<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
املدارس املوجودة باحلالت معلمون يامهم وتالميذهم االبتدائيني<br />
مشكلني بصورة مصغرة للمؤسسات التعليمية املتنقلة)عبد السالم<br />
بوشارب، .)46 :6448<br />
.9<br />
أي أن الكتاتيب قد تتخذ يف خيم.<br />
الزوايا: مجع زاوية، من دالالتها مسجد غري جامع ليس فيه<br />
منرب، وهو مأوى للفقراء واملتصوفني)جمموعة أساتذة،ب ت:<br />
.)848<br />
.8<br />
والزاوية مشتقة من زوى أي مجع ألن فيها جتتمع الضيوف والفقراء وطلبة<br />
العلم، وجيمع املال هلا بالطرق املشروعة لتمويلها وتسيري نظمها.<br />
والزوايا: جممعات من البيوت واملنازل املختلفة األشكال واألحجام،<br />
تشمل على بيوت للصالة كمساجد، وغرف لتحفيظ القرآن الكريم<br />
وتعليم العلوم العربية واإلسالمية، وأخرى لسكنى الطلبة وطهي الطعام،<br />
وختزين املواد الغذائية والعلف، وإيواء احليوانات اليت تستعمل يف أعمال<br />
الزاوية.<br />
احللل: مجع حلة من حلَ، حبلَلْت، حيُلْ/حيِلّ حال وحلوال، حالّ،<br />
املكان وبه: نزل وعكسه، ارحتل، يقول تعاىل: "أو حتل قريبا من<br />
دارهم".<br />
جاء يف املصباح املنري: "واحلِلَة بالكسر، القوم النازلون، وتطلق<br />
على البيوت جمازا تسمية للمحل باسم احلال، وهي مائة بيت فما فوقها<br />
واجلمع حِالل بالكسر وحِلل مثل سدة وسِدر )الفيومي<br />
املقرئ،6448958( واحلِلّة: منزل القوم ومجاعة البيوت وجمتمع الناس،<br />
مجع حالل وأحلَة )جممع اللغة العربية: 679(. 6471:<br />
ولك أن جتعل احللة من احللول يف املكان، ألن احللة اليت نتحدث<br />
عنها أهلها صحراويون، وقد يكون أغلبهم رحّل ينصرفون عادة إىل احلل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
والرتحال، يقول حممد أداس: "ذلك أن احللة نفسها جمهولة وأهلها<br />
صحراويون غالبهم مل يدخل حضارة قط، اللهم إال بعض األفذاذ من<br />
العلماء كاملختار الكنيت الكبري وحفيده الشيخ باي بن سيدي اعمروا<br />
والشيخ سيدي حممد بن باد الكنيت، رحم اهلل اجلميع )حممد أداس، ب<br />
ت: 86(.<br />
ولك أن جتعلها من حل العقدة إذا فكها وحل املشكلة أو املسألة،<br />
فإن سراة القوم كانوا يعقدون جمالس حلل املنازعات، بل إنهم اشتغلوا<br />
بالقضاء، "فإن هؤالء الثالثة تعدت مشيختهم أخذ الورد إىل التعليم وفض<br />
اخلالفات واملنازعات واالقتداء يف النوازل والتأليف حتى صاروا املرجع<br />
الفاصل يف اخلالف بني العلماء غريهم")حممد أداس، ب ت:<br />
ويقول 86(.<br />
شيخنا يف موضع آخر: "مل يقتصر دور السوقيني على اإلفتاء والقضاء<br />
والتعليم فقط، بلد تعدى دورهم ذلك إىل اإلصالح بني القبائل املتنازعة<br />
واملتناحرة" )حممد أداس، ب ت: 68(.<br />
ثانيا: الدرس التعليمي بهذه املؤسسات:<br />
ومما ينبغي اإلشارة إليه إىل جانب هذه املعامل، دور هذه املؤسسات<br />
وأهميتها يف اجملتمع، واملصادر املالية هلذه املؤسسات الدينية، واملعارف<br />
اليت تدرّس فيها.<br />
أ. دور الكتاتيب والزوايا واحللل: ال خيتلف اثنان يف أن هذه<br />
املؤسسات قد أدت دورا هما كشريك اجتماعي ثقايف حضاري يف األمة<br />
منذ بزوغ فجر اإلسالم.<br />
يقول الدكتور حيي بوعزيز: "... وظيفتها تعليم خمتلف العلوم<br />
الدينية، وغري الدينية...، إذ مل يكن باستطاعة املسجد وحده أن يقوم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
بهذا الدور، فاهتم املسلمون بإنشاء مثل هذه املدارس وتعميمها... وجرت<br />
العادة أن تؤسس هذه املدارس جبوار املساجد، نظرا للصلة الوثيقة بني<br />
الدين والعلم". )حييى بوعزيز، 6456961(<br />
يقو بكري: "للزوايا دور كبري وهام يف صريورة احلياة الثقافية<br />
واالجتماعية بتوات، فقد اعتربت ركيزة أساسية وأداة هامة لتنمية<br />
اجملتمع التواتي، فنشأت بها العديد والكثري من الزوايا اليت اهتمت<br />
بتعليم الصبيان حروف اللغة وتدريس الطلبة علوم الفقه واللغة واحلديث،<br />
كما اهتمت بفعل اخلري واالعتناء بعابر السبيل، فاعتربت بذلك مرفأ<br />
للراحلة واألمان ومطلبا للسالمة".)التومي سعدان، 688( 1888:<br />
يقول احلاج التومي سعيدان أثناء حديثه عن تدريس القرآن الكريم<br />
والعلوم اإلسالمية: "كان التدريس جمانا يف سبيل اهلل، األمر الذي جيعل<br />
األجيال تتمسك بدينها احلنيف على بصرية، ويتخرج للمجتمع أفراد فطناء<br />
أمام أي غزو فكري أو عسكري، بل يكون اجملتمع برمته يف مناعة<br />
تامة ضد أية حماولة استدمار...".<br />
ويف الزوايا يضيف حممد باي أنها صنفان: صنف يقوم بإيواء<br />
الفقراء واملساكني والضيوف، واإلصالح بني الناس، يقول: "واهلدف من<br />
نشأتها، تقوم بإطعام الطعام للضيوف والزائرين على اختالف أغراضهم<br />
وتباين أجناسهم من قبل شيويف الزوايا... وكانت هذه وال زالت تقوم<br />
باإلصالح بني املتنازعني وتقرب بني املتباعدين... وتعمل على مساعدة<br />
الفقراء والضعفاء واملساكني...، ومن أبرز أدوارها احملافظة على الدين<br />
وإقامة اجلهاد املقدس لطرد أعداء الدين عن ديار املسلمني.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
وصنف آخر من الزوايا قائم على حتفيظ القرآن وتعليم العلم، وعلى<br />
العموم فإن من مهام الزوايا )حممد باي بعامل:1888:<br />
يلي:<br />
)111 ، ما<br />
-118<br />
.6<br />
.1<br />
.1<br />
حتفيظ القرآن وتعليم الفقه، وقراءة صحيح البخاري ومسلم<br />
وموطأ اإلمام مالك كل سنة، وهذا مشرتك بني الكتاب والزاوية واحللة.<br />
نشر اإلسالم يف كثري من أصقاع اجلنوب.<br />
مكافحة األمية.<br />
9. حضن اليتامى والقيام بشؤونهم.<br />
.8<br />
.1<br />
.7<br />
.5<br />
.4<br />
.68<br />
القيام باخلتام اجلماعي.<br />
القيام برحالت إىل احلج.<br />
تفجري الفقاقري وغرس النخيل.<br />
اإلصالح بني الناس.<br />
إحياء املواسم الدينية.<br />
وضع خزائن للمخطوطات، واحلفاظ عليها.<br />
وجاء يف مقال حممد أداس كما عند كالمه عن حركات<br />
اإلصالح عند أهل هذه احللة<br />
-<br />
-<br />
أي حلة السوقيني- يقول: "مل يقتصر<br />
دور السوقيني على اإلفتاء والقضاء والتعليم فقط، بل تعدى دورهم ذلك<br />
إىل اإلصالح بني القبائل املتنازعة واملتناحرة".)حممد أداس، ب ت: 68(<br />
واحلاصل أن هذه املؤسسات اصة منها الزاوية مجعت بني املهمة<br />
التعليمية واالجتماعية واحلزبي إىل درجة أن قاعدة انطالق اجليش املغيلي<br />
عبد الكريم املغيلي- يف حربه على اليهود، ...كان نشاطها يتجاوز<br />
الوطن إىل اخلارج وما أدل على لك من الطوارق من خارج اجلزائر كانوا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
يؤمنون بهذه املؤسسات وأقروا بأفضال تتلمذهم فيها. )أمحد<br />
احلمدي،6444- -81 :1888 )87<br />
ب. املصادر املالية للكتاتيب والزوايا واحللل: إن األهالي بالدرجة<br />
األوىل هم الذين محلوا على عاتقهم متويل هذه املؤسسات مبا يقدمونه هلا<br />
من دعم مادي ولو كانوا فقراء ناهيك عن بعض األغنياء وأموال احلبس<br />
واألوقاف."كان األهالي يف كل منطقة يزودونها مبا يكفيها من املؤن<br />
وذلك باقتطاع مساحات من األراضي الزراعية يف أماكن االستقرار لفائدة<br />
املدرسة أو الزاوية وبتعيني رؤوس من املاشية من حالة البادية )الرحل("<br />
)عبد السالم بوشارب، 48- 6448:<br />
.)46<br />
ويقول الشيخ حممد باي يف هذا الشأن: "من املوارد اليت متول منها<br />
الزوايا فيما مضى احملصوالت الزراعية وما يلحق بها من مثار النخيل،<br />
وبعضها يكون من أجل األوقاف الكثرية من قبل احملسنني، وكان<br />
أرباب الزوايا يف بعض اجلهات يعملونا جاهدين على تفجري الفقاقري<br />
وغرس النخيل وزراعة البساتني لتساعدهم يف مهمتهم النبيلة، كما كان<br />
لبعضهم قوافل جتارية جتوب وتربط بني الداخل واخلارج جللب السلع<br />
واملواد الغذائية وسائر ما حيتاجونه. )حممد باي بعامل:1888:<br />
-118<br />
)111<br />
أما الدكتور حيي فإنه يرى أن هذه املؤسسات تعتمد على مصدرين<br />
رئيسني زائد واحد تنفرد به الزاوية. )حييى بوعزيز، 11- 6456:<br />
)11<br />
-<br />
اإلعانات اليت تقدمها هلا احملسنون من األثرياء يف شكل نقود،<br />
وبضائع ومواد غذائية، وحيوانات وأدوات وألبسة ومفروشات وغريها<br />
بصفة دورية منتظمة.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
-<br />
-<br />
-<br />
أموال احلبس واألوقاف اإلسالمية اليت يوقفها عليها األشخاص<br />
واجلماعات واهليئات اخلريية.<br />
وهو ما تنفرد به الزوايا، يتمثل يف أموال الزيارات والوعادى<br />
)الوعدة( من الزوار واحملبني واألتباع، وقد جتند هذه الزوايا وفودا من<br />
تالميذها واملشرفني عليها ليخرجوا إىل األقاليم اجملاورة والبعيدة جلمع<br />
أموال الصدقات والزيارات والزكوات، وقد حيدث هذا يف مواسم معينة<br />
ومنه موسم جين احلبوب والتمر وموسم الزكاة اصة شهر حمرم<br />
)عاشوراء(.<br />
املعارف اليت تدرس يف الكتاتيب والزوايا واحللل: أشرنا فيما<br />
سبق إىل أدوار هذه املؤسسات ومن ذلك الدور التعليمي الرتبوي الذي<br />
يؤسس على معارف علمية من علوم شرعية ولغوية وعلمية.<br />
يقول بوشارب: "كانت املدارس أو الكتاتيب )أقربيش( ختضع<br />
لنظام حياة البيئة املتعارف، فهي مستقرة يف املدن، ومتنقلة يف البادية،<br />
وبالطبع كانت أهمية املدرسة متناسبة طرديا مع السكان حبيث تستمد<br />
أهمية مركزها من كثافتهم ومن مدى استقبال التالميذ وغزارة املواد<br />
اليت تدرس بها".)عبد السالم بوشارب، 46( 6448:<br />
يقول صاحب النبذة: بعد دخول اإلسالم إىل هاته املنطقة ومتكنه<br />
من قلوب أهلها، صار الناس يبحثون يف جماالته الفكرية والعلمية،<br />
فنشطت حركة العلن والتعلم، وأصبح الناس حيرصون على تعليم<br />
أبنائهم، ومن أهم مواد التعليم: العلوم واآلداب الشرعية من فقه وأصوله<br />
وتفسري ولغة عربية وتاريخ وتراجع وسري ومنطق وعلم فلك".<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
ويف جملة الثقافة: وحيضر إليها التالميذ مكن كل اجلهات<br />
القريبة والبعيدة وأحيانا من خارج البالد نفسها وينقطعون فيها حلفظ<br />
القرآن وجتويده وترتيله بصفة أساسية وتلقي بعض العلوم واملعارف األخرى<br />
الدينية واللغوية بالتبعية. )حييى بوعزيز، 18( 6456:<br />
أما الرحلة العلية فقد ورد فيها يف اللمحة الرابعة، الزوايا القائمة<br />
بتحفيظ القرآن وتعليم العلم وآثارها يف الدعوة إىل اهلل وجهاد أعدائه،<br />
مما يدلنا على أن هذه املؤسسات ال تقتصر على العلوم الشرعية فقط بل<br />
تتعدى ذلك إىل العلوم اللغوية واالجتماعية والعلمية، ذلك نستكشفه من<br />
قول حممد أداس )حممد أداس، ب ت:<br />
)61<br />
)6<br />
-<br />
وهو يتحدث عن كيفية<br />
التدريس باحللل، يقول: ثم يأخذون به يف قراءة القرآن، ثم يبدأ يف النحو،<br />
أعلم مفردات اللغة، أما علم املنطق، أما علم البالغة، أما الفقه أو الفروع<br />
أما علم أصول الفقه أما علم التفسري، أما علم النجوم والتنجيم أما علم<br />
احلساب، أما علم العقائد وهكذا مما سنراه يف طريقة التدريس بهذه<br />
املؤسسات.<br />
د. كيفية التعليم بالكتاتيب والزوايا واحللل:<br />
* كيفية التعليم:<br />
القرآن: الغالب يوجه الطفل إىل املدرسة القرآنية يف سن الرابعة<br />
)موجودة يف كل قرية أو حي، يتبع حبفل دخول(.<br />
يقدم اللوح على املعلم ليكتب فيه البسملة واآليات األخرية من سورة<br />
اإلسراء "قل ادعوا اهلل أو ادعوا الرمحن..." تيمنا بالعبادة وصحة العقيدة.<br />
كتابة احلروف اهلجائية حبسب الرتتيب املغربي.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
-<br />
يتناول احلاضرون اصة من الشيويف اللوح ليكتب كل حرفا<br />
من هذه احلروف، تربكا.<br />
-<br />
-<br />
)1<br />
-<br />
علما أن الفاء تنقط بنقطة حتتها ڢ، القاف تأخذ نقطة واحدة<br />
فوقها ف.<br />
وهناك أربعة حروف إذا أوردت يف آخر الكلمة فإنها ال تعجم<br />
)تهمل(: النون، الباء، الفاء، القاف. يقول بعضهم:<br />
حروف )ينفق( إذا نطقت فعرها من نقطها حيث أتت<br />
ثم يبدأ معه يف التلقني، حروفا ثم آيات.<br />
الكتابة: كتابة اآليات يف اللوح بقلم الرصاص، ليتابع ذلك<br />
املتعلم بقلم احلرب )الدواة(.<br />
أ. على أن يتدرب على شكل احلروف والتفريق بينها ويتقنها.<br />
ب. نقلها مباشرة من املصحف أو الربع بالسمايف.<br />
ج. ميلي عليه الشيخ اآليات، وهذا بعد أن يكون قد أتقن كتابة<br />
احلروف )خطا ووضوحا( على أن تراقب من قبل الشيخ )تسلّك(.<br />
إذا ختم القرآن يقام وليمة ختم القرآن "حزب يستبشرون" يدعى<br />
هلا أهل البلدة، و اصة معلموا القرآن وأئمة املساجد )تتلى فيه مثن من<br />
يستبشرون( ليقرأ علنا وجتويدا، وأحيانا يكتب فيه احلاضرون كلمة أو<br />
سطرا تربكا حتى يتم الثمن لريتل بعدها، على أنها اآلن أصبحت تتبع<br />
مبداخالت لبعض املدرسني والشيويف يف فضل القرآن مثال، ويؤخذ اخلامت<br />
)احلافظ( إىل أمه ويقدم له احلاضرون كل حبسب طاقته شيئا من<br />
الدراهم وكذا الزوار من النساء الذين يأتون ليهنؤا العائلة على هذا العمل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
-<br />
)3<br />
اجلليل )اهلدايا(، هناك من يتربعون بالنخيل أو املاء )حبة أو أكثر( )ماء<br />
الفقاقري( والشاة، والثياب )كل هذا تشجيعا(.<br />
وبعضهم يعطى للمتعلمني عطلة أسبوع، ليعود بعدها جبد<br />
ونشاط ليشرع املتعلم يف حتفيظ القرآن، حبيث يعرض كل يوم بعد صالة<br />
العصر جزء من القرآن على الشيخ.<br />
املبادئ الدينية<br />
(<br />
:)171 -116<br />
*<br />
)9<br />
اصة املتون( )حممد باي بعامل:1888:<br />
يكتب املعلم لوح املتعلم كل يوم بيتا وبيتني حبسب طاقة استيعاب<br />
املتعلم، ليحفظه بدءا بالعقائد ثم العبادات اصة الصالة، علما بأن<br />
املدرسة تدرب التالميذ على أداء الصالة، فيصلون مجاعة بعد الوضوء يف<br />
املدرسة القرآنية )الكتاب(.<br />
حلقة القراءة الليلية: بعد صالة املغرب وبعد االنتهاء من قراءة<br />
احلزب اليومي يف املسجد، جيتمع التالميذ يف كتابهم، ويقرأون اخلمسة<br />
األخرية "يسبح" بعضهم يقرأ مخسة كاملة وبعضهم كل ليلة حزبا، فيجد<br />
أن طلبة اجلنوب غالبا ما يتقنون حفظ هذه اخلمسة، وعقب ذلك يرددون<br />
ما أخذوا من أبيات املتون، حلفظها وتثبيتها، ويقوم الشيخ بشيء من<br />
الشرح.<br />
احلديث النبوي الشريف: عادة ما متتد من شهر شعبان إىل<br />
شخر ذي احلجة.<br />
من الكتب املعتمدة يف ذلك: صحيح البخاري، موطأ مالك،<br />
صحيح مسلم، الشفا للضايف عياض )أكثرها صحيح البخاري(.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
ال يتصدى هلا إال من له دراية بعلوم احلديث وكفاءة التدريس<br />
والشرح، وليست لكل الطلبة يعطى فيها إجازة.<br />
ويوم ابتداء صحيح البخاري يقام حفل كبري، يبدأ الشيخ بدعاء<br />
االفتتاح: احلمد هلل أفضل احملامد على كل حال والصالة والسالم<br />
األمتان األكمالن على سيد املرسلني... إخل، ثم يبدأ باإلسناد ثم يشرع يف<br />
قراءة احلديث والشرح وإنهاء به االختتام "اللهم صل أفضل صلواتك على<br />
أشرف خملوقاتك عدد معلوماتك سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم<br />
تسليما )يرددون مجاعة يف البدأ واخلتام(.<br />
ويقام حفل آخر يف اختتام صحيح البخاري يرددون )سبحان اهلل<br />
وحبمده سبحان اهلل العظيم<br />
688<br />
مرة( وتتلى أدعية عديدة، ثم يتصافح<br />
احلاضرون ويهنئ بعضهم بعضا أمال يف أن تعاد الذكرى.<br />
أ. الفقه: تقام حفال بالتحاق التلميذ بهذه املدرسة أو احللقة، يبدأ<br />
أوال بدراسة املتون املتعلقة بالعقائد )العقيدة( بدأ باألوجلي إىل األخضري<br />
وغريهما، ثم يدخل أبوابا أخرى كالصالة والطهارة والفرائض والسنن.<br />
)العبقري من نظم ابن أب املزمري التواتي(، ابن عاشر، مقدمة ابن زيد<br />
القريواني، أسهل املسالك. حتى يتقنها حفظا وشرحا.<br />
ب. النحو: له فيه وقفات مع الفقه: األجرومية نظمها حممد بن أب،<br />
األلفية.<br />
كيفية تسيري الدرس:<br />
دعاء االستفتاح:<br />
الشروع يف التدريس بدأ بألواح الصغار ثم الكبار، عقائد،<br />
معامالت، حنو، سرية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
لكل كتاب يقرأ على حدى من أول القن إىل نهايته، ثم ينتقل إىل<br />
الكتاب الذي يليه وهكذا.<br />
ويف حله السوقيني قريب من هذا حبيث إذا بلغ الصيب مخسة أعوام<br />
ومخسة أشهر كتبوا له حروف اهلجاء حتى يتقنها ثم يأخذون به يف قراءة<br />
القرآن برواية ورش بداية بالفاحتة فسورة الناس ثم الفلق وهكذا حتى<br />
خيتمه... فإذا به ينتقل إىل رسالة ابن أبي زيدون القريواني، فيكتب الشيخ<br />
للتلميذ ما يقدر على حفظه وترمجته باللغة التارقية حتى يتعلم كيفية<br />
الرتمجة.<br />
ثم يبدأ يف النحو وهو املقصود عندهم حتى صار عند بعضهم معيارا<br />
على العلوم حتى إن من مل حيسنه يرتك التعليم استحياء من اللحن. يتدرج<br />
يف العلوم من بالغة وفقه وأصوله وتفسري وعقائد وعلم احلديث وعلم<br />
القراءات وصناعة اإلنشاء والعروض وفلك.<br />
الكتب املعتمدة بهذه املؤسسات الدينية: وذلك حبسب كل فن:<br />
العقائد: فالغالب اعتماد إضاءة الدجنة للمقري واجلوهرة، رسالة<br />
ابن أبي زيد القريواني، منت األوجلي، اخلريدة ...إخل.<br />
الفقه: األخضري، العبقري، ابن عاشم، شرح خليل.<br />
أصول الفقه: مجع اجلوامع البن السبكي، وكل ما ميت بصلة إىل<br />
املذهب املالكي: القرايف، والبقري.<br />
التفسري: ترمجة تفسري اجلاللني وغري ذلك، وهذا يكاد يكون<br />
خاصا باحللة.<br />
احلديث: الصحيحان البخاري ومسلم، وموطأ مالك.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
علم القراءات: ال يشتغل به يف الغالب إال الشيويف، إال أنه يف العصور<br />
املتأخرة بدأوا يلجأون إليه.<br />
النحو: من أشهر املتون عندهم األجرومية وبعضهم يضيف ملحة<br />
اإلعراب للحريري وألفية ابن مالك وقطر الندى والمية األفعال.<br />
مفردات اللغة: يعتمدون مقامات احلريري وخمتار الشعر العربي،<br />
وبعض املعاجم كاجلوهري.<br />
علم البالغة: التلخيص للقزويين واجلوهر املكنون لألخضري،<br />
وهذا أيضا مما خيتص به احللل.<br />
احلساب: عادة ما يكتفوا بها يعينهم على فهم وفك مسائل علم<br />
الفرائض.<br />
العروض: ال يكادون يعتمدون على كتب معينة، ألن االحرتاز<br />
عنهم صار سجية راسخة فيهم. )حممد أداس، ب ت: 61(<br />
وأوقات التعليم يف هذه املؤسسات: فإنها تفتح أبوابها عادة كل يوم<br />
من صالة الصبح إىل قرب الزوال ثم تغلق السرتاحة، لتستأنف بعد صالة<br />
الظهر إىل صالة العشاء. )حممد باي بعامل:1888: 119(<br />
اخلامتة:<br />
إن املؤسسات الدينية ممثلة يف الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب<br />
اجلزائري ال تقل أهمية عن سليلتها يف الشمال، فقد أدت دورا ال يستهان<br />
به من تثبيت العقيدة الصحيحة والدفاع عن الدين اإلسالمي اصة أثناء<br />
االحتالل الفرنسي، ووقفت سدا منيعا أمام البعثات التنصريية.<br />
هذه الكتاتيب والزوايا واحللل أمها شيويف كانوا سرجا يقتدى<br />
بهم، وهو عدد معترب إذ إنك لتلفي يف كل قرية عشرات الكتاتيب<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />
د. حممد السعيد بن سعد<br />
والزوايا إال أن احللل عرفت بالتحديد عند آل كنته وآل السوق، وما فتئت<br />
إىل اآلن تؤدي دورها اإلجيابي على الرغم من وجود مؤسسات أخرى<br />
تزامحها يف ذلك.<br />
املراجع:<br />
أمحد احلمدي، تاريخ احلضارة اإلسالمية، جامعة وهران<br />
)ماجستري(، 1888/6444.<br />
التومي سعيدان، سكان تديكلت القدماء واالتكال على النفس، دار هومه، اجلزائر،<br />
.1888<br />
الفيومي املقرئ، املصباح املنري، ط:<br />
والنشر.<br />
،81<br />
6444/6918، املكتبة العصرية للطباعة<br />
القاموس األساسي العربي، املرجع السابق، باب: زوي.<br />
عبد السالم بوشارب، اهلقار أجماد وأجناد، املؤسسة الوطنية لالتصال والنشر والتوزيع،<br />
رويبة، 6448.<br />
جممع اللغة العربية، املعجم الوجيز، ط: 6471، 81، اهليئة العامة للكتاب، مصر.<br />
جمموعة من األساتذة، القاموس األساسي العربي، ص: 6815، باب: ك.ت.ب.<br />
حممد أداس، دور احللة يف نشر الدين اإلسالمي.<br />
حممد السويدي، بدو الطوارق بني النبات والتغيري، املؤسسة الوطنية لالتصال والنشر<br />
والتوزيع، رويبة، 6451.<br />
حممد باي بلعامل، الرحلة العلية إىل منطقة توات، دار هومة، اجلزائر، 1888.<br />
حيي بوعزيز، أوضاع املؤسسات الدينية يف اجلزائر خالل القرنني<br />
64<br />
و18، جملة<br />
الثقافة، العدد: 6456/6986، 11، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، اجلزائر،<br />
- Furoun. Reymound، Le Sahara، Paris Payot، 1964.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
2102 جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
أة. موشعال فاطمة،<br />
جامعة معسكر.<br />
تؤدي املؤسسات الدينية يف اجلزائر دورا فاعال داخل اجملتمع، فهي<br />
حتاول جاهدة االلتزام بقضايا األمة اإلسالمية، بغية النهوض بها<br />
واملساهمة الفعلية يف عمليات التغيري االجتماعي، إذ تتعدى مهامها إطار<br />
املهنة أو الوظيفة، إىل الرسالة والدعوة والقضية، لتصبح سالحا ضد<br />
التسلط والقهر ومجيع مظاهر التخلف.<br />
لذا حنن حباجة إىل استفراغ اجملهود املضين يف البحث والسؤال من<br />
أجل دراسة ظاهرة املؤسسات الدينية باجلزائر، واستكشاف متظهراتها<br />
الثقافية ومساتها، وسؤال اهلوية وعالماتها، وما يرتتب عن ذلك كله من<br />
انعكاسات على احلياة االجتماعية تربويا، سياسيا وثقافيا.<br />
مل يعد مستصاغا التنكر لواقع االختالف والسعي وراء وهم ثقافة<br />
التطابق ومتاسك اهلوية، فإن القراءة احلفرية لظاهرة املعامل الدينية<br />
تتطلب دراسة إبستيمية لألنساق الفكرية عرب سريورتها التارخيية يف<br />
اجلزائر، فقد تعددت أشكاهلا –املؤسسات الدينية- وتباينت مهامها<br />
انطالقا من املساجد والزوايا والكتاتيب بلوغا املؤسسات اخلريية<br />
واملؤسسات اليت متثل شؤون الفكر اإلسالمي. والسؤال املطروح: هل<br />
كانت عالقتها باجملتمع عالقة تواصل وتفاعل؟ أم جدل واختالف؟<br />
لقد كانت اجلزائر كغريها من بلدان املغرب العربي عرب تارخيها<br />
العربي اإلسالمي املديد تؤمن باملدارس الدينية )الكتاتيب، الزوايا<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
واملساجد( ومتجدها وتعمل على نشرها واحلفاظ على مبادئها وقيمها<br />
ومستويات احلفظ والدرس فيها، إميانا منها بالدور الوظيفي املهم الذي<br />
تؤديه هذه املعامل يف تقدم اجملتمع وتطوره، ومن العمل على نشر الوعي<br />
التعليمي، الديين، الفكري والثقايف "فاملدرسة اإلسالمية )مساجد<br />
وزوايا( هي امتداد ملدرسة الرسول )صلى اهلل عليه وسلم( األوىل وجاهة<br />
وروحية لألفكار الرتبوية احلكيمة اليت أيدها علماء املسلمني عرب<br />
تارخينا العريق"<br />
تعد الزوايا مؤسسة دينية تعددت أوصافها بتعدد نشاطاتها وخدماتها،<br />
وهي أحد أبرز هذه املعامل الدينية يف اجملتمع اجلزائري منذ عصور<br />
سالفة، واليت تعكس دورا فاعال يف شتى القضايا.<br />
حناول يف هذه املداخلة تتبع آفاق وأهمية الزوايا يف اجلزائر ودورها<br />
الريادي يف الرتبية والتعليم وحتفيظ القرآن الكريم، واحملافظة عليه لدى<br />
ناشئتنا اليت ترتبط ارتباطا ربانيا مبوروثها احلضاري، وتراثها الضارب يف<br />
عمق التاريخ اإلنساني.<br />
– 11<br />
تعريف الزاوية ومتظهراتها يف اجلزائر:<br />
لقد تبني أن اخلطاب الصويف ليس طفرة يف الكتابة ظهرت من فراغ،<br />
أو يف أحسن أحواهلا كانت نتاج الزوايا، فقد عاش معظم املتصوفة يبثون<br />
عقائدهم، فإذا اشتهر أحدهم بني الناس يؤسس له مركز يستقبل فيه<br />
الزوار والغرباء واألتباع ويعلّم فيه الطلبة، ويتربع الناس هلذا املركز<br />
فيكرب ويتضاعف قصاده ومريدوه، ويصبح اسم املتصوف )املرابط( علما<br />
على املكان ويصبح املكان يدعى بني الناس زاوية سيدي فالن، فإذا<br />
مات صاحبها يدفن يف الزاوية، ويصري الضريح عالمة على الزاوية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
إن الزاوية يف األصل هي ركن البناء وكانت تطلق بادئ األمر على<br />
صومعة الراهب املسيحي ثم أطلقت على املسجد الصغري أو على املصلى،<br />
وال يزال هذا املعنى متداوال لدى املسلمني يف املشرق، للتفرقة بني املسجد<br />
الذي يفوقها شأنا وهو يعرف باجلامع وكانت تسمى يف املشرق –أيضا-<br />
باخلانقاة وهو لفظ أعجمي مجعه خانقاهات أو خنقاوات أو خوانق تعريفا<br />
هلا، والظاهر<br />
Daumas<br />
أما عن الزاوية يف املغرب العربي فقد أورد<br />
دوماس أن هذا التعريف يتفق يف جوهره مع ما هي عليه الزاوية يف الوقت<br />
الراهن، فنحن جند فيها األشياء التالية: غرفة صالة بها حمراب، ضريح<br />
ألحد املرابطني أو ولي من األشراف تعلوه قبة، غرفة خصصت لتالوة<br />
القرآن، مكتبة أو مدرسة لتحفيظ القرآن وغرف خمصصة لضيوف<br />
الزاوية وللحجاج واملسافرين والطلبة، ويلحق بالزاوية عادة غرفة تشمل<br />
قبور أولئك الذين أوصوا يف حياتهم بأن يدفنوا فيها، فيقول دوماس أن<br />
"الزاوية هي على اجلملة مدرسة دينية ودار جمانية للضيافة، وهي بهذين<br />
الوصفني تشبه الدير يف العصور الوسطى"<br />
مل تعرف الزاوية يف املغرب العربي إال بعد القرن اخلامس هجري<br />
ومسيت يف البدء بدار الكرّامة كاليت بناها املنصور املوحدي يف<br />
مراكش، ثم أطلق اسم دار الضيوف على ما بناه املرينيون من زوايا يف<br />
القرن 5ه- 69م.<br />
تطورت الزوايا يف املغرب العربي خالل القرن 68ه- 61م حني انتصر<br />
النصارى على املسلمني يف األندلس فامتدت أطماعهم إىل احتالل األراضي<br />
املغاربية، فعجزت الدولة الوطاسية عن الدفاع عن الوطن، هناك بدأت<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
الزوايا تتدخل يف شؤون البالد السياسية وتدعو إىل اجلهاد واملقاومة<br />
األجنبية<br />
قد ظهر نوع آخر من هذه املعامل ليست زاوية وال رباط، بل عرفت<br />
مبنطقة القبائل باملعمرة )مثعمرت( وهي عبارة عن معاهد لتحفيظ القرآن<br />
وتعليمه، أو لدراسة العلوم، وقد انتشر هذا النوع بناحية جباية بعد<br />
احتالهلا من طرف اإلسبان.<br />
إن ما جيب اإلشارة إليه أن مشيخة الزاوية كانت من املناصب اليت<br />
تتطلع إليها العيون، فقد سجل على الشعراني وهو يقول "إذا رفعك اهلل<br />
فصرت عاملا أو شيخ زاوية"<br />
خيتلف بناء الزاوية عن بناء املسجد أو املدرسة، فالزاوية غالبا ما<br />
مجعت بني هندسة املسجد واملنزل، وهي يف اجلملة قصرية احليطان،<br />
منخفضة القباب والعرصات، قليلة النوافذ، وإذا كان للزاوية مسجد فهو<br />
يف الغالب بدون مئذنة، فالزاوية من الناحية اهلندسية بسيطة يف عمارتها<br />
باإلضافة إىل أنها كثرية الرطوبة والعتمة، وشكلها يوحي بالعزلة<br />
والتقشف واهلدوء أكثر مما يوحي باالختالط والثراء واحلركة، غري أن<br />
بعض الزوايا املعدة أصال لسكن الطلبة وحنوهم كانت واسعة وصحية.<br />
استمرت الزوايا واملساجد يف ممارسة وظيفة التعليم إىل غاية أوائل<br />
القرن الرابع اهلجري، حني بنى أبو علي احلسن بن علي بن إسحاق امللقب<br />
بنظام امللك مدرسته النظامية ببغداد سنة: 987ه لتدريس الفقه الشافعي،<br />
وعلم فيها أبو حامد الغزالي من 959ه إىل 955ه، فبعد إنشاء املدارس يف<br />
املغرب العربي وكلت مهمة التعليم هلا.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
إن أول مدرسة بنيت يف اجلزائر هي مدرسة ابين اإلمام بتلمسان<br />
حسب احملقق أبي راس الناصري<br />
–<br />
-<br />
بناها هلما امللك أبو محو الزياني<br />
األول املتوفى سنة 765ه، وهو رابع ملوك بين زيان، وهذان األخوان هما<br />
أبو زيد عبد الرمحن وأبو موسى، كان أبوهما إماما جبامع برشك )مدينة<br />
قدمية بني تنس وشرشال( اشتهرت من مجلة مدن إمارة مغراوة وبين زيري<br />
وموقعها حيث يوجد ضريح إبراهيم اخلواص حاليا، ومن مجلة تالمذة<br />
هذه املدرسة: ابن خلدون، لسان الدين بن اخلطيب، والزاوية الثانية هي<br />
املدرسة التاشفينية اليت بقيت إىل سنة 6571م، وهي اليت بناها أبو<br />
تاشفني األول واختري هلا العامل الشهري أبا موسى عمران املشدالي<br />
البحاتي، صهر العامل الذائع الصيت ناصر الدين املشدالي املشهود له<br />
بالتجديد يف عمليات التعليم.<br />
هذا ال ينفي توقف الزوايا عن االنتشار، إذ زاد عددها يف مجيع ربوع<br />
الوطن اجلزائري إىل يومنا هذا خاصة املناطق الغربية واجلنوبية كزاوية<br />
أمحد بن إدريس ببجاية سيدي البشري، القيطنة مبعسكر وغريها.<br />
-12<br />
أدوار الزاوية يف اجملتمع اجلزائري:<br />
لقد أدت الزوايا أدوارا جليلة يف مجيع األقطار اإلسالمية عامة،<br />
ويف املغرب العربي خاصة، سجلها هلا التاريخ من خالل حتقيقها لألمة<br />
خدمات مل تكن من قبل.<br />
قبل اإلشارة إىل هذه األدوار البد من اإلشارة لواقع احلياة اجلزائرية<br />
قبل قرنني من اآلن )ق65،ق64(، فقد كان اجملتمع اجلزائري مبين يف<br />
طبيعته على الطرقية الدينية ووجهتها العقائدية، إذ كان للزاوية يف<br />
البداية صدى اجتماعي سليب انعكس على الفرد اجلزائري، وقد صوره<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
الباحث أمحد توفيق املدني بقوله "وآل أمر الكثري من هذه الزوايا<br />
والطرق إىل أحداث وثنية يف اإلسالم، ما أنزل اهلل به من سلطان، وأصبح<br />
شيخ الطريقة أو املرابط يف كثري من النواحي يتصف بأوصاف الربوية،<br />
فهو الذي يعطي وهو الذي مينع، وهو الذي يقبض، وهو الذي يبسط، هو<br />
منبع كل خري، ومصدر كل شر"<br />
إن الزوايا والطرق – ذاك العصر- قد استهلكتها األيام، وغرقت يف<br />
دوامة من الصوفية اجلوفاء، وهي عاجزة عن أي دور فكري إجيابي، بل<br />
مل يعد من رسالتها إال أن تتحكم يف عقول الناس بشعوذة دخيلة على<br />
اإلسالم، أصيلة يف خدمة اجملتمع بتسخري رقاب البسطاء له، فقد عاش<br />
اإلنسان اجلزائري حياة دينية شوهتها األضاليل، فجردت من براءتها<br />
األصلية وسالف دورها احلفاظي الذي قامت من أجله، إىل عقيدة جديدة<br />
تلبس أومسة التزكية والتقدير، فقد سخرها شيخ الزاوية خلدمة أهوائه<br />
وأطماعه وخدمة املستعمر.<br />
غري أن هذا الوضع قد تغيّر بعد تفتح العقول، وأصبح للزاوية دورا<br />
فعاال تؤديه داخل املنظومة االجتماعية إىل يومنا هذا دينيا، تربويا،<br />
اجتماعيا وسياسيا، فقد "انتشر العلم انتشارا كثريا بفضل الزوايا،<br />
وانتشر الصالح وتطهّر اجملتمع من خرافاته وعقائده اليت ختالف الدين<br />
بالوعظ واإلرشاد وتثقيف عقول العامة الذي يقوم به شيويف الزوايا<br />
وعلمائها، وإن عمل الزوايا يف القديم هو عمل اجلمعيات اخلريية اليوم:<br />
الرتبية والتعليم للشباب والوعظ واإلرشاد للكبار وبث الروح الدينية<br />
الصحيحة يف النفوس، وكفالة اليتامى، وإيواء املساكني، وحسن<br />
الضيافة"<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
كما حافظت الكتاتيب والزوايا يف بالدنا منذ نشأتها على القرآن<br />
الكريم تعلما وقراءة وتالوة وحفظا، كما حافظت على نظمها الرتبوية،<br />
ولوالها لضاع تاريخ وعلم كثري يبسبّرب فيه شيوخه األوائل تعليم القرآن<br />
الكريم والشيء الكثري من مواده العربية ذات البناء اللغوي، ويف علوم<br />
الفقه والشريعة وأصول الدين، فقد كان هلا<br />
–<br />
الزوايا- هيبتها وهيئتها<br />
وقيمتها التارخيية والدينية والوطنية، وذلك ملا كانت تقوم به من مهام<br />
تربوية، ثقافية، دينية، اجتماعية وإنسانية، ويف اإلرشاد والتوجيه<br />
والتعاون حلل املشاكل والتغلب على الكثري من الصعوبات بفضل ما<br />
كان عليه شيوخها محلة كتاب اهلل وسنة نبيه الكريم من دين متني<br />
وعقيدة قوية، وسياسة ولباقة يف إصالح ذات البني مبا أمر اهلل تعاىل<br />
وبشكل مثمر يرضي اجلميع، حيث كان اجلهل وكانت العصبيات<br />
القبلية والطائفية والرواسب العرقية و اصة يف ظل االستعمار الذي ما<br />
فتئ يغذيها ويوفر هلا من الوسائل ما يكفل هلا الدوام واالستمرار من<br />
عوامل اجلهل والركود واجلمود والتخلف االجتماعي واحلضاري، فقد<br />
توصلت الزاوية "إىل ختفيف حدة القبلية بني العروش املتعادية وهذا جد<br />
مهم بالنسبة للتطور الفكري"<br />
قد قاومت الزوايا<br />
–<br />
بذلك- كل ما هو أجنيب استعماري، خيالف<br />
ديننا وعاداتنا وتقاليدنا الوطنية وسلوكنا االجتماعي وأصالتنا، وهذا ما<br />
جتلى يف مظهر طلبة الزوايا يف زيهم وسلوكهم، كما كان هلا دور يف<br />
اجلهاد، فقد صمدت يف وجه االستعمار الصلييب وقاومته بالسالح،<br />
وعندما انهزمت يف امليدان العسكري استعملت سالح الرفض والصمود<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
-<br />
-<br />
-<br />
لذلك حتصّنت املناطق اجلزائرية بالقرآن أمام كل محالت التمسيخ<br />
والتجويع والرتويع، فلم ينل منها العدو إال الرفض والعصيان، فهذه<br />
الكاتبة املشهورة )إيفان قورين( تصرح "فقد اصطدم املستعمرون بالرفض<br />
اجلماعي، واالمتناع التام، يبين املدارس فال جيد فيها تالميذ..."<br />
تفسر الكاتبة هذه املواقف بالدور الذي كانت تقوم به الزوايا، وهي<br />
مراكز دينية ثقافية، ومل ينتبه املستعمر لنفوذها إال بعد زمن طويل.<br />
ال زالت الزوايا من أقدم البيوت اإلسالمية وأطوهلا عمرا، وقد امتد<br />
تأثريها إىل كثري من املساهمات يف العطاء الفكري واحلضاري عن<br />
طريق تكوين وخترج العديد من مشاهري شيويف وحفظة القرآن والعلم<br />
منها، على درجة عالية من احلفظ واإلميان مما أدى إىل انتشار العديد من<br />
الكتاتيب واملساجد والزوايا واملدارس واملعاهد الدينية يف مجيع ربوع<br />
الوطن اجلزائري، فانتشر التعليم القرآني يف معظم القرى، ومن أبرز<br />
العلماء على سبيل املثال ال احلصر:<br />
حييى بن معطي الزواوي صاحب )الدرة األلفية يف علم العربية(<br />
الشيخ الطاهر الوغليسي املدعو بالشيخ الطاهر اجلزائري، وهو<br />
قطب من أقطاب النهضة العربية يف مصر والشام.<br />
أبو القاسم البوجليلي صاحب كتاب )التبصرة يف علم القراءات(.<br />
إن الزوايا تقوم مقام املدرسة اليوم بكامل مراحلها "يف فصوهلا وعطلها<br />
وأيام األسبوع فيها، واالحتفاالت باملتخرّجني احلاصلني على إجازة حفظ<br />
القرآن الكريم، كما يقودنا إىل القول بأن األسلوب الذي كانت تتبعه<br />
هذه البيوتات بكتاتيبها ومساجدها وزواياها يومئذ هو أسلوب يكاد<br />
يكون موحدا من حيث النظام واملناهج"<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
لقد أثبتت الدراسات بطول زمن كفاءة هذا املنهج التعليمي للكُتُّاب<br />
والزاوية يف حفظ القرآن، ويف إعداد الطالب الذي يريد إدراك التعليم<br />
الديين مبواده األولية كالنحو والصرف والبالغة وعلوم الفقه والشريعة<br />
وأصول الدين والتفسري واحلديث وعلوم اللغة واألدب، فقد كانت تعقد<br />
بها حلقات وجلسات العلم والتعلم.<br />
لقد كانت الزاوية "أول خط للدفاع عن حدود اجملتمع اجلزائري<br />
جبميع أطيافه، وهذا بفضل شيوخه الذين كانوا ميثلون إسرتاتيجية<br />
واضحة املعامل يف بعدها اإليديولوجي للتصدي لغزاة الفكر والعقيدة من<br />
الغزاة الدخالء وخاصة يف القرى والتجمعات الصغرية والبيوتات اليت ال<br />
تتوافر على أدنى مستوى تعليمي أو نشاط ثقايف أو وعي وإدراك، فالكثري<br />
من الناس من ينظر إىل الكتاب والزاوية واملسجد على أنها ال تتعدى يف<br />
أهميتها العمل على إزالة األمية من صفوف الناشئني وتلقينهم بصورة<br />
لفظية سطحية مواد دراسية جامدة ال متت بصلة إىل حياتهم العملية وال<br />
.<br />
إىل تارخيهم العربي اإلسالمي البعيد األثر العميق الرتاث"<br />
قد أدت الزوايا إىل نشر الفكر الصويف، إذ كان للمتصوفة وخلطبهم<br />
شأن شأن باقي اخلطابات، ما جيعله يكتسب األبعاد املختلفة اليت تضمن<br />
له شروط التواصل االجتماعي من خالل دورانهم ضمن معايري اجملتمع<br />
"وقد عرب املتصوفة باللغة، واليت يعاد بفضلها إنتاج أو متثيل أو منذجة<br />
الواقع واحلدث أيا كان مصدره، وتوسعوا يف أشكال التعبري اليت<br />
مسحت بها اللغة، وشكلوا نسقا خطابيا خمتلف املكونات والظواهر<br />
النصية من شعر وقصص وأدعية ومناجيات وحكم وأخبار تنتظمها<br />
جمموعة من القوانني اليت حتكم العالقات والتفاعالت فيما بينها، قصد<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
بلوغ هدف معني هو التعبري عن جتربتهم يف االتصال باهلل، وهي جتربة<br />
معرفية عاطفية".<br />
إن هذه املعامل الدينية كانت قبلة لبناء الشخصيات والرجاالت<br />
الوطنية، ومنشأ للمواهب، وموفدا للعلماء والفقهاء والباحثني، فلوال<br />
الفقيه والشيخ ولوال حفظ القرآن واحملافظة على الرتاث لضاع النشء<br />
ولضاعت البالد يف وطنيتها ودينها وعروبتها وإسالمها، ولضاعت سننها<br />
وعاداتها وتقاليدها.<br />
-13<br />
أ –<br />
منوذج حول زاوية أبي راس الناصري مبعسكر:<br />
التعريف بصاحب الزاوية:<br />
هو أبو راس حممد بن أمحد بن عبد القادر بن حممد بن امحد بن<br />
الناصر بن علي بن عبد العظيم بن معروف بن عبد اجلليل الراشدي<br />
املعسكري، وبعض املؤلفني يذكرونه الناصري، وهو الراشدي قبيلة<br />
واملعسكري بلدة واجلزائري قطرا، وقد ولد بنواحي مدينة<br />
معسكر بني جبل كرسوط وهونت يوم:17ديسمرب6786م/6618ه،<br />
وهناك من يقول أنه ولد سنة 6688ه/6717م من أم امسها زولة بنت<br />
السيد فرج بن الشيخ قطب السيد اعمر بن عبد القادر التوجاني واليت<br />
شبهها أبو راس برابعه العدوية يف سخائها وكرمها، وتويف يف<br />
6115ه/ 17أفريل 6511م.<br />
كان أبو راس الناصري – رمحه اهلل- أحد أقطاب أهل النظر، ومن<br />
فحول العلماء واسعي اإلطالع، الراسخني يف العلم الذين خدموا الثقافة<br />
اإلسالمية يف العهد العثماني، وقد لقب بلقب احلافظ الذي الزمه كثريا،<br />
يقول احلفناوي "كان يدعى يف زمانه احلافظ لقوة حفظه ومتكنه متى<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
شاء من استحضار مسائله حتى كأن العلوم كتبت بني عينيه"، إضافة<br />
إىل ألقاب أخرى منها: املؤريف، الشيخ العالمة، شيخ اإلسالم، احملدّث<br />
املفسّر، النّحوي البليغ، املفيت باملذاهب األربعة، عامل املغرب،...وغريها.<br />
وقد قارنه اجلنريال فوربيقي بابن خلدون يف بعض اجلوانب وشبّهه<br />
الباحث أبو القاسم سعد اهلل باجلَبرْتِي يف مصر لكثرة مؤلفاته وتنوّعها،<br />
ولقّب يف مقال كتب يف جريدة اجلمهورية بسيوطي اجلزائر.<br />
قد تتلمذ العالمة على يد عبد القادر املشريف الذي كان عاملا يف الفقه<br />
وأصول علم الكالم، والنحو والبيان، والشيخ أمحد بن عمار مفيت<br />
اجلزائر، وحممد مرتضى الزبيدي وغريهم، ومن مؤلفات أبي راس<br />
الناصري نذكر: )السيف املنتضى فيما رويته بأسانيد الشيخ مرتضى،<br />
مروج الذهب يف نبذة النسب ومن إىل الشرق انتصب وذهب، ذيل<br />
الفرطاس يف ملوك بين وطّاس، دُرْ السحابة فيمن دخل املغرب األقصى من<br />
الصحابة، الزمردة الوردية يف ملوك السعدية، تفسري القرآن، اخلرب<br />
واملعلوم يف كل من اخرتع نوعا من أنواع العلوم، شرح العقيقة- شرح<br />
احللل السندسية، احلاوي اجلامع بني التوحيد والتصوف والفتاوي،<br />
عجائب األسفار ولطائف األخبار،...وغريها(<br />
قد قال العامل السوفياتي كراتشوفسكي عن الناصري "إنه يعد من<br />
أنشط كتاب املغرب يف ذلك الوقت وأحفلهم إنتاجا"، فهذه من األدلة<br />
احملسوسة اليت رضيت به، فشهد له واحد من كبار العقول من العلماء<br />
من غري املسلمني.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
-<br />
-<br />
-<br />
ب – حملة تارخيية عن الزاوية وموقعها:<br />
بنيت هذه الزاوية على إثر حادثة سياسية متثلت يف أن العالمة أبي راس<br />
الناصري امتحن مرة فرمي من طرف خصومه احلساد باملشاركة يف ثورة<br />
درقاوة القائمة ضد السلطة الرتكية سنة 6167ه/6581م فعزل الشيخ<br />
يومها، وملا ظهرت براءته بنى له صديقه الباي مصطفى منزالي هذه<br />
الزاوية، وقد تعرض لذكر هذه الزاوية بعض املؤرخني إال أنهم قد اختلفوا<br />
يف تسميتها فقد أطلق عليها املؤريف عبد الرمحن اجلياللي يف كتابه تاريخ<br />
اجلزائر اسم )املسجد( يف قوله "فابتنى له صديقه الباي مصطفى منزالي<br />
مسجد مبعسكر وأسس له به مكتبة حافلة"، وقد أطلق عليها هذه<br />
التسمية رمبا لوجود مصلى بها أو رمبا ألنها كانت وال تزال مكانا<br />
لصالة بعض من املصلني.<br />
أما الباحث أبو القاسم سعد اهلل فيقول عنها يف كتابه تاريخ اجلزائر<br />
الثقايف "كان ألبي راس مكتبة كبرية بناها له أحد بايات وهران<br />
ومساها بيت املذاهب األربعة"، أما أبو راس الناصري ذكرها باسم<br />
)املصرية( اليت هي بيت املذاهب األربعة واليت كان يفيت ويدرس بها<br />
إن األرجح –حسب نظري- تسميتها زاوية اعتمادا على مايلي:<br />
الشيخ أبو راس الناصري ذكر أنها كانت مكانا للتدريس واإلفتاء.<br />
كانت معروفة لدى سكان املنطقة بهذا االسم، ويف وقت غري بعيد<br />
كانت مكانا حلفظ القرآن.<br />
كما أنه ينطبق عليها تعريف دوماس السابق الذكر للزاوية يف املغرب<br />
الحتوائها بيت الشيخ، بيت الصالة، بيت احلفظ، الضريح، القبة<br />
...وغريها.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
ملا تويف العالمة سنة 6115ه/6511م دفن بهذه الزاوية وأصبح<br />
ضرحيه علما على املكان، أما عن تاريخ بناء الزاوية فلم يتطرق له أي<br />
واحد من املؤرخني، لكن من خالل استنتاجي ميكن حصر تاريخ بناءها<br />
بني 6588م و6568م، أي بعد انتهاء ثورة درقاوة سنة 6588م، أما موقعها<br />
فقد شيدت وسط مدينة معسكر غرب ساحة الرّكابة حبي بابا علي،<br />
حيدها من اجلهات الثالث الشمالية والشرقية واجلنوبية طريقني<br />
رئيسيني، أما الناحية الغربية فهي حتاذي املنازل اجملاورة.<br />
وعلى غرار بقية زوايا الغرب اجلزائري فإن زاوية أبي راس الناصري<br />
تعتمد على الطريقة القادرية اليت تنسب إىل مؤسسها الشيخ حمي الدين<br />
أبي حممد بن عبد القادر اجليالني، وتعتمد هذه الطريقة على نشر<br />
اإلسالم بطرق سلمية بواسطة التجارة والتعلم، وقد قامت أيضا على<br />
أساس العلم والفقه والدعوة الدينية وتتسم بالتساهل والتسامح مع األديان<br />
األخرى .<br />
-<br />
-<br />
توصيات: إن مجلة ما أراه أيها السادة الكرام ألهل التشريع والقانون<br />
ومسؤولي الشؤون الدينية واألوقاف فيما أقول وأقرتح على سبيل املثال<br />
مايلي:<br />
اعتبار الزاوية مدرسة وطنية، قرآنية دينية تربوية.<br />
ضرورة عصرنة اهلياكل التعليمية الرتبوية اخلاصة بالزوايا وجتهيزها<br />
بالوسائل السمعية البصرية.<br />
-<br />
تكوين املعلم تكوينا كامال يؤهله ألداء وظيفته، وتبصريه بالطرق<br />
البيداغوجية املناسبة.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
-<br />
-<br />
أن ختصص حلامل كتاب اهلل شهادة معرتف بها، وله فيها أحقية<br />
العمل واالنتساب إىل مؤهل يضمن له متابعة الدرس والتأهيل.<br />
أن يرتب للشيويف وخرجيي الزوايا فرص عمل تضمن هلم كفاءة<br />
العيش.<br />
لإلضافة عن وضع خرجيي الزوايا حاليا فقد ورد يف جريدة الشروق<br />
اجلزائرية ليوم الثالثاء81ماي1866م املوافق ل14 مجادى األوىل6911ه،<br />
1151 العدد:<br />
رمضان املقبل( إذ "اعتصم<br />
عنوان )خرجيو الزوايا يهددون مبقاطعة صالة الرتاويح<br />
618<br />
طالب من خرجيي الزوايا أمس أمام مقر<br />
وزارة الشؤون الدينية واألوقاف حبيدرة، قادمني من واليات الغرب<br />
والوسط، مطالبني ب8888 منصب ملعلمي القرآن الكريم واملؤذنني<br />
والقيّمني، وهدد هؤالء مبقاطعة صالة الرتاويح خالل شهر رمضان وترك<br />
الناس يصلون من املصاحف)...(حيث يعد عدد املتطوعني من خرجيي<br />
الزوايا الذين خيدمون يف املساجد أكثر من<br />
8888<br />
إمام متطوع ومعلم<br />
قرآن، ال تعرتف الوزارة وال الوظيف العمومي بعلمهم وال شهاداتهم<br />
)...(<br />
وتعرتف وزارة الشؤون الدينية واألوقاف أن حفظة القرآن الكريم ينبعون<br />
كلهم من واليات الغرب اجلزائري، وكذلك اجلنوب لكثرة تواجد<br />
الزوايا بها، وهم من يذهبون تطوعا يف واليات الشرق ومنطقة القبائل<br />
وخاصة يف شهر رمضان" وندد هؤالء – حسب اجلريدة- بتهميش الوزارة<br />
هلم.<br />
إن املوقع الذي حتتله الزاوية يف قلوب الناس، مل يكن ليتمكن كل<br />
هذا التمكن، ويدوم هذا الدوام حلقب مديدة، ولقرون عديدة لوال النفع<br />
الذي تسديه لإلنسان اجلزائري من خالل شيوخها وطالبها، فقد أدرك<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
هؤالء الشيويف بفضل خربتهم وحكمتهم كيفية كسب القلوب فقد<br />
تعلموا اللسان احمللي وخاطبوا الناس على قدر عقوهلم وعواطفهم، وخري<br />
ما يدلل على قيمة هذا املنهج قول الشاعر:<br />
أَحْسنْ إلَى النباس تبسْتببْعدْ قُلُوبهُمْ فَطَالَمبا اسْتُبْعدب اإلنْسبانُ إحْسبانُ<br />
قد أدى املرابطون األشراف وشيويف الزوايا دورا تارخييا بارزا يف<br />
اجلزائر، إذ كان هلم الفضل يف حتقيق االستقرار، وإبعاد شبح اخلالفات<br />
والفنت بفضل نشرهم للقيم اإلسالمية السمحة الداعية إىل الرمحة<br />
والتعاون والتضامن، كما حاربوا اجلهل بنشر العلم والتعليم والرتبية.<br />
املراجع:<br />
أبو القاسم سعد اهلل، "تاريخ اجلزائر الثقايف من القرن 68ه إىل ق69ه)61م-<br />
18م( ج81، املؤسسة الوطنية للكتاب، اجلزائر، ط81، 6458م.<br />
آمنة بلعلي، احلركية التواصلية يف اخلطاب الصويف من القرن الثالث إىل القرن<br />
السابع اهلجريني، منشورات احتاد كتاب العرب، دمشق 1886م.<br />
صاحل خريف، "املدخل يف األدب اجلزائري احلديث" الشركة الوطنية للنشر<br />
والتوزيع، اجلزائر 6451م.<br />
حممد أبو راس، فتح اإلله ومنته يف التحدث بفضل ربي ونعمته، املؤسسة الوطنية<br />
للكتاب، حتقيق حممد بن عبد الكريم، اجلزائر، 6448.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />
موشعال فاطمة<br />
حممد بن يوسف الزياني، دليل احلريان وأنيس السهران يف أخبار مدينة وهران،<br />
حتقيق: املهدي بوعبدلي، ش.و.ت.ت اجلزائر، 6475م.<br />
حممد حجي، الزاوية الدالئلية ودورها الديين والعلمي والسياسي، املطبعة الوطنية<br />
بالرباط، املغرب 6419م.<br />
حممد علي دبوز، نهضة اجلزائر احلديثة وثورتها املباركة، ج86، املطبعة<br />
التعاونية، ط86،<br />
.6418<br />
حممد قنانش، "آفاق مغاربية، املسرية الوطنية وأحداث<br />
منشورات حلب، د.ت.<br />
85<br />
ماي6498م"<br />
حممد نسيب "زوايا العلم والقرآن يف اجلزائر" دار الفكر اجلزائر.<br />
مسعود عطاء اهلل، معلم القرآن شخصيته ومؤهالته، جملة امللتقى الوطين للزوايا<br />
معسكر بوحنيفية، وزارة الثقافة والية معسكر، منشورات مديرية الثقافة،<br />
منشورات دار األديب، وهران.<br />
مهدي عالم "الزاوية" اجمللد68، دائرة املعارف اإلسالمية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
)من واقع التحديات إىل أفق العالج(<br />
أ. ناجم موالي<br />
جامعة عمار ثليجي باألغواط<br />
متهيد:<br />
يف ظل التغريات – السياسية واالقتصادية والسياسية والدينية واليت<br />
يعرفها جمتمعنا احمللي واإلقليمي اليوم واملرتبطة بالعلمنة واحلداثة،<br />
ينكشف لنا اخللل املتمثل يف فشل املؤسسات القائمة على ذلك يف إجياد<br />
احللول الناجعة إلرشاد وتوجيه ما ينبغي إرشاده وتوجيهه ال سيما املؤسسة<br />
الدينية البالغة األهمية يف أدوارها ووظائفها.<br />
وانطالقا من مقولة عامل االجتماع الفرنسي<br />
دوركهايم" "<br />
أن : «<br />
املؤسسة الدينية هي وحدها القادرة على أن توحد البشر يف مستوى<br />
تصورتهم ومشاعرهم «، وعلى هذا األساس فاملؤسسة الدينية إىل جانب<br />
العمل اجلمعياتي و املؤسسات الغري الدينية يف اجملتمع احمللي واإلقليمي<br />
حتمل على عاتقها اإلحاطة االجتماعية والنفسية باإلفراد واجملتمعات على<br />
اختالف جماالتها التداولية )اللغة<br />
– الرتبية –<br />
العادات والتقاليد-<br />
الدين...(؛ ويعرف كل منا أنه يف جمال البحث االجتماعي يعترب اإللزام<br />
الديين والعقائدي فوق كل القوانني الوضعية اليت حتاول فرض سيطرتها<br />
على الفرد واجملتمع معا.<br />
ومنه تأتي أوراق هذه املداخلة لتحاول اإلجابة على مجلة من<br />
التساؤالت:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
1 ما هي التحديات اليت تواجهه املؤسسة الدينية يف احلفاظ على مقومات<br />
اهلوية الوطنية؟<br />
2 ما هي األساليب والوسائل اليت ينبغي على املؤسسة الدينية توفرها<br />
لرتسيخ قيمنا األخالقية يف األذهان ومحاية ووقاية شبابنا ال سيما املراهق<br />
منه ؟<br />
2 كيف ميكن للمؤسسة الدينية أن تعزز روح املواطنة احلقيقية حتى<br />
تكون يف ذات الفرد الوالء واالنتماء للوطن وفكرة التسامح مع اآلخر؟<br />
1 هل املؤسسة الدينية كفيلة بنفسها يف توجيه وترشيد سلوك الفرد<br />
واجملتمع أم أن هناك مؤسسات غري دينية حتمل على عاتقها املسؤولية<br />
نفسها من خالل قيامها بأدوارها احلقة ؟<br />
التأثيل املفاهيمي:<br />
وإذا كنا قد حددنا عنوان هذه املداخلة ب<br />
:<br />
املؤسسة الدينية<br />
ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية– من واقع التحديات إىل أفق العالج<br />
، فإن االشتغال بهذا العنوان يتطلب منا أن حندد يف البداية مصطلحا ته<br />
األساسية واليت التزمنا يف حتديدها مبصطلحات ثالثة أساسية لضرورة<br />
تداوهلما يف مقدمة هذه املداخلة ؛ و هما مصطلح:<br />
و"املؤسسة الدينية".<br />
0 مفهوم )الدين(:<br />
)يف الفرنسية<br />
"<br />
الدين"،" املؤسسة<br />
"<br />
-Religion<br />
ويف اإلنكليزية<br />
-Religion<br />
الالتينية ) Religio<br />
00 يف اللغة العربية:<br />
ويف<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
الدين<br />
يف اللغة العادة، واحلال، والسرية، والسياسة، والرأي،<br />
واحلكم، والطاعة واجلزاء ومنه:<br />
أو هو العادة مطلقا.<br />
)2(<br />
-<br />
-<br />
20 يف اللغة الالتينية:<br />
الربط بني شيئني<br />
الدين كلمة مشتقة من<br />
وتكريس عبادة( أو من الفعل<br />
وجود<br />
الصلة اليت تربط اإلنسان<br />
ذلك التقاليد املسيحية.<br />
)1(<br />
مالك يوم الدين، وكما تدين تدان،<br />
)2(<br />
)كونني، اهلل واإلنسان مثال(.<br />
الالتينية<br />
)relegere(<br />
: عنى الروابط مب( religare(<br />
)1(<br />
10 يف االصطالح:<br />
-<br />
-<br />
يف الفلسفة:<br />
عرفه الباحث<br />
باهلل<br />
"حممود يعقوبي"<br />
كمصدر<br />
لوجوده<br />
بأنه: "مجلة<br />
القواعد اإلهلية اليت تهدي الناس بإتباعه باعتباره فهم اجملتهد«.<br />
)احرتام تعين<br />
أي الدين هو<br />
، كما ترجم<br />
متكاملة من<br />
)1(<br />
-<br />
)1(<br />
10 كرنولوجيا مفهوم الدين:<br />
عند الفالسفة القدماء:<br />
يطلق على وضع إهلي يسوق ذوي<br />
العقول إىل اخلري؛ والفرق بني الدين وامللة و املذهب: إن الشريعة من حيث<br />
هي مطاعة تسمى دينا، ومن حيث إنها جامعة تسمى ملة؛ ومن حيث أنها<br />
يرجع إليها تسمى مذهبا. و قيل أن الفرق بني الدين، وامللة، واملذهب، إن<br />
الدين منسوب إىل اهلل، وامللة منسوبة إىل الرسول، واملذهب منسوب إىل<br />
اجملتهد.<br />
ويطلق لفظ الدين على<br />
لعباده من السنن واألحكام.<br />
الشريعة، وهي<br />
السنة<br />
أي ما شرعه اهلل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
وعند الفالسفة احملدثني: لفظة الدين هلا أربعة معاني:<br />
1 الدين مجلة من اإلدراكات واالعتقادات واألفعال احلاصلة<br />
للنفس من جراء حبها هلل، عبادته إياها، طاعتها ألوامره.<br />
2 والدين هو أيضا: اإلميان بالقيم املطلقة والعمل، كاإلميان<br />
بالعلم واإلميان بالتقدم؛ ففضل املؤمن بهذه القيم كفضل املتعبد الذي<br />
حيب خالقه ويعمل مبا شرعه.<br />
2 ويف القرن 19م أطلق مصطلح الدين الطبيعي<br />
Religion (<br />
)naturelle<br />
على االعتقاد بوجود اهلل وخرييته، وبروحانية النفس<br />
وخلودها، وبإلزامية فعل اخلري من جهة هو ناشئ عن وحي الضمري ونور<br />
العقل، والفرق بني هذا الدين والدين الوضعي<br />
)Religion positive(<br />
-<br />
-<br />
-<br />
أن األول قائم على فعل الوحي الضمري والعقل، بينما الثاني قائم على وحي<br />
إهلي يقبله اإلنسان من األنبياء والرسل.<br />
1 ويف األخري الدين مؤسسة اجتماعية تضم أفراد يتحلون بالصفات<br />
التالية:<br />
وحفظه.<br />
قبوهلم بعض األحكام املشرتكة، وقيامهم ببعض الشعائر.<br />
إميانهم بقيم مطلقة، وحرصهم على توكيد هذا اإلميان<br />
اعتقادهم أن اإلنسان متصل بنواة روحية أعلى منه، مفارقة<br />
هلذا العامل أو سارية فيه كثرية أو موحدة.<br />
ومن معاني الدين عند الفيلسوف<br />
"دوركهايم" :»<br />
أنه مؤسسة<br />
اجتماعية قوامها التفريق بني املقدس وغري املقدس، وهلا جانبان أحدهما<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
روحي مؤلف من العقائد واملشاعر الوجدانية واألخر مادي مؤلف من<br />
الطقوس والعادات«.<br />
)7(<br />
2 مفهوم املؤسسة:<br />
02 يف اللغة:<br />
ترادف لفظة<br />
وأيضا يف اإلجنليزية<br />
العربية " املؤسسة "<br />
)يف الفرنسية<br />
–Institution<br />
)Institution<br />
وتعين يف<br />
اللغة الفرنسية:<br />
مفهوم «<br />
مركزي يف علم االجتماع البناء تعين املبادئ اليت حتكم احلياة<br />
االجتماعية للجماعة، أو دستور الدولة تنظيم الناجتة االجتماعية<br />
)8(<br />
وظائف عامة خمتلفة(«.<br />
عن شيء<br />
واملؤسسة يف احلياة العامة تعارض الطبيعة ومرادفة للثقافة:<br />
عندما مؤسسة<br />
(<br />
«<br />
)9(<br />
الطبيعية«.<br />
-<br />
22 يف االصطالح:<br />
يف الفلسفة:<br />
وهلا<br />
يقال<br />
تكون أعمال الناس بها متميزة عن األعمال<br />
»هي كل ما أنشأته قوانني الدولة من أصول املعامالت واهليئات<br />
لتسري خمتلف الوظائف اليت تقتضيها احلياة االجتماعية وهي ختتلف عرب<br />
الزمان واملكان«.<br />
)10(<br />
1 مفهوم املؤسسة الدينية:<br />
: 01 يف اللغة<br />
يطلق على لفظة املؤسسة الدينية يف اللغة الفرنسية<br />
Institution (<br />
)Religieuse<br />
وتعين:<br />
21 يف االصطالح:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
أو<br />
210 يف علم االجتماع:<br />
املؤسسة الدينية<br />
تعين:»<br />
نسق من املعايري واألدوار اإلمجالية<br />
املنظمة اليت تواجه احلاجة الدائمة إىل اإلجابة على األسئلة النهائية املتصلة<br />
بهدف احلياة ومبعنى املوت«، وهي ختتلف عن<br />
السياسية) )Institution Politique<br />
املؤسسة<br />
واليت تعين:» املؤسسة االجتماعية<br />
مركب املعايري االجتماعية واألدوار اليت تعمل على تدعيم النظام<br />
االجتماعي وممارسة القوة من أجل ضمان االمتثال لنسق الدولة القائم<br />
.»<br />
)11(<br />
املؤسسة الدينية يف ظل حتديات الواقع:<br />
0 مؤسسة الدين واإلرهاب:<br />
يعترب حتدي اإلرهاب من أهم التحديات اليت تواجه مؤسسة الدين<br />
على املستويني احمللي واإلقليمي، وتكمن خطورة موضوع اإلرهاب ى يف<br />
الوقت احلاضر يف أن أعداء اإلسالم يتهمون الدين احلنيف بأنه يدعو إىل<br />
اإلرهاب والقتل والفوضى؛ وأنه لوال األساليب اإلرهابية اليت يتبعها اإلسالم<br />
)12(<br />
ملا أنتشر الدين اجلديد يف أجاء املعمورة.<br />
لكن اإلسالم يف مواقفه إزاء اإلرهاب يف حتديد ثوابته ينطلق من<br />
ثالثة عناصر يف الفكر اإلسالمي تتجسد يف<br />
النبوية الشريفة، والشريعة اإلسالمية السمحاء(:<br />
موقف القرآن الكريم من اإلرهاب:<br />
)12(<br />
معيارا يف مجيع العالقات بني الشعوب واألمم والدول،<br />
)القرآن الكريم، السنة<br />
مجيع آياته تأخذ السلم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
مثل قوله تعاىل:<br />
{<br />
أدع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة<br />
وجدهلم باليت هي أحسن أن ربك هو أعلم مبن ضل عن سبيله وهو أعلم<br />
)11(<br />
باملهتدين {.<br />
{ وقوله أيضا:<br />
خطوات الشيطان أنه لكم عدو مبني{.<br />
يأيها الذين أمنوا أدخلوا يف السلم كافة، وال تتبعوا<br />
)11(<br />
واآليتان حيمالن شعار من<br />
الواجب أن يكون مبدأ من مبادئ عمل مؤسسة الدين، األول الدعوة إىل<br />
احلق باحلكمة واملوعظة احلسنة،<br />
اللجوء إىل العنف والتهديد.<br />
-<br />
األعظم-<br />
موقف السنة النبوية من اإلرهاب<br />
صلى اهلل عليه وسلم-<br />
:<br />
والثاني حل النزاعات سلميا وعدم<br />
جند يف سرية الرسول<br />
أيضا دعوة إىل السالم واآلمان<br />
املناهض لإلرهاب، وبث خصال الرمحة والشفقة وهذا ما نكتشفه من<br />
خالل النصيني التاليني:<br />
اهلل عليه وسلم-<br />
قال: :»<br />
)11(<br />
القاتل واملقتول يف النار«. ؛<br />
عن العزيز بن صهيب عن أنس عن النيب-<br />
صلى<br />
ما من مسلمني التقيا بأسيافهما، إال كان<br />
« وقوله أيضا:<br />
من محل علينا السالح فليس<br />
منا«. )17( ، وهذه اخلصال تعمل مؤسسة الدين على بثها من خالل تعليمها<br />
للنشء داخلها والعمل على غرسها كقيم إنسانية أصيلة ال متت بعداوة ألي<br />
خملوق فوق وجه هاته املعمورة<br />
.<br />
-<br />
موقف الشريعة اإلسالمية السمحاء من اإلرهاب:<br />
وقفت<br />
الشريعة اإلسالمية من خالهلا مؤسساتها على الصعيد احمللي واإلقليمي<br />
موقفا رافضا جلميع أشكال العنف واإلرهاب اليت تهدد املواطنني<br />
وسالمتهم وهذا ما يوضح قول املشرع اإلسالمي:<br />
«<br />
ألنه لن يقتصر على األعداء فقط، بل يتعداهم إىل األصدقاء<br />
أن العنف مثرة العنف<br />
، )19(<br />
وإذا «.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
أردنا أن منثل مبؤسسة الدين<br />
نذكر هنا أن الشريعة اليت يلتزمها رجال<br />
األزهر مناهضة لإلرهاب وناقدة له يف مجيع األحوال ترفض اإلرهاب ضد<br />
)18(<br />
اآلخرين بغض النظر عن كونهم مسلمني أو غري مسلمني.<br />
ورغم هذا فاإلسالم يتلقى تهم وأكاذيب باطلة جاءت على لسان<br />
بعض علماء االجتماع الغربيون أمثال<br />
وروبرتسن مسيت..(<br />
(<br />
يوشيم واك وماكس فيرب<br />
مفادها إن اإلسالم بعد انتشاره يف اجلزيرة العربية<br />
حتول من دين مساوي إىل دين يدعو إىل العنف و اإلرهاب والقتال واحلرب<br />
)22(<br />
والتوسع العسكري.<br />
وإدعاء كهذا ليس له ما يثبته، ذلك أن اإلسالم كدين<br />
وكمؤسسة من خالل مبادئه وأخالقياته وتعاليمه وممارساته إمنا هو دين<br />
إنساني مسامل لقوله تعاىل:}<br />
اهلل أنه هو السميع العليم{،<br />
وإن جنحوا للسلم فاجنح هلا وتوكل على<br />
)21(<br />
حتى أن انتشار اإلسالم كان مبنطق<br />
اإلقناع واإلميان باملبادئ ال بالقوة واإلكراه لقوله تعاىل:<br />
{<br />
ال إكراه يف<br />
الدين وما على الرسول إال البالغ املبني، فذكر إمنا أنت مذكر ليست<br />
)22(<br />
عليهم مبسيطر{.<br />
واملوقف العلمي هنا ال جيعلنا نربأ الدين وال مؤسسته مما قد حيدث<br />
يف الواقع احمللي واإلقليمي اليوم<br />
-<br />
خصوصا بعد تفجريات احلادي عشر أيلول<br />
وحنن نعلم أن تهم اإلسالم ازدادت<br />
2221<br />
يف الواليات املتحدة<br />
األمريكية وتفجريات لندن وفرنسا وإسبانيا ومصر، فاتهمت اجلالية<br />
اإلسالمية من طرف املغرضون واليت راح ضحيتها اآلالف من البشر.<br />
)22(<br />
بدليل أن الدين قد يكون سببا من أسباب العنف واإلرهاب ال سيما<br />
أن كان الفرد متعصبا ومتحيزا لدينه أو طائفته الدنية ضد األديان<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
والطوائف األخرى ، وهذا ليس معناه احلقيقي أن الدين وال مؤسساته هو<br />
سبب اإلرهاب بل األشخاص الذين يتعصبون و يتحيزون له نتيجة تربيتهم<br />
الدينية واألخالقية وتنشئتهم االجتماعية والسلوكية واحلديث جيري<br />
داخل اجملتمع احمللي أو خارجه.<br />
)21(<br />
ولو مثلنا ما جيري اليوم يف العراق أين غاب دور مؤسسة الدين<br />
اإلسالمي، وأتضح ما أمساه املرحوم "حممد أركون" "اإلسالم الشعيب"،<br />
بدليل التعصب الديين والطائفي، حيث أن هناك بعض أهل السنة<br />
يتعصبون للسنة ضد الشيعة، وبعض الشيعة يتعصبون للشيعة ضد السنة؛<br />
وهذا ما يدفعهم إىل االقتتال فيما بينهم يف أقل ما ميكن القول عنها إنها<br />
"حرب العصابات"، ومنه ختلص إىل الطائفية أو العرق وهو سبب مهم من<br />
أسباب العنف واإلرهاب.<br />
)21(<br />
2 العلمنة ومؤسسة الدين يف اجلزائر:<br />
تتجلى مسات اخلطاب اليوم أنه خاضع للماضي وللمشاكل<br />
السياسية احلالية ال اجتاه الدين، وهذا واضح منذ االستقالل<br />
إن )1812(<br />
القوى االجتماعية واإليديولوجية مل تكن تتجه كلها على منط واحد بعد<br />
استالم السلطة من قبل جمموعة اجملاهدين.<br />
)21(<br />
حيث سيطر اخلطاب<br />
العلمي على اخلطاب الديين مثل ما هو مشار إليه عند الباحث "هنري<br />
سانسون" يف دراسة بعنوان<br />
"<br />
اجلزائر جمتمع طائفي ومع ذلك علماني"<br />
)27(<br />
فالتيارات والصراعات كانت قد ظهرت سابقا أثنا احلرب وسط صفوف<br />
"جبهة التحرير الوطين"<br />
حول الشخصية اإلسالمية أو اجلزائرية للبالد مبعنى هل هي<br />
إسالمية أم جزائرية ؟ حيث برزت تيارات أهمها<br />
:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
الناصر".<br />
-<br />
-<br />
تيار العروبة: املنتصر سابقا يف مصر مبجيء "مجال عبد<br />
تيار علماء الدين: املشدد على االنتماء اإلسالمي للبالد ضمن<br />
خط "السلفيني اإلسالميني".<br />
أقلية خجولة: حتدثت عن انتماء اجلزائري للجزائر، أي<br />
اجلزائر جزائرية حيث وجدت نفسها معزولة قليال أو كثريا من الناحية<br />
اإليديولوجية عن )العروبة والسلفية( رغم أصداء فكرة "اجلامعة<br />
اإلسالمية" اليت كانت تصل إىل السكان بواسطة "علماء الدين"؛ ولكن<br />
هؤالء أنفسهم كانوا يتلقون املعارضة من طرف السكان اجلزائريني<br />
)29(<br />
أنفسهم".<br />
هذا ما ينب أن مؤسسة الدين مل تلعب حينها دورا ميكن<br />
الوصول إىل درجة إن اإلسالم مل يكن ميتلك فيها نفس التواجد الواحدي<br />
والعقائدي واإليديولوجي الذي يتخذه اجملتمع اجلزائري غدية االستقالل<br />
بسب النبثاق الدولة املركزية والقوية للسلطة وأرادت السلطة املركزية<br />
كرد فعل على االستدمار تأكيد انتمائها احلماسي للعروبة<br />
واإليديولوجية اإلسالمية أكثر بكثري من انتمائها لإلسالم كما يقول<br />
املرحوم" حممد أركون" أنه رد فعل أكثر مما هو حتمل مسؤولية الواقع<br />
اجلزائري للنواحي االجتماعية والثقافية والتارخيية بشكل جاد ومتزن، أو<br />
حتمل مسؤولية من قبل دولة حرة فعال.<br />
حيث جند جمتمعنا اليوم يف تطوره ال ينأى- يف اعتقاد<br />
"حممد أركون"- عن الضغوطات اخلارجية وأوهلا اإلستدمارية أو<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
اإليديولوجية العروبوية املبالغة فيها أحيانا؛ أو يتم مبنأى عن إيديولوجيا إسالم<br />
معني ومنصور على أنه دعامة كلها للمقاومة اإلمربيالية اإلستدمارية.<br />
)28(<br />
فالوضع الثقايف يف اجلزائر املعاصرة اليوم يبدو كأنه جزائري<br />
شرعا، رغم الفراغ الثقايف الذي خلفه االستدمار يف حتقيق اهلوية الوطنية ومن<br />
بينها بالطبع اختيار اإلسالم دينا للدولة واللغة العربية لغة وطنية، وما يعرب عن<br />
هذه الطموحات اليت يقل نظريها اليوم نسبيا عنه يف فرتات سابقة يف التغيري،<br />
واملشكل األساسي يف التغيري<br />
هنا أن مشروع اإلصالح املتكامل للثقافة<br />
الوطنية أصطدم بضرورات الواقع القياسية املتمثلة يف منطني أساسني:<br />
)22(<br />
-<br />
اشرأب السكان بالنماذج الغربية:<br />
املنسابة خالل مئة وثالثني<br />
عاما من التعمري اإلستدماري مما جعل ثابتة سوسيولوجية تشكل انسالخا<br />
ثقايف يف دمغ السكان املدنيني خصوصا املقرتبني إىل النماذج الغربية<br />
أمثاهلم الريفيني.<br />
-<br />
الضرورات االقتصادية:<br />
من<br />
وهذا يتضح من إلزامية انفتاح التصنيع على<br />
أوسع تكنولوجيا العامل اخلارجية ومل يكن ممكن إسرتاد وسائل التصنيع التقنية<br />
دون إسرتاد عقلية املبادرة، املالزم للإلسرتاد األول، حيث أدى وجود هذه التقنيات إىل<br />
إشرتاء اجملتمع هلاته التقنيات والبعد على املزارع واألراضي اخلاصة به، وهذا جيعلنا<br />
أمام اجلدل الثنائي بني األصل واملعاصر واخلاص والعام ...والذي يتطلب هنا موقفا<br />
موحدا بني مجيع مؤسسات اجملتمع مبا فيها املؤسسة الدينية.<br />
1 اإلسالم واجلنوسة:<br />
-<br />
هذا التحدي يتضح يف البلدان العربية اإلسالمية من خالل نقطتني<br />
)10(<br />
أساسيتني يف القرن 21م:<br />
سيادة االعتقاد بأن التحرير الوطين جيب أن يتقدم على حترير النساء،<br />
مادام األخري يقود إىل التبعية للغرب من خالل االستهالكية واحلط من قدر النساء<br />
)كعامل داخلي(.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 270<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
الوعي بعدم تقبل الغرب للمؤسسات األسرية اإلسالمية وانتقاده<br />
هلا )كعامل خارجي(.<br />
أذن جند البعض يرفض"األدب الغربي" احملط من قدر املرأة<br />
املسلمة العربية، ويدعو إىل األدب العربي اإلسالمي املؤكد على دور املرأة<br />
بدال من دورها كمصدر للغواية تتالعب حبياة الرجال ومتنعهم من أداء<br />
فرائضهم الدينية؛ وهنا ينبغي للمؤسسة الدين أن يكون هلا وعي بزيادة<br />
الفراغ بني الطبقات الوسطى خصوصا ما بني النساء غري العامالت،<br />
لنتيجة تضاؤل اإلنتاج املنزلي ولذا يتطلب هنا حتويل طاقتهم إىل النشطات<br />
الدينية واخلريية العامة املواجهة للصاحل العام، وهكذا جتمع املؤسسة<br />
الدينية ضمن إيديولوجيتها مزجيا من االلتزام الديين والسخط األخالقي<br />
واملشاركة السياسية ؛ عكس التشريعات اليت تبنتها احلكومات<br />
صوص قانون األحوال الشخصية الذي يؤثر على حياة النساء، وأنه<br />
على مؤسسة الدين يف مسؤولياتها أيضا مراعاة البحث عن هوية عربية<br />
إسالمية أصيلة؛ وعدم الفصل بني الدين والدولة خصوصا عندما يتعلق<br />
األمر بقانون األسرة، واإلحساس بأن الغرب ما يزال يسيطر على التنمية<br />
االقتصادية والثقافية.<br />
)22(<br />
أنواع املؤسسات الدينية يف اجلزائر)وظائفها وأدوارها(:<br />
0 املسجد:<br />
إن األسرة اإلسالمية اليوم مل تعد يف عصرنا الراهن كما<br />
كانت من قبل املؤسسة الرتبوية الرئيسية يف تنشئة األبناء بل أصبحت<br />
هناك مؤسسات أخرى تشارك األسرة يف هذا اجملال لكن املسجد<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 272<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
كمؤسسة دينية يبقى أهمها قيمة يف بناء الشخصية اإلسالمية من خالل<br />
التنشئة االجتماعية السوية لألبناء.<br />
وإن كلمة<br />
"مسجد"<br />
من الناحية اللغوية تطلق على كل مكان<br />
يسجد فيه، وبعد بعثة الرسول – صلى اهلل عليه وسلم-<br />
أصبح يطلق على<br />
املكان املخصص إلقامة الصلوات اخلمس، وكان أول ما فعله الرسول<br />
عندما هاجر إىل املدينة مع أصحابه هو تشيد أول مسجد يف اإلسالم<br />
وهو" مسجد قباء"<br />
وهذا ما ينبأ على مكانة املسجد االجتماعية، الثقافية،<br />
االقتصادية والسياسية اهلامة يف اجملتمع كمؤسسة فاعلة.<br />
)22(<br />
- وظائفه:<br />
-<br />
أتباع الدين ومعتنقيه.<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
قيامها مبهمة تفسري النصوص الدينية وتعاليمها وشرحها بني<br />
أداء الصلوات والطقوس اجلماعية يف أماكن العبادة<br />
املختلفة<br />
كشعرية توحد بني املسلمني، وتؤدي إىل التماسك والتضامن االجتماعي<br />
بينهم. .<br />
الدعوة إىل التمسك بأدآب الدين بني أفراد اجملتمع باعتبار<br />
الدين أداة رئيسية من أداوت الضبط االجتماعي يف اجملتمع.<br />
يؤدي الدين دورا غاية يف األهمية فيما يتعلق بالتماسك<br />
والتضامن االجتماعي، وكذا التكافل االجتماعي بني أفراد اجملتمع.<br />
دور حفظ القرءان الكريم، ومدارسه املنتشرة يف الريف واملدن<br />
حيث تسهم يف حتفيظ القرءان لدى الناشئة وإكسابهم القيم الدينية<br />
وتعريفهم<br />
القهم، وكان املسجد منتدى يلتقي فيه مجيع أفراد هذه<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
-<br />
-<br />
القبائل اليت كانت تعيش قبل اإلسالم قبائل متنابذة ومتشاحنة، وعليه<br />
ميكن القول: بأن املسجد أول مؤسسة اجتماعية أبتكرها اإلسالم<br />
لتكون بيتا هلل وللمسلمني يتشاورون فيه أمور دينهم ودنياهم، كما يعترب<br />
أيضا بيتا للتجارة والقضاء والعلم واملعرفة.<br />
كما يلعب دورا يف تشكيل الشخصية اإلنسانية املؤمنة<br />
املتكاملة من حيث التوجيه واإلرشاد يف جمال الدين والدنيا معا يف<br />
التشريع والعبادات واملعامالت.<br />
تدريب املسلمني على التعاون والعمل اجلماعي الذي هو أساس<br />
بناء اجملتمع، وتدعيم كيانه ويبصر املسلمني بأهمية الوحدة اإلسالمية<br />
ال سيما يف موسم احلج وزيارة احلرمني الشريفني.<br />
واألمثلة عن جتسيد هاته األدوار غنية يف أرض الواقع احمللي<br />
واإلقليمي مثل ما قام به كل من:<br />
األزهر الشريف )110ه<br />
972 ه(:<br />
-<br />
-<br />
املؤسس من طرف الدولة<br />
الفاطمية، والقائم بدور نشر املذهب الفاطمي اإلمساعيلي، والدور قامت<br />
به نفسه "دار احلكمة " يف مصر باإلضافة إىل تدريس القرءان وتدريس<br />
علوم أخرى مثل الفقه واحلديث والتفسري والنحو وجمالس الوعظ وحلقات<br />
الذكر.<br />
املسجد اجلامع: الذي شيده "أبو جعفر" جبوار القبة اخلضرة<br />
وأعاد بناؤه "الرشيد" الذي لعب دورا<br />
-<br />
بارزا يف إثراء الثقافة واملعرفة اإلسالمية.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
جامع الزيتونة: لعب أيضا دورا هاما يف نشر العلم واملعرفة<br />
الدينية يف تونس كجامع<br />
باملغرب.<br />
"<br />
األزهر" يف مصر وجامع" القرويني<br />
بفاس "<br />
وعليه يتضح لنا إن املساجد واجلوامع يف العامل اإلسالمي لعبت<br />
دورا حيويا يف نشر تعاليم الدين اإلسالمي وصقل مقومات الشخصية<br />
اإلسالمية من<br />
(<br />
دين ولغة وعادات وتقاليد...(، واالهتمام بتدريس كل<br />
العلوم ال سيما )النحو والفقه و التفسري..( اليت ترتبط بالدين اإلسالمي<br />
لتحقق وحدة فكرية ودينية يف ربوع العامل اإلسالمي؛ وبهاته األساليب<br />
والوسائل اليت توفرها املؤسسة الدينية تعمل على ترسيخ قيمنا األخالقية<br />
يف األذهان ومحاية ووقاية شبابنا ال سيما املراهق منه، كما ميكنها أن<br />
تعزز روح املواطنة احلقيقية لديه حتى تكون يف ذات الفرد الوالء واالنتماء<br />
للوطن وفكرة التسامح مع اآلخر؛ والشيء نفسه ميكن قوله عن الزاوية<br />
كمؤسسة دينية ثانية فاعلة يف اجملتمع احمللي واإلقليمي أيضا.<br />
)21( :<br />
2 الزاوية<br />
الزاوية هي صمام أمان يف جمال العقيدة، وقد ملئت الفراغات<br />
اإليديولوجية؛ وبالتالي وقفت أمام االندثار احلضاري للمجتمع، كيف ال<br />
وهي اليت يف أحضانها بعثت الدولة وبويع األمري، وآمن املخلوع واملهزوم<br />
واملظلوم، وحرر العبد وفك األسري وإكرام اجلائع وإجابة السائل، وفيها<br />
انطفأت نريان الفنت وسويت النزاعات، وأبرمت األحالف إضافة إىل<br />
تطوير العمران وازدهار الفنون اللغوية كالشعر واحلفظ على التوازن<br />
الروحي و الذاكرة الرتاثية لألمة.<br />
وظائفها:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />
العدد الثاني<br />
جوان
2<br />
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
تتعدت وظائف الزوايا يف اجلزائر وشابهت كثريا مثيالتها يف<br />
باقي دول الوطن العربي، وسنعرض ألهمها مع ذكر أمثلة من خالل<br />
الزوايا يف اجلزائر وخصوصا يف اجلنوب الغربي منها:<br />
0 كونها مركز إشعاع ديين: حبيث أن اهلدف األساسي هو خدمة<br />
الدين ونشره وخترج منها خرية العلماء الكبار يف علوم الفقه والشرع مثل:<br />
عبد الكريم بن حممد بن أبي التواتي التمنطيطي.<br />
الشيخ حممد البكري بن عبد الكريم.<br />
الشيخ سيدي عمر بن عبد القادر التنيالني.<br />
الشيخ حممد عبد الرمحان بن عمر التنيالني.<br />
الشيخ حممد بن عبد الرمحان البلبالي.<br />
الشيخ حممد بن حممد العامل الزجالوي.<br />
والدراسة داخل الزاوية غري حمددة وتتوقف املدة على استيعاب<br />
املواد املقررة للحفظ.<br />
2 الوظيفة االجتماعية: تعددت مساهمة الزوايا اجتماعيا ومن<br />
اخلدمات املتعددة كانت:<br />
تساعد القراء واملعوزين حيث تفتح أبوابها للفقراء واملساكني<br />
الذين جيدون املأوى واملأكل بها.<br />
القيام بعمليات الصلح يف حالة وقوع النزاعات، فكان يتم<br />
االنتقال من الزاوية بالتهليل إىل القصور إلقامة الصلح.<br />
نذكر أهمها هنا:<br />
وقامت بوظائف أخرى متعددة )صحية، زراعية واقتصادية(<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
القصور.<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
أدوار صحية كجمع وقتل احلشرات الضارة املتواجد يف<br />
بعضها أختص بركب احلجيج لوقوعها على الطريق مثل<br />
)زاوية احلاج بلقاسم بقورارة وزاوية أبي نعامة بأقبلي(.<br />
ساهمت يف تنظيم التعاون بني األفراد يف القرية مثل )التويزة<br />
اليت يتعاون فيها مجيع الناس(.<br />
مساهمة الزاوية الكبرية يف إجياد عمل مستقر لكثري من<br />
األشخاص سواء داخل الزاوية أو يف البساتني و األراضي اليت متلكها<br />
خارج القصر.<br />
وإذا أردنا أن نستدل من الواقع مباشرة نأخذ كمثال:<br />
زاوية كنتة: أنشأت يف بداية األمر ألغراض تعليمية ثم عنت<br />
بعد ذلك بأدوار روحية وثقافية ثم اقتصادية وجتارية وجعلت من الصحراء<br />
حبرا آمنا للعالقات التجارية وهمزة وصل بني املغرب العربي وغرب<br />
إفريقيا.<br />
الزاوية الرقانية: لعبت نفس األدوار التارخيية يف الثقافة<br />
والتجارة وتلقني األدوار الرقانية لألتباع.<br />
زاوية تاسفاوت اجلورارية: يف عهد اإلمام املغيلي لعبت دور<br />
اجلهاد ضد اليهود وحركاتهم التجارية واالقتصادية، وعملت ضد تهويد<br />
االقتصاد احمللي فأنشأ الشيخ "سيدي موسى" و" املسعود الشيح الروحي"<br />
هلذه الزاوية أسواقا موازية ألسواق اليهود بتيميمون؛ والزال أثر هذه<br />
األسواق موجودا إىل يومنا هذا فنجد أثر لسوق يسمى " سيدي موسى".<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 277<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
-<br />
-<br />
)21(<br />
زاوية تاسفاوت البكرية: هي من ضمن الزاوية البارزة باملنطقة<br />
، خترج منها مجلة من العلماء وذلك سر انتشار فروعها اليت جتاوزت<br />
حدود الوطن لتدخل تونس وليبيا، وهلا دورا إصالحيا ال يستهان به.<br />
الزاوية البلبالية: مبلوكة وكوسام امتازت بوظيفة القضاء،<br />
وتتلمذ يف مدارسها مشايخ الزاوية الكرزازية.<br />
دور مؤسسة الدين يف اخلدمة والرعاية االجتماعية:<br />
إن املتتبع لتاريخ نشأة التفكري االجتماعي منذ الدراسات<br />
االجتماعية عند الشرقيني األقدمني ونقصد هنا )الصينيني، واهلنود،<br />
واملصرين القدامى مرورا بالفكر االجتماعي عند اليونان األقدمني<br />
والفكر االجتماعي الروماني والوسيطي والفكر االجتماعي عند العرب؛<br />
نقف عن تلك األهمية احملورية اليت أكتسبها الدين كمؤسسة<br />
اجتماعية فاعلة يف كل املراحل التطورية اليت عرفتها هاته اجملتمعات<br />
والزالت متواصلة حتى اليوم من خالل مجلة من األدوار:<br />
دور مؤسسة الدين يف اخلدمة االجتماعية:<br />
إذا كان الدين أحد مقومات الثقافة يف الشعوب بصفة عامة،<br />
فإن للدين اإلسالمي الدعامة األوىل يف تنظيم اجملتمع اإلسالمي ملا أشتمل<br />
عليه من مبادئ حتدد مستوى املعامالت بني الناس، ومن نظم حتمي هاته<br />
املبادئ وجتعلها واقعية وليست جمرد توصيات أو توجيهات؛ كما أنه مل<br />
يقتصر على املواعظ والوصايا األخالقية فهذا ال يؤثر غالبا يف عموم<br />
الشعب إال إذا صاحبته قوانني واضحة حتدد الواجبات وحتميها.<br />
)21(<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 278<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
ومن هنا يتضح التشريع اإلسالمي متماسكا مع بعضه<br />
البعض، وجناحه متوقف أيضا على املؤسسات االجتماعية األخرى يف أداء<br />
أدوارها الفاعلة.<br />
دور مؤسسة الدين يف الرعاية االجتماعية:<br />
تسعى الرعاية االجتماعية يف إطار الدين اإلسالمي ومؤسساته<br />
إىل احلفاظ على تراث اجملتمع الذي يتضمن جمموعة القيم والعادات<br />
والتقاليد والدين السائدة بني أفراد اجملتمع، كما يتدخل يف حتديد<br />
وتوجيه أمناط السلوك وصور وأشكال التفاعالت الدائرة بني أفراد<br />
اجملتمع، وهذا ما نلمسه من خالل مبادئ الرعاية االجتماعية يف<br />
اإلسالم:<br />
)27(<br />
-<br />
-<br />
-<br />
الوحدة يف سبيل السالم العاملي، )وجعلناكم شعوبا...(<br />
الشورى،<br />
هو أقرب للتقوى...(<br />
(<br />
وأمرهم شورى بينهم...(،<br />
(<br />
-<br />
والعدوان..(<br />
-<br />
-<br />
وشاورهم يف األمر...(<br />
املساواة والعدالة االجتماعية، )وإذا حكمتم بني الناس فاعدلوا<br />
التعاون، )وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلثم<br />
التكافل االجتماعي )أدبي، علمي، دفاعي، التكافل ضد<br />
اجلرائم األخالقي، االقتصادي، يف العبادة، احلضاري، املعيشي...( ومن<br />
أهم جماالت الرعاية االجتماعية اإلسالمية نذكر باختصار:<br />
جمال األسرة )أسلوب الزواج، حقوق الزوجني، نفقة احلضانة<br />
والصغار والزوجة املطلقة، العالقة مع األبناء(.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 279<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
على املريض(.<br />
-<br />
-<br />
-<br />
جمال املرضى واملعاقني)الوقاية من املرض، النظافة، العطف<br />
جمال األيتام.<br />
جمال املسنني.<br />
مواقف غربية اجتاه الدين ودوره كمؤسسة:<br />
-<br />
-<br />
-<br />
االجتاه السليب:<br />
أن البحث يف الثقافات الغربية املتعلقة بدراسة اإلنسان جعلنا<br />
نكتشف العديد من النظريات النفسية واالجتماعية و الوجودية، اليت<br />
ليس يف خدمة اإلنسان وال اجملتمع على حد سواء بل حتى أنها معارضة<br />
للدين على وجه اخلصوص؛ وإذا أردنا على سبيل املثال ال احلصر نذكر<br />
مثال:<br />
فرويد: نادى ببهمية اإلنسان، خلص اإلنسانية يف حافز جنسي.<br />
كارل ماركس: نادى ببهمية التاريخ، وخلص التاريخ يف عامل<br />
اقتصادي، والسياسة االقتصادية مرتكزة على العقل املادي فقط.<br />
هربرت ماركوز: نادى اجلميع باخلروج إىل جمتمع اللذة الذي تباح<br />
فيه احملظورات واالستمتاع اجلنسي والعاطفي واجلمالي بال رادع من دين أو<br />
خلق أو تقاليد، والتمرد على نداء العقل واملنطق ونقاء القلب وصفاء الروح؛<br />
ولألسف الشديد نرى الثقافة الغربية تتفق متاما مع أراء هؤالء اليهود الذين<br />
يفسدون يف األرض كما يقول "حممد حسني فهمي" يف كتابه<br />
االجتماعية، ص<br />
(<br />
))222 -222(<br />
«:<br />
الرعاية<br />
لقد أفسدوا اجملتمع العربي يف مجيع جوانبه وأنتشر اإلحلاد<br />
واخلمور املخدرات وهتك األعراض والفسق وكل أنواع االحنالل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
واألمراض اخلبيثة، وشتان بني هاته الثقافة والثقافة اإلسالمية اليت<br />
حتافظ على جسم اإلنسان وعقله، وحتافظ على شرفه وكرامته، كما<br />
حتافظ على العالقة بني اإلنسان وربه، وبالتالي هي حتافظ على العالقات<br />
الطيبة بينه وبني غريه من أفراد اجملتمع ؛كما حتافظ على أن يتمتع<br />
)29(<br />
بالدنيا ويتمتع باآلخرة وحتقق له السعادة فيهما«.<br />
االجتاه اإلجيابي:<br />
يعترب"دوتوكفيل" )1921-<br />
1918م( من بني كالسيكي<br />
علم االجتماع األديان يف كتابه: "الدميقراطية يف أمريكا<br />
الحظا احلياة "<br />
االجتماعية األمريكية بنظرة ثاقبة فالحظ دور الدين املهم يف تشكيل<br />
الدميقراطية وتطويرها، وحسب "دوتوكفيل" أن الدين كمؤسسة<br />
سياسية يف الواليات املتحدة األمريكية يشعر بالرغبة إىل اجملتمع اجلمعي<br />
" على أساس<br />
اإلميان العقائدي" يف ما خيتص بالدين من خالل قوله<br />
«:<br />
للبشر إذا مصلحة مشرتكة يف تكوين أفكار ثابتة حول اهلل والروح<br />
وواجباتهم العامة جتاه اخلالق وجتاه بعضهم البعض، ال شك يف هذه<br />
النقاط األولية قد يضيع أعماهلم كلها يف يد الصدفة وحيكم عليهم إىل<br />
حدا ما بالفوضى والعجز«.<br />
)28(<br />
«<br />
ويكفينا شرفا وداللة على عظمة اإلسالم أن يعرتف بذلك<br />
الغربيون أنفسهم إذ يقول "برنارد شو":<br />
إني أرى اإلسالم دين أوربا يف أواخر القرن العشرين«، وقال<br />
"جوته" عندما أدرك حقيقة اإلسالم: »إن كان هذا هو اإلسالم أفال<br />
نكون مسلمني«.<br />
)12(<br />
آفاق العالج:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 280<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
-<br />
-<br />
من خالل مقدمة هذا البحث، وحماولة استقراء الواقع تأمليا<br />
ميكننا أن نقدم مجلة من اآلفاق اليت عسى أن تكون توصيات ميكنها<br />
االستفادة منها يف اخلروج من أزمة مؤسسة الدين يف واقعنا اليوم؛ ويف ظل<br />
التحديات اليت يعرفها واملتمثلة فيما يلي:<br />
استعادة األدوار والوظائف األصلية، واليت كانت متتلك<br />
املؤسسة الدينية بفرتة ليست بعيدة عن زمن احنطاط العامل اإلسالمي<br />
بسقوط اخلالفة العثمانية وقيام الدولة الرتكية احلديثة.<br />
العمل على التوحيد العقائدي داخل الدين الواحد وفرض فكر<br />
االنسجام والتناسق بني أمم الوحي )أمة الكتاب(.<br />
واإلبداعية الفكرية.<br />
-<br />
خوض املؤسسة الدينية املعركة السياسية واإلعالمية<br />
فتح مستوى احلوار بني الثقافات حتى احلوار الذي يتجاوز<br />
الثقافات اخلصوصية.<br />
فلم يعد للمرء أن يصل إىل بر األمان، واخلالص عن طريق<br />
طائفة دينية؛ أو أمته القومية وحدها فقط؛ وإمنا ينبغي علينا أن نتجاوز<br />
اإلشكاليات و "القيم" "واهلويات" التقليدية املوروثة داخل كل مجاعة أو<br />
أمة أو طائفة أو مذهب وينبغي أن نوسع نقد القيمة ونعممه أكثر حسب<br />
ما قال املرحوم "حممد أركون"،<br />
)11(<br />
وأن كنا ال نتبنى كل مواقفه باسم<br />
العلمنة ال سيما ما له عالقة بقدسية نصوص القرءان الكريم والسنة<br />
النبوية الشريفة.<br />
خاتمة:<br />
مما سبق ميكننا استنتاج أن املؤسسات الرتبوية التقليدية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 282<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-<br />
الزوايا، املساجد، والكتاتيب...- كمؤسسات دينية- من جهة كونها<br />
ممانعة ثقافية لتحصني الذات العربية ضد آليات العوملة والتنميط الثقايف،<br />
لعبت دورا مهما يف احلفاظ على مقومات الشخصية واهلوية الوطنية<br />
والزالت حلد اآلن؛ وإن كان هنا فتورا نسبا يف وظائفها وأدوارها اليوم،<br />
وهذا راجع يف اعتقادنا لطبيعة عالقتها مع املؤسسات االجتماعية األخرى<br />
تكميال للدور املناط بها، فال سبيل لوحدة اجتماعية متناسقة ومنسجمة<br />
خارج هاته التفاعلية، واليت نراها أكثر ضرورة من السابق يف ظل<br />
التحديات اليت يعرفها واقعنا اليوم، وهذا وداللة على أن املؤسسة الدينية<br />
ليست كفيلة بنفسها يف توجيه وترشيد سلوك الفرد واجملتمع، وأن هناك<br />
مؤسسات غري دينية حتمل على عاتقها املسؤولية نفسها من خالل قيامها<br />
بأدوارها احلقة مثل املؤسسات )السياسية واالقتصادية والثقافية والرتبوية<br />
...اخل(؛ واليت تتماشى مع القيم واملبادئ اإلنسانية اليت ينعم بها الدين<br />
اإلسالمي دون غريه من األديان اليت قدست أصحابها العقل البشري<br />
وأهملوا الوحي اإلهلي يف عالقته باإلنسان والوجود.<br />
فما هي امليكانيزمات اليت ينبغي للمؤسسة الدينية<br />
–<br />
العربية اإلسالمية- التمتع بها يف ظل فكرة صدام أو صراع احلضارات<br />
كفكرة متشائمة يعرفها العامل اليوم، وهل ميكننا القول أن فكرة<br />
العوملة كفكرة متفائلة تلغي دورا وأهمية هاته املؤسسة يف تكوين<br />
جمتمع عاملي منسجم ومتناسق يف وحدة إنسانية فاعلة ومتفاعلة اجتماعيا<br />
وسياسيا واقتصاديا وثقافيا؟<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
اإلحاالت و اهلوامش:<br />
-1<br />
-2<br />
مجيل صليبا، املعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، جزء األول، دط،<br />
بريوت، 1892، ص172.<br />
خليل أمحد خليل،<br />
ط1، بريوت، 1881، ص79.<br />
املرجع نفسه، ص79.<br />
معجم املصطلحات الفلسفية، دار الفكر اللبناني،<br />
-3<br />
Roussel-DICTIONNAIRE de 4-Gérard Durozoi-André<br />
Nathan. .Gérard Durozoi-André Roussel philosophie.<br />
P.195،France par I.M.E 2003 Imprime en<br />
-1<br />
حممود يعقوبي،<br />
1872، ص11.<br />
-1<br />
معجم الفلسفة، امليزان للنشر والتوزيع، ط2، اجلزائر<br />
مجيل صليبا، املعجم الفلسفي، ص)172-<br />
املرجع نفسه. ص172.<br />
.)172<br />
-7<br />
8-Gérard Durozoi-André Roussel-DICTIONNAIRE de<br />
.221 P.،philosophie<br />
.2219-Ibid. P<br />
12- حممود يعقوبي، معجم الفلسفة، ص12.<br />
-11<br />
فاروق مداسي، قاموس مصطلحات علم االجتماع، دار مدني للطباعة<br />
والنشر، دط، اجلزائر،2222، ص<br />
.)221<br />
-222(<br />
-12<br />
-12<br />
أبو زهرة حممد، االفرتاءات ضد اإلسالم، القاهرة،<br />
املصرية، دط، 1898، ص 112.<br />
مطبعة األجنلو<br />
إحسان حممد احلسن، علم االجتماع العنف واإلرهاب، دار وائل، ط1،<br />
،2229 ص .11<br />
-11<br />
سورة النمل،<br />
اآلية 121.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-11<br />
-11<br />
-17<br />
-19<br />
-18<br />
سورة البقرة، اآلية 227.<br />
معروف بشار،املسند اجلامع، اجمللد2، مطبعة األوقاف دار الشؤون<br />
الدينية، دط، بغداد. 1891، ص211.<br />
املصدر السابق، ص 22.<br />
عسر إبراهيم، بلوغ املرام من أدلة اإلحكام، لإلمام ابن حجر<br />
العسقالني، دار العلوم احلديثة، بريوت، 1897، ص288.<br />
القبنجي عالء الدين، سايكولوجية العنف يف العراق، جملة النبأ،<br />
املستقبل للثقافة والنشر،عدد<br />
، 2222 ، 19 ص11(.<br />
M . The construction of religions thoughtin ، Iqbal22 -<br />
. P27، 1946،Islam Karachi<br />
- 21<br />
-22<br />
سورة األنفال،<br />
سورة الغاشية،<br />
اآلية 12.<br />
اآلية 22.-<br />
Neps2 ، the Fallacy of charges Against Islam، G،- Aczel22<br />
3.، P، 2005، Budapest،a bag News Paper<br />
M .F. Religion and terrorism. London the ،- Wickham21<br />
9.،.P Press .2002<br />
-25<br />
-21<br />
إحسان حممد احلسن، علم االجتماع العنف واإلرهاب، ص، 121.<br />
حممد أركون، العلمنة والدين اإلسالمي )اإلسالم، املسيحية، الغرب(،<br />
دار الساقي، ط2، بريوت، 1881، ص11.<br />
société confessionnelle et pour ، Algérie ،- Henri Sanson27<br />
53 .، No،tant Iaîque centre thomas more<br />
-29<br />
-28<br />
املرجع السابق، ص<br />
-11(<br />
املرجع السابق، ص22.<br />
.)17<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />
العدد الثاني<br />
جوان
املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />
أ.ناجم موالي<br />
-22<br />
-21<br />
نور الدين طواليب، التغري االجتماعي يف اجلزائر- البحث عن اهلوية<br />
الثقافية، ديوان املطبوعات اجلامعية، اجلزائر، ط1، 1899، ص 12.<br />
إيفون يزبك حداد وجون ل. إسبوزيتو؛ اإلسالم واجلنوسة والتغري<br />
االجتماعي، تر: أمل الشرقي ومر: فؤاد سروجي، األهلية للنشر والتوزيع،<br />
ط1،األردن، 2222.<br />
-22<br />
-22<br />
املرجع السابق، ص<br />
.)71 -19(<br />
-21<br />
راجع: مدحيه حممد سيد إبراهيم، علم االجتماع الديين، دار الفكر<br />
العربي،بريوت، دط، دس.<br />
والية أدرار، أدرار تاريخ وتراث، نشرة مبناسبة امللتقى الوطين األول<br />
الشيخ سيدي حممد بن لكبري يومي:<br />
21 -22<br />
جوان<br />
2212، ص)12-<br />
.)11<br />
-21<br />
راجع صالح شرويف، مدخل يف علم االجتماع، دار العلوم والنشر<br />
والتوزيع، دط، عنابة، 2221، ص)29-<br />
.)82<br />
-21<br />
-27<br />
-29<br />
-28<br />
حممد سيدي فهمي، الرعاية االجتماعية اإلسالمية، دار الوفاء لدنيا<br />
الطباعة والنشر، دط، األسكندرية، 2221،ص 17 وما بعدها.<br />
املرجع نفسه، ص)17-<br />
املرجع نفسه، ص<br />
.)211<br />
.)222 -222(<br />
-12<br />
-11<br />
جان- بول ويليم، األديان يف علم االجتماع، تر: بسمة بدران، املؤسسة<br />
اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 2221، ص)21 و229(.<br />
حممد سيدي فهمي، الرعاية االجتماعية اإلسالمية، ص 222.<br />
حممد أركون، العلمنة والدين اإلسالمي )اإلسالم، املسيحية، الغرب(،<br />
ص 91<br />
وما بعدها.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
مقدمة<br />
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة،<br />
جامعة معسكر.<br />
:<br />
العمل اخلريي التطوعي دعامة أساسية من دعامات التنمية مبفهومها<br />
الشامل ودليل ساطع على حيوية اجملتمع واستعداد أفراده للتضحية،وميثل<br />
مبنهجه االجتماعي واإلنساني سلوكا حضاريا ترتقي به اجملتمعات منذ<br />
قدم الزمان، ورمزا للتكافل والتعاون بني أفراد اجملتمع ضمن خمتلف<br />
مؤسساته،فقد أسهم التطوع عرب التاريخ يف إعادة التوازن للمجتمعات<br />
اإلنسانية من حيث فتح باب العطاء من األغنياء للفقراء وعلى الرغم من<br />
أن العرب قبل اإلسالم،عرفوا قيمة اخلري الذي يقدمه القادر على العطاء<br />
يف بعض صوره كالكرم وجندة امللهوف،ومساعدة الفقري، إال أن أرقى<br />
صوره هي ذلك الذي يستهدف اجلزاء األوفى من اهلل سبحانه<br />
وتعاىل،حيث تنتهي منظومة العمل التطوعي يف املنظور اإلسالمي إىل<br />
قيمة اجتماعية هي قيمة التضامن أو التكافل االجتماعي وقيمة روحية<br />
أعلى هي قيمة التقوى والعمل الصاحل،وهذا االنتماء الذي جيمع طريف<br />
معادلة الروح واملادة ال يتوفر يف أي منظومة تطوعية أخرى مستمدة من<br />
أصول الفلسفات الوضعية، وتتجلى األهمية الكربى هلذا االنتماء املزدوج<br />
يف كل مكونات منظومة األعمال التطوعية اليت حض عليها<br />
اإلسالم،ويف مقدمتها الوقف والزكاة اليت أصبحت مؤسسة دينية قائمة<br />
بذاتها من خالل صندوق الزكاة.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 287<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
-0<br />
وال شك أن العمل التطوعي يكون أكثر فعالية عندما يتبلور ويتهيكل يف<br />
شكل تنظيمي جيعله أكثر قدرة على تنظيم الطاقات واستثمارها،وتلبية<br />
االحتياجات اجملتمعية املتجددة واملتغرية،حيث أن جناحه مرهون بتوافر<br />
عناصر عديدة يف مقدمتها تعبئة مجاهريية تشكل جمموعة قيم، تساهم<br />
يف إرساء ثقافة العمل التطوعي واالرتقاء به من املستوى الفردي إىل<br />
املستوى املؤسسي من خالل عملية االتصال واليت هي عملية دينامية ذات<br />
اجتاهني هما اإلرسال واالستقبال،يف إطارها يتم بناء املنهاج الذي تصاغ<br />
من خالله األفكار وآليات العمل، ومن قنوات االتصال اخلطاب<br />
الديين،حيث يقرتن اخلطاب يف القرآن بالعزة واحلكمة والعظمة<br />
الربانية، ومن أشكاله اخلطاب اإلعالمي الديين وخطبة اجلمعة فهذه<br />
األخرية مثال أداة اتصال فعال،حيث تكتسي أهميتها،من كونها<br />
متكررة أسبوعيا،وهي إلزامية )للرجال( ومن أركانها أنها ال تصح إال يف<br />
البيت،كما أن مجهورها متنوع،وبالتالي يصل تأثريها غالبا إىل كل بيت.<br />
وما يالحظ أن العمل التطوعي يف جمتمعنا الزال فرديا،عفويا وحمدودا<br />
رغم أهميته على عكس اجملتمعات الغربية اليت يتطور فيها التطوع يوما<br />
بعد أخر كما ونوعا وأهدافا. فما دور اخلطاب الديين يف إرساء ثقافة<br />
العمل التطوعي وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي؟<br />
التطوع ركيزة العمل اخلريي<br />
لقد عين اإلسالم عناية بالغة بالعمل اخلريي. واخلري يف املنظور<br />
اإلسالمي هو الفعل أو القول الذي ينفع اآلخرين، ويسعد صاحبه يف الدنيا<br />
واآلخرة. وقد وجه اإلسالم اإلنسان إىل كل باب للخري، وعمل على إغالق<br />
كل باب للشر، فاإلسالم هو دين الفطرة اخلالصة من الشوائب قال<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 288<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
تعاىل "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل<br />
خللق اهلل دلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون" الروم، اآلية<br />
.22<br />
ويأتي العمل اخلريي يف القرآن والسنة بصيغ شتى، بعضها أمر به وترغيب<br />
فيه، وبعضها نهي عن ضده أو حتذير منه، وبعضها يثين على فعل اخلري<br />
يف ذاته، وبعضها يثين على الدعوة إليه، والتنافس فيه، وإن صغر، ففي<br />
الدعوة إىل قول اخلري وفعله والتسابق عليه، يقول تعاىل<br />
حسنا<br />
"<br />
البقرة، اآلية "<br />
92<br />
احلج، اآلية 77.<br />
وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال<br />
" ويقول أيضا<br />
وقولوا للناس<br />
وافعلوا اخلري لعلكم تفلحون<br />
"<br />
:<br />
»جاء الفقراء اىل النيب )ص( فقالوا<br />
ذهب :<br />
اهل الدثور من االموال بالدرجات العال والنعيم املقيم، يصلون كما نصلي،<br />
ويصومون كما نصوم، وهلم فضل من اموال حيجون بها ويعتمرون وجياهدون<br />
ويتصدقون قال<br />
:<br />
أال أحدثكم بأمر إن أخذمت به أدركتم من سبقكم، ومل<br />
يدرككم احد بعدكم وكنتم خري من انتم بني ظهرانية إال من عمل مثله؟<br />
تسبحون، وحتمدون وتكربون خلف كل صالة ثالثا وثالثني«<br />
وكما مدح القرآن فاعلي اخلري والداعيني اإليه ذم أبلغ الذم الذين<br />
مينعون اخلري، يقول تعاىل "وال تطع كل حالف مهني<br />
*مناع للخري معتد اثيم" القلم، اآلية 12-<br />
*<br />
.12<br />
هماز مشاء بنميم<br />
ومن أصول اإلسالم وجوب التعاون عليه، فاملرء قليل بنفسه كثري<br />
بإخوانه وأعوانه وماال يستطيعه الفرد قد تستطيعه اجلماعة.حيث يقول<br />
" تعاىل<br />
وتعاونوا على الرب والتقوى" املائدة، اآلية 2، ويقول على لسان ذي<br />
القرنني وهو يرد على القوم الذين طلبوا ان يدفعوا له خرجا ويتوىل الدفاع<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 289<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
:" عنهم<br />
ما مكين فيه ربي خري فأعينوني بقوة<br />
"<br />
الكهف، اآلية 81، وهي<br />
صورة من صور التعاون بني احلاكم والرعية.<br />
والعمل اخلريي ينهض على التطوع، الذي يعد جتسيدا عمليا ملبدأ<br />
التكافل االجتماعي فهو تعبري عن معاني اإلنسانية الفاضلة، حيمل<br />
عنصر املبادرة احمللية يف التعبري عن احلاجة، واإلحساس باملشكلة،<br />
وحماولة معاجلتها، وتربز أهمية التطوع، واحلاجة إليه كلما تقدم<br />
اجملتمع، وتعقدت العالقات االجتماعية، وقد اختذ يف سريورته أشكاال<br />
خمتلفة، حيث بدا باجلهود الفردية ثم األسرية ثم القبلية، معتمدا على<br />
البساطة يف النشاط والنظم والعالقات بني األفراد ونتيجة لزيادة منو أفراد<br />
القبيلة الواحدة، احتل الدين مركز القيادة يف اجملتمع، وأصبح الوالء<br />
الديين من أقوى الدوافع التطوعية لتقديم الرب واإلحسان.<br />
حيث يعرف التطوع لغة بأنه<br />
"<br />
يلزمه فرضه " )مصطفى متولي،1882<br />
ما تربع به الفرد من ذات نفسه، مما ال<br />
)21:<br />
أما اصطالحا فقد تعددت<br />
تعاريف التطوع لرتكيز كل واحد منها على جانب معني، لكنها اتفقت<br />
على أن التطوع جهود إنسانية، متارس من قبل األفراد واملؤسسات، قائم<br />
على أساس الرغبة الذاتية للفرد، فهو غري رحبي، يتخذ أشكاال وصورا<br />
متعددة، حيث عرفه ياسني قرشي بأنه<br />
"<br />
العمل النافع الذي ميارسه الفرد<br />
من خالل كل املؤسسات يف اجملتمع، املؤسسة األسرية أو احلكومية أو<br />
اخلاصة أو األهلية " )فريد ياسني<br />
قرشي،1881: 21(<br />
اما راشد حممد راشد فيعرف التطوع بأنه "التضحية بالوقت او اجلهد أو<br />
املال، دون انتظار عائد مادي،يوازي اجلهد املبذول " )راشد حممد<br />
راشد،1882<br />
)11 :<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
يف حني يعرفه خمتار إبراهيم عجوبة انه<br />
"<br />
أي عمل يقوم به شخص أو<br />
مؤسسة ما، وبصورة منظمة دون أن يعطى أجرا مقابل ما يؤدي من عمل،<br />
مهما كان حجمه ودرجته ونوعه وتكلفته املادية واملعنوية<br />
إبراهيم عجوبة،1899<br />
" )خمتار<br />
)178 :<br />
وعليه فالعمل التطوعي هو تنظيم األفكار واجلهود والعالقات من أجل<br />
تقديم خدمات اجتماعية واالستفادة من كل ما ميكن أن يقدمه<br />
املتطوعون يف خمتلف اجلوانب لدعم ذلك التوجه من فكر وجهد ومال<br />
ووقت وعالقات، ويستمد أهميته من أثاره ومساهماته عرب التاريخ يف<br />
إعادة التوازن للمجتمعات البشرية،من خالل فتح باب العطاء من األغنياء<br />
إىل الفقراء، ومن القادرين للعاجزين، حيث أصبح يف الوقت احلاضر<br />
ضرورة اجتماعية، يشرتك فيها األفراد يف حدود قدراتهم وإمكاناتهم ويف<br />
ضوء احتياجات اجلماعة واجملتمع، وألنه من الوسائل الفعالة اليت<br />
يستخدمها احملتمع لتقدمه يف إطار أهدافه، يأتي اهتمام الدولة به،<br />
والدعوة اىل املشاركة باجيابية يف مشروعاته كنشاط تربوي. ومن آثار<br />
التطوع على الفرد واجملتمع ذلك الذي رصده عمر القثمي وبينه يف النقاط<br />
اآلتية: )عبد الرزاق خيلف،2228<br />
) 21:<br />
أوال : يف احلياة املتطوع<br />
:<br />
-<br />
-<br />
-<br />
فيه إشباع للرغبات وحتقيق للذات وشغل للفراغ برد اجلميل للمجتمع.<br />
فيه فتح باب للتعود على االحتساب واألجر من عند اهلل عز وجل.<br />
يشعر املتطوع بالسعادة ملشاركته من حوله وختفيف معاناته.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 290<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
-<br />
يتيح الفرصة لتبادل اخلربات الكثرية واملفيدة، من خالل االحتكاك<br />
بالزمالء.<br />
-<br />
-<br />
-<br />
يساعد املتطوع للحصول على االحرتام وتقدير وقبول أفراد اجملتمع.<br />
ينمي القدرات الذهنية لدى املتطوع، ويعمل على إرساء قاعدة متينة<br />
من السلوكات احلميدة يف اجملتمع.<br />
يعني على الثقة بالنفس وحتمل املسؤوليات االجتماعية ومواجهة<br />
املشكالت بشكل مباشر.<br />
ثانيا : يف احلياة اجملتمع:<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
يدعم العمل احلكومي ويرفع مستوى اخلدمة االجتماعية.<br />
يعد ظاهرة اجتماعية محيدة للداللة على حيوية اجملتمع<br />
يعد مؤشرا جيدا للحكم على مدى تقدم الشعوب ورقيتها.<br />
يشجع على االستفادة من قدرات املتطوعني.<br />
يسهم يف تقليل حجم املشكالت االجتماعية، من خالل دعوة أفراد<br />
اجملتمع للمشاركة يف تأدية اخلدمات بأنفسهم لصاحل جمتمعهم<br />
ومنه فالتطوع ركيزة من ركائز الرعاية االجتماعية، تنهض عليه<br />
اجلمعيات اخلريية اليت تتيح الفرصة ملن أراد التقرب اىل اهلل سبحانه<br />
وتعاىل، بوقف قدر من ماله النقدي أو العيين على غرض من األغراض<br />
اخلريية، كما أنه ليس عمال يسد ثغرة يف نشاط الدولة واهليئات<br />
االجتماعية فقط، بل أنه يعمل على تنمية اإلحساس لدى املتطوع، ومن<br />
تقدم إليه اخلدمة باالنتماء واإلرتباط والوالء للمجتمع، فهولون من ألوان<br />
املشاركة االجيابية،ليس فقط يف تقديم اخلدمة، بل يف توجيه ورسم<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 292<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
السياسة اليت تقوم عليها مؤسساته، ومتابعة تنفيذ برناجمها وتقوميها مبا<br />
يعود على اجملتمع بالنفع والفائدة.<br />
وألن العمل التطوعي ممارسة إنسانية، ارتبطت باألعمال النفعية املتعدية<br />
لآلخرين، وأحد الركائز األساسية لبناء أي جمتمع ورمزا لتكافل<br />
وتضامن أفراده،، فان اإلحصائيات تقدر أن نسبة مساهمة اجملتمع<br />
األمريكي يف التربعات اخلارجية الدولية تقدر ب<br />
)عبد القادر عزوز، 2228<br />
ويف دراسة<br />
7<br />
)21:<br />
(<br />
جوردن مانزر<br />
الواليات املتحدة االمريكية يف الفرتة<br />
(Gordon Manser<br />
)1891 -1818(<br />
مليار دوالر سنويا<br />
عن املتطوعني يف<br />
ظهر أن عدد<br />
املتطوعني يف تزايد مستمر، فقد ذكر مكتب العمل األمريكي أن عدد<br />
املتطوعني يف عام<br />
1818 كان 22<br />
مكتب التعداد أن عدد املتطوعني اصبح<br />
منظمة جالوب عام<br />
متطوع بزيادة قدرها<br />
مليون متطوع ويف عام<br />
1871<br />
27<br />
1891<br />
أظهر<br />
مليون متطوع ويف تقرير<br />
ذكر أن عدد املتطوعني وصل إىل<br />
91<br />
% 127<br />
املنظمة أن عدد املتطوعني يقدر ب<br />
ويف عام<br />
1891<br />
82<br />
مليون<br />
أظهرت دراسة لنفس<br />
مليون متطوع، هذا ومت تقويم<br />
الوقت التطوعي يف عام 1891 مبا قيمته 1101 بليون دوالر.<br />
وتشري دراسة معهد جالوب نفسها إىل أن<br />
% 12<br />
من املتطوعني كرسوا<br />
أنفسهم لألنشطة الدينية، وهذا يظهر لنا أهمية جمال التطوع يف<br />
املؤسسات الدينية يف الواليات املتحدة األمريكية. ويعكس لنا أهمية<br />
املتطوعني يف العمل الدعوي، ويف املنظمات اإلسالمية بصفة عامة، واليت<br />
هي حباجة ماسة إىل جهود الكثري من املتطوعني على اختالف<br />
ختصصاتهم وقدراتهم )حممد سيد فهمي، 2221<br />
.)272<br />
-271 :<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
ويدعم هذا ما جاء يف مداخلة لألستاذ علي بوناب حول تأصيل العمل<br />
اخلريي، ضمن امللتقى الوطين الثاني حول ترقية العمل اخلريي من تنظيم<br />
مجعية صناع احلياة جبامعة البليدة يومي<br />
عدد املنظمات يف الو.م.أ<br />
و22 أفريل 21<br />
2212. حيث<br />
101<br />
و19 %<br />
منها بنيت على أساس ديين.<br />
ويف بريطانيا عدد املتطوعني يفوق<br />
أن<br />
مليون منظمة، ثلثها ذات طابع خريي<br />
82<br />
مليون متطوع مبعدل<br />
ساعات 1<br />
أسبوعيا حيث مت جعل العمل التطوعي كمحور مهم يف الربامج الرتبوية<br />
مبعدل أسبوعني يف السنة. أما يف الكيان الصهيوني فيعد 12 ألف منظمة<br />
غري رحبية، ميثل الدعم احلكومي هلا %. 11<br />
أما يف العامل العربي فإن العمل التطوعي الزال ضعيفا عفويا، حمدودا<br />
وفرديا يف أغلبه،ومن مؤشرات ذلك، ما أظهرته دراسة ميدانية عن التطوع<br />
يف العامل العربي، قامت بها الشبكة العربية للمنظمات األهلية كون أن<br />
الشباب من سن<br />
22 -11<br />
سنة هم أقل فئة مهتمة بالتطوع برغم<br />
إمكانيات وقدرات الشباب يف هذا السن للقيام بأعمال ختدم اجملتمع<br />
بصورة فائقة.<br />
وكذا مشكل التمويل الذي تعانيه املنظمات اخلريية اإلسالمية عامة،<br />
فال خالف على أن املال مقوم رئيس من مقومات احلياة الدنيا، فقد<br />
ذكره القرآن الكريم يف مواضع كثرية بأنه زينة احلياة الدنيا،يقول<br />
تعاىل"املال والبنون زينة احلياة الدنيا والباقيات الصاحلات خري عند ربك<br />
ثوابا وخري أمال" الكهف، اآلية11.<br />
وألهمية املال فقد نظم اإلسالم طرق احلصول عليه، واإلنفاق منه<br />
واحلقوق اليت فيه هلل ولعبادة بشكل بشكل دقيق وحمكم، وبني فضل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
اإلنفاق يف سبيل اهلل، ويقول تعاىل<br />
"<br />
مثل الذين ينفقون يف سبيل اهلل<br />
كمثل حبة انبتت سبغ سنابل يف كل سنبلة مائة حبة واهلل يضاعف ملن<br />
يشاء واهلل واسع عليم"<br />
البقرة،االية 211.<br />
:<br />
العمل اخلريي املؤسسي:<br />
إن الفكرة التطوعية تكون أكثر فاعلية عندما تتبلور يف شكل<br />
مؤسسة ذات قدرة على البقاء والتجرد واالبتكار على حنو ميكنها من<br />
تلبية االحتياجات االجتماعية املتجددة واملتغرية من فرتة إىل أخرى، فقد<br />
ظلت جهود الرب واإلحسان تأخذ الطابع الفردي، واستمرت على ذلك<br />
بالرغم من مشاركة املؤسسات واهليئات الدينية للمجتمع، واستمر احلال<br />
على ذلك،حتى اتسعت رقعة اجملتمعات البشرية وتعرض اإلنسانية هلزات<br />
اجتماعية واقتصادية قوية.فقد أدت هذه اهلزات والتغريات إىل ضرورة<br />
تدخل اجملتمع احمللي والدولة ملساعدة وتوحيد اجلهود األهلية وجتميعها<br />
وتنظيمها لتتضافر وحتقق تأثريا أكرب ومردودا أفضل، فربزت فكرة<br />
إنشاء مجعيات خريية للرب واإلحسان، وكان ذلك يف القرن ال18 حيث<br />
حدثت تطورات مهمة يف ميدان اخلدمة االجتماعية التطوعية، وبعد ذلك<br />
انتشرت اجلمعيات اخلريية يف خمتلف أحناء العامل كحركة أهلية تطوعية<br />
القت تأييد الشعوب واحلكومات على حد سواء، ومع أن غالبية هذه اجلمعيات<br />
احنصر نشاطها يف بادئ األمر على تقديم املساعدة واخلدمات إال أن خدماتها<br />
سرعان ما تطورت، فتعددت جماالت املساعدة واخلدمات وأصبحت تشمل<br />
)حفصة بنت حممد بن عبد اهلل املنيف، 2221<br />
) 12:<br />
-<br />
ومجاعاته.<br />
خدمة اجملتمع وتقديم أوجه الرعاية االجتماعية ألفراده<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
القيام بدور ريادي على صعيد التنمية احمللية.<br />
تقديم املساعدات والدعم املالي والعيين لألسر الفقرية.<br />
مساعدة املعاقني حركيا وعقليا وكبار السن.<br />
االهتمام بالطفولة ورعايتها عن طريق إنشاء دور للحضانة وريا<br />
ض لألطفال ومراكز األلعاب.<br />
اجلغرافية.<br />
-<br />
-<br />
اإلسهام يف رفع ومشول مستوى اخلدمات الصحية لكل املناطق<br />
النهوض باملرأة وتطويرها من الناحية االجتماعية والثقافية.<br />
االهتمام بتطوير القدرات الفنية والعلمية لألعضاء وغريهم.<br />
إن حتول العمل اخلريي من جهد فردي عشوائي إىل جهد مجاعي<br />
منظم،يطبق األسس العلمية يف اإلحصاء وطرق التوزيع والبحث، يتطلب<br />
توفري اإلمكانات املالية والكوادر املتخصصة املدربة يف مجيع اجملاالت،<br />
السيما مع تطور وازدياد احلاجات وتشعب املطالب احلياتية وتعددها،<br />
فتمويل املنظمات االجتماعية على سبيل املثال مل يعد عمال فرديا،بل<br />
أصبح علما له خرباؤه ونظرياته وأساليبه واليت استطاعت القفز بالرصيد<br />
املالي للمؤسسات التنصريية والذي جاء ذكره سابقا.<br />
وألن العمل اخلريي التطوعي فيه خري الدنيا واآلخرة، وهدف نبيل<br />
لألتقياء الذين يسعون لرضا اهلل وثوابه، ورمزا للتكافل االجتماعي، فإن<br />
اجملتمع اجلزائري قد مارس العمل التطوعي قبل ظهور اجلمعيات<br />
اخلريية، من خالل اجلهود الفردية أو العائلية أو جمتمع القرية،أومن<br />
خالل صناديق الرب، فقد كان القائمون على هذه الصناديق جيمعون<br />
األموال والصدقات من املوسرين يف مواسم معينة إلعطائها للمحتاجني يف<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
املناسبات الدينية واألعياد،والزال هذا التقليد مستمرا إىل يومنا هذا رغم<br />
تضاؤله.<br />
ومع التغريات اليت عرفها اجملتمع، واليت أثرت على مفهوم القيم<br />
والعالقات االجتماعية بني األفراد،أصبح اجملتمع حباجة إىل تقديم<br />
خدمات كثرية تعجز عنها األسرة أو جمتمع القرية،لذلك قامت الدولة<br />
بإنشاء وزارة للشؤون االجتماعية باختالف تسمياتها كما قامت بتشجيع<br />
املشاركة األهلية من قبل املواطنني يف خمتلف برامج التنمية االجتماعية<br />
مما أدى إىل قيام العديد من اجلمعيات اخلريية اليت أسهمت يف تقديم<br />
العديد من اخلدمات االجتماعية يف البيئة اليت وجدت فيها، حيث أن أهم<br />
تطور عرفته اجلمعيات اخلريية كان بعد إقرار دستور1898، فلقد بقيت<br />
احلركة اجلمعوية تنشط على أساس القانون الفرنسي الذي حيدد<br />
كيفية إنشاء وتسري وحل اجلمعيات، ذلك ألن اجلزائر كانت يف ذلك<br />
الوقت تعترب جزءا من فرنسا، حتى 1872، حيث مت إصدار أول تشريع<br />
جزائري يف هذا املوضوع،ممثال يف أمرية حتدد اإلجراءات العامة فيما<br />
خيص إنشاء وتنظيم احلركة اجلمعوية عموما،وجتدر اإلشارة إىل أن<br />
تأثري هذه األمرية كان جد حمدودا نتيجة البطء يف إصدار النصوص<br />
التطبيقية،باإلضافة إىل ذلك فان انسحاب اجملتمع املدني من التدخل يف<br />
الشؤون االقتصادية والسياسية للبالد ساهم هو اآلخر يف عدم انتعاش<br />
حركة املنظمات واجلمعيات يف اجلزائر خالل تلك الفرتة.<br />
إن أول خطوة يف طريق فتح اجملال لتأسيس اجلمعيات بنوع من<br />
احلرية جتسد يف ظهور قانون1897، ولقد أدى هذا القانون<br />
إىل:''االعرتاف مببدأ الوجود القانوني ألي منظمة إال أن هذا الوجود<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 297<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
مشروط بإجراءات االعتماد من طرف السلطات العمومية، حيث تتمتع<br />
هذه األخرية بصالحيات ختوهلا رفض اعتماد اجلمعيات اليت قد ال ترغب<br />
يف ظهورها على الساحة، لكن رغم النقائص اليت ميكن مالحظتها<br />
حول هذا القانون،فانه أدى فعال إىل خلق ديناميكية جديدة يف العمل<br />
اجلمعوي،حيث تأسست عدة مجعيات ومنظمات.<br />
ومع تدهور الوضع السياسي واالقتصادي واالجتماعي للبالد<br />
وانفجار21أكتوبر1899، جعل اجلمهورية تعيد النظر يف منوذج تسري<br />
اجملتمع،خاصة وأن أهم تطلعات اجملتمع املدني كانت باألساس ختص<br />
العمل اجلمعوي احلر،فقامت بسن قانون 1882، الذي مسح بديناميكية<br />
أكثر للجمعيات.)حممود بوسنة،2222<br />
) 121:<br />
إن حتول العمل التطوعي من جهد فردي إىل جهد مؤسساتي،يعد<br />
ضرورة ملحة يف وقتنا احلاضر ألنه األكثر تنظيما وتأثريا يف اجملتمع،<br />
ويعد مؤشرا من مؤشرات التنمية،من خالل الربامج واخلدمات اليت<br />
ميكن أن يقدمها، واليت ميكن إجيازها يف برامج رعاية الطفولة، برامج<br />
التعليم والتدريب،برامج الثقافة العامة، برامج رعاية املعاقني والعجزة<br />
وكبار السن، اخلدمات الصحية،املساعدات واإلعانات،برامج رعاية<br />
املرافق العامة.<br />
وألن اإلسالم يقرر حق الفرد احملتاج على اجملتمع اإلسالمي، فقد<br />
حث كل قادر على العطاء من أجل إخوانه احملتاجني، وشرع الزكاة<br />
ركنا رئيسيا من أركان اإلسالم، فنظام الزكاة يعد من التشريعات<br />
اإلسالمية األساسية، اليت حددت مصادر رعاية احملتاجني،والفئات اليت<br />
تغطيها هذه الرعاية يف اجملتمع، حيث حتولت الزكاة يف وقتنا احلالي إىل<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 298<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
مؤسسة اجتماعية خريية من خالل صناديق الزكاة،فالزكاة مصدر<br />
متويلي كبري، إذا أحسن الدعوة إليها وتوعية املسلمني بقيمتها، وهي<br />
فريضة ربانية،للدولة مسؤولية يف مجعها وتوزيعها وممن أبرزوا ذلك<br />
العالمة أبو احلسن الندوي،'' فطبيعة الزكاة ووضعها الشرعي األصيل<br />
يتطلب أن تكون بنظام،وأن تدفع إىل بيت مال املسلمني، واىل من يلي<br />
أمرهم من اخللفاء واألمراء'')فؤاد عبد اهلل العمر،1891،ص18<br />
فهي )<br />
ليست إحسانا فرديا،وإمنا هي تنظيم اجتماعي، تشرف عليه الدولة.<br />
فللزكاة أثار اجتماعية أهمها حتقيق التكافل<br />
االجتماعي،وحماربة الفقر والتسول، وتفادي الديون)سهم الغارمني(<br />
واحملافظة على األمن العام للدولة،وبالتالي فهي حتمية اقتصادية ألن أول<br />
مصارفها هم الفقراء واملساكني، ومنذ أحداث العنف اليت عرفتها بعض<br />
البلدان اإلسالمية ومن بينها اجلزائر وهجمات 11سبتمرب2221 اليت<br />
استهدفت الو.م.أ،أصبحت إقامة مؤسسات الزكاة ضرورة سياسية،فقد<br />
تزايد اهتمام الرأي العام واحلكومات باألنظمة غري الرمسية لتحويل<br />
األموال يف كل أحناء العامل،وباألخص املتأتية من مجع الزكاة ويرجع<br />
ذلك للدور املزعوم لنظام الزكاة يف متويل األنشطة غري<br />
القانونية)اإلرهابية(.<br />
انطالقا من الدواعي اليت مت ذكرها،قامت الدولة اجلزائرية،مبحاولة<br />
تنظيم مجع الزكاة،وتوزيعها من خالل صندوق الزكاة،والذي هو<br />
مؤسسة دينية اجتماعية،تقوم على ترشيد أداء الزكاة،مجعا وصرفا يف<br />
إطار أحكام الشريعة اإلسالمية،والقوانني الساري العمل بها يف جمال<br />
الشعائر اإلسالمية،يعمل حتت إشراف وزارة الشؤون الدينية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 299<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
واألوقاف،واليت تضمن له التغطية القانونية بناءا على القانون املنظم<br />
ملؤسسة املسجد حيث يعمل الصندوق على<br />
متويل مشاريع دعم وتشغيل الشباب.<br />
متويل املشاريع املصغرة )القرض احلسن(.<br />
متويل مشاريع الصندوق الوطين للتأمني على البطالة.<br />
دعم املشاريع املضمونة لدى صندوق ضمان القروض.<br />
مساعدة املؤسسات الغارمة القادرة على االنتعاش.<br />
إنشاء شركات بني صندوق استثمار أموال الزكاة وبنك الربكة<br />
اجلزائري.<br />
ويف دراسة مقدمة لنيل شهادة املاجستري يف علم االجتماع الديين بعنوان<br />
دور الزكاة يف معاجلة الفقر وحتقيق التكافل االجتماعي للطالب بن<br />
مقلة رضا،جامعة اجلزائر للسنة اجلامعية<br />
2227 -2221<br />
توصل إىل أن<br />
تعامل اجلزائريني مع الصندوق كان متفاوتا ففئة رحبت بالفكرة لكنها<br />
فضلت التصرف يف زكاتها بنفسها،وفئة ساهمت يف الصندوق جبزء من<br />
زكاتها،وفئة منحت زكاتها كلها للصندوق.<br />
حيث أثر ذلك على حصيلة الصندوق،وبالتالي على جنا عته،فحصيلة<br />
زكاة املال تضاعفت خالل الفرتة2222-<br />
2221<br />
حيث ارتفعت من<br />
12<br />
مليون دينار إىل 122مليون دينار،إال أن الرقم بعيد عن األرقام احلقيقية<br />
اليت ستصل إليها إن دفع كل اجلزائريني أمواهلم ونفس الشيء بالنسبة<br />
لزكاة الفطر، والذي انعكس على نصيب كل مستفيد منها،حيث أن<br />
قيمة املساعدات املمنوحة بسيطة مقارنة باملستوى املعيشي،واليت قدرت<br />
ب:1222دج.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
ويف إطار القرض احلسن الذي هو آلية من آليات صندوق الزكاة، والذي<br />
هو عبارة عن حتويل جزء من األموال املودعة يف الصندوق إىل مشاريع<br />
استثمارية، وهذا بتقديم قروض إلنشاء مؤسسات صغرية ومتوسطة،<br />
لكل شخص قادر على العمل، ومل جيد التمويل الالزم إلقامة مشروعه،<br />
فان عدد القروض احلسنةبلغ221 قرضا حسنا سنة2222 ليبلغ1222<br />
قرضا حسنا سنة2221، ونظرا للحصيلة الضعيفة للزكاة، فان قيمة<br />
القرض املقدم لالستثمار قليل ال يفي بتكلفة املشاريع، وهذا ما عرب<br />
عنه،أغلب املستفيدين من هذا القرض، الذين يرون ضرورة متاشي قيمة<br />
القرض مع قيمة املشروع، كما أثر على اهلدف من هذه القروض وهو أن<br />
يصبح املستفيد مزكيا مستقبال.<br />
دور اخلطاب الديين يف تفعيل العمل اخلريي<br />
:<br />
يعتمد العمل اخلريي يف مفاهيمه وأبعاده على استثارة األفراد وحماولة<br />
تكوين رأي مجاهريي مستنري، لتعبئة اجلهود واملوارد واستثمار الطاقات<br />
البشرية إلشباع احلاجات وتقليص املشكالت،وهو يف هدا يعتمد على<br />
عدد من العمليات من بينها االتصال الذي من أدواته اخلطاب،حيث أن<br />
اخلطاب الديين هو أحد أشكاله.فاخلطاب يعترب وسيلة اتصال تهدف إىل<br />
التأثري واإلثارة واإلقناع،كما يعد مضمونه واجهة لوضع اجتماعي قائم أو<br />
يراد له أن يقوم، حيث يؤدي وظيفته االجتماعية كوسيلة من وسائل<br />
الضبط، تغرس ما هو مرغوب فيه وتعمل على إبعاد اجلماهري عن املرغوب<br />
عنه، وبذلك ميكن توجيه الفاعلني االجتماعيني يف اطار إصالح<br />
اجتماعي.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 110<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
ونظرا ألهمية ودور اخلطاب يف تكوين شخصية الفرد وتنمية<br />
اجملتمع سعى االسالم إىل حتقيق ذلك من خالل عدة جماالت من بينها<br />
املساجد وطريقته يف ذلك اخلطاب املسجدي والذي يفعله اخلطيب، وال<br />
عجب يف ذلك اذا عرفنا تعجل رسول اهلل )ص (يف بناء مسجد قباء كأول<br />
مسجد يف االسالم حال قدومه مهاجرا )ص( من مكة إىل املدينة ثم<br />
حث املسلمني على بناء املساجد واكثارها، لتحقيق املهمة املتوخاة<br />
منها.قال) ص( : )من بنى مسجدا يبتغي به وجه اهلل بنى اهلل له مثله يف<br />
رواه البخاري ) اجلنة.<br />
ولقد أناط االسالم باخلطابة دورا أكرب مما ألفه الناس يف<br />
عصورهم املتأخرة، ومن ذلك تعضيد الروابط االجتماعية وااللتزام بالقيم<br />
الفاضلة.ولكي يكون اخلطاب فعال اوحتى يؤدي وظيفته البد من<br />
تسلسل وترابط افكاره ووصوحها،حيث يبدأ اخلطيب من الفكرة<br />
البسيطة ثم يتدرج إىل الفكرة اليت يود ايصاهلا وعدم التكلف أو التصنع<br />
يف اخلطاب، وألن أسلوب اخلطاب هو وسيلة لنقل املعاني واالفكار وعن<br />
طريقه يستطيع اخلطيب التأثري يف غريه جيب أن يوظف األساليب البالغية<br />
وينوع فيها كما أن اخلطاب الناجح هو الذي يستند إىل استدالالت دينية<br />
علمية واقعية تارحيية أدبية.فاخلطاب القرآني قد تفوق يف توظيف<br />
األساليب البالغية )بشهادة املسلمني وغري املسلمني (واليت تسعى يف<br />
مغزاها إىل حتقيق هدف أبعد من جمرد التأثري البالغي لتهدف إىل التبيني<br />
وتقديم عرض حمسوس لكل عناصر املشهد املوصوف، وتبيان مقاصد<br />
األحكام وإظهار حدود اإلمكانات،<br />
(<br />
وهامش التعامل<br />
لإلنسان، ومرافقته نفسيا أثناء الصعوبات عند اجناز املشروع.<br />
املتاحة )<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 112<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
وحيث أن تفاعل الفرد مع قضايا جمتمعه يكون بناءا على<br />
جمموعة من الدوافع واحلاجات،وحمافظة على التوازن النفسي<br />
واالجتماعي للفرد واجلماعة حركت الشريعة االسالمية مجلة منها<br />
حتفيزا للفرد على ضرورة التفاعل مع قضايا اجملتمع واملشاركة يف بناء<br />
مستقبله.ومن أدوات حتقيق ذلك اخلطاب الذي يسمح بالتأثري يف حياة<br />
الفرد النفسية واإلجتماعية، يف أفكاره واجتاهاته لتحسني وتوجيه<br />
وتدعيم وظيفته االجتماعية وبالتالي صياغة الفرد املسلم املتكامل يف<br />
شخصيته املادية واملعنوية. وهذا يشري إىل أن هذا التأثري ميتد إىل بيئة<br />
الفرد، وعلى عاتق القائمني واخلطباء تقع مسؤولية ترشيد وتفعيل دور<br />
اخلطاب الديين، وربطه بقضايا اجملتمع، فالدين فاعل ميكن استثمار<br />
قيمه وثوابته يف تغيري البنى االجتماعية.<br />
يقول االستاذ رشيد ميموني انه من خالل استشعار ه بواجباته املختلفة<br />
ينتقل اإلنسان من حتمل املسؤولية الفردية إىل املسؤولية اجلماعية، من<br />
خالل الشعور بالرابطة االجتماعية، وينموفيه احلس املدني، الذي حيول<br />
الفرد املعزول األناني إىل مواطن واع وميتد تدرجييا األثر اإلجيابي<br />
لسلوكه املسؤول إىل كل مؤسسات اجملتمع إذ يتصاعف أداؤها وتقل<br />
اختالالتها الداخلية ويتحقق التناغم بينها ويتدعم متاسك النظام<br />
اجلتماعي.<br />
وإذا مراجعنا إىل مفهوم املؤسسة، جند أنها ال تأتي مكتملة، إمنا تعرف<br />
صريورة تبدأ من سلوكات أو ممارسات متكررة متعارف عليها<br />
اجتماعيا، ثم تكتسي تدرجييا عرب الزمن تقاليد وهيكلة، وهكذا<br />
برزت املؤسسات العلمية مثال حتى ارتقت إىل مستوى اجلامعة أو<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
املؤسسات السياسية او القانونية او غريها من املؤسسات. جند أن<br />
االسالم قصد جتسيد النموذج ومواكبة تطورات الزمن يركز على هذا<br />
النوع من املؤسسات، فأحدث نظام الزكاة وبني ابوابها ومل حينطها يف<br />
هيكل جامد.فاملؤسات ختضع ملسار تكويين عرب التاريخ يبدأ من وضع<br />
قيم تأسيسية قصد تلبية االحتياجات األساسية لإلنسان،وينتهي<br />
باالستجابة للمتطلبات املتزايدة للنظام االجتماعي قصد ضبط العالقات<br />
االجتماعية يف اجملتع. )رشيد ميموني،<br />
.)117 : 2228<br />
يف إطار هذه<br />
العالقة ميارس اخلطاب الديين دوره، حيث يشتمل على جوانب معرفية<br />
انفعالية واجتماعية تتجلى يف نصوصه من خالهلا يتم بناء املفاهيم<br />
والتصورات حول أهمية العمل اخلريي، خاصة املؤسسي منه ودوره يف<br />
خدمة اجملتمع اإلسالمي، وحتقيق التكافل بني أفراده.حيث أن جناح<br />
اخلطاب الديين ينطلق من إدراك اخلطيب ألهمية وضرورة فهم جملتمع<br />
املستقبل لرسالته،وتزود ه باملعارف اليت متكنه من فهم اجملتمع من حيث<br />
طبيعة العالقات االجتماعية القائمة، والقوى االجتماعية املسيطرة وغري<br />
املسيطرة،وعادات اجملتمع وتقاليده، واجتاهاته السياسة، والنظم<br />
االجتماعية السائدة فيه، واملنظمات االجتماعية الرمسية وغري الرمسية<br />
املتواجدة فيه، واخلدمات القائمة وطبيعتها، واحتياجاته ومشكالته،<br />
ودرجة تدينه......ومعرفة األساليب اليت ميكن أن يستخدمها يف دراسة<br />
اجملتمع وفهمه كمنطلق لتحديد طبيعة اخلطاب املناسب، فاخلطاب<br />
كما يقول حممد عابد اجلابري، جيب رفعه إىل املستوى العقالني، الذي<br />
ميكنه من التفكري يف مشروعه املستقبلي انطالقا من التحليل الواقعي<br />
امللموس، بدال من التفكري فيه انطالقا من سراب احللم وهواجسه.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
وحيث ال يتوقع أن تتم املشاركة يف العمل اخلريي ورفعه من املستوى<br />
الفردي إىل املستوى املؤسسي،بصورة عفوية وتلقائية، ما مل تستثرها<br />
وتدفعها عوامل وحمددات داخلية وحوافز خارجية، فإن الشريعة اإلسالمية<br />
قد حركت مجلة منها يرتكز عليها العمل اخلريي، واليت جاءت يف<br />
النصوص القرآنية أوالسنة النبوية، واليت ميكن استثمارها يف اخلطاب<br />
الديين من أجل تفعيلها يف نفوس األفراد وواقع املنظمات، ومن أهم<br />
الدوافع:<br />
الدافع إىل التدين:<br />
وهو من أهم الوسائل املساعدة يف عملية دعوة الناس إىل املساهمة يف<br />
العمل اخلريي، فمن خصائص ثقافة العمل التطوعي اخلريي، أن تنطلق<br />
من املصادر الدينية، من خالل العمل بالقاعدة العقائدية الداعية إىل<br />
التنافس لتحقيق الضروريات والكماليات قال تعاىل<br />
" :<br />
وقل اعملوا<br />
فسريى اهلل عملكم ورسوله واملؤمنون" التوبة،121. وكذلك يقول<br />
لن "<br />
تنالوا الرب حتى تنفقوا مما حتبون" آل عمران،82.<br />
دافع حتقيق الذات:<br />
وهو االستثمار األمثل لطاقات وامكانيات الفرد، وهذا ما يبينه<br />
ماجاء عن أبي موسى األشعري<br />
(<br />
رضي اهلل عنه<br />
كل مسلم صدقه قيل أرأيت إن مل جيد ؟ قال<br />
ويتصدق قال<br />
قال<br />
)<br />
أن النيب )ص( قال<br />
" على<br />
:<br />
:<br />
:<br />
أرأيت ان مل يستطع ؟ قال<br />
:<br />
قيل له !<br />
أرأيت إن مل يستطع قال<br />
أرأيت ان مل يفعل ؟ قال<br />
:<br />
:<br />
يعتمل بيديه، فينفع نفسه<br />
يعني ذا احلاجة امللهوف،<br />
يأمر باملعروف أواخلري .قال<br />
ميسك عن الشر فإنها صدقة "رواه<br />
مسلم. فاحلديث يبني أن مساهمة الفرد يف قضايا جمتمعه أمر مهم،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
فقوله )ص( يعني ذا احلاجة امللهوف<br />
"<br />
فيه داللة على مكانة التطوع وفعل<br />
اخلريي يف جلب املصاحل للناس،كما فيه داللة على حاجة الفرد اىل<br />
حتقيق ذاته من خالل العمل الذي يقوم به.<br />
دافع حتقيق التقدير االجتماعي<br />
:<br />
فلقد أمرت السنة الشريفة بتنمية هذا الشعور، ودعت اجملتمع اىل تفعيله<br />
فقد جاء عن أبي موسى االشعري قال<br />
قال النيب :<br />
( ص(<br />
ان االشعرين اذا<br />
ارملوا يف الغزو او قل طعام عياهلم باملدينة، مجعوا ما كان عندهم يف<br />
ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم يف إناء واحد بالسوية، فهم مين وأنا<br />
منهم" رواه مسلم فقوله<br />
)ص( :<br />
فهم مين وأنا منهم<br />
"<br />
"<br />
دعوة منه )ص( إىل<br />
تقدير اجلهود اخلريية، وتعزيزا النتمائم وترغيبا هلم يف املزيد منه، ودافعا<br />
لغريهم يف االتيان مبا ينافسه، وخيدم اجملتمع.<br />
كما دعت الشريعة االسالمية اىل حتمل املسؤولية الفردية منها واجلماعية<br />
فمن األفراد من يقدم على األمر دون تدبر للنتائج واملسؤولية املدنية املرتتبة<br />
عن ذلك، ومنهم من يعزف عنه كلية، ومنهم من جيتهد التوسط يف<br />
األمر، ولعل الكثريين يعزفون عن االخنراط يف العمل اخلريي املؤسساتي<br />
خلوفهم من حتمل املسؤولية وهذا األمر يؤثر على تطور هذا العمل<br />
وجناعته، وهذا التخوف املفرط يتناقض مع قواعد املسؤولية يف املعنى<br />
الشرعي إذ جاء يف قوله )ص( :» كلكم راع وكلكم مسؤول عن<br />
رعيته«<br />
كما يؤدي اخلطاب الديين دوره يف تنمية روح التعاون بني أبناء<br />
اجملتمع الواحد وبني مؤسساته لقوله تعاىل يف اآلية الثانية من سورة املائدة<br />
وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان<br />
ونبذ الفرقة "<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
والدعوة إىل التنسيق والتكامل بني مؤسساته وإيضاح أهمية ذلك من<br />
خالل االستشهاد بأمثلة واقعية.فاملالحظ على الكثري من اجلمعيات<br />
واملنظمات االسالمية<br />
) اخلريية منها (<br />
أنه إن مل يكن فيها صراع أو<br />
خالف فإنه ليس بينها أي نوع من التنسيق او التكامل فكل يعمل<br />
بطريقته، وميكن أن يعزى منو حركة العمل االجتماعي املسيحي يف<br />
مصر مثال إىل التنسيق الذي يتم بني الكنيسة املصرية واهليئات<br />
واملنظمات التنصريية العاملية.<br />
وألن اخلطاب املسجدي هو أحد أشكال اخلطاب الديين، ففي<br />
دراسة حول دور اخلطاب املسجدي يف تعزيز األمن اإلنساني، وهي عبارة<br />
عن حتليل خلطب اجلمعة،مقدمة يف إطار شهادة املاجستري ي علم<br />
االجتماع الديين بعنوان دور اخلطاب املسجدي يف تعزيز األمن اإلنساني<br />
من جامعة اجلزائر للسنة اجلامعية 2229-<br />
2228<br />
فان ما مييز اخلطاب<br />
املسجدي يف اجلزائر هو اجلمود وعدم مسايرة الواقع، كما أنه غري قادر<br />
على حتريك اهلمم وحتفيز القلوب، وإيقاظ الضمائر، وكأنه نصوص<br />
تلقى من أسبوع آلخر، حيث نتيجة غياب أنواع االستدالل وعدم القدرة<br />
على اإلقناع، مل يستطع اخلطاب أن يؤثر يف شبكة العالقات<br />
االجتماعية، وأن جيعل املصلني يتمثلون ما يدعون إليه يف شكل<br />
سلوكات، وهذا ما أدى إىل الدعوة إىل ضرورة جتديد اخلطاب املسجدي<br />
واصالحه يف حد ذاته، والقائمني عليه من خالل اجياد خنب فكرية<br />
ميكنها أن متارس ما ميكن تسميته املتابعة والرقابة العلمية على<br />
القائمني باخلطاب املسجدي.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 117<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
وقد توصلت هذه الدراسة إىل أن عناصر األمن اإلنساني واليت هلا عالقة<br />
باحلياة االجتماعية والصحية والبيئية يفتقر إليها اخلطاب املسجدي،<br />
وكأنه ال عالقة له باجلوانب املختلفة لالسالم، يف حني أحل على هذه<br />
اجلوانب وهذه العناصر هي<br />
:<br />
األمن الوطين، األمن املائي، األمن الصحي، األمن البيئي، األمن الغذائي<br />
واقتصار اخلطاب املسجدي على أبعاد أمنية هلا وجهة دينية صرفة متثلت<br />
يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر، احلض على التعاون والتكافل<br />
االجتماعي،دون ربط هذا التعاون بإطار تنظيمي يتم من خالله، أو ربطه<br />
باجملاالت اليت ميكن ان يتجسد فيها ودوره يف بناء اجملتمع<br />
اخلريية مثال<br />
خامتة:<br />
(<br />
.)<br />
اجلمعيات<br />
رغم أن الدين فاعل ميكن استثمار قيمة وثوابته يف تغيري البنى<br />
االجتماعية إال أن املؤسسة الدينية ممثلة يف خطابها مل تستخدم هذه<br />
امليزة املشروعة، ومل تستطع إحداث تعبئة مجاهريية تشكل جمموعة قيم<br />
تسهم يف تطور اجملتمع، واالنتقال بالعمل اخلريي من الظرفية واملناسباتية<br />
إىل العمل الدائم القادر على االبداع واستثمار الطاقات، وهو حال<br />
اجلمعيات اخلريية يف جمتمعنا مثال رغم ما تقدمه من نشاطات.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 118<br />
العدد الثاني<br />
جوان
اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />
صغري مجيلة<br />
: املراجع<br />
-1<br />
مصطفى متولي،<br />
اخلرجيي.<br />
(<br />
-2<br />
فريد ياسني قرشي<br />
(<br />
-3<br />
1882(، مدخل اىل تاريخ الرتبية اإلسالمية، الرياض دار<br />
1881(، رؤية مشولية وتكاملية لتنسيق العمل اخلريي<br />
التطوعي يف اململكة العربية السعودية، مكة املكرمة، جامعة ام القرى.<br />
خمتار ابراهيم عجوبة،<br />
(<br />
-4<br />
1899(، القاعدة النظرية لألنشطة التطوعية اخلريية<br />
يف اململكة العربية السعودية، جملة التعاون، العدد 21.<br />
عبد الرزاق خيلف،)<br />
2228<br />
(، ثقافة التطوع أساس العمل اخلريي، مداخلة<br />
مقدمه يف إطار ملتقى وطين حول اجلمعيات اخلريية الطالبية تنظم مجعية صناع<br />
احلياة،جامعة البليدة، 12<br />
11 ماي .2228<br />
-<br />
-5<br />
حممد سيد فهمي،<br />
2221(<br />
-6<br />
اإلسالمية،<br />
عبد القادر عزوز،<br />
اإلسكندرية،دار الوفاء لدينا الطباعة والنشر.<br />
2228(<br />
(، الرعاية االجتماعية<br />
(،وسائل تفعيل العمل اخلريي التطوعي، مداخله<br />
مقدمة يف إطار ملتقي وطين حول اجلمعيات اخلريية الطالبية،تنظيم جامعة البليدة<br />
11ماي 12-<br />
.2228<br />
-7<br />
حفصة بنت حممد املنيف<br />
2221(<br />
-8<br />
-9<br />
-11<br />
-11<br />
النسائية، الرياض، دار امللك عبد العزيز.<br />
(، اجلهود الرتبوية للجمعيات اخلريية<br />
عبد اهلل فؤاد العمر، )1891(،حنوتطبيق معاصر لفريضة الزكاة، الكويت،<br />
ذات السالسل للطباعة والتوزيع<br />
حممود بوسنة،)<br />
2222(،احلركة اجلمعوية<br />
اإلنسانية، العدد17، اجلزائر،دار اهلدى للطباعة والنشروالتوزيع.<br />
يف اجلزائر،جملة العلوم<br />
رشيد ميموني )2221(، البعد االجتماعي يف القرآن، قسنطينة، خمرب غلم<br />
اجتماع االتصال، جامعة منتوري.<br />
حممد عبد الفتاح حممد )2221(، اجلمعيات األهلية النسائية وتنمية اجملتمع،<br />
االسكندرية، املكتب اجلامعي احلديث.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 119<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />
العدد الثاني<br />
2102 جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
: مقدمة<br />
-<br />
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
حركة جمتمع السلم منوذجا<br />
د. زازوي موفق،<br />
جامعة تلمسان،<br />
نسعى يف هذه املداخلة إىل حتديد هوية حركة جمتمع<br />
السلم<br />
االفرتاضية واحلقيقية حلزب سياسي إسالمي مبنيا االختالف القائم بني<br />
اهلويتني كخطوة أوىل.ثم انين أسعى إىل<br />
االختالف عند احلركة وعليه نتساءل:<br />
جمتمع السلم؟<br />
-<br />
-<br />
ما املقصود باهلوية االفرتاضية<br />
وهل يوجد اختالف بني اهلويتني؟<br />
تبيان<br />
إسرتاتيجية جتاوز هذا<br />
واهلوية احلقيقية عند حركة<br />
وما هي إسرتاتيجية احلركة يف جتاوز االختالف القائم بينهما ؟<br />
إن اإلجابة عن هذه التساؤالت<br />
-1<br />
احلزب السياسي<br />
:<br />
يعرف لغة يف لسان العرب على<br />
يتطلب اإلحاطة ببعض املفاهيم.<br />
أنه النوبة يف ورود املاء، أو الورد من<br />
القرآن الكريم وهي احلصة اليت اعتاد عليها الرجل قراءتها.<br />
واحلزب<br />
بالكسر يعين الطائفة والسالح واجلماعة من الناس، ومجعه أحزاب وهم<br />
مجع من الناس تألبوا وتظاهروا على حرب النيب<br />
1<br />
" ص" .<br />
على فاملالحظ<br />
التعريف استخدمه لبعض املصطلحات كالتجمع والتأليب والتظاهر<br />
والطائفية وكلها<br />
توحي بالتكتل واملغالبة اجتاه شخص<br />
أخرى.أما إذا رجعنا إىل مصطلح حزب بالفرنسية"<br />
"parti<br />
أو مجاعة<br />
فانه مشتق من<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 100<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
كلمة االجنليزية<br />
" partis "<br />
واليت ترتبط مبفهوم<br />
" part"<br />
اجلزء واجلزء يف األصل يفرتض دائما وجود الكل الذي<br />
والذي يعين<br />
حيتويه ويرتبط<br />
به، ولكن بالرغم من وجود هذا اجلزء فانه ينبغي أن يسلك منهجا غري<br />
جزئي<br />
2،خاصة عندما يكون ممثال للكل، أي عندما يقدم برناجمه<br />
كمشروع للمجتمع.<br />
أما اصطالحا فان مفهومه خيتلف باختالف األيديولوجيا اليت تناولت<br />
هذا املوضوع فاالجتاه السياسي الليبريالي وعلى رأسهم املفكر الفرنسي<br />
بنجامني كنوستان<br />
B.constant<br />
2<br />
أشخاص يعتنقون العقيدة السياسية نفسها .<br />
الذي عرف احلزب على أنه: "احتاد<br />
أما االجتاه املاركسي يرى فيه التعبري السياسي عن طبقة وبالتالي ال<br />
وجود حلزب سياسي<br />
دون أساس<br />
طبقي، حيث يتم الرتكيز هنا على<br />
التكوين اإلجتماعي للحزب واإلرتباطات االقتصادية ألعضائه واملراتب<br />
1<br />
اليت حيتلونها يف السلم االجتماعي .<br />
ميكننا القول أن احلزب يف هذا املستوى يتخذ مفهومان خمتلفان األول<br />
يرتبط بالتيار الليبريالي<br />
والذي خلّف مفهوم احلزب العقيدة، أما<br />
فريتبط بالتيار املاركسي الذي جاء مبفهوم احلزب الطبقة.<br />
-2<br />
: اهلوية<br />
يف اللغة العربية هو مصدر صناعي مركب من<br />
الثاني<br />
"هو" ضمري الغائب وهو<br />
عبارة عن رابطة ومعناه الوجود ،ومسي بالرابطة ألنه يربط بني معنيني،وملا<br />
" كانت لفظة<br />
مصدرا منها.<br />
فقد للضرورة<br />
" هو<br />
ليست امسا وال كلمة يف اللغة العربية تعذر اجياد<br />
فكلمة هوية ليست يف األصل عربية،<br />
إضطر املرتمجون إىل االشتقاق هذا االسم<br />
ولكن<br />
من حرف<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 102<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
الرباط، والذي وجد أساسا لريبط احملمول باملوضوع، وملا وجدوا<br />
هذا<br />
احلرف يقوم بهذه الوظيفة فقد اشتقوا<br />
عليه العرب من اشتقاق اسم من اسم الن<br />
األحوال<br />
أن يكون<br />
يدل عليه الشيء1<br />
كلمة<br />
مشتقة<br />
identité<br />
منه هذا اسم<br />
احلرف ال ميكن<br />
مصدر اشتقاق وبهذا أصبح هذا االسم<br />
وإذا رجعنا إىل<br />
مشتقة من الالتينية<br />
على ما اعتاد<br />
بان حال<br />
يدل على<br />
من<br />
ما<br />
اللغة الفرنسية فان<br />
،idntitas 6 وهذه الكلمة<br />
بدورها من الكلمةidem وتعين املثل أو الشيء نفسه.<br />
ومن الناحية االصطالحية: فإنه خيتلف بإختالف املقاربات اليت تناولته<br />
فلسفيا واجتماعيا و نفسيا وأنرتوبولوجيا وسأقف عند املقاربة الفلسفية ملا هلا<br />
من ارتباط مبوضوع املداخلة، واليت حتصر يف مقوليت التغري والثبات.<br />
ميثل األول هريقليطس" الذي قال<br />
ألن مياه جديدة جتري من حولك.<br />
"<br />
أنت ال تنزل يف النهر الواحد مرتني<br />
أما الصورة الثانية: هي أن اضطراب النار هي أسرع حركة وأدل على التغري<br />
7<br />
" .وهذا ما عرب عنه كلود ديبار<br />
claudeعندما dubar قال<br />
:<br />
"<br />
ال يوجد جوهر أبدي فالكل خاضع للتغري، فهوية أي كائن أمربيقي ترتبط<br />
9<br />
بالفرتة اليت يتناول فيها ويوجه النظر اليت يتناول من خالهلا"<br />
أما االجتاه الثاني ميثله بارمينيدس والذي يعترب معارضا ومناقضا<br />
لألول فقد ذهب إىل أن الوجود قدميا ثابت<br />
كامل...<br />
فأنكر الكثرة<br />
8<br />
والتغري وإعتربهما وهما وظلما .ففي حبثه عن احلقيقية يرى أن هناك<br />
الوجود والالوجود أنكر الثاني وأبقى على األول ألنه يربى<br />
اليت هي الوجود جيب أن تكون<br />
12<br />
الدوام ساكنة ال تتحرك" .<br />
أن احلقيقة "<br />
متجانسة غري قابلة لالنقسام باقية على<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
على أساس هذه جلدلية جاء التعريف الفلسفي للهوية جامعا بني<br />
الثبات والتغري ، إال أن ما ينبغي اإلشارة إليه أن مفهوم اهلوية مطاطي<br />
ميكن أن يُلبس معاني كثرية<br />
كالوحدة والكثرة<br />
اهلوية االفرتاضية واهلوية احلقيقية عن حركة جمتمع السلم<br />
التعدد والتنوع...<br />
.<br />
يقال أن اهلوية آلية دفاعية وحصنا حيتمي به صاحبه من أي عدو<br />
هلم غري أن اآلخر<br />
التهديد اآلخر اهلوية<br />
يبعث فينا<br />
مزيدا من<br />
بإمكانها أن جند آخر<br />
يرى فيها عاقبة ينبغي إزالتها من الوجود، فاخلوف من<br />
الذي<br />
يبعث فينا<br />
التماسك ذلك أن<br />
"<br />
11<br />
لتحفيز أفرادها"<br />
الشعور باالنتماء إىل اجلماعة مما<br />
وجود اجلماعة يكون<br />
إذا كان<br />
وواقع األحزاب السياسية يف اجلزائر ال يشد عن ذلك، فانتقال<br />
النظام السياسي من األحادية إىل التعددية احلزبية فتح اجملال لتشكل<br />
خطابات سياسية متعددة حتمل يف ذاتها<br />
الصراع اختذ صورته القانونية املشروعة<br />
األرضية<br />
اليت<br />
املشرتكة<br />
تعد نقطة<br />
اليت نص عليها بيان أول نوفمرب<br />
انطالق هذه األحزاب<br />
.<br />
هويات متصارعة، غري أن هذا<br />
من<br />
فإذا كان على املستوى االفرتاضي ما يعمل<br />
حتديد خالل<br />
وأكدها الدستور<br />
على جتميع هذه<br />
األحزاب حنو وهدف احد مشرتك ميكن يف العمل واالنضواء حتت غطاء<br />
اهلوية الوطنية فان األحزاب السياسية<br />
يف اجلزائر<br />
قد تعرف تنافسا<br />
وصراعا حادين ألجل إثبات هويتها ومن ترمجتها يف شكل برامج.<br />
هوية<br />
وتأسيس على هذا فان<br />
افرتاضية<br />
على حد التعبري كلوديبار<br />
اخلطاب السياسي احلزبي تبنى<br />
claude dubar<br />
مستمدة من<br />
املرجعية القانونية ممثلة يف ما نص عليه الدستور من مواد هذا على<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
املستوى االفرتاضي أما على املستوى احلقيقي الواقعي فان احلزب<br />
لسياسي<br />
إحدى<br />
يدعى إىل تأكيد مشروعيته من خالل<br />
مقومات<br />
اهلوية الوطنية<br />
(<br />
الدين ، اللغة والتاريخ(.<br />
املراهنة على<br />
والعمل على<br />
تفعليها مبا يتماشى وأيديولوجيته لتطرح يف شكل برامج وجتسيد<br />
واقعيا، يف هذا اإلطار جند األحزاب السياسية عامة وحركة جمتمع<br />
السلم خاصة ذاتها حماصرة باالنتماء إىل هويتني أو مشروعني خمتلفني<br />
إحداها افرتاضي والثاني حقيقي.<br />
-0<br />
من<br />
يقابل<br />
اهلوية االفرتاضية:<br />
إن مصطلح االفرتاضي حييلنا إىل<br />
"vertualis "<br />
واملشتق بدوره من<br />
البحث يف أصل كلمة<br />
"vertus "<br />
املشتقة<br />
فاالفرتاض هو ما<br />
12<br />
الواقعي ، و منه جاء مصطلح الواقعي، ففي املعنى العام، هو ما<br />
يرتبط بعامل األشياء أو ما خيصها وهو ضد الوهم واخليالي، انه يرتبط<br />
وجود بالوقائع كما أنه ضد كل ما هو جمرد، وما هو عقلي ومن هنا<br />
جاءت مقولة<br />
Goblot<br />
سيعطي يف جتربة ما"<br />
12<br />
حيدد كلود ديبار<br />
مؤكدة أن<br />
"الواقع هو ما يعطي يف احملال أو ما<br />
claude dubar<br />
مفهومه للهوية االفرتاضية<br />
عندما يقول هي تلك اليت من املفروض أن يكون عليها الفرد وهي اهلوية<br />
لآلخر وهي اليت مينعنا إياها اآلخر، أما اهلوية احلقيقية فهي اليت يكون<br />
11<br />
عليها الفرد وتعرف اهلوية للذات وهي اليت نعطيها ألنفسنا"<br />
فيتحول عديد من ما ينبغي أن يكون إىل ما هو كائن، وبذلك تتحدد<br />
الذات املثالية من خالل ما يرغب فيه الفرد أو ما يأمل أن يكون عليه وفق<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
املوجد املرغوب فيه ومدى تناسب ذلك مع ما ميلكه من قدرات ومن<br />
11<br />
فرص حيقق من خالهلا ذاته وينجز هويته<br />
ومن هنا ميكن الوقوف على ثالثة<br />
املبدأ األول<br />
الصورة<br />
اإلجتماعية.<br />
املبدأ الثاني<br />
:<br />
االفرتاضية<br />
:<br />
(<br />
مبادئ يف نظرية<br />
ميثل املشروع االفرتاضي العام<br />
واليت للهوية<br />
ديبار.<br />
للمجتمع و هو<br />
تفرض على الفرد يف إطار التنشئة<br />
يشري إىل املشروع االفرتاضي اخلاص، وهو الصورة<br />
االفرتاضية اليت يتوقعها الفرد لذاته،وهي غالبا ما تكون حصيلة<br />
التجارب اليت تعرض إليها الفرد عرب التنشئة االجتماعية املتعددة املصادر.<br />
أما املبدأ الثالث: يعرب عن ما هو كائن بالفعل، ويقصد به اهلوية اليت استطاع<br />
الفرد حتقيقيها يف الوقع وتدعى اهلوية احلقيقية، يف هذا املستوى حياول الفرد<br />
اجلمع بني املشروعني السابقني<br />
العام واخلاص(<br />
املبدأ األول<br />
يف مشروع ثالث جيسده الواقع.<br />
واعتمادا على هذا فإنين أستعري هذه النظرية يف مداخليت<br />
عد حركة<br />
" محس"<br />
يف قيم ثورة نوفمرب ومبادئ دستور<br />
فيصبح<br />
مشروع اجملتمع اجلزائري الذي ترتسم معامله<br />
1898.فقيم نوفمرب تؤكد صراحة على<br />
إقامة حكومة جزائرية داخل إطار املبادئ اإلسالمية وحتقيق وحدة مشال<br />
11<br />
إفريقيا يف إطار العروبة اإلسالم<br />
ديبار<br />
اجلوهري<br />
وبالنظر إىل ما مت ذكره يف األسبق حول نظرية<br />
اليت مت التمييز فيها<br />
بالصريورة والتغيري<br />
17<br />
كلود<br />
بني منوذجني خمتلفني من اهلوية، االجتاه<br />
الذي يرتكز على دميومة اهلوية واالجتاه الثاني الذي يقول<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
وبالنظر إىل خطاب اهلوية األول وهو اخلطاب اجلوهري نستطيع القول أن<br />
انتهاج التعددية احلزبية باجلزائر وليت اقرها دستور<br />
مشرتكة تعد منطلق رئيسا لنشاطاتها احلزبية.<br />
1898<br />
فرض أرضية<br />
فاملادة الثانية من الدستور تقر باإلسالم دين الدول أما املادة الثانية تؤكد<br />
أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية الرمسية<br />
اإلسالمي<br />
وبذلك تصبح اهلوية<br />
واللغة العربية<br />
متثل<br />
من املقومات<br />
19<br />
18<br />
الثوابت اليت ينبغي احلفاض عليها دون أدنى تغيري".<br />
الدميومة يف الزمن فالدين<br />
األساسية للهوية الوطنية وهي من<br />
وملا كانت تركيبية الشعب اجلزائري حصيلة تعدد عرقي ممثال<br />
يف االمازيغ والعرب فكان داخل اهلوية<br />
األم<br />
هويات اثنية، فما كان هلا<br />
إال االنصهار و الذوبان فيها، فإذا كانت اهلوية االثنية اقصائية ألنها<br />
مغلقة على نفسها، فان اهلوية<br />
القومية الوطنية انفتاحية تستوعب اآلخر<br />
املختلف ولذلك فال وجود الختالف إال جبود تشابهات هذا<br />
إىل وجود أصل<br />
إىل<br />
ميثل<br />
ما جيعلنا منيل<br />
حد أدنى من االشرتاك أو التشابه. واهلوية اليت تعد<br />
يف حد ذاتها تشابها هي حصيلة ااختالف الن االختالف يؤدي<br />
الوحدة، ومن الوحدة حتدث التمايزات.<br />
فاهلوية الوطنية يف اجلزائر<br />
هي حصيلة مجلة من التشابهات والتشاركات يف كثري من<br />
جتمعنا<br />
فقد متكنت جبهة التحرير الوطين<br />
األطراف التعارضية يف هوية<br />
األمور ليت<br />
من توحيد وحصر كل<br />
واحدة من اجل استقالل اجلزائر وبناء هوية<br />
الدولة الوطنية فيما بعد، لكن هذا ال يعين أن الوحدة ال تتضمن<br />
االختالف"<br />
22<br />
باستمرار"<br />
فاالختالفات هي أساس اهلوية<br />
كهوية متجددة ومتغرية<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 107<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
ومن األمور اليت وقع عليها اإلمجاع، هوية الفرد اجلزائري الذي<br />
يشرتك يف تكزينها عنصران أساسيان الدين اإلسالمي والوطنية، فعامل<br />
الدين ميثل الرابط االجتماعي بني أفراد اجملتمع،<br />
أما عامل الوطنية فانه<br />
حيتوي لعصر الرببري والعربي اللذان امتزجا وتوحدا يف التاريخ.<br />
ألن معيار<br />
والواقع انه ال ميكن التمييز بني العنصرين األمازيغي و العربي،<br />
اللغة غري ثابت حبكم أن هناك مناطق يؤكد التاريخ على أن<br />
سكانها بربر لكنهم فقدوا التكلم باللغة االمازيغية، غري أن اغلب<br />
الدراسات تؤكد أن هذا<br />
راهن عليها<br />
منطقة<br />
التمييز من خملفات االستعمار ومن االمور اليت<br />
القبائل بغية التقسيم و التفريق.<br />
اإلسالم والعربية واالمازيغية من ثوابت األمة<br />
وهلذا عدّ الدستورُ<br />
اجلزائرية لسد أية ثغرة قد<br />
تستغل يف ضرب وتقسيم اجملتمع اجلزائري.يقول أحد املهتمني باهلوية يف<br />
اجلزائر"<br />
متيل<br />
العربي<br />
إن حمور اهلوية<br />
الوطنية هو ااالسالم عقيدة وسطية ال<br />
كل امليل ال ذات اليمني وال ذات اليسار واللسان<br />
املبني<br />
حيتاج مهما<br />
إىل<br />
وتوأمه االمازيغي وقد انغمس كل منهما يف اآلخر فال<br />
ترمجان أو وسيط<br />
ليتصل باآلخر بصلة الرمحى<br />
والتضامن وهما قبل كل العوامل املوضوعية األخرى ركن املواطنة األول<br />
واحملرك الذي<br />
ينقل اهلوية<br />
21<br />
من حال الكمون إىل الفعل"<br />
ما خنلص إليه أن املبدأ األول بالنسبة حلركة جمتمع السلم هو<br />
املشروع االفرتاضي العام وهو مشروع اجملتمع الذي يرسم احلدود احلمراء<br />
للهوية اليت ال يكن<br />
بينهما.<br />
االنزياح عنها<br />
أو جتاوزها وهو القاسم املشرتك<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 108<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
: املبدأ الثاني<br />
لذاته وأهم ما يشكل<br />
هو الصورة االفرتاضية اخلاصة باحلزب و هي ما يتوقعه هو<br />
هذه اهلوية<br />
ما يعرف باديولوجية احلزب أو املعتقد<br />
الذي يبنى عليه احلزب فلسفته سواء كان ذا بعد اقتصادي أو ثقايف أو<br />
ديين أو اجتماعي وقد تكون كلها مجيعا.<br />
ويشكل املعتقد<br />
هنا مجلة التصورات واملعتقدات حول الوجود والكون واحلياة. وهذا الفهم<br />
ينبع يف األصل من املرجعية اليت تعد إحدى الثوابت اليت ينهل منها احلزب<br />
أفكاره، وهي مرجعية دينية تنبع من املوروث اإلسالمي األصيل.<br />
تتحدد مرجعية حركة<br />
بأنها "محس"<br />
وبهذا<br />
دينية إسالمية فهي تنتمي إىل<br />
احلركات اإلسالمية اليت ترى احلل يف العودة إىل املنابع اإلسالمية األوىل<br />
وخاصة تلك الفرتة اليت عاشها الرسول<br />
أ-<br />
" ص"<br />
بني احلركات اإلسالمية اختارت خط الوسطية<br />
جعل منها حركة تتميز جبملة من اخلصائص:<br />
وصحابته، وبدعوى التميز<br />
واالعتدال، وهذا ما<br />
الواقعية: متكن يف الدعوة إىل اإلسالم انطالقا من حاجات الناس<br />
وهمومهم بعيدا عن املثالية واالنعزالية والتطرف.<br />
ب-<br />
الوسطية: إن وسطية حركة جمتمع السلم تكمن يف األخذ مبنهج<br />
االعتدال فكرا وممارسة<br />
"<br />
فدين اإلسالم أصوال وفروعا وأخالقا هو دين<br />
22<br />
الفطرة وهو دين االستقامة على احلق وهو دين الوسطية" يقول مؤسس<br />
حركة" محس"<br />
الشيخ حنناح:"<br />
وحتى<br />
طرح االعتدال الذي من مقوماته<br />
الواقعية واملرونة و التسامح والرغبة يف التعايش وحتقيق املواطنة بأمسى<br />
22<br />
معانيها" .<br />
كلها مقومات تدخل يف هوية<br />
احلركة وهذا هو السبيل<br />
الوحيد للمّ مشل األخوة املتصارعني يف اجلزائر وهم الوطنيون<br />
والدميقراطيون واالسالميون فهم يستشهدون<br />
دائما باآلية:"<br />
وكذلك<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 109<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم<br />
شهيدا"<br />
21<br />
وجتسيدا ملنهج االعتدال<br />
الشاغر<br />
اختارت<br />
كان علمانيا<br />
واقتناعا منها يرفض سياسة الكرسي<br />
املشاركة مع اآلخر املختلف عنها اديولوجيا حتى ولو<br />
أو شيوعا<br />
لتؤكد بذلك فكر التعايش وتقصي فكر<br />
املباعدة واملفاصلة الذي جعل منها حركة تُجمع على وحدة الوطن ترابا<br />
وشعبا وتراثا معتربة التنوع الثقايف والتعدد العرقي عنصر قوة<br />
21<br />
انصهاره عرب التاريخ<br />
ج-<br />
وإبداع ّمت<br />
الشمولية: ترى حرك محس أن اإلسالم نظام شامل متكامل ال جيوز<br />
تغليب جانب على آخر، فاجلانب السياسي ميليه اجلانب االقتصادي<br />
واالجتماعي والثقايف:" فمن ثابت احلركة أن يكون اإلسالم عقيدة ينبثق<br />
عنه تصور شامل لإلنسان والكون واحلياة عموما تنظم أحكامه كل<br />
21<br />
جوانب احلياة وتربط قيمه األفراد واجملتمعات<br />
د-<br />
و-<br />
العاملية: تقصد بها عاملية الفكرة، فهي حركة شعبية موجهة للناس<br />
كافة الن الناس تصوراتها إخوة مؤمنني باألخوة اإلنسانية أو العاملية.<br />
الوطنية: تربز أدبيات احلركة أن الوطنية هي متهيد طريق العاملية<br />
الن احلركة تؤمن بفكرة األمة الدينية االنسانية ال بالدولة<br />
فعناية املسلم بإصالح وطنه واجب ديين إذ كلما<br />
وأصبح اقدر على إقامة األوطان اإلسالمية<br />
27<br />
األخرى" .<br />
اهلوية 2-<br />
: احلقيقية<br />
تقدم هذا الوطن<br />
القطرية<br />
إال<br />
إن القصد من اهلوية احلقيقية عند حركة جمتمع السلم، جتسيد<br />
ما مت افرتاضه من مبادئ واهداف وحماولة تقريبها إىل ارض الواقع.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
واهلوية احلقيقية عند"محس"<br />
أ-<br />
تربز يف مسار احلركة<br />
السياسية من خالل التعريف على مواقفها من السلطة واملعارضة.<br />
ويف ممارستها<br />
فحيازة احلزب أو احلركة مصداقية مجهوره ومناضليه واملتعاطفني معه<br />
والرأي العام ميكن يف وفاء احلركة هلويتها االفرتاضية .لقد نادى الشيخ<br />
حنناح بتطبيق إسرتاتيجية إصالحية تأخذ بالتدرج يف حتويل<br />
واجملتمع والسلوك الفردي إىل منط يتماشى والتعاليم اإلسالمية<br />
.<br />
الدولة<br />
فقد كان "شعار التغيري اهلادئ" الذي رفعته حركة "محس" نتيجة منطقية<br />
لتجربة اإلنقاذيني، فأيقنت أن املعارضة ال تعين املواجهة واملغالبة لذلك<br />
اختذت احلركة بناء العالقة سلمية مع السلطة أحسن من مواجهتها<br />
ألسباب أمجلها رئيس احلركة ومؤسسها يف هذه النقاط:<br />
توحش النظام: إن النظرة اليت كان حيملها النظام السياسي يف تلك<br />
الفرتة عن احلركة اإلسالمية واحدة نتيجة الصدام الذي وقع مع جبهة<br />
اإلنقاذ وحتى ال يضع التيار اإلسالمي<br />
خطر االنسياب يف تيار الفيس<br />
fis<br />
بيضه يف سلسلة واحدة وخوفا من<br />
اجلارف اختارت حركة جمتمع السلم<br />
احلوار ونبد العنف فرأى مؤسسها " يف ليونة االرتباط خطر بإمكانه أن<br />
حيرق العمل واجملموعة ويثري التوترات مع احلركة واجملتمع من دون<br />
29<br />
سبب .<br />
ب-<br />
ج-<br />
احلفاظ على كيان الدولة: ألن املرحلة آنذاك كانت صداميه تنذر<br />
حبرب أهلية قد تؤدي إىل ضياع املؤسسات وانهيار الدولة<br />
اإلميان بالتواصل بني<br />
الوطنيني واإلسالميني:<br />
.<br />
ألن املسافة يف رأي<br />
احلركة ومؤسسها قريبة وهذه رسالة وجهها الشيخ حنناح إىل اإلسالميني<br />
للبحث عن حتالفات مع الوطنيني خاصة، ال التيار الوطين واإلسالمي<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 120<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
واحد يف اعتقادهم، فقد تعرض لالنقسام بفعل دعاة التمزيق وبعض<br />
االستئصالني املناهضني للقضايا الوطنية واإلسالمية.<br />
هذه األسباب كانت وراء اختاذ احلركة نهج املشاركة السياسية واليت<br />
قادتها إىل حمطات أخرى كاالئتالف احلزبي والتحالف الرئاسي، وقد<br />
مرت املشاركة السياسية عند احلركة بأربعة مراحل.<br />
-<br />
.1887<br />
-<br />
املرحلة األوىل حتضريية:<br />
إمتدت من جانفي<br />
1881<br />
ديسمرب 1888.<br />
-<br />
املرحلة الثانية:<br />
إىل جوان<br />
مشاركة ائتالفية برملانية من جوان1887 إىل<br />
املرحلة الثالثة: مشاركة ائتالفية رئاسية ومتتد من سنة<br />
1888<br />
إىل 2221.<br />
-<br />
2221<br />
املرحلة الرابعة: وهي مشاركة حتالفية واليت بدأت بعد رئاسيات<br />
إىل يومنا هذا.<br />
إختارت حركة جمتمع السلم خيار املشاركة أو املساهمة يف تسيري<br />
البالد على أساس ان<br />
كلمة مشاركة تعين االشرتاك بنصيب<br />
أو حق االشرتاك<br />
بنصيب مع اآلخرين يف بعض األفعال، وعندما تضاف كلمة سياسة إليها فإنها<br />
تعين<br />
28<br />
االشرتاك بنصيب يف بعض األفعال السياسية فاملشاركة ختتلف عن<br />
التعايش الذي يتخذ طابع احلتمية يف تقبل وضع ما<br />
قبول طرف ما يف االشرتاك يف احلكم من عدمها.<br />
والتأصيل<br />
أما املشاركة فمصدرها<br />
لفكرة املشاركة عند حركة محس يعود إىل<br />
االستشهاد بقصة يوسف ودعوته ملك مصر حني قال" اجعلين على خزائن<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 122<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
22<br />
األرض إنين حفيظ عليم .<br />
فكان يوسف بذلك وزيرا يف حكومة<br />
مصر.فإقرار املشاركة قاد حركة جمتمع السلم من االئتالف احلزبي إىل<br />
التحالف الرئاسي ألنها تري يف دلك ً"<br />
تعاون على محاية ألواننا الوطنية<br />
العاكسة أللوان الطيف السياسي الثالثة الفاعلة يف اجلزائر،فبغري تناسق<br />
األخضر و األبيض و األمحر ال تعكس الراية اجلزائرية ألوانها الوطنية،و<br />
بغري تناغم اإلسالم و الوطنية و الدميقراطية ال تعكس الساحة السياسية<br />
يف اجلزائر حقيقة األسرة السياسية املتعاونة على إرساء دعائم دولة احلق<br />
و القانون<br />
. 21."<br />
االقصائي الذي كان سائدا<br />
تكون حركة محس بهذا اخليار قد استبدلت اخلطاب<br />
عند جبهة االنقاد إىل فكر جامع جممع<br />
لطاقات األمة وهو ما اصطلح عليه مسمى املصاحلة الوطنية املشرتكة.<br />
فعبارة:<br />
مشاركون يف احلكومة<br />
ال يف احلكم، و اجلزائر حررها<br />
اجلميع و يبنيها اجلميع شعارات كررها مؤسس احلركة حتى صارت<br />
عنوانا من عناوين اهلوية عند حركة جمتمع السلم<br />
.<br />
ميكن أن خنلص إىل أن اقرتاب حركة جمتمع السلم من السلطة<br />
بدد فكر املواجهة<br />
شريك<br />
الدميقراطيون(.<br />
واملغالبة وأسس لفكر املشاركة الذي أهلها لكسب<br />
هام ممثال يف أحزاب التحالف الرئاسي)<br />
ثم إن سياسة املشاركة ال املغالبة اليت اتبعتها حركة<br />
الوطنيون-<br />
"محس"<br />
جعلها ال تتخلف عن املشاركة يف كل االستحقاقات االنتخابية رافضة<br />
بذلك سياسة الكرسي الشاغر.<br />
إن مالحظة سريعة ملسار احلركة ولنتائج االنتخابات اجلماعية<br />
والتشريعية يبني لنا التطور احلاصل والنمو املتزايد يف كيانها مقارنة مع<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
-1<br />
األحزاب العتيقة اليت عرفت تراجعا يف مواقعها أو اختذت سبيل<br />
املقاطعة على غرار جبهة القوى االشرتاكية بسب النتائج املخيبة يف<br />
االنتخابات، هذا ما يربر أن احلركة متكنت من مزامحة األحزاب<br />
الكربى يف فرتة وجيزة وجتربة قصرية.واستطاعت مأل الفراغ السياسي<br />
الذي أحدثته أحزاب املعارضة خاصة املقاطعة للنظام.<br />
وإذا ما رجعنا إىل هوية محس التنظيمية وباخلصوص إىل مفهوم<br />
العضوية يف احلركة، ميكن القول أن العضو يدعى أخا وهذا يعين أن<br />
أعضاء احلركة تربطهم وحدة العقيدة الدينية ووحدة إليديولوجية<br />
فأعضاء احلركة اخوة يف الدين قبل أن يكونوا أعضاء يف السياسة.<br />
اإلختالف بني اهلويتني<br />
ميكن حتديد االختالف بني اهلويتني االفرتاضية واحلقيقية عند<br />
احلركة جمتمع السلم عرب املستويات التالية:<br />
-1<br />
0: على مستوى املرجعية:<br />
إن مرجعية حركة جمتمع السلم دينية إسالمية ففي املادة رقم<br />
2<br />
من القانون األساسي نالحظ قرارها للمرجعية الدينية الرتاثية ممتثلة يف<br />
اإلسالم مبصادرة ومقاصده وتراث مجعية العلماء املسلمني وفضائل<br />
الزوايا .لكن على املستوى احلقيقي أو اهلوية احلقيقية فان<br />
احلركة تأخذ مبرجعية خمالفة لتلك اليت تبنتها يف هويتها االفرتاضية.<br />
إن قراءة بسيطة ملرجعية حركة جمتمع السلم تبني تعدد<br />
مرجعياتها فمن مرجعية حملية وطنية إىل أخرى أجنبية غريبة عن اجملتمع<br />
اجلزائري.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
يظهر هذا يف والء حركة جمتمع السلم للتنظيم االخواني مبصر<br />
وخاصة أفكار حسن البنا، حتى وإن مت رفع غطاء الوالء مؤخرا عن<br />
حركة جمتمع السلم فان التأثري على مستوى الفكر يبقى بارزا ذلك أن<br />
تنظيم اإلخوان تنظيم عاملي يبقى تأثريه فاعال خاصة يف الدول العربية<br />
.<br />
-<br />
"<br />
االختالف بني كاريزمية الشيخ وكاريزمية املؤسسة.<br />
فالشيخ له احلق الكامل يف إدارة شؤون املؤسسة اليت أوجدها من<br />
الصفر،ألنه منشؤها فان كل من حوله من األتباع واألنصار واملريدين من<br />
يسلمون له طوعا أو كرها<br />
بسلطة التقدير املطلقة فيكون الرتتيب<br />
22<br />
التنظيمي هكذا املؤسس ثم املؤسسة أو هما مع شيء واحد فعلى<br />
املستوى االفرتاضي تكرس أدبيات احلركة كاريزمية الشيخ ففي عهد<br />
التأسيس كانت احلركة مشخصة يف رئيسها الشيخ حنناح هذا أن دل<br />
22<br />
على شيء إمنا يدل على شخصنة السلطة أي اختزاهلا يف شخص فرد .<br />
وهذا يعين كذلك أن احلركة زمن املؤسس كانت حتتكم إىل<br />
ما يعرف بثنائية السلطان/<br />
الرعية ذلك أن الشيخ كان ميثل املرجعية<br />
املطلقة، له كامل احلرية يف القرار دون اعرتاض أو مراقبة كونه ينتمي<br />
إىل فضاء املقدس أما الرعية متثل اخلضوع والطاعة و التسليم ألوامر<br />
لسلطان املطلقة<br />
خالف<br />
.<br />
مثل هذه اهلوية ملفاهيم تكرس قيم جملتمع التقليدي<br />
ما يعرف عن املؤسسة كونها تنتمي إىل فضاء احلداثي ألنها تقوم<br />
على مجلة من القوانني املنظمة "والن اجملتمع املؤسس يسوده نظام يسمح<br />
لألفراد بإقامة توقعات منتظمة والتعرف على احلقوق والواجبات اليت<br />
21<br />
تلزمهم إزاء بعضهم البعض بصفتهم مواطنني" . وهلذا فان رفع شعار من<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
التأسيس إىل املؤسسة21، يعين<br />
"<br />
اإلحتكام إىل اللوائح والقوانني<br />
21<br />
وااللتزام باملتفق عليه فال صوت يعلو فوق صوت املؤسسات..." .<br />
ميكن أن خنلص أن انتقال احلركة من التأسيس إىل املؤسسة هو جتاوز<br />
احلركة ملرحة<br />
املؤسسة.<br />
2<br />
-1<br />
حتكمها قيم السلفية اليت ختتلف كلية على مرحلة<br />
: على مستوى املفاهيم واملصطلحات:<br />
يثري املصطلح عامليا أزمة إدراك ووعي<br />
خيرجون عن هذا السياق<br />
بالذات، واإلسالميون ال<br />
إن صميم ااالشكال يكمن عندهم فيما<br />
حيملونه من مشاريع وأفكار تراثية وما متدهم به حضارة الغرب، من<br />
مفاهيم<br />
مصطلحات حداثية شكلت هلم ما أصبح يعرف بصدمة احلداثة<br />
اليت كان من نتائجها أن خلقت حلظة الوعي باالختالف سببها<br />
"تقادم<br />
27<br />
فهمهم للدين وبتخلف فكرهم وجمتمعاتهم مقارنة بشيء آخر" فمما ال<br />
شك فيه أن اللبس والغموض الذي اكتنف طريقة التعامل مع الوافد<br />
الغربي طرح أمامهم إشكالية عويصة أوقعتهم يف أزمة اهلوية<br />
االصطالحية..<br />
فالغموض الذي خلق االختالف القائم بني تصور احلركة ملفهوم احلركية<br />
واحلزبية يف جانبها الفرتاضي احلقيقي يدفعنا للبحث عن بعض الفروقات<br />
بينهما.<br />
فالبحث يف املعاجم حييلنا إىل أن احلركة ضد الكون وتنطوي<br />
على معاني كثرية منها<br />
األشياء أو يف األشخاص فاحلياة<br />
29<br />
التغري والتغري<br />
ال يتم<br />
الفرد أو حياة اجلماعات.<br />
بدون تغيري سواء يف<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
واحلركة من خصائصها السرعة يف التغيري بواسطة التعبئة والتجميع<br />
للجماهري خالف<br />
الورد...<br />
"احلزب"<br />
الذي من معانيه اللغوية الطائفة و اجلماعة و<br />
ومنها التحزب لعقيدة أو لفكرة وكلها تصب يف معنى التحجر<br />
والسكون والتقوقع حول مجاعة ما.<br />
أما اصطالحا فقد عرفه موريس ديفرجي على أنه<br />
اجتماع "<br />
جمموعات صغرية منتشرة يف البالد أقسام، جلان، مجعيات حملية...<br />
28<br />
" أما تعريف ماكس فيرب فقد عرفه بأنه"<br />
انتماء مؤسس على جتنيد<br />
بشكل حر هدفه ضمان السلطة املنظمة يف وسط مجاعة مؤسسة ألجل<br />
حتقيق هدفه األعلى أو احلصول على امتيازات مادية<br />
12<br />
ملناضليه." ومهما<br />
اختلفت التعاريف و تعددت فإنها تشرتك يف كون احلزب جتمع أو تنظيم<br />
سياسي هدفه الوحيد العملية السياسية أو بلوغ السلطة.<br />
لعل هذا ما مييز احلزب عن احلركة فاحلركة أوسع وأمشل من<br />
احلزب واحلزب يف معناه استاتيكي ثابت مقارنة مع احلركة اليت تتميز<br />
بالتغري واحلركة.<br />
وهذا يعين أن احلركة هلا قدرة االنتشار األفقي من<br />
خالل ختندقها يف فئات الشعب. وحركة<br />
اإلسالمية إلي نلمس عندها لبسا واختالفا<br />
" محس"<br />
واحدة من احلركات<br />
يف اجلانب املفاهيم يف بعدها<br />
االفرتاضي واحلقيقي خاصة حول موضوع التسمية وعلى رأسها ثنائية<br />
مصطلح حركة/ حزب.<br />
ففي القانون األساسي والنظام الداخلي ويف باب التسمية: املبادئ<br />
واألهداف والوسائل<br />
ويف الفصل األول<br />
نقرا املادة رقم<br />
1 حتمل حلركة<br />
التسمية التالية : حركة جمتمع السلم عوض استخدام مصطلح حزب لقد<br />
خلصت إىل أننا<br />
أمام تيار يسمي نفسه على املستوى<br />
االفرتاضي<br />
حركة<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 127<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
ال حزبا<br />
ولعل التسمية تنطلق من املرجعية املؤسسة وهي مدرسة اإلخوان<br />
املسلمني، فقد كان يراها املؤسس " حسن البنا" حركة.<br />
يقول يف رسائله:<br />
-<br />
وتستطيع أن تقول وال حرج عليك أن اإلخوان<br />
املسلمني دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية مجاعة<br />
رياضية ورابطة علمية وثقافية...<br />
11<br />
أكسب فكرة مشوال لكل مناجي اإلصالح..."<br />
هكذا نرى أن مشول معنى اإلسالم قد<br />
فالنظرة الشمولية للفكر االخواني يكسب تنظيمهم معنى احلركة الن<br />
هلذه األخرية من املعاني ما يتسع ليشمل كل مناحي احلياة االجتماعية<br />
هذا باإلضافة إىل النظرة السلبية اليت حيملها تنظيم اإلخوان عن<br />
احلزبية ألنها مصدر التقاطع والتدبري والتفرقة وهلذا السبب اختارت<br />
حركة محس مصطلح احلركة على احلزب.<br />
حتكم احلركة على نفسها من الناحية االفرتاضية بأنها<br />
حركة شعبية خرجت من رحم الشعب على اختالفه غري أن هويتها<br />
احلقيقية تفصح عن كونها حركة خنبوية فاغلب املنتمني إليها أساتذة<br />
ومعلمني وطلبة جامعيون...<br />
-<br />
يف املشروع االفرتاض للحركة نلمس مصطلح األمة<br />
فاحلركات اإلسالمية على اختالفها تؤمن بفكرة اخلالفة، وهذه<br />
األخرية ال تكون إال يف سياق إنتاج امة إسالمية ال تعرف حدودا جغرافية<br />
فاحملاضر الرتبوية لألخوان تؤكد على مفهوم األمة<br />
الواقعي نعثر على مصطلح الدولة.<br />
2 املادة رقم<br />
الدولة اجلزائرية املنشودة.<br />
أما يف مشروعها<br />
فالقانون األساسي يتحدث صراحة يف<br />
على أن بيان أول نوفمرب ببنوده وأهدافه يطمح اىل اجياد<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 128<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
نالحظ على حركة محس اختالفا يف قاموس مصطلحاتها ففي<br />
أدبيات احلركة اإلسالمية تستخدم مصطلحات ومفاهيم اسالمية قرآنية<br />
حتمل القيم السلفية<br />
كمصطلح األيف الذي يقابله العضو يف القانون<br />
األساسي والدولة احلديثة بدل الدولة اإلسالمية...<br />
وكلها مفاهيم تعرب<br />
عنها تغري اخلطاب السياسي لدى حركة جمتمع السلم على املستوى<br />
احلقيقي.<br />
-1<br />
أ-<br />
: اإلسرتاتيجية<br />
إن لسؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا االختالف القائم بني اهلوية<br />
االفرتاضية واهلوية احلقيقية هو كيف ميكن حلركة محس جتاوز هذا<br />
االختالف؟ وماهية اإلسرتاتيجية املعتمدة يف ذلك؟ إن اإلجابة على هذا<br />
السؤال ميكن حصرها يف النقاط التالية:<br />
استطاعت حركة جمتمع السلم أن جتد لذاتها خمرجا يبعدها عن االختناق<br />
الذي وقعت فيه احلركات اإلسالمية وخاصة تلك اليت نلمس يف خطابها<br />
التشدد والتطرف، فمنهجها الوسطي االعتدالي واعتمادها املشاركة ال املغالبة<br />
فرض طريقة يف االنتقال من<br />
النمطني التقليدي<br />
واحلداثي.<br />
االفرتاضي إىل احلقيقي وذلك العتماد اجلمع بني<br />
من خالل إبداع مصطلح جديد عرف<br />
12<br />
بالشروقراطية يوصف على أنه أقرب إىل الركاكة واهلزل وهي حالة توفيقية<br />
بني الفكرة اإلسالمية والفكرة احلداثية،<br />
وقد استخدمه مؤسس احلركة<br />
تعبريا عن االعتدال والوسطية، ولفتح خط التواصل بني اإلسالميني<br />
والدميقراطيني والوطنيني.<br />
ب-<br />
التخلي عن كاريزمية الشيخ وعن الوالء له وملنهجه الذي<br />
رمسه من خالل بروز بعض<br />
االنشقاقات داخل احلزب، حيث أصبح<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 129<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
االنشقاق فعال طبيعيا بعدما كان يعترب يف أدبيات احلركة اإلسالمية ردة<br />
وخروجا عن امللة يستدعي صاحبها التكفري عن نفسه، وهذا إن دل على<br />
شيء إمنا على تغيري القيم اليت حتكم احلركة حيث نالحظ التغري الذي<br />
مس قيم جلماعة والطاعة والوالء لتتحول إىل سيادة قيم الفر دانية و<br />
التمرد وهذا ما يؤكد فرضية علمنة احلركة<br />
مع<br />
.<br />
-<br />
ج- التسامي يف االنتماء إىل احلزب أو التنظيم اإلسالمي أمر مقدس<br />
واخلروج عنه ميثل الضياع يف عرف احلركة اإلسالمية على أساس أن<br />
االنتماء إىل اجلماعة والتشبث بها رمحة واالبتعاد عنها عذاب وفرقة.<br />
د- إن حتالف حرك محس كحركة أو تيار إسالمي مع التيارات<br />
األخرى الوطنية ذات البعد االشرتاكي والدميقراطية يف بعدها العلماني<br />
االختالف يف مرجعيات إسرتاتيجية مكنتها من االندماج مع هذه<br />
التيارات لتفتكك بذلك حق القرار لكن التشارك مع اآلخر قد يؤدي إىل<br />
قسط من التنازل عن بعض مبادئها مما قد يؤدي إىل تدجينها وذوبانها يف<br />
األحزاب األخرى<br />
خالصة:<br />
.<br />
ما ميكن حوصلته أنه بالرغم من وجود بعض االختالل<br />
واالختالف بني اهلوية االفرتاضية واهلوية احلقيقية للحركة، فان ذلك<br />
يعود إىل ظروف املمارسة مبعطياتها املتغرية.<br />
فإذا كان الوضع السياسي يسري بشكل طبيعي لبقى خطاب<br />
احلركة يف مستواه االفرتاضي غري أن حتميات الواقع فرضت على<br />
احلركة إسرتاتيجية املشاركة السياسية والتشارك يتطلب حد أدني من<br />
التنازالت حتى يقع االتفاق.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
ثم إن اهلوية<br />
االفرتاضية يف جوهرها غري منفصلة عن اهلوية احلقيقية<br />
بل هي مؤسسة هلا، اي إنها متثل املعيار الذي ينبغي االرتقاء إليه يبقى حلقيقي<br />
ميثل التغيب النسيب<br />
.<br />
إن استخدام حركة محس مصطلحات حداثية قد جيعل منها حركة<br />
غريبة عن هويتها االفرتاضية هذا يكشف اغرتاب احلركة عن واقعها ألن<br />
املصطلح حتى ميتلك هويته ينبغي أن يكون ابن بيئته وتراثه وهذا يف األصل<br />
تهديد هلويتها االفرتاضية بالذوبان يف هويات أخري ذات طابع حداثي تهدد<br />
وجودها و حتاول ابتالعها.<br />
اهلوامش :<br />
-1<br />
د. 2-<br />
ابن منظور، لسان العرب،معجم لغوي علمي اجمللد األول تقديم الشيخ عبداهلل العاليلي،<br />
إعداد وتصنيف يوسف خياط دار لسان العرب لبنان، ص 121<br />
املعرفة،<br />
أسامة الغزالي حرب، األحزاب السياسية يف العامل الثالث، سلسلة عامل<br />
اصدر اجمللس الوطين للثقافة والفنون<br />
واالدابي ، الكويت 1897، ص 11<br />
2 M. Duverger les partis politiques libraire armands colin paris<br />
19876, p 3<br />
-1<br />
لقمان اخلطيب،<br />
النشر مصر ، 1892 ص.<br />
األحزاب السياسية ودوره يف<br />
.21<br />
-1<br />
أنظمة احلكم،<br />
دار الثقافة للتوزيع و<br />
جريار هجامي، موسعة مصطلحات القلق عند العرب، مكتبة لبنان ناشرون،ط1،<br />
لبنان، 1889، ص 811.<br />
1 - Jacqueline russe, c. lotilel, le gril , dictionnaire de philosophie<br />
bords paris 2004. p 188.<br />
القاهرة 1811.<br />
-7<br />
يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليوناني ، مكتبة النهضة املصرية، ط1.<br />
ص17.<br />
9 - C. dubar, la crise des identités, interprétation d’une mutation<br />
presse universitaire de France paris 200. p 02.<br />
-8<br />
-12<br />
يوسف كرم ، املرجع نفسه ص 28<br />
زكي جنيب حممود وآخرون، املوسوعة فلسفية املختصرة دار القلم، لبنان ص 122.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 110<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
-11<br />
صامويل هنتغتون،أمريكا األنا و اآلخر، اجلدل الكبري يف أمريكا، ترمجة عثمان<br />
اجليالي املثلوني،<br />
مراجعة و تقديم يوسف الصوابي املركز العاملي لدراسات وأحباث<br />
الكتاب االخضر، ط1، 2221 بنغازي ليبيا، ص 11<br />
12 - Sous la direction de Michel Blay, Larousse grand dictionnaire<br />
de la philosophie la rousse CIVRS, Ed 2005 paris p 1077<br />
12 - L. morfaux, vocabulaire de la philosophie<br />
-11<br />
طييب غماري، املقال السابق ، ص 71-<br />
.92<br />
-11<br />
-11<br />
حممد العربي ولد خليفة،<br />
اجلامعية، 2222. اجلزائر، ص 122.<br />
املسألة الثقافية وقضايا اللسان واهلوية ديوان املطبوعات<br />
بيان أول نوفمرب 1811 يف جملة اإلرشاد إسالمية شاملة تصدر عن مجعية اإلرشاد<br />
واإلصالح الوطنية العدد األول ،<br />
.8<br />
التجرييب 1112 ديسمرب 1898، ص 9-<br />
17 -C. dubar, la crise des identités, interprétation d’une mutation<br />
presse universitaire de France paris 200. p 02<br />
-19<br />
-18<br />
وزارة الداخلية و اجلماعات احمللية والبيئة و اإلصالح اإلداري، دستور اجلمهورية<br />
اجلزائرية الدميقراطية الشعبية، ملؤريف يف 1898/22/22 ص 29<br />
طييب غماري، املقال السابق ، ص 71-<br />
.92<br />
-22<br />
-21<br />
اخلمار العلمي ،<br />
منشورات دار<br />
يف اهلوية والسلطة دراسات و أحباث يف الفكر واجملتمع والسياسة<br />
ما بعد احلداثة ط1. 2221. فاس ، ص12.<br />
حممد العربي ولد خليفة،<br />
اجلامعية، 2222. اجلزائر ، ص 122<br />
-22<br />
املسالة الثقافية وقضايا السان واهلوية ديوان املطبوعات<br />
النبأ جريدة األسبوع الوطين تصدر عن حركة جمتمع السلم، العدد<br />
11 من 217<br />
21 جوان .1888<br />
املواقف من 1 اىل 1 ربيع االول 1122 ص.<br />
22<br />
-22<br />
الشيخ حنناح،<br />
مقال احلركة الواعية يف األصولية<br />
اهلدف، منشورات جمتمع السلم 2222 ص.<br />
11<br />
-21<br />
-21<br />
-21<br />
من سورة البقرة اآلية 112.<br />
القانون األساسي، حركة جمتمع السلم املادة الثالثة،<br />
ل<br />
االستئصالية يف سلسلة حنو<br />
الثوابت واملبادئ، ص . 1<br />
القانون األساسي، حركة جمتمع السلم املادة 22 الثوابت واملبادئ ص ص 1-<br />
.1<br />
-27<br />
راشد الغنوشي،احلركة اإلسالمية ومسألة التغيري،دار قرطبةط1، 2222 ص122.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 112<br />
العدد الثاني<br />
جوان
احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />
د. زازوي موفق<br />
-29<br />
حممد امحد الراشد،<br />
الوعي النسيب يف خطط حمفوظ يف جملة املختار،<br />
عن اجمللس السياسي حلركة جمتمع السلم، العدد 00 ربيع لثاني 0127-<br />
جملة شهري تصدر<br />
ماي 2111 ص.<br />
28<br />
-29<br />
عبد اهلل حممد بن عبد الرمحن،<br />
اجلامعية 2111، ص 278.<br />
-11<br />
-10<br />
-32<br />
-11<br />
من سورة يوسف اآلية ، 11<br />
السيد شحاته السيد، علم االجتماع السياسي در املعرفة<br />
امحد يوسف،اجلزائر و سفر اخلروج، جدليات السياسة والدعوة واحلركة، وجها لوجه مع<br />
رئيس حركة جمتمع السلم الشيخ أبو جرة سلطاني، تقديم الشيخ عبد الرمحان شيبان واألستاذ<br />
الطاهر وطار،دار قرطبة الطبعة األوىل،اجلزائر 2111،ص129.<br />
أبو جرة سلطاني ، رسالة املؤمتر الرابع، سلسلة من التأسيس إىل املؤسسة دار اخللدونية للنشر<br />
والتوزيع ط0، اجلزائر ص 8<br />
عبد اإلله بلقزيز وآخرون،<br />
املعارضة والسلطة يف الوطن العربي،<br />
العربية، مركز الدراسات الوحدة العربية ط0، بريوت 2110 ص.<br />
91<br />
-11<br />
-11<br />
-11<br />
-17<br />
-18<br />
ر.بودون و بوريكو، املرجع لسابق ص 178.<br />
الشعار الذي رفع يف املؤمتر الرابع حلركة جمتمع السلم<br />
أزمة املعارضة السياسية<br />
أبو جرة سلطاني ، رسالة املؤمتر الرابع، سلسلة من التأسيس إىل املؤسسة دار اخللدونية للنشر<br />
والتوزيع ط0، اجلزائر ص 8<br />
حسني رحال، إشكاليات التجديد، دراسة يف ضوء علم االجتماع املعرفة، دار اهلادي للطباعة<br />
والنشر و التوزيع،الط 0، لبنان، ص 01.<br />
مجيل طيب،املعجم<br />
الفسلفي،اجلزء األول دار الكتاب البناي 982 ص117-<br />
119<br />
-19<br />
-11<br />
ابن منظور لسان العرب معجم لغوي علمي قدم له الشيخ عبد اهلل العال بلي، املواد وتصنيف<br />
يوسف خياط، دار لسان العرب اجمللد األول، لبنان ص 120.<br />
ابن منظور،املصدر السابق،ص120.<br />
41- Duverger, op cit, p34.<br />
42- Jean charlot, OP cit, p 34.<br />
-11<br />
سنة<br />
حسن البنا ، جمموعة<br />
ص<br />
.022.021<br />
-11<br />
رسائل اإلمام الشهيد، شركة الشهاب اجلزائر، دون طبعة دون<br />
د حيدر إبرهيم علي، التيار اإلسالمي وقضية الدميقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية،<br />
ط2.0999،بريوت ص 28<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
2102 جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
مقدمة<br />
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
أمنوذج :"محدان خوجة وأمحد بوضربة"<br />
د. سلطانة عابد،<br />
خمرب البحوث االجتماعية والتارخيية<br />
جامعة معسكر<br />
غداة احتالل فرنسا للجزائر يف جويلية 1922، برزت فئة التجار على مسرح<br />
األحداث بروزا ملفتا ، حيث لعبت أدوارا رئيسية<br />
وهامة بني سلطة األيالة و سلطة<br />
اإلحتالل.<br />
إن مساهمتنا نسعى من خالهلا إىل فهم امليكانيزمات و اآلليات اليت جعلت من<br />
جتار مدينة اجلزائر يتصدرون باقي الفئات اإلجتماعية ملدينة اجلزائر يف الدفاع عن<br />
املدينة وسكانها ومقدساتها<br />
.<br />
وألجل فهم هذه امليكانيزمات واآلليات سنسعى إىل مقاربة فئة التجار مبدينة<br />
اجلزائر من خالل خصائصهم اإلجتماعية<br />
واإلقتصادية<br />
والثقافية والسياسية<br />
اليت<br />
مسحت لتاجرين هامني من جتار هذه املدينة، هما محدان بن عثمان خوجة وأمحد<br />
بوضربة<br />
من لعب األدوار األوىل على املستوى السياسي والنضالي يف مواجهة سلطة<br />
اإلحتالل بقيادة اجلينرال دوبورمون<br />
. Debourmont<br />
إن إختيارنا حلمدان خوجة وأمحد بوضربة<br />
كعينة لفئة التجار مبدينة<br />
اجلزائر هو إختيار أملته ضرورة منهجية وموضوعية، وذلك من حيث أنهما الوحيدان<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية<br />
111<br />
العدد الثاني جوان<br />
2102
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
يف حدود علمنا املتواضع، اللذان تركا كتابات نوعية تعرضا فيها ألوضاعهم<br />
ودورهم أمام صدمة سقوط دولة األيالة، وهي اآلثار احملفوظة بدور األرشيف<br />
الفرنسي )مراسالتهم مع ضباط اإلحتالل خاصة دوبورمون وكلوزيل Clauzel<br />
ودور األرشيف الرتكي<br />
)مراسالت محدان خوجة مع السلطان العثماني<br />
)<br />
وموظفي األستانة(.<br />
-I<br />
اخلصائص اإلجتماعية<br />
:<br />
إن اهلدف من التعرض إىل مقاربة اخلصائص اإلجتماعية هو مالمسة<br />
الوضع اإلجتماعي واإلثين هلذين التاجرين، وإىل أي حد مسحت اخلصوصية<br />
اإلجتماعية واألثنية بربوزهما كفاعلني إجتماعيني وسياسيني يف جزائر<br />
1922، متسائلني عن فاعلية اإلنتماء العرقي واإلثين يف الدفع بهما كفاعلني<br />
يف تسيري األحداث بدءا من مفاوضات الداي حسني ودوبورمون<br />
Debourmont<br />
وصوال إىل توقيع معاهدة اإلستسالم وتشكيل أول جبهة جزائرية ملقاومة<br />
اإلحتالل، هي جلنة املغاربة اليت ترأسها محدان خوجة إىل جانب أمحد بوضربة<br />
وابن عمر، وإمساعيل ابن مصطفى ومحدان آغة ، وهي اللجنة اليت راحت<br />
تكشف املمارسات التعسفية والإلنسانية للجيش الفرنسي باجلزائر، واليت<br />
كانت تتنافى مع إلتزمات الطرف الفرنسي املوقعة مبوجب معاهدة اإلستسالم<br />
مع الداي حسني. )عبد الرمحن،ج.1881<br />
.)7 :<br />
-0<br />
-<br />
-<br />
-<br />
اخلصائص اإلجتماعية واإلثنية حلمدان بن عثمان خوجة:<br />
أصوله ترجع إىل تركيا<br />
كان أبوه يشغل وظيفة دفرت دار بدار اإلدارة الرتكية.<br />
أمه تنتمي لعائلة أمني السكة، أخت احلاج حممد أمني السكة.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-2<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
كان متزوجا من الزهرة بنت احلاج عبد الرمحن بوركايب<br />
وهو من كبار جتار مدينة اجلزائر.<br />
كان متزوجا أيضا من الال خدوجة بنت إبراهيم باي من<br />
كبار موظفي األيالة.<br />
كانت تربطه عالقة مصاهرة بباي قسنطينة احلاج أمحد<br />
والذي كان زوجا ألخته خدوجة )عبد الرمحن ج.1881: 7(.<br />
اخلصائص اإلجتماعية واإلثنية ألمحد بوضربة:<br />
أصوله ترجع إىل عرب األندلس<br />
كان والده من كبار جتار مدينة اجلزائر<br />
كان لعائلة بوضربة عالقات مصاهرة بعائلة الصايغي، وهو<br />
من كبار موظفي اإليالة.<br />
كما كانت له عالقة مصاهرة وجة اخليل<br />
)George.Y.1913 :218(<br />
من خالل القراءة األولية هلذه اخلصائص اإلجتماعية واإلثنية<br />
نستخلص أن التاجرين ينتميان إجتماعيا إىل الفئة احلضرية<br />
األرستقراطية، فحمدان خوجة ينتمى إىل الفئة الرتكية وأمحد بوضربة<br />
إىل الفئة األندلسية، وهذا ما يفسر يف رأينا املتواضع توجههما حنو<br />
التجارة الدولية )اإلسترياد والتصدير(، حيث يربز ثقل عالقات املصاهرة<br />
القوية مع كبار موظفي اإليالة، مما حييلنا إىل اقرتاح فرضية أن ممارسة<br />
النشاط التجاري اخلارجي مل يكن نشاطا جتاريا مفتوحا أمام مجيع<br />
التجار، بل كان نشاط يتحكم فيه الوضع اإلجتماعي )األصول اإلثنية،<br />
عالقات املصاهرة( ودرجة التالحم )القرابة( بالسلطة السياسية واإلدارية،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 117<br />
العدد الثاني<br />
جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
وعليه فإن وضع التاجر كان يف الواقع إنعكاسا لوضع إجتماعي مميز،<br />
وضع يتداخل فيه الرهان اإلثين والسياسي، وحتى الديين والثقايف؛ وهو ما<br />
فسرته الباحثة لواليش فتيحة على أساس أن شح املوارد البحرية خاصة القرصنة<br />
مع بداية القرن الثامن عشر، دفع بالعديد من موظفي اإليالة ورياس البحر<br />
بالتحول إىل ممارسة النشاط التجاري وذلك يربط عالقات مصاهرة مع كبار<br />
التجار ومشاركتهم نشاطهم التجاري )لواليش،ف.1882: 111( مما ميكن<br />
اعتباره حتالفا مصاحل بني البورجوازية التجارية احلضرية والبريوقراطية<br />
السياسية واإلدارية مبدينة اجلزائر.<br />
-II<br />
-0<br />
اخلصائص االقتصادية:<br />
ونقصد بهذه اخلصائص، الوضع املادي لكل من محدان خوجة و<br />
أمحد بوضربة، و ذلك من خالل التعرض إىل نوعية النشاط التجاري<br />
املمارس و حجم املمتلكات ونوعيتها.<br />
محدان خوجة:<br />
0<br />
0- نوعية النشاط التجاري:<br />
حجم التجارة اخلارجية قدرت ب 2220222 فرنك فرنسي<br />
كان يستورد:السكر، الشاي، الكتان، الورق، اآلزوت، البوتاس،<br />
نشري إىل أن محدان كان ميارس هذا النشاط باإلشرتاك مع خاله<br />
أمني السكة وبعض التجار<br />
اليهود)21-22: )Temimi,A.1980<br />
-<br />
-<br />
2<br />
0- نوعية النشاط الزراعي:<br />
كان ميلك بسهول متيجة:<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 118<br />
العدد الثاني<br />
جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
120222 -<br />
122 -<br />
222 -<br />
- 12 محل<br />
222 -<br />
-<br />
-<br />
-<br />
رأس من الغنم واملاعز<br />
بقرة حلوب<br />
زوج من الثريان<br />
من اخليول<br />
12من البغال<br />
122 جبح من العسل<br />
إىل 1222<br />
1222 كيال<br />
)الكيلة=21كلغ( من احلبوب يف املطامري<br />
)مفردها مطمورة عرفت اجلزائر منذ أقدم العصور هذا النوع من<br />
املطامري لتخزين احلبوب خاصة القمح الصلب والشعري(<br />
يذهب محدان بن عثمان خوجة يف كتابه "املرآة" متحدثا عن ثروته<br />
قائال:"... علي أن أصرح مبلكييت لقطعة كبرية من األرض كافية من<br />
هذا السهل، توارثناها أبا عن جد" ، ليواصل:"فانا مالك ألمالك بسهل<br />
متيجة يقدرما أبذره بهذا السهل سنويا 112 محولة إبل من قمح وما بني<br />
122<br />
و122 محولة من الشعري..." )عبد الرمحن،1881<br />
أما عن :22(<br />
ممتلكاته العقارية، فكانت متعددة، كمحالته التجارية بوسط مدينة<br />
اجلزائر واليت صادرتها قوات اإلحتالل الفرنسي، كما صودر "قصره<br />
القائم بأعالي الربوة بربض العني الزرقاء...") عبد الرمحن،ج 1881<br />
.)21:<br />
-2<br />
-2<br />
-<br />
أمحد بوضربة<br />
:<br />
0<br />
نوعية النشاط التجاري:<br />
ختصصت عائلة بوضربة يف استرياد:<br />
الكتان، السك الفوالذي، الزجاج، ملح األمونياك.<br />
الزيت، القهوة، اخلشب،<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 119<br />
العدد الثاني<br />
جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
كان أمحد بوضربة ميارس هذا النشاط باإلشرتاك مع عائلة الصايغي،<br />
وبوركايب و بعض التجار اليهود<br />
2-2األمالك العقارية<br />
)A.M.G,Alg. 1831(<br />
:<br />
1<br />
-<br />
-<br />
-<br />
مخسة حمالت جتارية مبدينة اجلزائر<br />
قصور مبدينة اجلزائر<br />
عقارات فالحية بسهل متيجة<br />
ومما يالحظ أن أمحد بوضربة كان تاجرا، ومل يكن يشتغل يف النشاط<br />
الزراعي، عكس محدان خوجة، فبوضربة كان يستثمر فوائده من<br />
التجارة يف شراء العقار مبدينة اجلزائر)A.MG.Alg.1831(.<br />
-III<br />
اخلصائص الثقافية والسياسية<br />
:<br />
-0<br />
تعترب اخلصائص الثقافية والعلمية والسياسية لكن من محدان<br />
خوجة وأمحد بوضربة كأهم خصائص جذبت واسرتعت انتباهنا ، فنحن<br />
أمام تاجرين برزا على مسرح األحداث يف مدينة اجلزائر مبستوى ثقايف<br />
وسياسي جد مميز.<br />
محدان خوجة: و الذي يصفه املؤريف عبد الرمحن اجلياللي بقوله:"<br />
أنه بليغ القلم واللسان نظما ونثرا، واسع اإلطالع، سديد الرأي، نافد<br />
البصرية ذا رجاجة يف العقل والتدين والتقوى خبريا بسياسة الدول وامللوك<br />
، ملما ببعض اللغات األجنبية ، فكان حيسن إىل جانب لغة أبويه العربية<br />
والرتكية واللغة الفرنسية واإلنكليزية ، وكان مجاعة للكتب.<br />
وكثريا ما كان يقضي األيام والليالي الطويلة يف نسخ الكتب<br />
النادرة املفيدة بيده وتارة يعلق عليها بقلمه، وقد وقفت على بعضها طه<br />
اجلميل") عبد الرمحن،ج.1881: 22(.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
مل يقتصر النشاط الثقايف حلمدان خوجة على مجع الكتب،<br />
وإتقان اللغات فقط بل جنده يؤلف العديد من الكتب، يف السياسة<br />
والتاريخ، والفلسفة وحتى الطب، نذكر منها مؤلفه الشهري كتاب "املرآة"<br />
1922<br />
والذي تعرض فيه إىل ذكر أحوال اجلزائر غداة اإلحتالل<br />
الفرنسي سنة 1922، فكان هذا الكتاب هو "أول بيان سياسي ضد<br />
السياسة الفرنسية بوالية اجلزائر" على حد تعبري الشيخ عبد الرمحن<br />
اجلياللي )عبد الرمحن،ج.1881: 12(.<br />
إضافة إىل "املرآة" ألف محدان بن عثمان خوجة كذلك: كتاب" إحتاف<br />
املنصفني واألدباء مبباحث اإلحرتاز من الوباء" و هو كتاب كتبه باللغة<br />
العربية واللغة الرتكية سنة<br />
"1929<br />
وحققه ونشره البحاثة حممد بن عبد<br />
الكريم سنة 1819، وموضوعه يدور حول "احلجر الصحي"، حيث أفتى<br />
محدان خوجة بضرورة احلجر خالفا ملا ذهبت إليه مشيخه اإلسالم، اليت<br />
كانت ترى فيه تقليدا للكفار، وكانت الكلمة األخرية حلمدان خوجة<br />
بعد مناظرة شهرية مع علماء اسطنبول، مما دفعه لتأليف هذا<br />
الكتاب)عبد الرمحن،ج.1881<br />
)29 -27:<br />
كما ألف محدان خوجة رسالة فلسفية، شرح فيها كلمة الغزالي<br />
الشهرية "ليس يف املكان أبدع مما كان<br />
ألفها سنة 1921)عبد الرمحن،ج.1881<br />
"<br />
أمساها "حكمة العارف" واليت<br />
.)28:<br />
فنحن إذن أمام تاجر مثقف وعامل، وهي خاصية جعلت الكثري من<br />
الضباط الفرنسيني يعتربونه املثقف املستنير الوحيد بإيالة اجلزائر،<br />
والذي يتسم بسعة علمه، وتنوع لغاته، مما يؤهله للعب أدوار مهمة في<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 110<br />
العدد الثاني<br />
جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
التوسط بين إدارة اإلحتالل وسكان مدينة اجلزائر<br />
)Temimi,A.1980 :21(<br />
وهذا ما يفسر ذلك الدور السياسي اهلام الذي لعبه محدان خوجة<br />
غداة اإلحتالل، فكان أبرز شخصية لعبت دورا تفاوضيا هاما بني<br />
اجلنرال دوبورمون والداي حسني، قبل توقيع معاهدة اإلستسالم ، حيث<br />
كان الداي حسني يستشريه يف كل تفاصيل معاهدة االستسالم خاصة ما<br />
تعلق بالبنود اخلاصة باإلسالم واملساجد واألمالك الوقفية.<br />
كما إستعانت به السلطة الفرنسية يف إتصاهلا بباي قسنطينة<br />
احلاج أمحد باي ليعقد بينهما معاهدة سلم) أوت –أكتوبر<br />
عهد اجلنرال دوريفيقوRovigo De<br />
)1922<br />
،<br />
على<br />
وأوكلت له اإلدارة اإلستعمارية<br />
مهمة التفاوض مع باي التيطري بومرزاق )عبد الرمحن،ج.1881<br />
-27:<br />
،)21<br />
وكان أول من ترأس اجمللس البلدي ملدينة اجلزائر رفقة أمحد<br />
بوضربة وجلنة املغاربة رفقة ابن عمر وإمساعيل.<br />
-2<br />
أمحد بوضربة<br />
:<br />
تذكر جل الكتابات واملصادر أنه كان من امللمني باللغة الفرنسية<br />
حبكم إقامته بفرنسا مدة تسع سنوات أين تزوج بامرأة فرنسية، وحبكم<br />
تعامالته التجارية الواسعة مع ميناء مرسيليا، فقد كان أمحد بوضربة من<br />
بني أبرز شخصيات جلنة املغاربة اليت أوفدت يف أواخر<br />
1922<br />
إىل باريس<br />
لشرح قضية االحتالل و جتاوزاته أمام احلكومة الفرنسية.<br />
وقد ال نعرف ألمحد بوضربة كتابات أخرى أو تأليف سوى<br />
مذكرته املشهورة املوسومة"مذكرة بوضربة" وهي عبارة عن نصائح وإرشادات<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 112<br />
العدد الثاني<br />
جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
إىل الفرنسيني عن طريقة التعامل مع اجلزائر بني وكيفية التنظيم اإلداري<br />
والسياسي حلكم اجلزائريني.<br />
)George.Y.1913 :219(<br />
.1<br />
.2<br />
.2<br />
.1<br />
ويف ختام هذه املقاربة، وبعد استعراضنا ألهم خصائص جتار مدينة اجلزائر )محدان<br />
بن عثمان خوجة وأمحد بوضربة( ، ميكن لنا أن نصيغ الفرضيات اإلستشرافية<br />
التالية علها تكون أو تشكل سبال ألحباث قادمة.<br />
دور الوسط العائلي واإلنتماء اإلثين يف ممارسة النشاط التجاري<br />
اخلارجي، فاإلنتماء إىل الفئة الرتكية كان عامال حامسا يف<br />
ممارسة هذا النشاط التجاري.<br />
عالقات املصاهرة بني التجار وموظفي اإليالة يؤشر إىل أن النشاط<br />
التجاري اخلارجي مل يكن يتم دون إشراك البريوقراطية<br />
السياسية.<br />
طبيعة التجارة اخلارجية )نوعية املواد املستورة( يعكس أن هذا<br />
النوع من النشاط التجاري كان بإشراف ومراقبة السلطة<br />
السياسية.<br />
الدور السياسي للتجار خاصة موقفهم من االحتالل يقرء يف بعده<br />
اإلثين واإلجتماعي، فحينما يعترب محدان خوجة االحتالل مؤقت<br />
وسوف تعود اجلزائر إىل السلطة السابقة ، جند أمحد بوضربة<br />
يرحب بالوجود الفرنسي باجلزائر ويسعى للتقريب بني الفرنسيني<br />
واجلزائريني ، وما يؤكد هذه الفرضية اتهام محدان خوجة<br />
لبوضربة بأنه هو من كان وراء قرار سلطة اإلحتالل القاضي<br />
بنفي أتراك مدينة اجلزائر، إضافة إىل اتهام بوضربة بدوره يف<br />
دعم األمري عبد القادر على حساب احلاج أمحد باي، بينما جند<br />
محدان خوجة مييل و يؤيد احلاج أمحد باي على حساب األمري<br />
عبد القادر. :85( A.1980 )Temimi,<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان
قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />
د. سلطانة عابد<br />
بيبلوغرافيا :<br />
- 1<br />
- Archive du ministère de la guerre- Vincennes<br />
Alger 1831 Générales série 1H Correspondances<br />
- 2<br />
األرشيف:<br />
املراجع باللغة العربية:<br />
اجلياللي ، عبد الرمحان )1881(، تاريخ اجلزائر العام، ديوان املطبوعات اجلامعية، اجلزائر<br />
- 2<br />
-TEMIMI Abdeljalil(1980) , Recherches et documents d’histoire<br />
maghrébine , Tunis .<br />
:<br />
-1<br />
- Yver, George (1913) , Mémoire de Bouderbah, in Revue<br />
Africaine, pp 218-245.<br />
- 1<br />
املراجع باللغة األجنبية:<br />
املقاالت<br />
األطروحات:<br />
لواليش فتيحة، (1993)، احلياة احلضرية ببايلك الغرب، رسالة ماجيسرت<br />
يف التاريخ احلديث واملعاصر، جامعة اجلزائر.<br />
.<br />
2102<br />
الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />
العدد الثاني<br />
جوان