23.10.2014 Views

املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي . من خالل كتاب امللل والنحل للشهرس

املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي . من خالل كتاب امللل والنحل للشهرس

املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي . من خالل كتاب امللل والنحل للشهرس

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني.‏<br />

د.‏ طييب غماري،‏<br />

خمرب البحوث االجتماعية والتارخيية،‏<br />

جامعة معسكر.‏<br />

مقدمة:‏<br />

إن اهتمام نظرية التنظيم باملؤسسة الدينية،‏ ال يعين إسقاط ما<br />

توصل إليه هذا العلم من مبادئ وأفكار على هذا النوع من املؤسسات،‏ أو<br />

حتويل املؤسسات الدينية إىل مؤسسات علمانية مدنية،‏ ثم التعامل معها<br />

على هذا األساس،‏ إنه حماولة لفهم كيف تقوم هذه املؤسسات بفرض<br />

منطقها على الفاعلني االجتماعيني الذي تربطهم بها عالقة مباشرة أو غري<br />

مباشرة من جهة؛ ومن جهة ثانية حماولة لفهم اآلليات اليت يعتمدها هؤالء<br />

الفاعلني االجتماعيني من أجل تغيري وتطوير املؤسسات الدينية،‏ باعتبار<br />

أنها مؤسسات اجتماعية تسري عليها نفس القوانني اليت تسري على باقي<br />

مؤسسات اجملتمع،‏ أي التأثري والتأثر.‏<br />

ميكننا تقسيم األدبيات اليت تناولت املؤسسة الدينية إىل قسمني<br />

كبريين،‏ فمن جهة جند الدراسات الفقهية اليت عادة ما تكون حبيسة<br />

املصطلحات اخلاصة بالديانة الواحدة،‏ عادة ما تركز هذه الدراسات<br />

الفقهية على تفرد ومتيز التجربة الدينية،‏ حبيث يغلب اجلانب الديين فيها<br />

على اجلانب العقالني املوضوعي،‏ فاملسلمون يتكلمون عن املؤسسات<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 7<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

اإلسالمية واملسيحيون عن املسيحية،‏ ولكن كل واحد حياول أن يقدم<br />

األدلة والرباهني على مسو دينه ومتيزه مقارنة بالديانات األخرى؛<br />

أما القسم الثاني فيتعلق بالبحوث العقالنية اليت حاولت مقاربة<br />

التجربة الدينية انطالقا من منهجية علمية واضحة ومضبوطة،‏ هدفها هو<br />

فهم املؤسسات الدينية وأسلوب عملها،‏ أكثر من الرتويج هلذا أو ذاك<br />

الدين،‏ يف هذا االجتاه.‏<br />

تعترب أعمال كل من دوركايم وفيرب من أهم األعمال اليت اهتمت<br />

بالدين عموما وباملؤسسة الدينية خصوصا،‏ أدت الدراستان إىل تقديم<br />

مشاريع حبث مهمة مما أدى إىل تتابع العديد من الدراسات حول الدين<br />

واملؤسسة الدينية وهذا إىل غاية السبعينات،‏ أين اجتهت السوسويولوجيا<br />

بفعل التحوالت اليت عرفها العامل إىل املواضيع املرتبطة أكثر بالتنمية،‏<br />

وبدأت تركز أحباثها على املؤسسات املدنية أو العلمانية،‏ مؤسسة بذلك<br />

لنظرية إخراج الدين من احلياة البشرية.‏<br />

نتج عن هذا التحول يف األحباث تطور كبري لعلم التنظيم ولنظريات<br />

التنظيم يف العديد من احلقول العلمية ‏)علوم التسيري،‏ علم االجتماع،‏ علم<br />

النفس،‏ علم النفس االجتماعي(،‏ يف مقابل هذا التطور شهدنا تراجع<br />

الدراسات اليت تهتم باملنظمات الدينية،‏ وكان جيب أن ننتظر نهاية القرن<br />

العشرين ليعاد بعث الدراسات اليت تهتم باملؤسسات الدينية،‏ كاستجابة<br />

لعودة الدين إىل احلياة االجتماعية والسياسية.‏ إن أهم مالحظة نسوقها يف<br />

هذا املستوى هي أن كل األعمال اليت جاءت بعد فيرب ودوركيام،‏ ال<br />

تكاد خترج عن التوجهات النظرية هلذين املفكرين،‏ وهذا ما يعطي يف<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 8<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

نظري للعلوم الغربية قوتها،‏ فاحلقول العلمية تتطور وقف مشاريع معرفية<br />

يتم صقلها جيال بعد جيل.‏<br />

انطالقا مما سبق،‏ وبأعني شاخصة على التجربة املعرفية الغربية،‏<br />

سنحاول يف هذه الورقة تبيان أهمية املؤسسات الدينية يف الرتاث<br />

اإلسالمي،‏ من خالل االعتماد على مصنف مهم يف هذا اجملال،‏ هو<br />

كتاب،‏ امللل والنحل للشهرستاني،‏ علما أن هذا العمل الرائد،‏ كان<br />

ميكن أن يصبح قاعدة لعلم التنظيم الذي يهتم باملنظمات الدينية،‏ هذا لو<br />

عرف العرب واملسلمون كيف يواصلون مشروع هذا العامل،‏ ليؤسسوا<br />

على عمله تراكما علميا،‏ بالدراسة والتحليل والنقد أو بالتوسيع<br />

والتطوير.‏<br />

فكتاب الشهرستاني،‏ يعد حبق خارطة مفصلة للتوزيع الديين عرب<br />

العامل،‏ فحتى وإن كان هذا التوزيع غري شامل لكل امللل والنحل،‏ إال أنه<br />

يبقى توزيعا مميزا من وجهني على األقل:‏ الوجه األول هو منهجيته العلمية<br />

الدقيقة واملوضوعية؛ أم الوجه الثاني فيتمثل يف إملامه بأغلب األديان وامللل<br />

والنحل اليت كان هلا أثر سياسي أو اجتماعي على العامل آنذاك.‏<br />

معامل نظرية البد منها حول املؤسسة:‏<br />

تعرف املؤسسة من قبل<br />

(Harry S. Stout & D. Scott<br />

Cormode)<br />

" على أنها<br />

بنية اجتماعية مكونة من القواعد والرتاتبيات،‏<br />

اليت أوجدت من أجل دعم وختليد جمموعة من املعايري والقيم األخالقية<br />

بني أتباعها"‏<br />

،(Harry S. Stout; D. Scott Cormode. 1998: 64)<br />

فبالرغم من قصور أي تعريف عن إعطائنا املعنى اجلامع واملانع ملا نريد<br />

تعريفه،‏ فإن هذا التعريف يبقى يف نظري قادرا على حتمل عبء مصطلح<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 9<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

اجلماعة الدينية عندما ينظر هلا كمؤسسة دينية،‏ فاجلماعات والطوائف<br />

الدينية على اختالف توجهاتها وأيديولوجياتها تشرتك يف مسألة القواعد،‏<br />

والرتاتبية،‏ حيث أن هذه القواعد هي اليت تضمن للجماعة هويتها املستقلة<br />

عن باقي اجلامعات،‏ أي أنها تربر وجود اجلماعة بالنسبة لآلخر<br />

اخلارجي،‏ يف حني أن الرتاتبية تضمن للجماعة انسجامها الداخلي من<br />

خالل ضبط وتنظيم العالقات بني األفراد املشكلني للجماعة من األدنى<br />

إىل األعلى.‏ وهذا كله من أجل دعم املعايري والقيم الثقافية اليت من أجلها<br />

أوجدت أو تأسست اجلماعة،‏ وهذا عن طريق التعليم والنشر الواسع هلذه<br />

املعايري والقيم،‏ ثم ختليدها عن طريق التوارث بني األجيال املتعاقبة هلذه<br />

اجلماعات.‏<br />

حيدد لنا هذا التعريف مستويني مهمني يف املؤسسة بصفة عامة،‏<br />

مستوى البنيات ومستوى الثقافات،‏ حيث أن ‏"البنيات تنظم والثقافات<br />

تتكلم<br />

،(Harry S. Stout; D. Scott Cormode. 1998: 66) "<br />

وهذا ما نالحظه يف اجلماعات الدينية حيث جند البنيات اليت تنظم<br />

اجلماعة األم يف مجاعات أصغر،‏ وتنظم العالقات بني اجلماعات وبني<br />

األفراد،‏ كما تنظم مسألة القيادة،‏ اليت تعترب عنصرا مهما يف كل<br />

املؤسسات الدينية؛ أما الثقافة ومن خالل اللغة والقيم واملعايري والتقاليد،‏<br />

فتتحدث عن املؤسسة مقدمة شرحا تثبيتيا وإقناعيا لألتباع،‏ وحتفيزيا<br />

ودفاعيا لآلخرين الذين ليسو من األتباع بعد،‏ بغرض ضمهم أو اتقاء<br />

شرهم.‏<br />

من جهة أخرى يشري هذا التعريف وبطريقة غري مباشرة إىل ما<br />

أمساه<br />

(Paul DiMagio & Walter Powell)<br />

باحلقل التنظيمي<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

(Harry S. Stout; D. Scott Cormode. 1998: 67; Thomas H.<br />

(91 ،Jeavons. :1998 فباعتبار أن املؤسسات الدينية ال تعيش وحدها<br />

بل تتفاعل مع باقي املؤسسات<br />

االجتماعية<br />

اليت قد تكون من نفس<br />

طبيعتها أو من طبيعة خمتلف عنها،‏ يصبح احلقل التنظيمي مصطلحا<br />

مهما يسمح بتجميع كل املؤسسات اليت تتشابه من حيث النشاط<br />

واخلدمات اليت تقدمها،‏ ومن هذا املنطلق ميكن احلديث عن احلقل<br />

التنظيمي للدين كما ميكن احلديث عن احلقل التنظيمي لإلعالم أو<br />

للمال والنقد...‏<br />

عند<br />

من هذا الباب سيكون هذا التعريف إجرائيا بالنسبة ملا سنقوم به<br />

معاينة مصنف الشهرستاني لنرى إىل أي مدى كان كاتبنا سباقا<br />

قبل أكثر من عشرة قرون إىل جتسيد هذا املعنى أثناء تصنيفه ودراسته<br />

للمؤسسات ‏)للجماعات(‏ الدينية الناشطة يف زمنه.‏<br />

حيث سنوضح القواعد<br />

والبنيات اليت على أساسها قام بإحصاء وتصنيف املؤسسات الدينية<br />

باعتبارها جزء من احلقل التنظيمي للدين آنذاك.‏<br />

التعريف بالكاتب والكتاب:‏<br />

هو حممد بن عبد الكريم بن أمحد أبو الفتح الشهرستاني،‏ من<br />

شهرستان خرسان،‏ يرجح العلماء أنه ولد سنة 974 ه وتوفى سنة<br />

املوافق ل<br />

895 ه<br />

6618<br />

-6851<br />

م،‏ كان شافعي املذهب أشعري األصول،‏ إماما<br />

وفقيها ومتكلما وواعظا،‏ صنف الكثري من الكتب يف خمتلف جماالت<br />

املعرفة يف علوم الدين ويف علم الكالم<br />

‏)الشهرستاني،‏ )66 : 6441<br />

أما عن كتاب امللل والنحل فيعترب من وجهة النظر التارخيية أهم<br />

املصنفات اليت اهتمت بالشأن الديين يف العصور املاضية،‏ إن أهمية هذا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 00<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

الكتاب ال تكمن فقط يف حجم املعلومات اليت قدمها الشهرساتين عن<br />

امللل والنحل،‏ بل وأيضا يف املنهج العلمي الذي تبناه الكاتب يف تقديم هذه<br />

املعطيات وشرحها وحتليلها،‏ األمر الذي جعل من هذا املصنف مشروعا<br />

حقيقيا للبحث يف احلقل التنظيمي الديين،‏ مشروع مل يقم الالحقون<br />

مبواصلته ليتأسس من خالل الرتاكم حوله نظرية علمية إسالمية تهتم<br />

بتصنيف ومقارنة األديان،‏ فكان مصري هذا املشروع نفس مصري مشروع<br />

إبن خلدون من بعده،‏ أي السقوط يف غياهب النسيان،‏ وتنتظر األمة جميء<br />

املستشرقني،‏ ليقوموا بنفض الغبار عن هذه األعمال الكبرية،‏ ونبقى حنن<br />

منبهرين ورمبا غري مصدقني بأن تراثنا حيتوي على مثل هذه اإلسهامات<br />

اجلليلة.‏<br />

إن القارئ ملقدمة الشهرستاني اليت أوضح فيها وبشكل دقيق<br />

منهجه يف التصنيف،‏ ال يشعر باالغرتاب بالنسبة للمناهج األكادميية<br />

احلديثة،‏ لقد قام يف هذه املقدمة بتحديد وبدقة ووضوح األطر النظرية<br />

اليت سيعتمد عليها يف تصنيفه لألديان.‏ إن الفصل الذي قام به<br />

الشهرستاني فيما يتعلق بتعريف املفاهيم األساسية،‏ وفيما يتعلق مبعايري<br />

التصنيف املعتمدة،‏ كان فصل العارف بصعوبة التحكم يف موضوع<br />

الدين خاصة عندما يتعلق األمر بالتعرض للعديد من امللل والنحل.‏<br />

منهج الشهرستاني يف كتاب امللل والنحل:‏<br />

التصنيف:‏ يوضح الشهرستاني يف مقدمته األوىل،‏ األسس املعتمدة<br />

يف تصنيف ‏"أهل العامل"‏ أي تصنيف البشر،‏ حيث أوضح ان هناك أربعة<br />

معايري ميكن أن تعتمد يف تصنيف العلماء للناس:‏ ‏)الشهرستاني،‏<br />

:6441<br />

)65<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 02<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

‎1‎ التصنيف على أساس األقاليم<br />

‎2‎ التصنيف على أساس األقطار من شرق وغرب ومشال وجنوب<br />

‎3‎ التصنيف على أساس األمم العرب والعجم والروم واهلند<br />

‎4‎ التصنيف على أساس اآلراء واملذاهب<br />

فمن وجهة نظر الشهرساتين متثل هذه األسس األربعة اإلمكانات<br />

املتاحة للعالِم من أجل تصنيف البشر يف جمموعات متجانسة حبسب<br />

اهلدف من الدراسة اليت يريد القيام بها،‏ ومن مثة وانطالقا من اهتمامه<br />

بالبحث يف األديان اليت تعرب عن آراء ومذاهب متعدد ومتنوعة،‏ اختار<br />

املعيار األخري،‏ أي تصنيف البشر على أساس أرائهم ومذاهبهم،‏ حيث<br />

يقدم لنا بعد ما اختار معيار التصنيف تصنيفا ثنائيا ألهل اآلراء واملذاهب،‏<br />

حيث يرى أنهم ينقسمون إىل<br />

‏)الشهرستاني،‏<br />

"<br />

: 6441<br />

أهل الديانات وامللل،‏ وأهل األهواء والنحل"‏<br />

64(، ثم يوضح يف هذه املقدمة األوىل كيف أن<br />

هذين الصنفني ينقسمان فيما بعد إىل أصناف ثم تتشعب األصناف إىل<br />

فرق قد ال تعد وال حتصى،‏ حتى وإن حاول أن يوقف تعداد الفرق يف<br />

خمتلف الديانات عند أعداد حمددة رمبا كانت صحيحة يف زمنه،‏ حيث<br />

أوقف تعداد الفرق املاجوسية عند سبعني فرقة،‏ واليهودية عند إحدى<br />

وسبعني فرقة،‏ والنصرانية عند اثنني وسبعني فرقة واإلسالمية عند ثالث<br />

وسبعني فرقة.‏<br />

حتديد قواعد اإلحصاء والتصنيف:‏<br />

يبدأ الشهرستاني مقدمته الثانية بأساليب اليت اعتمد عليها<br />

السابقون يف إحصاء الفرق اإلسالمية،‏ فيقرر منذ البداية التعدد<br />

واالختالف بني العلماء يف املعايري املعتمدة من أجل إحصاء ثم تصنيف<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

الفرق اإلسالمية،‏ فالواضح هنا أن كاتبنا يريد يف هذا املستوى أن يفصل<br />

يف مسألة منهجية جد مهمة وهي مسألة حدود املفهوم وما هي القواعد<br />

اليت جيب تبنيها لتعيني حدود هذه الفرقة حتى تكون متميزة عن غريها<br />

من الفرق وتلك اليت جتعلها جزء من فرقة أخرى.‏<br />

فبغرض القيام بإحصاء دقيق ومنهجي وتصنيف موضوعي،‏ حيدد<br />

الشهرستاني أربعة قواعد يتم على أساسها إحصاء الفرق الدينية<br />

اإلسالمية ثم فيما بعد تصنيفها:‏<br />

‏)الشهرستاني،‏ )16 : 6441<br />

القاعدة األوىل:‏ الصفات والتوحيد فيها<br />

القاعدة الثانية:‏ القدر والعدل فيه<br />

القاعدة الثالثة:‏ الوعد والوعيد واألمساء واألحكام<br />

القاعدة الرابعة:‏ السمع والعقل والرسالة واإلمامة<br />

يدرك الدارس هلذه القواعد من الوهلة األوىل أنها تعتمد على<br />

املسائل اخلالفية اليت أدت إىل ظهور الفرق اإلسالمية الكربى مبختلف<br />

تشعباتها.‏ مرة أخرى يدهشنا الشهرستاني بوضوح منهجه،‏ حيث أنه حيدد<br />

منذ البداية املعامل اليت ميكن للقارئ أن يقيمه على أساسها،‏ إنه<br />

يتصرف بعقلية العامل املدرك لصعوبة احلقل املعريف الذي هو بصدد<br />

دراسته،‏ العارف بهشاشة احلدود،‏ وهلذا فهو يقرر تبين هذه القواعد<br />

األربعة اليت سيقوم باإلحصاء على أساسها بدون أن يقرر بأنها هي<br />

القواعد الوحيدة،‏ فهو يبنيها ويؤسسها بغرض إمتام هذه الدراسة فقط،‏<br />

إنه يفصل يف<br />

(<br />

أو يتبنى(‏ مفاهيمه اخلاصة والضرورية للتقدم يف هذا<br />

املشروع،‏ وهنا يبدو لنا الشهرستاني وكأنه قد تنبه إىل مسألة املفاهيم<br />

اإلجرائية منذ نهاية القرن احلادي عشر وبداية القرن الثاني عشر.‏ خاصة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

وانه حيدد منذ البداية الكيفية اليت سيتعامل بها مع هذه الفرق فيقول:‏<br />

‏"فإذا وجدنا إنفراد واحد من األئمة مبقالة من هذه القواعد،‏ عددنا مقالته<br />

مذهبا ومجاعته فرقة.‏ وإذا وجدنا واحدا انفرد مبسألة فال جنعل مقالته<br />

مذهبا،‏ ومجاعته فرقة،‏ بل جنعله مندرجا حتت واحد ممن وافق سواها<br />

مقالته،‏ ورددنا باقي مقاالته إىل الفروع اليت ال تعد مذهبا مفردا"‏<br />

‏)الشهرستاني،‏<br />

،)11 -16 : 6441<br />

تعترب هذه املقدمة يف نظري أحسن<br />

مثال عملي على عملية أجرأة املفاهيم اليت تعترب املرحلة املفصلية يف املسار<br />

املنهجي،‏ واليت على أساسها ميكننا الوثوق<br />

/<br />

أو عدم الوثوق يف<br />

إمكانيات الباحث على الوصول مبشروعه إىل الغايات احملدد مسبقا.‏<br />

أكثر من هذا يلزم الشهرستاني نفسه منذ البداية مبا نسميه اليوم<br />

املوضوعية،‏ حيث يقول ‏"وشرطي على نفسي،‏ أن أورد مذهب كل فرقة<br />

على ما وجدته يف كتبهم؛ من غري تعصب هلم،‏ وال كسر عليهم؛ دون أن<br />

أبني صحيحه من فاسده،‏ أو أعني حقه من باطله"‏ ‏)الشهرستاني،‏<br />

: 6441<br />

11(، فاحلديث عن احلياد العلمي وجتنب األحكام القيمية املتحيزة،‏<br />

عند تناول موضوع بهذه احلساسية،‏ ينبئ بشجاعة علمية كبرية حتلى بها<br />

الشهرستاني.‏ خاصة وحنن نعلم أن أغلب مآسي العلماء املسلمني عرب<br />

التاريخ اإلسالمي كانت بسبب مواقفهم من هذه أو تلك الفرقة.‏<br />

حتديد مفاهيم املصطلحات اليت سيستعملها:‏<br />

بعدما فصل يف مسألة املنهجية املعتمد يف اإلحصاء والتصنيف،‏<br />

يعرج الشهرستاني املصطلحات اليت سيستعملها يف هذه الدراسة،‏ علما أنه<br />

سيعتمد على عدد من املصطلحات املتداخلة واليت كثريا ما يستعملها<br />

العامة وكأنها مرتادفات،‏ فيقف عندها وقفة املمحص الذي يلزم نفسه<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

بشحنة مفهومية حياول أن ال خيرج عنها طوال حبثه،‏ ومن بني املصطلحات<br />

اليت يتوقف عندها كاتبنا لغة واصطالحا جند ‏"الدين وامللة والشريعة<br />

واملنهاج واإلسالم واحلنيفية والسنة واجلماعة"‏ ‏)الشهرستاني،‏<br />

: 6441<br />

)88<br />

فبعد شرحه ملعنى الدين يركب بني هذه املصطلحات،‏ ليوضح لنا<br />

الرتابط العضوي القائم بني املصطلح واآلخر،‏ مقدما لنا تفسريا اجتماعيا<br />

ودينيا للجماعة،‏ يقول الشهرستاني:‏ ‏"وملا كان نوع اإلنسان حمتاجا إىل<br />

اجتماع مع آخر بين جنسه يف إقامة معاشه واالستعداد ملعاده؛ وذلك<br />

االجتماع جيب أن يكون على شكل حيصل بالتمانع والتعاون حتى حيفظ<br />

بالتمانع ما هو أهله،‏ وحيصل بالتعاون ما ليس له،‏ فصورة االجتماع على<br />

هذه اهليئة هي امللة.‏ والطريق اخلاص الذي يوصل إىل هذه اهليئة هو<br />

املنهاج،‏ والشرعة،‏ والسنة.‏ واإلتفاق على تلك السنة هي اجلماعة"‏<br />

‏)الشهرستاني،‏ )86 : 6441<br />

لقد مجع لشهرستاني يف هذه املصطلحات الكلمات املفتاحية اليت<br />

ستساعده على فهم الفرق املختلفة ومن مثة إحصائها ثم تصنيفها،‏<br />

فاجلماعة تبدأ بالفرد الذي يولد جمبوال على االجتماع مع غريه،‏ هذا<br />

االجتماع الذي ميكن أن تؤطره امللة كمرجعية أيديولوجية وجتسده<br />

الشريعة والسنة واملنهاج،‏ اليت تشرح لألفراد كيفيات التعاون والتمانع.‏<br />

فعندما يقتنع األفراد بكل هذا ميكننا أن نتكلم عن اجلماعة من وجهة<br />

نظر الشهرستاني.‏<br />

من املصطلحات األخرى اليت أبدع كاتبنا يف حماولة عقلنتها<br />

بالرغم من إربتاطها الوثيق بالقداسة واملقدس،‏ جند مصطلح اإلسالم،‏<br />

حيث وحبركة فكرية حاول أن يركب فيها بني الدين والفلسفة،‏ قدم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 01<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

لنا معنى املسلم كفاعل اجتماعي غري مقدس،‏ فاإلسالم يف منظور<br />

الشهرستاني هو أدنى مرتبة من بني مرتبتني أخريني:‏ اإلميان واإلحسان،‏<br />

فاإلسالم حسبه وانطالقا من احلديث النبوي الشريف،‏ هو االنقياد<br />

والتسليم،‏ فإذا صاحبه اإلخالص والتصديق باهلل ومالئكته ورسله<br />

وكتبه واليوم اآلخر والقدر خريه وشره،‏ انتقل إىل اإلميان،‏ ثم عندما يتم<br />

الرتكيب بني اإلسالم واإلميان يكون اإلحسان،‏ وعليه ف"اإلسالم مبدأ،‏<br />

واإلميان وسط،‏ واإلحسان كمال،‏ وعلى هذا مشل لفظ املسلمني:‏ الناجي<br />

واهلالك"‏ ‏)الشهرستاني،‏<br />

)89 : 6441<br />

فاملسلم هو الفرد الذي انقاد وسلم<br />

بشريعة املسلمني،‏ ويف هذا املستوى فهو ال ميتاز عن غريه إال بالشيء<br />

اليسري،‏ إنه فاعل اجتماعي ميكن أن يصيب كما ميكن أن خيطئ.‏<br />

متثل هذه القراءة املتفرد حلديث اإلسالم واإلميان واإلحسان،‏ حماولة<br />

لعقلنة وعي املسلمني لذواتهم،‏ فاملسلم من منظور الشهرستاني ميكن أن<br />

يكون ناجيا كما ميكن أن يكون هالكا،‏ ويف كلتا احلالتني هو<br />

فاعل،‏ وال ينتقل إىل املستوى األدنى من القداسة إال عندما حيقق<br />

اإلميان،أما أعلى مستويات القداسة أي الكمال،‏ فال تكون إال مع<br />

اإلحسان.‏<br />

القيادة:‏<br />

متثل مسألة القيادة والسلطة القاسم املشرتك بالنسبة جلميع<br />

املنظمات كيفما كان نوعها أو طبيعيتها،‏ وإذا كانت كل<br />

املنظمات "<br />

تقدم تفسرياتها وتربيراتها اخلاصة ملسألة السلطة،فإنه يبقى أن نعرف<br />

‏)بالنسبة للمؤسسات الدينية(‏ إىل أي مدى ميكن أن تصاغ هذه السلطة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 07<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

بتعابري دينية،‏ أو كيف تؤسس على مبادئ دينية"‏ .H (Thomas<br />

Jeavons. 1998: 91)<br />

تعترب مسألة القيادة أو ما يعرف يف األدبيات اإلسالمية باإلمامة،‏<br />

واحدا من الرهانات األساسية يف تاريخ األمة اإلسالمية بل إن الكثري من<br />

املفكرين يقرر بأن رهان القيادة قد أثر سلبا أو إجيابا يف مصري األمة<br />

اإلسالمية طيلة أربعة عشر قرنا من وجودها.‏<br />

من هذا املنطلق حيدد الشهرستاني يف مقدمته الرابعة اخلالف على مسألة<br />

القيادة أو اإلمامة كمعيار يتم على أساسه التمييز بني الفرقة واألخرى،‏<br />

فلإلجابة على سؤال كيف تتم خالفة الرسول<br />

اختلف ‏)ص(،‏<br />

املسلمون<br />

منذ اجتماع السقيفة،‏ فإن كان هذا االختالف يبدو للوهلة األوىل اختالف<br />

تشاور ومقارعة الرأي بالرأي اآلخر،‏ إال أنه قد تطور فيما بعد ليتحول إىل<br />

خالف مصارعة الرأي للرأي اآلخر مصارعة تراجيدية،‏ وأصبحت اإلجابة<br />

على هذا السؤال مبثابة املعامل اليت تعني حدود االنتماء إىل هذه الفرقة أو<br />

تلك.‏<br />

تثبت<br />

ومنه تأسست حسب الشهرستاني إجابتني،‏ واحدة تقول ‏"بأن اإلمامة<br />

باالتفاق<br />

‏)الشهرستاني،‏<br />

لالنقسام<br />

واالختيار"‏<br />

:<br />

6441<br />

وثانية تقول<br />

‏"بأن اإلمامة تثبت بالنص والتعيني"‏<br />

11(، لقد كان هذا املعيار احملدد األساس<br />

األول الذي عرفته األمة اإلسالمية،‏ حيث<br />

تأسست<br />

على ضوئه<br />

ثالثة فرق أساسية،‏ أنتجت فيما بعد عديد الفرق واملذاهب،‏ حيث يرى<br />

الشهرستاني أنها وصلت إىل ثالثة وسبعني فرقة مثل ما رأينا سابقا.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 08<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

احلقل التنظيمي الديين اإلسالمي:‏<br />

املسلمون<br />

املعتزلة<br />

اجلرب<br />

الصفاتية<br />

اخلوارج<br />

املرجئة<br />

الشيعة<br />

الواصلية<br />

اهلذيلية<br />

اجلهمية ية<br />

النجارية<br />

األشعر<br />

ية<br />

املشبهة<br />

احملكمة<br />

األوىل<br />

األزارقة<br />

اليونسية<br />

العبيدية<br />

الكيسانية<br />

الزيدية<br />

النظامية<br />

الضرارية<br />

الكرامية<br />

النجدات<br />

الغسانية<br />

اإلمامية<br />

اخلابطية<br />

العاذرية<br />

الثوبانية<br />

الغالية<br />

احلدثية<br />

البشرية<br />

البيهسية<br />

العجاردة<br />

الثعالبة<br />

التومانية<br />

الصاحلي<br />

ة<br />

اإلمساعيلية<br />

الباطنية<br />

املعمرية<br />

اإلباضية<br />

املردارية<br />

الصفرية<br />

الثمامية<br />

اهلشامية<br />

اجلاحظية<br />

اخلياطية<br />

الكعبية<br />

اجلبائية<br />

البهشمية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 09<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

احلقل التنظيمي الديين ألهل الكتاب ومن هلم شبهة كتاب:‏<br />

أهل الكتاب ومن له شبهة كتاب<br />

اليهود<br />

النصارى<br />

املاجوس<br />

الثنوية<br />

العنانية<br />

امللكانية<br />

الكيومريثية<br />

املانوية<br />

العيسوية<br />

النسطورية<br />

الزورانية<br />

املزدكية<br />

املقاربة<br />

اليعقوبية<br />

الزردشتية<br />

الديصانية<br />

اليوذعاني<br />

ة<br />

املوشكا<br />

نية<br />

السامرة<br />

املرقيونية<br />

الكينوية<br />

الصيامية<br />

التناسخية<br />

االستنتاجات:‏<br />

فصل الشهرستاني يف تفرعات كل فرقة من الفرق،‏ أي أن الكثري<br />

من الفرق املبينة يف هذه اخلطاطات تنقسم بدورها إىل العديد من الفروع،‏<br />

لقد اعتمد الشهرستاني على املعايري اليت بيناها أعاله بالنسبة للتفريعات<br />

األساسية بالسبة للفرق اإلسالمية،‏ أما بالنسبة لباقي الفرق والفروع فقد<br />

اعتمد على مشايخ فسمى كل فرع بشيخه.‏<br />

استعمل الشهرستاني ألفاظ ‏"املسلمون"‏ ‏"اليهود"‏ ‏"النصارى"...‏ لتعيني<br />

اجملال التنظيمي الكلي لدين من األديان،‏ ومل يقل اإلسالم أو اليهودية أو<br />

املسيحية،‏ وهذا يف نظري فهم دقيق ملسألة الفرق الدينية،‏ فالفرق<br />

واالختالفات فيما بينها ناجتة عن اختالف قراءات املسلمني ملبادئ الدين<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

اإلسالمي.‏ أي أنه يف احملصلة النهائية،‏ تكون االختالفات بني الفرق<br />

الدينية اختالفات بشرية وإنسانية،‏ مصدرها القراءات واإلضافات اليت<br />

أحدثها مؤسسو هذه الفرق على الصورة األصلية للدين الذي ينتمون إليه.‏<br />

وهذا ما يعين إمكانية تناول احلقل التنظيمي بالدراسة والبحث كحقل<br />

تنظيمي بشري وإنساني خال من أية شحنة تقديسية حتد من إمكانية<br />

مقاربته بشكل علمي وعقالني.‏<br />

عندما نطبق مصطلح احلقل التنظيمي على ما قام به الشهرستاني،‏<br />

نالحظ أنه كان وفيا ملبدأ جتميع كل الفرق الدينية اليت تتشابه من<br />

حيث األصول،‏ واليت ال تكون االختالفات بينها إال يف بعض الفروع<br />

والتفاصيل،‏ ليشكل جمموعة متجانسة،‏ يتم مجعها مع جمموع ثانية<br />

وثالثة ورابعة ليشكل لنا يف نهاية املطاف احلقل التنظيمي للدين<br />

اإلسالمي ثم احلقل التنظيمي لألديان األخرى،‏ ويف األخري يشكل الكل<br />

احلقل التنظيمي الديين الذي جيعله يف مقابل احلقل التنظيمي اخلاص<br />

باألهواء واألفكار والنحل.‏<br />

خامتة<br />

‎6‎ التفكري يف اجلماعات الدينية على أنها مؤسسات يعين أنها<br />

بشرية،‏ أي أنها من صنع البشر بالرغم من أن اهتماماتها ترتبط ارتباطا<br />

وثيقا باملقدس،‏ فاملتمعن يف مشروع ابن حزم يدرك أنه ينطلق من مسلمة<br />

مهمة هي أنه على املستوى النظري تبقى احلقيقة ‏)الدينية(‏ واحدة ألن<br />

مصدرها واحد،‏ لكن على املستوى العملي جند أن احلقائق الدينية<br />

متعددة،‏ وهو يرجع هذا التعدد إما إىل االختالف حول األصول أو<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 20<br />

العدد الثاني<br />

جوان


‎1‎<br />

املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

االختالف حول الفروع،‏ وهذا يعين أن اجلماعات الديين يف نهاية املطاف<br />

ليست إال قراءات متعددة حلقيقة مقدسة واحدة.‏<br />

يرتبط هذا االختالف وهذا التعدد بالشرعنة،‏ فاملؤسسة الدينية<br />

عادة ما تنشأ من أجل اإلجابة على تساؤل ديين ‏)قراءة(‏ أو للرد على إجابة<br />

دينية ‏)قراءة أخرى(‏ ترى أنها غري سليمة،‏ وهذا يعين أنها تريد أن متنح<br />

الشرعية جلهة على حساب جهة أخرى.‏ ففي رهان الشرعية والشرعنة،‏<br />

يصبح املقدس أمرا ثانويا،‏ أو على األقل قابل للتجاوز من أجل مقدس<br />

جديد أو خمتلف عن املقدس األصلي.‏<br />

‎1‎ عادة ما ترتبط املؤسسات الدينية باجملاالت املادية واملالية،‏ أي<br />

بالربح ‏)مجع التربعات،‏ األوقاف،‏ اهلبات،‏ الزكاة...(،‏ ويف هذا ال ختتلف<br />

يف شيء عن املؤسسات املدنية األخرى،‏ حيث يتطلب مجع الثروة وتسيريها<br />

مهارات بشرية بعيدة كل البعد عن جمال املقدس.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 22<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املنظومة الدينية يف الرتاث اإلسالمي<br />

من خالل كتاب امللل والنحل للشهرستاني<br />

د.‏ طييب غماري<br />

املراجع:‏<br />

الشهرستاني،‏ )6441(، امللل والنحل،‏ حتقيق أمري علي مهنا وعلي حسن<br />

فاغور،‏ ط.‏ 1، بريوت:‏ دار املعرفة<br />

- Harry S. Stout; D. Scott Cormode. (1998). "Institutions<br />

and the Story of American Religion A Sketch of a<br />

Synthesis". In. N.J. Demerath III et al. (1998). Sacred<br />

companies Organizational Aspects of Religion and<br />

Religious Aspects of Organizations. Oxford : Oxford<br />

University Press.<br />

- Thomas H. Jeavons. (1998). Identifying Characteristics of<br />

"Religious" Organizations: An Exploratory Proposal. In.<br />

N.J. Demerath III et al. (1998). Sacred companies<br />

Organizational Aspects of Religion and Religious<br />

Aspects of Organizations. Oxford : Oxford University<br />

Press.<br />

- Paul J. Dimaggio. (1991). "Constructing an organizational<br />

field as a professional project: US art museum، 1920-<br />

1940". In Powell walter W.; Paul DiMaggio. (1991). The<br />

new institutionalism in organizational analysis. Chicago:<br />

The university of Chicago press.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />

العدد الثاني<br />

2102 جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي،‏<br />

خمرب البحوث االجتماعية والتارخيية،‏<br />

جامعة معسكر – اجلزائر-‏<br />

يشكل الواقع االجتماعي اجلزائري حالة فريدة للتحليل<br />

السوسيولوجي واالنرتبولوجي بالنظر إىل خصوصيته اليت تربز يف ضوء<br />

اإلشكاالت واملعادالت املطروحة معرفيا واملرتبطة بالظواهر والتحوالت<br />

اليت يعيشها عرب الفرتات الزمنية،‏ األمر الذي يولد أسئلة مفصلية تتناول<br />

توصيف هذه الظواهر وتتعمق يف أسبابها.‏<br />

إن حماولة حتليل مالمح اجملتمع اجلزائري وفهم خصوصيته عائدة<br />

باألساس إىل رغبة يف فهم هذه املظاهر والتحوالت بالشكل الذي ميكن<br />

إدراكه يف ضوء املعرفة باحملددات املعرفة بشخصية الفرد اجلزائري.‏<br />

و هي احملددات اليت يلعب فيها اإلسالم دورا بارزا،‏ كعقيدة متد<br />

معتنقيها جبملة التفسريات اليت يعرف بها نفسه و يربر بها وجوده.‏<br />

لقد ساير اإلسالم منذ دخوله إىل اجلزائر حتوالت وتشكيالت<br />

ارتبطت أحيانا بطريقة فهمه ومتثله،‏ األمر الذي أوجد حتوال عرب بعد<br />

زمين شاقولي ارتبط بتأثري عامل الزمن بالنظر إىل التبدالت احلاصلة من<br />

خالل عنصر التغيري و القدم،‏ و كذا يف بعد أفقي أوجد فهومات متنوعة<br />

وتشكيالت خمتلفة.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

إن وضع اإلسالم يف اجلزائر يشكل خصوصية،‏ فعلى الرغم من<br />

التقاطعات العديدة اليت تربزها صورة الفرد املسلم و العادات املنتشرة بني<br />

املسلمني،‏ إال أن ذلك مل مينع من اتسام اجملتمع اجلزائري باخلصوصية<br />

املتأتية أساسا من احلوادث واملنعطفات التارخيية واالجتماعية اليت لعب<br />

فيها الدين الدور األبرز.‏<br />

لقد شكل اإلسالم الشكل اهلوياتي األبرز يف فرتة االستعمار وهو<br />

ما سعت مجعية العلماء املسلمني إىل جتليته<br />

مع بداية الثالثينات من القرن املنصرم بغرض العودة إىل األصول<br />

وبالتالي التميز عن اهلوية املقابلة املشكلة للمستعمر.‏<br />

و هو اجملال الذي اتضح فيه اآلخر كانتماء خمتلف فكريا و<br />

عقديا مع رغبة جاحمة يف تأسيس<br />

تشكل اللغة العربية وجهه اآلخر.‏<br />

" النحن "<br />

عرب ملمح الوطنية اليت<br />

لقد أصبح من الواضح أن التشكل اهلوياتي قد برز يف ضوء سعي<br />

لتمثل منوذج مواطنة يشكل اإلسالم عنوانه األبرز مبقابل آخر ينتمي إىل<br />

جمموعة مفارقة و خيتلف عن<br />

واملعتقد.‏<br />

" النحن "<br />

يف الشكل والنفسية واللغة<br />

مما أدى إىل بروز الدين كضامن مفصلي للهوية الوطنية وحمفز<br />

للدفاع عنها،‏ وهو ما اتضح بشكل بارز يف عهد االستعمار يف ضوء تغذية<br />

روح املقاومة وكذا يف إشارة<br />

جزائري.‏<br />

اإلسالمية "<br />

اإلسالم والغرب:‏ الصورة العامة للصراع<br />

"<br />

اليت كثريا ما عربت عما هو<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 21<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

وضع اإلسالم مبقابل الغرب أو العكس يف إطار ثنائي مانوي<br />

مسألة حتتاج إىل جتلية بطرح التساؤل عن احلدود الضامنة هلذا التشكيل<br />

( اهلوياتي<br />

اإلسالم مبقابل الغرب<br />

.)<br />

والواقع أن موضوعة الغرب كدائرة مغلقة متماسكة ارتبطت يف<br />

تقابلها مع اإلسالم يف إطار صراع وتنافس يرنو إىل اكتساب مناطق نفوذ<br />

بالشكل الذي حدث مع االستعمار أو بشكل متقدم مع احلمالت<br />

العسكرية املسماة بالصليبية.‏<br />

ليتحدد هذا اإلطار يف مسات اآلخر املختلف،‏ املتطور،‏ الغالب<br />

بلغة ابن خلدون<br />

-<br />

-<br />

الذي ينبغي إما إزاحته بالسيطرة عليه وبالتالي حتطيم<br />

ما توصل إليه أو التفاعل معه وحماورته واالستفادة من منجزه احلضاري<br />

يف صعد خمتلفة.‏<br />

لقد أوجدت التعقيدات اليت أبرزتها العوملة يف توجهاتها السياسية<br />

واالقتصادية والثقافية املؤسسة على أهمية الربح والعائد املادي كفيصل<br />

لكل املقاربات التفاعلية سعيا للتحكم والتفرد يف وسائل اإلنتاج وآلياته<br />

وبالتالي ربح أكرب قدر من األسواق ورؤوس األموال.‏<br />

وهو التوجه الذي برز يف الواليات املتحدة األمريكية من خالل<br />

أدبيات احملافظني اجلدد وتطبيقاتهم السياسية حيث وجدوا يف حوادث<br />

احلادي عشر من سبتمرب الذريعة املثلى ملعاودة الظهور بشكل بارز عن<br />

طريق توطيد اإلحساس باالنتماء الوطين والديين باستثمار متثالت<br />

املفكرين كإدموند بريك و ليوسرتاوس الداعية إىل توطيد مكامن القوة<br />

و التفوق عن طريق إحداث<br />

"<br />

الضربة االستباقية<br />

". الشر احملض " لقوى "<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 27<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

و قد جتسد هذا الطرح عن طريق غزو العراق و أفغانستان،‏ وكذا<br />

بفتح معتقل غوانتنامو الشهري الذي أسرت فيه السلطات األمريكية من<br />

" وصفتهم<br />

باإلسالميني املتشددين<br />

."<br />

لقد أجج اخلطاب اإلعالمي الدعائي لبعض القنوات والوسائل<br />

اإلعالمية " صورة املسلم املتشدد<br />

"<br />

وراحت حتشد هذا التصور باحملموالت<br />

اليت يربزها أحيانا بعض املسلمني أنفسهم من خالل قناعاتهم وتصرفاتهم<br />

املنافية للفهم اإلنساني لإلسالم.‏<br />

األمر الذي أدى إىل بروز ظاهرة االسالموفوبيا كحالة نفسية<br />

واستجابة ملربرات عديدة كانت الدافع حنو تهديد متثالت غربية أخرى<br />

عن اإلسالم تتسم باهلدوء والتنوع لصاحل تصورات تنميطية ثابتة ترى يف<br />

صورة املسلم حالة بالغية للشهوة والقسوة<br />

( هشام جعيط .) 6448961<br />

والواقع أن االسالموفوبيا تشكل حالة إجحاف يف حق املسلمني يف<br />

ضوء كراهية شديدة وغري مربرة لإلسالم برزت كحالة مؤججة بعد<br />

حوادث احلادي عشر من سبتمرب عرب مظاهر عنصرية صرحية أو توظيفا<br />

لقوانني حتد من<br />

". أسلمة الغرب "<br />

الغرب واإلسالم يف اجلزائر:‏ استقصاء العوائق<br />

هذه العالقة ليست نتاجا لعقالنية معزولة،‏ و إمنا هي نتاج لتفاعل<br />

حثيث بني تصورات وبنى خمتلفة تتأثر باملنطلقات وكذا الرتاكمات<br />

واألبعاد،‏ وهي احلالة اليت ميكن أن ننعت بها حماولة فهمنا للحالة<br />

اإلسالمية يف اجلزائر حتديدا يف عالقتها مع الغرب.‏<br />

تفرد احلالة اإلسالمية يف اجلزائر يشكل إضافة للمعطى<br />

اإلسالمي العام،‏ وهو األمر املتأتي يف خصوصية البادية من كرنولوجيا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 28<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

اجملتمع اجلزائري بداية من دخول اإلسالم واعتناق اجلزائريني له مرورا<br />

باالستعمار الفرنسي وصوال إىل قيام احلركات اإلسالمية وكذا إىل<br />

حالته اليوم،‏ عن طريق<br />

اخلصوصية احلادثة وطنيا عرب الكرنولوجيا<br />

اخلاصة للشأن اإلسالمي وكذا وضعيته على حد سواء،‏ ومن جهة أخرى<br />

يف التباين احلادث بني الفلسفات اليت تتبناها احلركات اإلسالمية واليت<br />

ميكن إدراكها مثال يف التوجهات السياسية لألحزاب اليت تتخذ اإلسالم<br />

منطلقا هلا<br />

وتفعيله<br />

.(Boubekeur Amel1887986)<br />

والواقع أن بروز التوجه اإلسالمي عرب قناعات تدعو إىل تطبيقية<br />

يعود ألسباب خارجية مرتبطة باجلو العام على الصعيد العاملي<br />

واإلسالمي يف ضوء جناح الثورة<br />

السوفياتي<br />

ألفغانستان<br />

اإليرانية<br />

)<br />

6474<br />

(<br />

)<br />

6474<br />

(<br />

وكذا الغزو<br />

وصوال إىل اتفاقية كامب ديفيد<br />

يف<br />

السنة نفسها واليت رأى فيها كثري من املعتقدين يف جدوى احلل اإلسالمي<br />

اعرتافا بالعدو األبدي.‏<br />

كما يعود هذا الربوز ألسباب داخلية تعود جذورها إىل مرحلة ما<br />

قبل الدولة الوطنية وبشكل جلي مع إسهامات مجعية العلماء املسلمني<br />

اليت رفعت راية اهلوية اإلسالمية،‏ مبا يشكل اهلوية الضائعة اليت اجتهت<br />

بعض التمثالت الدينية إىل حماولة استعادتها بعد االستقالل كفعل يرنو<br />

إىل تشكيل ملمح هوياتي جزائري خمتلف يف شكله و مضمونه عن<br />

اهلوية اليت سعى االستعمار الفرنسي إىل ترسيخها.‏<br />

وقد مت ذلك عرب إنشاء مجعية القيم يف<br />

6411 فرباير 69<br />

بتأطري من<br />

اهلامشي تيجاني وعبد اللطيف سلطاني يف حماولة لتأصيل البعد العروبي<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 29<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

واإلسالمي،‏ وكذا من خالل إصدار جملة التهذيب اإلسالمي عرب إسهام<br />

شهري يشجع تفعيل القيم<br />

( الزبري عروس .) 61 :6441<br />

هذا زيادة على إسهامات ملتقيات الفكر اإلسالمي بالنظر إىل<br />

العناية السياسية واالجتماعية اليت القتها حينذاك،‏ حيث شكلت فرصة<br />

للقاء بعلماء اإلسالم خصوصا،‏ وبالتالي مد املشروع الديين يف اجلزائر<br />

مبربرات إضافية للتطور واالستمرارية.‏<br />

لذلك كثريا ما كان ينظر إىل مضادات اهلوية اإلسالمية على أنها<br />

صنيعة غربية أو استعمارية باألساس،‏ وهو الوعي الذي اجته يف ضوئه<br />

أشد مناصريه يف منتصف الثمانينيات إىل تنظيم احلمالت التأديبية بغرض<br />

تطهري اجملتمع من مراكز الفجور وصوال إىل تبين املوقف السياسي يف<br />

شكله الذي يشجب تصرفات السلطة اخلارجة عن التعاليم الدينية حمل<br />

االعتقاد.‏<br />

وهو املنطق الذي وجد يف اخللفية السوسيو تارخيية السند املالئم<br />

الستمرارية الفعل املرسخ للتصور اهلوياتي والذي حييل باملقابل إىل طريقة<br />

فهمها لآلخر املختلف،‏ والذي عادة ما كان ينظر إليه كعائق رئيس أمام<br />

الرغبة يف التطور حبسب املقاسات اإلسالمية بالشكل الذي ميكن<br />

إدراكه من خالل عدد ال يستهان به من القيم املتباينة اليت ميكن التفريق<br />

يف ضوئها بني الشرق والغرب،‏ وهي القيم املتباينة اليت أوجدت انشطارا<br />

إيديولوجيا بني خطاب حمافظ على القيم األصيلة داع إىل إحياء الغائب<br />

منها،‏ وخطاب آخر ينعت بالتحديثي يأخذ مربراته من منطلقات تقنية<br />

ولغوية،‏ األمر الذي أسس لثنائية ظلت حتافظ على وجودها بالرغم من<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

التشظي السياسي الذي حصل بإنهيار األحادية احلزبية،‏ يف ضوء تبين<br />

تعددية أبانت عن حضور إسالمي قوي يف البداية.‏<br />

لقد نظر الغرب يف صورته السياسية خصوصا بعيين الريبة لتطور<br />

املد اإلسالمي يف اجلزائر اليت حتتل موقعا جيو اسرتاتيجيا مينحها فرصة<br />

احليازة على وضعية متقدمة يف عالقتها مع أوروبا وكذا بسبب العالقة<br />

اليت تفرضها حضور اجلالية اجلزائرية.‏<br />

هذا زيادة على املصاحل االقتصادية والتجارية املشرتكة،‏ بالنظر<br />

إىل دور اجلزائر املفصلي يف تزويد أوروبا بالبرتول والغاز وكذا اعتبارها<br />

سوقا منوذجيا لتصريف املنتوج األوروبي.‏<br />

وقد أججت تلك الرؤية تصرحيات وتصرفات بعض املنتسبني الذين<br />

رأوا يف فرنسا<br />

– مثال -<br />

احلليف اجلزائري األول،‏ ويف الغرب عموما<br />

سببا يف تفشي ظاهرة الفساد واالحنالل اليت متثلها القيم الغربية من<br />

خالل الطروحات الليربالية اليت تدعو إىل احلرية الشخصية واملساواة بني<br />

اجلنسني.‏<br />

معامل يف طريق التفاهم<br />

ال أحد ينكر اإلسهامات واالجتهادات اليت جتسدت يف أشكال<br />

التفاهمات بني اإلسالم والغرب،‏ ففي اجلزائر مثال ميكن احلديث عن<br />

الكاتبة السويسرية الروسية األصل إيزابيل إبريهارت اليت عمدت يف<br />

كتبها إىل االحتفاء باإلسالم،‏ ما دفعها العتناقه واستلهام جوانبه<br />

الروحية بالشكل الذي برز يف مؤلفها " حتت الظالل الدافئة لإلسالم<br />

."<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 10<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

وهو االحتفاء الذي جنده عند إتيان ديين الرسام العاملي الفرنسي<br />

األصل الذي أبرز برسوماته مساحة اإلسالم وبعده اإلنساني<br />

.(Bruno Etienne:64549668)<br />

والواقع أن عالقة الغرب باإلسالم مل خترج يف عمومها عن تصورات<br />

يغلب عليها طابع القبلية والثبات يف ضوء حالة غرائبية مشبعة بروح<br />

األسطورة كما هو حادث يف ألف ليلة وليلة،‏ أو حالة انبهار وتقديس رأى<br />

البعض أن باطنها ال خيرج عن إطار التقريظ الزائد عن حده الذي يدرأ<br />

الرغبة يف العمل والتطوير أو حالة ثالثة هي نتاج تراكم تارخيي أوجد<br />

بروزه العاملي مع حوادث احلادي عشر من سبتمرب يف الشكل الذي أصبح<br />

يعرف باإلسالموفوبيا.‏<br />

لقد برز هذا التفريع الذي أوجد حضوره يف اجلزائر نتيجة تأثريات<br />

الساحة العاملية وكذا بالنظر إىل خصوصية احلالة اجلزائرية املتأتية مما<br />

عاشته من عنف يف ما أصبح يسمى<br />

"<br />

بسنوات الدم و الدمار<br />

."<br />

لقد شهدت اجلزائر يف أوج العنف الذي شاهدته تقتيال وإبادة لعدد<br />

من األجانب حتت طائلة مربرات دينية رمت األجانب بالعدائية على مستوى<br />

امللة والقناعات وكذا بالنظر إىل موقف بلدانهم األصلية.‏<br />

والزالت بعض احلوادث تلقى بظالهلا على طبيعة التفاهم،‏ خصوصا<br />

ما تعلق حبادثة رهبان تبحرين بدير سيدة األطلس بوالية املدية حيث مت<br />

قتل جمموعة من الرهبان األمر الذي وسع اهلوة بالشكل الذي ألب الرأي<br />

العام الفرنسي خاصة والغربي عموما على اإلسالم واملسلمني.‏<br />

هذا زيادة على ما يتم الرتويج له من قبل بعض وسائل اإلعالم ذائعة<br />

الصيت اليت تضخم تصرحيات املتشددين وتربز صورهم وكلماتهم مدعمة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 12<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

برتمجة حرفية مباشرة ملا يقولون واليت يعمدون فيها إىل تكفري الغرب<br />

ويدعون إىل إبادته.‏<br />

ويبقى احلوار رهينا للذكريات املؤملة واملفاهيم اخلاطئة املؤسسة<br />

على عناد املتلقى وتسرعه يف األحكام أحيانا،‏ األمر الذي أدى يف شكله<br />

العام إىل إقصاء متبادل أبانته مواقف كثرية تراكمت عرب التاريخ،‏<br />

خصوصا تلك املواقف ذات السمة النفسية عرب تداعيات<br />

66<br />

من سبتمرب أو<br />

يف ضوء تلك النظرة النمطية الثابتة اليت متاهي بني املسلم والتخلف<br />

واإلرهاب.‏<br />

وكذا من خالل تصور الضفة األخرى الذي يرى يف الغرب سببا<br />

مباشرا ألزمة فلسطني وكذا سياسات القهر اليت تعيشها اجلاليات<br />

اإلسالمية اليت ال حترتم خصوصياتها عرب حاالت منع احلجاب على سبيل<br />

املثال ال احلصر.‏<br />

إن كثريا من املؤسسات السياسية والدينية ممثلة يف اليمني<br />

السياسي والديين تدق نواقيس اخلطر عرب ما يسمى باخلطر اإلسالمي<br />

من خالل تنامي عدد املسلمني وهو األمر الذي أبرزه اليمني السياسي<br />

الفرنسي عرب لوحات انتخابية حذرت من اخلطر اإلسالمي يف صورة<br />

المرأة متحجبة وبأيقونة حتيل إىل ما هو جزائري األمر الذي فهم أنه<br />

استثمار لألزمة اجلزائرية ملصاحل انتخابية.‏<br />

ويف ظل هذا الزخم من الصراع يربز شكل آخر يف الرغبة يف<br />

التفاهم وجتاوز خمتلف العوائق وتفكيكها سواء يف ممارسة النقد<br />

الذاتي أو التوجه حنو اآلخر بغرض تأسيس منطلقات حوار يدرأ التأويل<br />

املتطرف والصور النمطية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

ويف هذا السياق ميكن اإلشارة إىل إسهامات املفكر اجلزائري<br />

مصطفى شريف الذي يتوجه حنو تبين عمق أكادميي يف طروحاته<br />

املعرفية من خالل رغبته يف إشراك أهم رموز املعرفة اإلنسانية يف احلوار<br />

الدائر مع الغرب ممثلة يف جاك دريدا وجون لوك نانسي.‏<br />

كما يعتقد مصطفى شريف أن الغرب الزال يضع العوائق أمام<br />

حوار علمي هادف وذلك يف تبنيه ملفاهيم مؤسسة على مصاحله اخلاصة<br />

وعلى توظيف سلوكات املتزمتني واعتبارها داللة على جوهر اإلسالم<br />

.،(Cherif Mustapha1888965)<br />

لقد عمد مصطفى شريف إىل تفكيك معوقات التفاهم<br />

وذلك بتبين رؤية يف حوار يبدأ أوال باالستعداد النفسي ليتجه على مستوى<br />

القصد حنو الطبيعة الفكرية،‏ العلمية والدينية،‏ وهو ما اتضح يف توجهه<br />

حنو أعلى اهلرم املسيحي حينما التقى مع البابا بنديكت السادس عشر يف<br />

66 نوفمرب François1884988) 1881 (Bousquet .<br />

وتتأسس دعوة مصطفى شريف على عدم تبديد املسلمني جلهودهم<br />

أثناء إبراز مكامن قوة الدين اإلسالمي،‏ بالقدر الذي تساهم هذه اجلهود<br />

خصوصا املعرفية منها يف جتاوز النتائج الكارثية حلوادث<br />

الشهرية.‏<br />

من سبتمرب 66<br />

جتدر اإلشارة إىل أن التقصي املعمق بغرض التعرف على أسباب<br />

احلقد والكراهية أمر مفصلي إلجياد حمفزات هذه العالقة اليت ينبغي<br />

أن تتوجه يف إطار إنساني يدرأ األفكار املتزمتة اليت ترى يف الغرب إباحية<br />

ويف الشرق تعصبا لصاحل ميزان قوى جديد ينبين أوال على قيم التعايش،‏<br />

فقد كان التعايش سببا مهما يف اعتناق إيزابيل إبريهارت اإلسالم حينما<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

تعرفت على زوجها اجلزائري سليمان هين،‏ كما كانت للصداقة<br />

حضورها مع الرسام العاملي إتيان ديين الذي عاش و مات وفيا لصديقه<br />

اجلزائري سليمان بن براهيم باعمر.‏<br />

أخريا،‏ ميكن القول أن احلالة اجلزائرية لواقع اإلسالم يف تفردها<br />

وعموميتها تتقاطع يف جوانب عديدة مع احلاالت املوجودة يف اجملتمعات<br />

اإلسالمية األخرى ليتحدد يف هذا اإلطار فهم الغرب لإلسالم أساسا<br />

باملسلمني وقدرتهم على اإلقناع وكذا قوتهم املادية إضافة إىل سلوكاتهم<br />

اليت تعكس البعد اإلنساني لإلسالم على الرغم من احلاصل يف محالت<br />

التشويه اليت يتعرض هلا.‏<br />

وتبدأ اخلطوة األوىل بتفعيل املؤسسات الدينية الكفيلة بتبليغ<br />

اإلسالم احلضاري والعمل على تفعيله وتروجيه عن طريق األفكار<br />

والسلوكات اليت ينخرط فيها مجيع املسلمني وخصوصا أولئك املنتمني<br />

جملال البحث.‏<br />

إن تآزر اجلهود يف خدمة أهداف إنسانية حمددة سيجلب فائدته<br />

لصاحل أكرب قدر من الناس يف الشرق والغرب بالشكل الذي يعطي<br />

لآلدمية صفتها احلقيقية،‏ خصوصا وأننا نعيش يف زمن يروج فيه كثري ا<br />

ملقولة الصراع الثقايف الذي ال مكان فيه لثقافة ال متلك القدرة على<br />

اإلقناع واالنتشار.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الغرب واإلسالم يف اجلزائر<br />

حتليل ملعوقات التفاهم<br />

د.‏ بشري خليفي<br />

املراجع<br />

جعيط هشام)‏‎6448‎‏(،‏ أوروبا واإلسالم،‏ دار الطليعة،‏ بريوت.‏<br />

عروس الزبري )6441(، يف بعض قضايا املنهج وتاريخ احلركة اإلسالمية<br />

باجلزائر،‏ جملة نقد للدراسات والنقد االجتماعي،‏ مطبوعات املؤسسة<br />

الوطنية للكتاب،‏ اجلزائر،‏ العدد األول.‏<br />

Boubekeur Amel(2007)، Political Islam in Algeria، CEPS<br />

Working Document N 268، Belgium.<br />

Bousquet François (2009)، Le Dialogue Interreligieux،<br />

Edition Institut Catholique de Paris<br />

Bruno Etienne(1989)، La France et L’islam، Hachette،<br />

paris.<br />

Cherif Mustapha(2005)، L’islam، L’autre et la Modernité،<br />

ANEP، Alger.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

مؤسسة اآلباء البيض:‏ الفضاء الديين واالقرتاب اجملتمعي.‏<br />

مالمسة سوسيو-‏ تارخيية مبنطقة غرداية<br />

د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

املركز اجلامعي غرداية<br />

متهيد:‏<br />

لعبت اجلمعيات التبشريية املسيحية دورًا كبريًا يف نشر معتقداتها<br />

يف اجلزائر وإفريقيا،‏ وتشري املصادر التارخيية إىل تواجدها املنظم يف<br />

اجلزائر منذ الفرتة العثمانية،‏ أخذت حماوالتها التبشريية بادئ األمر<br />

الصبغة السلمية،وبازدياد حضورها الديين واالجتماعي كثافةً‏ حينما<br />

رافقت اجليوش الفرنسية،‏ وشروعها يف بناء الكنائس،‏ واملرافق<br />

االجتماعية والرتبوية والصحية املختلفة بُغية إحياء الكنيسة اإلفريقية<br />

الرومانية باجلزائر،‏ غريت من شكل ممارساتها املساملة إىل أشكالٍ‏<br />

عنيفة مرتبطة باملسالة الدينية،‏ عندما تدخلت يف شؤون األوقاف،‏ ما<br />

ساهم يف غلق املدارس والزوايا،‏ واستولت على بعض األمالك الوقفية،‏<br />

وهدمت العديد من املساجد فحوّلتها إىل كنائس.‏<br />

و قد تأرجح مركز اهتمامها بني الفضاء الديين وحماوالت اقتحام<br />

الفضاءات االجتماعية،‏ والرتبوية املختلفة كالتعليم،‏<br />

والتمريض،...لالندماج اجملتمعي.‏<br />

- 1<br />

احلركة التبشريية يف اجلزائر:‏ األصول واجلذور.‏<br />

تُعد سنة ‎6181‎م بداية التقاطع املنظم للجمعيات التبشريية<br />

باجلزائر،‏ يف اللحظة اليت توافد فيها مبشرو مجعية ‏”آباء دوالمرسي“‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 17<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

،Les pères de la merci بُغية نشر تعاليم اإلجنيل وسط السكان،‏<br />

وتأسيس مجعيات مسيحية وبناء معابد،‏ فاستمر بعد ذلك تدفق مجعيات<br />

أخرى كالالزاريني<br />

،Les Lazaristes بقيادة<br />

‏”سان فانسان دي بول“‏<br />

St<br />

،Vincent De Paul<br />

الذين استحوذوا على إدارة الكنيسة اإلفريقية،‏<br />

اليت فرضت سلطتها على أغلب اجلمعيات املسيحية األخرى،‏ ونظمت<br />

العمل التبشريي يف اجلزائر حتى بلغ عدد الرهبان باجلزائر ستني<br />

)18(<br />

راهبًا يف سنة ‎6156‎م،‏ ثم تتضاعف هذا العدد بتزايد اجلمعيات والرهبان<br />

املسحيني حبجة افتداء األسرى األوروبيني وتقديم املساعدات اإلنسانية<br />

هلم،‏ حيث كان حيتجزهم األسطول العثماني حينها،‏ إىل غاية سنة<br />

‎6517‎م عندما تعطل عمل نيابة أسقفية اجلزائر بسبب تردي العالقة بني<br />

فرنسا واجلزائر ‏)شارل روبار اجريون،‏ 19- 1881:<br />

.)91<br />

وبعد احتالل فرنسا للجزائر اشتد تنافس اجلمعيات التبشريية على<br />

الفضاء الديين باجلزائر،‏ فربزت للوجود مجعيات كثرية منها:‏ مجعية<br />

اآلباء اليسوعيني jésuites" ،“les وأخوات القديس جوزيف دي البريسيون<br />

“ Delaprition ،”Les Sœurs du St Joseph والراهبات الثالوثيات<br />

Les " وأخوات العقيدة املسيحية ،“les Religieuses trinitaires"<br />

les وراهبات القلب املقدس"‏ ،”Sœurs de la Doctrine Chrétienne<br />

Les " ومجعية الرتابيست:‏ ،"religieuses du Sacré Cœur<br />

،”trappistes ومجعية إخوان القديس جوزيف دي مانس<br />

Les Frères "<br />

،"de St Joseph Du Mans ومجعية أخوات القديس فانسان دي بول<br />

"Sœurs de St Vincent De Paul"<br />

‏)خدجية بقطاش،‏ 6441(.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 18<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

ويف سنة ‎6517‎م متَ‏ تعني األب شارل أملان الفيجري<br />

Charles<br />

Allemand Lavigerie<br />

على رأس أسقفية اجلزائر،‏ فاستأنف نشاطه بإنشاء<br />

مجعية املرسلني إىل إفريقياd’Afrique ،Société Des Missionnaires أو<br />

ما يُطلق عليها ‏"اآلباء البيض"‏<br />

،Les Pères Blancs وهم أعضاء<br />

تلك اجلمعية<br />

اإلرسالية الكاثوليكية التبشريية،‏ املسماة ‏"مرسلي اجلزائر"،‏ قبل أن تتحول<br />

إىل ‏"مجعية مرسلي إفريقيا"‏<br />

.Société Des Missionnaires d’Afrique<br />

و نظرًا اللتزام أعضاء هذه اجلمعية ارتداء الثوب األبيض،‏ انسجامًا مع<br />

الزي التقليدي اجلزائري الذي كان منتشرًا لدى قاطين مشال إفريقيا،‏ أُطلق<br />

عليهم تسمية ‏"اآلباء البيض"‏ ،Les Pères Blancs ويتألف لباسهم من عباءة<br />

بيضاء وسبحة طويلة حتيط بالرقبة يتدىل من طرفها صليب يقع فوق الصدر.‏<br />

وبُغية التوغل أكثر يف اجملتمع اجلزائري،‏ ضمَ‏ الفيجري<br />

األخوات البيض<br />

Lavigerie<br />

Les Sœurs Blanches<br />

إىل هذه اجلمعية يف سنة ‎6514‎م،‏<br />

لذا عند احلديث عن اآلباء البيض،‏ فإننا املوضوع يضم اآلباء واألخوات معًا.‏<br />

وتتخذ هذه اجلمعية شعار هلا:‏ ‏"البحث عن اهلل يف خدمة اآلخرين"،‏<br />

ويتعهد أعضاؤها بأن يكونوا مبثابة آباء وإخوة لآلخرين،‏ كما يسعون<br />

لاللتزام باحلياة البسيطة القريبة من حياة الناس العاديني ألنها تقربهم إىل الرب<br />

‏)أسعد سكاف،‏‎1887‎‏:‏<br />

.)68<br />

اآلباء البيض بغرداية:‏ الكرونولوجيا والنشاط<br />

املرحلة األوىل:‏ حماوالت االستقرار.‏<br />

-<br />

1-<br />

2<br />

2<br />

تذكر إحدى األخوات البيض يف مذكراتها أنّ‏ أوىل حماوالت التواجد<br />

املسيحي بغرداية يعود إىل سنة ‎6581‎م<br />

(La chronique des sœurs<br />

(1922:207, ،missionnaire ومل يكن من السهل على اآلباء البيض<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 19<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

االستقرار بهذه املنطقة،‏ فقد تعددت حماوالتهم،‏<br />

فاستغرقت مدة إثنى<br />

عشرة سنة من ‎6571‎م إىل ‎6559‎م،‏ وبعد جمهودات معتربة استطاعوا سنة<br />

‎6571‎م إقناع أحد السكان بأن يبيع هلم منزله القديم وقطعة األرض<br />

اجملاورة له يف أسفل مدينة مليكة<br />

‏)إحدى مدن مزاب السبع(،‏ ومبجرد<br />

انتشار اخلرب عمت االحتجاجات وسط السكان املزابيني،‏ ممّا جعل<br />

صاحب األرض واملنزل يرتاجع ويُلغي صفقة البيع مع اآلباء البيض،‏<br />

فاستمرت احملاوالت إىل أن متّ‏ شراء منزلٍ‏ وسط مدينة متليلي سنة ‎6579‎م<br />

‏)تبعد حبوالي<br />

‎19‎كم جنوب مدينة غرداية(،‏ من طرف اآلباء<br />

بومليي"‏P.Plaumier‏،‏ و"بيري بوشن"‏<br />

مينوري"‏F.Menoret‏.‏<br />

: ‏"بول<br />

، و"فيليب<br />

P.Bouchand<br />

ومبجرد وصوهلم قاموا جبعل املنزل مركزًا هلم ولنشاطاتهم،‏ غري<br />

األمر مل يستمر طويالً،‏ فقد قتلوا مجيعًا يوم<br />

مدينيت املنيعة وعني صاحل<br />

املركز شهر فيفري سنة<br />

مالفري"‏<br />

جانفي 18<br />

‎6571‎م،‏ بني<br />

1825-1892:240) Renault, (F. ، فأُغلق<br />

F.Malfreyt<br />

‎6575‎م،‏ ويف سنة ‎6551‎م أعاد اآلباء ‏"فيليكس<br />

و"شارل كريمابون"‏<br />

C.Kermabon<br />

فتح مركز<br />

اآلباء البيض مبتليلي،‏ وبعد مرور سنة واحدة،‏ استأجروا منزالً‏ متواضعًا<br />

لليهودي إسحاق بن داوود مقابل<br />

188<br />

فرنك فرنسي سنويًا ‏)وهو مبلغ جد<br />

معترب حينها(‏ باحلي اليهودي وسط مدينة غرداية سنة ‎6559‎م،‏ فقاموا مع<br />

البنّاء الفرنسي بابتيست<br />

Baptiste<br />

.(Dahbia Abrous, 2007:88)<br />

17 يوم ويف<br />

ديسمرب سنة<br />

غرداية،‏ منهن:‏ األخت جوزفني<br />

‎6541‎م،‏<br />

،Josephine<br />

برتميم املنزل دون أن يغادروه<br />

وصلت<br />

األخوات البيض إىل<br />

واألخوات لوويز<br />

،Louise<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

وسان لوك<br />

،Saint Luc<br />

2-<br />

2<br />

وكلوتيد<br />

Clauthide‏،وسكنَ‏<br />

منزالً‏ صغريًا<br />

يسمى بدار ‏"موالي"‏ حبي العفافرة الذي يبعد حبوالي كلومرتين عن مدينة<br />

غرداية،‏ ريثما جيدن مقرًا أنسب ‏)وثيقة مرقونة،‏ شهادة األخت جوزيفني(.‏<br />

اجملتمعي.‏<br />

املرحلة الثانية:‏ اقتحام الفضاءات االجتماعية<br />

واالقرتاب<br />

قدمت األخوات البيض إىل منطقة غرداية،‏ بُغية اقتحام الفضاء<br />

النسوي للمجتمع،‏ وبعد أيام قليلة فقط من قدومهن،‏ مجعن بضع فتيات،‏<br />

وبدأن يف إجناز مشغل للخياطة<br />

شهادة األخت جوزيفني(.‏<br />

جانفي 16 يوم<br />

‎6541‎‏)وثيقة مرقونة،‏<br />

فوجدن صعوبات مجّة يف توسيع اجملال املكاني لنشاطهن بادئ<br />

األمر،‏ إذ تصدت هلن بعض النساء الداعيات منهن<br />

‏"اللة نسليمان"‏<br />

اليت<br />

منعت التعامل مع األخوات البيض،‏ وقد قالت عنها إحدى األخوات يف<br />

مذكرتها:‏ ‏»لقد كانت اللة نسليمان امرأةً‏ مثقفةً‏ ال تغادر الكتب العربية<br />

يديها،‏ بالرغم من كون القراءة والكتابة شبه منعدمة عند املرأة املزابية،‏<br />

لقد كانت ترتدي مالبس بسيطة جدًا،‏ إالّ‏ أنها متلك أسلوبًا جذّابًا جعلها<br />

تستقطب الفتيات والنساء على حدٍ‏ سواء«‏ Abrous, (Dahbia<br />

2007:91).<br />

مل تقتصر حماوالت اقتحام الفضاءات االجتماعية على األخوات<br />

دون اآلباء البيض،‏ إذ مبجرد استقرار هؤالء باملنطقة حتى سارعوا إىل<br />

تأسيس أول مدرسة هلم،‏ رغم معارضة السلطات العسكرية الفرنسية،‏<br />

وعلماء املنطقة وأعيانها،‏ إالَ‏ أنَ‏ تلك املدرسة استطاعت أن تستقبل يف<br />

بداية سنتها األوىل‎68‎ تلميذًا،‏ ثم وصل العدد إىل<br />

19<br />

تلميذًا،‏ أغلبهم من<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 10<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

اليهود والعرب،‏ ممَا جعل السلطات الفرنسية تفتح مدرسةً‏ موازيةً‏ بأعالي<br />

مدينة غرداية سنة ‎6558‎م،‏ ثم أصدر احلاكم العسكري الفرنسي أمرًا<br />

بإجبارية التعليم،‏ بعد رفض بعض العائالت تعليم أبنائهم بكلتا<br />

املدرستني،‏ وجلأت بعض العائالت امليزابية إىل دفع ما بني<br />

و‎98‎ 98<br />

فرنكًا فرنسيًا ألطفال من السود واليهود،‏ وغريهم للذهاب إىل املدرسة،‏<br />

بدالً‏ عن أبنائها<br />

.(Dahbia Abrous, 2007:95)<br />

مل يقتصر طابع املقاومة على رفض االلتحاق مبدارس اآلباء البيض<br />

والتعامل مع األخوات البيض فحسب،‏ بل جترأ بعض الشباب املزابيني إىل<br />

إلقاء زجاجات حارقة على املنازل اليت كانت تسكنها األخوات البيض،‏<br />

إالّ‏ أنَ‏ السلطات العسكرية الفرنسية تعاملت بصرامة اجتاه الشباب،‏<br />

بتحميل العشائر والضمّان مسؤولية ذلك.‏<br />

فشعر اآلباء البيض باألمن مما مكّنهم من تكثيف نشاطاتهم،‏<br />

والتغلغل يف األوساط السكانيه،‏ من خالل مؤسسات املدرسة<br />

واملستوصف ومراكز التكوين املهين للذكور واإلناث،‏ إضافة إىل<br />

األعمال اخلريية والزيارات املتكررة للسكان البدو الرحل.‏<br />

وبعد توسع نشاط اآلباء واألخوات يف جمال التعليم عند كال<br />

اجلنسني،‏ اخنفضت حدة الرفض االجتماعي لتواجدهم باملنطقة،‏ فقد<br />

قام األب ‏”دافيد“‏<br />

David<br />

بكراء ثم شراء منزل للسيد كركاشة سنة<br />

‎6481‎م،‏ ومل متر سنة على ذلك حتى اشرتى اآلباء البيض أيضًا قطعة<br />

أرض كبرية ب“تيضفت“،‏ ثم اقتنوا املنازل اجملاورة هلا،‏ واليت كانت ملك<br />

السادة:‏ بن جلول،‏ وبوعروة،‏ ومركوتي،‏ فهدموا تلك املنازل القدمية،‏<br />

لتشييد بناءات جديدة حملها،‏ وتوىل اآلباء البيض العمل بأنفسهم،‏ دون أن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 12<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

يثري ذلك السكان كما كان حيدث بادئ األمر،‏ وممّا أورده النوري:‏ ‏»أن<br />

كنيسة غرداية بنيت سنة ‎6489‎م يف منزل يقع يف بساتني غرداية«‏<br />

‏)حممود عيسى النوري،‏‎6459‎‏:‏ 619(.<br />

عرفت مدرسة اآلباء البيض خالفات ومناوشات كثرية بني<br />

التالميذ اليهود واملزابيني،‏ ما اضطر اآلباء البيض إىل نقل مقر املدرسة<br />

إىل حي باب الراعي بوسط املدينة سنة ‎6557‎م،‏ ثم نُقل بعد ذلك مقر<br />

اآلباء البيض نهائيًا من احلي اليهودي يف أفريل ‎6489‎م،‏ إىل حي احلفرة<br />

بوسط املدينة.‏<br />

*<br />

أ(‏ مدرسة التعليم العام:‏<br />

لقد كانت انطالقة عملية التعليم يف سنواته األوىل صعبةً،‏ إذ رفض<br />

الكثري من سكان غرداية تعليم أبنائهم عند اآلباء البيض،‏ واعتربت<br />

اهليئات العرفية احمللية ملزاب كل من يرتدد على املدرسة أو يرسل أبناءه<br />

إليها منبوذا<br />

(1945:40 Long, ،(Michel Le أمَا من حيث جتهيز<br />

األقسام،‏ فلم تكن الوسائل البيداغوجية متوفرة لدى اآلباء،‏ نظرًا<br />

ملعارضة السلطات الفرنسية التعليم بهذه املدرسة،‏ وقد بلغ عدد التالميذ<br />

سنة ‎6558‎م حوالي<br />

ذلك ليبلغ حوالي<br />

18<br />

46<br />

تلميذًا،‏ ثم ارتفع عدد املسجلني عشر سنوات بعد<br />

مسجالً،‏ إالَ‏ أنَ‏ معدل الذين كانوا يواظبون يوميًا<br />

على احلضور مل يتجاوز 11 تلميذًا.‏<br />

ويف سنة ‎6547‎م تقلص عدد التالميذ إىل<br />

18<br />

تلميذًا،‏ بسبب طرد<br />

عدد كبري من التالميذ نتيجة تلك املناوشات بني التالميذ اليهود<br />

وامليزابيني باملدرسة.‏ وبعد انتقال مقر املدرسة من حي اليهود سنة ‎6489‎م،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

إىل حي باب الراعي،‏ متَ‏ تسجيل حضور عدد معترب من التالميذ<br />

امليزابيني،‏ مقابل تراجع عدد التالميذ اليهود.‏<br />

ومن سنة ‎6489‎م إىل ‎6411‎م اخنفض معدل حضور التالميذ بسبب<br />

احلرب العاملية األوىل،‏ ففي سنة ‎6469‎م بلغ معدل التالميذ املواظبني على<br />

احلضور يوميًا<br />

91<br />

تلميذًا،‏ كما خصص اآلباء البيض دروسًا مسائية<br />

لتعلم اللغة الفرنسية سنة ‎6488‎م،‏ واجلدول التالي يبني أعداد التالميذ<br />

امللتحقني بهذه املدرسة.‏<br />

اجلدول رقم ‏)‏‎1‎‏(:عدد التالميذ مبدرسة اآلباء البيض بني سنة 1884 إىل<br />

1591. ‏)أرشيف مركز الوثائق الصحراوية،‏ غري مصنف(‏<br />

عدد التالميذ<br />

التواريخ<br />

68<br />

11 جانفي 6559<br />

من 18 إىل 18<br />

19 جانفي 6558 88<br />

مارس 6548<br />

14<br />

ديسمرب 6548<br />

من 48<br />

ديسمرب 6541 18<br />

6547<br />

98<br />

6488<br />

648<br />

6411 -6489<br />

161 أكتوبر 6491<br />

-6419 611<br />

6491 -6491<br />

661<br />

188<br />

أكتوبر 6491<br />

6488<br />

-6499<br />

إىل‎688‎<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

وقد متّ‏ تسجيل ارتفاع عدد املتمدرسني باملدرسة سنوات الثالثينات<br />

بعد أن وظف اآلباء البيض معلمني جزائريني مثل:‏ قندافة سامل الذي عمل<br />

باملدرسة من سنة ‎6464‎م إىل غاية سنة ‎6498‎م،‏ والطيب زاي بني سنيت<br />

‎6414‎م،‏ و‎6497‎م،‏ وعدون حممد يف الفرتة املمتدة من ‎6411‎م إىل غاية<br />

‎6499‎م،‏ وقد بلغ عدد املعلمني اجلزائريني مبدرسة اآلباء البيض من سنة<br />

‎6464‎م إىل ‎6498‎م حنو<br />

ارتفع وأصبح عددهم<br />

1<br />

69<br />

االستقالل حيث بلغ عددهم<br />

معلمني،‏ وبداية من سنة ‎6491‎م إىل ‎6411‎م<br />

17<br />

98<br />

معلمًا،‏ وواصل عددهم يف االرتفاع بعد<br />

معلمًا عند تأميم التعليم سنة ‎6471‎م.‏ وقد<br />

أُطلق عليهم تسمية ‏"املعلمني الالئكيني"،‏ واملقصود بالالئكيني،‏ الذين ال<br />

ينتمون إىل مجعية اآلباء البيض،‏ لكنهم يف خدمة البعثة سواء يف جمال<br />

التعليم،‏ أو يف اخلدمات االجتماعية األخرى،‏ كما عمل بعضهم يف<br />

املناصب اإلدارية،‏ وقد بلغ عدد اجلزائريني يف امليدان التعليمي أكثر من<br />

معلمًا منذ نشأة املدرسة)أرشيف مركز الوثائق الصحراوية،‏ غري<br />

مصنف(.‏<br />

ويعترب املعلم غناي عمر من املعلمني الذين قضوا أطول مدة مبدرسة<br />

اآلباء البيض،‏ إذ بدأ التدريس سنة ‎6499‎م إىل غاية ‎6471‎م ‏)مقابلة مع<br />

ابنه غناي حييى(.‏<br />

أمَا بالنسبة للربامج التعليمية اليت كانت تُدرس باملدرسة،‏ فقد<br />

متثلت يف تعليم اللغة الفرنسية،‏ واحلساب،‏ والتاريخ،‏ واجلغرافيا،‏ إضافةً‏<br />

إىل بعض قواعد اللغة العربية،‏ ويتحصل الطالب يف النهاية على الشهادة<br />

األهلية االبتدائية ‏)مقابلة مع أسقف األغواط(.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

ب(‏ مدارس التعليم املهين:‏<br />

لقد أسس اآلباء البيض نوعني من مدارس التعليم املهين،‏ األوىل<br />

موجهًا للذكور،‏ والثانية لإلناث،‏ واهتمت األخوات البيض بالبنات،‏ إذ<br />

فتحهن هلن ورشة لتعليم النسيج واخلياطة والطرز إىل جانب تعليمهن<br />

التدابري املنزلية،‏ وتلقينهن دروسًا يف اللغة الفرنسية سنة ‎6541‎م،‏ كما مت<br />

إنشاء ورشة أخرى بغرداية سنة ‎6415‎م،‏ موجهة للفتيات اللواتي مل<br />

يستطعن التوجه إىل املدرسة،‏ ومل تقتصر مهمة األخوات البيض يف التعليم<br />

فحسب،‏ بل قمنا بربط عالقات ‏"طيبة"‏ مع النساء ببلدة غرداية وضواحيها<br />

من خالل القيام بزيارات ملنازهلن،‏ وكان يرحب بهن،‏ ويتبادلن احلديث<br />

مع النساء،‏ ويبحثن عن انشغاالتهن اليومية.‏<br />

أما بالنسبة للتعليم املهين املوجه للذكور،‏ فقد أنشأ اآلباء البيض<br />

يف البدايات األوىل ورشةً‏ لتعليم النقش على النحاس وصناعة اجللود<br />

واحلدادة،‏ وأسس األب<br />

Robin<br />

ورشة لصناعة اخلزف باملنيعة سنة<br />

‎6469‎م (1986:215 Cuoq, ،(Josphe كما قدّمت هذه الورشات<br />

دروسًا يف الرتبية الروحية،‏ يقول األب<br />

:Nouet<br />

‏»وإن املعامل والورشات<br />

هي املكان املناسب للتعليم،‏ وتزويد التالميذ باألفكار املسيحية،‏<br />

وتشكيكهم يف دينهم اإلسالمي،‏ ثم تركهم بعد ذلك،‏ ليبحثوا عن<br />

احلقيقة املسيحية.«‏<br />

(Michel Gagnon, 2000: 21)<br />

كما أسسوا مركزًا ملا قبل التمهني يف أواخر اخلمسينات،‏ يسمح<br />

للتالميذ الراسبني،‏ والذين مل ينتقلوا إىل الطور املتوسط بالتكوين ملدة<br />

سنتني،‏ ويتضمن التكوين دعمًا يف اللغة العربية واللغة الفرنسية والعلوم<br />

الطبيعية والرسم،‏ إضافة إىل تعليمهم بعض حرف اليدوية كالنجارة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

واحلدادة والصناعة اإللكرتونية،‏ وعند نهاية التكوين يقوم الطالب<br />

بامتحان يسمح له باالنتقال،‏ وتوجيه إىل مراكز التكوين املهين<br />

املتخصصة ملتابعة التكوين ملدة 1 سنوات،‏ وتقدم له شهادة دولة من طرف<br />

وزارة التكوين املهين،‏ ولعل اجلدول التالي يوضح تزايد عدد األقسام<br />

والتالميذ املنتسبني هلذه املدارس.‏<br />

اجلدول رقم<br />

: )2(<br />

مدارس اآلباء البيض بغرداية سنة 1591 ‏)سعيد يوسف<br />

بن بكري،‏ 159( 1881:<br />

نوع املدارس<br />

عدد األقسام عدد التالميذ<br />

184<br />

مدرسة اآلباء البيض 1<br />

مدرسة األخوات<br />

البيض<br />

‏)تعليم عام(‏<br />

مدرسة األخوات<br />

البيض<br />

‏)تعليم مهين(‏<br />

668 9<br />

11<br />

1<br />

كما قام اآلباء البيض بإنشاء إكمالية بغرداية سنة ‎6487‎م،‏<br />

مكنت املئات من الشباب ذكورًا وإناثا من تلقي تكوينٍ‏ تقينٍ‏ وأخالقيٍ‏<br />

(1986:217 Cuoq, ،(Josphe وال تتوفر لدينا إحصائيات عن الطلبة<br />

بهذه اإلكمالية.‏<br />

ج(‏ التطبيب أو التمريض:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 17<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

اهتم اآلباء واألخوات البيض بالتمريض،‏ عمالً‏ بتوصيات مؤسس<br />

مجعيتهم الفيجري<br />

Lavigerie<br />

ملا هلذه الوسيلة من دور هام يف استمالة<br />

‏"قلوب"‏ املرضى،‏ والتأثري على النساء باخلدمات اخلريية،‏ فكانوا يعملون<br />

يف عيادات التمريض واملستوصفات واملستشفيات،‏ إذ متَ‏ إنشاء أول<br />

مستوصف يف غرداية باحلي اجلديد وآخر بباب الراعي،‏ تديره األخوات<br />

ثم مستشفى<br />

"Saint Madeleine"<br />

حبي ‏"تيضفت"‏ ‏)املقر السكين<br />

احلالي لآلباء البيض(،‏ كما كانوا يعملون باملستشفى املدني األهلي<br />

الذي أُنشئ سنة ‎6541‎م،‏ الذي كان يستقبل وباالتفاق مع السلطات<br />

الفرنسية األهالي والعسكريني واملدنيني األوروبيني على السواء.‏ ‏)سعيد<br />

يوسف بن بكري،‏ 648( 1881:<br />

يف بداية األمر،‏ رفض السكان املزابيون األدوية والعالج املقدم من<br />

قبل اآلباء واألخوات البيض،‏ باعتبارهم غري مسلمني وال جيوز التعامل<br />

معهم،‏ وأنَ‏ األدوية ال متلك القدرة على الشفاء،‏ ألنّ‏ القدرة على ذلك هلل<br />

فقط،‏ وأنَ‏ هذه األخرية جتلب هلم العار<br />

(Dahbia Abrous,<br />

(2007:94، أمَا بالنسبة لقبيلة بين مرزوق واملذابيح فلم يكونوا من<br />

الرافضني للعالج،‏ إالَ‏ أن فكرة الرفض تغريت مبرور الزمن،‏ وأصبح<br />

السكان يرتادون هذه املستشفيات.‏<br />

د(‏ الكشافة:‏<br />

تُعد الكشافة من بني املؤسسات الرتبوية اليت اهتم اآلباء البيض<br />

بتأسيسها،‏ فالتعاون مع الفرق احمللية متَ‏ تأسيس فرق الكشافة مبناطق<br />

خمتلفة من اجلزائر تضم عددًا من املسلمني واليهود واملسيحيني،‏ وكانت<br />

بداية تأسيس الكشافة بغرداية يف مدينة املنيعة على يد األبDuvollet‏،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 18<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

ثم تابع األب<br />

Jean Le Vacher<br />

اإلشراف على الكشافة بغرداية سنة<br />

76) 6489 Gagnon, 2000: ،(Michel وقامت هذه املؤسسة بتنظيم<br />

رحالت وخميمات صيفية إىل كل من املنيعة ومتليلي وزلفانة وإىل مناطق<br />

خمتلفة من اجلزائر،‏ كما اعتمدت يف نشاطها على شباب املنطقة.‏<br />

إالّ‏ أنه وجدوا صعوبات يف تكوين املؤطرين الرتبويني لفرق<br />

الكشافة،‏ وال تتوفر لدينا إحصائيات عن الكشافة مبدينة غرداية.‏<br />

ه(‏ املركز الثقايف للوثائق الصحراوية بغرداية:‏<br />

تعود نشأة املركز إىل سنة ‎6491‎م على يد مؤسسه األب<br />

Jean<br />

،(Josphe Cuoq, 1986:141) Lethielleux<br />

الذي قام جبمع<br />

الكتابات اليت تركها اآلباء البيض السابقون،‏ يتوجد باملركز إضافةً‏<br />

لذلك العديد من الوثائق والكتب الثمينة وتقارير تضم بعض املالحظات<br />

النفسية واالجتماعية،‏ دوّنها بعض اآلباء واألخوات البيض عن مناطق<br />

جزائرية،‏ أغلبها يتعلق باملناطق الصحراوية.‏<br />

وقد تعاقب على تسيري املركز عدة آباء بيض،‏ ساهموا مجيعًا يف<br />

إنشائه،‏ وذلك بتجميع الوثائق وتصنيفها وكتابة التقارير املختلفة وتأليف<br />

الكتب،‏ نذكر منهم:‏Stager David Bond،Roman<br />

Jean ،<br />

Philippe ، Jean Le Vacher، Diego Sarrio،Delheure<br />

،Marcel Chiron،Thirier<br />

ويشرف على املركز حاليًا األب<br />

،Krzysztof Stolarski ويسمى مشرفً‏ عامًا.‏<br />

وحيوي املركز أيضًا مؤلفات كثرية لآلباء البيض يف جماالت<br />

متعددة،‏ إذ ألّف مثالً‏ األب<br />

Delheure<br />

معجمًا للغة امليزابية،‏ واألب<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 19<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

David Louis<br />

اإلباضي...اخل.‏<br />

واألب<br />

Pierre Cuperly<br />

3-<br />

2<br />

املرحلة الثالثة:‏ حماوالت التأثري الديين.‏<br />

كتبًا حول املذهب<br />

يرى النوري أنّ‏ ما كان يقوم به اآلباء واألخوات البيض يف مزاب<br />

من أعمال ال يتجاوز يف عمومه حدود العمل اخلريي اإلنساني،‏ إذ أنهم ال<br />

يتطرقون ملوضوع التبشري إالّ‏ عرضًا يف بعض دروسهم)حممود عيسى<br />

النوري،‏‎6459‎‏:‏ 619(، وما كان مييز مدرسة اآلباء البيض،‏ عن املدرسة<br />

الرمسية الفرنسية،‏ هو طبيعة التسيري والتدريس،‏ إذ أنّ‏ مسريوها من<br />

رجال الدين يتولون ذلك،‏ كما أنها مل تكون تسعى حملو االنتماء الديين<br />

من أذهان التالميذ،‏ على غرار املدرسة الفرنسية الالئكية يف تعليمها،‏<br />

إالَ‏ أنَ‏ العملية التعليمية يف مدرسة اآلباء البيض مل ختلوا من الطابع<br />

التبشريي املسيحي،‏ فقد اآلباء البيض يقدمون دروسًا يف الرتبية الروحية<br />

املسيحية،‏<br />

وهو ما كان يسمى ب:‏ morale" ،"les leçons de تتضمن<br />

تعليم القيم كإتقان العمل،‏ والصرب،‏ والتسامح،‏ اعتمادًا على تعاليم<br />

اإلجنيل،‏ وقد عرف األب<br />

Yves Alliaume<br />

الروحية،‏ خاصة تلك املوجهة إىل األطفال.‏<br />

بكتاباته عن الرتبية<br />

يقول األب بارمانتيي :Henri Parmentier ‏»أنَ‏ ما كان يهم اآلباء<br />

البيض ليس التكوين من أجل احلياة االجتماعية وإمنا تكوين الروح<br />

الدينية لدى الفرد شيئا فشيئا ثم تغيري طباعه.«‏<br />

1937:364)<br />

وقد التزم اآلباء البيض يف غرداية بتوصيات ‏”الفيجري“،‏ يف حني<br />

األب عارضها<br />

‏“روبرتو فوكا“‏<br />

(Le père Permantier,<br />

‎6557(Robertoم-‏ Foca<br />

‎6471‎م(‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

ومل يكن ملتزمًا بها،‏ وكان له اطالع واسع بالقرآن الكريم،‏ فتورط يف<br />

نقاش ديين،‏ وجدل عقدي مع علماء وأعيان املنطقة،‏ ممّا أغضب اآلباء،‏<br />

فتمّ‏ إرساله إىل لبنان.‏<br />

وقد استقر اآلباء البيض مبدينة املنيعة سنة ‎6541‎م،‏ يف منزل<br />

مأجور،‏ وفتحوا مدرسة تقدم دروسًا يف الفرتة الصيفية أثناء جتمع البدو<br />

الرحل يف الواحات وليتوزعوا بعد ذلك عرب الصحراء يف فصل الشتاء،‏ ثم<br />

بُنيت فيها كنيسة<br />

Saint Joseph<br />

سنة ‎6547‎م<br />

(Michel Gagnon,<br />

10) ،2000: ومتَ‏ دفن األب Charles de Foucauld<br />

جبانبها،‏ إضافة<br />

إىل بناء ملجأ لألطفال اليتامى،‏ كانوا قد تلقوا فيه تكوينًا دينيًا بني<br />

سنيت ‎6485‎م و‎6461‎م،‏ حيث بلغ عددهم حينها<br />

فتاتًا حسب اجلدول التالي:‏<br />

196<br />

اجلدول رقم )3( : عدد اليتامى مبلجأ اليتامى باملنيعة.‏<br />

طفالً،‏ منهم<br />

698<br />

(Michel<br />

Gagnon, 2000: 27)<br />

السنة<br />

عدد األيتام<br />

11<br />

78<br />

15<br />

6416<br />

6418<br />

6411<br />

نالحظ من خالل هذا اجلدول ارتفاع عدد اليتامى مبلجأ املنيعة يف<br />

سنة ‎6418‎م،‏ وهذا يعود إىل أن السلطات الفرنسية طلبت من اآلباء البيض<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 10<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

التكفل بأبناء العسكريني الفرنسيني ذوي األمهات اجلزائريات وقد متَ‏<br />

تكوينهم على الدين املسيحي.‏<br />

كما شهدت مدينة املنيعة أكرب عدد من املنصرين،‏ لتواجد ملجأ<br />

األطفال اليتامى هناك،‏ حيث كانوا يف احتكاك دائم ومستمر مع اآلباء<br />

واألخوات البيض،‏ يف حني مل يكن مبدينة غرداية ملجأ لليتامى.‏<br />

4- 2<br />

املرحلة الرابعة:‏ البحث عن الفضاءات االجتماعية<br />

الشاغرة.‏<br />

تابعت املراكز التعليمية لآلباء البيض نشاطاتها بعد االستقالل،‏ إال<br />

أنَ‏ إصالح التعليم وتأميم املراكز الرتبوية اخلاصة وإحلاقها باملؤسسات<br />

الرمسية،‏ وإنشاء اللجنة الوطنية إلصالح التعليم سنة ‎6414‎م ‏)بن تركي<br />

6451: رابح،‏<br />

55(، انتهى بتأميم املراكز التعليمية لآلباء البيض<br />

باجلزائر،‏ ومشل ذلك تأميم مدرسة اآلباء البيض والورشات واملستشفى<br />

ومركز ما قبل التمهني بغرداية يف أفريل ‎6471‎م،‏ ومتّ‏ إحلاقها<br />

باملؤسسات الرمسية،‏ إالَ‏ أنَ‏ اآلباء البيض احتفظوا باملناصب اإلدارية هلذه<br />

املراكز الرتبوية،‏ وقاموا بتكوين إطارات جزائريني.‏<br />

مل مينع هذا التأميم اآلباء واألخوات البيض من مواصلة العمل يف<br />

جمال التعليم بغرداية،‏ فقد تابعوا عملهم بهذه املراكز الرتبوية،‏ واشتغل<br />

بعضهم بتدريس اللغات األجنبية باملؤسسات الرمسية كاألب<br />

Raphaël<br />

،Deillon الذي درّس اللغة االجنليزية بثانوية مفدي زكرياء من سنة<br />

‎6458‎م إىل غاية ‎6448‎م،‏ واألب Claude Rault ‏)أسقف األغواط حاليا(‏<br />

الذي درّس اللغة االجنليزية مبدينة تقرت،‏ واشتغل بورشة لصناعة النحاس<br />

بغرداية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 12<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

األب<br />

كما مت تأميم املراكز الرتبوية باملنيعة،‏ عدا املتحف،‏ الذي يديره<br />

René Le Clerc<br />

اليت أجريناها مع األب<br />

منذ الستينات إىل يومنا هذا.‏ وحسب املقابلة<br />

Mikel Larburu<br />

يضم هذا املتحف وسائل،‏<br />

وأدوات قدمية،‏ كان رجل اجلنوب يستعملها للتأقلم مع بيئته الصحراوية،‏<br />

إىل جانب بعض اهلياكل العظمية حليوانات منقرضة،‏ قام جبمعها<br />

األبLeclerc ،René<br />

وكانت نواة املتحف يف غرفة بإقامة اآلباء البيض،‏<br />

ثم حتول إىل مقر تابع للبلدية.‏ ‏)مقابلة مع األب الربورو(‏<br />

إضافة إىل األعمال اليت قامت بها األخوات البيض،‏ فقد سُجّل<br />

حضورهن مبدينة العطف من سنة ‎6479‎م إىل ‎6451‎م،‏ أين درَسن<br />

باملدرسة احلرة،‏ وقدّمن دروسًا يف التدابري املنزلية واحلرف اليدوية،‏<br />

إضافة إىل تدريسهن بالتعليم الرمسي،‏ أما مبدينة بين يزقن فلم تكن مدة<br />

تواجد األخوات البيض فيها طويلة مقارنة مبدينة العطف،‏ فقد درسن بها<br />

ملدة سنتني فقط،‏ وذلك من ‎6458‎م إىل ‎6451‎م،‏ وبطلب من املشرفني على<br />

املدرسة احلرة مبدينة مليكة قدمت األخوات البيض دروسًا يف اخلياطة<br />

والطرز ودروسًا يف اللغة الفرنسية،‏ وفقًا للمقابلة اليت أجريناها مع األخت<br />

Gertrude Christen<br />

املدرِسة السابقة بتلك املدرسة،‏ فقد قضت بها<br />

مدةً‏ زمنيةً‏ طويلة امتدت من سنة‎6478‎م،‏ إىل مغادرة املدرسة مع رفيقاتها<br />

األخريات سنة ‎6448‎م،‏ نتيجة الظروف األمنية،‏ ولقد سألناه عن طبيعة<br />

التعليم الذي كانت تقدمه فأجابت أن الدروس كانت كلها باللغة<br />

الفرنسية وكانت تشمل تقنيات اخلياطة والتفصيل والطرز واللغة<br />

الفرنسية والتدابري املنزلية،‏ وعن املبادئ اليت سعت إىل تكريسها يف<br />

نفوس طالباتها،‏ أعلمتنا األخت<br />

Gertrude<br />

بأنها درّست فتيات بني سن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

69<br />

و‎65‎ سنة،‏ وقد عملت جبد على تعليمهن حب العمل وإتقانه واكتشاف<br />

ذواتهن من خالل اإلبداع،‏ وعن سؤال حول ما إن كانت تتحدث للطالبات<br />

باملدرسة احلرة،‏ عن تعاليم الدين املسيحي،‏ فأجابت أنها مل تقم بذلك،‏<br />

وأن هدفها كان تدريس ما كان مطلوبًا منها من قبل املشرفني على<br />

املدرسة فقط ‏)مقابلة مع األخت جارتريد(.‏<br />

9- 2<br />

املرحلة اخلامسة:‏ النشاط احلذر.‏<br />

تتميز هذه املرحلة بالظروف األمنية اجلزائرية املرتدية،‏ وكان اآلباء<br />

البيض من الفئات املستهدفة،‏ فلم يقتصر األمر على جمرد التهديد،‏ فقد<br />

تعداه سنة ‎6448‎م عندما تعرض املركز الثقايف للوثائق الصحراوية<br />

العتداء أسفر عن جرح اثنني منهم،‏ حني حاوال الفرار،‏ ونظرًا لألسباب<br />

األمنية املرتدية،‏ غادر اآلباء البيض املنطقة،‏ فأُغلق املركز إىل غاية<br />

‎6445‎م،‏ متَ‏ أُعيد فتحه من جديد،‏ مع تغيري يف تسميته من مركز الوثائق<br />

الصحراوية ‏"‏CDS‏"إىل املركز الثقايف للوثائق الصحراوية<br />

،"CCDS"<br />

وأصبح ينظّم نشاطات ثقافية من حماضرات ومعارض.‏ ‏)مقابلة مع األب<br />

فيليكس(‏ ومن بني تلك النشاطات الثقافية ما يلي:‏<br />

أُقيم يف سنة ‎1881‎م باملركز معرض لصور فوتوغرافية لطلبة<br />

املركز القدامى،‏ رفقة معلميهم اآلباء البيض.‏<br />

نظّم املركز بالتعاون مع مركز الدفاع عن حقوق الطفل واملرأة،‏<br />

حماضرة بتاريخ<br />

للمحاضرة نادية<br />

18<br />

جانفي ‎1887‎م بعنوان ‏"قانون األسرة اجلديد"‏<br />

آيت زاي عن وضعية حقوق املرأة والطفل باجملتمع<br />

اجلزائري،‏ وقد دافعت بشدة عن قانون األسرة اجلديد.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

مبناسبة شهر الرتاث،‏ أقيم معرض آخر شهر أفريل ‎1884‎م،‏<br />

وعُرضت فيه صور فوتوغرافية قدمية ملنطقة غرداية.‏<br />

61 نظم يوم يف<br />

أفريل سنة ‎1884‎م املركز حماضرة بعنوان:‏ ‏"األمري<br />

عبد القادر:‏ حقوق اإلنسان وحوار الديانات"‏ من تقديم األسقف السابق يف<br />

اجلزائر العاصمة<br />

.Henri Teissier<br />

ويف الفرتة املمتدة ما بني ‎65‎إىل<br />

16<br />

أفريل ‎1884‎م،‏ متَ‏ تنظيم عرض<br />

شريط بعنوان ‏"نظرة إىل مزاب األمس"‏ وذلك بعرض فيلم:‏<br />

"Lumières<br />

M'zab" du جبزأيه.‏<br />

وبالتعاون مع ديوان محاية سهل وادي مزاب وترقيته،‏ ومجعية<br />

الرتشيد السياحي بغرداية،‏ نظم املركز ندوة علمية بعنوان ‏"الوضعية<br />

احلالية للغة املزابية"،‏ نشطها الباحث يف الليسانيات<br />

.Arne Kirchner<br />

)1<br />

مكتبة املركز:‏<br />

توجد باملركز مكتبة متنوعة املراجع،‏ وُضعت حتت تصرف الطلبة<br />

والباحثني،‏ تضم جناحني مستقلني عن بعضهما:‏<br />

أ(‏ مكتبة الوثائق والبحث:‏<br />

تضم هذه املكتبة وثائق خمتلفة بعضها مُحرر من طرف اآلباء<br />

البيض،‏ على شكل تقارير وشهادات،‏ وكتبًا ومؤلفات خاصة باملناطق<br />

الصحراوية عامة،‏ ومبزاب على وجه اخلصوص،‏ إذ يغلب عليها اجلانب<br />

التارخيي،‏ ويعكس هذا اهتمام اآلباء البيض بالعمق التارخيي للمنطقة،‏<br />

كما جنذ مؤلفات أخرى عن األديان،‏ واجلغرافيا،‏ واجليولوجيا،‏<br />

والفلسفة،‏ وعلم االجتماع،‏ وعلم النفس،‏ وعلم اللسانيات،‏ إضافة للفنون،‏<br />

واآلداب،‏ والعلوم التكنولوجية،‏ واالقتصاد،‏ وجمالت علمية،‏ وثقافية،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

أغلبها باللغة الفرنسية،‏ والقليل منها باللغة العربية،‏ أو لغات أخرى،‏ غري<br />

أنه ال يُسمح باإلعارة اخلارجية نظرًا لقيمتها ونذرتها.‏<br />

و بهذا اجلناح أيضًا،‏ جمموعة كبرية من الصور الفوتوغرافية<br />

القدمية والنادرة،‏ التقطها اآلباء البيض ملناطق خمتلفة من اجلزائر خالل<br />

زياراتهم هلا.‏<br />

ب(‏ مكتبة املراجع القابلة لإلعارة اخلارجية:‏<br />

يضم هذا اجلناح كتبًا متنوعة يف خمتلف التخصصات؛ كعلم<br />

االجتماع،‏ وعلم النفس،‏ واحلقوق،،‏ التاريخ واجلغرافيا،‏ إضافة لكتب<br />

الدعم املدرسي،‏ والروايات،‏ وبعض اجملالت،‏ واجلرائد،‏ ومعظمها باللغة<br />

الفرنسية،‏ والبعض اآلخر مكتوب بلغات أخرى،‏ وما مييز هذا اجلناح<br />

عن سابقه،‏ هو السماح للمنخرطني باإلعارة اخلارجية للمراجع املختلفة،‏<br />

إذ على الفرد الراغب يف االخنراط يف كال اجلناحني،‏ يدفع مبلغ ألف<br />

دينار جزائري ‏)‏‎6888‎دج(‏ سنويًا للعامل،‏ ومخسمائة دينار جزائري<br />

‏)‏‎888‎دج(‏ سنويًا لغري العامل والطالب،‏ فتُصنع له بطاقة خاصة،‏ ومبوجبها<br />

يصبح له احلق يف إعارة أي مرجع شاء،‏ على أالَ‏ تطول مدة اإلعارة عن<br />

الشهر الواحد،‏ وبالرغم من توفر خمتلف املراجع يف كال اجلناحني،‏<br />

ورمزية مثن االخنراط،‏ واعتقاد اآلباء البيض أن املركز يشهد تزايدًا<br />

معتربًا لعدد املنخرطني يف السنوات األخرية،‏ مع افتتاح املركز اجلامعي<br />

لغرداية،‏ إالَ‏ أنّ‏ اإلقبال على االخنراط ال يزال متواضعًا حسب اعتقادنا،‏<br />

بل يشهد تراجعًا يف أعداد املنخرطني منذ ‎1881‎م،‏ وهذا ما يبينه اجلدول<br />

التالي:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

اجلدول رقم<br />

:)14(<br />

2111<br />

يبني عدد املنخرطني يف مكتبة املركز بني سنيت<br />

و‎2115‎‏.‏<br />

املنخرطني يف املكتبة املنخرطني يف املكتبة<br />

املواسم الدراسية<br />

178<br />

1887<br />

موسم -1881 118<br />

1885<br />

موسم -1887 111<br />

1884<br />

موسم -1885 )2<br />

العملية التعليمية باملركز:‏<br />

اهتم اآلباء البيض بالعملية التعليمية منذ أن وطأت أقدامهم أرض<br />

هذه املنطقة،‏ وقد سبق احلديث عن املراحل اليت مرت بها العملية<br />

التعليمية،‏ وال يزال االهتمام بهذا اجلانب قائمًا،‏ إذ أنهم يشرفون حاليًا يف<br />

املركز الثقايف للوثائق الصحراوية منذ إعادة افتتاحه سنة ‎6445‎م،‏ على<br />

تقديم دروس يف اللغات األجنبية،‏ كاللغة الفرنسية،‏ واإلجنليزية،‏ ويتم<br />

التسجيل يف بداية كل سنة دراسية،‏ مببلغ رمزي للعامل يقدر بألف دينار<br />

‏)‏‎6888‎دج(‏ سنويًا،‏ بينما يدفع غري العامل والطالب نصف املبلغ ‏)‏‎888‎دج(‏<br />

سنويًا،‏ وبهذا التسجيل يصبح املتعلم منخرطًا يف مكتبة املركز بدون<br />

دفع مبلغ االخنراط فيها،‏ وبعد االنتهاء من عملية التسجيل يقوم املشرفون<br />

على العملية التعليمية باختبار املسجلني قصد تصنيفهم ضمن املستويات<br />

الثالث وحسب اللغة اليت يرعبون تعلمها،‏ وقد متَ‏ هذه السنة إلغاء املستوى<br />

الثالث،‏ فأصبح باملركز مستويني فقط،‏ وباملقابل أُضيف تعلم اللغة<br />

األملانية موسم<br />

احلالي.‏<br />

-1887<br />

1885، وتعويضها باللغة اإلسبانية منتصف املوسم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 17<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

ولقد كان اجملال سابقًا مفتوحًا لطلبة السنة الثالثة ثانوي،‏<br />

للتسجيل وتعلم اللغات األجنبية،‏ ونظرًا للطلبات الكثرية ونقص املعلمني<br />

واخلوف من االكتظاظ متَ‏ يف هذه السنة إلغاء تسجيلهم،‏ واالكتفاء<br />

باملتعلمني<br />

‏"البالغني"‏<br />

فقط،‏ وتبني اجلداول التالي إحصائيات املتعلمني يف<br />

.1887<br />

املركز منذ املوسم الدراسي:‏ 1881-<br />

اجلدول رقم<br />

:)19(<br />

إحصائيات املتعلمني يف املركز لبعض السنوات<br />

الدراسية ‏)أرشيف مركز الوثائق الصحراوية،‏ غري مصنف(‏<br />

السنوات<br />

اللغات<br />

عدد<br />

عدد<br />

اجملموع<br />

عدد<br />

الدراسية<br />

املُدرّسة<br />

الطلبة<br />

طلبة<br />

املعلمني<br />

البالغني<br />

النهائي<br />

8<br />

6<br />

655<br />

618<br />

78<br />

618<br />

661<br />

-<br />

الفرنسية<br />

االجنليزية<br />

-1881<br />

1887<br />

1<br />

185<br />

648<br />

اجملموع 661<br />

8<br />

6<br />

168<br />

78<br />

678<br />

18<br />

698<br />

98<br />

الفرنسية<br />

االجنليزية<br />

-1887<br />

1885<br />

6<br />

18<br />

18<br />

األملانية 88<br />

7<br />

968<br />

118<br />

اجملموع 658<br />

1<br />

1<br />

618<br />

611<br />

88<br />

88<br />

618<br />

611<br />

الفرنسية<br />

االجنليزية<br />

-1885<br />

1884<br />

6<br />

18<br />

88<br />

االسبانية 18<br />

8<br />

167<br />

88<br />

اجملموع 167<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 18<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

املراجع:‏<br />

مقابلة مع األب<br />

Mikel Larburu<br />

: 18 يوم<br />

أفريل 1884، مبركز الوثائق<br />

الصحراوية بغرداية.‏<br />

وثيقة مكتوبة باآللة الراقنة حتمل رقم 1815، موجودة مبكتبة األستاذ:‏ عبد<br />

الرمحان حوّاش بغرداية معنونة ب:‏<br />

Témoignage de la sœur<br />

Josephine<br />

األرشيف غري املصنف مبكتبة البحوث باملركز الثقايف للوثائق الصحراوية،‏<br />

غرداية.‏ مكتوب على علبة األرشيف:‏<br />

Ghardaia, école des pères<br />

1885، مبركز<br />

68<br />

blancs 1884-1976<br />

Gertrud Christen<br />

ديسمرب<br />

يوم مقابلة مع األخت<br />

الوثائق الصحراوية بغرداية.‏<br />

أفريل<br />

مقابلة مع أسقف األغواط األب:‏ كلود روRault ،Claud يوم 1884 مبركز الثقايف للوثائق الصحراوية بغرداية،‏ وهو مقر األسقفية.‏<br />

مارس<br />

مقابلة مع ابنه غناي حيي،‏ مدير مدرسة ابتدائية،‏ يوم مبكتبه يف املدرسة ببين يزقن.‏<br />

مقابلة مسجلة مع األب فيليكس تيليشياTellechea ،Félix حصة إذاعية،‏<br />

حواضر بالدي،‏ إذاعة غرداية يوم:‏<br />

،1884<br />

86<br />

61<br />

69 جوان .1885<br />

خدجية بقطاش،‏ احلركة التبشريية يف اجلزائر‎6518‎‏-‏<br />

دحلب،‏ اجلزائر<br />

6576، منشورات<br />

.6441<br />

محو حممد عيسى النوري،‏ دور امليزابني يف تاريخ اجلزائر،‏ ج‎6‎‏،‏ دار<br />

الكروان،‏ باريس،‏ 6459.<br />

حصلنا على اإلحصائيات من املشرف العام على املركز الثقايف للوثائق<br />

الصحراوية األب<br />

Krzysztof Stolarski<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 19<br />

العدد الثاني<br />

جوان


مؤسسة اآلباء البيض د/‏ خواجة عبد العزيز أ/‏ داود عمر<br />

<br />

بن تركي رابح،‏ جهود اجلزائر يف تعريب التعليم العام والتقين واجلامعي<br />

6459، جملة الثقافة،‏ العدد:‏ 46، فيفري 6451، اجلزائر.‏<br />

-6411<br />

احلاج سعيد يوسف بن بكري،‏ تاريخ بين ميزاب:‏ دراسة اجتماعية واقتصادية<br />

وسياسية،‏ املطبعة العربية،‏ غرداية،‏ اجلزائر،‏ ط‎1‎‏،‏ 1881.<br />

أسعد السكّاف،‏ اآلباء البيض:‏ مجعية مرسلي إفريقيا،‏ يف:‏ موسوعة األديان،‏<br />

دار النفائس،‏ ط‎9‎‏،‏ بريوت،‏ 1887.<br />

أجرون.ش.ر،‏ اجملتمع اجلزائري يف خمرب اإليديولوجية الكولونيالية،‏ تر:‏ ولد<br />

خليفة حممد العربي،‏ منشورات ثالة،‏ اجلزائر،‏‎1881‎<br />

-Joseph Cuoq, Lavigerie, les pères blancs et les Musulmans<br />

Maghrébins, Société des Missionnaires d'Afrique, Rome,<br />

1986.<br />

- Henri Thissier, Histoire des Chrétiens d'Afrique du Nord,<br />

(Libye. Tunisie. Algérie. Maroc), Edition Desclée, France<br />

1991<br />

- Michel Lelong. P.B, Le Sahara Aux Cents Visages, Edition<br />

ALSATIA, 1945, France.<br />

- Michel Gagnon et al, , Aperçu sur l'histoire de la mission au<br />

Sahara, Fascicule 1, Laghouat (Algerie), 2000.<br />

- Le père Parmentier, Le père Parmentier, Les écoles, Revue<br />

grands lacs, Revue Mensuelle des Missionnaires d'Afrique,<br />

53ème année, N : 5-6, 1er Mars 1937, Paris, France.<br />

- La chronique des sœurs missionnaire de notre-dame<br />

d’Afrique9 sœurs Blanche du cardinal Lavigerie, 11e année,<br />

Paris, janvier 1922.<br />

- F. Renault, Le cardinal Lavigerie 1825-65419 L’eglise,<br />

l’Afrique et la France, édition Fayard, Paris, 6441.<br />

- Dahbia Abrous, la Société des Missionnaires d’Afrique à<br />

l’Epreuve du Mythe Berbère kabyle- Aurès -Mzab, édition<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بني التأصيل التارخيي والواقع املعاصر.‏<br />

أة.‏ بودالية تواتية،‏ أة.‏ سواملية نورية<br />

جامعة معسكر<br />

قال وزير الشؤون الدينية يف افتتاحية العدد السادس من رسالة املسجد:‏<br />

" ‏"عندما تدافع<br />

رسالة املسجد"عن مرجعية العمل الديين يف اجلزائر فإنها<br />

تدافع عن ذلك املوروث املشرتك املتمثل يف االختيارات األساسية اليت توطأ<br />

عليها اجملتمع اجلزائري منذ قرون خلت.‏ واليت متثل إجابات عن مسائل<br />

خالفية أساسية رمست كل إجابة منها ملمح التدين يف بقعة من بقع<br />

الدنيا،‏ باعتبار القاعدة الذهبية اليت تقول"‏ ال ينكر تغري األحكام بتغري<br />

الزمان".‏ هذه املرجعية جيب أن يراعيها كل موظفي الفضاء الديين يف<br />

اجلزائر،‏ وأن حترتمها كل هيئات اجملتمع األخرى،‏ وأن يستمد منها<br />

اإلمام واملرشدة الدينية ومعلم القرآن الكريم،‏ واملؤذن....‏ وأن يستمدوا<br />

مجيعا من هذه املرجعية اخللفية املنهجية للعمل الديين يف اجلزائر"‏ ‏)بوعبد<br />

اهلل غالم اهلل،‏ 1(. 1884:<br />

وانطالقا من هذه الفكرة كانت إشكالية هذا البحث تتمحور حول<br />

طبيعة املرجعية للخطاب املسجدي،‏ وهل اخلطاب املسجدي يف اجلزائر<br />

يعتمد يف ممارسة وجوده على مرجعية دينية وطنية،‏ وهل تتماشى هذه<br />

املرجعية مع املنحى احلضاري املعاصر لواقع اجلزائر؟<br />

ولإلجابة عن هذه التساؤالت ينبغي أن حندد:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 10<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

-<br />

-<br />

-<br />

6<br />

1<br />

1<br />

مفهوم اخلطاب الديين واملرجعية الدينية.‏<br />

املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي:‏ املرجعية العقدية<br />

والفقهية يف الرتاث اإلسالمي للجزائر.‏<br />

واقع اخلطاب املسجدي يف اجلزائر.‏<br />

أوال:‏ اخلطاب الديين يف الوضع اللغوي واالصطالحي<br />

اخل طاب الديين ه و ك ال م اهلل ت ع ا ىل ل لنّ‏ اس أمج ع ني،‏ م ن خ الل<br />

الدعوة اليت محلها كتابه الكريم،‏ بقوله عز وجل:‏ ‏)ادْعُ‏ إِلَى سببِيلِ‏ رببِكَ‏<br />

بِالْحِكْمبةِ‏ وبالْمبوْعِظَةِ‏ الْحبسبنبةِ‏ وبجبادِلْهُمْ‏ بِالَتِي هِيب أَحْسبنُ‏ إِنَ‏ رببَكَ‏ هُوب أَعْلَمُ‏<br />

بِمبنْ‏ ضبلَ‏ عبنْ‏ سببِيلِهِ‏ وبهُوب أَعْلَمُ‏ بِالْمُهْتبدِينب(‏<br />

‏)النحل:‏ 618(<br />

، كما أمر<br />

الرسول صلى اهلل عليه وسلم بتبليغ الدين وخماطبة النّاس مبا يفهمونه وما<br />

تقبله عقوهلم وليس مبا يعجزون عن فهمه وإدراكه،‏ ومن وسائل التبليغ<br />

خماطبة املبلغني.‏ حيث يقول عز وجل:‏ ‏)وبمبا أَرْسبلْنبا مِنْ‏ ربسُولٍ‏ إِلَا بِلِسبانِ‏<br />

قَوْمِهِ‏ لِيُبيِنب لَهُمْ‏ فَيُضِلْ‏ اللَهُ‏ مبنْ‏ يبشباءُ‏ وبيبهْدِي مبنْ‏ يبشباءُ‏ وبهُوب الْعبزِيزُ‏<br />

الْحبكِيمُ(،.‏ فمن الطبيعي أن يكون اخلطاب هو الوسيلة املثلى لتبليغ<br />

الرسالة احملمدية.‏<br />

- 1<br />

-2<br />

اخلطاب لغة<br />

ورد عند ابن منظور يف لسان العرب كلمة اخلطاب مبعنى الكالم،‏<br />

أو ما يتصل بالكالم.‏ واخلطاب واملخاطبة تعين مراجعة الكالم،‏ ومنه<br />

اخلطبة وهي عند العرب الكالم املنثور املسجع ‏)ابن منظور،‏ د ت:‏ 118(.<br />

اخلطاب يف االصطالح<br />

ه و ك - ل ك ال م جت ا وز اجلم ل ة س وا ء ك ان مك توب ا أ و م لفوظ ا ‏)سعد<br />

البازعي،‏ ميجان الرويلي،‏ 44(. 1888:<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 12<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

-<br />

ميز الباحث املغربي علي أومليل بني نوعني من اخلطاب:‏ ‏"خطابا<br />

حيمل أمرا مقدسا شرعيا أو خربا من السماء تصديقه أمر،‏ وخطابا خيرب<br />

عن الواقعيات من عامل الطبيعة،‏ ولكل خطاب مقياس للصدق تبعا للعامل<br />

الذي حييل إليه عامل الغيب أو عامل الطبيعة"‏<br />

‏)علي أوميل،‏ 91(. 6459:<br />

-<br />

عرفه الند:‏ ‏"اخلطاب هو التعبري عن الفكر وتطوره بواسطة متتالية<br />

من الكلمات والقضايا املتسلسلة املرتابطة"‏<br />

(Lalande, 1996: 277-<br />

.278)<br />

-<br />

اخل ط أما اب ال ديين فه و البي ان ال ذ ي يو ج ه با س م اإل س ال م إ ىل النّ‏ اس<br />

مسلمني وغري مسلمني لدعوتهم إىل اإلسالم أو تعليمه هلم أو تربيتهم عليه<br />

عقيدة وشريعة،‏ عبادة ومعاملة،‏ فكرا وسلوكا،‏ لشرح موقف اإلسالم<br />

من قضايا احلياة واإلنسان والعامل فرديا أو اجتماعيا روحيا أو ماديا<br />

نظرية أو عملية<br />

‏)يوسف القرضاوي،‏ 18(. 1889:<br />

ويتخذ اخلطاب أساليب شتى قدمية وحديثة:‏ من اخلطبة واحلاضرة<br />

والدرس واحلديث واملقالة والرسالة والكتاب والندوة والبحث امليداني<br />

والتحقيق الصحفي،‏ والربنامج اإلذاعي والتلفزيوني ‏)يوسف القرضاوي،‏<br />

.)61 :1889<br />

-3<br />

وسنقتصر يف حبثنا هذا على اخلطاب املسجدي.‏<br />

اخلطاب املسجدي<br />

تستدعي الدعوة اإلسالمية إىل ألسنة قوالة من أهل اإلسالم لتأييده<br />

ونص ره،‏ ونش ر ت عاليم ه ومبادئ ه ع ل ى أ حس ن و ج ه و أ كم ل ح ال،‏ ف إنّ‏<br />

خماطبة احلشود واجلماعات حتدث يف صفة متكررة يف اجلمع واألعياد،‏<br />

ولعل من أوائل أنواع اخلطابة يف اإلسالم ما صدع به الرسول عليه السالم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

بني ظهراني قريش بعدما أنزل اهلل عليه قوله تعاىل)‏ وأنذر عشريتك<br />

األقربني(‏ ‏)سعود بن براهيم الشريم،‏ د ت:‏ 66(.<br />

وبعد فرض صالة اجلمعة وخطبتها أصبحت صلة النيب صلى اهلل<br />

عليه وسلم جبمهور النّاس تتكرر نهاية كل أسبوع،‏ مما أفضى على<br />

اخلطبة شيئا من األهمية واملكانة،‏ ألنّها منرب التوجيه واإلرشاد فضال عن<br />

األعياد واملناسبات العامة كالكسوف واالستسقاء،‏ ثم ورثها عنه اخللفاء<br />

الراشدون ‏)سعود بن براهيم الشريم،‏ د ت:‏ 66(. واتسعت مبرور الزمن<br />

ح ت ى أص بحت يف ال ع لم ا ء واملش اي خ وم ن أ ش هرهم يف ال ت اري خ اجلزائ ر ي يف<br />

العصر الوسيط اخلطيب ابن اخلراط أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل بن<br />

حممد املعافري القلعي<br />

‏)حييى بوعزيز،‏ 11( 6448:<br />

، والشيخ عيسى بن<br />

أمحد اهلنديسي ابن الشاط البجائي خطيب جامع جباية ‏)حييى بوعزيز،‏<br />

17(، 6448: واخلطيب حممد بن عيسى أزبار من كبار علماء وادي<br />

ميزاب،‏ واخلطيب أمحد بن باديس أبو العباس القسنطيين،‏ واخلطيب<br />

الفقيه املالكي حسن بن خلف اهلل بن حسن بن أبي القاسم بن ميمون بن<br />

باديس القيسي القسنطيين ‏)عادل نويهض،‏ ‎61‎؛ 6458: 17-<br />

نطاقها يف مساجدنا اليوم.‏<br />

.)15<br />

-4<br />

واتسع<br />

مكونات اخلطاب الديين<br />

ميكننا أن نرُدَ‏ مكونات اخلطاب اإلسالمي إىل نوعني:‏ املكون<br />

الشرعي املتمثل يف الوحي اإلهلي من قرآن وسنة نبوية صحيحة وهو أصل<br />

اخلطاب اإلسالمي ومنطلقه ومرجعيته الثابتة الدائمة،‏ لكونه صادرا عن<br />

اهلل سبحانه الذي أبدع الوجود كله.‏ واملكون البشري الذي يعود إىل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

اجتهادات البشر يف الفقه واالستنباط من النصوص الشرعية ‏)رابطة<br />

اجلامعات االسالمية،‏ د ت:‏ 17(.<br />

: ثانيا<br />

املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي يف التاريخ اجلزائري<br />

من خالل استقرائنا مجلة من اخلطب املسجدية يف اجلزائر لعدد من<br />

اخلطباء وجدنا اتفاقا واضحا يف االستدالل على املواضيع املطروحة<br />

بأ حاديث م طر وقة يك ث ر طر حه ا وذ كره ا م ع أنّ‏ هن اك أ حادي ث جيه ل ها<br />

ويغفل عنها الكثري من األئمة يف الوقت احلاضر،‏ وليس هذا احتقارا أو<br />

تقليال من شأنها،‏ ولكن نريد أن نصل إىل مبتغانا وهو املرجعية اليت<br />

يقصد بها"‏ اإلطار الكلي واألساسي املنهجي،‏ املستند إىل مصادر وأدلة<br />

معينة لتكوين معرفة ما أو إدراك ما يبين عليه قول أو مذهب،‏ أو اجتاه<br />

يتمثل يف الواقع علما أو عمال"‏ ‏)سعيد بن ناصر الغامدي،‏<br />

-911 :6916<br />

.)114<br />

وال غاية م ن ه ذا احل ديث ف تح اجمل ال ل لخ طب ا ء ل ل تن قي ب ع ن املر ج عي ة<br />

الدينية الوطنية يف بطون كتب الرتاث اإلسالمي اجلزائري،‏ الذي يزخر<br />

باجتهادات يف العقيدة والفقه واخلروج بالفوائد،‏ وهو ما حيتاج إليه اجليل<br />

املعاصر أشد احلاجة لالستفادة واالطالع عليه.‏ فهل هناك مرجعية دينية<br />

وطنية يعتمد عليها اخلطاب املسجدي؟<br />

عرفت اجلزائر منذ الفتح اإلسالمي هلا دخول عدة اجتاهات مذهبية<br />

عقدية قهي ة وف ؛ حبي ث ت عايش ا امل ذهب امل الكي واإلباض ي،‏ واحلنف ي ب ع د<br />

خضوعه للحكم العثماني،‏ لكنه سرعان ما تقلص،‏ بسب نصرة املذهب<br />

املالكي الذي توطدت أركانه،‏ وقويت دعائمه حتى غدا املذهب السائد<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

يف اجلزائر.‏ واملنحنى البياني يوضح قوة الفقهاء املالكية يف اجلزائر من<br />

الفتح حتى نهاية العهد العثماني.‏<br />

اجلدول إ رقم"‏‎6‎‏"‏ حص ائيات ح ول ع دد الف قه ا ء يف اجلزائ ر حس ب امل ذهب<br />

من خالل كتاب عادل نويهض<br />

املذهب مالكي شافعي حنفي إباضي<br />

النسبة % 49 % 81، 8 % 11، 6 % 91، 58،1 %<br />

% 100,00<br />

نسبة الفقهاء حسب المذهب<br />

% 80,00<br />

% 60,00<br />

% 40,00<br />

النسبة%‏<br />

% 20,00<br />

% 0,00<br />

مالكي شافعي حنفي اباضي<br />

إذن ميكن القول أنّ‏ هناك مرجعية دينية وطنية فيما كتبه علماء<br />

اجلزائر يف العلوم اإلسالمية،‏ فلقد حفل التاريخ الفقهي اإلسالمي<br />

باجلزائر بعصور اجملتهدين الذين أثروا يف الفكر اإلسالمي وبينوا<br />

الثوابت واجتهدوا يف املتغريات.‏ فيقول احلفناوي يف ذلك<br />

فالظاهر أنّ‏ :"<br />

القطر اجلزائري قد اجتهد قدميا يف طلب العلم جبميع أسبابه،‏ وأتاه من<br />

سائر أبوابه،‏ ووقف على معقوله ومنقوله،‏ فتمكن من أصوله وفصوله،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 11<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

-6<br />

وكان لعلوم وقته جامعا ولرياته رافعا مثل أخويه املغربني األقصى<br />

واألدنى،‏ فظهر يف األقاليم بدره،‏ واشتهر يف التاريخ قدره بعلماء بنوا<br />

تأليفهم على أركان التحقيق وحصنوها بأسوار التدقيق،‏ فكانوا يف<br />

عص ورهم جن و م اه ت دا ء و أئم ة اق ت دا ء،‏ ولك ن ط واهم و أض رابهم ف ل ك<br />

االنقالب يف مغارب األفول"‏ ‏)أبو القاسم احلفناوي،‏ 6(. 6446:<br />

ويف هذا املقام يتعذر علينا إيراد كل ما كتبه علماء اجلزائر يف<br />

جمال العلوم اإلسالمية لكثرتها ووفرتها،‏ فاإلنتاج غزير ومتعدد املشارب<br />

لتتعدد قضايا الفقه نفسه،‏ ومن جهة أخرى فنحن مل نطلع على كل هذا<br />

اإلنتاج الذي ال يكاد خيلو يف أي فرتة من تاريخ اجلزائر يف كتاب عادل<br />

نويهض"‏ أعالم اجلزائر من الفتح اإلسالمي إىل الوقت احلاضر".‏ ومن هذا<br />

املنطلق نسعى إىل حتديد مناذج ألعالم املرجعية الدينية الوطنية الّذين<br />

ساهموا يف الفقه وأصوله،‏ واحلديث وعلومه،‏ وكتبوا يف العقيدة<br />

والتوحيد.‏ ونصنفهم حسب:‏<br />

املرجعية العقدية:‏<br />

علم الكالم وعلم التوحيد على السواء من أهم العلوم،‏ فقد عرفه<br />

مصطفى الرصايف يف القرن الثاني عشر مبا يلي:"‏ علم الكالم أوثق العلوم<br />

دليال وأوضحها سبيال،‏ وأشرفها فوائد،‏ واجنحها مقاصد،‏ إذ تعرف ذات<br />

احلق وصفاته،‏ ويصرف عنه ما ال يليق به وال يقبل تقبله ذاته"‏ ‏)أبو القاسم<br />

سعد اهلل،‏ 46( 6458:<br />

، ويضيف وزير الشؤون الدينية:"‏ وليس أستاذ<br />

العقيد يف معهد تكوين األئمة...‏ إال ورثة السنوسي واألخضري وأمثاهلما<br />

الذين ورثوا هذا املنهج يف فهم العقيدة وتدريسها عن أبي احلسن<br />

األشعري،‏ وأبي زيد القريواني،‏ وهم الذين ترمجوا عقيدة السلف تفي<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 17<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

حباجة عقل زمانهم،‏ فدافعوا عن الشبهات اليت أثارها..أصحاب الفلسفات<br />

واألفكار الوافدة مع توسع الفتح اإلسالمي"‏ ‏)أبو عبد اهلل غالم<br />

اهلل،‏‎1884‎<br />

.)9:<br />

<br />

جمال العقيدة:‏<br />

ونظرا هلذه األهمية نذكر بعض ممن اهتموا بالتأليف يف<br />

أمحد بن قاسم بن حممد بن ساسي التميمي البوني)‏‎6811‎‏-‏<br />

‎6614‎ه/‏‎6181‎‏-‏<br />

‎6711‎م(‏ ‏)عادل نويهض،‏‎6458‎<br />

،)88<br />

-94 :<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

‏)حممد<br />

إبراهيم علي،‏ 818(، 1886: من كبار فقهاء املالكية،‏ عامل باحلديث،‏<br />

ول د ببون ة ب عناب ة ش رقي اجلزائ ر،‏ ل ه ك ت ب ك ث ري ة ع ددت مبائ ة ك ت اب<br />

نذكر منها يف العقيدة:‏<br />

فتح األعالق على وجوه مسائل خليل بن إسحاق.‏<br />

النور الضاوي على عقيدة الطحاوي.‏<br />

النفحة املكية يف نظم العقيدة السبكية.‏<br />

فتح املعيد بنظم عقيدة ابن دقيق العيد.‏<br />

املعارف األنسية بنظم العقيدة القدسية.‏<br />

الفتح املتوالي بنظم عقيدة الغزالي.‏<br />

نظم عقيدة الرسالة.‏<br />

نظم العقيدة الوسطى للسنوسي.‏<br />

نظم عقيدة ابن حاجب.‏<br />

م د يو س ف ب ن عم ر ب ن ش عيب أب و عب د اهلل السنو س ي )511-<br />

‎548‎ه/‏‎6915‎‏-‏<br />

‎6948‎م(‏ ‏)عادل نويهض،‏‎6458‎<br />

: 685( كبري علماء<br />

تلمسان وزهادها يف عصره،‏ عامل يف التفسري واحلديث وعلم التوحيد،‏<br />

وله:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 18<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

عقيدة أهل التوحيد ويسمى العقيدة الصغرى.‏<br />

العقيدة الوسطى.‏<br />

شرح صغرى الصغرى.‏<br />

حممد بن أمحد بن حمم د ب ن أمح د ب ن حمم د ب ن أب ي بك ر ب ن<br />

مرزوق)‏‎711‎‏-‏ ‎591‎ه/‏‎6119‎‏-‏ ‎6917‎م(‏ ‏)ابن مريم،‏ 186(، 6451:<br />

أ)‏ محد بابا التنبكيت،‏ 944- 1888:<br />

)885<br />

، املعروف باحلفيد،‏ فقيه<br />

حجة يف املذهب املالكي،‏ عامل باألصول،‏ حافظ للحديث،‏ وله يف<br />

العقيدة:‏ اآليات الواضحات يف وجه داللة املعجزات.‏ عقيدة التوحيد<br />

املخرجة من ظلمة التقليد.‏<br />

حممد بن عبد الرمحن الديسي)‏‎6178‎‏-‏ ‎6198‎ه/‏‎6589‎‏-‏ ‎6411‎م(‏<br />

‏)عادل نويهض،‏‎6458‎<br />

)691 :<br />

، مقرئ حنوي،‏ متكلم أصولي،‏ فقيه<br />

مالكي،‏ ولد يف قرية الديس بالصحراء الغربية يف جنوب اجلزائر،‏ نبغ يف<br />

العلوم الشرعية ومن كتبه:-‏ درة عقد اجليد يف عقائد علم التوحيد.‏<br />

شرح أرجوزة التوحيد للشيخ شعيب التلمساني.‏<br />

العقيدة الفريدة منظومة يف التوحيد.‏<br />

أمحد بن الطيب بن حممد الصاحل بن سليمان العيساوي الزواوي<br />

‏)ت‎6186‎ه/‏‎6511‎م(‏ ‏)عادل نويهض،‏‎6458‎<br />

املالكية،‏ من أثاره:‏<br />

)616 :<br />

-<br />

التوحيد.وتكملة الفوائد يف حترير العقائد.‏<br />

-1<br />

املرجعية الفقهية:‏<br />

من كبار علماء<br />

الدرة املكنونة أرجوزة يف عقائد<br />

-<br />

-<br />

-<br />

<br />

-<br />

-<br />

<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 19<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

<br />

عندما نتحدث عن اإلنتاج الفقهي يف اجلزائر فمن الطبيعي أننا<br />

سنركز على إنتاج الفقه املالكي الذي تنوعت فنونه الشرعية من األصول<br />

والفرائض والف ت ا و ى واأل حك ا م،‏ والش ر وح واحلوا ش ي و غ ريه ا مم ا ي تص ل<br />

بالعبادات وم واملعامالت.‏ ن أ ع ظ م الف قه ا ء ال ذين ع رف تهم اجلزائ ر تدريس ا<br />

وتأليفا نذكر على سبيل املثال ال احلصر:‏<br />

أبو جعفر أمحد بن نصر الداودي ‏)ت ‎981‎ه/‏‎6866‎م(‏ ‏)حييى بوعزيز،‏<br />

،)6448918<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

<br />

‏)أبو رأس الناصري،‏ 17( 1885: عامل من أئمة املالكية،‏<br />

أصله من مدينة مسيلة،‏ وقف ضد الشيعة الفاطميني وكفر كل من<br />

يدعو هلم على املنابر،‏ ومن كتبه:‏<br />

النامي وهو شرح لكتاب املوطأ مالك يف الفقه واحلديث.‏<br />

النصيحة،‏ وهو شرح كتاب صحيح البخاري يف احلديث.‏<br />

كتاب تفسري القرآن الكريم.‏<br />

الواعي يف الفقه.‏<br />

اإليضاح يف الرد على القدرية.‏<br />

عبد الرمحن بن حممد بن خملوف الثعاليب،)‏‎751‎‏-‏<br />

‎6978‎م(‏ ‏)عادل نويهض،‏‎6458‎<br />

)48 :<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

‎578‎ه/‏‎6159‎‏-‏<br />

من كبار املفسرين وأعيان اجلزائر<br />

وعلمائها،‏ ولد ونشأ بناحية وادي يسر باجلنوب الشرقي من مدينة<br />

اجلزائر،‏ له أكثر من تسعني كتابا منها:‏<br />

اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن.‏<br />

روضة األنوار ونزهة األخيار يف الفقه.‏<br />

جامع األمهات يف أحكام العبادات.‏<br />

الذهب اإلبريز يف غريب القرآن العزيز.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

األنوار املضيئة يف اجلمع بني الشريعة واحلقيقة.‏<br />

اإلرشاد يف مصاحل العباد.‏<br />

رياض الصاحلني.‏<br />

إرشاد السالك.‏<br />

العلوم الفاخرة يف النظر يف أمور اآلخرة.‏<br />

د ب ن حمم د ب ن عب د ال رمحن امل غ را و ي ال ت لمس اني)‏ 751-<br />

‎598‎ه/‏‎6158‎‏-‏<br />

‎6996‎م(‏ ‏)عادل نويهض،‏‎6458‎<br />

وحمدث،‏ أصولي،‏ درس يف املدرسة اليعقوبية.‏ ومن كتبه:‏<br />

: )681 ، مفسر<br />

-<br />

تفسري الفاحتة،‏ شرح التلمسانية يف الفرائض،‏ مقدمة يف التفسري،‏ منتهى<br />

التوضيح يف عمل الفرائض،‏ وأجوبة فقهية)‏ خمطوط(.‏<br />

أب و ال عب اس أمح د ب ن حي ي ب ن حمم د الونشريس ي ال ت لمس اني<br />

‏)ت‎469‎ ه(حامل لواء املذهب املالكي واملنظر فيه،‏ انتهت إليه الرياسة،‏<br />

ومل يكن له نظري يف عصره،‏ له عدة مؤلفات أشهرها املعيار املعرب<br />

واجلامع املغرب عن فتاوي علماء افريقية واألندلس واملغرب الذي مجع<br />

فأوعى وأحاط بالفقه املالكي أصال وفرعا<br />

‏)عمر اجليدي،‏ 51(، 6446:<br />

ويشيد احملقق مبكانته بقوله:"‏ أما مكانة املعيار فتنجلي يف اهتمام<br />

فقهاء األمصار به منذ عصر املؤلف إىل أيامنا،‏ حتى ال تكاد جتد كتابا<br />

فقهيا ألف بعده إال وفيه نقول عنه،‏ أو إحاالت عليه...‏ ولقد رأيت الكثري<br />

من علماء العدوتني باملعيار"‏ ‏)الونشريسي،‏ 6456: املقدمة(.‏<br />

ويف السياق نفسه<br />

قال أبو القاسم سعد اهلل:"‏ لو درس الباحثون كتاب<br />

املعيار دراسة اجتماعية خلرجوا منه بكنز كبري يف معرفة أحوال العصر<br />

وأحوال اجملتمع املغربي عامة باإلضافة إىل معرفة آراء املؤلف يف حميطه<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 70<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

وقضايا عصره،‏ فنوازل البدع واإلجازة يف التعليم،‏ والفتيا،‏ ومساع<br />

املوسيقى،‏ والتصوير،‏ وحكم حلقات الذكر،‏ وقضية القياس واملوقف<br />

من التصوف ورجاله،‏ ومن تقليد العلماء واستقالهلم.‏ كلها أمور تستحق<br />

اهتمام اليوم"‏ ‏))أبو القاسم سعد اهلل،‏ 611( 6458: ، ومن أثاره أيضا:‏<br />

إيضاح املسالك إىل قواعد اإلمام مالك.‏<br />

عدة الربوق يف مجع ما يف املذهب من اجلموع والفروق.‏<br />

لف ائق،‏ املنهج ا واملنه ل الرائ ق،‏ وامل غن ى الالئ ق ب آداب املوث ق و أ حك ا م<br />

الوثائق.‏<br />

خمتصر أحكام الربزلي.‏<br />

-1<br />

إحصائيات حول اجتهادات علماء اجلزائر يف العلوم اإلسالمية<br />

من خالل تراجم عادل نويهض<br />

لقد كفانا عادل نويهض مؤونة البحث عن تراجم علماء اجلزائر اليت<br />

مت مجعها والتنقيب عنها من خمتلف املصادر،‏ وتقدر حبوالي 517 ترمجة<br />

من فقيه وعامل وأديب،‏ وعليه استقينا منها حوالي 965 ترمجة عاملة يف<br />

الفقه املالكي ومت تصيف مؤلفاتهم كما هو موضح يف اجلدول رقم<br />

،"6"<br />

وحتويلها إىل عملية رقمية.‏ وذلك رغبة يف تقديم إحصائيات على وجه<br />

التقريب قاصدين تسليط الضوء على اجتهادات علماء اجلزائر يف العلوم<br />

اإلسالمية ممن ذكرت مصنفاتهم.‏<br />

اجلدول رقم<br />

"1"<br />

العلوم اإلسالمية<br />

الفقه<br />

اجتهادات علماء اجلزائر يف العلوم اإلسالمية<br />

الدراسات<br />

عدد نسبة االجتهاد %<br />

% 69.66 84 - 6<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 72<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

% 67.49 87 - 1<br />

احلديث<br />

% 1.14 68 - 1<br />

األحكام<br />

% 4.11 14 - 9<br />

العقيدة<br />

% 5.61 11 - 8<br />

احلواشي<br />

% 11.47 691 - 1<br />

الشروح<br />

% 1.14 15 - 7<br />

الفتاوي<br />

% 9.89 67 - 5<br />

ت<br />

املختصرا<br />

% 1.85 68 - 4<br />

النظم<br />

% 1.85 68 - 68<br />

األرجوزة<br />

نسبة االجتهاد<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

7<br />

8<br />

9<br />

10<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

إنّ‏ ال ظاهر من خ الل الش كل البي اني أنّ‏ أب رز ش ئ ام ت از ب ه ع لم ا ء<br />

اجلزائر خدمتهم للمصنفات احلديثية بالدرجة األوىل خدمة فقهية تدرسيا<br />

وتأليفا،‏ نظرا لقوة احلفظ اليت كانوا ميتازون بها فكثرت الشروح<br />

واحلواشي خاصة على كتاب خمتصر البخاري.‏ كما مسحت االجتهادات<br />

الفقهية يف جمال الفرائض والعبادات بتطور الفقه على حساب العلوم<br />

االخرى كالفتاوي اليت ختتلف بدوها حسب درجة العامل وعدد التالميذ<br />

ونوعية الفتوى.أما املختصرات واألحكام مكانتها متواضعة مقارنة مع<br />

اإلنتاج الفقهي الذي تالزم انتاجه مع الفكر العقدي يف املغرب األوسط.‏<br />

اجلدول رقم"‏‎1‎‏"‏ نسبة توزيع العلماء يف اجلزائر<br />

املناطق الغرب الوسط الشرق الصحراء<br />

النسبة % 91 % 64، 68 % 48، 19 % 15، 87،1 %<br />

% 50,00<br />

ال…‏<br />

نسبة توزيع العلماء في الجزائر<br />

% 40,00<br />

% 30,00<br />

% 20,00<br />

% 10,00<br />

% 0,00<br />

الغرب الوسط الشرق الصحراء<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

من الصعب حتديد عدد علماء اجلزائر ولكننا قمنا قدر املستطاع<br />

التنويه لوجودها من خمتلف الدراسات،‏ والظاهر من خالل الرسم البياني<br />

أنّ‏ منطقة الغرب اجلزائري استحوذت على اكرب نسبة من الفقهاء<br />

باعتبارها منطقة استقطاب لفقهاء من بالد األندلس واملغرب األقصى،‏<br />

فقد أجنبت تلمسان يف عهودها الزاهرة أعظم الفقهاء الذين عرفتهم<br />

اجلزائر تدريسا وتأليفا،‏ ومن ابرز العائالت التلمسانية اليت اهتمت بالفقه<br />

عائلة الونشريسي واملغيلي واملقري والعقباني ‏)حييى بوعزيز،‏ 1881:<br />

-78<br />

175(. كما نافست كل من مازونة وغدامس ووهران علماء مدينة<br />

تلمسان يف ميدان الفقه.‏<br />

وحظيت منطقة الشرق اجلزائري مبكانتها العلمية يف الدراسات<br />

الشرعية،‏ فقد كانت املدن قسنطينة،‏ وجباية،‏ وعنابة،‏ وبسكرة<br />

مر ك زا ل لنش اط الف قه ي با ع تباره ا م ع ربا ي ع ربه ال ع لم ا ء اجلزائري ون يف<br />

رحلتهم إىل احلج أو إىل طلب العلم يف املشرق اإلسالمي.‏ ورغم مكانة<br />

بعض علماء اجلزائر العلمية يف الوسط،‏ إال أنها مل تستطع منافسة اإلنتاج<br />

الفقهي لعلماء الغرب أو شرقها.‏ وإذا احندرنا إىل اجلنوب وجدنا الفقه<br />

االباضي املسيطر على وادي ميزاب،‏ وبالتالي تقل دراسات علماء الصحراء<br />

يف الفقه املالكي.‏<br />

إنّ‏ هذا التوزيع اجلغرايف لإلنتاج الفقهي ال يدل إال على أنها إشارات<br />

ثابتة يف املصادر التارخيية تبني مدى مساهمة علماء اجلزائر يف العلوم<br />

الشرعية يف خمتلف القطر اجلزائري،‏ ولو عثر على هذه املؤلفات ومت<br />

حتقيقها ألثرت املكتبة اإلسالمية والدراسات الفقهية على اخلصوص<br />

مبادة غزيرة ينهل منها اخلطباء.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

ثالثا:‏ واقع اخلطاب املسجدي يف اجلزائر<br />

يتعرض اخلطاب الديين مبرور الزمن إىل حتكم الواقع مبصريه<br />

فيصبح رهينا للتطوير والتغيري،‏ فيكتسي صبغة خاصة وذلك حسب ما<br />

أورده الدكتور يوسف القرضاوي:"وإذا كان احملققون من أئمة الدين<br />

وفقهائه قد قرَروا أنّ‏ الفتوى تتغري بتغري الزمان واملكان واحلال،‏ والفتوى<br />

تتعلق بأحكام الشرع فإنّ‏ نفس هذا املنطق يقول:‏ إنّ‏ تغيري الدعوة أو<br />

اخلطاب يتغري بتغري الزمان واملكان والعرف واحلال أحق وأوىل"‏ ‏)يوسف<br />

القرضاوي،‏<br />

،)67 :1889<br />

-<br />

ومنه فإنّ‏ اخلطاب الديين اإلسالمي يستند إىل<br />

الرتاث اإلسالمي أوال،‏ وكذا إىل الواقع االجتماعي الذي يعترب املوجه<br />

واملرشد له.‏<br />

لكن وقبل الدخول يف تفاصيل حيثيات اخلطاب املسجدي ال بد من<br />

حتديد بعض األطر املنهجية اليت متكننا من التوغل يف هذا املوضوع اهلام<br />

والتطرق إىل ما هو غري معلن ومصرح عنه،‏ وانطلقنا من تساؤالت من أجل<br />

استكشاف مضامني اخلطاب املسجدي واملتعلقة بطبيعة وخصائص<br />

اخلطاب الديين املسجدي يف اجلزائر،‏ وعن الفاعلني ومؤسسي اخلطاب<br />

والقائمني عليه.‏<br />

اخلطاب املسجدي واهلوية الوطنية<br />

باعتبار أنّ‏ املسجد جهاز إيديولوجي للدولة فإنّه خيضع ملقاييسها<br />

وأنظمتها وإنّه البد من أن يتماشى املسجد مع املؤسسات االجتماعية<br />

بشكل عام،‏ فموضوع اخلطاب يكون حسب املناسبات الوطنية والدينية<br />

واالجتماعية للمجتمع،‏ وأصبحت تقرتن بعمليات التعبئة الفكرية<br />

والروحية ملواجهة املشاكل والصعوبات؛ حيث دعت وزارة الشؤون الدينية<br />

6<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 71<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

واألوقاف إىل ضرورة تسخري اخلطاب املسجدي للحفاظ على الذاكرة<br />

الوطنية ومحاية الوحدة وغرس حب الوطن يف نفوس الناشئة،‏ حمذرة من<br />

كل عوامل االنقسام والتشتيت من خالل زرع النعرات ونسيان األجماد<br />

وسط األجيال،‏ أي أنّ‏ ‏"اخلطاب املسجدي ينبغي أن خيضع إىل أرضية<br />

موحدة األهداف تسعى إىل التذكري بأجماد وتاريخ هذا الوطن وحتارب<br />

سيا سة النسيان وال غف لة،‏ وت عمل ع ل ى تو حي د أبن ا ء ال وطن م ع غ رس أ س س<br />

املواطنة والفضيلة يف نفوس األجيال الصاعدة"‏ ‏)جريدة الفجر،‏ 1868(.<br />

وأكد سعيد معول مدير التكوين وحتسني املستوى بوزارة الشؤون<br />

الدينية واألوقاف يف ندوة حول اخلطاب املسجدي ‏"بعدم القبول ألي متزق<br />

لوحدة ووطنية اجلزائر ال باسم الدين وال العروبة وال العرق وال األحزاب"‏<br />

وأضاف نا قائال:"‏ إنّ‏ لس نا ع ل ى ش ي ء إال إذا ا س ت ط عنا أن جن ع ل ش بابنا أم ة<br />

واحدة وعلمناه كيف يعشق كل ذرة من تراب اجلزائر ويستلذ<br />

مثارها")جريدة الفجر،‏ 1868(. وهذا من أجل احلفاظ على الذاكرة<br />

اجلماعية وعالج اآلفات االجتماعية اليت تنخر جسم اجملتمع.‏<br />

ولتشديد الرقابة على اخلطاب املسجدي قررت الوزارة املعنية إشراك<br />

ممثلني عن وزارات الدفاع الوطين والداخلية واجلماعات احمللية والعدل،‏<br />

يف إدارة جملس التوجيه املسيّر للمدرسة الوطنية لتكوين وحتسني مستوى<br />

إطارات إدارة الشؤون الدينية واألوقاف،‏ وهذا من أجل إشراك هذه<br />

القطاعات احلساسة إلعطاء توجيهاتها يف الربامج التكوينية لألئمة<br />

لتجنيب اجلزائر ما حدث من احنراف خالل سنوات التسعينات ‏)محيد<br />

زعاطشي،‏ :1868 .)<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 77<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

وهذا ما جينب األئمة التحدث يف النّاس مبا خيالف توجه احلكومة<br />

وخصائص اجملتمع اجلزائري ومكوناته وتراثه ‏)فتيحة بوروينة،‏<br />

وهنا تطرح مسألة توحيد خطبة اجلمعة.‏<br />

.)1888<br />

-1<br />

توحيد خطبة اجلمعة<br />

إنّ‏ اخلطاب الديين داخل املسجد يتوجه إىل فئات متفاوتة كل حبسب<br />

مستواه التعليمي أو الثقايف،‏ وحبسب مكانته السوسيواقتصادية ومهنته<br />

وظروفه اخلاصة،‏ وعليه فإنّ‏ اخلطاب املسجدي خيتلف حسب هذه<br />

املستويات باختالف همومها ومشاغلها.‏ مبعنى أنّ‏ دروس الوعظ واإلرشاد<br />

وخطب اجلمعة حمكومة كلها بالواقع االجتماعي ‏)اهلم االجتماعي(‏<br />

ومراقبته ومعايشته دومنا انفصال عنه،‏ فهل ميكن إعداد وتوزيع خطبة<br />

اجلمعة من طرف الوزارة الوصية؟<br />

لقد صرح لنا أحد مدراء الشؤون الدينية أنّ‏ اإلدارة مل تسبق أن<br />

راسلت اإلمام إلجباره على تناول خطبة معينة ما عدا ما تعلّق ببعض<br />

املناسبات اخلاصة واهلامة أو الظروف اليت متر بها البالد.كما أكد<br />

األئمة الذين التقني بهم أنّ‏ اخلطاب املسجدي هو اجتهاد فردي،‏ أما<br />

اإلدارة فهي تقرتح وأحيانا تنصح األئمة دون إجبارهم للتطرق ملواضيع<br />

حسب ما ت ق تض ي ه الض ر ور ة كاملس تجدات ال عاملي ة وم ا حي دث يف خم ت ل ف<br />

الدول إضافة إىل ما تطرحه أحداث وطنية كذكرى الثورة اجلزائرية.‏<br />

وعن حتكم الوزارة يف اخلطب عرب املساجد وتوجيهها،‏ نفى ممثلها<br />

ذلك قائال ‏"يف كل والية يوجد جملس علمي يضم خرية األئمة على مستوى<br />

الوالية،‏ يوجّه حتت إشراف مدير الشؤون الدينية فتتم دراسة اجلوانب<br />

العلمية ملختلف القضايا اليت ميكن التطرق إليها من خالل اخلطب عرب<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 78<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

املنابر"،‏ مضيفا أنّه ‏"يتم اقرتاح مواضيع دورية كل ثالثي ليتناوهلا األئمة<br />

يف خطب وتقرتح احملاور ويفتح الباب الجتهادات األئمة لتكييفها حسب<br />

سكان املنطقة اليت يعيشون فيها"‏<br />

‏)النصر،‏ 1866(.<br />

-1<br />

فبالرغم من أنّ‏ هناك مراقبة على خمتلف اخلطب املسجدية،‏ إال أ ‏ّن<br />

املواضيع النهائية ترجع إىل اإلمام نفسه،‏ وهنا تطرح مقدرة هذا اإلمام<br />

على مواجهة املشاكل املطروحة يف حيه والتصدي هلا،‏ مع األخذ بعني<br />

االعتبار خصوصية كل فئة.‏<br />

اخلطباء وترتيب األولويات<br />

يقصد باخلطيب مرسل اخلطاب،‏ ومرسل اخلطاب املسجدي يف بالدنا<br />

هم األئمة الذين يتكونون من إمام أستاذ رئيسي،‏ إمام أستاذ،‏ إمام<br />

مدرس وإمام معلم،‏ الذين يساهمون يف ترقية اخلطب املنربية والدروس<br />

املسجدية وهلم وظيفة إلقاء دروس الوعظ واإلرشاد دون غريهم ‏)اجلريدة<br />

الرمسية،‏ 1885<br />

:18(، لكن وأمام العجز الذي يعرف القطاع ونقص<br />

األئمة يف بالدنا أصبح بإمكان سلك معلمي القران الكريم واملتكون من<br />

أساتذة التعليم القرآني ومعلمي القران الكريم،‏ وسلك أعوان املساجد من<br />

مؤذن وقيم إلقاء اخلطاب املسجدي شريطة أن يكون له تكليف من إدارة<br />

الشؤون الدينية.‏ ويتم توظيف وترقية هؤالء اخلطباء حسب شروط مت<br />

وضعها بالتفصيل يف اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية،‏ العدد‎71‎‏،‏<br />

‎15‎ديسمرب 1885.<br />

واجلدول التالي يبني شروط توظيف كل من األئمة<br />

ومعلمي القران الكريم وكدا أعوان املساجد.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 79<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

اجلدول رقم )89(: شروط توظيف خطباء املساجد يف اجلزائر.‏<br />

شروط التوظيف<br />

اخلطباء<br />

شهادة ماجيستار أو مايعادهلا يف العلوم<br />

االسالمية واحلافظون للقران الكريم<br />

كامال<br />

شهادة ليسانس أو ما يعادهلا يف العلوم<br />

االسالمية واحلافظون للقران الكريم<br />

شهادة حفظ القران الكريم كامال<br />

املتحصل عليها بعد الطور الرابع من<br />

التعليم القراني<br />

أو احلائزون على مستوى الثالثة ثانوي<br />

احلافظون للقران الكريم كامال.‏<br />

رتبة ايلة إىل الزوال<br />

إمام أستاذ<br />

رئيسي<br />

إمام أستاذ<br />

إمام أستاذ<br />

إمام معلم<br />

سلك األئمة<br />

شهادة حفظ القران الكريم كامال<br />

املتحصل عليها بعد الطور الثالث من<br />

التعليم القراني<br />

أو احلائزون على مستوى الثانية ثانوي<br />

احلافظون للقران الكريم كامال.‏<br />

رتبة ايلة إىل الزوال<br />

أستاذ<br />

التعليم<br />

القراني<br />

معلم القران<br />

الكريم<br />

سلك معلمي<br />

القران الكريم<br />

مستوى أوىل ثانوي واحلافظون لنصف<br />

مؤذن سلك أعوان 2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

املساجد<br />

قيم<br />

القران الكريم.‏<br />

مستوى الرابعة متوسط واحلافظون<br />

لنصف القران الكريم.‏<br />

أما فيما خيص الرتقيات فإنّه يسمح للّذي تتجاوز مدة عمله 8 سنوات<br />

االن ت قال إ ىل رتبة أ ع ل ى ع ل ى أ س اس ام تح ان مه ين،‏ كم ا ت تم ع ل ى أ س اس<br />

االختيار للذي يفوق عمله يف املنصب 68 سنوات.‏ باإلضافة إىل هذه<br />

الشروط يسمح ألعوان املساجد الرتقية إذا أمتموا حفظ القران الكريم<br />

كامال.‏<br />

ومن أجل تقريب الظاهرة والتقصي عليها حاولنا القيام بعملية<br />

إحصائية متخذين والية معسكر منوذجا،‏ إذ حتتوي 186 إمام وحوالي<br />

888<br />

مسجد من بينها 188 متارس فيها خطب اجلمعة.‏ واجلدول رقم<br />

)88(<br />

يبني توزيع خطباء املساجد على مستوى والية معسكر حسب رتبتهم<br />

املهنية ‏)حسب إحصائيات 1868(.<br />

اجلدول رقم)‏‎88‎‏(:‏ توزيع اخلطباء والية معسكر حسب رتبتهم املهنية.‏<br />

اخلطباء<br />

سلك<br />

األئمة<br />

إمام<br />

أستاذ<br />

رئيسي<br />

إمام<br />

التكرارات<br />

النسب<br />

املئوية<br />

%<br />

8.89<br />

التكرارات<br />

النسب<br />

املئوية<br />

%<br />

19.19<br />

186<br />

1.84<br />

89<br />

64<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 80<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

64.11<br />

696<br />

أستاذ<br />

إمام<br />

98.74<br />

144<br />

66.51<br />

17.68<br />

57<br />

سلك 171<br />

معلمي<br />

مدرس<br />

إمام معلم<br />

أستاذ<br />

التعليم<br />

القران<br />

القراني<br />

1.15<br />

17<br />

الكريم<br />

معلم<br />

القران<br />

19.41<br />

615<br />

69.88<br />

سلك 681<br />

أعوان<br />

الكريم<br />

مؤذن<br />

68.46<br />

58<br />

املساجد<br />

قيم<br />

688<br />

711<br />

688<br />

املجموع 711<br />

الكلي<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 82<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

النسبة%‏<br />

إمام استاذ رئيسي<br />

إمام استاذ رئيسي<br />

إمام مدرس<br />

إمام معلم<br />

أتاذ التعليم القرأني<br />

معلم القرآن الكريم<br />

مؤذن<br />

قيم<br />

يتضح لنا من خالل اجلدول والدائرة النسبية أنّ‏ نسبة األئمة قدرت<br />

ب‎%19.19‎ بالنسبة للمجموع الكلي أغلبهم إمام مدرس إمام معلم أي<br />

ذوو مستوى ثانوي،‏ أما نسبة إمام أستاذ رئيسي وصلت إىل %8.89<br />

بالنسبة إىل اجملموع الكلي هم غري مكلفني طب اجلمعة إال يف<br />

الظروف االستثنائية)حسب تصريح أحد موظفي مديرية الشؤون الدينية(،‏<br />

ألنّ‏ هلم وظيفة أرقى كاملشاركة يف إعداد الفتاوى وتقنينها وتأطري األئمة<br />

املرتبصني.‏ وتعترب نسبة أساتذة التعليم القرآني النسبة العالية حيث وصلت<br />

إىل %17.68<br />

بالنسبة للمجموع الكلي تسند إليهم وظيفة تقييم حفظ<br />

القران الكريم وتأطري مسابقات ترتيل القران الكريم وحفظه وجتويده.‏<br />

ومن املالحظ أنّ‏ كل اخلطباء بتنوع رتبهم املهنية حافظني للقران<br />

الكريم سواء نصفه أو كله،‏ لكن الكثري منهم ‏)ونقصد معلمي القرآن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

أ<br />

الكريم وأعوان املساجد(جاهلني يف ميادين الفقه والشريعة اإلسالمية<br />

ألنهم مل يكوّنون بهدف إلقاء اخلطب املسجدية،‏ ومعظمهم خرجيوا<br />

الكتاتيب والزوايا واملعاهد القرآنية الوطنية والقلة القلة منهم خرجيو<br />

اجلامعات واملعاهد األكادميية ‏)أغلبهم شباب(.‏<br />

‏-تأطير املساجد<br />

أكد وزير الشؤون الدينية واألوقاف اجلزائرية يف تصريح له مع<br />

جريدة النصر ‏)النصر،‏<br />

)1866<br />

تسجيل تطور ملموس يف تأطري املساجد<br />

خالل اخلماسي املنصرم حيث انتقل عدد املناصب املالية اخلاصة باألئمة<br />

من 61<br />

ألف و‎685‎ سنة 1888<br />

إىل 64<br />

‏)النصر،‏ 1866(.<br />

ألف و‎685‎ منصب سنة ‎1868‎م<br />

ومن أجل التخفيف من العجز وحتسني نوعية تأطري املساجد حددت<br />

الوزارة حسب ما ذكر الوزير أهدافا على املديني القريب واملتوسط من<br />

خالل املخطط اخلماسي<br />

من<br />

-1868(<br />

1869(، ويف هذا الصدد ذكر وزير<br />

‏"غالم اهلل"‏ أنّ‏ القطاع سيسعى إىل رفع عدد املناصب املالية املمنوحة سنويا<br />

6888 إىل 888<br />

منصب،‏ وهو األمر الذي متت املوافقة عليه كما قال.‏<br />

فضال عن توسيع 5 معاهد إسالمية لتكوين اإلطارات الدينية العاملة<br />

حاليا من أجل رفع طاقة استيعابها،‏ وكذا بناء 8 معاهد إسالمية وطنية<br />

جديدة،‏ ومدرسة وطنية عليا لتكوين اإلطارات الدينية ذات تكوين عال،‏<br />

وينتظر بناء 68 مدرسة قرآنية منوذجية بالنظام الداخلي لتعليم القرآن<br />

والعلوم الشرعية و‎68‎مدرسة قرآنية أخرى خالل املخطط املوالي)النصر،‏<br />

.)1866<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

ب ل ور ة ال ول تص ور ال ذ ي تري ده احلكوم ة ل د ور املس جد ور س ال ت ه يف<br />

اجملتمع وكذلك نوع اخلطاب الذي ينبغي أن يبثه.‏ استحدثت وزارة<br />

الشؤون الدينية واألوقاف باجلزائر مدرسة عليا لتكوين إطارات القطاع،‏<br />

تكون هلا مهمة إعداد األئمة من املستوى العالي.‏<br />

وتتوىل املدرسة ضمان التكوين التحضريي إلطارات إدارة الشؤون الدينية<br />

واألوقاف وحتسني مستواهم،‏ لشغل املناصب يف رتبيت اإلمام األستاذ<br />

واإلمام األستاذ الرئيسي وسلك املرشدات الدينيات وسلك وكالء<br />

األوقاف،‏ إضافة إىل إعداد الدراسات والبحوث واالستشارة يف اجملاالت<br />

املتعلقة مبهامها واملشاركة يف تصور وإعداد برامج التكوين يف املعاهد<br />

الوطنية للتكوين املتخصص التابعة لوزارة الشؤون الدينية.‏ كما حدد<br />

املرسوم التنفيدي رقم 49-<br />

‎911‎املؤريف يف 6449/89/17 معايري انشاء<br />

املدارس القرانية وتنظيمها.‏<br />

ويف صدد احلديث عن تكوين األئمة اجلدد فإنّ‏ السيد وزير الشؤون<br />

الدينية ‏"غالم اهلل"‏ ينوه ويذكر دائما هؤالء األئمة من أجل إعادة املسجد<br />

للمجتمع وض اجلزائري ر ور ة ال تمس ك ب املنه ج املو ح د ل لمس جد و ع ل ى ع د م<br />

عدم اخلروج عن التوجيه املسطر من طرف الدولة بعدما حيد عنه يف<br />

سنوات التسعينات،‏ مع ضرورة استعادة املسجد من أيدي الذين زجوا<br />

باجملتمع يف دوامة العنف كما سبق الذكر،‏ فاملسجد مؤسسة اجتماعية<br />

ينبغي أن تعمل يف تناسق وانسجام مع املؤسسات األخرى.‏<br />

وقد اعترب مسؤول القطاع أنّ‏ خصوصيات املسجد يف اجلزائر تكمن<br />

يف نصرة القرآن الكريم والتمسك به ‏"ومن ختلى عن القرآن وذهب يبحث<br />

عن ن ظر ة أ خ ر ى و أفك ار أ خ ر ى ف ق د خت ل ى ع ن ال ق د و ة الص حيحة"‏ ‏)غنية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

قمراوي،‏ 1868( يف إشارة إىل استبدال املنهج اجلزائري مبناهج مستوردة<br />

من هنا وهناك،‏ وهذا ما سيحول دون طبع املسجد بلون طائفي أو حزبي<br />

من طرف األشخاص الذين حيملون أفكار تناقض املذهب الديين املتبع يف<br />

اجملتمع.‏<br />

وعليه أكد الوزير غالم اهلل:‏ ‏"إنّه ال بد من اعتماد أئمة موثوق بهم،‏<br />

وتأهي ل هم إل ع اد ة اال ع تب ار ل لمس جد ال ذ ي د خ ل يف م تاه ات ال تي ار السلفي"‏<br />

‏)غنية قمراوي،‏ 1868(، ملوِحًا باختاذ إجراءات عقابية يف حق األئمة<br />

السلفيني الذين تصدر عنهم ما مسّاها ب"الفتاوى اخلاطئة"،‏ أي املخالفة<br />

للمذهب املالكي.‏<br />

وأكد املسؤول عن القطاع أنّ‏ األئمة مكلفون بالعمل يف املسجد على<br />

مدار األسبوع وطوال اليوم،‏ مؤكدا أنّ:‏ ‏"املهمة صعبة حقا،‏ ألنّ‏ اإلمام<br />

يبدأ يومه من صالة الفجر وينتهي بعد صالة العشاء"‏ ‏)غنية قمراوي،‏<br />

.)1868<br />

ب-‏<br />

أي أنّ‏ اإلمام ال تتوقف مهمته يف يوم اجلمعة وخطبتها.‏<br />

أجور ورواتب األئمة<br />

كشف وزير الشؤون الدينية واألوقاف أبو عبد اهلل غالم اهلل أ ‏ّن 29<br />

باملائة من األئمة يتغيبون عن مهامهم يف املساجد رغم تقاضيهم رواتب قارة.‏<br />

ما جعل الوزارة تقرر إلغاء رتبة إمام خطيب يف القانون األساسي اجلديد،‏<br />

واالكتفاء برتبة إمام أستاذ العتقاد األئمة بأنّهم مكلفون طبة وصالة<br />

اجلمعة دون مزيد ‏)غنية قمراوي،‏<br />

توظيف األئمة يتم سنويا بعدد<br />

،)2115<br />

888<br />

إمام جديد،‏ فوق<br />

وهنا يشري الوزير إىل أ ‏ّن<br />

188<br />

منهم يتخرجون<br />

م ن م عاه د ال تك وين ال تاب ع ة ل ل وزار ة والب قي ة ه م خرجي و اجلام ع ات ال ذين<br />

يوظف ون ع ل ى أ س اس مس اب قات وطني ة به دف رف ع مس تو ى أدا ء اإلم ا م،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 81<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

وكذلك رفع املستوى العلمي يف املساجد وذلك حسب قول الوزير ‏"اجلزائر<br />

هي الدولة الوحيدة اليت ترعى مساجدها وتتحمل مسؤوليتها يف رعاية<br />

اإلمام خلدمة اجملتمع،‏ ألنّهم يتحملون مهمة إخراج املواطن الصاحل"‏ ‏)غنية<br />

قمراوي،‏<br />

.)2111<br />

وأمام هذا الوضع يطالب األئمة بتحسني أوضاعهم االجتماعية<br />

واملهنية وإعادة رد اعتبار لالئمة<br />

‏)غنية قمراوي،‏<br />

(<br />

)1866<br />

بني 65<br />

-9<br />

؛<br />

األئمة مازالوا يف أخر سلم األجور(‏<br />

حيث ذكر لنا أحد األئمة أنّ‏ األجور ترتاوح<br />

ألف و 19 ألف دينار،‏ وأغلبهم يتقاضى أجر 11 ألف دينار.‏<br />

و ه ذا قلي ل أم ام س اع ات العم ل ا ملق ررة ل إلم ام ه ذا م ا سيؤرقه ويتعبه،‏ وال<br />

يستطيع حتى شراء الكتب أو االستفادة من خدمات اإلنرتنت حبكم<br />

مرتبه ‏)ال يستطيع التفرغ لتكوين نفسه أو املساهمة يف حل مشاكل<br />

النّاس واالستماع إىل انشغاالتهم(،‏ كما أنّ‏ الكثري من األئمة املوظفون<br />

ال ميلكون سكنات وظيفية ويتخذون من املقصورات سكنات مؤقتة،‏<br />

وتساهم هذه الظروف يف إبعاد املسجد عن دوره االجتماعي املنوط به.‏<br />

أسباب حتديث اخلطاب املسجدي<br />

يعود سبب حتديث اخلطاب املسجدي إىل االعتبارات التالية:‏<br />

االعتبار التارخيي<br />

ي ت ع ل الذي ق باألزم ة األمني ة ال يت م رت به ا اجلزائ ر<br />

خالل العشرية السوداء حيث كانت املساجد تعتمد على األئمة املتطوعني<br />

بشكل أكرب،‏ لكن بعدها انتهت تلك احلقبة اليت حنن بصدد معايشة<br />

آخر آثارها على اعتبار أنّنا يف مرحلة انتقالية وحتولت رؤية اإلدارة إىل<br />

ضرورة تطوير املساجد وترقية أداء األئمة.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 87<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

و االعتبار التكويين فيتعلق مبستوى األئمة الذي حيتاج إىل تطوير<br />

ومتابعة،‏ فالتكوين الذي يتلقاه اإلمام غري كايف،‏ بالنظر إىل التطورات<br />

احلاصلة واليت جيب أن يسايرها اإلمام باعتباره طرفا فاعال يف اجملتمع،‏<br />

لذا يفرتض إقرار تكوين متواصل بدل اعتماد بعض األئمة احلريصني<br />

على مواكبة بيئتهم االجتماعية واملؤدين لرسالتهم االجتماعية على<br />

تكوينهم العصامي.‏<br />

وهناك مسألة أخرى رمبا ساهمت إىل حد ما يف زيادة الفجوة بني<br />

املسجد ورواده وهي مسألة انتداب األئمة من مناطق ختتلف عن املنطقة<br />

اليت يتواجدون فيها ثقافيا واجتماعيا الختالف التصورات،‏ فيصبح بذلك<br />

اإلمام عاجزا عن مواكبة وإدراك واستيعاب الظواهر االجتماعية والوقوف<br />

عليها،‏ فليس كل جمتمع يفتح لك أبوابه ويتقبل منك مناقشة انشغاالته،‏<br />

ال سيما إن مل تكن من أهل املنطقة ومل تبذل جهودا لالندماج مع أهلها<br />

ومشاكلهم والتطرق إليها من على املنابر.‏<br />

والظاهر عند اجملتمع اجلزائري أنّ‏ خطب األئمة أصبحت تتسم غالبا<br />

بسطحية املواضيع والتكرار اململّ‏ هلا اليت عادة ما تكون كالسيكية<br />

وال تواكب أحداث الساعة واملستجدات احمللية والعاملية،‏ فيتحوّل إىل<br />

خطاب جامد ال يتالءم مع تطلّعات النّاس واجملتمع.‏<br />

يرى العديد من املختصني ضرورة إعادة النظر يف طريقة اخلطاب<br />

املسجدي على حنو يكون فيه أكثر واقعية،‏ وذلك للدور الكبري الذي<br />

ميكن لبيوت اهلل أن تقوم به يف عالج مشاكل الناس واحليلولة دون<br />

االنتشار غري املسبوق لآلفات االجتماعية اليت باتت مصدر تهديد للمجتمع<br />

اجلزائري.‏ فتحوي اجلزائر على حوالي 61 ألف مسجد عجزت عن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 88<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

-9<br />

التخفيف من طوفان االحنراف وسيل املشاكل اليت يتخبط فيها النّاس،‏<br />

وهو ما عمق الفجوة بني املواطن واملسجد الذي وجهت إليه أصابع االتهام<br />

يف العشرية السوداء،‏ فزاد ختوف الناس وانفصاهلم عنه،‏ وبدل املكوث<br />

يف املسجد للذكر والتفقه صار الشعار هو ‏"صلي وارفد سباطك".‏<br />

ومن األسباب األخرى لتحديث اخلطاب املسجدي ضعف تفعيل<br />

اخلطباء املرجعية الدينية الوطنية املالكية على الواقع املعاصر،‏ وهذا ما<br />

أكدته معاينتنا امليدانية فجاء يف تصريح إمام أستاذ عندما طرحنا عليه<br />

ؤال ح ول املر ج عي ة الديني ة واملرا ج ع ال يت ي ع تم د ع ليه ا يف خ طاب ه<br />

املسجدي:‏ ‏"نعتمد على القران والسنة النبوية"‏ ثم أوقف احلديث وهرع،‏<br />

ونفسر هذا التصرف بسببني أوهلما ختوف األئمة من التصريح بسبب<br />

الضغوطات املفروضة عليهم من اإلدارة التصريح الذي قد يهز منصبهم<br />

باعتباره موظف تابع للدولة،‏ وثاني سبب عدم معرفة مرجعية خطابهم أو<br />

أن خطابهم ينطلق من نصوص القرآن الكريم واألحاديث النبوية<br />

واجتهادات فردية.‏<br />

مظاهر التجديد يف اخلطاب املسجدي<br />

عندما نطرح ضرورة جتديد اخلطاب املسجدي ال نقصي الثوابت<br />

األصلية وال املرجعية الدينية الوطنية واجتهاد علماء وفقهاء أجالء،‏ بل<br />

حناول التأكيد على عدم إهمال متطلبات الواقع واملشكالت املطروحة<br />

يف البيئة االجتماعية اليت ينتمي إليها املسجد،‏ فاخلطاب املسجدي حيتاج<br />

إىل إصالح شامل يشمل اخلطاب يف حد ذاته كما يشمل القائمني به.‏<br />

أ ‏-إحياء املرجعية الدينية الوطنية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 89<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

إنّ‏ أهمية التأكيد على جتديد اخلطاب املسجدي ليس مطروحا<br />

بوصفه هوية شخصية،‏ بل باعتبار وظيفته املرجعية،‏ فالتجدّد كفعل ذاتي<br />

متجاوبٍ‏ مع حاجات حقيقية.‏ وال شك أنّ‏ أي مرجعية إال وتتسم<br />

-<br />

بالضرورة-‏ ببعض مسات املعتقد الديين،‏ إذ ال ميكنها أن حتقق وظائف<br />

املرجعية اليت يعتنقها اإلنسان بوصفها منظومة اعتقاديه بشكل من<br />

األ ش كال د ون أن ت تس م بس مات امل ع ت ق د ال ديين،‏ وب ذلك ف إنّ‏ املرجعية<br />

خاضعة حلتمية التجدد الذاتي انطالقا من تلك السمات ‏)مسري بودينار،‏ ب<br />

ت:(.‏<br />

والدعوة إىل تفعيل املرجعية الفقهية املالكية والذود عنها هي تأكيد<br />

للهوية احلضارية لألمة اجلزائرية اإلسالمية،‏ وهي ضمان للتفاعل<br />

ال تارخيي البنّا ء الذ ي رب ط ب ني ه ذه املر ج عي ة واملر ج عي ات الف قهي ة األص ي لة<br />

اليت عايشت دخول املذهب املالكي إىل اجلزائر.‏ وتبقى بذلك مهمة خدمة<br />

املرجعية الدينية مهمة اخلطاب املسجدي مسؤولية مؤسسات أخرى<br />

كمصلحة الرتاث بوزارة الشؤون الدينية واليت ميكنها إحياء هذه<br />

املرجعية وخدمتها بالتنسيق مع الباحثني على مستوى اجلامعات أو<br />

مؤسسات البحث األخرى.‏<br />

ب-‏ جتديد الشخصية الدينية<br />

إنّ‏ املقصود يف جتديد الشخصية الدينية احلاملة والناقلة للخطاب<br />

الديين تقديم اخلطاب الديين املسجدي يف أفضل صورة واخلروج به إىل<br />

العاملية ‏)حممد نعيم،‏ حممد هاني ساعي،‏ 691( 1881:<br />

ومالحظة ،<br />

الفروق اجلوهرية بني ما هو مشرتك إنساني،‏ وما هو خصوصية حضارية<br />

مع احلرص على إبراز ثوابت اإلسالم وقيمه اإلنسانية السامية ولذلك<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

يفرتض أن يكون صاحب أو صانع اخلطاب على علم ودراية مبا يقدمه<br />

جلمهوره،‏ ومتسلحاً‏ بالفقه اإلسالمي وله اإلحاطة الواسعة مبجريات<br />

العلوم<br />

والتقنيات<br />

االتصالية<br />

احلديثة.‏ وااللتزام باملرجعية الدينية الوطنية<br />

وال دفا ع عنه ا أص بح م ن م ع اي ري ال توظي ف يف منص ب اإلمام ة ‏)النصر،‏<br />

.)1866<br />

فتكوين األئمة الذي يلقن فيه اإلمام األساسي من علوم الدين<br />

اإلسالمي ينبغي أن يشفع بتكوين مهين يعتمد على تبصري اإلمام<br />

باملستجدات والتحديات،‏ وقضايا األمة املشرتكة،‏ وتقريب مستواها يف<br />

استيعاب مشاكل اجملتمع ملعاجلتها ‏)أبوعبد اهلل غالم اهلل،‏ 88(. 1884:<br />

وحرص هذا األخري على مسايرة البيئة االجتماعية اليت حييا بها،‏<br />

باإلضافة إىل انتداب أئمة ضمن نفس البيئة اليت نشئوا فيها أو قريبة منها<br />

من أجل إجياد تقارب يف التصورات واالنشغاالت.‏<br />

إذن فمن شروط القائم باخلطاب الديين أن يكون على علم ودراية<br />

بأحوال عصره وقضايا أمته،‏ واالهتمام بالعلوم السياسة واإلنسانية<br />

واإلعالمية،‏<br />

ج-‏<br />

عن فضالً‏<br />

الدراية بقوانني الشريعة واملوازنة بني الثابت<br />

واملتغري،‏ من أجل اخلروج بهذا اخلطاب إىل فضاء العاملية وعدم تكريس<br />

التخلف عن ركبها ‏)حممد بن شاكر شريف،‏ 64(. 1889:<br />

جتديد الرسالة اليت حيملها اخلطاب الديين<br />

إنّ‏ التجديد يف اخلطاب ورسالته هو عودة اجملتمع اجلزائري إىل<br />

إسالمه بأشكاله ومعانيه ومشوله،‏ وعمومه وتناسقه وتكامله،‏ بأخالقه<br />

الظاهرة،‏ ومضمونه العظيم.‏ ولن يكون ذلك إال عن طريق:‏<br />

- التنوع يف أساليب تناول املوضوعات وطرح األفكار وتلوينها بالصور من<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 90<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

شأنه أن يضفي على اخلطاب حيوية وحيظى مبقبولية عالية لدى املتلقي<br />

أما التكرار فإنّه ال يأتي جبديد ولكن الذكرى تنفع املؤمنني،‏ فقد ردّ‏<br />

عن ممثل الوزارة ‏"هذه قضايا عقائدية أخالقية دينية وثوابت جيب<br />

التذكري بها باستمرار،‏ وهناك متغريات جيب أن نواكب بها العصر وال<br />

ميكن بأي حال من األحوال أن نستغين عن هذا النوع من اخلطاب حتى<br />

ولو مكان متكررا"‏ ‏)غنية قمراوي،‏<br />

.)2111<br />

-<br />

االطالع على الرتاث اإلسالمي اجلزائري من أجل إحداث نوع من<br />

التأثري يف رواد السجد وحيدث نوعا من التغيري يف حميط املسجد باعتباره<br />

املؤسسة اليت تنتج اخلطاب.‏<br />

للحفاظ على هوية اجلزائريني وجب توحيد املرجعية الدينية ألنها املدخل<br />

الرئيس لتحقيق ‏"األمن الفكري"‏ ‏)أبوعبد اهلل غالم اهلل،‏ ‏)أبو عبد اهلل<br />

غالم اهلل،‏‎1884‎<br />

)86 -98:<br />

-<br />

-<br />

مراقبة وتدقيق املعلومات الدينية وتدقيقها قبل السماح بنشرها<br />

وإشاعتها من خالل العودة إىل الفقه اإلسالمي مبوازينه وضوابطه<br />

ومناهجه وقواعده وأصوله،‏ وإعادته إىل مسرح احلياة بشكل متكامل<br />

‏)حممد نعيم،‏ حممد هاني ساعي،‏ 614(. 1881:<br />

اجلمع بني األصالة واملعاصرة فهو خطاب حيرص على املعاصرة<br />

ويتمسك باألصالة وهذا التجديد ال يعين التنكر للقديم وهذه املرونة ال<br />

تعين التنكر للثوابت ولكن هناك ثباتا لألهداف وتطورا للوسائل ‏)عثمان<br />

علي حسن،‏ 64(. 1888:<br />

- مراعاة العصر الذي نعيش فيه واهتمامات أفراده،‏ والقضايا<br />

الساخنة املطروحة يف الساحة ملواجهة مثل الشيوعية والرأمسالية<br />

-<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 92<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

والقومية والعلمانية واحلداثة والعوملة وحنو ذلك من قضايا العصر،‏<br />

وهو ما يسمى بواجب الوقت،‏ أو كما يسميه العالمة القرضاوي<br />

بفقه األولويات ‏)عثمان علي حسن،‏ 17(. 1888: ويف هذا اإلطار<br />

ذكّر سعيد معول-‏ املدير الوطين للتكوين وحتسني املستوى<br />

بوزارة الشؤون الدينية-‏ املتحدث بسياسة احلكومة يف التعامل<br />

مع وضع اجلزائر اجلديد ضمن الشراكة مع االحتاد األوربي<br />

والتعاون مع اجلوار يف إطار الفضاء األورو<br />

-<br />

.»<br />

متوسطي يف ما<br />

أصبح يصطلح عليه بالعوملة ‏»حنن جمتمع يعيش على ضفاف البحر<br />

ألب يض امل تو س ط،‏ وجي ب أن ن ل ت ز م باملب ادئ ال عاملي ة حل ق و ق اإلنس ان<br />

وكشف سعيد معول أن هذه الرهانات سوف تصبح اعتبارات<br />

راسخة يف الربنامج الذي تسطره احلكومة لقطاع الشؤون الدينية<br />

والتكوين بشكل حمدد،‏ حتى تتفادى الوصاية خروج األئمة يف<br />

خطبهم ودروسهم عن اإلطار الذي رمسته الدولة،‏ وجينب األئمة<br />

التحدث يف الناس مبا خيالف توجه احلكومة يف كل اجملاالت<br />

‏))فتيحة بوروينة،‏ 1888(.<br />

خامتة<br />

أ خ ريا ميك ن ال ق ول أنّ‏ ه م ن خ الل ه ذه النم اذ ج و غ ريه ا نك تش ف أنّ‏<br />

اإلن تا ج الف قه ي يس تجيب ملخ ت ل ف حا ج ات ال عص ور قاب ل لإلض افة واإلث را ء.‏<br />

واملدرسة املالكية يف اجلزائر برتاثها اإلسالمي تشكل فضاء خصبا<br />

ومر ج عا هاما خل طبا ء ال عصر م ن حي ث أنه ا مت دهم مب ا ق د يكف يهم م ن<br />

مصادر التشريع اإلسالمي.‏ وهي أيضا حسب وزير الشؤون الدينية"‏ تلك<br />

املكتبة العظيمة اليت ورثناها يف خمتلف فنون العلوم اإلسالمية،‏ مما يلقن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

املبتدي ويتيح االجتهاد للمنتهى،‏ وإن كان جله خمطوطا وبعضه مفقودا،‏<br />

خت طف ت ه يد فا جر ة فخ ل عت م ن ذا ك ر ة األم ة مر كب ا م ن مر كباته ا،‏ أم ا<br />

بعضه األخر فمهجور بفعل اجلهل بذات اليد،‏ وازدراء جهد القريب"‏ ‏)أبو<br />

عبد اهلل غالم اهلل،‏‎1884‎<br />

.)8:<br />

-<br />

ومثل هذا االجتهاد يف البحث عن املرجعية<br />

الوطنية السابقة الذكر واالطالع على الرتاث اإلسالمي من خالل البحث<br />

عن هذه املخطوطات وحتقيقها من قبل الباحثني.‏ وكل هذا سيساعدنا<br />

على زيادة املقدرة التوليدية للمنظومة الفقهية وعلى تنمية العلوم لدى األئمة<br />

وتبقى هذه املهمة منوطة بوزارة الشؤون الدينية،‏ كما سيساعد املسلمني<br />

يف اجلزائر على ترسيخ أقدامهم على أرضيتهم العقائدية.‏<br />

قائمة املصادر واملراجع:‏<br />

املصادر<br />

القرآن الكريم.‏<br />

ابن منظور،‏ لسان العرب،دار صادر،‏ بريوت)د.ت(،‏ ج‎1‎‏.‏<br />

أبو القاسم احلفناوي،‏ تعريف اخللف برجال السلف،‏ موفم للنشر،‏<br />

، ج .<br />

ابن مريم،‏ البستان يف ذكر األولياء والعلماء بتلمسان،‏ ديوان املطبوعات اجلامعية،‏<br />

اجلزائر،‏ 1891.<br />

امحد بابا التنبكيت،‏ نيل االبتهاج بتطريز الديباج،‏ حتقيق عبد احلميد عبد اهلل<br />

اهلرامة،‏ منشورات دار الكتاب،‏ طرابلس،‏ ط‎2‎‏،‏ 2222.<br />

حممد بن أمحد أبي راس الناصري،‏ عجائب األسفار ولطائف األخبار،‏ حتقيق<br />

حممد غامل،‏ منشورات<br />

،crasc اجلزائر،‏ 2229، ج‎2‎‏.‏<br />

الونشريسي أمحد بن حيي،‏ املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوى علماء افريقية<br />

واملغرب،‏ حتت إشراف حممد احلجي،‏ دار الغرب اإلسالمي،‏ بريوت،‏<br />

مقدمة التحقيق.‏<br />

،1891<br />

1<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

املراجع -<br />

أبو القاسم سعد اهلل،‏ تاريخ اجلزائر الثقايف،‏ املؤسسة الوطنية للكتاب،‏<br />

ج‎2‎‏.‏<br />

،1891<br />

سعد البازعي وميجان الرويلي،‏ دليل الناقد العربي،‏ املركز الثقايف العربي،‏ ط‎2‎‏،‏<br />

.2222<br />

سعود بن إبراهيم بن حممد الشريم،‏ الشامل يف فقه اخلطيب واخلطبة،‏ دار الوطن<br />

للنشر.‏<br />

علي أومليل،‏ اخلطاب التارخيي،‏ دراسة ملنهجية ابن خلدون،‏ ط‎1‎‏،‏ مطبعة النجاح،‏<br />

دار البيضاء،‏ 1891.<br />

عادل نويهض،‏ معجم أعالم اجلزائر من الفتح إىل الوقت احلاضر،‏ مؤسسة نويهض<br />

الثقافية للتأليف والرتمجة،‏ ط‎2‎‏،‏ 1892.<br />

عمر اجليدي،‏ مباحث يف املذهب املالكي،‏ ط‎191881‎‏.‏<br />

حممد نعيم حممد هاني ساعي،‏ اخلطاب الديين بني حتديث الدخالء وجتديد<br />

العلماء،‏ دار السالم،‏ القاهرة،‏ ط‎1‎‏،‏ 2221.<br />

حممد بن شاكر الشريف،‏ جتديد اخلطاب الديين بني التأصيل والتحريف،‏ ط‎1‎‏،‏<br />

جملة البيان،‏ 2221.<br />

حممد إبراهيم علي،‏ اصطالح املذهب عند املالكية،‏ ط‎192222‎‏،‏ دار البحوث<br />

للدراسات اإلسالمية وإحياء الرتاث،‏ مكة املكرمة.‏<br />

يوسف القرضاوي،‏ خطابنا اإلسالمي يف ظل العوملة،‏ دار الشروق،‏ القاهرة،‏ ط‎1‎‏،‏<br />

.2221<br />

حيي بوعزيز،‏ أعالم الفكر والثقافة يف اجلزائر احملروسة،ج‎1‎‏،‏ دار الغرب<br />

اإلسالمي،‏ بريوت،ط‎191881‎‏.‏<br />

2<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

حيي بوعزيز،‏ مدينة تلمسان عاصمة املغرب األوسط،‏ دار الغرب للنشر والتوزيع،‏<br />

اجلزائر،‏‎2222‎‏.‏<br />

Lalande ،Vocabulaire، technique et critiques de la<br />

philosophie، Parie، Presses de France،1996.<br />

-1<br />

اجملالت واجلرائد<br />

أبو عبد اهلل غالم اهلل،‏ ‏"معامل مرجعيتنا الدينية"،‏ رسالة املسجد،‏ وزارة الشؤون<br />

الدينية،‏ اجلزائر،‏ السنة‎7‎‏،‏ العدد‎1‎‏،‏ جوان‎2228‎‏.‏<br />

أبو عبد اهلل غالم اهلل،‏ ‏"األمن الفكري ومتغريات املغالبة"،‏ رسالة املسجد،‏ وزارة<br />

الشؤون الدينية،‏ اجلزائر،‏ السنة‎7‎‏،‏ العدد‎1‎‏،‏ جوان‎2228‎‏.‏<br />

محيد زعاطشي،‏ ‏"لتشديد الرقابة على اخلطاب الديين وزارتا الدفاع والداخلية<br />

تشاركان يف تكوين األئمة"،‏ اخلرب اليومية اجلزائرية،‏<br />

العدد‎1128‎‏.‏<br />

،2212/12/7<br />

فتيحة بوروينة،‏ ‏"احلكومة حتكم قبضتها على قطاع الشؤون الدينية لتفادي<br />

أوضاع التسعينات"،‏ صحيفة الرياض اليومية،،‏ مؤسسة اليمامة<br />

،2221/22/28 العدد .12121<br />

سعيد بن ناصر الغامدي،‏ ‏"املرجعية معناها وأهميتها وأقسامها"،‏ جملة جامعة أم<br />

القرى لعلوم الشريعة والدراسات اإلسالمية،‏ العدد 12، رجب‎1121‎ه،‏ ص ص<br />

.121 -218<br />

غنية قمراوي،‏<br />

الين،‏<br />

"<br />

ربع أئمة اجلزائر يتغيبون عن مهامهم باملساجد"،‏ الشروق أون<br />

.2228/21/21<br />

غنية قمراوي،‏ ‏"مدير التوجيه الديين يكشف خالل استقباله لطلبة الزوايا<br />

احملتجني:‏ زيادات مابني<br />

12<br />

،2211/22/22<br />

العدد‎2212‎‏.‏<br />

أالف و‎22‎ ألف دينار يف أجور األئمة"،‏ الشروق،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 91<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املرجعية الدينية الوطنية للخطاب املسجدي<br />

بودالية تواتية،‏<br />

سواملية نورية<br />

ق.و<br />

غنية قمراوي،‏ ‏"للحفاظ على هوية اجلزائريني توحيد املرجعية الدينية املدخل<br />

الرئيس لتحقيق األمن الفكري"،‏ الشروق أون الين،‏ 2212/21/27.<br />

ه.ع،"شروط صارمة لعضوية اجلمعيات الدينية والتوظيف يف اإلمامة"،‏ النصر يومية<br />

إخبارية وطنية،‏<br />

االثنني ،2211 /21/2 العدد:‏ .12172<br />

واج /<br />

جريدة<br />

"<br />

وزارة الشؤون الدينية دعت خطباء املساجد إىل إبراز أسس املواطنة<br />

،"<br />

الفجر 2212/22/21.<br />

-1<br />

<br />

عثمان علي حسن،‏ ‏"اخلطاب العقدي بني األصالة واملعاصرة"،‏ جملة الشريعة<br />

والدراسات اإلسالمية،‏ العدد اخلامس،‏ 2221.<br />

اجلريدة الرمسية،‏ املادة 21 اخلاصة بتحديد مهام األئمة.‏<br />

املواقع االلكرتونية<br />

مسري بودينار،‏ ‏"جتدد اخلطاب الديين أو سؤال املرجعية:‏ قضايا فكرية"،‏ من<br />

املوقع االلكرتوني:‏<br />

.http://www.hiramagazine.com/archives/title/231<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 97<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 98<br />

العدد الثاني<br />

2102 جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

أة.‏ خديم أمساء،‏<br />

خمرب البحوث االجتماعية والتارخيية،‏<br />

جامعة معسكر.‏<br />

اقتضت الضرورة املعرفية وخاصة الفلسفية منها أن ولوج أية مسألة<br />

أومقاربة أي إشكالية،أن نتعامل مع املفاهيم باعتبارها أدوات<br />

إبستمولوجية حتظى باملكانة املهمة داخل احلقول املعرفية باخلصوص يف<br />

جمال الدراسات اإلنسانية واألدبية،فاملفهوم مبثابة احملرك األساسي<br />

للمادة العلمية واملعرفية والفنية،بل واحلامل هلذه املادة أيضا.‏<br />

إن هذه اخلصوصية اليت متيز املفهوم جتعلنا نتعامل معه حبرص<br />

شديد،‏ فهو ميلك محولة فكرية وثقافية جتعل منه إنتاجا تارخييا ال<br />

يتعاىل على الزمان واملكان.‏ بل هو يقوم داخل شبكة من العالقات<br />

الفكرية ويتغذى عليها.‏ واملفهوم هو أعلى درجة لتحصيل املعرفة النظرية<br />

والعملية إلجناح اإلنسان يف هذا الكون،‏ ألن املفهوم منظم للحدس<br />

ولإلحساس ‏)مفتاح،م.‏‎1888‎<br />

)64:<br />

وفق هذه االعتبارات جند أن مفهوم املؤسسة الدينية يقوم يف دالالته<br />

وأبعاده على أكثر من مستوى خاصة بوضعه يف إطار أو مرجعية ثقافية<br />

مثل الفكر اإلسالمي ؟وخصوصية هذا الفكر تكمن يف صعوبة موضعة<br />

أي مفهوم داخله إال وفق شروط اإلمكان.‏ مبعنى آخر أن هناك صياغات<br />

لغوية وبالطبع مع ما تعكسه من معاني،ال جتد هلا تأسيسا تأصيليا إال إذا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 99<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

أخضعناها تعسفيا،‏ واألمر كذلك عندما نتحدث عن ما يُعرف باملؤسسة<br />

الدينية.فما مفهوم املؤسسة الدينية؟ وهل ميكن احلديث عن مؤسسة<br />

دينية يف اإلسالم؟وإذا افرتضنا وجودها؛ما دورها وما طبيعة اخلطاب الذي<br />

تنتجه؟وما هي متظهراتها؟وأخريا كيف ميكن هلذه املؤسسات أن تعبِر<br />

وتصيغ جوهر الدين؟<br />

لقد تبني لنا منذ الوهلة األوىل انفراد هذا املفهوم ومتيزه؛ حيث<br />

كان عصيا على التحديد حتديدا دقيقا.لكن ما سهل املهمة هوربطها<br />

مبفهوم الدين باعتباره جامعا لكل األشكال واملمارسات العقائدية.أي أنه<br />

حيتمل مفهوم املؤسسة.‏ بالعودة إىل اللغة العربية جند كلمة الدين مأخوذة<br />

من دان،دانه أي ملكه وحكمه وساسه.أما اصطالحا فكلمة الدين<br />

عندما نربطها بأمة معينة تصبح جمموعة املعتقدات واملبادئ اليت ختضع<br />

هلا تلك األمة،‏ وهذا االعتناق يرتتب عنه ما يُعرف بالتشريع ومع ذلك هناك<br />

اختالف بني أي دين وآخر من حيث ظاهره وباطنه.هذا وجند الالند<br />

يتحدث عن كلمة<br />

religion<br />

باعتبارها تعين يف الالتينية اإلحساس<br />

املصحوب وف وتأنيب ضمري بواجب ما جتاه اآلهلة فلم يكن لدى<br />

القدماء فكرة التوحيد.أما فكرة اإلله الواحد كقوة معنوية فقد أدت<br />

إىل فكرة دين واحد له ميزة معنوية،أخالقية...ففي نظرنا كل دين<br />

هومنظومة كاملة تعرب عن نفسها أنها املنظومة احلقيقية الوحيدة واعتبارا<br />

من هذه اللحظة عربت الكلمة عن ثالث أفكار:فكرة إقرار نظري أو<br />

جمموعة إقرارات نظرية عقلية،فكرة جمموعة أفعال عبادية،‏ فكرة<br />

عالقة مباشرة ومعنوية بني النفس البشرية<br />

واهلل)‏ )Lalande.A.1996 :916<br />

ومن جهة أخرى يتخذ املفهوم عنده داللة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

أخرى حيث يرى أنه ال ميكن للمرء،دون جتاهل العنصر األصلي<br />

واخلصوصي حقا للدين يف وعي اإلنسان الديين،أن يُرد الدين إىل مؤسسة<br />

اجتماعية أوإىل منظومة فردية من املشاعر واالعتقادات والعبادات،وحتى<br />

إىل تركيبة من املبادرات الفردية واالستجابات اجلماعية اليت يكون اهلل<br />

موضوعها<br />

) Lalande.A.1996 :917(<br />

مل ختتلف داللة املفهوم؛ أي الدين عند مجيل صليبا يف معجمه<br />

الفلسفي عندما يشري إىل استخدام القدماء من الفالسفة له للتعبري عن<br />

وضع إهلي يسوق ذوي العقول إىل اخلري.والفرق بني الدين وامللة واملذهب،‏<br />

أن الشريعة من حيث هي مطاعة تسمى دينا ومن حيث أنها جامعة تسمى<br />

ملة ومن حيث أنها يُرجع إليها تسمى مذهبا وقيل الفرق بني الدين وامللة<br />

واملذهب،أن الدين منسوب إىل اهلل تعاىل وامللة منسوبة إىل الرسول<br />

واملذهب منسوب إىل اجملتهد)صليبا.ج.‏‎6451‎<br />

871:<br />

‏(.أما يف الفلسفة<br />

احلديثة فقد تعددت معاني الدين ‏:املعنى األول هو مجلة من اإلدراكات<br />

واالعتقادات واألفعال احلاصلة للنفس من جرّاء حبها هلل وعبادتها إياه<br />

وطاعتها أوامره.‏ صوص املعنى الثاني جند ما عُرف بالدين الطبيعي<br />

Religion naturelle<br />

وهوما أطلق يف القرن<br />

65<br />

على االعتقاد بوجود اهلل<br />

وخرييته،‏ وبروحانية النفس وخلودها وبإلزامية فعل اخلري انطالقا من وحي<br />

الضمري ونور العقل.وعلى صعيد آخر جند معنى ثالث يتجاوز الفرد إىل<br />

اجلماعة حيث يعترب الدين مؤسسة اجتماعية تضم أفرادا يتحلون<br />

بالصفات التالية:قبوهلم بعض األحكام املشرتكة وقيامهم ببعض الشعائر<br />

ثانيا إميانهم بقيم مطلقة وحرصهم على احلفاظ على ذلك اإلميان.أما ثالثا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

فاعتقادهم أن اإلنسان متصل بقوة روحية أعلى منه مفارقة هلذا العامل أو<br />

سارية فيه،كثرية أو موحدة)صليبا.ج.‏‎6451‎<br />

.)871:<br />

عندما نتوقف يف هذا املستوى،أي ربط الدين باجملتمع وجعله<br />

كعامل يشرتك فيه األفراد يف عالقة تكاملية حبيث تغيب تلك الصورة<br />

اليت تعكس صفة التفرد على ارتباط اإلنسان باهلل لتحوهلا إىل نوع من<br />

املشاركة والتماهي مع اآلخر أي اجلموع البشرية.هذه الرؤية اتضحت لنا<br />

من خالل التعاريف السابقة كما سنجدها لدى بعض املفكرين<br />

الغربيني؛حيث اعترب دوركايم<br />

Durkheim<br />

الدين عبارة عن نظام متسق<br />

من املعتقدات واملمارسات اليت تدور حول موضوعات مقدسة جيري عزهلا<br />

عن الوسط الدنيوي،وحتاط بشتى أنواع التحريم وهذه املعتقدات<br />

واملمارسات جتمع كل املؤمنني بها يف معنوية واحدة تدعى الكنيسة<br />

)65: 1960.E ‏.‏Durkheim‏(.وعلى خالف دوركايم يعترب ماكس فيرب<br />

Weber<br />

أن املمارسة الدينية هي ممارسة حنو العامل األرضي،‏ وأنها تتسم<br />

بالعقالنية وعلى هذا يعترب أن املسيحية الغربية كانت متلك قابلية للعقلنة<br />

حيث يقول ‏:"ليس من قبيل الصدفة كون املسيحية الغربية قد استطاعت<br />

أن تبين الهوتها بشكل منهجي أكثر،وبطريقة معاكسة لعناصر<br />

الالهوت الذي جنده عند اليهودية،بل إنها أعطته تطورا ذا معنى<br />

تارخيي...فالالهوت هو"عقلنة"‏ فكرية لإلهلام الديين ‏")فيرب.م.‏‎6451‎<br />

14:<br />

‏(.وقد خلص إىل هذا االستنتاج انطالقا من قناعته بأن اإلنسان انتقل من<br />

مستوى التفكري السحري الالمعقول إىل مستوى التفكري الديين<br />

العقالني وذلك بعد تعرفه على العلوم وانفتاحه عليها،‏ وهذا جعله ينتقل<br />

إىل الربوتستانتية حيث نزعت الصبغة اإلكلريوسية عن املسيحية وإضعاف<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

السلطة االجتماعية لإلكلريوس املسيحي،وبناءا عليه مت تأكيد حقوق<br />

الفرد واالعرتاف حبريته يف العبادة دون وساطة رجال الدين.‏<br />

إن احلديث عن انتقال اإلنسان األوروبي من املستوى اإلعتقادي يف<br />

الدين إىل املستوى االنتقادي يقودنا إىل حتليل عناصر ذلك التحول الذي<br />

تزامن مع قيام املشروع النهضوي ثم تاله الفكر التنويري،وهي مشاريع<br />

حددت مجلة من األهداف أهمها ختليص اإلنسان من القوى الظالمية اليت<br />

سيطرت عليه خالل فرتة القرون الوسطى واملمثلة حتديدا يف<br />

الكنيسة،هذا من جهة ومن جهة أخرى حتريره من كل سلطة خارجية<br />

ميكنها أن متلي عليه أفعاله وحتول دون استخدامه لعقله.‏ إنه حتوّل مهم<br />

يف حياة اإلنسان األوربي،الذي ما كان ليملك تلك اجلرأة يف التناول<br />

العقلي للدين يف حضور سلطة الكنيسة،ثم جنده يعلن عن رغبته هذه<br />

مؤكدا أن الطبيعة بكل تفاعالتها حتتاج إىل وصاية العقل الذي ينظمها<br />

ويوحدها وهذا التصور جنده يتفق مع عقلية العلماء املنحدرين من<br />

النهضة)دوكاسيه.ب.‏‎6451‎<br />

)49:<br />

إن هذا احلضور القوي للعقل سيمتد بعيدا،‏ حيث مل يقتصر على<br />

فهم معطيات الواقع وال تتبع احلقيقة العلمية من وراء الظاهرة<br />

الطبيعية،بل إنه سيصبح الوسيلة اليت تشق للنفس طريق االهتداء إىل<br />

اإلميان،فهو الذي يكشف قيمة اإلميان الالمتناهية وجيعل القلب<br />

يتحسس هذه القيمة)دوكاسيه.ب.‏‎6451‎<br />

) 661:<br />

إذا كانت العالقة بني العقل والدين يف صورتها األولية،عالقة فهم<br />

واكتشاف فإنها حتولت فيما بعد إىل أمناط خمتلفة من التفكري،فهي<br />

جتسدت يف مواقف إما تشكيكية أو رافضة ويف أحيان أخرى<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

إصالحية.وعلى العموم فإن هذه املواقف رغم تباين مفاهيمها وتأويالتها إال<br />

أنها تتفق على رفضها للصيغة الغيبية اليت متيز بها الدين.‏<br />

وهكذا عرفت مسألة الدين حتوال كبريا بعد اجتياح العلوم لساحة<br />

الفكر سواء من حيث طبيعة األسئلة املطروحة،أومن حيث فهم وتصور<br />

فكرة اهلل.ألن مجلة التغريات الثقافية ستسمح للتيولوجيا بدخول ثورة<br />

جذرية للتفكري يف هذا املفهوم )267: Hoffe.O.1993‎‏(حيث تنظر<br />

املسيحية نظرة جديدة له،فلم يعد وجودا مفارقا أوغاية يسعى اإلنسان<br />

إليها،بل خالفا لذلك تصورت ن اهلل هو الذي يهبط إىل األرض ليعيش مع<br />

الناس باسطا يده ملساعدتهم<br />

) Piguet.J.C.1985 :237)<br />

إن هذه النقلة<br />

يف حتديد مفهوم املطلق داخل الفضاء املسيحي،‏ أعادت تركيب العالقة<br />

بني اإلنسان واهلل وذلك من مستوى املعرفة إىل مستوى احملبة.فاإلنسان ال<br />

ميكنه أن يتعرف على اهلل إال من خالل حمبته<br />

) Piguet.J.C.1985 :238(<br />

احلديث عن احملبة يف املسيحية يقودنا بالضرورة إىل ذلك التقارب<br />

الذي حدث بني طريف العالقة،ألن احملبة متبادلة مما يسمح بتجسد اهلل يف<br />

صورة إنسان،وبالتالي تتغري بذلك منزلة اإلنسان داخل التاريخ ألنه ميثل<br />

الصورة املثلى اليت ميكن هلل أن يظهر فيها فيبدومن أكثر الكائنات<br />

قربا منه مما يعزز ثقته بنفسه.‏<br />

إن هذا التغري الذي عرفته منزلة اإلنسان يف الفكر األوربي كان<br />

له انعكاسه على الكنيسة اليت فقدت مقابل ذلك مركزيتها وهيمنتها<br />

على احلياة االجتماعية والفكرية.وهنا ستتواىل اخلطابات الفلسفية اليت<br />

تتحول فيما بعد إىل نظريات تعمل على هدم أوإعادة قراءة للرتاث الديين<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

الذي خلفته الكنيسة.‏ وبناءا عليه أفرز هذا الوضع مجلة من الفلسفات<br />

الدينية املتعددة والثرية حيث مسحت لإلنسان بفهم وكشف حقائق الدين<br />

خاصة اليهودية واملسيحية،كما انتقل الفكر الديين من املستوى النظري<br />

إىل العملي،وبعد ما كان حكرا على رجال الدين أصبح موضوعا<br />

للدراسة والفهم عند العلماء والفالسفة ومت إيصاله إىل عامة الناس بالطرق<br />

األبسط.‏<br />

من خالل ما استعرضناه من تغريات يف بنية الفكر األوربي تبني لنا<br />

أن العلم هواحملرك األساسي لتلك ‏"الثورة"‏ إن صح لنا هذا التعبري،‏ حيث<br />

مت مبوجبه فصل عامل ما فوق القمر ‏)الالهوت(‏ عن عامل ما حتت<br />

القمر)احلياة االجتماعية(.‏ أما عندما نتحدث عن الفضاء العربي اإلسالمي<br />

فاألمر خمتلف،‏ وحتى نتفادى الوقوع حتت تأثري سحر التجربة الغربية من<br />

الضروري إبعاد أي مقارنة أو إسقاط لنموذج على آخر.لكن ال ميكن<br />

كنتيجة لذلك أن نهمل ذلك التواصل الذي حدث بني احلضارتني<br />

اإلسالمية والغربية من جهة،وكذلك حقيقة أن النهضة والتقدم العلمي<br />

اللذان عرفتهما احلضارة اإلسالمية كانا أيضا عاملني أساسيني يف قيام<br />

مثل تلك احلضارة عند املسلمني؛وهذا ما يقرّب التصورات وجيعل مقاربة<br />

احلضارتني واستحضارهما معا ممكنة.ومع هذه اإلمكانية البد من<br />

التمييز بني معطيات الثقافة الغربية ومعطيات الثقافة اإلسالمية،فالفصل<br />

الذي مت عند الغرب بني السلطة الروحية املمثلة يف الكنيسة وبني السلطة<br />

الزمنية املمثلة يف الدولة،ليس له ما يقابله يف اإلسالم.مبعنى آخر،أننا مل<br />

نعرف يف تارخينا املاضي جتربة مماثلة يف سيطرة املؤسسة الدينية على<br />

الدولة وعلى األفراد مما يقتضي ضرورة الفصل بني الدين<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

والدولة،وفكرة العلمانية اليت نادت بها أوربا ما كانت لتكون لوال<br />

اهليمنة الكنسية اليت سادت يف العصور الوسطى.وال غرابة يف ما ذهب<br />

إليه األستاذ اجلابري عندما قال أن الدول العربية اليوم،ومنذ قيام هذه<br />

‏"يف قوانينها<br />

‏"علمانية الدول ككيانات حديثة ومستقلة،كلها دول وحتى الدول اليت تتخذ من إعالن<br />

وسلوكها وسياستها الداخلية.‏ وإيديولوجيا هلا،فإنها يف الواقع العملي<br />

التمسك باإلسالم شعارا سياسيا ‏"علمانية"إىل حد كبري)اجلابري،م،ع.‏‎1868‎<br />

) 688:<br />

وبالنظر إىل واقع احلياة االجتماعية والسياسية يف اجلزائر أويف أي<br />

دولة عربية ال نلمس حضورا قويا للمؤسسة الدينية إال من خالل بعض<br />

األشكال و التمظهرات؛ كاالحتفاالت الدينية اليت تتخللها أنشطة<br />

اجلمعيات ذات الطابع الديين أو الزوايا،وكذلك دروس الذكر يف<br />

املساجد واليت غالبا ما تكون يف شهر رمضان أويف أية مناسبة دينية.‏ من<br />

جهة أخرى جند أن خطاب املؤسسة الدينية أُختزل يف الفقه وحتديدا<br />

اإلفتاء،طبعا ال ميكن إنكار أهمية ذلك يف جمتمعاتنا خاصة يف الوقت<br />

الراهن،لكن أليس جديرا أيضا أن يبحث الفقهاء مسائل أخرى حنن يف<br />

أمس احلاجة هلا كفهم القرآن نفسه من حيث البيان واإلعجاز اللغوي<br />

والعلمي الذي تضمنه،وهذا ما جيعل أمور التفسري هينة وممكنة.ملاذا ال<br />

يتم ربط النص القرآني حبمولته البيانية والعلمية والفقهية بالواقع؟ كيف<br />

ميكن تفسري تلك الكثافة الدينية اليت تعج بها الكتب ووسائل اإلعالم،‏<br />

بينما يف مقابل ذلك نرى جتاوزات أخالقية واجتماعية أكثر بكثري من<br />

املاضي،‏ أي حني كان اإلنسان يعيش على سجيته؟ ملاذا مل تستطع رسائل<br />

وخطابات الفقهاء أن حتد من املمارسات غري األخالقية كاحنراف بعض<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

الشباب،‏ والرشوة وكل مظاهر الفساد اليت عرفتها جمتمعاتنا؟وأين<br />

يكمن اخللل،هل هويف املتلقي،أم يف سبل إيصال اخلطاب،يف اخلطاب<br />

نفسه،أم تُراه يف صاحب اخلطاب)الفقيه(؟<br />

أيا كانت اإلجابة،أجدني يف أمس احلاجة إىل أن أقف على<br />

األرضية احلقيقية ملفهوم املؤسسة الدينية،ويف حماولة منا للتنقيب عن<br />

أسباب أوسبب هذا الغياب،‏ غياب السلطة الدينية عن توجيه احلراك<br />

االجتماعي والتدخل يف صنع آليات تسيري العالقات بني األفراد وكذا<br />

باقي املؤسسات األخرى.فاملؤسسة الدينية تعد متثال للدين أوهي متظهر<br />

نسيب ملا هو مطلق،قد يعتقد البعض أن الدين ال ميكن أن متثله<br />

مؤسسة،مبعنى غري قابل للمأسسة.لكن من شروط انتشار أي دين جند<br />

ضرورة إنتاج فئة ختتص مبعرفة أفضل للتعاليم أو بكونها قدوة للمجتمع<br />

مهمتها فهم الدين والعمل على إرشاد الناس إىل الفهم الصحيح منه.أهم<br />

وأوىل تلك املهام ضبط النص واالجتهاد فيه فهما وتفسريا واستخالصا ملا<br />

فيه من مبادئ وتشريعات،أما مجلة الوظائف اليت ختول هلا التعبري عن<br />

حقيقة الدين فهي متعددة كالوظيفة الروحية بتطبيق تعاليم<br />

الدين،الوظيفة التعليمية،‏ التشريع والقضاء،اإلرشاد األخالقي واملشاركة<br />

يف احلكم باسم الشورى.‏ وحتقيق مثل هذه األغراض يقتضي وبصورة<br />

ملحّة مواكبة راهنية العصر؛مبعنى أن حيتكم الفقيه أو العامل على<br />

الرؤية العلمية املوجهة وفق املناهج واملعايري الدقيقة،‏ ويف مقابل ذلك يبتعد<br />

عن التفسريات املشوبة باخلرافة وسوء التقدير.‏ وقد وصف األستاذ طه<br />

عبد الرمحن ما عُرف باليقظة الدينية اليت دخل فيها العامل اإلسالمي يف<br />

العقدين األخريين،‏ على انتشارها يف اآلفاق وتأثريها يف النفوس،أنها<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الوجود بالقوة والوجود بالفعل<br />

خديم أمساء<br />

تفتقر إىل سند فكري حمرّر على شروط املناهج العقلية واملعايري العلمية<br />

املستجدة،‏ فال نكاد نظفر عند أهلها ال بتأطري منهجي حمكم وال<br />

بتنظري علمي منتج،‏ وال بتبصري فلسفي مؤسّس ‏)عبد الرمحن،‏ ط.‏<br />

1881<br />

.)<br />

84:<br />

فبانفتاح رجل الدين على روح العصر حيقق تكامال بني ما هو<br />

روحي وما ينزع حنو املادية يف سبيل تفعيل التنظري الديين على أرض الواقع<br />

وجتاوز كل أشكال التفكري الشمولي والطوباوي.‏<br />

قائمة القواميس واملراجع :<br />

القواميس :<br />

1. Lalande، André، (1996).Vocabulaire technique et critique de la<br />

philosophie، 18 éme édition، Paris : PUF.<br />

.2<br />

صليبا،‏ مجيل )1892(. املعجم الفلسفي ج‎1‎‏،‏ بريوت:‏ دار الكتاب اللبناني.‏<br />

املراجع :<br />

.1<br />

.2<br />

اجلابري،حممد عابد،)‏‎2212‎‏(‏<br />

دراسات الوحدة العربية.‏<br />

عبد الرمحن،طه،)‏‎2221‎<br />

)<br />

إشكاليات الفكر العربي املعاصر،ط‎21‎‏،بريوت<br />

العمل الديين وجتديد العقل،‏ ط‎21‎‏،الدار البيضاء<br />

:<br />

.2<br />

الثقايف العربي.‏<br />

مفتاح،حممد،وجمموعة من الباحثني<br />

)2222(<br />

.1<br />

‏:منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية.‏<br />

‏:مركز<br />

املركز<br />

املفاهيم تكوّنها وسريورتها،ط‎1‎‏،الرباط<br />

فيرب،ماكس،)‏‎1892‎‏(‏ رجل العلم ورجل السياسة،تر:‏ نادر ذكري،القاهرة<br />

دار احلقيقة.‏ :<br />

5. Durkheim، Emile (1960)، Les formes élémentaires de la vie religieuse،<br />

4 éme édition، Paris : PUF.<br />

6. Hoffe، Otfried، (1993) Introduction à la philosophie pratique de Kant<br />

،Paris :librairie philosophique، J.Vrin.<br />

7. Piguet، Jean-Claude(6458) Ou va la philosophie et d’où vient –elle ?<br />

Suisse : Editions de la Baconnière.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

املركز اجلامعي غرداية.‏<br />

مقدمة:‏<br />

لقد كثر احلديث مؤخرا عن التغريات االجتماعية اليت مست<br />

اجملتمع اجلزائري اليت أفرزت العديد من الظواهر الغريبة عن اهلوية<br />

احلضارية والدينية للمجتمع اجلزائري.ومن أبرز تلك الظواهر زيادة<br />

االحنراف وتغييب القيم األخالقية اليت حافظت على النظام االجتماعي<br />

الذي كان قائما يف ظل هذه التغريات اليت مست العديد من املؤسسات<br />

االجتماعية منها األسرة،‏ ولرمبا يربز اخلطاب الديين بشكل قوي ليحدد<br />

مدى التباين واالختالف احلاصل بني الشرائح االجتماعية،حيث أن البعض<br />

يفسر دينه حسب أوضاعه وحاجاته اخلاصة باألسرة حبكم أنها املكون<br />

األول واألخري هلذا اجملتمع.‏<br />

وقد كان لتعدد اخلطابات الدينية اليت تتبناها احلركات<br />

اإلسالمية أثر يف ظهور منط تربوي غريب عن النمط التقليدي السائد يف<br />

اجلزائر،ويتجلى هذا يف البعد الرتبوي وذلك من خالل توجيه السلوك يف<br />

احلياة العامة واخلاصة بوصفه ثقافة وعبادة،ولعل ظاهرة احلركات<br />

اإلسالمية وامتداداتها الرتبوية خاصة على مستوى األسرة نظرا للمرجعية<br />

الدينية لآلباء،‏ قد أسالت الكثري من احلرب واسرتعت اهتمام األطر<br />

االجتماعية ملا هلا من أثر بليغ على التوجهات الفكرية الدينية لآلباء.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

من خالل ذلك جاءت هذه الدراسة لتساهم ولو بالقدر القليل يف<br />

حتليل وفهم اخلطاب الديين هلذه احلركات،‏ البعد الرتبوي الذي حيمله<br />

خاصة على مستوى األسرة اجلزائرية مع تعدد خمتلف القنوات املساهمة<br />

يف تربية األوالد،‏ كذلك تعدد املرجعات الرتبوية يف ذلك من وسائل إعالم<br />

خطب ومفاهيم مل تكن موجودة يف اجملتمع اجلزائري بقوة مما يؤدي إىل<br />

وجود تنوع واختالف يف النمط الذي تتبناه األسر إىل جانب جمموعات<br />

اجتماعية دون أخرى.‏ يف هذا الصدد بعيدا عن طموحات األبناء اليت تزداد<br />

ميوالتهم وكذا رغباتهم ملعرفة أكثر عن انتمائهم احلضاري ألن األسرة<br />

تعترب أكثر البيئات تعبريا عن الوضعية االجتماعية واالقتصادية،‏ وكذلك<br />

االنتماءات اجلغرافية والثقافية للمجتمع اجلزائري.‏<br />

ومن خالل هذا الطرح املوجز حاولنا تفكيك هذا املوضوع وذلك<br />

بطرح تساؤالت أبرزها:‏<br />

هل التباين يف اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية حيدد النمط<br />

الرتبوي لألسرة ؟وهل اخلطاب الديين للمنتمي للحركة السلفية يتحكم<br />

يف حتديد نوع التنشئة االجتماعية ألسرته؟هل للمنتمي حلركة اإلخوان<br />

املسلمني أكثر استقرارا مع أوالده وزوجته مقارنة مع الذي ينتمي<br />

للحركة السلفية؟ إىل أي مدى تراجع الدور الرتبوي لألسرة التقليدية أمام<br />

تعدد اخلطاب الديين هلذه احلركات اإلسالمية وتأثريها على التنشئة<br />

االجتماعية؟ ما هي اآلليات اليت ينتهجها املنتمني هلذه احلركات يف<br />

تنشئتهم أبنائهم؟ هل السلطة األبوية لألب السلفي ختتلف عند األب الذي<br />

ينتمي لإلخوان املسلمني؟<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

-0<br />

التأسيس املفاهيمي:‏<br />

من الضرورة مبكان وضع داخل هذه الدراسة تعريف املصطلحات<br />

اليت حتويها وذلك من أجل<br />

اجلوانب ميدانية للموضوع.‏<br />

معان<br />

أ-‏<br />

منها:‏<br />

الوقوف على معانيها بدقة،ثم االنتقال إىل<br />

الرتبية:‏ يتضمن املعنى اللغوي لكلمة تربية يف اللغة العربية عدة<br />

النمو<br />

والزيادة،‏<br />

لسان العرب البن منظور<br />

تعاىل:)‏<br />

يربي الصدقات(‏<br />

:<br />

والتغذية،‏<br />

: ربا الشيء<br />

فيهم ‏)خليف يوسف الطراونة،‏ 1(. 2221:<br />

املعجم تربي<br />

إن ربيته تربية<br />

نشأ أي<br />

التنشئة،‏<br />

التثقيف،حيث جاء يف<br />

زاد و منا،‏ ورابيته منيته،قال<br />

أي يزيدها نقول ربيت يف بين فالن أي نشأت<br />

تعين غدوته<br />

تغذى وتثقف<br />

نعين منا قواه اجلسمية،‏ العقلية<br />

يف اللغات أما<br />

األجنبية<br />

هذا كل ما ينمى كالولد الزوج يف<br />

‏)الزخمشري،‏<br />

218(، ورباه:‏<br />

:1811<br />

لقية.‏ . خلا<br />

فلدينا<br />

مصطلحان<br />

.Éducation –<br />

:<br />

pédagogie<br />

:Pédagogie كلمة يونانية مكونة من مقطعني<br />

péd<br />

يعين :<br />

طفل agogus مبعين قيادة أو التوجيه البيداجوج عند اإلغريق املربي أو<br />

املشرف على تربية األوالد،فهي تعين إذن فعل التوجيه والقيادة<br />

،de conduire وتشري بعض املراجع أن املقصود بفعل<br />

قيادة<br />

الطفل من<br />

طرف شخص<br />

املدرسة إىل معني<br />

l'action<br />

القيادة هنا<br />

‏)رشا بسام،‏<br />

هو<br />

:2221<br />

.)27<br />

ب-‏<br />

األسرة:‏ هي جمموعة من النسيقات،‏ مثل نسيق األم والطفل،‏<br />

نسيق األخوة،‏ ونسيق الزوجني ويتألف النسيق غالبا من شخصني تنظم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 000<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

بينهما جمموعة من القيم االجتماعية،‏ وأن نسيق األم والطفل أكثر<br />

النسيقات ختصصا يف اجملتمع"‏<br />

بينما يقول بريجس و لوك<br />

‏)مصطفى اخلشاب،‏ 99(. 1891:<br />

"<br />

فاألسرة جمموعة من األشخاص<br />

يرتبطون معا بروابط الزواج أو الدم أو التبين ويعيشون يف منزل واحد<br />

ويتفاعلون معا وفقا ألدوار اجتماعية ويعملون على احملافظة على منط<br />

ثقايف واحد".‏ ( عبد اهلل عبد الرمحن،‏ 211(. 1888:<br />

وجند تعريف كينكزلي<br />

ديفز)‏Davis ) KINGGSLEY<br />

لألسرة كما يلي"‏ ‏:إنها مجاعة من األفراد تربطهم روابط دموية<br />

واجتماعية متماسكة"‏ ‏)بريي الوحيشي امحد،‏ 19(. 1889:<br />

أما مريدوك)‏MURDOK<br />

)<br />

فريى أنها"مجاعة اجتماعية،‏ تتميز<br />

مبكان إقامة مشرتك،‏ وتعاون اقتصادي ووظيفة تكاثرية،‏ ويوجد بني<br />

اثنني من أعضائها على األقل عالقة جنسية يعرتف بها اجملتمع،‏ وتتكون<br />

األسرة على األقل من ذكر بالغ وأنثى بالغة،‏ وطفل سواء كان من<br />

نسلمها أو عن طريق التبين"‏ ‏)وصفي عاطف،‏ 11(. 1871:<br />

ج-‏ مفهوم اخلطاب الديين<br />

يتفق بعض الباحثني يف اخلطاب الديين بأن املقصود به هو:‏ ‏"توجيه<br />

الكالم املتعلق بأمور الدين حنو الغري إلفهامه ثم تنقل إىل ما يقع به<br />

التخاطب أو الكالم املقصود منه إفهام من هو متهيئ لفهمه " ‏)علي عبد<br />

السميع حسني،‏ 21(. 2221:<br />

عرفه األصفهاني:"‏ بأنه توجيه ما أفاد حنو املستمع أو من يف<br />

حكمه"‏ ‏)األصفهاني،‏<br />

)19 :1888<br />

والعادة والشأن،‏ الدين الطاعة ومنه الدين اصطالحا.‏<br />

الديين نسبة للدين والدين يف اللغة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 002<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

وصل بعض الباحثني إىل تعريف الدين بأنه ‏"وضع إهلي سائق لذوي<br />

العقول السليمة باختيارهم إىل الصالح يف احلال والفالح يف املآل"‏ ‏)حممد<br />

عبد اهلل،‏ 22( 1872:<br />

د-‏ السلفية:‏<br />

مصطلح السلفية من املصطلحات اليت حييط مبضمونها الغموض<br />

وبالتحديد يف عدد من الدوائر الفكرية والسياسية يف الواقع العربي<br />

واإلسالمي املعاصر،‏ حيث يرى البعض يف<br />

: السلفيني"‏ " و " السلفية "<br />

التيار احملافظ واجلامد،‏ بل والرجعي يف حياتنا الفكرية ويف اجلانب<br />

الفكري الديين منها على وجه اخلصوص،‏ يف حني يرى البعض اآلخر أن"‏<br />

السلفية"‏ تعترب من بني التيارات األكثر حتررا من فكر اخلرافة والبدع<br />

ومن األكثر حتررا واستنارة يف جمال الفكر الديين بالذات ‏)أمحد<br />

عمارة،‏ .)22 :1887<br />

- ه<br />

اإلخوان املسلمون:‏<br />

انفجرت أحداث أكتوبر<br />

1899<br />

اليت جاءت بدستور<br />

22<br />

1898<br />

فيفري<br />

والذي من خالله دخلت البالد عهد التعددية السياسية،‏ وقبلها<br />

كانت مجاعة اإلخوان املسلمون يف اجلزائر قد بادرت بتشكيل مجعية<br />

خريية مستها ‏"مجعية اإلرشاد واإلصالح"‏ وقد لعبت دورا بارزا يف توجيه<br />

األحداث والتكفل باجلانب االجتماعي،‏ مع العلم أن إطارات ومجاعة<br />

اإلخوان املسلمون كان هلم باع طويل يف مايسمى املبادرة االجتماعية ولعل<br />

اجلماعة تعترب أكثر احلركات فعالية وتأثريا يف الظاهرة اإلسالمية<br />

خالل الثمانينات واستقطاب شرائح كبرية من اجملتمع ألنه كان ميثل<br />

اإلسالم احلركي الذي خياطب الواقع يف اجلزائر خالل هذه األحداث<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

برز أسم حمفوظ حنناح حينما وجه خطابا رفقة زعماء التيار اإلسالمي<br />

بتحميله أجهزة الدولة مسؤولية األوضاع اليت آلت إليها األوضاع ومن<br />

ضرورة الوصول إىل حل لألزمة الراهنة من خالل الدعوة إىل املشاركة يف<br />

حوار وطين<br />

.(Abdelhamid boumezbar, Azine Djamila, 2002: 79)<br />

-2<br />

بعدما استعرضنا أهم املفاهيم السوسيولوجيا اليت قمنا<br />

باستخدامها داخل دراستنا،سوف ننتقل إىل الدراسة امليدانية لكن قبل<br />

ذلك سنتطرق ألهم احملددات املنهجية واليت تتمثل يف العينة واملنهج وأدوات<br />

مجع املعلومة.‏<br />

مدخل منهجي:‏<br />

كانت اختيارنا بلدية غرداية واليت يقطنها ما يقارب<br />

ساكن ‏)مديرية التخطيط والتعمري،‏ غرداية،‏<br />

122<br />

)2221<br />

ألف<br />

نظرا ألنها متتاز<br />

بنوع من الفسيفساء الدينية التقليدية واحلديثة سواء من ناحية املذهبية<br />

الدينية املذهبية املالكية و اإلباضية،‏ أو من ناحية احلركات اإلصالحية<br />

مجاعة اإلخوان،اجلماعات الصوفية،‏ مجاعة الدعوة والتبليغ واحلركة<br />

السلفية حيث تشهد انتشار متسارعا من سنة ألخرى وبشكل يدعوا لطرح<br />

عديد األسئلة،‏ فال ميكن اليوم أن ختلو من مظاهر التدين على الطريقة<br />

السلفية الوهابية من خالل إعفاء اللحى،‏ وتقصري السراويل،‏ وإرتداء<br />

األقمصة،‏ أو من الطرح اإلخواني من خالل املمارسة السياسية<br />

واالجتماعية واألنشطة الثقافية،‏ فهي تزداد توسعا أكثر فأكثر من كل<br />

البيئات والطبقات االجتماعية،لتكون بيئات بديلة عن البيئة األسرية<br />

التقليدية اليت كانت حتدد االنتماء االجتماعي،لتأخذ هذه البيئات<br />

اجلديدة دورا يف حتديد العالقات األسرية وتنشئة األوالد،‏ واليت كانت<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

-1<br />

تستند على العرف أو التقاليد بشكل كبري،‏ ليدخل الدين أو الفكر<br />

الديين املستند هلذه املرجعيات بشكل قوي وفق ما تعلمه سابقا وما<br />

سيختاره الحقا.‏<br />

وقد اخرتنا على مستوى األحياء كل من حي الثنية وحي احلاج<br />

مسعود،‏ هذا نظرا لالعتبارات التالية:‏<br />

وجود كثافة سكانية عالية مقارنة باألحياء األخرى مما<br />

يسمح بإجراء الدراسة فحي الثنية يقطنه حوالي<br />

احلاج مسعود حوالي<br />

22<br />

11<br />

غرداية،‏ 2221(.<br />

-2<br />

ألف ساكنا وحي<br />

ألف ساكنا ‏)مديرية التخطيط والتعمري،‏<br />

تارخيا كال احليني يعتربان معقال للجماعات والتيارات<br />

اإلسالمية واملرجعية الدينية حلركة اإلخوان والتيار السلفي،‏ حيث<br />

نستطيع القول أن هذه األحياء مكان جيد ومنطقة النتشار اإلسالميني.‏<br />

قد أكدت الكثري من الدراسات الراهنة على هذه الفرضية أن هذه<br />

الفئات تعترب الدين هو منفذها بعد أن عجزت عن اللحاق بالتحضر الذي<br />

أصبح يتطلب االرتقاء االقتصادي،‏ فالعلم مل يعد مقياس من مقاييسه يف<br />

ظل التحوالت والتغريات اليت تصيب اجملتمع يف كل األنساق<br />

السوسيوثقافية واالقتصادية وحتى الدينية للتخلص من الفقر والتخلف.‏<br />

وبعد حتديدنا اجملال املكاني الذي أجرينا به الدراسة قمنا<br />

باستخدام أداة االستمارة وهي األكثر شهر يف البحوث السوسيولوجيا<br />

حيث قمنا بتوزيعها على أفراد العينة،حيث بلغت حوالي<br />

وألغينا منها<br />

221<br />

21<br />

استمارة<br />

استمارة ألسباب منهجية حمضة،وبعد ما قمنا بتوزيعها<br />

واجهتنا بعض الصعوبات منها عدم تقبل بعض املبحوثني وخاصة من<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

السلفية اإلجابة على حمتوى االستمارة وهذا رمبا يرجع لكون اجملتمع<br />

الغرداوي مازال مل يتعود على مثل هذه البحوث اإلمربيقية،‏ وقد دامت مدة<br />

التوزيع واالسرتجاع حوالي<br />

21<br />

أشهر ابتداء من ماي إىل سبتمرب،‏ وهي<br />

الفرتة اليت يتخللها رمضان حيث يربز أصحاب هذا التوجه بشكل قوي<br />

من أجل التعبد خصوصا يف هذا الشهر مما يتيح لنا االلتقاء بهم.‏<br />

أما بالنسبة للعينة فقد تكونت من<br />

222<br />

أب موزعني على<br />

122<br />

-1<br />

-2<br />

فرد ميثلون االجتاه اإلخواني،‏ و‎122‎ فرد ميثلون االجتاه السلفي موزعني<br />

على أحياء احلاج مسعود وحي الثنية نظرا لوجود هذه املرجعيات بنسب<br />

بارزة مقارنة بأحياء أخرى.‏<br />

التحقيق امليداني:‏<br />

قمنا بتقسيم اجلزء امليداني إىل شقني وذلك من أجل تفصيل بدقة<br />

متغريات الدراسة،‏ حيث سنتناول هذه الدراسة ميدانيا كما يلي:‏<br />

‎1‎‏(االستقرار األسري واخلطاب الديين:‏<br />

أ-‏ الدخل واالستقرار األسري:‏ يلعب الدخل دورا كبريا يف قوة<br />

العالقات األسرية نظرا ألنه يعترب أحد العوامل املساعدة يف حل الكثري<br />

من املشاكل املرتبطة مبدى توفري حاجيات األسرة،‏ ولذا قمنا بإدخاله<br />

لنوضح هل له دور رئيسي يف حل اخلالفات بينهما أم أن ذلك يرجع إىل<br />

عوامل أخرى.‏<br />

معرفة العالقة بني الزوجني هل ختضع إىل قيم معنوية أساسها<br />

وجود تآلف أسري،‏ أم أنها قائمة على اجلانب املادي وهل اخلالفات<br />

الزوجية ترجع بالدرجة األولي إىل القصور يف هذا اجلانب،واجلدول التالي<br />

يوضح عالقة الدخل األسري وتأثريها على حل اخلالفات.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 001<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

جدول رقم<br />

:)10(<br />

يوضح العالقة بني الدخل األسري وكيفية حل<br />

اخلالفات الزوجية حسب االجتاه.‏<br />

-<br />

ومن خالل النسب اإلحصائية داخل اجلدول نالحظ أن:‏<br />

الزوج اإلخواني كلما تناقص دخله زاد حل اخلالفات بينهما<br />

بواسطة الرتاضي،بينما الزوج السلفي كلما زاد الدخل توجه الزوج حنو<br />

الرتاضي مع زوجته.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 007<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

إن أكرب نسبة من االجتاه اإلخواني أجابت مبعدل<br />

بأنها % 71<br />

حتل خالفاتها عن طريق الرتاضي بينما نالحظ أنه كلما كان الدخل<br />

غري حمدد زادت النسبة يف حني كلما زاد الدخل قلت نسبة الرتاضي بني<br />

الزوجني.‏<br />

ورغم أن الكثري من عينة اإلخوان جلأت إىل احلل املرتبط بالتفاهم<br />

بني الزوجني إال أن نسبة منهم فضلت اللجوء إىل األهل يف حالة حدوث<br />

مشاكل،‏ مما يدل على أن الغالبية العظمى من هذه العينة يكون<br />

اخلالف بينهما حول أمور ميكن تداركها بني الزوجني مما يبني على أن<br />

هناك قاعدة من احلوار والتفاهم املتبادل بني الزوجني أو مانسميه نوع من<br />

االرتباط العضوي بينهما،‏ وأن هناك استقرار أسري له جوانب عدة مرتبط<br />

بالعشرة الزوجية.‏<br />

يف املقابل جند أن نسبة املبحوثني من عينة السلفية ترتفع فيها<br />

النسبة من ذوي الدخل الغري حمدد والدخل املرتفع مقارنة مع الدخل<br />

املنخفض اليت صرحت<br />

% 12<br />

من فئة الدخل اقل من ‎120222‎دج،‏ وأنه يف<br />

حالة اخلالف يلجأ الزوج إىل التهديد بالطالق أو يهجرها من هنا نالحظ<br />

أن اجلانب املادي يف هذه الفئة له أكرب التأثري يف العالقات الزوجية بسبب<br />

الضغوطات اليت تتعرض هلا من جراء الوضع االقتصادي الذي تعيشه<br />

البالد،‏ ومن طبيعة الوضع االجتماعي الذي تعانيه البالد عموما.‏<br />

واملالحظة الثانية هو أن الزوج يهددها بالطالق وهو يعترب حالة<br />

شخصية مرتبطة بالفرد،‏ بينما فضلت نسبة منهم اللجوء هلجر الزوجة وهو<br />

عقاب يوافق النص الديين قال اهلل ‏"و اهجروهن يف املضاجع<br />

‏)النساء:‏ "<br />

12( مما يبني أن أصحاب التوجه السلفي يلجأون إىل األمور الشرعية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 008<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

ويتبنوها يف حالة وقوع اخلالفات األسرية أو تأثر العالقات الزوجية،‏<br />

وعموما من خالل النسب املوجودة يف كال التوجهني نالحظ أن الدخل<br />

ليس له تأثري يف االستقرار العائلي بل أن العائلة اجلزائرية خصوصا لدى<br />

هذين االجتاهني جندها متالمحة ومتماسكة وتظهر صفات التضامن<br />

والتعاون يف املسؤولية األسرية.‏<br />

املالحظة األخرى أن هنا نسب البأس بها ذكرت أنه يف حالة وقوع<br />

اخلالف إنها تلجأ إىل األهل من كال االجتاهني،‏ مما يبني أن هناك من<br />

يتبنى حل اخلالفات الزوجية على النمط التقليدي للعائلة اجلزائرية مما له<br />

داللة سوسيولوجية بأن هناك نوع من االمتداد والتواصل يف العائلة<br />

اجلزائرية.‏<br />

ب-‏ املستوى الثقايف للزوجة وطبيعة العالقات األسرية<br />

يؤثر املستوى التعليمي للزوجة يف مجيع اجملاالت ولقياس هذا<br />

التأثري حاولنا أن نربط بني املستوى التعليمي<br />

للزوجة وطبيعة العالقة بني الزوجني،‏ فهل له تأثري يف احلياة<br />

الزوجية وما مدى تأثريه هذا ما يوضحه اجلدول التالي:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 009<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

اجلدول رقم:)‏‎12‎‏(‏ العالقة مابني املستوى التعليمي للزوجات ونوعية<br />

العالقة مع الزوج<br />

-<br />

نالحظ من خالل قراءتنا اإلحصائية هلذا اجلدول أن:‏<br />

أن الزوج اإلخواني كلما كان املستوى التعليمي للزوجته<br />

منخفضا كلما كانت العالقة عادية بينهما يف حني بالنسبة للزوج السلفي<br />

كلما زاد املستوى التعليمي للزوجته كانت العالقة جيدة.‏<br />

من جهة أخرى نالحظ أن املبحوثني الذين صرحوا أن العالقة<br />

عادية كان املستوى التعليمي عاديا مما يدل على أن املستوى التعليمي<br />

للزوجة يلعب دورا يف تقوية العالقة وهذا راجع إىل عدة عوامل من بينها لغة<br />

احلوار بني الزوجني،‏ ووجود كذلك توافق من ناحية متطلبات احلياة<br />

ومساعدة الزوج يف تربية األبناء عرب التوجيه يف احلياة ومساعدته يف تعليم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

األوالد،‏ حسب ماصرح به أفراد من العينة من خالل املساعدة يف مراجعة<br />

دروس األوالد وكذلك مراقبة تنشئة األوالد بطرق علمية مما جيعل الزوج<br />

تنقص عنه الكثري من املسؤولية والضغط،‏ كما أن احلوارات اليت<br />

يكون فيها املستوى العلمي مرتفعا تزيد من الوعي واإلدراك مما خيلق نوع<br />

من التوافق األسري ويزيد يف متاسك أفراد األسرة.‏<br />

بالنسبة لالجتاه السلفي صرحت نسبة كبرية من أفراد العينة<br />

أنه كلما كان املستوى التعليمي عاليا كلما زاد توجه العالقة حنو<br />

األحسن كما تبني النسب املعطاة،‏ والشيء املالحظ أن عينة السلفيني<br />

تنعدم فيها مفهوم العالقة السيئة مما يدل على أن هنا اجتاها عاما لدى<br />

أفراد العينة للتأكيد على أن نوعية العالقة<br />

حيدده املستوى التعليمي حبيث تساعده على أداء واجباته الدينية<br />

والدنيوية،‏ كما صرحت به بعض أفراد العينة يضاف إىل ذلك أن املرأة<br />

املتعلمة حتاول أن جتعل من الوسط األسري وسط عقالني حيتكم فيه إىل<br />

احللول اليت حتافظ على الكيان األسري يف حالة حدوث خالفات أو<br />

مشاكل داخل األسرة وإىل منطق احلوار والتفاهم بني الزوجني مما يدل<br />

على أن هنا نوع من االنسجام بني الزوجني.‏<br />

ج-‏ املستوى االجتماعي والعالقات األسرية:‏<br />

يعترب السكن ضرورة من ضروريات احلياة الزوجية،‏ فهل سكن<br />

الزوجني وحدهما أو مع العائلة األهل له تأثري على عالقتهما حيث<br />

سنتطرق فيه إىل حتديد نوعية العالقة مابني الزوجني ومعرفة قوتها،‏ وهل<br />

السكن مع األهل أو االستقاللية يف السكن تساهم يف االستقرار<br />

األسري وحل اخلالفات.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 020<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

اجلدول رقم:‏<br />

)11(<br />

يوضح العالقة مابني حمل اإلقامة والعالقة مابني<br />

الزوجني حسب االجتاه.‏<br />

من خالل اجلدول يتضح لنا أن عينة اإلخوان تكون العالقة مع<br />

الزوجة جيدة إذا كان له مسكن مستقل يف حني جند أن السلفية تكون<br />

العالقة مع الزوجة جيدة يف حالة إقامته مع األهل،‏ وهذا راجع لعدة عوامل<br />

من بينها أن الكثري من املبحوثني اإلخوان هلم زوجات عامالت،‏ مما<br />

يفرض نوع من عدم تدخل األهل يف العالقة القائمة بينهما خصوصا أن<br />

الكثري منهم يفرتض وجود تعاون اقتصادي قائم على حتمل تكاليف<br />

املعيشة بينهما.‏<br />

كذلك أن معظم العامالت هلم مستوى ثقايف متوسط أو عالي<br />

مما يسمح بتفهم الطرف اآلخر خصوصا إذا كان هذا الطرف له مسكن<br />

مستقل مما يسمح هلما ‏)الزوج والزوجة(‏ باملشاركة يف اختاذ القرارات<br />

املتعلقة بالبيت سواء يف تربية األوالد أو تسيري شؤون املنزل،‏ مما يسمح<br />

بنوع من الرتاضي بني الزوجني وعدم حدوث مشاكل وجند مايدعم ذلك<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 022<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

أن نسبة كبرية من اإلخوان قد أجابت بأن العالقة عادية منهم نسبة<br />

كبرية من هذه العينة مقيمة مع األهل.‏<br />

يف حني جند أن غالبية املبحوثني السلفيني قد أجابت بأن<br />

العالقة جيد منهم نسبة كبرية مقيمني مع األهل وهذا مايؤكد على أن<br />

هناك نوع من التوافق بني قيم املنتمني هلذا االجتاه والقيم التقليدية،‏ وهذا<br />

راجع إىل عوامل منها أن غالبية هذا االجتاه يفضلون املرأة املاكثة يف<br />

البيت حسب ما الحظنا وهم يستدلون على ذلك بالنصوص الشرعية،‏<br />

كذلك تشجيعهم لبعض األعمال املنزلية واألشغال اليت ختص الزوجة،‏<br />

وكذلك حرص هؤالء على ضرورة تقيد الزوجة بطاعة الزوج والقيام<br />

بالواجبات األخرى وهذا ما توفره البيئة التقليدية.‏<br />

فالسلفية احملافظة ‏)الوهابية(‏ هي تيار يدعوا إىل العودة إىل<br />

اجملتمع اإلسالمي األول)جمتمع الصحابة(‏ بكل أشكاله وصوره سواء يف<br />

السلوك أو املظهر أو املعاملة وهذا ما توفره إىل حد ما األسر املمتدة<br />

التقليدية اليت حتاول أن تكون حمافظة،‏ واليت تنبذ الزوجة العاملة خارج<br />

املنزل أكثر مما خيلق نوع من التفاهم بني قيمهم يف حني أن هذا الطرح<br />

غري موجود لدى التيارات اإلسالمية األكثر عقالنية،‏ حيث تتأقلم مع<br />

الواقع وتطمح إىل املستقبل مثل اإلخوان مما جيعلهم يفضلون أن يكون<br />

املسكن مستقل عن ألهل حتى تشعر.‏<br />

)2 -2<br />

دور اآلباء يف التنشئة االجتماعية لألبناء.‏<br />

أ-‏ املستوى الثقايف لآلباء وأساليب التنشئة االجتماعية لألبناء:‏<br />

تعترب نوعية التعليم بالنسبة للتنشئة األسرية عامال مهما يف حتديد<br />

نوع العالقة بني األب وأبناءه وللوصول إىل معرفة هل هناك نظرة تقليدية أم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

حديثة يف معاملتهم لألبناء وقياس مدى جتاوبهم مع رغبات األبناء،‏ وهل<br />

هناك ما يسمى بالتعامل الدميقراطي يف حالة التدخل لصاحل األبناء،‏ ومن<br />

أجل الوصول إىل معرفة ذلك قمنا بالربط بني نوع تعليم اآلباء وكيفية<br />

تنفيذ األمر بالنسبة لألبناء وهذا ما يوضحه اجلدول التالي:‏<br />

اجلدول رقم:‏ )11( يوضح العالقة مابني نوع التعليم لآلباء وطلب األمر<br />

بالنسبة لألبناء<br />

-<br />

من خالل املالحظ عن كثب للنسب اإلحصائية املوجودة داخل<br />

اجلدول أعاله نستنج مايلي:‏<br />

بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان األب من الذين تلقوا تعليما<br />

رمسيا كان األمر الذي يصدره البنه ينفذ فورا.‏<br />

وبالنسبة لالجتاه السلفي كلما كان األب من الذين تلقوا<br />

كال التعليمني ‏)الرمسي والديين(‏ كان األمر الذي يصدره ألبنائه ينفذ<br />

فورا.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

% 71 إن نسبة<br />

-<br />

-<br />

من اإلخوان قد صرحت بالتنفيذ األمر يتم فورا منها<br />

نسب‎%1107‎ هلا تعليم رمسي،‏ مما يوضح العالقة القوية القائمة بينهما،‏<br />

برغم من أن اجملتمع اجلزائري مازال حمافظا على النمط التقليدي يف<br />

الرتبية،‏ خصوصا أن هذا االجتاه حيمل قيما تدعم النمط الرتبوي السائد<br />

يف الرتبية التقليدية<br />

بينما نالحظ أن املنتمني للتوجه السلفي قد صرحوا بأكرب نسبة<br />

منهم بأن تنفيذ األمر يتم فورا،‏ وقد الحظنا أن النسبة الكبرية منهم تلقوا<br />

التعليم الديين والرمسي معا،‏ وبالتالي فهناك عالقة قوية ومنه نصل إىل<br />

النتائج التالية:‏<br />

نالحظ من خالل اجلدول أن هناك عالقة قوية بني اإلخوان<br />

الذين تلقوا تعليما رمسيا وأبنائهم.‏<br />

وجود عالقة قوية بني السلفية الذين مزجوا بني التعليم الرمسي<br />

والديين وأبنائهم.‏<br />

ومنه نصل إىل النتائج التالية:‏<br />

من ناحية االجتاه اإلخواني نرى أن الذين تلقوا تعليما رمسيا ترتفع<br />

نسبتهم وتنخفض كلما اجتهنا إىل التنفيذ املكره لألمر والتنفيذ بالرغبة<br />

مما له داللة سوسيولوجية بأن هذا االجتاه ال يلجأ إىل الطرق التقليدية يف<br />

عالقته مع أبنائه،‏ بل جند أن هذا التوجه يعتمد يف الرتبية األسرية على<br />

مفهوم احلوار والعقلنة من أجل حتبيب هذه الصفة إىل أبناءه مما خيلق<br />

نوعا من التقدير والتعاون واتساع نطاق التسامح بني األسرة الواحدة<br />

ويكتمل التوافق النفسي واالجتماعي بني األفراد.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

تهتم العائلة اجلزائرية بضرورة وجود التوافق بني اآلباء واألبناء<br />

فهي تعمل على ترسيخه يف األبناء منذ الصغر،‏ علما أن الذين تعلموا يف<br />

الكتاب والتعليم الرمسي قد تلقوا تنشئة دينية وتربية تقليدية،‏ وبالتالي<br />

فهم حيرصون على مفهوم الطاعة فهذا يوجد نوعا من االرتباط الديين بني<br />

ما يعتقده وما يريده من التنشئة الدينية ومن خالل ذلك فهو حياول كذلك<br />

املزج بينها وبني الرتبية التقليدية فاكرب نسبة من املبحوثني أجابت بتنفيذ<br />

األمر إذا طلب منه فورا يف حني نرى أن هذه النسبة تنعدم عندما يكون<br />

األمر حسب رغبته بينما ترتفع هذه النسبة إىل التنفيذ حتت اإلكراه،‏ مما<br />

يؤكد على أن التوافق يكون بني اآلباء واألبناء.‏<br />

ومنه جند أن األبناء يلجؤون إىل التقاليد ومرد ذلك املرجعية<br />

التقليدية يف الرتبية اليت ترسخ مفهوم الطاعة يف األوالد منذ الصغر عرب<br />

حتبيب القيام باألعمال اخلريية،‏ ألنها أساس التماسك والتناسق العائلي.‏<br />

ب-‏ املستوى التعليمي لآلباء وتوجيه العالقات األسرية:‏<br />

املستوى التعليمي لآلباء له دور كبري يف التنشئة األسرية،‏ وهو<br />

كذالك يؤثر على طريقة تفكري اآلباء ونظرتهم للفتاة والتمييز بينها وبني<br />

الذكر هلذا قمنا بالربط بني املستوى التعليمي لآلباء واملوقف من التعليم<br />

اجلامعي للفتاة،‏ واجلدول التالي يوضح ذلك.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 021<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

جدول رقم<br />

)11(<br />

من التعليم اجلامعي للبنت<br />

يوضح االرتباط مابني املستوى التعليمي لآلباء واملوقف<br />

-<br />

-<br />

إن أكرب نسبة من املبحوثني أجابت مبوافقتهم للتعليم اجلامعي<br />

للبنت حسب التالي:‏<br />

بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان املستوى التعليمي لآلباء<br />

مرتفعا زادت املوافقة على التعليم اجلامعي للفتاة.‏<br />

وبالنسبة لالجتاه السلفي كلما كان املستوى التعليمي لآلباء<br />

مرتفعا زادت املوافقة على التعليم اجلامعي للفتاة.‏<br />

من خالل ذلك نالحظ أن كال االجتاهني يوافق على التعليم<br />

اجلامعي للبنت مما له داللة سوسيولوجية أن النظرة التقليدية للبنت قد<br />

تغريت وأن هناك نوع من االستقاللية لدى البنت يف احمليط األسري،‏<br />

وهناك نوع من التوافق األسري يف العالقات القائمة بني اآلباء واألبناء،‏<br />

وعليه نالحظ من خالل املستوى الدراسي لآلباء أنه كلما زاد املستوى<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 027<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

الدراسي زاد التماسك األسري يف العالقات مابني اآلباء واألبناء وهذا<br />

يظهر املعاملة احلسنة اليت تتلقاها البنت،‏ فكلما زاد العامل الثقايف زاد<br />

معه مستوى الوعي واإلدراك ومنه فإن كال االجتاهني ينفي النظرة<br />

التقليدية للفتاة وأنها أقل شأنا من الذكر مما جيعلها تشعر بهذا الشعور<br />

االضطهادي الذي جيعل العالقة بني البنت واآلباء هي عالقة متوترة.‏<br />

ولكن على العكس من ذلك فإن وجود نسبة كبرية من الذين<br />

وافقوا على التعليم العالي للبنت يظهر بأن اجملتمع اجلزائري يتجه حنو<br />

املساواة بني اجلنسني رغم أن العينة كانت قد درست يف اجلامعة وبالتالي<br />

فهي على دراية بأن الرتبية األسرية داخل العائلة يقوم على مفهوم<br />

الدميقراطية واملشاركة يف اختاذ القرار وعدم التمييز بني األبناء مما<br />

يعمل على زيادة الروابط والتماسك األسري.‏<br />

ج-‏ مكان اإلقامة واملعاملة الوالدية لألبناء:‏<br />

يلعب السكن دورا كبريا يف تنشئة األبناء حيث أن معاملة االبن يف<br />

كنف والديه فقط ختتلف عن معاملة الطفل وسط العائلة املمتدة،‏ وهلذا<br />

أدخلنا عامل السكن لنرى نوعية العالقة بني اآلباء واألبناء حسب اجلدول<br />

التالي:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 028<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

جدول رقم<br />

)11(<br />

املتعلق بالعالقة مابني السكن ومعاملة اآلباء لألبناء<br />

حسب االجتاه.‏<br />

أكد الكثري من املبحوثني على حسب النسب املوجودة أن كال<br />

االجتاهني أكدا على أن العالقة بينهم وبني أبنائهم يسودها االحرتام وقد<br />

برز بنسبة كبرية عند اإلخوان الذين لديهم مسكن مستقل،‏ مما يدل<br />

على أن هناك توافقا ميثل االستقاللية والقدرة على اختاذ القرارات ومن ثم<br />

وجود عامل داخلي مقدس يسوده االحرتام املتبادل بني أفراده،‏ هذا راجع<br />

إىل أن النمط الرتبوي اإلخواني يقوم بتعويد أوالده على مفهوم االحرتام<br />

املتبادل من خالل العالقة املوجودة بينه وبني زوجته والتحكم يف توجيه<br />

أوالده دون تدخل من األهل يف النمط الرتبوي الذي يريده.‏<br />

ومن هنا نالحظ نوعا من الرتبية التقليدية اليت حتث كثريا على<br />

هذا السلوك وتعمل على ترسيخه يف األفراد أثناء معاملة من هم أكرب منه<br />

سنا إذ خييم عليها جو من االحرتام املكنون لألب،‏ وبالتالي فإن هناك نوع<br />

من االستقاللية يقوم األب بتلقينها لالبن من خالل تنشئته على مفهوم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 029<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

الطاعة واحرتام من هم أكرب منه سنا بينما يقل االحرتام إذا كان<br />

يسكن مع أهله مما يفقده نوع من التحكم يف توجيه األبناء.‏<br />

بينما تقل هذه النسبة عند السلفية حيث جند هذه النسبة ترتفع<br />

عند املقيمني مع أهاليهم من السلفية فقد الحظنا أن العالقة االجتماعية<br />

مابني اآلباء السلفيني وذويهم املقيمني عندهم ختضع إىل مفهوم الطاعة<br />

املستند إىل قضية الذين والتماسك االجتماعي الذي حث عليه،‏ مما جيعل<br />

منه منوذجا يقتدي به األوالد وهذه إحدى مسات العائلة اجلزائرية فالعائلة<br />

اجلزائرية متكونة أساسا من جمموعة القرابة األبوية،‏ وبالتالي فهي تعترب<br />

مجاعة مرتابطة فيما بينها وذلك بواسطة اجلد أو األب أو سيد العائلة إذ<br />

خييم عليها جو من االحرتام أو احملافظة على التسلسل السلمي ومن هنا<br />

نستنتج أن هناك نوع من التوافق يف الرتبية األسرية بني اجتاهات النمط<br />

الرتبوي التقليدي والرتبية األسرية للسلفيني.‏<br />

حيبذ السلفية العيش مع األهل وهم ال يتعارضون يف ذلك معهم من<br />

خالل طاعة الذين ورعايتهم مما يساهم يف تعويد األبناء على االمتثال هلذا<br />

النموذج القائم على احلب والتعاون والتماسك األسري من جهة ومن جهة<br />

أخرى جيعل األوالد يف حالة مراقبة دائمة جتعله يتعلم االحرتام وميتثل<br />

لنظام القيم املتفق عليه.‏<br />

‎1‎‏(نتائج التحقيق امليداني:‏<br />

من خالل النتائج اليت حتصلنا عليها واليت قمنا مبالحظتها الحظنا<br />

أن هناك اختالف حول املؤشرات واألبعاد اليت تتحكم يف توجه عينة<br />

اآلباء حنو االختيارات اليت يفضلونها أو ينصحون بها األبناء بني االجتاهني<br />

يف حني أن كال االجتاهني يلتقيان يف بعض النقاط اليت يرى كالهما أنه<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

األفضل يف تربية االبن أو حتديد خياراته يف احلياة،ومن أهم هذه النتائج<br />

ما يلي:‏<br />

بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان األب من الذين تلقوا تعليما<br />

رمسيا كان األمر الذي يصدره البنه ينفذ فورا،‏ وبالنسبة لالجتاه السلفي<br />

كلما كان األب من الذين تلقوا كال التعليمني ‏)الرمسي والديين(‏ كان<br />

األمر الذي يصدره ألبنائه ينفذ فورا.‏<br />

إذا كان املستوى التعليمي لألب اإلخواني مرتفعا زادت املوافقة<br />

على التعليم اجلامعي للفتاة،وأيضا احلال نفسه بالنسبة لالجتاه السلفي<br />

فكلما كان املستوى التعليمي لآلباء مرتفعا زادت املوافقة على التعليم<br />

اجلامعي للفتاة.‏<br />

- كلما كان األب اإلخواني يسكن مستقال كانت هناك عالقة<br />

احرتام،‏ أما إذا كان األب السلفي يسكن مع األهل وجد نوع من االحرتام<br />

لرغبة األبناء هو اآلخر.‏<br />

بالنسبة للزوج السلفي كلما كانت الزوجة عاملة كلما كان<br />

اجتاه الزوج حنو اللجوء إىل أحد األصدقاء،‏ وكلما كانت الزوجة ماكثة<br />

يف البيت كان االجتاه حنو اللجوء حنو احد األصدقاء بالنسبة للزوج<br />

اإلخواني.‏<br />

بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان املستوى التعليمي لآلباء<br />

مرتفعا كلما زادت املوافقة على التعليم اجلامعي للفتاة وهو األمر نفسه<br />

بالنسبة لآلباء الذين ينتمون لالجتاه السلفي.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

-<br />

بالنسبة لالجتاه اإلخواني كلما كان تناقص السن كان<br />

االجتاه حنو الرياضة،‏ أما املنتمني لالجتاه السلفي كلما زاد السن كان<br />

االجتاه حنو اختيار املطالعة<br />

اخلامتة<br />

عندما بدأت حتول اجملتمعات التقليدية بالتحول من االقتصاد<br />

الزراعي إىل االقتصاد الصناعي أصبحت حقيقة البقاء مسلم بها و بدأت<br />

املعتقدات الدينية باالحندار و قد فسر الكثري منهم بأن انهيار الشيوعية<br />

أدى إىل انتشار حالة من عدم االستقرار،‏ اليت شجعت على العودة إىل<br />

املعتقدات الدينية،‏ يف اجملتمع مابعد الصناعي و بقيت االهتمامات<br />

البشرية جزءا من التطلع البشري أما عن اجملتمعات العربية و اإلسالمية،‏<br />

ففقد كان األمر خمتلفا فهي شهدت هذه احلالة من عدم االستقرار منذ<br />

احنطاط العامل اإلسالمي و انتهاء اخلالفة العثمانية و طغيان االستعمار<br />

اليت رافقتها حماوالت للنهضة و التنوير قاده زعما مثل مجال الدين<br />

األفغاني و حممد عبده و حسن البنا....‏ أدت إىل نشأة تيار ديين حياول أن<br />

جيعل من اإلسالم منطلقا لعوامل النهضة و التحرر من مثالية النموذج<br />

الغربي عرب تفعيل القيم احلضارية و املوجودة يف اإلسالم من خالل<br />

استثمارها و حتويله إىل واقع معاش لذا كان خطاب هذه احلركات<br />

خياطب العقل مستعمال النقل دون تغييب للعقل و مرة يأخذ بالنقل مطلقا،‏<br />

حماوال االستثمار يف أهم مؤسسة اجتماعية ميكن أن حتدث التغيري من<br />

خالهلا يف نواحي كثرية أال و هي األسرة اليت أصبحت حمال للصراع<br />

القائم بني احلركات اإلصالحية اليت متجد العقل و احلركات اليت ترى<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

يف املاضي املنهج األمثل للريادة و باعتبار البيئة االجتماعية هي نتاج هلذه<br />

األسرة فإن هذه اخلطابات الدينية كانت و التزال حتاول االستحواذ على<br />

هذه املؤسسة باعتبارها أول مجاعة دينية حتافظ على املقوم الديين الذي<br />

يعترب من أهم النظم االجتماعية اليت خيضع هلا الفرد فغي سلوكه و<br />

تصرفاته فاألسرة تعترب الدين من أهم عناصر ثقافتها األساسية و الشك<br />

أنه من أهم العوامل اليت تؤدي إىل زيادة التكامل و الوحدة بني أعضاء<br />

اجملتمع وانطالق منت أنه ال ميكن فهم هذه املؤسسة منعزلة عن بقية<br />

العوامل الداخلية و اخلارجية فهي متعلقة باجملتمع الكبري حيث حتدث<br />

تفاعالتها وسلوكات أفرادها و تعامالتهم،‏ و تتجسد أمناطها و نظمها<br />

املميزة،‏ متأثرة باالقتصاد و الثقافة و السياسة و كذا الدين فلكل نظام<br />

اجتماعي معطياته اليت تتحكم يف مسار تغيريه و تنظيم األسرة فيه.‏<br />

مما جيعلنا نطرح العديد من التساؤالت حول ماهي التنشئة الدينية األمثل<br />

أو التنشئة األسرية عموما يف ظل اجلذب والشد بني هذا اخلطاب و ذاك<br />

مما جيعل العديد من الدراسات خاصة يف اجملال السوسيولوجي حياول<br />

الغوص يف األفكار واملناهج اليت حتاول أن يعطيها هذا اخلطاب فمن<br />

خالل الفكر أو النمط الرتبوي الذي يتبناه يف ظل تراجع القيم الدينية<br />

لدى األسر اجلزائرية اليت مل حتدد هذه القيم فأصبح الصراع بني ماهو<br />

تقليدي و حديث نتيجة لعوامل تارخيية ويف ظل التغري االجتماعي احلاصل<br />

يف اجملتمع نتيجة لعوامل داخلية و خارجية مما يرتك الباب مفتوحا ملزيد<br />

من الدراسات اليت تهتم بهذا اجملال و تفسري اجتاه الكثري للبحث عن<br />

اإلجابة من خالل اخلطاب السوسيو-‏ ثقايف الذي تتبناه هذه احلركات<br />

اإلصالحية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

يف ضوء النتائج املتوصل إليها يف الدراسة نقدم التوصيات التالية:‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

إن األسرة مشروع إنساني متكامل،‏ ينبغي احملافظة عليه و<br />

محايته و تدعيمه و تعزيز مكانته يف اجملتمع<br />

- جتتاز األسرة اجلزائرية اآلن،‏ مرحلة االنتقال من النمط التقليدي<br />

إىل النمط احلديث،‏ و ينبغي على متخذي القرار إجياد سياسات حساسة<br />

هلذا التحول<br />

تشجيع البحوث اليت تهتم بالعالقات األسرية سواء بني اآلباء و<br />

األبناء خاصة يف ظل التغريات احلادثة يف اجملتمع ووجود أمناط تربوية<br />

خمتلفة عن النموذج السوسيو-‏ ثقايف للعائلة اجلزائرية.‏<br />

ينبغي على املشرع يف جمال األسرة و حقوق املرأة و الطفل،‏ أن<br />

يستفيد من معطيات علم النفس علم االجتماع األنثروبولوجيا كما ينبغي<br />

السهر على التطبيق السليم ملواد القانون.‏<br />

ينبغي تشجيع و تنفيذ حبوث و دراسات حول األسرة اجلزائرية<br />

بصفة دورية،‏ و إنشاء بنوك معلومات و إحصاءات حول هذا املوضوع.‏<br />

دراسة شاملة و عميقة حول هذه املؤسسة االجتماعية و التغريات<br />

احلاصلة فيها انطالقا من املرجعيات الرتبوية اليت توجد يف اجلزائر.‏<br />

املوجودة فيها.‏<br />

-<br />

دراسة القيم اليت حتملها هذه األسر و التطرق إىل اخلصائص<br />

تشجيع البحوث اليت تساهم يف تسليط الضوء على املشاكل<br />

احلقيقية اليت تشهدها األسرة جراء التغري االجتماعي احلاصل يف اجملتمع<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

-<br />

من أجل املساهمة للتوصل إىل احللول املناسبة من أجل ترقية هذه املؤسسة<br />

االجتماعية و احملافظة على النسيج االجتماعي.‏<br />

رعاية الدراسات اليت تهتم باالختالفات و الفروقات احلاصلة يف<br />

النظام الرتبوي لألسر اجلزائرية<br />

قائمة املراجع:‏<br />

املراجع باللغة العربية:‏<br />

.<br />

-1<br />

القرآن الكريم:رواية حفص،كتبه اخلطاط عثمان طه،البينة للطباعة<br />

والنشر،دمشق،سوريا،‏‎127‎ه.‏<br />

بريي الوحيشي أمحد<br />

األسرة :<br />

طرابلس،اجلامعة املفتوحة،‏‎1998‎<br />

والزواج :<br />

.<br />

-2<br />

-2<br />

: رشا بسام<br />

-1<br />

مقدمة يف علم االجتماع العائلي،‏<br />

مدخل إىل الرتبية،‏ دار البداية،‏ عمان،‏ األردن،‏ 2221.<br />

مشس الدين حممود عبد الرمحن األصبهاني:‏ شرح املنهاج للبيضاوي،تح<br />

عبد الكريم النملة،‏ مكتبة الرشد،الرياض،‏‎1888‎‏.‏<br />

عبد اهلل عبد الرمحن:‏ علم االجتماع.النشأة و التطور،دار املعرفة<br />

اجلامعية،اإلسكندرية،‏ 1888.<br />

-1<br />

-1<br />

حممد عبد اهلل دراز<br />

وصفي عاطف<br />

:<br />

:<br />

-7<br />

-9<br />

بريوت،‏‎1871‎‏.‏<br />

: الزخمشري<br />

الدين،‏ دار القلم،‏ الكويت،‏ ط 1872. 2،<br />

األنثروبولوجيا الثقافية،‏ دار النهضة العربية،‏<br />

أساس البالغة،‏ دار صادر،،‏ بريوت،‏<br />

.1811<br />

-8<br />

خليف يوسف الطراونة:‏ أساسيات يف الرتبية،‏ دار الشروق،‏ عمان،‏<br />

األردن،‏‎2221‎‏.‏<br />

علي عبد السميع حسني:‏ جتديد اخلطاب الديين،‏ دار الكتب العلمية،‏<br />

بريوت،‏ 2221.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين للحركات اإلسالمية ومنط التنشئة االجتماعية<br />

أ.‏ حيب حممد؛ أ.كمال عويسي<br />

.1898<br />

-12<br />

-11<br />

حممد عمارة:‏ الطريق إىل اليقظة اإلسالمية،‏ دار الشروق،‏ بريوت،‏<br />

حممد عمارة:‏ تيارات الفكر اإلسالمي،‏ دار الشروق،‏ القاهرة،‏ مصر،‏<br />

.1887<br />

-12<br />

مصطفى اخلشاب:‏ دراسات يف علم االجتماع العائلي،‏ دار النهضة<br />

العربية،‏ بريوت،‏‎1891‎‏.‏<br />

املراجع باللغة الفرنسة:‏<br />

( Abdelhamid Boumezbar، Azine Djamila :L’islamisme<br />

algérienne de la genèse au terrorisme، Ed Chihab، Batna،<br />

Algérie، 2002 ، P 79<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

أة.‏ عقون مليكة،‏<br />

جامعة معسكر.‏<br />

ترتكز مداخلتنا هذه حول تسليط الضوء على احد أهم املفاهيم اليت<br />

تعاطت معها احلركة اإلسالمية يف اجلزائر،‏ كإشكالية العالقة بني<br />

اإلسالميني والدميقراطية،‏ وعالقتهم بالسلطة،‏ واهم العوامل اليت حتدد<br />

موقفهم من القضية الدميقراطية،‏ إضافة إىل نتائج املواجهة اليت آلت إليها<br />

هذه العالقة،‏ فمن خالل أطروحات احلركة اإلسالمية<br />

بيانات،‏ -<br />

نصوص،‏ شعارات-‏ ، ممثلة يف اجلهة اإلسالمية لإلنقاذ قبل دستور<br />

فرباير 1898، وبعده ميكننا القول أنها مل تشهد تفاعال حقيقيا مع هذه<br />

املفاهيم،‏ كما أنها مل تتميز بالقدرة الفكرية الالزمة الستيعابها،‏<br />

وإدماجها يف خطابها بالشكل الذي يفضي عليها نوعا من القوة<br />

االقناعية،‏ وجيعل من املمارسة السياسية اإلسالمية ممارسة واقعية،‏ قابلة<br />

للتنافس مع اآلخر،‏ على مستوى الربامج واألفكار الوضعية ‏)املعطي،م،‏<br />

:2229<br />

11(، ذلك ان تعاطيهم مع املسالة الدميقراطية،غري املؤصل له<br />

فكريا ونظريا،‏ كان قد أقحم املشروع اإلسالمي الذي علقت عليه آ مال<br />

شرائح عريضة من املواطنني،‏ يف مواجهات مباشرة وغري مباشرة مع<br />

السلطة واألطراف املعادية له،‏ تلك املواجهات اليت كانت قد أثارتها<br />

مسألة طرحهم الغامض لكيفية تطبيق الشريعة،‏ وما يرتبط بها من<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

إشكاالت تعين يف ذهن عامة الناس ‏"إقامة احلدود "، واليت ترمز بدورها<br />

إىل قطع يد السارق،‏ ورجم الزاني،‏ وقتل املرتد......‏ اخل)املعطي،م<br />

:2229<br />

.)22<br />

وإذا كان األمر كذالك فهل دلك يعين أن تعاطيهم مع هذه املفاهيم مل<br />

يكن يف واقع األمر سوى شكال من أشكال االحتجاج على عدم إلتزام<br />

دولة االستقالل بتطبيق الشريعة،‏ وليس تعبريا عن تصور سياسي ناضج؟<br />

-<br />

وحنن بصدد فك االشتباك بني هذه العالقات املتعددة،‏ حاولنا من<br />

خالل هذه الورقة صياغة الفرضية التالية:‏ أن مستقبل اجملتمع اجلزائري<br />

زهني مبدى حتقيق القيم الدميقراطية،‏ اليت من ضمنها احرتام احلريات<br />

العامة،‏ واالعرتاف مبجموع التناقضات الداخلية،‏ اهلوياتية،‏ واللغوية،‏<br />

والثقافية،‏ واإليديولوجية،‏ فتحقيق هذا املستقبل يتوقف على مدى<br />

مساهمة خمتلف االجتاهات السياسية الفاعلة يف اجملتمع،‏ واليت على<br />

رأسها جزما،‏ احلركة اإلسالمية باختالف مرجعياتها،‏ واليت تفردت يف<br />

استقطاب فئة عريضة من املواطنني،‏ فضال عن كونها تتحمل جزءا من<br />

املسؤولية يف التوافق حول اخليار الدميقراطي الذي يتسع جماله للجميع،‏<br />

والذي مل يعد مطلبا غربيا إيديولوجيا<br />

- فحسب –<br />

-<br />

، بل احد أهم<br />

أولويات التنمية املستدامة،‏ اجتماعيا،‏ وثقافيا،‏ وسياسيا.بهدف خلق<br />

االندماج،‏ واالنسجام الضروري داخل اجملتمع،‏ فضال عن التحرر<br />

واالستقالل عن التبعية واهليمنة الغربية.‏<br />

يف سياق مناقشة هذه العالقة جتدر بنا اإلشارة قبل البدء،‏ رصد<br />

مالحظتني على نفس القدر من األهمية،‏ تتعلق األوىل بأحد أهم العوامل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

اليت تعوق عالقة اإلسالميني بالدميقراطية<br />

عمارة،‏ سليم العوا،‏ حممد العشماوي<br />

–<br />

-<br />

-<br />

-<br />

حسب كتابات حممد<br />

واليت تتمثل أساسا يف مشكل<br />

التأصيل النظري ملفاهيم احلكم احلديثة بالنسبة لإلسالميني،أما<br />

املالحظة الثانية،‏ فتتعلق بتحديد مفهوم احلركة اإلسالمية والسياق الذي<br />

وجدت فيه،‏ إضافة إىل مفهوم الدميقراطية،‏ ومدى تبلوره داخل الرتاث<br />

السياسي العربي.‏<br />

املالحظة األوىل : عائق التأصيل النظري.‏<br />

لعل مشكل التأصيل الفكري والنظري ملفاهيم احلكم احلديثة ظل<br />

منذ عشرينات القرن املاضي يشكل معوقا كبريا بالنسبة احلركة<br />

اإلسالمية،‏ يصعب جتاوزه،‏ فضال عن كونه حيول دون بلوغها األهداف<br />

اليت ناضلت،‏ وتناضل من أجلها،‏ بسبب فقر الفقه اإلسالمي السياسي،‏<br />

مقارنة جبوانب الفقه اإلسالمي األخرى،‏ كالعبادات واملعامالت،‏ سواءا<br />

من حيث الكم أو الكيف،‏ حسب تعبري الباحث<br />

السنهوري<br />

-<br />

-<br />

عبد الرزاق<br />

، ذلك أن الشريعة اإلسالمية قد ظلت املرجع الوحيد<br />

للحكم منذ تأسيس دولة املدينة،‏ كما شكلت مصدر األحكام يف<br />

القضاء،‏ غري أنه ومع مرور الزمن،‏ تشكلت نوع من االستقاللية أ<br />

والقطعية بني احلكام والفقهاء،‏ يف تدبري شؤون الدولة،‏ إذ لنا من صور<br />

التاريخ اإلسالمي،‏<br />

-<br />

واليت تغنينا عن التفصيل<br />

-<br />

ما يربز هذه<br />

القطيعة،‏ وهو التاريخ الدموي احلافل مبشاهد اضطهاد الفقهاء،‏<br />

وسجنهم،‏ بسبب آرائهم السياسية،‏ وهو األمر الذي أدى إىل تراجع وضآلة<br />

اإلنتاج السياسي اإلسالمي،‏ وغلق باب االجتهاد يف جمال الفقه السياسي<br />

‏)املعطي،م،‏ .) 11 :2229<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

-<br />

فهذا الفقر يف ميدان اإلنتاج النظري أزم وضع حركات اإلسالم<br />

السياسي،‏ إذ وضعها يف مأزق من حيث التعاطي مع املسألة<br />

الدميقراطية،وغريها من املفاهيم احلديثة للحكم،‏ حيث استعصت هذه<br />

املفاهيم على استيعابها يف إطار املنظومة اإلسالمية،‏ وهو األمر الذي زاد<br />

من عجزها،‏ و أضعف من قدرتها على فك ذك االشتباك املفتعل،‏ الذي<br />

شكل عائقا حقيقيا حال بني احلركات اإلسالمية و أهدافها داخليا<br />

وخارجيا.‏<br />

املالحظة الثانية<br />

:<br />

العائق املرجعي املفاهيمي<br />

:<br />

-<br />

تقديرينا املتواضع<br />

يتعلق األمر مبفهوم احلركة اإلسالمية،‏ فهي<br />

-<br />

-<br />

حسب<br />

ليست جبهة موحدة من حيث املرجعية،‏ فإذا أخذنا<br />

بعني االعتبار االجتاهات املنضوية حتت لوائها وأساليبها يف التغيري،وإذا<br />

سلمنا جدال بأنها ذلك االجتاه الذي جيهر القول بأن له مرجعية إسالمية،‏<br />

فان تلك املرجعية بطبيعة احلال ليست مطلقة،‏ إذ ما يغلب على املرجعية<br />

اإلسالمية كإيديولوجية هو نسبيتها،ذلك أن ما ميكن أن نعتربه اإلسالم<br />

الصحيح هو جمرد تأويل من بني تأويالت خمتلفة ومتعددة،‏ مبا أن<br />

االنقسامات يف تأويل النصوص الدينية حدثت حتى قبل انتهاء فرتة<br />

اخلالفة الراشدة،بدليل تعدد الفرق اإلسالمية وأحقية كل منها بالتمثيل<br />

الصحيح لإلسالم،‏ فاإلسالم كدين،‏ مل يطالب بأي شكل حمدد<br />

للحكم،‏ بل إدراكا منه لسنة التطور ترك ذلك للمسلمني ولظروفهم<br />

املتغرية.‏ ‏)محانة،ب،‏ 7(، 1882: كما أن مرجعية احلركة اإلسالمية يف<br />

اجلزائر خاصة،‏ تعدد منابيعها بني حركة اإلخوان املسلمني يف مصر،‏<br />

وبني ما يسمى بتيار"‏ البناء احلضاري"،‏ أو"‏ حركة اجلزأرة"،‏ أو مجعية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

القيم بقيادة املفكر اإلسالمي ‏"مالك بن نيب"،‏ واليت منت يف ظل<br />

الفضاءات الشبانية يف اجلامعة اجلزائرية،كما أنها تعد استمرارية<br />

لنشاط مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني،‏ إضافة إىل احلركة السلفية<br />

اليت نهلت من احلركة الوهابية باململكة السعودية،‏ تلك هي احلركات<br />

اليت ساهم العمل اجلمعوي يف بروزها،‏ وخروجها من حيز العمل الدعوي<br />

والتلقني الديين،‏ إىل حماولة تغيري النظام بأدوات الدميقراطية نفسها.‏<br />

‏)بن الشيخ،ع،‏<br />

2212<br />

:21(، ذلك أن التحوالت اليت شهدتها اجلزائر<br />

مسحت بإتاحة هامش من احلرية،‏ إثر إقرار التعددية احلزبية مبوجب<br />

دستور فرباير<br />

98<br />

-<br />

وهو األمر الذي مكن احلركة اإلسالمية،‏ ممثلة يف<br />

اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ من القفز إىل الواجهة ودخول غمار االنتخابات،‏<br />

وحتقيق النصر الكاسح الذي قلب الدميقراطية وجعلها متشي على<br />

رأسها،األمر كذلك الذي غري كيفية تعاطي اإلسالميني مع الدميقراطية<br />

وحدد موقعهم،‏ إضافة إىل عوامل أخرى لعل أبرزها تلك املرتبطة بشروط<br />

إنتاجها،‏ تارخييا،‏ واجتماعيا وسياسيا،‏ وثقافيا....داخليا وخارجيا،‏ وهي<br />

العوامل كذلك اليت حددت تفاصيل العالقة وجتلياتها يف املشهد<br />

اجلزائري فيما بعد.‏<br />

ثانيا:‏ بالنسبة ملفهوم الدميقراطية:‏<br />

لعل جتربة البلدان العربية يف التعاطي مع املسألة الدميقراطية ال<br />

تزال يف طور الطفولة،‏ ذلك ألنها ليست وليدة تطور علمي،‏ وثقايف<br />

واجتماعي واقتصادي وسياسي،‏ بالنسبة للعامل العربي اإلسالمي،‏ كما<br />

هو احلال بالنسبة ألوروبا.*)محانة،ب،‏‎1882‎‏:‏<br />

)11<br />

لذلك فهي جتربة<br />

حديثة يف البلدان العربية لظروف خمتلفة،ال يتسع اجملال لذكرها،‏ إذ مل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

يتم التعامل معها ككل متكامل،‏ مما يعين أنه مت اختزاهلا فيما يسمى ب<br />

الدميقراطية اجلزئية<br />

"<br />

"<br />

أو ‏"الدميقراطية االنتقائية"‏ عرب اآللية االنتخابية،‏<br />

صناديق االقرتاع،‏ عدد األصوات،‏ نسبة املشاركة،‏ وتتوقف مسرية<br />

الدميقراطية بعد ذلك...،إما عمدا أو انتهازية،‏ أو جهال،‏ من طرف القائمني<br />

عليها،‏ مسؤولني أومثقفني،‏ أو عامة الناس،‏ يف حني أن إجراءات تطبيق<br />

الدميقراطية تتجاوز عدد الناخبني إىل مبدأ التداول على السلطة ذهابا،‏ وإيابا،‏<br />

واخلضوع للمساءلة القانونية،‏ وحق التغيري،‏ وحق تأليب الرأي العام....لكن هذه<br />

اإلجراءات مفقودة ومغيبة يف جتربتنا ألسباب خمتلفة،‏ أوهي دميقراطية أقرب<br />

إىل األوليغارشية االستعبادية منها إىل احلرية احلقيقية ‏)محانة،ب،‏<br />

:1882<br />

.)11<br />

غري أن الدميقراطية احلقيقية النقية،‏ قبل أزمتها يف الدول الغربية وقبل أن<br />

تتعرص للنقد،‏ هي فلسفة نابعة عن اختيار فكري يؤصل لقيمة الفرد<br />

والفكر،‏ واالختيار احلر فضال عن كونها إنتاج احلضارة اإلنسانية مجعاء،‏<br />

وتعتمد مساهمة كل الفئات من أجل تأسيس مشروع جمتمعي،‏ قائم على<br />

املساواة،‏ والعدالة واحلرية،‏ والكرامة اإلنسانية،‏ وما يرتبط بها من تفاصيل<br />

أخرى كالتدين من عدمه،‏ واملثلني والسحاقيني،‏ واألمهات العازيات،‏ والقتل<br />

الرحيم،‏ وغريها،‏ مما جيعلنا نعتقد مجيعا أن اجملال الدميقراطي وحده<br />

األوسع،‏ والكفيل باحتضانها،‏ وهي مسائل ال جيادل أحد يف جوازها من<br />

عدمه،‏ على أساس التفوق الديين أو العريف أو اجلنسي،‏ أو ما شابه ذلك....اخل<br />

وإذا كان األمر كذلك بالنسبة للدميقراطية،‏ كمفهوم،‏ وكإجراءات<br />

تطبيقية،‏ فإن عالقة اإلسالميني بالدميقراطية،‏ قد تبدوا مالحمها<br />

واضحة إن هي حتددت مطالبهم على أساسها أم ال؟<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

وإذا كانت رغبتهم تتجه إىل املشاركة يف تأسيس مشروع جمتمع<br />

دميقراطي أم ال؟<br />

أما إذا كان اجلواب بالنفي،‏ فعلينا قلب السؤال بصيغة أخرى،‏ هل نظم<br />

احلكم اليت تدعي اليوم أنها إسالمية،‏ تشكل بالنسبة للمسلم وغري<br />

املسلم مناذج مشجعة؟<br />

‏)محانة،ب،‏ .)11 :1882<br />

-<br />

-<br />

طبيعة العالقة بني اإلسالميني والسلطة يف اجلزائر:‏<br />

مبجرد حصول اجلزائر على استقالهلا،‏ انتهجت السلطة مواقف<br />

استبدادية تسلطية يف عالقتها مع املعارضة،‏ على اختالف مرجعياتها،‏ إذ<br />

رفضت االعرتاف مبجموع التناقضات الداخلية،‏ أيا كان شكلها<br />

ومظهرها،‏ باسم احملافظة على الوحدة الوطنية،‏ ومتسكا بالشرعية<br />

التارخيية،‏ اليت سرعان ما تداعت أركانها،‏ وتآكلت هياكلها،‏ مبجرد<br />

فشل املشروع التحديثي التنموي،‏ وما جنم عنه من انعكاسات سلبية،‏<br />

ظهرت يف شكل أزمات،‏ أدت يف نهاية املطاف إىل عجز النظام نهائيا عن<br />

امتصاصها،‏ واليت انفجرت يف اخلامس من أكتوبر‎1899‎‏،‏ رغم<br />

حماوالت النظام املتعددة الحتواء حركات الرفض السياسية<br />

واالجتماعية،‏ والثقافية،‏ واليت شكلت احلركات اإلسالمية أبرزها،‏<br />

حيث عمل النظام على صدها مبختلف الوسائل من خالل تعبئة العامل<br />

الديين خلدمة سياساته املختلفة،‏ كإستثمار فكرة التوافق بني اإلسالم<br />

واإليديولوجية االشرتاكية،‏ يف الوقت الذي استمرت احلركة اإلسالمية<br />

يف موقفها املتزمت إزاء النظام وخياراته،‏ مثل مجعية القيم اليت مت<br />

حضرها سنة 1872، واحلركة اإلسالمية اليت قادها الشيخ بويعلي<br />

والذي مت القضاء عليه سنة 1897، بعد سلسلة التفجريات اليت قام يها،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

وهي األحداث اليت جعلت احلكومة اجلزائرية تعيد النظر يف موقفها من<br />

دور املؤسسات الدينية التقليدية،‏ من خالل اعتمادها دائما على مفهوم<br />

التعبئة بدل املشاركة*‏ ‏)الرياشي وآخرون،‏<br />

،)11 :1888 لتكريس<br />

شرعيتها من جهة واحليلولة دون وصول احلركة اإلسالمية للحكم من<br />

جهة أخرى،‏ األمر الذي استدعى تأسيس جملس إسالمي أعلى،‏ برئاسة<br />

أحد أعضاء احلكومة،‏ مهمته مراقبة نشاط اجلماعات اإلسالمية وتقزيم<br />

دورها،*‏ ‏)الرياشي وآخرون،‏<br />

:1888<br />

-<br />

17( مما يعين زيادة التوتر بينها<br />

وبني السلطة،‏ وهو األمر كذلك الذي جنم عنه ضرورة التفريق بني<br />

اإلسالم كدين،‏ واإلسالم كمؤسسة.‏<br />

غري أن عملية تعبئة العامل الديين،‏ سرعان ما أفلتت من يد السلطة،‏<br />

وتفردت به احلركة اإلسالمية،‏ نظرا ألهمية اإلسالم كأحد أهم<br />

املكونات الثقافية للمجتمع اجلزائري،و حيث األوضاع املرتدية،‏ متكنت<br />

اجلبهة اإلسالمية من فرض وجودها،‏ بواسطة تطويع اخلطاب الديين<br />

لصاحلها،‏ إذ متكنت اجلبهة من توظيف رموزه خلدمتها،‏ كاملسجد،‏<br />

خطب اجلمعة،‏ األعياد،‏ املناسبات<br />

‏)الرياشي،وآخرون،‏‎7291888‎‏(....اخل،‏ مما يعين أن املؤسسة الدينية قد<br />

جتاوبت مع العملية الدميقراطية،‏ كأحد أهم العوامل العقائدية،‏ اليت<br />

دعمت موقف اجلبهة من جهة،واليت امتزجت وطبيعة الواقع االجتماعي<br />

من جهة،وهو العامل الذي شكل أهم احملددات اليت ساعدت على تنامي<br />

نشاط اجلبهة اإلسالمية،‏ هذا الواقع الذي تتمثل أهم خصائصه فيما يلي:‏<br />

قوة املؤسسة العسكرية وهيمنتها على خمتلف اجملاالت،‏ حيث<br />

أشادت قيادات اجلبهة يف عدة مواقف بدور املؤسسة العسكرية،‏ رغم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

الضربات اليت تلقتها على يد قياداتها،‏ إضافة إىل خصائص أخرى لعل<br />

أهمها االنتقال الفجائي والسريع،‏ من نظام احلزب الواحد إىل التعددية<br />

احلزبية،‏ حوالي ستون حزبا بني عشية وضحاها،إضافة إىل عامل آخر<br />

متثل يف عالقة التعايش احلذر بني الشعب والنظام،‏ حيث جتذر أسلوب<br />

العنف،‏ نظرا العتماد النظام على شرعية تارخيية مهرتئة<br />

‏*)الرياشي،وآخرون،‏‎11191888‎‏(‏ فضال عن األزمة االقتصادية<br />

وخملفاتها،‏ وعدم الثقة يف اآللية االنتخابية بالتالي االنقالب على<br />

الدميقراطية،‏ فحينما حقق اإلسالميون النصر رأى العسكريون أن<br />

الدميقراطية ال تصلح للجزائر،‏ نظرا للنسبة املرتفعة اليت صوتت<br />

لصاحلهم،‏ كما احتج اإلسالميون على عدم صالحية النموذج<br />

الدميقراطي للجزائر،بدليل استيالء العسكريني على السلطة ألن النتائج<br />

مل تكن يف مصلحة النخبة الفرنسية املثقفة<br />

‏*)الرياشي،وآخرون،‏‎12891888‎‏(.‏<br />

تلك هي إذن خصائص الواقع االجتماعي والسياسي يف اجلزائر،‏<br />

واليت شكلت أهم احملددات،‏ اليت ساهمت يف بلورة موقف احلركة<br />

اإلسالمية من الدميقراطية،‏ وهو األمر الذي حييلنا إىل عدة استنتاجات<br />

قد جتلي اللبس يف إطار هذه العالقة لعل أهمهما<br />

الباحث فهمي هويدي<br />

–<br />

–<br />

حسب ما أشار إليه<br />

هو أن ننطلق يف حتليل هذه العالقة من موقف<br />

الدميقراطية من احلركة اإلسالمية،‏ وليس العكس،‏ ذلك ألن<br />

احلركات اإلسالمية كانت قد اجتهت إىل االعتدال،‏ والقبول<br />

بالدميقراطية منذ سبعينات القرن املاضي،‏ وقبلها منذ نهاية العشرينات،‏<br />

على يد اآلباء املؤسسني للحركة اإلسالمية أمثال حسن البنا....بينما مل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

يقبل القائمني على الدميقراطية باإلسالميني لكونهم يهددون وجودها،‏<br />

بالتالي جيب احليلولة دون وصوهلم إىل السلطة<br />

‏*)الرياشي،وآخرون،‏‎121‎‏-‏<br />

.)12191888<br />

-<br />

بالدميقراطية<br />

لعل هذه املناقشة<br />

-<br />

-<br />

املتواضعة لعالقة اإلسالميني<br />

من خالل النموذج اجلزائري،‏ مل تستوف معظم تفاصيله<br />

وجزئياته لعدة اعتبارات أهمها،‏ كون جتربة احلركة اإلسالمية يف<br />

اجلزائر يف عالقاتها بالسلطة والدميقراطية،‏ حديثة جدا،‏ مقارنة بغريها<br />

من التجارب األخرى اليت دامت لعقود ومازالت،‏ ذلك أن ثالث سنوات،‏ يف<br />

تقديرنا املتواضع<br />

–<br />

غري كافية بشكل من األشكال للحكم عليها،‏<br />

وجمادلتها،‏ وبغض النظر عن النتائج اليت آ لت إليها،‏ فان عرضنا اجلزئي<br />

للمشهد اجلزائري،‏ قد أحالنا إىل بعض املالحظات حول جتليات هذه<br />

العالقة لعل أ برزها هو حداثة األنظمة العربية يف عالقتها بالدميقراطية<br />

اذأنها غري مهيأ ة يف أ سسها للتعاطي مع املسألة الدميقراطية،‏ نظرا<br />

للطابع العسكري الذي تتميز به هذه األنظمة بصفة عامة،‏ وتتفرد به<br />

اجلزائر بصفة خاصة.‏<br />

كما أن جتليات هذه العالقة،‏ ليست دائما سلبية،‏ بل إنها<br />

تستبطن كذلك جوانب اجيابية،‏ كتحويل الدين من قدسيته إىل جمال<br />

النسبية،‏ من خالل إقحامه يف حيز الصراع السياسي ليحتل وضعه<br />

الطبيعي،‏ بشكل فعلي يف اجملتمع،‏ ومؤسسات الدولة،‏ وهو األمر الذي<br />

ميكن أن يؤدي إىل االنتقال السلسل حنو الدميقراطية والذي لن يتم إال<br />

من خالل التفاعل باجيابية مع الدين من جهة،‏ وارتفاع نسبة التدين يف<br />

اجملتمع من جهة أخرى،‏ وإذا ما متكن النظام السياسي من تطبيع عالقته<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

-<br />

-<br />

-<br />

بالدين فهو بال شك سيساهم يف تبيئة الدميقراطية كمفهوم لتوائم<br />

خصوصيات واقعنا املؤمل.‏<br />

بالتالي متكيننا من مواجهة جتليات احلداثة وإفرازات الثورة<br />

التكنولوجية،‏ والفقر والغزو الغربي......‏ فضال عن إحداث القطيعة مع<br />

إيديولوجية التطرف الديين،‏ ودميقراطية الدبابات،‏ والسلفية الوهابية<br />

على حد سواء،‏ وهي أمناط مستوردة ال تؤدي إىل جعل جمتمعاتنا عرضة<br />

للهيمنة واالستغالل فحسب،‏ بل تهدد وجودنا يف حد ذاته،‏ مما يعين<br />

ضرورة االشتغال على الدين بقراءات جديدة أكثر مطابقة لروح القرآن<br />

والسنة من جهة،‏ ومتوافقة مع احلقائق العلمية واالجتماعية من جهة<br />

أخرى،‏ وجمموع التغريات احلاصلة،‏ ولن يتأتى ذلك إال بإشراك مجيع<br />

النخب السياسية والفكرية باختالف مرجعياتها،‏ بهدف حتقيق املصاحلة<br />

بني الدميقراطية من جهة،‏ وبني ذواتنا من جهة أخرى.‏<br />

ملخص:‏ على ضوء املناقشة<br />

بعد مناقشة هذه الورقة يف ختام أشغال هذا امللتقى حول املؤسسة<br />

الدينية يف اجلزائر،أثار احلاضرون مسائل عديدة مثل مربرات العودة<br />

لضغط النص،‏ وما الذي بقي أمام احلركات اإلسالمية بعد اخنراطها يف<br />

قواعد اللعبة الدميقراطية وقبوهلا بنموذج الدولة املدنية،‏ وهل أن األحداث<br />

الراهنة اآلن جتاوزت الدميقراطية أم احلركات اإلسالمية،و قد مت<br />

توضيح هذه املسائل كالتالي:‏<br />

لعل مفهوم احلكم الديين مفهوم غريب عن اإلسالم،‏ إذ أن من أعاد<br />

توظيفه يف العصر احلاضر هو املفكر أبو األعلى املودودي،‏ قبيل قيام<br />

دولة باكستان سنة<br />

1819<br />

نتيجة التجاوزات اليت قامت بها األغلبية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

-<br />

اهلندوسية ضد األقلية املسلمة،‏ كما أن مفهوم احلكم يف اإلسالم ال<br />

يعين تطبيق الشريعة حرفيا حسب ما ذهب إليه بعض كبار املفسرين<br />

أمثال ‏"الزخمشري،السيوطي.....،إمنا يعين الفصل بالعدل يف اخلصومات<br />

بني الناس فقط،‏ كما أنه ال أحد بإمكانه االدعاء بأن اخلالفة تشكل<br />

مبدأ من مبادئ اإلسالم،‏ ذلك أن اإلسالم مل يوجبها،‏ ومل ينه عنها،‏<br />

خالفا ملا تدعيه احلركات اإلسالمية اليوم يف حماولتها العودة بالقوة إىل<br />

منوذج النبوة والسلف الصاحل،‏ فأبا بكر الصديق رضي اهلل عنه ملا مات<br />

حممد صلى اهلل عليه وسلم قال:"‏ لقد مضى حممد لسبيله وال بد هلذا<br />

األمر من قائم يقوم به"‏ كما عني أبا بكر عمر بن اخلطاب،‏ ومل يستشر<br />

أحد من املسلمني،‏ كما مل يعرتض على ذلك أحد.فقد شهدت فرتة<br />

اخلالفة الراشدة وفرتات أخرى من التاريخ اإلسالمي،‏ صور مشرقة<br />

ومشرفة للحكم اإلسالمي الراشد،‏ امتثاال لقوله صلى اهلل عليه وسلم يف<br />

غزوة بدر"‏ املسلمون هم أدرى بشؤون دنياهم".‏<br />

ذلك أن ما يسمى بضغط النص،‏ ومنوذج العنف الذي نشهده اليوم يف منهج<br />

احلركات اإلسالمية يف التغيري ال مربر وال مصوغ له،‏ سوى أنه شكل من<br />

أشكال التطرف األعمى الذي مل يزد صورة اإلسالم،‏ مبعية وسائل<br />

اإلعالم،إال تشويها لدى الغرب،‏ ومن مثة نشوء ذلك التصور اجلامد لديه<br />

عن اإلسالم.‏<br />

بالتالي فإن احلركات اإلسالمية بهذه الصورة تبدو فاقدة للشرعية<br />

وضعيفة أمام الواقع الذي أنتجها وجتاوزها أخريا،‏ بظهور ربيع الثورات<br />

الشعبية،‏ اليت متيزت وتفردت بقدرتها على تغيري األنظمة االستبدادية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />

العدد الثاني<br />

جوان


عالقة احلركة اإلسالمية بالدميقراطية<br />

‏-احملددات والتجليات-‏<br />

عقون مليكة<br />

بتكلفة اقل،‏ زمنيا وبشريا،‏ وبطرق سلمية،‏ وهو األمر الذي مل تتمكن<br />

منه احلركات اإلسالمية على مدى ثالث عقود وأكثر من الزمن.‏<br />

-<br />

– )1<br />

: قائمة املراجع<br />

محانة البخاري<br />

– 1882<br />

-<br />

والدميقراطية يف اجلزائر.‏<br />

ملتقى الفلسفة واملشروع الدميقراطي يف اجلزائر<br />

الرتاث السياسي العربي اإلسالمي<br />

–<br />

– )2<br />

مركز الوثائق<br />

اجلامعية للعلوم اإلنسانية – حتت إشراف معهد الفلسفة جامعة وهران<br />

واجلمعية الفلسفية اجلزائرية.‏<br />

بن الشيخ عصام<br />

– 2212<br />

البعد السياسي يف اخلطاب الديين للحركة<br />

اإلسالمية يف اجلزائر-‏ مركز األهرام للدراسات اإلسرتاتيجية<br />

-<br />

العدد – 29 .21011<br />

– )2<br />

الرياشي سليمان وآخرون.‏<br />

الوحدة العربية – العدد 11 ص.‏<br />

88<br />

األزمة اجلزائرية<br />

–<br />

.121 .128 .17 ،11<br />

** )1<br />

نص مفرغ بتصرف من خالل تسجيل لندوات فكرية<br />

مركز دراسات<br />

–<br />

مباشر 2228.<br />

-)1<br />

قناة اجلزيرة<br />

املعطي منجب:‏‎2229‎ مواجهات بني االسالميني والعلمانيني باملغرب<br />

_<br />

دفاتر وجهة نظر_‏ مركز ابن رشد للدراسات والتواصل،‏ الرباط 2229.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

2102 جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي ‏)املساجد<br />

والكنائس(‏<br />

أة.‏ بالل ريم،‏<br />

جامعة معسكر<br />

مقدمة:‏<br />

عملت املساجد والزوايا والكتاتيب القرآنية يف بالدنا ومنذ ظهورها<br />

على تعليم القرآن وتربية األجيال تربية دينية فقد عمل معلموها على<br />

احلفاظ على طابعها التعليمي منذ نشأتها وهذا إن دل فهو يدل على مدى<br />

جناحه يف تربية النشء،‏ ومل يقتصر التعليم فيها على قراءة وتالوة القرآن<br />

الكريم وإمنا كل ما تيسر هلم من علوم الدين والفقه والشريعة واللغة<br />

العربية من قواعد وصرف وحنو،‏ ساعدت املؤسسات الدينية يف احلفاظ<br />

على املقومات العربية اإلسالمية اجلزائرية وتغلبت على الكثري من<br />

الصعوبات يف ظل االستعمار الفرنسي حيث قاومت البدع واجلهل والتخلف<br />

االجتماعي وساهمت يف إصالح اجملتمع وأحواله والزالت تقوم بدورها إىل<br />

يومنا هذا غري أن اإلقبال عليها مل يبقى كسابق عهده ويعود ذلك إىل<br />

عوامل خمتلفة جمتمعية أو اقتصادية.‏ تقوم املؤسسات الدينية بدور مهم<br />

ووظيفة حيوية يف عملية التنشئة االجتماعية والرتبية اليت<br />

تنمي "<br />

الشخصيات البشرية االجتماعية إىل أقصى درجة تسمح بها إمكاناتها<br />

واستعداداتها حبيث تصبح شخصية مبدعة خالقة منتجة لذاتها وجملتمعها<br />

تعترب الرتبية عملية صقل وتطوير وتهذيب الفرد من استعدادات<br />

وقدرات")البخاري،ح.‏‎1881‎‏:‏<br />

)112<br />

وباإلضافة إىل هذه اخلصائص،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

-<br />

-<br />

إحاطة عملية التنشئة بهالة من التقديس وإجيابية املعايري السلوكية اليت<br />

تعلمها لألفراد واإلمجاع على تدعيمها،‏ ويظهر دور للمؤسسة الدينية يف<br />

تنشئة الفرد من حيث:‏ " تعليم الفرد واجلماعة التعاليم الدينية واملعايري<br />

السماوية اليت حتكم السلوك مبا يضمن للفرد سعادة أفراد اجملتمع و<br />

البشرية مجيعا.‏<br />

إمداد الفرد بإطار سلوكي نابع من تعاليم دينه.‏<br />

الدعوة إىل ترمجة التعاليم السماوية إىل ممارسة عملية وتنمية<br />

الضمري عند األفراد.‏<br />

-<br />

توحيد السلوك االجتماعي والتقرب بني خمتلف الطبقات<br />

االجتماعية")أبومغلي،س.‏‎2222‎<br />

عندها رغم<br />

.)187:<br />

"<br />

املؤسسات الدينية اجلزائرية يف العهد العثماني:‏<br />

لقد وجدت فرنسا التعليم و الرتبية على أحسن حال مما كان<br />

اتسام احلكم العثماني باجلمود والعزلة وسوء العالقة بني<br />

احلاكم واحملكوم كونها دولة حربية قائمة على القوة")رياض،ز.ب<br />

ت:‏‎7‎‏(‏ مما أدى إىل إهمال نوعا ما قطاع الرتبية و تركوه حرا يساير<br />

الظروف االقتصادية واالجتماعية يف البالد فهو شبيه بالتعليم يف باقي<br />

الدول العربية تعليم تقليدي له مؤسساته ونظامه اخلاص به،‏ اقتصر<br />

التعليم يف هذه الفرتة على املؤسسات الدينية اإلسالمية اليت يكتنفها جو<br />

عبادي يشعر فيه املتعلم واملعلم والسامع أنه يف بيت من بيوت اهلل فيكونوا<br />

أقرب إىل اإلخالص والنية احلسنة وأهدافهم سامية هي التفقه يف الدين<br />

وأداء العمل على وجهه الصحيح،‏ كما أن الدراسة فيها تتميز عن<br />

الدراسة يف املدرسة حيث أن الدراسة ليست دراسة نظرية يقصد منها<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

جمرد العلم واملعرفة وإمنا هي دراسة تربوية تطبيقية يقصد منها العمل<br />

أوال يظهر من خالل تغري سلوك الدارس ومسو أخالقه ويظهر مبظهر املتزن<br />

احلكيم ويقوي إميانه فينشر هذه الفضائل بني أفراد أسرته ومن يتصل<br />

به من معارفه يف اجملتمع الذي يعيش فيه،أما عن انتشاره العلم يف هذه<br />

الفرتة فكان واسعا وقد غطى التعليم مناطق خمتلفة من مدن وقرى وحتى<br />

الصحراء وكان خاصا يقوم على جهود األفراد واملؤسسات اخلريية<br />

وساهم رجال الدولة يف متويله لكن كأفراد إذ كان<br />

"<br />

ينظر للتعليم على<br />

أنه أساس الدين وفريضة من فرائضه لذا وجدوا أن صفة القرآن كان<br />

عمدة التعليم االبتدائي ومعرفة العلوم اخلاصة بالقرآن الكريم كان<br />

عمدة التعليم الثانوي والعالي حتى احلساب كان اهلدف منه دينيا بالدرجة<br />

األوىل فيه تعرف الفرائض و تقسيم املواريث والتقوميات")أبو القاسم،‏<br />

س.ب ت<br />

"<br />

.)112 :<br />

دور األوقاف:‏<br />

متيزت الفرتة العثمانية باجلزائر بتكاثر األوقاف وانتشارها يف<br />

خمتلف أحناء البالد منذ أواخر القرن ‎11‎م وحتى مستهل القرن ‎18‎م،‏<br />

وتزايدت حتى أصبحت األوقاف تشكل نسبة كبرية من املمتلكات<br />

الزراعية احلضرية منذ أواخر القرن ‎19‎م.‏ ففي سنة ‎1712‎م فقد<br />

تضاعفت العقود األوقاف اثين عشر مرة مقارنة بسنة ‎1122‎م،‏ وهذا<br />

التزايد املستمر لألمالك املوقوفة خالل هذه الفرتة ميثل إحدى دورات املد<br />

الوقفي يف تاريخ اجلزائر")مهدي،‏ م.‏<br />

: 2222<br />

‎21‎‏(،كانت األوقاف أو<br />

االحباس املصدر األساسي لتمويل التعليم واملتعلمني واملكتبات واملساجد<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

وحتى احلركة العلمية ككل فبها توفر أجور عالية للمعلمني واملداخيل<br />

اجليدة اليت تصرف يف سبيل العلم ورجاله.‏<br />

اهلياكل التعليمية يف الفرتة العثمانية:‏<br />

لقد كانت املساجد،‏ اجلوامع،‏ الزوايا والكتاتيب والرباطات<br />

مركزا للعلم،‏ والتعلم،‏ حيث كان التعليم يف اجلزائر يرتكز عليها،‏ إذ<br />

كانت هذه األخرية تؤدي عدة أدوار،‏ إىل جانب كونها مركز للعبادة،‏<br />

ودورها يف احلياة االجتماعية.‏<br />

املساجد:‏ هي<br />

"<br />

أفضل بقاع األرض ومركز هداية دائمة وتوجيه<br />

ديين وفكري وتعليمي ومعنوي وروحي وأخالقي وتربوي وأدبي واجتماعي<br />

واملدرسة األوىل اليت تعتين باإلنسان وتنمي الروح ومركز تآيف وتساو<br />

يستقبل املسلمني دون تفريق.‏ و املسجد دار عطاء يلقن العلم ويهذب النفس<br />

ألن العلم من مساته أن يرتقي بالفكر اإلنساني،‏ وليس من دين كرم<br />

العلم ودعا إليه مثلما فعل اإلسالم،‏ ومعجزته القرآن،‏ كتاب العقل و<br />

الوجدان")‏ الصاحل،‏ م.‏<br />

: 2222<br />

‎21‎‏(.لقد كان املسجد والزال هو بدء<br />

احلركة العلمية فهو ساحة عبادة وهو معهد وجامعة...وإذا كان العلم<br />

قضية اإلميان فإن فيه راحة اإلنسان وفيه خمتلف ألوان املعارف والعلوم،‏<br />

ففي املسجد درج العلم وانبثقت ثورات فكرية ودينية وعلمية غريت مالمح<br />

التفكري البشري وشكلت اجتاهاته،وقامت حلقات الدرس فيه منذ أن<br />

انشأ واستمرت على مر السنني والقرون ولعل السبب يف جعل املسجد<br />

مركزا ثقافيا هو أن الدراسات األوىل كانت تهتم بتعليم اإلسالم وهذه<br />

اتصلت باملسجد اتصاال وثيقا،‏ ومل خيتص املسجد بتعليم الكبار فقط<br />

غري أن تعليم الصغار فإن فقهاء املذهب املالكي يرون أن تعليمهم يف<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

املسجد غري الئق حيث قال اإلمام مالك<br />

"<br />

ال أرى ذلك جيوز،‏ ألنهم ال<br />

يتنظفون من النجاسة،‏ ومل ينصب املسجد للتعليم")التيجاني،‏ ع.‏<br />

: 1892<br />

.) 22<br />

ت<br />

الرباطات:"هو يف األصل رابط إذا الزم ثغر العدو،‏ وقد أطلق لفظ<br />

الرباط على بعض الثكنات العسكرية اليت تقام يف الثغور وأصبحت مع<br />

مرور الزمن تطلق على البيوت اليت يأوي إليها املتقشفون و الصوفية ابتعادا<br />

عن الضوضاء واعتكافا على العبادة")‏ التيجاني،‏ ع.‏ 1892<br />

: .)11 كانوا<br />

:<br />

يقومون بدراسة القرآن واحلديث وغريهما أيام السلم و اهلدنة كان<br />

العلماء يأتون هذه الرباطات وخاصة أيام رمضان للعبادة والتدريس ومن<br />

أعماهلم استنسايف الكتب وحتبيسها على طالب العلم.‏<br />

الزوايا:‏ هي بيت أو جمموع بيوت يبنيها الفضالء إليواء الضيوف<br />

وقراءة القرآن وذكر اهلل تعاىل.‏ ‏"هي عبارة عن مسجد ومدرسة أو معهد<br />

للتعليم القرآني والديين ومأوى للطلبة الداخليني يعيشون يف تلك الزاوية<br />

بال مقابل وهي يف اجلملة قصرية احليطان،‏ منخفضة القباب،‏ قليلة<br />

النوافذ،‏ وإذا كان للزاوية مسجد فهو يف الغالب بدون مئذنة وقد كانت<br />

بعض الزوايا متخصصة يف استقبال نوع معني من الضيوف")نسيب،م.‏ ب<br />

11(، وقد بنت اجلزائر زوايا على شكل مساجد يؤمها الصوفية<br />

املتعبدون،‏ ويدير أمرها مشايخ الطرق،‏ يصلون فيها ويدرسون القرآن<br />

وخمتلف العلوم،‏ ويذكرون اهلل فيها ويربون الناس فيها تربية علمية<br />

روحية،‏ لقد كانت زوايا القرآن والعلم والرتبية يف اجلزائر حصنا للثقافة<br />

اإلسالمية ومنهال للغة العربية ومدرسة للرتبية الدينية الوطنية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

" الكتاتيب:‏<br />

الكتاب هو اقل وحدة تعليمية منتشرة بشكل كبري<br />

من الزوايا إذ تتواجد يف أحياء املدن والقرى،‏ وقد تكون حجرة من منزل<br />

أو بناية مستقلة على شكل مدرسة أو ملحقة مبسجد بنيت خصيصا<br />

لتعليم القرآن ويعلم فيه بأجرة يتقاضاها من أولياء التالميذ")غياث،‏<br />

ب.‏‎1882‎<br />

".)21 :<br />

أثاثه احلصر وجمموعة من األلواح اخلشبية وأقالم من<br />

قصب وكمية من الصلصال والصمغ وجمموعة من املصاحف وبعض<br />

الكتب الفقهية والنحوية والصرفية والتعليم بالكتاب تعليم أولي ومنه<br />

ينتقل التالميذ إىل زوايا ومساجد كربى إلنهاء دراستهم الثانوية")‏<br />

التيجاني،‏ ع.‏<br />

،)12 :1892<br />

وقد قام الكتاب مبهمة تربوية عظيمة حيث<br />

جنده يف كل مكان وكان يؤمه األطفال ليحفظوا بعض السور من<br />

القرآن ومبادئ العبادات جبانب القراءة والكتابة.‏<br />

لعبت املؤسسات الدينية اإلسالمية دورا كبريا يف ترسيخ اللغة<br />

العربية و احلفاظ على املقومات اإلسالمية وبينت مدى اهتمام اجلزائريني<br />

بتعليم أوالدهم،‏ كما جند تنوع املواد اليت تدرس فاملؤسسات الدينية<br />

اإلسالمية كانت متاثل مستوى التعليم االبتدائي تقريبا وكانت تنظم يف<br />

بعض الكتاتيب حلقات يف دراسة مبادئ التوحيد و الفقه و التجويد<br />

للتالميذ.‏<br />

مراحل التعليم:‏ كان التعليم العربي اإلسالمي احلر يشمل ثالث<br />

مراحل تعليم ابتدائي وتعليم ثانوي وعالي:‏<br />

التعليم االبتدائي:‏ ويعطى يف الكتاتيب ويقبل الناس عليه إقباال<br />

شديدا فال جند مدينة أو قرية إال بها الكتاب وكان التعليم بها سطحيا<br />

جدا يشمل:‏ القراءة الكتابة والقرآن الشريف،‏ وبفضل تلك الكتاتيب<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

كانت األمية قليلة االنتشار بالقطر اجلزائري،‏<br />

"<br />

يسجل الوالدين األوالد<br />

يف سن مبكرة غري أن املعلمني يرون خالف ذلك،‏ واتفق اجلانبني على سن<br />

السادسة أو السابعة وهي السن املعتدلة اليت ميكن للطفل أن يستوعب ما<br />

يلقى عليه وهي السن اليت يأمر بها الصيب باآلداب الشرعية الكتمال<br />

وعيه")‏ التيجاني،‏ ع.‏<br />

)11 : 1892<br />

واقتصر التعليم يف الكتاب على<br />

األوالد فقط خصوصا يف البادية.‏<br />

التعليم الثانوي و العالي:‏ كانا باملساجد والزوايا يتوالها شيويف من<br />

املشهود هلم بالعلم والدراية والنزاهة،‏<br />

فكانت الدروس اإلسالمية والعربية توجد يف أغلب املساجد و<br />

الزوايا.‏<br />

الربامج الرتبوية يف املؤسسات الدينية اإلسالمية:‏<br />

إن الرتبية هي مناط تنشئة األجيال على االستقامة والرتباط العلم<br />

ارتباطا وثيقا بالدين اعتمد املعلمني على التأكيد على الرتبية اإلسالمية<br />

وإدراجها ضمن املقررات وقسمت الربامج إىل قسمني برامج خاصة بالتعليم<br />

االبتدائي وبرامج تتعلق بالتعليم الثانوي و العالي:‏<br />

برامج التعليم االبتدائي:‏ " متثلت براجمه يف القراءة والكتابة بعد<br />

حفظه للحروف اهلجائية والتخطيط على اللوح ثم كتابتها،‏ وحفظ القرآن<br />

حيفظ بعض السور كسورة اإلخالص والفاحتة و الكوثر بالرتديد<br />

اجلماعي للصبية،‏ ينتقل بعد ذلك إىل الصف األول ويعتمد على نفسه يف<br />

كتابة وحفظ السور حتى خيتم القرآن،‏ ويقوم املعلم بتعليمه املبادئ<br />

األولية يف الفقه والتوحيد باإلضافة إىل احلساب")‏ التيجاني،‏ ع.‏<br />

:1892<br />

.)12<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />

العدد الثاني<br />

جوان


‎2‎<br />

‎1‎<br />

الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

الربامج املتعلقة بالتعليم الثانوي والعالي:‏ أي التعليم باملساجد اليت<br />

هلا مسعة شيخه ليتعلم النحو والصرف والبالغة وعلوم الفقه والشريعة<br />

وأصول الدين والتفسري واحلديث وهذه النظم التعليمية تكاد متشابهة يف<br />

مجيع أقطار املغرب العربي واجلزائر خاصة وكمثال منطقة تلمسان<br />

" متثلت يف:‏<br />

التوحيد:‏ من بني املؤلفات السنوسية حملمد بن يوسف من بين<br />

سنوس،‏ واجلوهرة لإلمام إبراهيم اللقاني املصري،‏ والدرر اللوامع لإلمام<br />

املقرى علي بن حممد الرباطي يف الفقه:املرشد املعني البن عاشر،‏ الرسالة<br />

لعبد اهلل ابن أبي زيد القريواني،‏ واملختصر للشيخ خليل بن إسحاق<br />

املالكي،‏ السرية:كتاب الربدة حملمد سعد بن الصنهاجي،‏ والشمائل ألبو<br />

عيسى الرتمذي أما القواعد:‏ كتاب األرجومية حملمد بن أرجوم<br />

الصنهاجي،‏ وكتاب القطر البن هشام،‏ واأللفية حملمد بن مالك<br />

األندلسي")")‏<br />

التيجاني،‏ ع.‏ 12(. 1892:<br />

يتم التعليم يف املسجد وفق نظام معني حيدده الشيخ واملعلمون<br />

ويكون يف حلقات أو جلسات بني كل صالة<br />

خالل أيام األسبوع كلهن تستهدف الرتبية إىل بناء إنسان على خلق<br />

قويم وقيام جمتمع تسوده جمموعة من<br />

القيم احلميدة واملثل العليا والقيم واألخالق اإلسالمية تتميز بأنها<br />

واقعية مبقدور اإلنسان أن يتخلق بها وأن<br />

يلتزم بها ومن أساليب الرتبية اإلسالمية<br />

:<br />

"<br />

أسلوب الرتغيب والرتهيب.‏<br />

أسلوب القصص القرآنية والنبوية وهو من أقوى أساليب الرتبية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />

العدد الثاني<br />

جوان


‎2‎<br />

الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

احلوار")‏ رجب،‏ م.‏<br />

أسلوب األمثال وما يفيض به من عوامل التأثري و أسلوب<br />

.)89: 2228<br />

مكتبة املسجد:"‏ كانت املكتبات تلحق<br />

باملساجد أو تنقل إىل مكان قريب منه تعمل على مجع الكتب وترمجتها<br />

من شتى العلوم وخاصة علوم الدين والطب والطبيعة يقوم املسؤولون عليها<br />

بنسخ وترمجة الكتب وتصنيفها حتى يتسنى للطلبة االطالع عليها")عبده،‏<br />

م.‏ .)18 -19 :1899<br />

أهم خصائص الرتبية يف املساجد:‏<br />

- 1<br />

أوىل ‏"خصائص الرتبية هي أنها تربية إميانية تهدف إىل<br />

تكوين اإلنسان املؤمن الذي يوحد اهلل تعاىل،‏ ويراقبه يف سره<br />

وعالنيته")الصاحل،‏ م.‏‎2222‎‏:‏<br />

،)18<br />

وهذه الوصية الرتبوية النبوية تدل<br />

على أن العقيدة هي أساس الرتبية يف املنهج اإلسالمي،‏ فاإلميان بأن اهلل<br />

تعاىل هو وحده احلافظ واملعني والنافع والضار،‏ حيرر فكر اإلنسان من<br />

األوهام واخلرافات،‏ ويوجهه يف طريق التفكري السليم.‏<br />

- 2<br />

‏"تربية متوازنة<br />

:<br />

من أهم خصائص الرتبية يف املنهج<br />

اإلسالمي أنها تربية تهتم ببناء شخصية اإلنسان من مجيع جوانبها،‏ تقدم<br />

له حاجته من الرتبية الروحية والعقلية واجلسدية،‏ وتسعى لتنمية طاقاته<br />

املتنوعة وصقل مواهبه،‏ وتتجلى أهمية الدين يف احلياة البشرية من خالل<br />

ارتباط الراحة النفسية باالعتقاد أو الدين فهو عنصر ضروري لتحقيق ذلك<br />

‏")قطب،‏ م.‏<br />

:1892<br />

أجنع وسائلها،‏ وأنفع أدواتها.‏<br />

- 2<br />

28(، وللعبادة فضل كبري يف الرتبية الروحية،‏ فهي<br />

‏"تربية مستمرة:‏ ومعنى مستمرة أنها ليست حمصورة يف<br />

مرحلة معينة من العمر،‏ بل تستمر مدى احلياة،‏ يف مرحلة الصغر يقوم بها<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

املعلمني،‏ ويف مرحلة الرشد يواصل اإلنسان نفسه تربيته ‏")الصاحل،‏<br />

م.‏‎2222‎‏:‏ 12(.<br />

- 1<br />

‏"الرتبية العلمية و العملية:‏ اهتم اإلسالم باجلانب العلمي<br />

وتنمية العقل وشجع عليه من خالل تنمية القيم العلمية لدى األفراد ورفع<br />

مكانة العلماء،‏ وأن ال تكون الدراسة نظرية فحسب بل جيب أن تكون<br />

دراسة من أجل التطبيق العملي هلا يف جمال الرتبية و التعليم")‏ رجب،‏ م.‏<br />

: 2228<br />

111(. متيز املسجد مبجموعة من اخلصائص ساعدت يف انتشار<br />

العلم واملعرفة والثقافة اإلسالمية يف مجيع املناطق اجلزائرية أهم هذه<br />

اخلصائص،‏ جمانية التعليم ودعوة معلميه إىل العلم واحلث عليه وعدم<br />

كتمان العلم،‏ وهذه هي النقاط األساسية للتعليم يف املسجد وقد اهتمت<br />

الرسالة الرتبوية للمسجد ببناء الشخصية اإلسالمية من مجيع جوانبها<br />

بناءا متكامال ومتوازنا وتربى فيه املسلم تربية وجدانية،‏ روحية،‏<br />

واجتماعية،‏ وفق تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية،"وتعد الدروس<br />

الفقهية والعلمية من أهم العناصر اليت تساعد يف نشر الثقافة يف خمتلف<br />

أرجاء اجملتمع اإلسالمي وتؤتي هذه الدروس مثارها يف نشر الوعي<br />

والثقافة الدينية بني مجوع املصلني")نوبي،ح.‏‎2222‎‏:‏ 121(.<br />

الرتبية يف فرتة االحتالل الفرنسي:‏<br />

أصرت السلطات الفرنسية على طمس الشخصية اإلسالمية<br />

اجلزائرية فمارست مجلة من املمارسات التعسفية ضد املؤسسات الدينية<br />

‏"حيث سجل الكاتب الفرنسي"‏<br />

‏)التيجاني،‏ ع.‏<br />

القرارات التعسفية:‏<br />

"René Basset<br />

19 كتابا ومسجدا<br />

"<br />

)22 :1892<br />

فقط يف مطلع القرن العشرين ومن أهم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

التضييق على التعليم العربي اإلسالمي:‏<br />

أدرك املستعمر منذ احتالله اجلزائر،‏ خطورة الرسالة اليت تؤديها<br />

املساجد والكتاتيب والزوايا،‏ يف احملافظة على شخصية األمة.‏ فلم تكن<br />

هذه املراكز قاصرة على أداء الشعائر التعبدية فحسب،‏ بل كانت<br />

أيضًا حماضر للرتبية والتعليم وإعداد الرجال الصاحلني املصلحني،‏<br />

لذلك صبّت فرنسا غضبها عليها بشدة،‏ فعمدت إىل إمخاد جذوة العلوم<br />

واملعارف حتت أنقاض املساجد والكتاتيب والزوايا حيث قال الكردينال<br />

الفيجري ‏"علينا أن خنلص هذا الشعب،‏ وحنرره من قرآنه،‏ وعلينا أن نعين<br />

على األقل باألطفال لننشئهم على مبادئ غري اليت شب عليها أجدادهم<br />

فان واجب فرنسا تعليمهم اإلجنيل،‏ أو طردهم إىل أقاصي الصحراء<br />

)18 :<br />

-<br />

-<br />

بعيدين عن العامل املتحضر")‏ حزيف،‏ ص.‏‎1892‎<br />

مدمريه وعمل على:‏<br />

وهلذا جند املستعمر<br />

‏"استيالؤها وقضاءها على معظم معاهد العلم و التعليم اليت<br />

كانت موجودة مثل املساجد والزوايا والكتاتيب وحرق معظما وحولت<br />

األخرى إىل كنائس وثكنات عسكرية)كجامع كتشاوة باجلزائر(.‏<br />

القضاء على معظم رجال العلم و التعليم ورجال الطرق الصوفية<br />

الصاحلون.‏<br />

- سحب الرخص املتعلقة بالتعليم بفضل قانون<br />

1821/2/21<br />

الذي<br />

مينع أي جزائري بفتح مدرسة أو كتاب لتعليم القرآن الكريم إال<br />

برتخيص خاص من احملافظ أو احلاكم العسكري.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 010<br />

العدد الثاني<br />

جوان


یوأ<br />

الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

-<br />

فرض نظام تربوي مسيحي على أنقاض النظام الرتبوي العربي<br />

اإلسالمي")عمامرة،ر.ب ت<br />

.)112 :<br />

مصادرة األوقاف اإلسالمية:‏ باعتبار التعليم يف اجلزائر يعتمد<br />

اعتمادًا كبريًا على مردود األوقاف اإلسالمية يف تأدية رسالته،‏ وكانت<br />

هذه األمالك قد وقفها أصحابها للخدمات اخلريية،‏ وخاصة املشاريع<br />

الرتبوية كاملدارس واملساجد والزوايا.‏ وكان االستعمار يدرك بأن التعليم<br />

ليس أداة جتديد خُلقي فحسب،‏ بل هو أداة سلطة وسلطان ووسيلة نفوذ<br />

وسيطرة،‏ وأنه ال بقاء له إال بالسيطرة عليه،‏ فوضع يده على األوقاف،‏<br />

قاطعًا بذلك شرايني احلياة الثقافية.‏<br />

اهلياكل التعليمية املسيحية:‏<br />

الكنائس:‏ الكنيسة ‏"هي املؤسسة اإلهلية العظمى و املعنى<br />

احلقيقي لكلمة ‏"كنيسة"‏ مأخوذ من أصل الكلمة اليونانية<br />

أكليسيا :<br />

ويعين مجاعة املؤمنني")‏‎226،Antoine‏:‏ .)A et all. 2008<br />

ینتظم<br />

املؤمنون يف الكنيسة اإلجنيلية بهدف القيام باخلدمات الدینية<br />

والرتبویة واالجتماعية واخلريیة اليت تقوم بها الكنائس عموما ومنها:‏<br />

- 1<br />

‏"عبادة اهلل وممارسة الفرائض املسيحية إلمتام هذه الغایة،‏<br />

تقيم الكنيسة خدمات العبادة املنظمة أیام اآلحاد<br />

األسبوع.‏<br />

- 2<br />

ام أخرى وسط<br />

بناء املؤمنني روحيا،‏ وذلك من خالل الوعظ من الكتاب<br />

املقدس وتعليم العقائد واملبادئ املسيحية املعلنة فيه.‏<br />

- 2<br />

العمل اإلرسالي وما يتضمنه من تأسيس الكنائس احمللية<br />

واملؤسسات اخلريية واإلنسانية والرتبوية ودور النشر واملكتبات وبنائها.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 012<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

- 1<br />

- 1<br />

الشراكة األخوية بني املؤمنني حبسب تعاليم الرب ووصاياه.‏<br />

تدريب اخلدام الكنسيني والقادة الروحيني وجتهيزهم،‏<br />

وذلك عرب التعليم األكادميي والالهوتي يف معهد الالهوت املعمداني،‏ وغريه<br />

من مراكز الرتبية الدینية اليت قد تنشئها<br />

الكنيسة")‏Chapeau‏،‏ S.2004 :<br />

.)220<br />

املدارس الدينية املسيحية:‏ هي مدارس ‏"ذات صبغة تبشريية تابعة<br />

للكنيسة الفرنسية أسسها الكردينال الفيجريي عام<br />

وكون 1919<br />

مراكز مسيت مبدارس اآلباء البيض كانت ممولة من طرف أغنياء<br />

فرنسا أهم املراكز منطقة القبائل حيث سجل فيها مخس مدارس يف سنة<br />

1972<br />

عدد تالميذها أقل من<br />

12<br />

تالميذ ‏)مبنطقة تاغمونت عزوز،‏<br />

تواريت عبد اهلل،‏ أبركانن،‏ بين امساعيل،‏ بن منقالت(‏ و يف سنة 1971<br />

فتحت مدرستني مبنطقة آيت لرباع و منطقة صهاريج.‏ باإلضافة إىل<br />

مدارس مبدينة العاصمة وورقلة واألغواط بسكرة وبوسعادة و حتى<br />

مدرسة مبنطقة اهلقار،‏ حيث وصلت عدد املدارس يف سنة<br />

مركزا مسيحيا و<br />

11 إىل 1977<br />

17<br />

راهبا و‎121‎ مبشر وموزعة على هذه املناطق،‏<br />

وجدت يف اجلزائر ثالث أبرشيات)العاصمة،‏ وهران وقسنطينة(‏ تتفرع<br />

منها جمموعة من املراكز هلا أهداف ظاهرها الرمحة والتعليم وباطنها<br />

التبشري")‏‎102-116،Ceillier .) J-C.2008 :<br />

نظام التعليم يف املؤسسات املسيحية:‏ هناك مرحلتني يف التعليم<br />

املسيحي باجلزائر مرحلة الرتهنب واملرحلة الالهوتية.‏<br />

- 1<br />

" الرتهنب:‏ هي<br />

فرتة من التدريب الروحي قبل التثبيت بعد<br />

تعميد الطفل ومل حتدد املدة فيها وقد تكون مدتها ثالث سنوات إذا مت<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

مقاطعة الطالب من طرف والديه و سنة واحدة إذا كان الطالب يتيم<br />

الوالدين وهي الفرتة اليت حددها الفيجريي،‏ وتعترب هذه املرحلة مبثابة<br />

املرحلة االبتدائية وتداول على ترأسها األب<br />

،Charbonnier<br />

، Chapeau(" Viven، Lechaptois،Bridoux،Toulotte<br />

) S.2004 : 37<br />

- 2<br />

" الالهوتية:‏<br />

الالهوت عند بولتمان هو إيضاح منظم<br />

لكلمة الرب،‏ وكشف للفهم الذاتي املعطى من خالل هذه الكلمة<br />

واإلميان")قاسم،ع.‏<br />

: 2221<br />

" ‎222‎‏(هي<br />

أكادميية مسيحية تعترب مبثابة<br />

املرحلة الثانوية والعالية مدتها أربعة سنوات بنيت أول مدرسة مبنطقة<br />

األبيار سنة Ceillier("1972<br />

برامج التعليم:‏<br />

.) J-C.2008 : 118،<br />

كان اهلدف األول من التعليم بالنسبة لالفيجريي هو تكوين رجا<br />

ونساء أقوياء روحيا متشبعني بالرتبية املسيحية حتى يكون اخللف الذي<br />

يقوم بتنصري اجلزائريني عن طريق اجلزائريني نفسهم ومتثلت الربامج<br />

التعليمية الرتبوية املسيحية يف الرتكيز على"‏ احملبة األخوية والصحة<br />

واحلياة الروحية والتفان والتضحية واألمانة واإلخالص يف الصالة واحملبة<br />

األخوية و الرتكيز على الروح األسرية بني اإلخوة باإلضافة إىل تعلم اللغة<br />

الفرنسية وقواعدها وتلقني بعض نصوص الكتاب املقدس")‏<br />

،Ceillier<br />

)J-C.2008 : 116<br />

املرحلة الالهوتية فرتكز على<br />

"<br />

ويعترب هذا الربنامج األول يف مرحلة الرتهنب أما<br />

تلقني الطالب الكتاب املقدس دون نقد<br />

حسب ما هو موجود يف الدليل وإتباع النص املطروح وال جيب على املعلم<br />

االنشغال يف التطوير الشخصي هلذه النصوص كما جاء يف املقررات لذلك<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

جند رقابة صارمة من طرف املشرف على املدرسة ومن أساليب التعليم<br />

فيها أسلوب القصة واحلكم وشرح النصوص تارخييا ولغويا واألخذ<br />

باملوعظة املستنتجة منها")‏Chapeau<br />

.) S.2004 : 237،<br />

أهداف النظام التعليمي املسيحي:أهداف النظام الرتبوي يف هذه<br />

الفرتة هي أهداف استعمارية تبشريية يقول سكرتري ‏)بيجو(:"‏ آخر أيام<br />

اإلسالم قد دننت ويف خالل عشرين عاما لن يكون للجزائر اله غري<br />

املسيح.‏ أما العرب فلن يكونوا ملكا لفرنسا إال إذا أصبحوا مسيحيني<br />

مجيعا")حزيف،‏ ص.‏‎1892‎<br />

أساسية:‏<br />

)18 :<br />

" - 1<br />

الثقافة اإلسالمية.‏<br />

- 2<br />

على الدين اإلسالمي.‏<br />

- 2<br />

مسيحية")أبو القاسم،س.‏ 1889<br />

نلخص أهداف املستعمر يف ثالث نقاط<br />

الفرنسة:‏ إحالل اللغة الفرنسية وثقافتها مقام العربية و<br />

التنصري:‏ هو أداة سياسية يف ثوب ديين هدفه القضاء<br />

اإلدماج:‏ ربط اجلزائريني ثقافيا وخلق عائلة عربية<br />

.)98 -21 :<br />

دور اهلياكل الرتبوية اجلزائرية يف اإلصالح:‏ لقد عانت املؤسسات<br />

الدينية اإلسالمية جراء حماوالت املستعمر وفرض نوع من التعليم والرتبية<br />

املسيحية،‏ مما اضطر بعض املصلحني إىل تأسيس نظام تربوي تعليمي<br />

خاص بهم تولت القيادات مهامه ومن أبرزهم الشيخ احلداد املقراني<br />

واألمري عبد القادر وابن باديس.‏<br />

حيث عمل األمري عبد القادر إىل جانب دوره السياسي القومي<br />

بالرتكيز على قضية التعليم وقد رتب يف سائر املدن والقرى هياكل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

تعليمية ملحقة ببعض املساجد أو مستقلة الستقبال التالميذ ووظف علماء<br />

لتدريسهم مجيع فنون العلم املوجودة آنذاك وخص املعلمني بأجور حسب<br />

الدرجة العلمية والتخصص.وحرص على توفري الكتب واجتهد يف مجعها<br />

وأوجد مكتبة ورتبها يف الزمالة غري أنه مت حرقها يف معركة طاكني.‏<br />

" وظهر<br />

الشيخ عبد احلميد ابن باديس حيث آمن أن مقاومة االحتالل<br />

تكون بالتعليم فعمل على نشر العلم والعودة إىل اإلسالم وحماربة الفرق<br />

الصوفية الضالة اليت تعاونت مع االستعمار وكانت املساجد هي امليادين<br />

اليت يلقى فيها دروسه مثل اجلامع األخضر،‏ مسجد سيدي قموش،‏<br />

اجلامع الكبري بقسنطينة وأسس مكتب التعليم االبتدائي يف مسجد<br />

سيدي بومعزة ثم تطور إىل مجعية الرتبية والتعليم اإلسالمية تضم<br />

االجتاهات املذهبية املختلفة:‏ مالكيني،‏ اباضيني ومصلحني طرقيني<br />

ليرتأس بذلك مجعية العلماء املسلمني")‏ حزيف،‏ ص.‏‎1892‎<br />

األهداف الرتبوية:‏<br />

.)11<br />

-11 :<br />

-<br />

-<br />

"-<br />

نشر األخالق الفاضلة واملعارف الدينية العربية.‏<br />

العناية بالطلبة وسري عملهم وتطور معارفهم.‏<br />

األماكن البعيدة.‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

تكوين صندوق مالي خمصص إلعانة الطلبة الوافدين من<br />

إرسال بعثات إىل تونس ومصر واملغرب وسوريا لطلب العلم.‏<br />

إحداث شهادة املدرسة االبتدائية بعد عام 1812.<br />

إصدار صحف وجمالت مثل املتقد<br />

الصراط والبصائر")‏ حزيف،‏ ص.‏‎1892‎<br />

1821<br />

.)19 -12 :<br />

و الشهاب و السنة و<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 011<br />

العدد الثاني<br />

جوان


أ-‏<br />

الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

السابع<br />

وكان<br />

أخرى<br />

الدينية<br />

مرحلة االستقالل:‏<br />

ظهرت<br />

ميالدي<br />

املسجد<br />

شاركته<br />

سواء<br />

املؤسسات<br />

- اهلجري األول القرن منذ اجلزائر يف الدينية<br />

–<br />

هو<br />

ذات<br />

يف<br />

عندما<br />

هذه أول<br />

رسالته<br />

الطابع<br />

اإلسالم وصل<br />

املؤسسات<br />

مثل:الزوايا<br />

االجتماعي<br />

،<br />

"<br />

-<br />

أو<br />

على<br />

ثم<br />

الفاحتني أيدي<br />

األوائل،‏<br />

ظهرت بعد ذلك مؤسسات<br />

واملدارس<br />

الرتبوي<br />

القرآنية<br />

ومؤسسات<br />

واجلمعيات<br />

التكوين<br />

الديين من جامعات ومعاهد إسالمية واجمللس،اإلسالمي األعلى،‏ ووزارة<br />

الشؤون الدينية ومديرياتها الوالئية.‏<br />

واألوقاف<br />

مباشرة،‏<br />

أنواع املؤسسات الدينية اإلسالمية يف اجلزائر:‏<br />

أكرب<br />

إن<br />

وزارة<br />

وجود<br />

الشؤون<br />

مؤسسة<br />

هذه<br />

دينية<br />

الدائرة<br />

الدينية<br />

يف<br />

احلكومية بعد االستقالل قد جعلها<br />

اجملال أبرزها كربى<br />

الوقفي،‏<br />

الوزارية<br />

جانب نشاطات أخرى ال تقل أهمية،‏ و<br />

واألوقاف:‏<br />

اجلزائر،‏<br />

تتميز<br />

الشؤون وزارة<br />

أنشأت بعد<br />

ضمن خمتلف<br />

و صوصيات<br />

الدينية<br />

االستقالل<br />

التشكيالت<br />

تنفرد<br />

الثقافة اإلسالمية واإلرشاد الديين<br />

هي :<br />

بهمام<br />

إىل<br />

التعليم القرآني و التكوين<br />

واحملافظة على الرتاث،‏ تندرج حتتها جمموعة من املديريات مديرية احلج<br />

والعمرة ومديرية<br />

اإلسالمية<br />

حيث<br />

الديين يف اجلزائر.‏<br />

ب-‏ -<br />

التوجيه<br />

تهتم<br />

اجمللس<br />

الديين<br />

والتعليم<br />

القرآني<br />

ومديرية<br />

الثقافة<br />

هاتان األخريتان بكل مل يتعلق بالرتبية والتعليم<br />

اإلسالمي<br />

األعلى:‏<br />

يعترب<br />

األعلى ثاني اكرب مؤسسة دينية على املستوى الوطين<br />

اجمللس<br />

، مت<br />

اإلسالمي<br />

تأسيسه سنة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 017<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

-<br />

‎1966‎كهيئة تابعة لوزارة الشؤون يشمل ثالث حماور تهتم بالتكوين<br />

والرتبية الدينية نشر الثقافة اإلسالمية الصحيحة و املشاركة الدولية<br />

لتبادل املعلومات بني خمتلف الديانات.‏<br />

بالشخصية املعنوية<br />

ج-‏ مؤسسة املسجد<br />

:<br />

،<br />

مبقتضى املرسوم التنفيذي رقم<br />

هي مؤسسة دينية رمسية تتمتع<br />

واالستقالل املالي غايتها النفع العام ، مت إنشائها<br />

7 يف -81 92<br />

رمضان عام<br />

1881<br />

واهلدف من إنشائها هو تفعيل أكثر لرسالة املسجد وتوحيد الرؤية<br />

للرسالة املسجدية")الويفي،س.‏ 2228-<br />

أهداف املسجد<br />

.)122 -81 : 2212<br />

الرتبوية :<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

التعليمي حسب ما هو موكل إليها وزاريا مبا يلي:‏<br />

تقوم مؤسسة املسجد يف اجملال الرتبوي<br />

القيام بنشر القرآن الكريم وتيسري حتفيظه بالوسائل املختلفة.‏<br />

تعليم األطفال واألميني من الرجال والنساء ما تيسر من القرآن<br />

الكريم،‏ كتابة وقراءة مع األداء السليم،‏ والفهم الصحيح.‏<br />

تعليم الضروري من الدين،‏ وتلقني املختارات من األحاديث<br />

النبوية الشرفة ذات الصلة الوثيقة بتنظيم احلياة وتقويم السلوك.‏<br />

االعتناء بالناشئة وتعهدها خالل مراحل تكوينها،‏ وال سيما<br />

مرحلة احلضانة ضمانا لتواصل القيم الدينية عرب األجيال.‏<br />

‏-العناية بعمارة املساجد بدروس الفقه والتفسري وغريها من العلوم<br />

اإلسالمية.‏<br />

توفري الظروف املالئمة للمرأة قصد املساهمة يف خمتلف أوجه<br />

نشاط املسجد<br />

‏-العمل على ترقية الكتاتيب إىل أقسام ومدارس للتعليم القرآن.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 018<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

أقسام املسجد:‏ يقسم املسجد إىل:‏ اجمللس العلمي،‏ جملس البناء<br />

سبل<br />

باإلضافة إىل جملس املسجدي والتعليم اقرأ والتجهيز وجملس اخلريات.‏<br />

: أنواع املساجد<br />

هناك ثالث أنواع من املساجد حسب وزارة الشؤون الدينية مساجد<br />

أثرية وهي املساجد اليت هلا ميزة تارخيية و أثرها احلضاري ومساجد<br />

وطنية هي املساجد الكربى ذات اهلندسة املعمارية املميزة حيث يصنف<br />

كال النوعني لدى وزارة الشؤون الدينية وتهتم بها و تعني األئمة املعلمني<br />

فيها واملساجد احمللية وهي األكثر انتشارا يف اجلزائر وال تصنف ضمن<br />

السابقتني واألكثر قربا من اجملتمع احمللي غري أنها ال تؤدي وظيفتها<br />

كاملة من حلقات وجلسات إال القليل وتقتصر الدروس على الدرس<br />

األسبوعي فقط يوم اجلمعة وال يرتدد الطلبة عليها إال نادرا ومل تعد تؤدي<br />

دورها الرتبوي كما عهدت عليه ويعود ذلك للتعليم الرمسي يف املدارس<br />

وقلة األئمة الفقهاء واخلرجني من املعاهد.‏<br />

إن املسجد لو أدى وظيفته على النحو الذي بين عليه يف احلقيقة<br />

فإن األسباب اليت أدت إىل عزله عن اجملتمع وحتليل وظائفه يف البيئة اليت<br />

صرفت الناس عنه سواء كانت أسباب نابعة من اجملتمع أو الوافدة لبدأ<br />

املسجد يسهم يف أداء الواجب املنوط به فإن هذه األسباب ستفقد فعاليتها<br />

وتزول زواال مطلقا وعندئذ يعود للمسجد مكانته وللمجتمع عزته.‏<br />

املدارس القرآنية:‏ تعترب املدارس القرآنية من املؤسسات الدينية<br />

الرمسية اليت تقوم بتحفيظ القرآن الكريم،‏ وتلقني املبادئ العامة<br />

ألحكام الرتبية اإلسالمية وتكون هذه املدارس ملحقة باملساجد الوطنية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 019<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

الرمسية يف غالبيتها حيث تتكون من جمموعة من األقسام يشرف عليها<br />

جمموعة من املرشدين واملرشدات بتم من خالهلا حتفيط القرآن وتلقني<br />

خمتلف العلوم الشرعية.‏<br />

املعاهد التعليمية الدينية:‏<br />

وهي مؤسسة التعليم تكوين اإلطارات الدينية و األوقاف،‏<br />

واملؤسسات اجلامعية التابعة لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي وهي<br />

قسمان املعاهد اإلسالمية لتكوين اإلطارات الدينية واملركز الثقايف<br />

اإلسالمي.‏<br />

الزوايا:‏ هي املؤسسات الدينية غري رمسية املنتشرة عرب ربوع الوطن<br />

ونظرا الهتمام الدول بها وتدعيمها فهي تكاد تكون رمسية ويقدر<br />

عددها ب‎722‎ زاوية،‏ وهناك نوعني من الزوايا،‏ الزوايا اليت أسست<br />

لعبادة اهلل وحتفيظ القرآن وتعليم الدين و الزوايا اليت يدعي شيوخها<br />

مبعرفة أسرار دينية غيبية،‏ وهذا النوع مال إىل اخلرافة واستغالل أموال<br />

الناس.‏<br />

قامت الزوايا أدوار تربوية تعليمية دينية من خالل حتفيظ القرآن<br />

وحماربة اجلهل و األمية وإزالة الفوارق االجتماعية،‏ وظهور هذه املعاهد<br />

أنقص بطريقة معينة من الدور الرتبوي للمسجد خاصة املساجد احمللية<br />

لنقص اإلمكانيات بها املادية واملعنوية.‏<br />

املؤسسات الدينية املسيحية:‏ بعد االستقالل قامت اجلزائر باستعادة<br />

ممتلكاتها من املساجد و اجلوامع اليت مت حتويلها إىل كنائس حيث<br />

يوجد يف اجلزائر اليوم ثالث أبرشيات رمسية توجد بوهران اجلزائر<br />

وقسنطينة.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

أبرشية وهران:‏ اليت أسست سنة<br />

12 راهبا 11 تتضمن 1911<br />

متدين وقيم أفرادها املسيحيني يف مناطق خمتلفة يف الغرب اجلزائري بعني<br />

الرتك،‏ أرزيو،‏ الغزوات،‏ معسكر،‏ مستغامن وسيدي بلعباس،‏ تيارت<br />

وتلمسان.‏<br />

أبرشية العاصمة:‏ اليت قام الكاردينال الفيجريي بتسيريها بعد<br />

الكاردينال بايف<br />

) Pavy(<br />

12<br />

راهب ومتدين باإلضافة إىل 71 متدينة.‏<br />

أبرشية قسنطينة:‏ تتكون من<br />

واليت أسس بها مجعية اآلباء البيض تتضمن<br />

18<br />

راهب و‎27‎ متدين وتتفرع إىل<br />

عدة مراكز بالشرق اجلزائري أهمها مركز عنابة الذي يهتم باستقبال<br />

التالميذ من خمتلف البلدان.‏<br />

أبرشية األغواط وغرداية:أسست سنة<br />

1972<br />

واحنصر دورها<br />

كثريا وهي اآلن تستقبل السياح ومكان للحج حيث تعترب املركز<br />

الروحي لشارل دو فوكو الذي عاش بها 11 سنة حيث وجد قربه يف قلعة<br />

بتمنراست.‏<br />

أدوارها الرتبوية:‏ ينحصر دورها الرتبوي على توفري املكتبات يف<br />

خمتلف مناطق اجلزائر كما تقوم باستقبال الطلبة األفارقة املسحيني أو<br />

تقديم ملتقيات فكرية أما األدوار األخرى فكلها خريية حيث تتكفل<br />

بالفقراء وذوي لالحتياجات اخلاصة.‏<br />

إن تغري حال املسجد عما كان يف سابق عهده وهذا نتيجة<br />

الصراعات اليت كانت ضد املسجد واليت قادها جمموعة من األشخاص<br />

استطاعوا يف كثري من األحوال أن يفصلوا بني املسجد واملسلمني<br />

واقتصرت الرتبية على صالة اجلمعة وأغلبها خالية من املكتبات أو إن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 070<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

وجدت فالكتب قليلة واهتمامهم بالنقوش والزينة اليت ابتدعت من اليهود<br />

والنصارى ويعود هذا االحنسار إىل تطور اجملتمعات العربية اإلسالمية،‏<br />

وإنشاء مؤسسات تعليمية مستقلة كانت يف األصل ملحقة باملسجد<br />

فانساليف هذه الوحدة التعليمية عن املساجد أدى بعزوف الناس عن املسجد<br />

مما أدى إىل ابتعادهم عن التوجيهات الروحية الصحيحة والتعاليم الدينية<br />

اليت تنمي الروح تنمية إسالمية،‏ وحالة االحنسار هذه تنطبق على<br />

الكنائس بسبب عودة املسحيني بعد استقالل إىل ديارهم باإلضافة إىل<br />

العشرية السوداء اليت ذهب ضحيتها العديد من الرهبان مما قلل نشاطهم<br />

التعليمي أو اخلريي.‏<br />

املراجع:‏<br />

أبو القاسم سعد اهلل،‏ تاريخ اجلزائر الثقايف،ج‎1‎‏،ط‎1‎‏،دالر الغرب اإلسالمي،‏<br />

بريوت،‏‎1889‎‏.‏<br />

أبو القاسم سعد اهلل،‏ حماضرات يف تاريخ اجلزائر احلديث،ط‎2‎‏،‏ الشركة الوطنية<br />

للنشر،‏ اجلزائر،‏ بدون تاريخ.‏<br />

أبومغلي مسيح وآخرون،‏ التنشئة االجتماعية للطفل،‏ دار البازوري العلمية للنشر<br />

والتوزيع،‏‎2222‎‏.‏<br />

البخاري محانة،‏ التعلم عند الغزالي،‏ املؤسسة الوطنية للكتاب،اجلزائر،‏ 1881.<br />

التيجاني عبد الرمحان بن امحد،‏ الكتاتيب القرآنية بندرومة)‏‎1822‎‏-‏<br />

املطبوعات اجلزائرية،‏ 1892.<br />

ديوان 1877(<br />

الرفاعي عبيد منصور،‏ مكانة املسجد ورسالته،مكتبة الدار العربية للكتاب،‏‎1887‎<br />

الصاحل حممد بن أمحد بن صاحل،‏ املسجد جامع وجامعة،‏ مكتبة امللك فهد الوطنية،‏<br />

ط‎1‎‏،‏ 2222.<br />

املختار علي حممد،‏ دور املسجد يف اإلسالم،‏ جملة احلق سلسلة شهرية،‏ العدد<br />

،11<br />

1121 ه<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 072<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

الويفي مسري،‏ دور املؤسسة الدينية الرمسية يف التغري االجتماعي،‏ مذكرة لنيل شهادة<br />

.2212<br />

املاجستري 2228-<br />

رجب مصطفى،‏ يف هوية الرتبية اإلسالمية،‏ دار العلم واإلميان للنشر والتوزيع،‏‎2228‎‏.‏<br />

رياض زاهر،‏ املسيحيون والقومية املصرية،‏ دار الطباعة القومية،‏ بدون تاريخ.‏<br />

حزيف صاحل،‏ األدب اجلزائري احلديث،‏ الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،‏ اجلزائر<br />

1892<br />

عبده حممد،‏ اإلسالم والنصرانية بني العلم واملدنية،‏ املؤسسة الوطنية للكتاب،‏<br />

اجلزائر،‏‎1899‎‏.‏<br />

عبيد منصور الرفاعي،‏ مكانة املسجد ورسالته،‏ مكتبة الدار العربية للكتاب،ط‎1‎‏،‏<br />

.1887<br />

عمامرة رابح تركي،‏ الشيخ عبد احلميد بن باديس فلسفته وجهوده يف الرتبية والتعليم،‏<br />

ط‎2‎‏،‏ الشركة الوطنية للنشر،‏ اجلزائر،بدون تاريخ.‏<br />

غياث بوفلجة،‏ الرتبية ومتطلباتها،ديوان املطبوعات اجلزائرية،‏ 1882.<br />

قاسم علي حسنني،‏ ملحد يف املذبح األقدس،‏ املكتبة املصرية،‏‎2221‎‏.‏<br />

قطب حممد،‏ منهج اإلسالم يف بناء العقيدة والشخصية،‏ دار االعتصام القاهرة،‏‎1892‎‏.‏<br />

نوبي حممد حسن،‏ عمارة املسجد يف ضوء اإلسالم و السنة،‏ دار نهضة الشرق،‏ 2222.<br />

نسيب حممد،‏ زوايا العلم والقرآن يف اجلزائر،دار الفكر اجلزائري بدون تاريخ.‏<br />

مهدي حممود أمحد،‏ نظام<br />

امللك فهد الوطنية للنشر،جدة،‏‎2222‎‏.‏<br />

الوقف يف التطبيق املعاصر،وقائع ندوات رقم‎11‎‏،‏ مكتبة<br />

Augerantoine، Fauvergue، Andre Sarnette، et all، dictionnaire<br />

Hachette، édition Hachette، 2008.<br />

Ceillier، Jean-Claude، histoire des missionnaires d’Afrique (Pères<br />

Blancs)، édition Carthala، 2008.<br />

Chapeu، Sybille، des chrétiens dans la guerre d’Algérie، édition<br />

Atelier، 2004.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الدور الرتبوي للمؤسسات الدينية قبل وبعد االستعمار الفرنسي<br />

بالل ريم<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />

العدد الثاني<br />

2102 جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية للعدو إبان الفرتة االستعمارية<br />

أ.‏ شاطو حممد،‏<br />

جامعة معسكر.‏<br />

الريب يف أن الدّعوة اإلسالمية إنّما قامت على عقيدة التوحيد،‏<br />

توحيد العقيدة،‏ وتوحيد الكلمة،‏ وتوحيد النّظم،‏ وتوحيد اجملتمعات،‏<br />

وتوحيد املقاصد والغايات؛ ظلّت املؤسسة الدينبة عرب العهود<br />

املتالحقة تتحمّل تبليغ رسالتها.‏<br />

فأصبح املسلمون بنعمة اهلل إخواناً،‏ فتحوا األصقاع والبقاع،‏<br />

وصاروا سادة األرض،‏ ودعاة الناس إىل احلرية واإلنسانية،‏ وقواد اإلصالح<br />

والعدالة اإلجتماعية والقيم األخالقية،‏<br />

اىل أن أصابهم الوهن،‏ فتخلوا عن واجبهم،‏ واستهانوا بوحدتهم؛<br />

فكانوا عرضة لالستعمار الذي نال كثرياً‏ من عزًتهم.‏<br />

وصدق الشاعر إذ يقول<br />

:<br />

تأبي الرّماح إذا اجتمعن تكسُراً‏<br />

***<br />

وإذا افرتقن تكسّرت آحادا<br />

فتوحيد الكلمة وتعزيز أواصر األخوة،‏ و ملّ‏ الشَمل ونبذ اخلالفات<br />

سيظل دائماً‏ رمز قوتنا وعزة أمتنا.‏<br />

فاملسلمون ملّة واحدة جيمعهم إله واحد،‏ وكتاب واحد،‏ ودين<br />

واحد،‏ وشريعة واحدة فما جيمعهم أكثر مما يفرقهم.‏ واجلميع كما<br />

: يقول الشاعر<br />

إنّا لتجمعنا العقيدة أمة<br />

***<br />

ويضمنا دين اهلدى أتباعا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

ويؤلف اإلسالم بني قلوبنا<br />

***<br />

مهما ذهبنا يف هوى أشياعا<br />

من هذا املنطلق كانت املؤسسة الدينية يف اجلزائر زاوية كانت<br />

أو مسجداً‏ حاضرة يف كل املراحل التارخيية اليت مرّ‏ بها هذا البلد،‏ وال<br />

سيما أثناء الفرتة االستعمارية<br />

1922<br />

‎1812‎؛ أين جيمع كل<br />

من كان يالزمها بني الرمحة والشدة،‏ والزهد والنعيم،‏ فتجده ينال الدنيا<br />

حبقها،‏ وينال اآلخرة بالسعي هلا،‏ ولذا ال تغلب عليه صفة من صفات عُبّاد<br />

الدنيا،‏ وال يأخذه اهلوس الديين،‏ أو الغلو التكفريي،‏ جامعًا بني االمارة<br />

والفقه،‏ وبني السياسة والتجارة.‏ ألنًه مدرك أنّه عبد هلل تعاىل )1( .<br />

اإلسهامات الرتبوية للمؤسسة الدينية يف اجلزائر<br />

يقول املستشرق الفرنسي املسلم ‏"إريك جيوفروي"‏ املختص<br />

يف الصوفية جبامعة لوكسمبورج،‏ مشال فرنسا يف حواره اخلاص مع<br />

‏"إسالم أون الين نت<br />

:<br />

‏"أن املستقبل يف العامل اإلسالمي سيكون حتماً‏<br />

للتيار الصويف".‏ ويرى أيضاً‏ أنّ‏ الصّوفية قد مارسوا السيّاسة يف أحيان<br />

كثرية كما مارسوا أدواراً‏ ثقافيةً‏ واجتماعيةً.‏<br />

من هذا املنطلق حناول اخلوض يف هذا املوضوع،‏ حبثاً‏ يف سبب<br />

احتالل هؤالء الصّوفية هذه املكانة الرفيعة،ونرى ماذا قدّم<br />

التّصوف والصّوفية للمجتمع اجلزائري خالل الفرتة االستعمارية بوجه<br />

اخلصوص ؟ وهل اقتصر دورهم فقط على التحرير الذاتي،‏ وتطهري النفس<br />

من الرّعونات؟ وهل مكثوا يف زواياهم يردّدون األذكار غري ملتفتني إىل<br />

ما جيري حوهلم من تطوّرات وتغيّرات ؟ أم أنّهم سعوا إىل تغيري واقعهم<br />

واحمليط الذي يعيشون فيه،‏ وخدموا اجملتمع الذي وُجدوا به وقادوه إىل<br />

بر األمان.‏ وعليه فسنتناول يف هذه العجالة ثالثة نقاط أساسية ميكن من<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 071<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

خالهلا اإلجابة عن بعض التساؤالت ومنها<br />

:<br />

نشأة العالقة بني الصوفية<br />

كمؤسسة دينية واجملتمع،‏ ثم الدّورالديين و اإلجتماعي والعسكري<br />

الذي قام به املتصوفة يف اجلزائرإبان الفرتة االستعمارية،‏ ثم موقف<br />

االستعمار من املؤسسة الدينية عموماً.‏<br />

العالقة بني الصوفية واجملتمع:‏<br />

اختذ التصوف يف اجلزائر كما يف بقية بلدان العامل اإلسالمي <br />

منذ بداية ظهوره أبعاداً‏ اجتماعية،‏ وذلك بسبب الظّروف اليت<br />

كانت تعيشها البالد يف تلك الفرتة<br />

‏)ق‎7‎‏،‏ 9،<br />

‎8‎ه(‏ وانساق الناس وراءه ملا<br />

وجدوا فيه من بساطة ومساواة وعدل وإحساس بالذات،‏ كما كان<br />

شكلًا من أشكال التعبري عن الرفض يف التمييز بني طبقة األغنياء<br />

املرتفني،‏ وطبقة الفقراء املُعدمني.‏<br />

من هنا كان املتصوفة األوائل مبثابة النخبة اليت متسكت<br />

باستقالليتها الفكرية وسلوكاتها الدينية جتاه السلطة احلاكمة،‏ ويف<br />

ظل هذه األجواء نشأت فئة متنورة من اجلزائريني أصحاب الثقافة<br />

لذلك وقع اضطهادهم من طرف احلكام،‏ وقاومهم<br />

‏"التقليدية".‏ )2(<br />

العلماء الرمسيون.‏ واملشهد نفسه يتكرر تقريبًا يف كل العهود،‏ كما وقع<br />

مع أمحد التيجاني،‏ حمي الدين بن مصطفى احلسين يف العهد العثماني،‏<br />

ووقع االلتقاء بني املتصوفة وعامة الشعب،‏ يف مواجهة السلطة<br />

كلما<br />

أحلقت بهم الضرر،‏ متوقعوا يف نفس اخلندق،‏ ووجدوا أنفسهم يف<br />

نفس اجلبهة،‏ يقاومون الظلم والتعسف،‏ والتمييز.‏ وهو رمبا ما يفسر لنا<br />

سر هذه العالقة بني العامة واملتصوفة،‏ قبل الوصول إىل مبدأ الكرامة<br />

وسلطة األولياء على أفكار الناس وخياهلم.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 077<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

وسعى الصوفية إىل حل مشاكل اجملتمع ووقفوا اىل جانبه<br />

متحدان،‏ فاحتاد اهلدف نابع من فكرهم وعقيدتهم:‏ العيال عيال اهلل.‏<br />

وقد كان الصوفية على مر العهود رمز الوحدة مع اجملتمع،‏<br />

واملطالبة علنا حبقوق الشعب ومصاحله.‏<br />

إن هذا التالقي وإن بدأ بشكل عفوي،‏ دون سابق حتضري أو تنظيم<br />

أو استعداد،‏ فقد أفرز الكثري من النتائج اهلامة ولعل من أبرزها االنتشار<br />

السريع للتصوف بني خمتلف الطبقات الشعبية،‏ فقيادة الشعب بعد انهيار<br />

الدولة اجلزائرية مع الغزو الفرنسي سنة 1922، واستطاع املتصوفة<br />

توظيف هذه العالقة يف الدفاع عن مصاحل الشعب،‏ ومل تنقطع هذه الصلة<br />

بني املتصوفة والعامة إىل يومنا هذا،‏ حبيث ال نزال جند تأثريهم موجوداً‏<br />

يف جمتمعنا،‏ بالرغم من التطور الفكري والثقايف،‏ ودخول<br />

األفكاراحلديثة؛ وان بنسب متفاوتة بني منطقة وأخرى.‏<br />

من هنا ميكننا أن نفهم<br />

:<br />

ملاذا اختارت الفئات الواسعة من<br />

اجملتمع االنتماء إىل هذا االجتاه الفكري،‏ حتى وإن كان خمالفاً‏ لفكر<br />

حكامها أحياناً‏ فكان الصويف فردًا من جمتمع الناس،‏ يأكل ويتاجر<br />

ويتزوج كما يفعل الناس،‏ لكنه يف نفس الوقت كان ميثل قدوة هلم<br />

ومنوذجًا يتطلعون إليه ويعلمون سريته بينهم<br />

.<br />

وإذا كان بعض الصوفية<br />

من جلأ إىل الفلوات واملقابر زاهدين متعبدين متجردين،‏ فإنّ‏ هذا ال ينطبق<br />

على كل الصوفية بل هي حاالت استثنائية خاصة،‏ ثم إنهم يرون أنه<br />

عندما تدعوهم احلاجة فإنهم يتخلون عن جماهداتهم اخلاصة وينتقلون<br />

إىل خدمة الصاحل العام،‏ ولعل أبرز مثال على ذلك هو األمري عبد القادر،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 078<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

الذي لبى داعي الواجب الديين والوطين وختلى عن عزلته وتدريسه بزاوية<br />

والده الشيخ حمي الدين بوادي احلمام بالقرب من مدينة معسكر.‏<br />

دور املؤسسة الدينية إبان الفرتة االستعمارية:‏<br />

احتلت املؤسسة الدينية مكانة هامة يف حياة اجملتمع اجلزائري،‏<br />

منذ البداية إىل يوم الناس هذا،‏ ولعل ذلك راجع إىل الدور الكبري الذي<br />

قامت به يف حياة اجملتمع اجلزائري.‏ وإذا أردنا معرفة وحصر األدوار اليت<br />

قامت بها املؤسسة الدينية يف اجلزائر فسنجدها كثرية متعددة ومنها:‏<br />

الدفاع عن الدين والوطن:‏<br />

من أهم األدوار اليت قامت بها املؤسسات الدينية،‏ يف ظل ظروف<br />

سياسية متدهورة دور البديل واملنقذ وامللجأ ملختلف طبقات الشعب اليت مل<br />

جتد بغيتها وضالتها إال يف هذه املؤسسات ويف مقدمتها الطرق الصوفية<br />

وزواياها املنتشرة يف كل مكان،‏ ومن أهم األحداث السياسية<br />

اليت ميكن لنا رصدها:‏<br />

استمرار تدهور السلطة املركزية.‏<br />

اشتداد األخطار اخلارجية،‏ احلمالت الصليبية<br />

اإلسبانية والربتغالية اليت عرفتها سواحل اجلزائر منذ مطلع القرن<br />

.11<br />

وهي املعادلة الصعبة اليت وجد الصوفية أنفسهم ضمنها فحاولوا أن يقفوا<br />

موقف الوسط للدفاع،‏ واحلفاظ على مصاحل األمة<br />

ففي حالة ضعف السلطة احلاكمة أو انهيارها وغيابها،‏<br />

قاد الصوفية مجوع الشعب إىل الدفاع عن الدين والوطن من اخلطر<br />

اخلارجي .<br />

وكما نعلم فإن من أسباب انتشار الرباطات والزوايا على طول<br />

السواحل اجلزائرية،‏ هو مقاومة الغزو الصلييب املستمر،‏ ومن األدلة على<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 079<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

هذا الدور رسالة الشيخ عبد الرمحن الثعاليب يف الدعوة إىل اجلهاد،‏<br />

كما أن زاويته كانت مقراً‏ لالجتماعات واالستعداد ملواجهة العدو،‏ وظل<br />

ذلك دأب اجلزائريني إىل غاية القرن 18.<br />

وكذا زاوية الشيخ التازي بوهران اليت كانت متثل قاعدة خلفية<br />

مليئة مبختلف أنواع األسلحة،استعملها اجملاهدون يف صد<br />

عدوان الصليبيني.‏<br />

وبعد سقوط الدولة إثر االحتالل،‏ كانت الطرق الصوفية هي اليت<br />

تولت املبادرة،‏ فمقاومة األمري عبد القادر كان مصدرها الطريقة<br />

القادرية،‏ حيث التفاف اجلموع والقبائل حول شخص الشيخ حمي الدين،‏<br />

الذي كان ميثل شيخ هذه الطريقة اليت عرفت بتغلغلها يف األوساط<br />

الشعبية،‏ وحنن نعلم أن تأثري الشيخ حمي الدين مل يكن مصدره جاه أو<br />

سلطة أو مال،‏ فلم يكن ميثل أي منها،‏ ومل يكن رمزا إال للطريقة<br />

القادرية اليت تشرف دمتها،‏ و دمة زاوية جده الشيخ مصطفى ملدة<br />

سنوات،‏ وعرف بتصوفه وزهده،‏ وعلمه وحلمه ‏.وتستوقفنا أيضا<br />

مقاومة 1971<br />

ببالد القبائل واليت مثل الشيخ احلداد زعامتها الروحية،‏<br />

وهو شيخ الطريقة الرمحانية،‏ وكذا مقاومة الال فاطمة نسومر،‏ كما<br />

نالحظ احلضور الفعال واملستمر لرجال الطرقية يف خمتلف الثورات،‏<br />

أوالد سيدي الشيخ،‏ ثورة الشيخ بوعمامه 1991، الشيخ آمود،‏ الشريف<br />

بو بغلة،‏ الشيخ بوزيان<br />

(<br />

الزعاطشة(.‏ حتى أن السيد أوكتاف ديبون <br />

املفتش العام للبلديات املختلطة باجلزائر ومن مؤلفي كتاب الطرق الدينية<br />

يف اجلزائر<br />

1987<br />

املكلفة باجليش واليت كان يرأسها<br />

يؤكد يف تقرير بعث به إىل جلنة جملس الشيويف<br />

‏"كليمانصو":‏ "<br />

إننا سلفا جند<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

يدا مرابطية وراء كل هذه الثورات اليت يقوم بها األهالي ضدنا".‏ ويقول<br />

املؤريف الفرنسي مارسيل إميريي:‏ " إن معظم الثورات اليت وقعت خالل<br />

القرن التاسع عشر يف اجلزائر كانت قد أُعدت ونُظمت ونُفذت بوحي من<br />

الطرق الصوفية،‏ فاألمري عبد القادر كان رئيسًا لواحدة منها وهي<br />

اجلمعية القادرية،‏ ومن بني اجلمعيات املشهورة اليت أدت دوراً‏ أساسيًا يف<br />

هذه الثورات:‏ الرمحانية،‏ السنوسية،‏ الدرقاوية،‏ الطيبية ‏."ويذكر<br />

محدان خوجة يف كتابه املرآة أن شيويف الطرق الصوفية هم الذين أمروا<br />

مجيع املواطنني اجلزائريني بالتعبئة العامة والدفاع عن مدينة اجلزائر<br />

العاصمة بعد ختلي األتراك عن هذه املهمة.‏<br />

كشف الضابط دي نوفو يف كتابه اإلخوان الصادر سنة<br />

1911<br />

عن الدور الرئيس الذي أدته الطرق الصوفية يف مقاومة االحتالل،‏ وحتدث<br />

النقيب ريتشارد عن ثورة الظهرة اليت قامت سنة<br />

الذي قامت به الطرق الصوفية يف هذه الثورة<br />

حُرر باجلزائر سنة<br />

1911<br />

.<br />

1911<br />

الدرقاوية:‏ "<br />

مربزًا الدور املهم<br />

ومن تقرير للمفتشية العامة<br />

يعرتف بالدور اخلطري الذي تقوم به الطريقة<br />

الدرقاوية كانوا معادين لنا كل العداء ألنغايتهم كانت<br />

سياسية بوجه خاص،‏ أرادوا ان يشيدوا من جديد صرح امرباطورية<br />

إسالمية ويطردوننا،‏ إن هذه الطريقة منتشرة جدا يف اجلنوب ومن الصعب<br />

جدا مراقبتهم."‏<br />

التعليم واإلرشاد والتوجيه:‏<br />

صبحت املؤسسة الدينية مع مرور الزمن والتحاق العديد من أبناء<br />

الشعب بها،‏ مراكز إشعاع ونشاط فكري عظيمني،‏ بل أحيانا امللجأ<br />

الوحيد للتعليم،‏ وتبادل األفكار والنقاش،‏ وكذلك اإلنتاج.‏ ورغم القيود<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 080<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

اليت فرضها االستعمار عليها تولت العناية بتحفيظ القرآن لألطفال،‏<br />

وتعليمهم القراءة والكتابة،‏ واملباديء األولية يف اللغة واحلساب وبعض<br />

املتون،‏ وإرشادهم بضرورة التمسك بتعاليم دينهم،‏ وحتذيرهم من سياسة<br />

التنصري اليت كانت فرنسا تنتهجها مع أبناء الشعب اجلزائري<br />

الدور اإلقتصادي<br />

أصبحت املؤسسة الدينية ويف مقدمتها الزوايا تشرف بصفة مباشرة<br />

على االقتصاد احمللي واإلقليمي،‏ بل على بعض احلركات التجارية<br />

احلساسة،‏ وقد جتسد ذلك كله بواسطة امتالك األراضي ووقفها<br />

خلدمتها،‏ ومجع التربعات اليت تصل من املريدين،‏ وكذا الزكاة اليت<br />

كانت متثل مصدراً‏ هامًا للمال بالنسبة هلذه املؤسسات الدينية.‏<br />

الدور االجتماعي للمؤسسة الدينبة يف اجلزائر:‏<br />

نظرا للخدمات اجلليلة اليت قدمها رجال الدين عموماً‏ وأهل<br />

التصوف خصوصاً‏ للمجتمع اجلزائري،‏ أصبحت العامة تعتمد اعتماداً‏<br />

كليًا عليهم ملواجهة األزمات االجتماعية واالقتصادية اليت كانت حتل بها<br />

من حني آلخر،‏ وهذا نظراً‏ لعجز الدولة أو السلطة على التكفل حبل<br />

مشاكل الناس،‏ ومع مرور الزمن ترسخت قناعة لدى العامة أن الصوفية<br />

هم أقدر الناس على حل املشاكل وتقديم املساعدات للطبقات احملرومة،‏<br />

بل أصبحت يف مناطق شتى املالذ األول واألخري للجماهري<br />

فإذا كانت غاية الطريق الصويف هي غاية خلقية تتمثل يف إنكار<br />

الذات والصدق يف القول والعمل والصرب واخلشوع وحمبة الغري والتوكل<br />

على اهلل وغري ذلك من الفضائل اليت دعا إليها اإلسالم؛ فإنها ومن<br />

خالهلا املؤسسة الدينية ويف مقدمتها الزوايا ظلّت مركزاً‏ لوحدة القبيلة،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 082<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

وملجأ للفقراء واملساكني وحمطة لعابري السبيل ومأوى لليتامى،‏ كما<br />

أنها كانت قبلة للمتخاصمني من أجل فض نزاعاتهم،‏ ومركز إشعاع<br />

حيافظ على تقاليد اجملتمع وعاداته وأصالته يف مواجهة السياسة<br />

االستعمارية الرامية إىل طمس معامل اجملتمع اجلزائري العربي<br />

املسلم؛ وقد صدق من عرًف الزاوية بأنها مؤسسة شاملة،‏ فهي مسجد<br />

للعبادة ومدرسة للتعليم،‏ وملجأ للهاربني،‏ ومأوى للغرباء،‏ ومركز<br />

)2(<br />

للفقراء.‏<br />

وسنتناول هذه الوظائف بنوع من الشرح.‏<br />

أوال:‏ مركزاً‏ لوحدة القبيلة:‏<br />

إنّ‏ املؤسسة الدينية زاوية كانت أو مسجداً‏ قد قامت بدور جيدر<br />

التنويه به من الناحية االجتماعية،‏ فقد ساهمت يف فض النزاعات<br />

واخلصومات على األرض والتحكيم بني املتنازعني يف القبيلة والتدخل<br />

لرفع مظلمة ودفع مغرم على فرد أو مجاعة.‏ كانت مركزا لوحدة<br />

القبيلة،‏ والتوحيد بني القبائل األخرى وفك اخلصومات والنزاعات بينها،‏<br />

وضبط النظام العام كل ذلك امتثاالً‏ لقوله تعاىل<br />

فأصلحوا بني أخويكم واتقوا اهلل لعلكم ترمحون<br />

" :<br />

)1( "<br />

إمنا املؤمنون إخوة<br />

وأصبحت مع مرور<br />

الزمن معلمًا يلتف حوله رجال القرية وتدور عليه حياتهم السياسية<br />

واالقتصادية واالجتماعية،ورمزاً‏ اكتسب قوته من قوة شخصية الشيخ<br />

والتفاف أفراد قبيلته حوله.‏ ووجدوا فيه واجهة ومظهراً‏ يعرب ميثلهم يف<br />

مركز الرّيادة والقيادة يف املنطقة.‏<br />

ثانيا:‏ فك اخلصومات:‏<br />

من األدوار األساسية اليت أدتها الزوايا واملساجد يف اجملتمع<br />

فك :<br />

اخلصومات والنزاعات بني القبائل،‏ وإصالح ذات البني والتوحيد<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

بينها.‏ فكثريا ما حتدث اخلصومات بسبب االختالف على املاء أو األرض<br />

أو أو املرعى أو ثأر بني القبائل املتنازعة،‏ فال جتد هلا حالً‏ سوى اللجوء إال<br />

شيويف الزوايا واملساجد لفض النزاع،‏ وهو موقف نابع من حاجة الريفي أو<br />

البدوي لتقديره لرجال الدين أو األشراف،‏ خصوصًا إذا اشتهروا بالصالح<br />

والتقى وهي ظاهرة ملسناها مع انهيار الدول الثالث يف املغرب العربي،‏<br />

وسيادة الفوضى واالضطراب يف احلكم،‏ وحتى بعد دخول العثمانيني<br />

وجدنا هذه الظاهرة بل ازدادت انتشاراً‏ وتوسعًا<br />

.<br />

ولقد سعت السلطات الفرنسية إىل استبدال القوانني اإلسالمية يف<br />

اجملال القضائي،‏ بالقوانني الفرنسية،‏ ففي<br />

فيفري 19<br />

1911، صدر<br />

أمر<br />

من السلطات يتضمن التنظيم القضائي يف اجلزائر،‏ انتزعوا مبوجبه من<br />

القضاة املسلمني البت يف األمور اجلزائية،‏ وأصبح القضاء اإلسالمي<br />

مقتصراً‏ على األحوااللشخصية،‏ وحتى هذه األخرية حاولت السلطات<br />

الفرنسية إخضاعها للقوانني الفرنسية وإلغاء االحتكام للشريعة<br />

اإلسالمية من خالل قانون " سناتور كونسيلت."‏<br />

أمام هذا الوضع ويف ظل هذه الظروف أصبحت املؤسسات الدينية<br />

ملجأ للسكان من أجل فك نزاعاتهم وحل خصوماتهم،‏ سواء كانت بني<br />

األفراد أو بني القبائل واألعراش،‏ حيث يذكر أن قضايا األحوال<br />

الشخصية أو قضايا اجلنايات واخلالفات على األراضي،‏ كان يفصل<br />

فيها بالزاوية،‏ أو املسجد وحيتكم فيها إىل الشيخ ، وأصبحت املؤسسة<br />

الدينية متثّل املرجع األعلى يف القضايا،‏ واحملكمة العليا بالنسبة لألفراد<br />

والقبائل يف تلك الفرتة،‏ امتثاالً‏ لقوله تعاىل<br />

"<br />

إالّ‏ من أمر بصدقة أو معروف أو إصالح بني النّاس<br />

ال خري يف كثري من جنواهم<br />

. )1(<br />

"<br />

وهو األمر الذي<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

لفت انتباه الكاتب الفرنسي<br />

Lehraux Leon<br />

، خالل زيارته إىل اجلزائر<br />

حيث يقول:‏ " تعترب الزاوية مقرّا للقضاء،‏ فهي ختتصّ‏ بالفصل يف القضايا<br />

املدنيّة واجلنائيّة،‏ حيث كانت حتلّ‏ من قبل الشيخ حبكم مكانته<br />

العلميّة واالجتماعيّة وما هو مشهود عنه من عدل وحكمة وعلم،‏ ويكون<br />

فصله إمّا بالصلح والرتاضي،‏ أو بالتعويض،‏ أو الفدية،‏ فالقضايا<br />

املدنيّة متمحورة يف النزاعات حول األراضي،‏ واملباني أو املرياث،والقضايا<br />

اجلنائيّة تتمثّل يف جرائم القتل وتدخّل األعراش للثأر.‏ كما تعترب الزاوية<br />

مقرا لعقد القران،‏ والتعاقد بني األفراد.‏<br />

ثالثا:‏ الشفاعات:‏<br />

لقد كان شيخ الزاوية أو شيخ املسجد أو الكُتاب يسعى لقضاء<br />

حوائج من يقصده من الناس،‏ ويستغل مكانته يف هذا الباب،‏ وكثريا ما<br />

جتاب رغباتهوطلباته من طرف ذوي اجلاه والسلطان حلاجتهم اىل دعم<br />

الشيخ هلم واتقاء سخطه عليهم،‏ فيكون واسطة بينهم وبني<br />

الناس ؛ امتثاالً‏ لقوله تعاىل<br />

منها<br />

" :<br />

. )1( "<br />

من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب<br />

لقد كان رجل الدين يقوم بدور حيوي يف اجملتمع الذي فتكت به<br />

األزمات،‏ فهو حياول حل األزمة وتعويض املأزومني مادياً‏ وروحياً‏<br />

حتقيقًا لتوازن جمتمعه.‏<br />

استطاع رجال الدين التوفيق بني احملافظة على النقاء<br />

الروحي واخللقي وواحتواء اجملتمع ككل،‏ وحنن نعلم مدى صعوبة هذا<br />

األمر واستحالة حتقيقه يف الغالب.‏ إذ غالبًا ما نضحي إما بالنقاء الروحي<br />

واخللقي أو باملكانة يف اجملتمع.‏ جنحوا يف التأثري على جمتمعهم،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

واحلفاظ على سلوكهم اإلنساني احملدد ضمن املبادئ<br />

الشرعية اإلسالمية.‏<br />

رابعا:‏ كفالة اليتامى واألرامل:‏<br />

من اآلثار السلبية لالحتالل الفرنسي كثرة األرامل واأليتام،‏ وذلك<br />

بسبب انتشار اجملاعات من حني آلخر،‏ وكثرة األمراض الفتاكة اليت<br />

كانت تصيب أفراد اجملتمع اجلزائري النعدام الرعاية الصحية،‏ وتدهور<br />

الظروف املعيشية للسكان،‏ وعدم توقف الثورات الشعبية طيلة القرن<br />

التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.‏ وقد أولت الزوايا واملساجد اهتمامًا<br />

كبرياً‏ باأليتام من خالل إيوائهم والتكفل بهم وحباجياتهم،‏ ومل تكن<br />

املؤسسة الدينية تكتفي بتوفري املأوى واملأكل لليتامى فقط،‏ بل كانت<br />

تهتم برتبيتهم وتعليمهم وتسمح هلم بتولي املناصب العليا اخلاصة<br />

بتسيريالزاوية أو الكتاب أواملسجد،‏ حيث يذكر أنّ‏ أفرادًا من<br />

أسرة املقراني قد عينوا كمقاديم يف الزاوية.‏<br />

وقد عرب أحدهم عن كل هذا بقوله:"‏ ترى بالقرب من الزاوية مجعًا<br />

من كل األعمار،‏ أطفال بؤساء عراة،‏ أمهات تظهر عليهم مظاهر الفقر،‏<br />

وشيويف جالسني على تل صغري،‏ هذا هو اجلو العائلي بالنسبة لألسر اليت<br />

تطلب الصدقة يف هذا املكان الكريم"‏<br />

خامسا:‏ املساعدة يف أوقات الشدة<br />

خالل أعوام<br />

1911<br />

‎1919‎م،‏ تواصل القحط واجلفاف،‏ مما أدى<br />

إىل انعدام املواد الغذائية،‏ واحلبوب للناس،‏ وانعدام العلف للحيوانات،‏<br />

وهنا تدخلت الزوايا فآوت الكثري من العائالت املتضررة من هذا<br />

اجلفاف،‏ وقد بلغ الذروة سنة<br />

1918<br />

حيث حصلت اجملاعة الكربى اليت<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 081<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

مل تعرف هلا البالد مثيال على مدى التاريخ،‏ فمات من جرائها اآلالف،‏ ومل<br />

تفعل السلطات الفرنسية شيئا،‏ مما اضطر السكان إىل للجوء إىل الزوايا<br />

واملساجد،‏ وكثري من سكان اهلضاب العليا هاجر حنو مدن الشمال،‏<br />

ومنعهم األوربيون من كسب قوتهم،‏ ووضعوهم يف حمتشدات عامة:‏<br />

مليانة،‏ األصنام،‏ غليزان.‏ وهنا تدخلت املؤسسة الدينية ممثلة يف الزوايا<br />

واملساجد احلرة وأنقذت الكثري ممن كانوا على وشك اهلالك.‏ انطالقاً‏<br />

من حديثه صلى اهلل عليه وسلم رواه الشيخان<br />

" :<br />

املسلم أخو املسلم ال<br />

يظلمه وال يسلمه،‏ من كان يف حاجة أخيه كان اهلل يف حاجته،‏ من فرج<br />

عن مسلم كربة فرج اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة،‏ ومن سرت<br />

مسلماً‏ سرته اهلل يوم القيامة")‏‎7‎‏(‏<br />

: سادسًا<br />

احلفاظ على عادات اجملتمع:‏<br />

ساهمت املؤسسة الدينية من خالل خمتلف األنشطة يف احلفاظ على<br />

عادات وتقاليد اجملتمع اجلزائري الذي امتاز بشدة متاسكه وتآزره،‏<br />

خاصة يف مواجهة األزمات؛ ومن ذلك<br />

:<br />

التويزة:‏ تعاون كافة أفراد اجملتمع يف القيام بأعمال ذات منفعة عامة<br />

دون مقابل،‏ تطبيقا لقوله تعاىل:‏ وتعاونوا على الربوالتقوى،‏ وال<br />

تعاونوا على اإلثم والعدوان[،‏ منها:‏ ترميم أو بناء مسجد أو بناء سد،‏<br />

وكان يتم اإلعالن عن موعدالتويزة بالزاوية أو املسجد عقب الصلوات<br />

اخلمس،‏ وجتدر اإلشارة هنا إىل أن املسجد والزاوية نفسها بنيت<br />

واستكملت أغلب مرافقها بواسطة أعمال التويزة.‏<br />

االحتفاالت الدينية:‏ إلحياء املناسبات واألعياد الدينية،‏ املولد<br />

النبوي الشريف،‏ ليلة القدر،‏ ختم البخاري،‏ ختم املختصر اخلليلي.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 087<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

االحتفاالت اخلاصة مبوسم احلج:‏ وقد كانت املؤسسة الدينية<br />

مسجداً‏ كان أوزاوية تسهر على توفري املال لبعض احلجاج،‏ ملا كان<br />

يتطلبه احلج من أموال باهظة،‏ وتكاليف مرتفعة،‏ وينطلق ركب احلجاج<br />

من املؤئئة الدينية بعد توديعهم للشيخ الذين يطلبون منه الدعاء هلم وتيسري<br />

حجهم،‏ وعند عودتهم أول مكان ينزلون به هو مقر الزاوية أو املسجد،‏<br />

حيث يسلمون على الشيخ ويتربكون به،‏ ثم ينطلقون إىل أهاليهم؛ وهي<br />

عادة ال تزال موجودة إىل يومنا هذا يف كثري من مناطق وطتتا حبمد اهلل.‏<br />

جاء يف تقرير لسلطات االحتالل : " يف خمتلف املناسبات واألعياد<br />

الدينية،‏ تأتي أعداد كبرية من الزوار واملريدين،‏ من بعيد،‏ حلضور<br />

االحتفاالت بعيد الفطر،‏ عيد األضحى،‏ عاشوراء،‏ واملولد النبوي والذي<br />

يتميز عن غريه من املناسبات،‏ حيث توزع فيه الصدقات واألموال على<br />

الفقراء"‏<br />

ويتضح لنا من خالل هذا العرض أن املؤسسة الدينية ورجاهلا قد<br />

أدّوا ما عليهم من واجب جتاه دينهم ووطنهم وجمتمعهم الذي عاشوا<br />

فيه وتفاعلوا معه،‏ مع قضاياه،‏ مشاكله،‏ اهتماماته،‏ بل كانوا ميثلون<br />

صوت األمة وضمريها احلي يف جل الفرتات والعهود املتعاقبة،‏ فقد نادوا<br />

باحلرية عاليا،‏ نادوا بالثورة على األوضاع،‏ نادوا بالتغيري،‏ مارسوا حق<br />

تغيري املنكر الذي منحتهم إياه الشريعة اإلسالمية.‏<br />

خدموا الدين واألمة بالرغم من احلصار واملضايقة<br />

والتهديد والتشريد والسجن واملتابعة،‏ حياتهم كلها جهاد ونضال<br />

واستبسال يف سبيل الدفاع عن القيم واملبادئ والدين والوطن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 088<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

النتائج االجيابية اليت قدمتها املؤسسة الدينية<br />

:<br />

التخفيف من معاناة الشعب اجلزائري،‏ وذلك من خالل التكفل<br />

بالفقراء واملساكني واليتامى واألرامل .<br />

احلفاظ على متاسك اجملتمع اجلزائري ووحدته،‏ حيث كانت جتتمع<br />

بالزاويا خمتلف األعراش والقبائل،‏ من مناطق خمتلفة،‏ فتنمحي بذلك<br />

الفوارق اجلهوية.‏<br />

متكنت من قطع الطريق على كافة اجلمعيات التبشريية اليت<br />

كانت تتخذ من النشاط االجتماعي وسيلة لتحقيق مآربها التنصريية،‏<br />

خاصة اجتاه اليتامى من أبناء هذا الشعب.‏ لقد عملت املؤسسة الدينية<br />

من خالل نشاطها على تنظيم العالقات بني خمتلف شرائح اجملتمع وتدعيم<br />

عملية التكافل بينها،‏ وقد كانت تستقبل األموال من األغنياء<br />

وتصرفها على الفقراء.‏<br />

متكنت من انتشال العديد من اليتامى واملشردين وتكفلت<br />

بهم وكونت منهم علماء صاحلني،‏ ساهموا بفعالية يف خدمة جمتمعهم<br />

مثلت املؤسسات الدينية قالعًا حصينة يف وجه املشاريع االندماجية<br />

اليت سعى االستعمار الفرنسي إىل تطبيقها بأرض اجلزائر.‏<br />

كانت زوايا الطرق الصوفية مبثابة خمازن ودواوين للكتب<br />

واملخطوطات يف خمتلف العلوم والفنون.‏<br />

اهتمت بتحفيظ القرآن الكريم لألطفال،‏ ونشره بصورة<br />

مكثفة بني خمتلف الطبقات االجتماعية.‏<br />

احتضنت اللغة والثقافة العربية االسالمية فكان ذلك شكالً‏ من<br />

أشكال مقاومة اجلهل واألمية.‏ )9(<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 089<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

موقف السلطات االستعمارية من املؤسسات الدينية<br />

منذ وطئت أقدام املستعمر الفرنسي أرض اجلزائر أعلن احلرب<br />

على املؤسسة الدينني وال سيما املساجد اليت حوّل بعضها اىل كنائس<br />

كما حدث بالنسبة ملسجد كتشاوة.‏<br />

من سنة 1922 واىل غاية 1812 ظل الناقوس يسمع من منارته بدل<br />

اآلذان،‏ فصار على حدّ‏ تعبري الشاعر أبي البقاء الرندي<br />

حتى املساجد قد صارت كنائس ما<br />

حتى احملاريب تبكي وهي جامدة<br />

:<br />

***<br />

***<br />

فيهن اال نواقيس وصلبان<br />

حتى املنابر ترثى وهي عيدان<br />

)9(<br />

وحوّلت بعضها اىل خمازن حبوب واسطبالت،‏ وعينت يف أغلب<br />

املساجد املتبقية أئمة موظفون تصفهم جريدة البصائر مبا يلي<br />

وأمّا : "<br />

رجال الدين عندنا فقد اختارتهم حكومة الئكية متسلطة وما اختارتهم<br />

إالّ‏ بعد أن ارتضتهم مبيزانها ال مبيزان االسالم،‏ وراعت فيهم شروطها ال<br />

شروط االسالم،‏ وما رأيناها حتفل يف هذه الوظائف بالعلم وال بالكفاءة<br />

الدينية...‏ وإنها يف حقيقتها مصائد ال وظائف...‏ وحمال على احلكومة أن<br />

تطعم مثرها،‏ من يعصي أمرها."‏ )12(<br />

أمّا بالنسبة للزوايا فقد ظلّت ولقرون خلت حمطّ‏ رحال حفظة<br />

القرآن وطلبة العلم،‏ ورباطات للجهاد كلما دعت احلاجة اىل ذلك؛ هذا<br />

الدّور الذي ميّزها جعل االستعمار الفرنسي حياربها على عدّة جبهات<br />

:<br />

1<br />

األوىل هدم بعضها ومصادرة أمالكها وأمالك الباقيات منها،‏<br />

وضم مداخيلها اىل أمالك الدولة الفرنسية،‏ يف املدن أوال ثم يف األرياف<br />

الحقا.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

2<br />

2<br />

1<br />

الثانية إنشاء املدارس الفرنسية االبتدائية يف املدن واألرياف<br />

لسحب التالميذ من الزوايا ونشر التأثري الفرنسي ازاءها.‏<br />

الثالثة حماربة كبار املرابطني واستدراجهم بالوظائف والزواج<br />

املختلط،‏ وتشجيع الدروشة والتدجيل بدل التعليم.‏<br />

وأخريا منع الزوايا من نشر التعليم العام وفرض برنامج ضيق<br />

عليها اليتعدى حتفيظ القرآن الكريم دون تفسري أو تعليم قواعد اللغة<br />

وأصول الدين دون فهم.‏<br />

ويف إحصاء يرجع إىل سنة<br />

األرياف كان<br />

1911<br />

90217<br />

متعلمًا،‏ وعدد الزوايا<br />

جاء أنّ‏ عدد تالميذ الزوايا يف<br />

182<br />

زاوية.‏ وكان برناجمها<br />

تعليم الفقه والنحو والتاريخ اإلسالمي واألدب،‏ إخل.‏ ويدخلها التالميذ<br />

الذين أنهوا املرحلة األوىل فحفظوا القرآن الكريم،‏ وتعلموا القراءة<br />

والكتابة واحلساب وبعض املتون.‏<br />

واهل<br />

كتاب<br />

)00(<br />

ولعلنا جند يف ما أدىل به املؤرخان الفرنسيان موريس<br />

،Maurice wahl<br />

وأوغستان برنارد<br />

Augustin Bernard يف<br />

" اجلزائر "<br />

ما خنتم به حديثنا هذا.‏<br />

قاال وهما من غالة املعمرين<br />

" :<br />

إ نً‏ الذي جيمع بني سكان<br />

الصحراء وفالحي التل هو الدين،‏ فكلهم مسلمون:‏ فاملساجد والزوايا<br />

) القباب ( واألضرحة<br />

هي مراكز جتمعاتهم إن الكثري منهم منخرطون<br />

يف الطرق الصوفية:‏ الرمحانية الطيبية،‏ التجانية والسنوسية والقادرية<br />

وهذه الطرق قوية...‏ متشبثون بتعاليم دينهم،‏ وقليل منهم من مل يراع هذه<br />

التعاليم،‏ وضوء،‏ صالة صيام رمضان ويف كل سنة يذهب اآلالف منهم<br />

إىل احلج فمنهم من ميوت يف طريق الذهاب أو اإلياب أو منهم من يرجع<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 090<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

منهوك القوى من أثر التعب واحلرمان،‏ إال أنهم مسرورون بأداء الواجب<br />

املقدس،‏ إن هذه الروح احلماسية يف التعلق بالدين،‏ وهي العائق الوحيد<br />

الذي وجدناه يف طريقنا،‏ فهي اليت تعزز الروح الوطنية إليقاد نريان<br />

الغضب وتشجيع املقاومة،‏ أن معظم الثورات اليت اجتاحت البالد كانت<br />

بسبب دعاية رجال الدين واألدهى أنهم مبجرد إعالنهم للحرب على العدو<br />

الكافر تزول اخلالفات بني األفراد والقبائل فهذه هي احلقيقة دائما<br />

واليت رمبا نصل إىل التخفيف من مفعوهلا إال أن القضاء عليها صعب<br />

جدا...‏<br />

إىل أن يقول:‏<br />

"<br />

أما تنصري املسلمني الذي حيلم به بعضهم فهو خيال،‏ حلم حمفوف<br />

باألخطار،‏ فتعاليم اإلسالم ومعنوياته واضحة فهو من هذه الناحية ال<br />

)02(<br />

خيتلف عن بقية األديان إخل.‏<br />

من هنا نشري اىل أنّ‏ املؤسسة الدينية حافظت رغم املضايقات اليت<br />

فرضت عليها،‏ من حماوالت تدجينها،‏ ومتييعها،‏ وإبعادها عن مهامها<br />

الرئيسية <br />

ظلّت حمافظة على وترية عملها يف تبليغ رسالتها ولو بصور<br />

متفاوتة،‏ تتأرجح بني القوة والضعف تارة،‏ وبني القيادة واالنسياق تارة<br />

أخرى.‏<br />

وكما وجد اجملتمع اجلزائري متمسكاً‏ مبقوماته احلضارية ويف<br />

مقدمتها التعاليم الدينية اليت يعرب عنها فاغنر )01(<br />

: " بقوله<br />

جدير باالعتبار أن ترى املسلم الفخور املعتز بنفسه ينحين أمام ربّه<br />

إنّه ملنظر<br />

شوع<br />

العبد املذنب املرتعد.‏ فاملصلون يصطفون خلف اإلمام دون أن يقيموا وزناً‏<br />

للمكانة أو األصل والنسب.‏ )01(<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 092<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

1<br />

2<br />

2<br />

1<br />

1<br />

1<br />

7<br />

9<br />

<br />

اإلحاالت<br />

د.حممود اخلالدي:‏ املدخل إىل اخلطاب الرتبوي يف التفكري اإلسالمي،جملة<br />

جامعة األمري عبد القادر للعلوم اإلسالمية،‏ عدد 21، شركة دار اهلدى<br />

للطباعة والنشر والتوزيع،‏ عني مليلة،‏ اجلزائر 2229، ص 122<br />

محيدة عمرياوي<br />

:<br />

جوانب من السياسة الفرنسية وردود الفعل الوطنية يف قطاع<br />

الشرق اجلزائري ‏)بداية االحتالل(،‏ دار البعث للطباعة والنشر،‏ قسنطينة،‏<br />

اجلزائر 1891، ص 21.<br />

أبو القاسم سعد اهلل<br />

:<br />

تاريخ اجلزائر الثقايف،‏ ط‎1‎‏،ج‎2‎‏،‏ ‎1922‎‎1811‎‏،‏ دار<br />

الغرب االسالمي،‏ بريوت،‏ لبنان<br />

1889، ص<br />

.171<br />

سورة احلجرات،‏ اآلية 12.<br />

اآلية 111، من سورة النساء.‏<br />

اآلية 91 من سورة النساء.‏<br />

حيي بن شرف الدين النووي<br />

:<br />

رياض الصاحلني،‏ اختصره ورتبه الشيخ النبهاني<br />

املتويف سنة ‎1212‎ه،‏ دار القلم،‏ بريوت،‏ لبنان ‎1891‎م،‏ ص<br />

.187<br />

د.حيي بوعزيز<br />

:<br />

أوضاع الطرق الصوفية والزوايا ياجلزائر خالل القرنني<br />

‎18‎و‎22‎م،ملتقى الفكر االسالمي الواحد والعشرون ‏"احلياة الروحية يف<br />

االسالم<br />

"، معسكر<br />

‎21‎أوت اىل ‎1‎سبتمرب 1897، ملتقيات الفكر االسالمي،‏<br />

اجلزء الرابع،‏ منشورات وزارة الشؤون الدينية واألوقاف 2221، ص ص<br />

‎1222‎‎1221‎‏.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية بني الرتبية الروحية لألمة،‏<br />

واملقاومة العسكرية<br />

للعدو أ.‏ شاطو حممد<br />

أنظر 8<br />

الطاهر بوشوشي<br />

: صفحات من تاريخ جامع كتشاوة،‏ األصالة،عدد<br />

‎11911‎‏،إصدار وزارة التعليم األصلي والشؤون الدينية،‏ اجلزائر<br />

1872، ص<br />

.288<br />

12<br />

11<br />

12<br />

الشيخ البشري اإلبراهيمي : عيون البصائر،ص 17.<br />

أبو القاسم سعد اهلل : تاريخ اجلزائر الثقايف،‏ ط‎1‎‏،ج‎2‎‏،‏ ‎1922‎‎1811‎‏،‏ دار<br />

الغرب االسالمي،‏ بريوت،‏ لبنان 1889، ص 172.<br />

الشيخ املهدي البوعبدللي ‏:لقطات من ظهور السلفية باجلزائر انطالقاً‏ من<br />

أوائل القرن التاسع اهلجري وتطورها ثم أثرها واستمراريتها<br />

الرابع عشر،‏<br />

اإلسالم<br />

"، معسكر<br />

ملتقى الفكر<br />

اإلسالمي<br />

الواحد والعشرون<br />

إىل<br />

أوائل القرن<br />

‏"احلياة الروحية يف<br />

‎21‎أوت اىل ‎1‎سبتمرب 1897، ملتقيات الفكر اإلسالمي،‏<br />

اجلزء الرابع،‏ منشورات وزارة الشؤون الدينية واألوقاف 2221، ص ص<br />

1289<br />

12<br />

‎1212‎‏.‏<br />

هو موريس فاغنر رحالة أملاني عاش يف اجلزائر ما بني ‎1921‎و‎1929‎‏،‏ انظم<br />

خالهلا اىل أعضاء البعثة العلمية الفرنسية،‏ وشارك يف بعض احلمالت.‏<br />

منها<br />

محلة قسنطينة،‏ وزار مناطق خمتلفة من البالد اجلزائرية،‏ منها املناطق اليت مل<br />

تكن وطأتها األقدام الفرنسية،‏ حيث أتيح له أن يزور منطقة معسكر حتت<br />

محاية خليفة األمري عبد القادر.‏ وقد حتدث عن هذا كله يف كتابه<br />

والية اجلزائر<br />

"<br />

"<br />

الذي أصدره عام<br />

1911<br />

11<br />

الفرتة.‏<br />

د.‏<br />

أبو العيد دودو<br />

االحتالل،األصالة،‏ عدد<br />

:<br />

اجلزائر 1872، ص 12.<br />

رحالت يف<br />

مقدماً‏ فيه صورة عن جزائر تلك<br />

احلياة االجتماعية يف مدينة اجلزائر إبان<br />

9، إصدار وزارة التعليم األصلي والشؤون الدينية،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

دراسة ميدانية على عينة من الغرب اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء؛ أ.‏ بوقريرس فريد،‏<br />

خمرب البحوث اإلجتماعية والتارخيية،‏<br />

جامعة معسكر.‏<br />

بداية أود اإلشارة إىل أن هذه املداخلة هي جزء من دراسة ميدانية<br />

أجريت يف سنة<br />

2212<br />

يف إطار مرصد الظاهرة الدينية التابع ملخرب<br />

البحوث التارخيية واالجتماعية جبامعة معسكر من طرف األستاذة<br />

جعدوني الزهرة واألستاذ بوقريرس فريد ومبشاركة طلبة اجملستار علم<br />

االجتماع الدين وطلبة املاسرت علم االجتماع الدين وعلم االجتماع املدرسي.‏<br />

أعتدر لعدم ذكر أمسائهم.‏<br />

انطلقنا يف تفكرينا من ذلك التناقض املالحظ بني وجهيت نظر<br />

حول دور وأثر التدين أوالدين على صحة األفراد النفسية والعقلية،‏<br />

فبالنظر إىل رأي<br />

(Freud)<br />

فيما أشار إليه يف مسؤولية الديانات يف<br />

ظهور بعض االضطرابات النفسية الفردية وأيضا يف اضطراب اجملتمع؛<br />

حيث أشار يف مؤلفه ‏"مستقبل الوهم"‏ إىل أن الدين يصبح عصابا قسريا<br />

عامليا لإلنسانية،‏ ويؤدي إىل التنازل أوإىل تأجيل إشباع الغريزة الفطرية<br />

بسبب ما يفرضه من أسس للعالقات اإلنسانية،‏ لتتحول الغريزة اجلنسية<br />

إىل مفهوم املقدس كشكل للتسامي عن اجلنسية وكقوة داخلية<br />

حمركة لإلنسان يف شكلها املبدع.‏ ويسمح هذا املقدس بتغذية الوظيفة<br />

املعرفية يف عالقة اإلنسان مع الفناء واملوت ليحمي الفرد من قلق املوت<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

الذي يالزمه.‏<br />

ووصل فرويد عام<br />

1827<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

إىل حد الربط بني العصاب<br />

االستحواذي واملمارسة الدينية من حيث مبدأ النظام والتكرار يف كليهما<br />

هناك الكثري من اآلراء اليت تتفق وهذا املوقف يف اعتبار الدين<br />

أوالتدين مشكلة اجتماعية أوسبب يف اإلضطرابات الفردية واجلماعية.‏<br />

يف حني جند يف اجلهة<br />

والتدين يف حتقيق السواء الفردي واجلماعي،‏<br />

النفسانيني<br />

يؤكدون على<br />

املقابلة هلذا املوقف رأي يشيد بدور الدين<br />

فالكثري<br />

من املمارسني<br />

سهولة العالج ويسره لدى األشخاص ذوي<br />

االعتقاد الديين القوي،‏ وأدى هذا إىل اعتماد أسلوب عالجي نفسي عرف<br />

بالعالج الروحي القائم على دعم اجلانب الديين يف األنا األعلى؛ ألن الدين<br />

كان أول جميب على العديد من التساؤالت املاورائية،‏ كخلق اإلنسان<br />

وداللة التواجد اإلنساني ليغذي بذلك الوظيفة املعرفية،‏ كما عمل على<br />

خلق روابط اجتماعية بني األفراد الذين يشرتكون يف نفس املعتقد ليحدد<br />

الوظيفة اهلوياتية،‏ اليت متيز وتفرق مجاعة عن باقي اجلماعات.‏ كما أن<br />

الدين يتناول إشكاليات النموالنفسي للطفل خاصة اإلشكالية األوديبية؛<br />

حبيث قامت كل الديانات التوحيدية على العالقة مع األب واألم وهذا<br />

مبراعاة االختالف اهلام بني الديانات الثالثة؛ إذ ترتجم حاجات الطفل<br />

األوىل يف محاية أبويه يف شكل أحاسيس طفولية الحتياج وسند األبوين،‏<br />

تتحول فيما بعد إىل قلق أمام قدرة القدر الذي يكون سببا مباشرا يف<br />

احلاجة إىل االعتقاد الديين،‏ فيجتمع هذا اإلحساس الفردي بدعم احمليط<br />

لينتج ميكانيزما فرديا إلنكار التهديد اآلتي من العامل اخلارجي،‏<br />

وجيعل الفرد بذلك يتعلق باإلنسانية ويقبل اآلخر ويندمج يف اجلماعة حبثا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 091<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

عن اللذة والسعادة واالرتياح النفسي املنشود،‏ خاصة إذا كانت روابط<br />

اجلماعة روحية ودينية،‏<br />

هذا ما جيعلنا نتوسط أمرين أوهلما اجلانب االجيابي للدين يف<br />

تكوين ومنوواستقرار الفرد نفسيا،‏ وثانيهما اجلانب السليب يف ضغطه<br />

على الغريزة وعدم السماح هلا باإلشباع،‏ بعبارة أخرى سنعمل على البحث<br />

يف العالقة القائمة بني تدين الفرد والصحة النفسية وعليه نطرح التسائل<br />

التالي:‏<br />

هل ملستوى تدين األفراد الراشدين عالقة بصحتهم النفسية<br />

‏)االرتياح النفسي(‏ يف اجملتمع اجلزائري؟<br />

لإلجابة عن هذا التساؤل انطلقنا من حتديد عدة مسائل مرتبطة<br />

باملفاهيم األساسية اليت مشلتها الدراسة تثبيت قيمة هذا العمل من جهة<br />

وتضبطه منهجيا من جهة ثانية،‏ وتتمثل يف:‏<br />

مسألة التدين ومسألة<br />

االنفصال أواالتصال بني االعتقاد واملمارسة الدينية،‏ ثم مسألة الصحة<br />

النفسية ‏)العقلية(.‏<br />

الضبط اإلجرائي للمفاهيم:‏<br />

التدين:‏ أوال:‏<br />

ال ميكن اخلوض يف هذه املسألة واستحضار كل<br />

اآلراء واالجتاهات املمكنة ألنها متعددة وتتأثر باإلديولوجيا وخصوصية<br />

الدين املعين،‏ لكن هذا ال مينع من اإلشارة،‏ إىل معنى هذه الكلمة.‏<br />

فالدين حسب دوركايم<br />

E. Durkheim<br />

املعتقدات واملمارسات املرتبطة بأشياء مقدسة،‏<br />

‏"هونظام متكامل<br />

من<br />

فهوبذلك يشكل عالقة<br />

ارتباط بني الكائن البشري واملقدس أواإلهلي،‏ اهلدف منه اإلجابة على<br />

األسئلة املتعلقة بادراك الكون،‏ وخلق رابط اجتماعي بني أفراد اجلماعة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 097<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

املؤمنة؛ فالدين يرتبط مبعتقدات الفرد واجلماعة وبوجود قوى عليا خيضع<br />

هلا الفرد وتسري حياته بأكملها.‏<br />

وبذلك ميكننا أن نقسم الدين إىل<br />

قطبني اثنني:‏ معتقدات وطقوس ‏)شعائر وممارسات(‏ وتشكل هذه األخرية<br />

التعبري الرمزي عن املعتقد.‏<br />

فما هي املعتقدات ؟ وما هي الطقوس؟<br />

والدين اإلسالمي ال حييد عن هذا التقسيم<br />

.<br />

.0<br />

املعتقدات الدينية:‏<br />

املعتقدات باختالف أنواعها،‏ الفلسفية واحلياتية والسياسية<br />

والدينية تعترب من أهم مكونات الثقافة اإلنسانية اليت ال ميكن االستغناء<br />

عنها،.‏<br />

تعترب املعتقدات الدينية من أبرز أنواع املعتقدات؛ نظرا ألهميتها<br />

البالغة يف حياة الفرد واجلماعة وتأثريها على األفكار واملمارسات،‏ وهي<br />

شكل من أشكال الوعي املبين على أساس ممارسات أجيال اجلماعة<br />

املتتابعة.‏<br />

العقيدة يف اللغة العربية من الفعل عقد،‏ الذي يعرب عن العهد على<br />

الشيء أوضمانه.‏ واعتقد يف الشيء أي صدقه وتدين به،‏ ‏)البستاني فؤاد<br />

ابرم،‏<br />

)<br />

119<br />

:1819<br />

وهي الرأي أواحملور األصلي يف التعاليم<br />

والفلسفية والسياسية وغريهاPaul (Pierre et<br />

1977 : 328) ،<br />

الدينية<br />

يعرف املعجم اجلديد يف الفلسفة والعلوم االجتماعية املعتقدات ب:‏ "<br />

.. الفعل الذي يقود العقل من خالله إىل مقرتح أوحجة أومعتقد من دون<br />

االشرتاط على أن يكون مؤكدا أوغري مؤكد"،‏<br />

يف حني يرى<br />

(R.<br />

Boudon)<br />

بأنها<br />

" مقرتحات يظنها األفراد كحقيقة حتى ولومل تكن<br />

ذات بعد منطقي أوعلمي.‏ ميكن أن تظهر يف شكلني:‏ نفسية أواجتماعية<br />

.)2001 : 52( "<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 098<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

ليس بالضرورة أن تكون املعتقدات اليت تؤمن بها مجاعة معينة<br />

صحيحة أوعقالنية أومنطقية؛ ألنّ‏ كل مؤمن بها يراها حقيقة مطلقة غري<br />

قابلة للتغيري أوالنقد أواالختالف،‏<br />

والرتاثي الذي يتلقاه الفرد من جمتمعه الذي ينتمي إليه.‏<br />

املعتقد<br />

الغلة والشك واإلنكار<br />

فهي إذن جزء من التكوين الثقايف<br />

وسيلة تتخذها ديانة ما لتحفظها من البلبلة وحتميها من<br />

من الفكر البشري.‏<br />

على املرء أن يسلم حبقيقتها ويؤمن بها بال تردد.‏<br />

وهومن األمور الدينية اليت<br />

ختتلف املعتقدات الدينية باختالف األديان واجملتمعات،‏ فاملعتقدات<br />

اإلسالمية متعلقة بتقرير القلب الذي ال يراوده أي شك يف حقيقة املطالب<br />

اإلهلية والنبوية ويوم القيامة وخمتلف جوانب اإلميان.‏<br />

وقد تشكلت هذه<br />

املعتقدات اإلسالمية بعد الدعوة احملمدية،‏ وخالل املسار التارخيي<br />

للمجتمعات اإلسالمية باختالف أعراقها وثقافاتها وفظاءاتها وغري ذلك من<br />

العوامل اليت أثرت فيها وتأثرت بها.‏<br />

ومن أهمها حماولة املؤمنني إضفاء<br />

طابع احمللية على معتقدهم.‏ وهذا ما ظهر جليا يف حالة الدول املغاربية ذات<br />

األصل األمازيغي فيما يعرف بالتصوف الطرقي؛ الذي يعترب معتقدا شعبيا<br />

تؤمن به نسبة كبرية من أفراد اجملتمع.‏ ونظرا ألهميته ودوره يف اجملتمع<br />

اجلزائري،‏ فقد ركزنا يف دراستنا هذه على املعتقد الديين الشعبوي وما<br />

ينجر عنه من ممارسات وطقوس وسلوكيات،‏ وتأثريه على حياة الفرد<br />

اليومية وكيفية تعامله مع احمليط اخلارجي.‏<br />

إذا فهذه الدراسة رغم أنها تتناول الدين اإلسالمي إال أننا التزمنا<br />

بالدين أواملعتقد الديين السائد يف اجملتمع اجلزائر وهوما نسميه بالدين<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 099<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

.2<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

الشعبوي،‏ دون الرتكيز يف مسألة صحة أوخطأ تلك املعتقدات،‏ بل<br />

أقصينا كل معتقد ميثل خصوصية مجاعة أوطائفة.‏<br />

الطقوس الدينية:‏<br />

عندما تصل اخلربة الدينية املباشرة إىل حالة من الشدة لدى اإلنسان<br />

فإنها تستدعي القيام بسلوك ما،‏ وذلك من أجل إعادة التوازن إىل النفس<br />

اليت غيَرتْ‏ التجربةُ‏ من حالتها االعتيادية،‏ هذا السلوك ندعوه بالطقس.‏<br />

كلمة طقس<br />

»<br />

Rite<br />

«<br />

مشتقة من الكلمة الالتينية<br />

»<br />

Ritus<br />

«<br />

وهي عبارة تعين عادات وتقاليد جمتمع معني،‏ كما تعين أنواع االحتفاالت<br />

اليت تستدعي معتقدات تكون خارج اإلطار التجرييب.‏ الطقس هوجمموعة<br />

من اإلجراءات واحلركات اليت تأتي استجابة للتجربة الدينية الداخلية،‏<br />

وهي "<br />

.)122 :2222<br />

الشهري؛<br />

تعبري رمزي عن األفكار واملشاعر باملرور إىل الفعل"‏<br />

دور يتمثل<br />

الطقس يف<br />

احلفاظ على<br />

‏)فروم،‏<br />

استمرارية احلدث التارخيي<br />

فهومييل إىل تكريس دميومة احلدث االجتماعي أواألسطوري<br />

الذي أوجده،‏ ويعيد بذلك خلق ماض غامض غالبا ويستحضره يف الزمن<br />

احلاضر ويأخذ معناه ورمزيته عند الذين يستخدمونه على أنه فعل ديين.‏<br />

وهي<br />

يشري<br />

(Van Derlew)<br />

أساطري تتحرك؛<br />

تسبقه وتضمن بقائه.‏<br />

إىل أن الطقوس هي إحياء لتجربة مقدسة<br />

ألن األسطورة هي<br />

وهي بذلك تشكل<br />

املؤسسة<br />

للفعل املقدس،‏<br />

فهي<br />

" سلوكات مرمزة ومفروضة<br />

من طرف اجلماعة،‏ تتكرر وفقا ملخطط ثابت كل مرة ختلق فيها ظروف<br />

ترتبط بها كاحلركات والكلمات والوضعيات.‏ املواضيع املكونة هلا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

ليس هلا تفسري لكن فقط استناد رمزي يوجه لالتصال بالقوى فوق<br />

الطبيعية " :196)،(Ferréol . 2004<br />

اجلدير بالذكر أن الطقوس مفهوم علمي يقابله يف الدين<br />

اإلسالمي مفهوم العبادة،‏ وله داللة ختتلف عن العبادة يف كونه يشري إىل<br />

تلك األشياء الثقافية اليت ميزجها األفراد بالدين لتصبح كأنها من<br />

الدين،‏ بينما العبادة هي مفهوم ديين حبت.‏ الطقوس يف هذا املعنى الديين<br />

ليست<br />

إعادة إنتاج الشيء وإمنا<br />

‏)ماري إلياس،‏ 2228(<br />

الشيء يف<br />

حد ذاته،‏ وهي<br />

حقيقة مُعاشة<br />

فالزمن املقدس يؤثر على األفراد فيغريون بعض عاداتهم<br />

وسلوكياتهم اليومية،‏ ليضيفوا صفة االبتهاج واالحتفال إىل العيد وصفة<br />

احلزن والتعذيب الذاتي لطقس عاشوراء عند الشيعة مثال.‏ تتجلى الطقوس<br />

يف عادات وتقاليد جمتمع ما وتنبين على معتقدات دينية لتميز بذلك هذا<br />

اجملتمع<br />

عن اجملتمعات األخرى،‏ كما أنها تتضمن جمموعة من<br />

االحتفاالت املتنوعة<br />

إياها مينحها<br />

املرتبطة<br />

السياق الديين<br />

الدينية يف اإلسالم إىل ثالثة أقسام:‏<br />

القسم األول يشمل<br />

بهذه املعتقدات.‏<br />

هلذه الطقوس معنى ووظيفة<br />

واالجتماعي،‏ وميكننا تقسيم<br />

املمارسات اليومية<br />

(<br />

اثنني ومخيس،‏ وضع اليد ‏)اخلامسة(‏ أوالودعة،‏ الصدقة<br />

يشمل الثاني<br />

وصيام شهر<br />

األضحى،‏ احلج<br />

املمارسات املومسية<br />

رمضان<br />

اخل(‏<br />

‏)احتفاالت<br />

الطقوس<br />

الصالة ، صوم كل يومي<br />

عاشوراء<br />

وإحياء لياليه بالصالة واحتفاالت<br />

فيشمل الثالث القسم أما<br />

والقسم اخل(‏<br />

واملولد النبوي<br />

عيد الفطر وعيد<br />

املمارسات الظرفية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />

العدد الثاني<br />

جوان


ك)‏<br />

التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

زيارة األضرحة<br />

وغريها.(‏<br />

وطقوس الزواج<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

والشعائر اجلنائزية<br />

والعقيقة<br />

واخلتان<br />

لقد التزمنا بالشيء نفسه بالنسبة للطقوس،‏ فهي خمتلف الطقوس<br />

اليت ميارسها غالبية الشعب اجلزائري،‏ ولقد أقصينا أيضا الطقوس اليت<br />

متارسها فئة معينة فقط.‏<br />

ثانيا:‏ الصحة النفسية:‏<br />

احلديث عن الصحة النفسية<br />

‏)العقلية(‏<br />

ال يشري إىل غياب املرض<br />

النفسي أوالعقلي فقط؛ ففي تعريف للمنظمة العاملية للصحة<br />

تقول بأن<br />

(OMS)<br />

"<br />

الصحة هي حالة كاملة لالرتياح اجلسدي<br />

واالجتماعي وال ختص فقط غياب املرض أوالعاهة"‏<br />

والعقلي<br />

نظرا ألن الصحة<br />

النفسية والعضوية واالجتماعية هي جوانب أساسية للحياة وهي جوانب<br />

مرتابطة تكمل بعضها بعضا،‏ لكنها رغم ذلك مستقلة عن بعضها داخليا<br />

وبالتالي فللصحة النفسية أهمية حيوية يف الوصول إىل نوع من التوافق<br />

واالرتياح النفسي مع الذات ومع اآلخرين.‏<br />

الصحة النفسية إذن هي قدرة اجلهاز النفسي للفرد على العمل<br />

بشكل متناغم ومتناسق وفعال،‏ والقدرة على مواجهة الوضعيات الصعبة<br />

واملعقدة بنوع من الليونة وكذا القدرة على اسرتجاع التوازن.‏<br />

وحتى عن<br />

يف علم النفس نتحدث عن حالة التوافق النفسي أوالتكيف النفسي<br />

" حالة السواء كنوع من التكيف مع الذات ومع اآلخرين<br />

والقدرة على حل الصراعات الداخلية بشكل حيدث االرتياح النفسي"‏<br />

2008 : 149)،(Bergeret<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

يتكرر لدينا مفهوم االرتياح النفسي كأحد املفاهيم املفتاحية<br />

للصحة النفسية،‏ وهومفهوم ذاتي يقصد به<br />

اإلدراك الذاتي للفعالية<br />

الشخصية واالستقاللية والكفاءة والقدرة على التفعيل الذاتي للوجود<br />

الفكري والعاطفي.‏<br />

)1897(<br />

Okun et Stock<br />

يريان بأن االرتياح<br />

النفسي هو"بناء مضلي مرجعيته االستجابات العاطفية لألفراد أمام<br />

جتاربهم احلياتية مبحتوى اجيابي أوسليب"‏ ‏)ص 191( وهذا ما يفسر ذاتية<br />

هذا املفهوم.‏<br />

كما اعترب العديد من علماء النفس املعاصرين االرتياح<br />

النفسي مكونا أساسيا ملفهوم نوعية احلياة ومؤشرا نفسيا اجتماعيا<br />

هاما،‏ كونه يؤثر بشكل مباشر على خمتلف اجلوانب احلياتية اإلنتاجية<br />

واإلبداعية خاصة.‏<br />

إذا الصحة النفسية هي مستوى االرتياح النفسي الذي يعرف الفرد<br />

من خالله قدراته على مواجهة القلق العادي للحياة والعمل بشكل مثمر<br />

مع الذات ويف اجملتمع،‏ كما يشري إىل إمكانية األفراد واجلماعات<br />

اإلنسانية على النمووالوصول إىل حتقيق األهداف املسطرة.‏<br />

أشارت البحوث املعاصرة يف جمال علم النفس املرضي إىل<br />

" أن<br />

الشخص ميكن أن يكون يف حالة ارتياح نفسي مهما كانت مشاكله<br />

العميقة إذا توصل إىل تسوية ذلك والتكيف مع ذاته ومع اآلخرين دون أن<br />

يصاب بشلل داخلي بسبب صراعاته،‏ وال أن يرفض من طرف احمليط<br />

ويبعد إىل املصحات النفسية والسجون"‏<br />

.<br />

2008 : 150)،(Bergeret<br />

عدم التوافق النفسي ال يعرب بالضرورة عن املرض النفسي،‏ لكن الشخص<br />

يف هذه احلالة حيمل بداخله تثبيتا لصراعات نفسية ‏)مبفهوم التحليل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

النفسي(‏ كافية ألن جتعله عرضة لإلصابة باملرض النفسي أوالعقلي أمام<br />

أي فشل أوإحباط أوأزمة حياتية.‏<br />

‏.عينة الدراسة:‏<br />

قمنا باختيار العينة بطريقة قصدية،‏ حيث كان اهلدف حماولة<br />

الوصول إىل عينة تشمل أكرب قدر من واليات الغرب اجلزائري حسب<br />

اإلمكانيات املتوفرة،‏ واليت مل تسمح لنا باختيار عينة عشوائية ممثلة ،<br />

لكننا حاولنا توفري بعض الشروط يف العينة واملتمثلة يف<br />

تغطية كل الشرائح االجتماعية.‏<br />

أن يكون الفرد سليم من<br />

اضطراب نفسي أوعقلي مشخص(.‏<br />

:<br />

الناحية النفسية ظاهريا<br />

‏)ال يعاني من<br />

أن يكون املستوى التعليمي للفرد ال يقل عن مستوى التعليم<br />

املتوسط وذلك ليتمكن من قراءة وفهم املقياسني املستعملني يف مجع<br />

املعطيات.‏<br />

موجهة للراشد.‏<br />

أن ال يكون عمر املبحوث أقل من<br />

قمنا يف البداية بتعامل مع<br />

املطبقة عليهم قمنا بإقصاء<br />

19<br />

1122<br />

117<br />

سنة باعتبار الدراسة<br />

مبحوث ، وبعد مجع الوسائل<br />

منهم وذلك إما لسوء إجابة املبحوث<br />

أولنقص اإلجابة على الوسيلتني أولتطرف ومنطية االستجابة<br />

املبحوث(‏<br />

‏)عدم جدية<br />

واليت متكنا من تشخيصها بواسطة املفردات املعكوسة يف<br />

مقياس مستوى التدين.‏<br />

الدراسة<br />

822 فبقي معنا<br />

.<br />

حالة متثل احلجم النهائي لعينة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

اجلدول رقم<br />

:)11(<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

يبني توزيع العينة حسب مكان اإلقامة<br />

مكان اإلقامة التكرار النسبة املئوية<br />

4،37<br />

معسكر 349<br />

3،22<br />

تسمسيلت 208<br />

0،13<br />

غليزان 121<br />

6،9<br />

سعيدة 90<br />

6،8<br />

اجللفة 80<br />

7،4<br />

الشلف 44<br />

4،4<br />

وهران 41<br />

0،100<br />

اجملموع 933<br />

.0.1<br />

مقياس مستوى التدين:‏<br />

وضع هذا املقياس من طرف الباحثني ومبشاركة جمموعة من طلبة<br />

املاجستري يف علم االجتماع الدين،‏ حيث اعتمدنا يف صياغة بنوده على<br />

الضبط النظري واإلجرائي ملفهوم التدين؛ فالدين يرتبط مبعتقدات الفرد<br />

واجلماعة وبوجود قوى عليا خيضع هلا الفرد وتسري حياته بأكملها.‏<br />

ينقسم الدين إىل قطبني اثنني:‏ معتقدات وطقوس ‏)شعائر وممارسات(‏<br />

وتشكل هذه األخرية التعبري الرمزي عن املعتقد.‏<br />

أما األول فهواملعتقد الديين الشعيب وما ينجر عنه من ممارسات<br />

وطقوس وسلوكيات،‏ وتأثريه على حياة الفرد اليومية وكيفية تعامله مع<br />

احمليط اخلارجي.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


ك)‏<br />

التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

يف حني متثل الطقوس الدينية جمموع السلوكيات واألفعال<br />

واملمارسات الفردية واجلماعية<br />

أواجلماعة<br />

استجابة لتجربة دينية داخلية<br />

الطقوس الدينية يف اإلسالم إىل ثالثة أقسام:‏<br />

القسم األول يشمل<br />

اثنني ومخيس،‏ وضع اليد<br />

يشمل الثاني<br />

وصيام شهر<br />

األضحى،‏ احلج<br />

اليت تتجاوز الكالم،‏<br />

املمارسات اليومية<br />

‏)اخلامسة(‏<br />

املمارسات املومسية<br />

رمضان<br />

زيارة األضرحة<br />

وغريها.(‏<br />

اخل(‏<br />

(<br />

‏)معتقد(‏<br />

يقوم بها<br />

الفرد<br />

وميكننا تقسيم<br />

الصالة ، صوم كل يومي<br />

أوالودعة،‏ الصدقة<br />

‏)احتفاالت<br />

عاشوراء<br />

وإحياء لياليه بالصالة واحتفاالت<br />

القسم أما<br />

وطقوس الزواج<br />

فيشمل الثالث<br />

والشعائر اجلنائزية<br />

الصورة النهائية ملقياس مستوى التدين تتكون من<br />

بندا يقيس املعتقدات و)‏‎17‎‏(‏ بندا يقيس املمارسات الدينية.‏<br />

والقسم اخل(‏<br />

واملولد النبوي<br />

عيد الفطر وعيد<br />

املمارسات الظرفية<br />

والعقيقة<br />

واخلتان<br />

)28( بندا.‏ )12(<br />

.2.1<br />

مقياس االرتياح النفسي:‏<br />

اعتمدنا يف دراستنا هذه على مقياس االرتياح النفسي لقياس<br />

مستوى الصحة النفسية ألن اهلدف من هذه الدراسة هوقياس مستوى<br />

الصحة النفسية يف عالقته مبستوى التدين لدا الراشد يف اجملتمع<br />

اجلزائري،‏ وألننا انطلقنا من الفكرة اليت مفادها أن قياس الصحة<br />

النفسية ال يعتمد بالضرورة على قياس مستوى الضيق النفسي<br />

السلبية(‏<br />

العواطف (<br />

خاصة عند العاديني؛ وإمنا يعتمد على قياس مستوى ارتياحهم<br />

النفسي ‏)العواطف اإلجيابية(.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

الشيء الذي تتفق حوله الكثري من الدراسات واليت ذهبت إىل أن<br />

"<br />

العواطف اإلجيابية اليت يظهرها األفراد متثل مؤشرا جيدا لقياس مستوى<br />

الصحة النفسية"‏<br />

‎0.2.1‎‏.وصف مقياس االرتياح النفسي:‏<br />

هومقياس قام بإعداده ماسي<br />

الباحثني بكندا عام<br />

1998 :352)،(Massé et al<br />

(R. Massé)<br />

1889<br />

وجمموعة من<br />

باالعتماد على الرتاكم العلمي الكبري حول<br />

مسألة االرتياح النفسي،‏ وتراكم املؤشرات املستعملة يف العديد من<br />

الدراسات؛ فقام الباحثون باختبار تلك األبعاد واملؤشرات اليت مجعوها<br />

حول املسألة ليتوصلوا يف النهاية إىل وضع مقياس يتكون من ستة أبعاد<br />

ومخسة وعشرون بندا كما هومبني أسفله:‏<br />

البعد<br />

عدد<br />

البنود<br />

التحكم<br />

تقدير االلتزام الكفاءة<br />

يف الذات<br />

التوازن<br />

الذات االجتماعي االجتماعية<br />

واألحداث<br />

الشعور<br />

بالسعادة<br />

-20 -07<br />

-0<br />

01 -01 02 -9 8 -1<br />

21 21<br />

1<br />

وألن املقياس وضع يف بيئة أجنبية وبلغة أجنبية،‏ قمنا برتمجة<br />

املقياس إىل اللغة العربية ثم قمنا بإعادة ضبطه وتقنينه على اجملتمع<br />

اجلزائري.‏<br />

8. عرض النتائج وحتليلها:‏<br />

توجد عالقة تفاعلية بني مستوى التدين بشقيه<br />

واالرتياح النفسي لألفراد الراشدين<br />

(<br />

.<br />

معتقد وممارسة(‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

وهي الفرضية اليت قسمناها إىل فرضيتني جزئيتني،‏ ختصان<br />

مستوى التدين وقطبيه<br />

(<br />

املعتقد واملمارسة<br />

ويف ما يلي عرض لنتائج هذه الفرضيات:‏<br />

)<br />

.1<br />

االرتياح النفسي لدا الراشد.‏<br />

.2<br />

االرتياح النفسي لدا الراشد.‏<br />

اجلدول رقم<br />

وعالقتهما بالصحة النفسية،‏<br />

هناك عالقة تفاعلية بني املعتقدات الدينية ومستوى<br />

هناك عالقة تفاعلية بني املمارسة الدينية ومستوى<br />

:)01(<br />

النفسي والتدين والطقوس واملعتقد<br />

املتغري املتغريات<br />

التابع املستقلة<br />

التدين<br />

االرتياح<br />

الطقوس<br />

النفسي<br />

املعتقدات<br />

جمموع<br />

املربعات من<br />

النوع 1<br />

228،272<br />

378،509<br />

165،281<br />

حتليل التباين متعدد املتغريات بني االرتياح<br />

متوسط<br />

درجة املربعات<br />

احلرية قيمة ف<br />

F<br />

690،1<br />

604،1<br />

421،1<br />

الداللة<br />

دالة<br />

دالة<br />

دالة<br />

)* *(<br />

)* *(<br />

)* *(<br />

723،1 158<br />

224،3 158<br />

780،1 158<br />

)**(<br />

دالة عند مستوى‎1.10‎<br />

)<br />

( ،<br />

بالرجوع جلدول توزيع قيم ‏)ف-‏<br />

دالة عند<br />

مستوى 1.11<br />

)F<br />

مع درجات احلرية جند أن<br />

النسبة الفائية ‏)ف(‏ دالة إحصائيا؛ حيث تتجاوز مستوى ثقة ال)‏‎%88‎‏(.‏<br />

هذا يعين أن الفروق املالحظة بني املتغريات املستقلة جمتمعة واملتغري التابع<br />

دالة إحصائيا.‏ إذا فالتدين بصفة عامة أوبقطبيه معتقد وممارسة يتفاعل<br />

بصفة كبرية مع االرتياح النفسي،‏ وبعبارة أخرى يؤثر يف االرتياح النفسي<br />

لألفراد الراشدين.‏ وهذا ما يظهر يف التمثيل البياني التالي:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />

العدد الثاني<br />

جوان


Occurrences<br />

التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

30<br />

20<br />

10<br />

Religiosité<br />

élevee<br />

0<br />

2,32 3,92 4,76 5,52 6,16 6,80 7,44 8,08 8,72 9,36<br />

3,40 4,40 5,12 5,84 6,48 7,12 7,76 8,40 9,04 9,68<br />

faible<br />

Bien ètre<br />

الرسم البياني رقم<br />

:10<br />

معدالت األفراد على مقياس االرتياح<br />

النفسي حسب مستوى التدين<br />

نالحظ من خالل املنحنى أنه هناك اختالف بني األفراد اللذين<br />

يظهرون مستويات عالية من التدين واللذين يظهرون مستويات متدنية يف<br />

معدل درجاتهم على مقياس االرتياح النفسي لصاحل األفراد األكثر<br />

تدينا،‏ مع العلم أن هذه الفروق دالة إحصائيا كما سبق وأشرنا إىل ذلك.‏<br />

إذا ميكننا القول أن مستوى التدين العالي يتفاعل باإلجياب مع الصحة<br />

النفسية لألفراد الراشدين،‏ فقط يبقى علينا أن نبني ما إذا كان هناك<br />

فرق بني املعتقد واملمارسة يف تأثريهما على الصحة النفسية لألفراد<br />

‏)االرتياح النفسي(‏ مع العلم أن حتليل التباين املتعدد قد أظهر وجود تفاعل<br />

دال إحصائيا بني االرتياح النفسي وكل من املعتقد واملمارسة الدينية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />

العدد الثاني<br />

جوان


Occurrences<br />

Occurrences<br />

التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

30<br />

20<br />

10<br />

Croyance<br />

élevée<br />

0<br />

2,32 3,92 4,76 5,52 6,16 6,80 7,44 8,08 8,72 9,36<br />

3,40 4,40 5,12 5,84 6,48 7,12 7,76 8,40 9,04 9,68<br />

faible<br />

Bien étre<br />

الرسم البياني رقم<br />

:12<br />

حسب مستوى التدين يف قطبه املعتقد.‏<br />

معدالت األفراد على مقياس االرتياح النفسي<br />

30<br />

20<br />

10<br />

Rite<br />

éleve<br />

0<br />

2,32 3,92 4,76 5,52 6,16 6,80 7,44 8,08 8,72 9,36<br />

3,40 4,40 5,12 5,84 6,48 7,12 7,76 8,40 9,04 9,68<br />

faible<br />

الرسم البياني رقم<br />

Bien étre<br />

:11<br />

النفسي حسب مستوى التدين يف قطبه املمارسة.‏<br />

من خالل التمثيل البياني<br />

معدالت األفراد على مقياس االرتياح<br />

) و‎22‎ 22(<br />

وبالرغم من وجود تفاعل دال<br />

إحصائيا بني االرتياح النفسي وكل من املعتقد الديين واملمارسة الدينية،‏<br />

ميكننا القول بأن املعتقد أكثر تفاعال مع الصحة النفسية)‏ الا رتياح<br />

النفسي(‏ بصفة عامة؛ حيث يربز بصورة واضحة الفرق يف معدالت األفراد<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

على مقياس االرتياح النفسي حسب مستوى املعتقدات الدينية لصاحل<br />

املعتقد الديين العالي،‏ يف حني تبقى الفروق يف املعدالت على مقياس<br />

االرتياح النفسي أقل وضوحا حسب املمارسة الدينية،‏ ويظهر جليا نوع من<br />

التقارب بني اجملموعتني<br />

دينية منخفض(.‏<br />

(<br />

تسمح لنا هذه النتيجة بأن نقول:"‏<br />

مستوى ممارسة دينية عالي ومستوى ممارسة<br />

أن املستوى العالي من التدين<br />

يتفاعل اجيابيا مع االرتياح النفسي لألفراد أي مع صحتهم النفسية،‏<br />

فكلما كان مستوى تدين الفرد عاليا كلما كانت العواطف اإلجيابية<br />

لديه هي املسيطرة،‏ وبالتالي كان مستوى ارتياحه النفسي كبريا،‏<br />

وهوالشيء الذي يؤثر إجيابيا على مستوى الصحة النفسية بصفة عامة.‏<br />

كما ميكننا أيضا أن نفرق بني تأثري قطيب التدين<br />

‏)املعتقدات<br />

واملمارسات(؛ فاملعتقد الديين على ما يبدوأكثر تأثريا من املمارسة الدينية<br />

يف مستوى االرتياح النفسي بصفة عامة ويف الصحة النفسية".‏<br />

نصل هنا إىل طرح تسأل مهم حول أثر التدين يف الصحة النفسية،‏<br />

على ما يبدوفالدين الشعيب له أثر إجيابي على صحة األفراد يف اجملتمع<br />

اجلزائري،‏ وألننا ال ننفي إمكانية تأثري املعتقد الديين على صحة األفراد<br />

وسالمتهم العقلية والنفسية واالجتماعية،‏ فهذا يقودنا إىل احلديث عن<br />

طبيعة التدين يف حد ذاته.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 200<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

قائمة املراجع:‏<br />

طواليب نور الدين<br />

)0988(، الدين والطقوس و التغريات،‏<br />

اجلزائر،‏ ديوان املطبوعات اجلامعية.‏<br />

حممد مكحلي<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

ترمجة وجيه البعيين،‏<br />

قراءة انثروبولوجية لظاهرة الوعدة:‏ من الطقوس العقائدية<br />

/2<br />

32:<br />

:<br />

،)2117(<br />

إىل التعبريات احلضارية،‏ جملة العلوم االنسانية،السنة الرابعة<br />

موقع<br />

ك العدد<br />

www.4shared.com يوم .2101/11/21<br />

مداس فاروق<br />

املدني.‏<br />

فروم ايريك<br />

مكتبة غريب.‏<br />

ماري إلياس<br />

)2111(، قاموس مصطلحات علم االجتماع،‏ الطبعة األوىل،‏ اجلزائر،‏ دار<br />

)2111(، الدين والتحليل النفسي،‏ ترمجة فؤاد كامل،‏ اإلسكندرية،‏<br />

)2119(، مفهوم املسرحة،‏ جملة نزوى،‏ العدد 11.<br />

فراس السواح)‏‎2118‎‏(،‏ األسطورة والطقس،‏ جملة معابر،‏ اإلصدار احلادي عشر،‏<br />

،www.maaber.org تصفح يوم ‎2101/11/21‎م على الساعة 08:11<br />

Argyle (1987)، La psychologie de bonheur، Newyork، Methuen.<br />

Bergeret. J (2008)، Psychologie pathologie، 10 eme Ed، Paris،<br />

Masson.<br />

Bordeleau.M ، et al ) 2119(<br />

. La santé mentale : l’affaire de tous،<br />

pour une approche cohérant de la qualité de vie، centre<br />

d’analyse stratégique، www.stratégie.gouv.fr. consulté le<br />

20/05/2010.<br />

Boudon .R، Phillips. B، Cherkaoui. M، Bernard. P (2001)<br />

Dictionnaire de sociologie، Paris، Ed du Club France loisir.<br />

Boudon. R et coll. (2005)، Dictionnaire de sociologie، 1ere Ed،<br />

Paris Larousse.<br />

Chelhod. J (1986)، Les structures du sacré chez les arabes،<br />

Paris، Maison neuve et la rose.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 202<br />

العدد الثاني<br />

جوان


التدين والصحة النفسية عند الراشد يف اجملتمع اجلزائري<br />

أ.‏ جعدوني زهراء أ.‏ بوقريرس فريد<br />

Douchin. E (2009)، Religion، magie، superstitions et sectes،<br />

conférence du 05 février 2009.<br />

Freud. S. (1930)، Malaise dans la civilisation، Paris، Payot،<br />

1971.<br />

Freud. S. (1933)، Nouvelles Conférences d’introduction à la<br />

psychanalyse، Paris، Gallimard، 1984.<br />

Freud، S. (1941). Abrégé de psychanalyse، Paris، PUF، 1950،<br />

1979<br />

Freud. S (1927)، Avenir d’une illusion، Paris، PUF، 1973.<br />

Gaudeul. J-M، (2004)، Changement d’affiliation entre<br />

christianisme et islam، Etude 2004/5، Tome 401، In<br />

WWW.Cairn.info/article.php.<br />

HAMEL. S ; DUBE. M ; LEFRANCOIS. R، COUTURE. M<br />

(2003)، Actualisation transcendante et activités<br />

spirituelles/religieuses chez les personnes âgées de plus de 60<br />

ans، Revue québécoise de psychologie، vol. 24، n o 3، 2003.<br />

Laplanche. J et J. Pontalis،(2008)، Vocabulaire de la<br />

psychanalyse، PUF، paris، 1967.<br />

Nasio. J-D (2001)، Enseignement des 7 concepts cruciaux de la<br />

psychanalyse، Paris، Payot.<br />

Okun. MA، Stock. WA (1987)، Correlates and components of<br />

subjective well beingamong the elderly، Jappel Gerontoc.<br />

Pierre. L et Paul. A (1977)، Petit Larousse Illustré، 1 ere Ed،<br />

Paris، librairie Larousse<br />

Tarot. C (2008)، le symbolique et le sacré: théories de la<br />

religion، Paris، édition la découverte- MAUSS.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />

العدد الثاني<br />

2102 جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

املؤسسة الدينية<br />

مقدمة:‏<br />

:<br />

املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة،‏<br />

جامعة معسكر.‏<br />

لقد عرفت اجملتمعات اإلنسانية القدمية واحلديثة،‏ املتطورة<br />

واملتخلفة ظاهرة الدين،‏ فهو يعترب من مستلزمات وضروريات احلياة<br />

االجتماعية،‏ حبيث ال ميكن لإلنسان االستغناء عنه،‏ مما له من أهمية<br />

داخل احلياة االجتماعية سواء على املستوى الفردي أو على املستوى<br />

اجلماعي،‏ سواء على مستوى العالقات ‏)املعامالت(‏ أو على مستوى<br />

املمارسات ‏)السلوكات(.‏ فالدين هو روح اجملتمع.‏<br />

فاملظهر االجتماعي للدين يتجسد يف شكل مؤسسات خمتلفة<br />

ومتعددة ومتنوعة األدوار والوظائف واألهداف وبعبارة أخرى فالوجود<br />

االجتماعي للدين يكون يف شكل مؤسسة وهنا نكون يف صلب املداخلة<br />

املعنونة ‏"باملؤسسة الدينية املفهوم واألشكال".‏ وقبل التطرق للحديث عن<br />

مفهوم وأشكال املؤسسة الدينية سنشري إشارة قصرية إىل تاريخ ظهور<br />

وبروز هذا النوع من املؤسسة،‏ يف احلقيقة إن املؤسسات الدينية مل يعرفها<br />

اإلنسان كما عرف ظاهرة الدين منذ أن دب على وجه األرض،‏ بل عرفها<br />

بعد فرتة طويلة من الزمن عرب مراحل تارخيية،‏ أي أن مأسسة الدين ليست<br />

قدمية قدم الدين ذاته،‏ فقد أكدت نتائج التنقيب األركيولوجي يف<br />

مواقع أو فرتة العصر احلجري أن اجملتمعات اإلنسانية يف ذلك الوقت<br />

عاشت وفق معتقداتها ومارست طقوسها وقصت أو روت أساطريها دون<br />

مؤسسة دينية تشرف وتوجه وجتعل من نفسها السلطة املرجعية العليا داخل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

-1<br />

اجملتمع.‏ فبالرغم من وجود أفراد متميزون يف تلك الفرتة ‏)العصر<br />

احلجري(،‏ كانوا يقومون باإلشراف على الطقوس الدينية والتوسط بني<br />

العامل الدنيوي والعامل الديين ‏)القدسي(،‏ إال أن هؤالء األفراد مل يتخذوا<br />

صفة الكهان املرمسني باملعنى املعروف اليوم،‏ ومل يتمتعوا بسلطة مطلقة<br />

على احلياة الدينية ألفراد اجملتمع،‏ وهذا ما يشري إىل أن وجود الكهنة<br />

مرتبط بوجود املؤسسة الدينية يف حد ذاتها.‏ وقد عرفت اجملتمعات ظاهرة<br />

املؤسسة الدينية مع ظهور اجملتمعات الزراعية،‏ حيث ظهرت بشكلها<br />

البسيط أي عبارة عن كهوف وبيوت وأكوايف كأماكن للعبادة،‏ ثم<br />

تطورت وأخذت أشكاال وأنواعا متعددة ومعقدة متثلت يف املعابد<br />

واملساجد والكنائس واألحزاب الدينية...اخل.‏<br />

إذن ظهور املؤسسة الدينية يف شكلها احلديث مرتبط حبضارة<br />

املدينة.‏ وبهذا فإن انتشار هذه املؤسسات الدينية وتوسع نطاقها داخل<br />

اجملتمع يكون دائما بشكل متدرج ال دفعة واحدة،‏ فالظروف االجتماعية<br />

واملعيشية لإلنسان املتدين هي اليت ختلق له طرقا إلجياد أو ابتكار<br />

مؤسسات دينية تتأقلم مع الوضع الذي يعيش فيه وبعبارة أخرى فإن تطور<br />

وتوسع وتزايد املؤسسات الدينية يتزامن مع تطورات التاريخ حبد ذاته.‏<br />

ولكن ماذا نعين باملؤسسة الدينية؟ وفيما تتمثل أهميتها؟ وما هي<br />

األهداف اليت يسعى املسجد لتحقيقها؟ وما نوع العالقة السائدة فيه؟<br />

مفهوم املؤسسة الدينية:‏ تعد مشكلة التعريف باملفاهيم<br />

وحتديدها من املشكالت األساسية يف التحليل وخنص بالذكر يف<br />

التحليل االجتماعي،‏ إذ تتعدد وتتداخل التعريفات للمفهوم الواحد األمر<br />

الذي خيلق لنا االضطراب واللبس عند استعمال هذه املفاهيم.‏ ويرجع عدم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 201<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

)1<br />

)2<br />

اتفاق الباحثني واملفكرين يف حتديد تعريف واحد للمفهوم لألسباب<br />

التالية:‏<br />

تعكس التعاريف ختصص ووجهة نظر الباحثني<br />

أن الظواهر االجتماعية عامة تكون متعددة املتغريات،‏ كما<br />

أنها تعكس خربات ومعاني األفراد واجلماعات اليت ختتلف من جمتمع<br />

آلخر ومن زمن آلخر.‏<br />

ونظرا لتعدد وتنوع تعاريف النظرية ملفهوم املؤسسة الدينية سأعتمد<br />

يف هذه املداخلة على طرح أو عرض تعريف شامل وعام للمؤسسة جيمع<br />

بني البنية والوظيفة هذا من جهة ومن جهة أخرى عرض خصائص وأهمية<br />

املؤسسة حتى يكون التعريف شامال وعاما وواضحا.‏<br />

املؤسسة الدينية:‏ هي هيئة اجتماعية تسعى لتحقيق أهداف حمددة،‏<br />

حبيث هلا حمددات واضحة وكذلك بناء وظيفي واضح ومقصود،‏ وهي<br />

متعددة األشكال واأللوان.‏<br />

يف حني جند<br />

Hoult. F. T<br />

يعرف املؤسسة الدينية:‏ ‏"بأنها عبارة<br />

عن منظمة رمسية ذات السمة الدائمة واملستمرة كوزارة األوقاف أو<br />

املساجد أو أماكن العبادة األخرى التابعة أو اخلاصة باألديان البدائية<br />

والفلسفية والسماوية"‏<br />

)1(<br />

إن حتليل هذه التعاريف سيكون انطالقا من املستويات التالية<br />

واليت من خالهلا نتعرف على ماهية املؤسسة الدينية.‏<br />

-1 -1<br />

على مستوى اخلصائص واملميزات:‏<br />

للمؤسسة الدينية طابع أو شكل رمسي له صفة االستمرارية.‏<br />

للمؤسسة الدينية هدف أو غرض تسعى لتحقيقه.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 207<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

أن املؤسسات الدينية هي ظاهرة تارخيية واجتماعية ارتبطت<br />

باألديان والعقائد كافة.‏<br />

ختتلف أشكال املؤسسات الدينية وتركيبها باختالف جمموعة<br />

الوظائف اليت تقوم بها واليت تتشابك وتتداخل فيما بينها وبدرجات<br />

متفاوتة،‏ ولكن تبقى املؤسسة الدينية يف شكلها ويف مضمونها تتمثل يف<br />

كل وظيفي،‏ يستمد أو يعتمد يف مقوماته على النظام الديين السائد يف<br />

اجملتمع.‏ ومن بني أنواع وأشكال املؤسسات الدينية جند املسجد والزوايا<br />

واجلمعيات اخلريية ذات الطابع الديين واألحزاب الدينية،‏ فاهلدف<br />

األساسي الذي تسعى إليه هذه املؤسسات هو نشر الثقافة الدينية وتنمية<br />

الوعي الديين وبث روح التعاون والتضامن بني أفراد اجملتمع،‏ وبعبارة<br />

أخرى للمؤسسة الدينية بعد روحي أكثر منه مادي.‏<br />

ما مييز هذه املؤسسات الدينية أيضا أنها ذات طبيعة اجتماعية<br />

خاصة،‏ حيث تتخذ لنفسها جمموعة أو نسقا من العادات واألعراف<br />

والتقاليد والتحرميات باإلضافة إىل الطقوس ومستويات السلوك والتنظيم<br />

واألدوار...‏ وغريها من أمناط السلوك اليت ينصب اهتمامها ويربر وجودها<br />

على كل ما هو مقدس.‏<br />

ويف األخري تتداخل املؤسسة الدينية مع املؤسسات االجتماعية<br />

األخرى وهذا نلمسه خاصة لدى اجملتمعات العربية اإلسالمية عامة<br />

واجلزائر خاصة.‏<br />

حبيث حتتل هذه املؤسسات مكانة مركزية وحمورية داخل<br />

اجملتمع اجلزائري وذلك انطالقا من تسيريها وحتكمها يف احلياة<br />

االقتصادية واالجتماعية والثقافية والدينية والسياسية،‏ يف حني جندها<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 208<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

‏)املؤسسات الدينية(‏ يف اجملتمعات الغربية تعاني من التهميش واالنعزال<br />

والالمباالة فدرجتها ومركزيتها داخل اجملتمع جندها يف أدنى السلم<br />

االجتماعي وذلك راجع ألسباب نذكر منها:‏ هيمنة وسيطرة وطغيان<br />

الكنيسة يف القرون الوسطى ‏)عصر الظلمات(‏ وكذلك ظهور تيارات<br />

واجتاهات نادت بفصل الدين عن الدولة أي فصل تلك املؤسسات الدينية<br />

عن نشاطات وميادين احلياة االجتماعية،‏ الشيء الذي أضفى عليها<br />

‏)اجملتمعات الغربية(‏ صفة العقالنية أي جمتمع له طابع مادي أكثر منه<br />

روحي،‏ على عكس اجملتمعات اإلسالمية العربية اليت أضفي عليها<br />

الطابع العاطفي أي جمتمع روحاني أكثر منه مادي.‏<br />

-2 -1<br />

-<br />

على مستوى األهمية والوظيفة:‏<br />

تزايدت املؤسسات الدينية كما ونوعا،‏ حبيث أصبح التكامل<br />

والتساند الوظيفي فيما بينها هو الصبغة السائدة الشيء الذي جعلها<br />

مسؤولة عن إشباع احتياجات األفراد املختلفة واملتعددة لدرجة أنها<br />

‏)املؤسسات الدينية(‏ أصبحت مسؤولة عن غالبية أنشطة الفرد وأمناط<br />

سلوكه مبا يساعده على التوافق والتكيف واالندماج يف جمتمعه.‏ وبعبارة<br />

أخرى فإن أهمية املؤسسات الدينية تعود أو ترجع إىل الوظائف اليت تؤديها<br />

ومن بينها:‏ تنشئة الفرد اجتماعيا ودينيا وثقافيا وسياسيا.‏<br />

تعترب املؤسسة املعنية بنشر الثقافة الدينية و تنمية الوعي الديين<br />

لألفراد.‏<br />

تعترب وسيلة من الوسائل املؤدية للتضامن والرباط االجتماعي،‏<br />

وبالتالي تنمية اجملتمع وتطويره ومساعدته يف استقراره من خالل ضبط<br />

وتنظيم سلوكات أفراده.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 209<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

-<br />

كما أنها تعترب مركزا ملمارسة الطقوس الدينية كالصالة<br />

وتالوة القرآن...‏ ونلحظ ذلك يف املساجد والزوايا.‏<br />

وخالصة القول أنه مهما اختلفت تلك املؤسسات وتفاوتت أهدافها<br />

وتنوعت وظائفها فإنها وجدت مجيعا خلدمة اإلنسان،‏ وتسهيل عملية<br />

العيش يف هذه احلياة.‏<br />

-2<br />

بن تهامي منوذجا<br />

مسجد<br />

-1<br />

-2<br />

السلوك التنظيمي داخل املؤسسات الدينية:‏ مسجد مصطفى<br />

تعريف املسجد:‏<br />

إن أول مسجد شيده الرسول صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه هو<br />

‏"قباء"‏ حبيث كان أول منارة دينية شيدت يف اإلسالم.‏ ‏"فكلمة<br />

مسجد من الناحية اللغوية تطلق على كل مكان يسجد فيه،‏ وبعد بعثة<br />

الرسول صلى اهلل عليه وسلم أصبح يطلق على املكان املخصص إلقامة<br />

الصلوات اخلمس"‏<br />

2<br />

.<br />

فاملسجد باملعنى االصطالحي هو مكان مقدس،‏ حبيث تقام فيه<br />

جمموعة من الطقوس الدينية واالجتماعية كالصالة والدعاء والذكر<br />

وتعليم القرآن الكريم وبعبارة أخرى هو مركز ديين وثقايف وبوتقة<br />

للرباط االجتماعي.‏<br />

-2<br />

-2<br />

حملة تارخيية عن مسجد مصطفى بن تهامي:‏ تعود فرتة<br />

تشييد مسجد مصطفى بن تهامي إىل الفرتة العثمانية على يد الباي احلاج<br />

عثمان بن إبراهيم عام ‎1112‎ه،‏ ‎1717‎م،‏ وقد مسي فيما مضى باجلامع<br />

الكبري.‏ أما عن املوقع اجلغرايف للمسجد فهو يقع يف قلب مدينة معسكر<br />

بالقرب من مسجد سيدي حسن ‏)أو مسجد املبايعة(‏ على بعد ‎222‎م،‏ ومن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

اجلنوب ساحة مصطفى بن تهامي ومن الشرق شوارع عمومية ومن الشمال<br />

جند محام الربكة الذي أسسه الباي احلاج عثمان بن إبراهيم.‏<br />

)2( 2<br />

املسجد على مساحة ‎1119‎م .<br />

-2<br />

-2<br />

يرتبع<br />

السلوك التنظيمي داخل مسجد مصطفى بن تهامي:‏ إن<br />

السلوك التنظيمي عامة نقصد به جمموعة السلوكات واملمارسات اليت<br />

تصدر عن أعضاء املؤسسة الدينية ككل،‏ وبصيغة أخرى هو الطابع<br />

السلوكي للمؤسسة،‏ ما ميكن اإلشارة إليه أن هناك العديد من<br />

الدراسات اليت قامت بدراسة جمموعة من املؤسسات االجتماعية الدينية<br />

منها واالقتصادية والثقافية...‏<br />

كدراسة مثال كيفية إدارتها أو دراسة<br />

وظائفها أو عالقة املؤسسات بعضها البعض وكذلك عالقتها باجملتمع يف<br />

حد ذاته أو دراسة دوافع العمل فيها أو دراسة أهمية الثقافة واملعايري والقيم<br />

داخلها...اخل يف حني أن دراسيت هذه ترتكز على املؤسسات الدينية عامة<br />

واملسجد خاصة وذلك بدراسة الطابع السلوكي داخله ‏)املسجد(‏ باالعتماد<br />

أو اجلمع بني ثالثة أبعاد تتمثل فيما يلي:‏<br />

/1<br />

/2<br />

داخل املسجد.‏<br />

/2<br />

األهداف التنظيمية:‏ أي اهلدف الذي يسعى املسجد لتحقيقه.‏<br />

املنايف التنظيمي:‏<br />

الفعالية التنظيمية<br />

:<br />

وهذا البعد يرتبط مبشاعر واجتاهات األفراد<br />

وفيه<br />

داخل املسجد وكذلك أمناط االتصال داخله.‏<br />

-1<br />

-2<br />

-2<br />

يتم دراسة أمناط أو أنواع السلطة<br />

أهداف املسجد:‏ يتعلق وجود أي مؤسسة دينية مبدى<br />

سعيها حنو حتقيق أهداف حمددة قد رمستها من قبل أي أن استمرار أي<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 220<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

)1<br />

)2<br />

مؤسسة دينية يتوقف على مدى جناحها يف حتقيق أهدافها،‏ وللوصول إىل<br />

مبتغاها ‏)حتقيق هدفها(‏ وجب عليها توفري الشروط التالية:‏<br />

أن تكون أهداف املؤسسة واضحة<br />

أن تكون أهدافها ذات أثر إجيابي ونفعي على األفراد سواء<br />

املستفيدين أو األعضاء ‏)املشاركني يف املؤسسة(.‏<br />

)2<br />

)1<br />

)2<br />

أن توفر املؤسسة ألعضائها إمكانيات مادية وإمكانيات<br />

معنوية،‏ ألن هذه اإلمكانيات تعترب عامل من العوامل املساهمة يف جناح أو<br />

فشل املؤسسة.‏ وتعترب هذه الشروط كمفتاح للنجاح أمام أي مؤسسة ولذا<br />

وجب عليها ‏)املؤسسة(‏ استعماله لضمان جناحها واستمرارها داخل<br />

اجملتمع،‏ وبصيغة أخرى تعترب هذه الشروط عامال من عوامل جناح أي<br />

مؤسسة سواء كانت دينية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.‏<br />

ومبا أن املسجد كغريه من املؤسسات الدينية يسعى هو بدوره<br />

لتحقيق أهداف معينة واليت تتسم بالوضوح والدقة وهي كاآلتي:‏<br />

يسعى املسجد لنشر تعاليم الدين اإلسالمي<br />

تنمية الوعي الديين لدى أفراد اجملتمع<br />

2( ضبط وحتديد سلوكات األفراد أي حتديد إطار سلوكي معني<br />

من جوانب عدة،‏ من جانب املمارسات ‏)احلث على املمارسات الدينية<br />

كالصالة والزكاة والصوم،‏ قراءة القرآن،...‏ أي كل املمارسات اليت<br />

تؤدي إىل العبادة ‏"عبادة اخلالق عز وجل"(‏ ومن جانب املعامالت أن تكون<br />

العالقة بني األفراد عالقة مسلم بأخيه،‏ املسلم أي أن تتسم بطابع<br />

اإلنسانية واألخالق،‏ أي التحلي مبجمل الصفات احلميدة كالرأفة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 222<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

)1<br />

باملساكني والفقراء ومساعدة اليتيم والتخفيف عن أمله وعن وحدته،‏<br />

احلث على التعاون والتضامن والتكافل االجتماعي وزيارة املريض...اخل.‏<br />

الدعوة إىل االبتعاد عن االحنراف االجتماعي واملشاكل<br />

االجتماعية كالسرقة والقتل واالغتصاب...وغريها من الرذائل اليت تضر<br />

باإلنسان وتسبب له الدمار واهلالك يف الدنيا واآلخرة.‏<br />

تتسم أو تتميز أهداف املسجد بالفعالية ملا هلا من أثر إجيابي على<br />

اجملتمع وعلى أفراده،‏ حبيث تساهم يف استقرار واستمرار اجملتمع،‏ وذلك<br />

من خالل توحيد أفراده ‏)اجملتمع(‏ جبمع مشلهم يف خطاب ديين،‏ سواء يف<br />

فرتة املناسبات الدينية االجتماعية ‏)االحتفاالت(‏ أو يف وقت الصالة<br />

‏)الصلوات اخلمس:‏ الفجر والظهر والعصر واملغرب والعشاء(،‏ وبصيغة<br />

أخرى يعترب املسجد بوتقة للرباط االجتماعي حيث يتم الربط بني خمتلف<br />

الطبقات االجتماعية أي ربط الفقري بالغين واجلاهل باملتعلم واألجنيب<br />

بالعربي واألسود باألبيض والكبري بالصغري.‏<br />

كما أن تلك األهداف تساهم بصورة أو بأخرى يف تنشئة الفرد<br />

اجتماعيا ودينيا وثقافيا.‏ أما عن أعضاء املسجد ‏"املقيم واإلمام"‏ فهم<br />

بدورهم ينتفعون مثلما ينتفع أفراد جمتمعهم فعملهما داخل املسجد له<br />

مقابل سواء من الناحية الدينية حبيث جيازيهم اهلل أجرا ومنفعة يف الدنيا<br />

واآلخرة أو من الناحية االجتماعية فهم يتقاضون أجرا مقابل عملهم هذا<br />

‏)أي املساهمة يف حتقيق األهداف أو الرسالة اليت وجد من أجلها<br />

املسجد(،‏ زيادة عن ذلك فهم يقومون بتكوين عالقات اجتماعية متنوعة<br />

مع أفراد جمتمعهم واليت تتلخص يف املودة والتعاطف والتآلف والتضامن<br />

والتسامح...‏ وغريها من القيم األخالقية النبيلة.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

وفيما خيص توفر اإلمكانيات داخل املسجد جند أنها متوفرة سواء<br />

إن تعلق األمر باإلمكانيات املادية ‏"كتوفر كتاب القرآن الكريم بأعداد<br />

كبرية،‏ وكذلك وجود كتب خاصة بالثقافة الدينية اإلسالمية،‏<br />

ككتب فقه السنة وكتب خاصة بالدعاء ‏)حصن املسلم(،‏ كما جند<br />

أيضا توفر اإلنارة واملاء والزرابي وغريها من األشياء.‏<br />

أما عن اإلمكانيات املعنوية اليت جندها يف املسجد ميكن<br />

إجيازها أو عرضها يف النقاط التالية:‏<br />

- 1<br />

- 2<br />

اهلدف املنشود للمؤسسة<br />

- 2<br />

هذه األهداف<br />

- 1<br />

الرضا عن العمل من طرف القيم واإلمام<br />

وجود عاملي التفاهم والتعاون بني القيم واإلمام لتحقيق<br />

إميان واقتناع كل من القيم واإلمام بأهمية وضرورة حتقيق<br />

الشعور بالثقة املتبادلة بني اإلمام والقيم الشيء الذي يؤدي إىل<br />

االستقرار والراحة النفسية.‏<br />

ما ميكن اإلشارة إليه أن اإلمكانيات املعنوية تساهم بشكل<br />

كبري يف تأدية رسالة املسجد ذلك ألن اجتاهات وأحاسيس الفرد هلا تأثري<br />

قوي على عمله،‏ حبيث قد تؤدي إىل جناحه أو فشله،‏ تطوره أو تدهوره،‏<br />

استقراره أو عدم استقراره.‏<br />

وخالصة القول:‏ إن الشروط اليت مت عرضها سابقا لنجاح هدف أي<br />

مؤسسة ‏)دينية أو غري دينية(‏ جندها متوفرة يف مسجد مصطفى بن تهامي<br />

انطالقا من وضوح اهلدف وأثره اإلجيابي على أعضاء املسجد وأفراد<br />

اجملتمع وأخريا توفر فيه اإلمكانيات املادية واملعنوية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

-2 -2 -2<br />

العالقات االجتماعية املهنية داخل املسجد:‏<br />

يعترب املسجد بناء قائما على نسيج من العالقات االجتماعية،‏ حبيث<br />

تتشابك فيه العالقات والعمليات وتكثر اللوائح والتعليمات واألوامر.‏ وهذه<br />

العالقة تكون نتيجة اتصال األفراد مع بعضهم البعض.‏ فاالتصال يعترب<br />

ضرورة إنسانية،‏ واجتماعية لتماسك األفراد واجلماعات وهو القدرة على<br />

مشاركة اآلخرين أفكارهم وخرباتهم ومعرفة حاجاتهم والعمل على<br />

إشباعها،‏ فاالتصال هو عملية التفاعل االجتماعي بني األفراد يف موقف<br />

اجتماعي معني.‏<br />

ويتخذ االتصال أشكاال خمتلفة ومتنوعة فمنه ما حيدث بني<br />

املنظمات واملؤسسات واهليئات ومنه ما يتم عن طريق التفاعل املباشر،‏<br />

ومنه ما يتم عن طريق وسائل اإلعالم ومنه ما حيدث بني األفراد،‏ وهنا<br />

وحنن يف صدد احلديث عن الشكل األخري من االتصال أال وهو االتصال<br />

بني األفراد يف مكان معني ‏)املسجد(.‏ فاالتصال داخل مسجد مصطفى بن<br />

تهامي يتسم بالرمسية ذلك ألن عملية االتصال بني اإلمام والقيم قائمة على<br />

أساس مهين أي اتصال أعضاء املسجد ‏)القيم واإلمام(‏ يكون يف إطار<br />

العمل فقط.‏ الشيء الذي يشري إال انعدام االتصاالت الغري الرمسية القائمة<br />

أو اليت تقوم على أساس العالقات الشخصية واالجتماعية واخلارجة أو<br />

البعيدة عن نطاق العمل،‏ بالرغم من أن كل من اإلمام والقيم يقطنان يف<br />

نفس املدينة ‏"مدينة معسكر"‏ إال ان االتصال بينهما منعدم،‏ زيادة عن ذلك<br />

فهما ينتميان إىل نفس الفئة العمرية أي يف الستينات من العمر"فسن القيم<br />

12 سنة وسن اإلمام 11 سنة(.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

وهنا يظهر لنا أنه ال توجد عوائق تعيق عملية االتصال سواء<br />

االتصال الرمسي الذي جنده داخل املسجد أو االتصال الغري الرمسي الذي<br />

ال جنده داخل املسجد أي منعدم،‏ ويف هذه احلالة تظهر وظيفة وأهمية<br />

املؤسسة الدينية عامة واملسجد خاصة يف تكوين عالقات اجتماعية حتى<br />

يف شكلها أو طابعها الرمسي،‏ فهي بصورة أو بأخرى تؤدي إىل اتصال<br />

األفراد بعضهم بعض.‏<br />

باإلضافة إىل وجود السلوك االتصالي داخل املسجد،‏ فإننا جند<br />

أيضا سلوكا آخر أال وهو السلطة وهذه األخرية يعرفها فايول<br />

(Henri<br />

Fayol)<br />

-1<br />

-2<br />

بأنها:‏ ‏"احلق يف إصدار األوامر وقوة احلصول على الطاعة"‏ )1( .<br />

فالفرد عندما ميتلك السلطة فهو ميتلك بذلك احلق يف وضع قوانني<br />

داخل املؤسسة وإصدار القرارات واألحكام يف مسائل معينة الشيء الذي<br />

خيوله للتصرف كقائد يف توجيه اآلخرين وإدارة املؤسسة.‏<br />

فاحلديث عن السلطة داخل املسجد جند أنها تنقسم إىل ثالث<br />

أقسام:‏ السلطة الرمسية والسلطة الوظيفية والسلطة الشخصية.‏<br />

السلطة الرمسية:‏ إن تعيني كل من القيم واإلمام يكون من<br />

طرف وزارة الشؤون الدينية املرتبطة بالدولة وبهذا فإن توظيفهما<br />

ووجودهما داخل املسجد له طابع رمسي،‏ فعملهما يتمثل يف السعي لتحقيق<br />

هدف املسجد،‏ ومقابل هذا العمل يتقاضيان أجرهما كل شهر من طرف<br />

الدولة اجلزائرية.‏<br />

السلطة الوظيفية:‏ ويتمتع بها كل من القيم واإلمام انطالقا<br />

من العمل اللذان يقومان به،‏ حبيث يتمثل عمل القيم يف فتح املسجد<br />

وغلقه،‏ يفتحه عند صالة الفجر ثم يغلقه ثم يعود ليفتحه مرة أخرى على<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 221<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

12922 الساعة<br />

زواال إىل غاية<br />

21912<br />

-2<br />

ليال أي بعد االنتهاء من صالة<br />

العشاء مباشرة،‏ كما يقوم أيضا بدور املؤذن،‏ كما يسعى إىل احلفاظ<br />

عل نظافة املسجد وعلى األشياء املوجودة فيه من كتب وزرابي...‏ باختصار<br />

فهو يقوم بتسيري وتنظيم املسجد.‏<br />

يف حني جند أن عمل اإلمام يتمثل يف إلقاء اخلطب الدينية والدروس<br />

اليت تعقب كل صالة واحملاضرات اليت يلقيها يف فرتات دورية أو يف<br />

مناسبات خاصة ‏)مثل يوم العلم،‏ االحتفال بعيد االستقالل واالحتفال<br />

باملولد النبوي الشريف...(‏ كما يقوم بدور القائد يف أداء صالة اجلماعة،‏<br />

باإلضافة إىل حل النزاعات بني األفراد وبالتالي إقامة الصلح فيما بينهم.‏<br />

باختصار تعتمد السلطة الوظيفية على اخلربة واملعرفة يف العمل<br />

وهذان العنصران أو العامالن متوفران يف القيم واإلمام.‏<br />

السلطة الشخصية:‏ وهذه السلطة جندها عند اإلمام فقط<br />

واليت تكمن يف مؤهالته وكفاءته العلمية وقدرته على اإلقناع أي أنه<br />

ميتلك القدرة يف التأثري على سلوكات األفراد،‏ اليت حتقق له يف األخري<br />

النفوذ واملركز االجتماعي الذي حيتله داخل اجملتمع عامة واملسجد<br />

خاصة.‏<br />

ومما مت ذكره ميكن اإلشارة إىل أن عملية التسيري والتنظيم داخل<br />

املسجد املبنية أو القائمة على العالقات الرمسية بني األفراد تطابق املبادئ<br />

اليت نادت بها النظرية التايلورية<br />

واليت من أبرزها:‏<br />

(Taylorism)<br />

-1<br />

أي نظرية اإلدارة العلمية<br />

املناداة بضرورة تقسيم العمل داخل املؤسسة وأهمية اإلشراف<br />

الدقيق على العمل وذلك من اجل جناح املؤسسة يف حتقيق هدفها.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 227<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية : املفهوم واألشكال<br />

لغرس سهيلة<br />

-2<br />

كما أشار أيضا إىل أهمية األجر باعتباره احلافز الرئيسي<br />

الذي حيفز اإلنسان على أداء عمله على أحسن وجه.‏<br />

إذن املبادئ اليت يقوم عليها املسجد تشري إىل جناحه يف حتقيق<br />

هدفه ‏)رسالته(.‏<br />

اخلامتة<br />

إن اختالف املؤسسة الدينية يف أشكاهلا ووظائفها يؤدي بالضرورة<br />

إىل اختالفها يف طريقة التسيري والتنظيم.‏<br />

اهلوامش:‏<br />

1- Hoult F.T. (1988). The sociology of religion. New<br />

york. P97<br />

-2<br />

-2<br />

-1<br />

مدحية حممد سيد ابراهيم.‏ ‏)ب ت(‏ .<br />

ص‎212‎‏.‏<br />

حييى بوعزيز.‏ ‏)ب ت(‏ .<br />

ص‎228‎<br />

بورحلة عالل<br />

)2221( .<br />

علم االجتماعي الديين.‏<br />

املساجد العتيقة بالغرب اجلزائري.‏<br />

حتليل<br />

املنظمات.‏<br />

والنشر والتوزيع.‏ اجلزائر.‏ سيدي بلعباس.‏ ص‎82‎<br />

القاهرة<br />

اجلزائر<br />

مكتبة الرشاد للطباعة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 228<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

‏)تديكلت وهلقار أمنوذجا(‏<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

املركز اجلامعي غرداية.‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

تعد املؤسسات الدينية فاعال رئيسا يف اجملتمعات اإلسالمية،‏ ذلك<br />

من خالل األدوار املنوطة بها،‏ وهذا ليس بدعا إذ إنها منذ القرون كانت<br />

هي الصمام واحلافظ واالمسنت الواقي الذي وسخ كيان هذه اجملتمعات<br />

عقديا وسلوكا من خالل حماربة البدع واخلرافات وتصديها حملاوالت<br />

املسخ الذي تتعرض له بلدانها من جراء االحتالل األجنيب واحلمالت<br />

الصليبية املسعورة وغريها،‏ اصة يف جزائرنا العميقة،‏ ومن ذلك مناطق<br />

اجلنوب اجلزائري.‏<br />

فهذه الورقة أحببنا أن منيط الغبار عن بعض هذه املؤسسات،‏ ممثلة<br />

يف الكتاتيب والزوايا واحللل من حيث دورها التعليمي والدعوي اصة.‏<br />

وخطتنا يف ذلك:‏<br />

معامل الورقة.‏<br />

الدرس التعليمي مبؤسساتها الدينية.‏<br />

بعض املؤسسات الدينية.‏<br />

نتائج واقرتاحات.‏<br />

أوال:‏ معامل الورقة:‏ نبدأ من حيث انتهينا،‏ تديكلت،‏ هلقار،‏<br />

الكتاتيب،‏ الزوايا،‏ احللل.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 229<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

.6<br />

تديكلت:‏ عاصمتها مدينة عني صاحل،‏ وهي نقطة تقاطع والية<br />

أدرار بوالية متنراست،‏ كلمة بربرية،‏ وإديكل هو الكف،‏ أو راحة اليد.‏<br />

‏)التومي سعدان،‏ 11( 1888:<br />

تقع وسط الصحراء بني توات غربا وهضبة تادمايت ماال وهصبة<br />

مويدر جنوبا،‏ تبعد عن العاصمة ب<br />

أولف،‏ أنيغر،‏ فقارة الزوى.‏ تيط وغريها.‏<br />

6175 كلم.‏<br />

.1<br />

تضم دائرة عني صاحل،‏<br />

هلقار:‏ عاصمتها متنراست مقر الوالية،‏ وهي سلسلة جبلية،‏<br />

أصل التسمية خمتلف فيه:‏ قيل حشرة تسمى تامنغاست كانت تعيش<br />

هناك،‏ وبعضهم يرجعها إىل أمرية امسها ‏"تامن"‏ غرقت بواد كانت تستحم<br />

فيه بهذه املنطقة،‏ فراح األهالي يصرخون ويصيحون ‏"تامن غاست"‏ أي<br />

غرقت.‏ ‏)حممد السويدي،‏ 6451971(<br />

يرى اجلغرايف الفرنسي<br />

‏"رميون فريون .R" Furon<br />

.1<br />

أن أول من ذكر<br />

كلمة هلقار هو ابن بطوطةFuron‏)،‏ ، .R (1964:2 وابن خلدون يسمى<br />

‏"هلقار"‏ هكاره أو اهلكار ويرجعها إىل كلمة هواره ‏)عبد السالم<br />

بوشارب،‏ 61(، 6448: سكان تديكلت وهلقار:‏ عرب وبربر.‏<br />

الكتاتيب:‏ مجع كُتَاب،‏ مدرسة تقليدية صغرية لتعليم الصبيان<br />

القراءة والكتابة وحتفيظهم القرآن ‏)جمموعة أساتذة،ب ت:‏<br />

،)6815<br />

يقول الدكتور حيي بوعزيز:‏ ‏"وهذه الكتاتيب أحيانا بيوت منفردة وأحيانا<br />

جممعات من البيوت خمتلفة األحجام واألشكال".‏<br />

ويف هذه املناطق يقول عبد السالم:‏ هي مؤسسات تعليمية شعبية<br />

أهلية بسيطة كانت حتمل تارة على ظهور اجلمال وتارة حتت سقف سعف<br />

النخيل،‏ ومنها على سبيل املثال مدرسة ‏)تيزقداوين(،‏ ويتمركز حول هذه<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

املدارس املوجودة باحلالت معلمون يامهم وتالميذهم االبتدائيني<br />

مشكلني بصورة مصغرة للمؤسسات التعليمية املتنقلة)عبد السالم<br />

بوشارب،‏ .)46 :6448<br />

.9<br />

أي أن الكتاتيب قد تتخذ يف خيم.‏<br />

الزوايا:‏ مجع زاوية،‏ من دالالتها مسجد غري جامع ليس فيه<br />

منرب،‏ وهو مأوى للفقراء واملتصوفني)جمموعة أساتذة،ب ت:‏<br />

.)848<br />

.8<br />

والزاوية مشتقة من زوى أي مجع ألن فيها جتتمع الضيوف والفقراء وطلبة<br />

العلم،‏ وجيمع املال هلا بالطرق املشروعة لتمويلها وتسيري نظمها.‏<br />

والزوايا:‏ جممعات من البيوت واملنازل املختلفة األشكال واألحجام،‏<br />

تشمل على بيوت للصالة كمساجد،‏ وغرف لتحفيظ القرآن الكريم<br />

وتعليم العلوم العربية واإلسالمية،‏ وأخرى لسكنى الطلبة وطهي الطعام،‏<br />

وختزين املواد الغذائية والعلف،‏ وإيواء احليوانات اليت تستعمل يف أعمال<br />

الزاوية.‏<br />

احللل:‏ مجع حلة من حلَ،‏ حبلَلْت،‏ حيُلْ/حيِلّ‏ حال وحلوال،‏ حالّ،‏<br />

املكان وبه:‏ نزل وعكسه،‏ ارحتل،‏ يقول تعاىل:‏ ‏"أو حتل قريبا من<br />

دارهم".‏<br />

جاء يف املصباح املنري:‏ ‏"واحلِلَة بالكسر،‏ القوم النازلون،‏ وتطلق<br />

على البيوت جمازا تسمية للمحل باسم احلال،‏ وهي مائة بيت فما فوقها<br />

واجلمع حِالل بالكسر وحِلل مثل سدة وسِدر ‏)الفيومي<br />

املقرئ،‏‎6448958‎‏(‏ واحلِلّة:‏ منزل القوم ومجاعة البيوت وجمتمع الناس،‏<br />

مجع حالل وأحلَة ‏)جممع اللغة العربية:‏ 679(. 6471:<br />

ولك أن جتعل احللة من احللول يف املكان،‏ ألن احللة اليت نتحدث<br />

عنها أهلها صحراويون،‏ وقد يكون أغلبهم رحّل ينصرفون عادة إىل احلل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

والرتحال،‏ يقول حممد أداس:‏ ‏"ذلك أن احللة نفسها جمهولة وأهلها<br />

صحراويون غالبهم مل يدخل حضارة قط،‏ اللهم إال بعض األفذاذ من<br />

العلماء كاملختار الكنيت الكبري وحفيده الشيخ باي بن سيدي اعمروا<br />

والشيخ سيدي حممد بن باد الكنيت،‏ رحم اهلل اجلميع ‏)حممد أداس،‏ ب<br />

ت:‏ 86(.<br />

ولك أن جتعلها من حل العقدة إذا فكها وحل املشكلة أو املسألة،‏<br />

فإن سراة القوم كانوا يعقدون جمالس حلل املنازعات،‏ بل إنهم اشتغلوا<br />

بالقضاء،‏ ‏"فإن هؤالء الثالثة تعدت مشيختهم أخذ الورد إىل التعليم وفض<br />

اخلالفات واملنازعات واالقتداء يف النوازل والتأليف حتى صاروا املرجع<br />

الفاصل يف اخلالف بني العلماء غريهم")حممد أداس،‏ ب ت:‏<br />

ويقول 86(.<br />

شيخنا يف موضع آخر:‏ ‏"مل يقتصر دور السوقيني على اإلفتاء والقضاء<br />

والتعليم فقط،‏ بلد تعدى دورهم ذلك إىل اإلصالح بني القبائل املتنازعة<br />

واملتناحرة"‏ ‏)حممد أداس،‏ ب ت:‏ 68(.<br />

ثانيا:‏ الدرس التعليمي بهذه املؤسسات:‏<br />

ومما ينبغي اإلشارة إليه إىل جانب هذه املعامل،‏ دور هذه املؤسسات<br />

وأهميتها يف اجملتمع،‏ واملصادر املالية هلذه املؤسسات الدينية،‏ واملعارف<br />

اليت تدرّس فيها.‏<br />

أ.‏ دور الكتاتيب والزوايا واحللل:‏ ال خيتلف اثنان يف أن هذه<br />

املؤسسات قد أدت دورا هما كشريك اجتماعي ثقايف حضاري يف األمة<br />

منذ بزوغ فجر اإلسالم.‏<br />

يقول الدكتور حيي بوعزيز:‏ "... وظيفتها تعليم خمتلف العلوم<br />

الدينية،‏ وغري الدينية...،‏ إذ مل يكن باستطاعة املسجد وحده أن يقوم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

بهذا الدور،‏ فاهتم املسلمون بإنشاء مثل هذه املدارس وتعميمها...‏ وجرت<br />

العادة أن تؤسس هذه املدارس جبوار املساجد،‏ نظرا للصلة الوثيقة بني<br />

الدين والعلم".‏ ‏)حييى بوعزيز،‏ 6456961(<br />

يقو بكري:‏ ‏"للزوايا دور كبري وهام يف صريورة احلياة الثقافية<br />

واالجتماعية بتوات،‏ فقد اعتربت ركيزة أساسية وأداة هامة لتنمية<br />

اجملتمع التواتي،‏ فنشأت بها العديد والكثري من الزوايا اليت اهتمت<br />

بتعليم الصبيان حروف اللغة وتدريس الطلبة علوم الفقه واللغة واحلديث،‏<br />

كما اهتمت بفعل اخلري واالعتناء بعابر السبيل،‏ فاعتربت بذلك مرفأ<br />

للراحلة واألمان ومطلبا للسالمة".)التومي سعدان،‏ 688( 1888:<br />

يقول احلاج التومي سعيدان أثناء حديثه عن تدريس القرآن الكريم<br />

والعلوم اإلسالمية:‏ ‏"كان التدريس جمانا يف سبيل اهلل،‏ األمر الذي جيعل<br />

األجيال تتمسك بدينها احلنيف على بصرية،‏ ويتخرج للمجتمع أفراد فطناء<br />

أمام أي غزو فكري أو عسكري،‏ بل يكون اجملتمع برمته يف مناعة<br />

تامة ضد أية حماولة استدمار...".‏<br />

ويف الزوايا يضيف حممد باي أنها صنفان:‏ صنف يقوم بإيواء<br />

الفقراء واملساكني والضيوف،‏ واإلصالح بني الناس،‏ يقول:‏ ‏"واهلدف من<br />

نشأتها،‏ تقوم بإطعام الطعام للضيوف والزائرين على اختالف أغراضهم<br />

وتباين أجناسهم من قبل شيويف الزوايا...‏ وكانت هذه وال زالت تقوم<br />

باإلصالح بني املتنازعني وتقرب بني املتباعدين...‏ وتعمل على مساعدة<br />

الفقراء والضعفاء واملساكني...،‏ ومن أبرز أدوارها احملافظة على الدين<br />

وإقامة اجلهاد املقدس لطرد أعداء الدين عن ديار املسلمني.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

وصنف آخر من الزوايا قائم على حتفيظ القرآن وتعليم العلم،‏ وعلى<br />

العموم فإن من مهام الزوايا ‏)حممد باي بعامل:‏‎1888‎‏:‏<br />

يلي:‏<br />

)111 ، ما<br />

-118<br />

.6<br />

.1<br />

.1<br />

حتفيظ القرآن وتعليم الفقه،‏ وقراءة صحيح البخاري ومسلم<br />

وموطأ اإلمام مالك كل سنة،‏ وهذا مشرتك بني الكتاب والزاوية واحللة.‏<br />

نشر اإلسالم يف كثري من أصقاع اجلنوب.‏<br />

مكافحة األمية.‏<br />

9. حضن اليتامى والقيام بشؤونهم.‏<br />

.8<br />

.1<br />

.7<br />

.5<br />

.4<br />

.68<br />

القيام باخلتام اجلماعي.‏<br />

القيام برحالت إىل احلج.‏<br />

تفجري الفقاقري وغرس النخيل.‏<br />

اإلصالح بني الناس.‏<br />

إحياء املواسم الدينية.‏<br />

وضع خزائن للمخطوطات،‏ واحلفاظ عليها.‏<br />

وجاء يف مقال حممد أداس كما عند كالمه عن حركات<br />

اإلصالح عند أهل هذه احللة<br />

-<br />

-<br />

أي حلة السوقيني-‏ يقول:‏ ‏"مل يقتصر<br />

دور السوقيني على اإلفتاء والقضاء والتعليم فقط،‏ بل تعدى دورهم ذلك<br />

إىل اإلصالح بني القبائل املتنازعة واملتناحرة".)حممد أداس،‏ ب ت:‏ 68(<br />

واحلاصل أن هذه املؤسسات اصة منها الزاوية مجعت بني املهمة<br />

التعليمية واالجتماعية واحلزبي إىل درجة أن قاعدة انطالق اجليش املغيلي<br />

عبد الكريم املغيلي-‏ يف حربه على اليهود،‏ ‏...كان نشاطها يتجاوز<br />

الوطن إىل اخلارج وما أدل على لك من الطوارق من خارج اجلزائر كانوا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

يؤمنون بهذه املؤسسات وأقروا بأفضال تتلمذهم فيها.‏ ‏)أمحد<br />

احلمدي،‏‎6444‎‏-‏ -81 :1888 )87<br />

ب.‏ املصادر املالية للكتاتيب والزوايا واحللل:‏ إن األهالي بالدرجة<br />

األوىل هم الذين محلوا على عاتقهم متويل هذه املؤسسات مبا يقدمونه هلا<br />

من دعم مادي ولو كانوا فقراء ناهيك عن بعض األغنياء وأموال احلبس<br />

واألوقاف."كان األهالي يف كل منطقة يزودونها مبا يكفيها من املؤن<br />

وذلك باقتطاع مساحات من األراضي الزراعية يف أماكن االستقرار لفائدة<br />

املدرسة أو الزاوية وبتعيني رؤوس من املاشية من حالة البادية ‏)الرحل("‏<br />

‏)عبد السالم بوشارب،‏ 48- 6448:<br />

.)46<br />

ويقول الشيخ حممد باي يف هذا الشأن:‏ ‏"من املوارد اليت متول منها<br />

الزوايا فيما مضى احملصوالت الزراعية وما يلحق بها من مثار النخيل،‏<br />

وبعضها يكون من أجل األوقاف الكثرية من قبل احملسنني،‏ وكان<br />

أرباب الزوايا يف بعض اجلهات يعملونا جاهدين على تفجري الفقاقري<br />

وغرس النخيل وزراعة البساتني لتساعدهم يف مهمتهم النبيلة،‏ كما كان<br />

لبعضهم قوافل جتارية جتوب وتربط بني الداخل واخلارج جللب السلع<br />

واملواد الغذائية وسائر ما حيتاجونه.‏ ‏)حممد باي بعامل:‏‎1888‎‏:‏<br />

-118<br />

)111<br />

أما الدكتور حيي فإنه يرى أن هذه املؤسسات تعتمد على مصدرين<br />

رئيسني زائد واحد تنفرد به الزاوية.‏ ‏)حييى بوعزيز،‏ 11- 6456:<br />

)11<br />

-<br />

اإلعانات اليت تقدمها هلا احملسنون من األثرياء يف شكل نقود،‏<br />

وبضائع ومواد غذائية،‏ وحيوانات وأدوات وألبسة ومفروشات وغريها<br />

بصفة دورية منتظمة.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

-<br />

-<br />

-<br />

أموال احلبس واألوقاف اإلسالمية اليت يوقفها عليها األشخاص<br />

واجلماعات واهليئات اخلريية.‏<br />

وهو ما تنفرد به الزوايا،‏ يتمثل يف أموال الزيارات والوعادى<br />

‏)الوعدة(‏ من الزوار واحملبني واألتباع،‏ وقد جتند هذه الزوايا وفودا من<br />

تالميذها واملشرفني عليها ليخرجوا إىل األقاليم اجملاورة والبعيدة جلمع<br />

أموال الصدقات والزيارات والزكوات،‏ وقد حيدث هذا يف مواسم معينة<br />

ومنه موسم جين احلبوب والتمر وموسم الزكاة اصة شهر حمرم<br />

‏)عاشوراء(.‏<br />

املعارف اليت تدرس يف الكتاتيب والزوايا واحللل:‏ أشرنا فيما<br />

سبق إىل أدوار هذه املؤسسات ومن ذلك الدور التعليمي الرتبوي الذي<br />

يؤسس على معارف علمية من علوم شرعية ولغوية وعلمية.‏<br />

يقول بوشارب:‏ ‏"كانت املدارس أو الكتاتيب ‏)أقربيش(‏ ختضع<br />

لنظام حياة البيئة املتعارف،‏ فهي مستقرة يف املدن،‏ ومتنقلة يف البادية،‏<br />

وبالطبع كانت أهمية املدرسة متناسبة طرديا مع السكان حبيث تستمد<br />

أهمية مركزها من كثافتهم ومن مدى استقبال التالميذ وغزارة املواد<br />

اليت تدرس بها".)عبد السالم بوشارب،‏ 46( 6448:<br />

يقول صاحب النبذة:‏ بعد دخول اإلسالم إىل هاته املنطقة ومتكنه<br />

من قلوب أهلها،‏ صار الناس يبحثون يف جماالته الفكرية والعلمية،‏<br />

فنشطت حركة العلن والتعلم،‏ وأصبح الناس حيرصون على تعليم<br />

أبنائهم،‏ ومن أهم مواد التعليم:‏ العلوم واآلداب الشرعية من فقه وأصوله<br />

وتفسري ولغة عربية وتاريخ وتراجع وسري ومنطق وعلم فلك".‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

ويف جملة الثقافة:‏ وحيضر إليها التالميذ مكن كل اجلهات<br />

القريبة والبعيدة وأحيانا من خارج البالد نفسها وينقطعون فيها حلفظ<br />

القرآن وجتويده وترتيله بصفة أساسية وتلقي بعض العلوم واملعارف األخرى<br />

الدينية واللغوية بالتبعية.‏ ‏)حييى بوعزيز،‏ 18( 6456:<br />

أما الرحلة العلية فقد ورد فيها يف اللمحة الرابعة،‏ الزوايا القائمة<br />

بتحفيظ القرآن وتعليم العلم وآثارها يف الدعوة إىل اهلل وجهاد أعدائه،‏<br />

مما يدلنا على أن هذه املؤسسات ال تقتصر على العلوم الشرعية فقط بل<br />

تتعدى ذلك إىل العلوم اللغوية واالجتماعية والعلمية،‏ ذلك نستكشفه من<br />

قول حممد أداس ‏)حممد أداس،‏ ب ت:‏<br />

)61<br />

)6<br />

-<br />

وهو يتحدث عن كيفية<br />

التدريس باحللل،‏ يقول:‏ ثم يأخذون به يف قراءة القرآن،‏ ثم يبدأ يف النحو،‏<br />

أعلم مفردات اللغة،‏ أما علم املنطق،‏ أما علم البالغة،‏ أما الفقه أو الفروع<br />

أما علم أصول الفقه أما علم التفسري،‏ أما علم النجوم والتنجيم أما علم<br />

احلساب،‏ أما علم العقائد وهكذا مما سنراه يف طريقة التدريس بهذه<br />

املؤسسات.‏<br />

د.‏ كيفية التعليم بالكتاتيب والزوايا واحللل:‏<br />

* كيفية التعليم:‏<br />

القرآن:‏ الغالب يوجه الطفل إىل املدرسة القرآنية يف سن الرابعة<br />

‏)موجودة يف كل قرية أو حي،‏ يتبع حبفل دخول(.‏<br />

يقدم اللوح على املعلم ليكتب فيه البسملة واآليات األخرية من سورة<br />

اإلسراء ‏"قل ادعوا اهلل أو ادعوا الرمحن..."‏ تيمنا بالعبادة وصحة العقيدة.‏<br />

كتابة احلروف اهلجائية حبسب الرتتيب املغربي.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

-<br />

يتناول احلاضرون اصة من الشيويف اللوح ليكتب كل حرفا<br />

من هذه احلروف،‏ تربكا.‏<br />

-<br />

-<br />

)1<br />

-<br />

علما أن الفاء تنقط بنقطة حتتها ڢ،‏ القاف تأخذ نقطة واحدة<br />

فوقها ف.‏<br />

وهناك أربعة حروف إذا أوردت يف آخر الكلمة فإنها ال تعجم<br />

‏)تهمل(:‏ النون،‏ الباء،‏ الفاء،‏ القاف.‏ يقول بعضهم:‏<br />

حروف ‏)ينفق(‏ إذا نطقت فعرها من نقطها حيث أتت<br />

ثم يبدأ معه يف التلقني،‏ حروفا ثم آيات.‏<br />

الكتابة:‏ كتابة اآليات يف اللوح بقلم الرصاص،‏ ليتابع ذلك<br />

املتعلم بقلم احلرب ‏)الدواة(.‏<br />

أ.‏ على أن يتدرب على شكل احلروف والتفريق بينها ويتقنها.‏<br />

ب.‏ نقلها مباشرة من املصحف أو الربع بالسمايف.‏<br />

ج.‏ ميلي عليه الشيخ اآليات،‏ وهذا بعد أن يكون قد أتقن كتابة<br />

احلروف ‏)خطا ووضوحا(‏ على أن تراقب من قبل الشيخ ‏)تسلّك(.‏<br />

إذا ختم القرآن يقام وليمة ختم القرآن ‏"حزب يستبشرون"‏ يدعى<br />

هلا أهل البلدة،‏ و اصة معلموا القرآن وأئمة املساجد ‏)تتلى فيه مثن من<br />

يستبشرون(‏ ليقرأ علنا وجتويدا،‏ وأحيانا يكتب فيه احلاضرون كلمة أو<br />

سطرا تربكا حتى يتم الثمن لريتل بعدها،‏ على أنها اآلن أصبحت تتبع<br />

مبداخالت لبعض املدرسني والشيويف يف فضل القرآن مثال،‏ ويؤخذ اخلامت<br />

‏)احلافظ(‏ إىل أمه ويقدم له احلاضرون كل حبسب طاقته شيئا من<br />

الدراهم وكذا الزوار من النساء الذين يأتون ليهنؤا العائلة على هذا العمل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

-<br />

)3<br />

اجلليل ‏)اهلدايا(،‏ هناك من يتربعون بالنخيل أو املاء ‏)حبة أو أكثر(‏ ‏)ماء<br />

الفقاقري(‏ والشاة،‏ والثياب ‏)كل هذا تشجيعا(.‏<br />

وبعضهم يعطى للمتعلمني عطلة أسبوع،‏ ليعود بعدها جبد<br />

ونشاط ليشرع املتعلم يف حتفيظ القرآن،‏ حبيث يعرض كل يوم بعد صالة<br />

العصر جزء من القرآن على الشيخ.‏<br />

املبادئ الدينية<br />

(<br />

:)171 -116<br />

*<br />

)9<br />

اصة املتون(‏ ‏)حممد باي بعامل:‏‎1888‎‏:‏<br />

يكتب املعلم لوح املتعلم كل يوم بيتا وبيتني حبسب طاقة استيعاب<br />

املتعلم،‏ ليحفظه بدءا بالعقائد ثم العبادات اصة الصالة،‏ علما بأن<br />

املدرسة تدرب التالميذ على أداء الصالة،‏ فيصلون مجاعة بعد الوضوء يف<br />

املدرسة القرآنية ‏)الكتاب(.‏<br />

حلقة القراءة الليلية:‏ بعد صالة املغرب وبعد االنتهاء من قراءة<br />

احلزب اليومي يف املسجد،‏ جيتمع التالميذ يف كتابهم،‏ ويقرأون اخلمسة<br />

األخرية ‏"يسبح"‏ بعضهم يقرأ مخسة كاملة وبعضهم كل ليلة حزبا،‏ فيجد<br />

أن طلبة اجلنوب غالبا ما يتقنون حفظ هذه اخلمسة،‏ وعقب ذلك يرددون<br />

ما أخذوا من أبيات املتون،‏ حلفظها وتثبيتها،‏ ويقوم الشيخ بشيء من<br />

الشرح.‏<br />

احلديث النبوي الشريف:‏ عادة ما متتد من شهر شعبان إىل<br />

شخر ذي احلجة.‏<br />

من الكتب املعتمدة يف ذلك:‏ صحيح البخاري،‏ موطأ مالك،‏<br />

صحيح مسلم،‏ الشفا للضايف عياض ‏)أكثرها صحيح البخاري(.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

ال يتصدى هلا إال من له دراية بعلوم احلديث وكفاءة التدريس<br />

والشرح،‏ وليست لكل الطلبة يعطى فيها إجازة.‏<br />

ويوم ابتداء صحيح البخاري يقام حفل كبري،‏ يبدأ الشيخ بدعاء<br />

االفتتاح:‏ احلمد هلل أفضل احملامد على كل حال والصالة والسالم<br />

األمتان األكمالن على سيد املرسلني...‏ إخل،‏ ثم يبدأ باإلسناد ثم يشرع يف<br />

قراءة احلديث والشرح وإنهاء به االختتام ‏"اللهم صل أفضل صلواتك على<br />

أشرف خملوقاتك عدد معلوماتك سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم<br />

تسليما ‏)يرددون مجاعة يف البدأ واخلتام(.‏<br />

ويقام حفل آخر يف اختتام صحيح البخاري يرددون ‏)سبحان اهلل<br />

وحبمده سبحان اهلل العظيم<br />

688<br />

مرة(‏ وتتلى أدعية عديدة،‏ ثم يتصافح<br />

احلاضرون ويهنئ بعضهم بعضا أمال يف أن تعاد الذكرى.‏<br />

أ.‏ الفقه:‏ تقام حفال بالتحاق التلميذ بهذه املدرسة أو احللقة،‏ يبدأ<br />

أوال بدراسة املتون املتعلقة بالعقائد ‏)العقيدة(‏ بدأ باألوجلي إىل األخضري<br />

وغريهما،‏ ثم يدخل أبوابا أخرى كالصالة والطهارة والفرائض والسنن.‏<br />

‏)العبقري من نظم ابن أب املزمري التواتي(،‏ ابن عاشر،‏ مقدمة ابن زيد<br />

القريواني،‏ أسهل املسالك.‏ حتى يتقنها حفظا وشرحا.‏<br />

ب.‏ النحو:‏ له فيه وقفات مع الفقه:‏ األجرومية نظمها حممد بن أب،‏<br />

األلفية.‏<br />

كيفية تسيري الدرس:‏<br />

دعاء االستفتاح:‏<br />

الشروع يف التدريس بدأ بألواح الصغار ثم الكبار،‏ عقائد،‏<br />

معامالت،‏ حنو،‏ سرية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

لكل كتاب يقرأ على حدى من أول القن إىل نهايته،‏ ثم ينتقل إىل<br />

الكتاب الذي يليه وهكذا.‏<br />

ويف حله السوقيني قريب من هذا حبيث إذا بلغ الصيب مخسة أعوام<br />

ومخسة أشهر كتبوا له حروف اهلجاء حتى يتقنها ثم يأخذون به يف قراءة<br />

القرآن برواية ورش بداية بالفاحتة فسورة الناس ثم الفلق وهكذا حتى<br />

خيتمه...‏ فإذا به ينتقل إىل رسالة ابن أبي زيدون القريواني،‏ فيكتب الشيخ<br />

للتلميذ ما يقدر على حفظه وترمجته باللغة التارقية حتى يتعلم كيفية<br />

الرتمجة.‏<br />

ثم يبدأ يف النحو وهو املقصود عندهم حتى صار عند بعضهم معيارا<br />

على العلوم حتى إن من مل حيسنه يرتك التعليم استحياء من اللحن.‏ يتدرج<br />

يف العلوم من بالغة وفقه وأصوله وتفسري وعقائد وعلم احلديث وعلم<br />

القراءات وصناعة اإلنشاء والعروض وفلك.‏<br />

الكتب املعتمدة بهذه املؤسسات الدينية:‏ وذلك حبسب كل فن:‏<br />

العقائد:‏ فالغالب اعتماد إضاءة الدجنة للمقري واجلوهرة،‏ رسالة<br />

ابن أبي زيد القريواني،‏ منت األوجلي،‏ اخلريدة ‏...إخل.‏<br />

الفقه:‏ األخضري،‏ العبقري،‏ ابن عاشم،‏ شرح خليل.‏<br />

أصول الفقه:‏ مجع اجلوامع البن السبكي،‏ وكل ما ميت بصلة إىل<br />

املذهب املالكي:‏ القرايف،‏ والبقري.‏<br />

التفسري:‏ ترمجة تفسري اجلاللني وغري ذلك،‏ وهذا يكاد يكون<br />

خاصا باحللة.‏<br />

احلديث:‏ الصحيحان البخاري ومسلم،‏ وموطأ مالك.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

علم القراءات:‏ ال يشتغل به يف الغالب إال الشيويف،‏ إال أنه يف العصور<br />

املتأخرة بدأوا يلجأون إليه.‏<br />

النحو:‏ من أشهر املتون عندهم األجرومية وبعضهم يضيف ملحة<br />

اإلعراب للحريري وألفية ابن مالك وقطر الندى والمية األفعال.‏<br />

مفردات اللغة:‏ يعتمدون مقامات احلريري وخمتار الشعر العربي،‏<br />

وبعض املعاجم كاجلوهري.‏<br />

علم البالغة:‏ التلخيص للقزويين واجلوهر املكنون لألخضري،‏<br />

وهذا أيضا مما خيتص به احللل.‏<br />

احلساب:‏ عادة ما يكتفوا بها يعينهم على فهم وفك مسائل علم<br />

الفرائض.‏<br />

العروض:‏ ال يكادون يعتمدون على كتب معينة،‏ ألن االحرتاز<br />

عنهم صار سجية راسخة فيهم.‏ ‏)حممد أداس،‏ ب ت:‏ 61(<br />

وأوقات التعليم يف هذه املؤسسات:‏ فإنها تفتح أبوابها عادة كل يوم<br />

من صالة الصبح إىل قرب الزوال ثم تغلق السرتاحة،‏ لتستأنف بعد صالة<br />

الظهر إىل صالة العشاء.‏ ‏)حممد باي بعامل:‏‎1888‎‏:‏ 119(<br />

اخلامتة:‏<br />

إن املؤسسات الدينية ممثلة يف الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب<br />

اجلزائري ال تقل أهمية عن سليلتها يف الشمال،‏ فقد أدت دورا ال يستهان<br />

به من تثبيت العقيدة الصحيحة والدفاع عن الدين اإلسالمي اصة أثناء<br />

االحتالل الفرنسي،‏ ووقفت سدا منيعا أمام البعثات التنصريية.‏<br />

هذه الكتاتيب والزوايا واحللل أمها شيويف كانوا سرجا يقتدى<br />

بهم،‏ وهو عدد معترب إذ إنك لتلفي يف كل قرية عشرات الكتاتيب<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الكتاتيب والزوايا واحللل باجلنوب اجلزائري<br />

د.‏ حممد السعيد بن سعد<br />

والزوايا إال أن احللل عرفت بالتحديد عند آل كنته وآل السوق،‏ وما فتئت<br />

إىل اآلن تؤدي دورها اإلجيابي على الرغم من وجود مؤسسات أخرى<br />

تزامحها يف ذلك.‏<br />

املراجع:‏<br />

أمحد احلمدي،‏ تاريخ احلضارة اإلسالمية،‏ جامعة وهران<br />

‏)ماجستري(،‏ 1888/6444.<br />

التومي سعيدان،‏ سكان تديكلت القدماء واالتكال على النفس،‏ دار هومه،‏ اجلزائر،‏<br />

.1888<br />

الفيومي املقرئ،‏ املصباح املنري،‏ ط:‏<br />

والنشر.‏<br />

،81<br />

6444/6918، املكتبة العصرية للطباعة<br />

القاموس األساسي العربي،‏ املرجع السابق،‏ باب:‏ زوي.‏<br />

عبد السالم بوشارب،‏ اهلقار أجماد وأجناد،‏ املؤسسة الوطنية لالتصال والنشر والتوزيع،‏<br />

رويبة،‏ 6448.<br />

جممع اللغة العربية،‏ املعجم الوجيز،‏ ط:‏ 6471، 81، اهليئة العامة للكتاب،‏ مصر.‏<br />

جمموعة من األساتذة،‏ القاموس األساسي العربي،‏ ص:‏ 6815، باب:‏ ك.ت.ب.‏<br />

حممد أداس،‏ دور احللة يف نشر الدين اإلسالمي.‏<br />

حممد السويدي،‏ بدو الطوارق بني النبات والتغيري،‏ املؤسسة الوطنية لالتصال والنشر<br />

والتوزيع،‏ رويبة،‏ 6451.<br />

حممد باي بلعامل،‏ الرحلة العلية إىل منطقة توات،‏ دار هومة،‏ اجلزائر،‏ 1888.<br />

حيي بوعزيز،‏ أوضاع املؤسسات الدينية يف اجلزائر خالل القرنني<br />

64<br />

و‎18‎‏،‏ جملة<br />

الثقافة،‏ العدد:‏ 6456/6986، 11، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،‏ اجلزائر،‏<br />

- Furoun. Reymound، Le Sahara، Paris Payot، 1964.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

2102 جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

أة.‏ موشعال فاطمة،‏<br />

جامعة معسكر.‏<br />

تؤدي املؤسسات الدينية يف اجلزائر دورا فاعال داخل اجملتمع،‏ فهي<br />

حتاول جاهدة االلتزام بقضايا األمة اإلسالمية،‏ بغية النهوض بها<br />

واملساهمة الفعلية يف عمليات التغيري االجتماعي،‏ إذ تتعدى مهامها إطار<br />

املهنة أو الوظيفة،‏ إىل الرسالة والدعوة والقضية،‏ لتصبح سالحا ضد<br />

التسلط والقهر ومجيع مظاهر التخلف.‏<br />

لذا حنن حباجة إىل استفراغ اجملهود املضين يف البحث والسؤال من<br />

أجل دراسة ظاهرة املؤسسات الدينية باجلزائر،‏ واستكشاف متظهراتها<br />

الثقافية ومساتها،‏ وسؤال اهلوية وعالماتها،‏ وما يرتتب عن ذلك كله من<br />

انعكاسات على احلياة االجتماعية تربويا،‏ سياسيا وثقافيا.‏<br />

مل يعد مستصاغا التنكر لواقع االختالف والسعي وراء وهم ثقافة<br />

التطابق ومتاسك اهلوية،‏ فإن القراءة احلفرية لظاهرة املعامل الدينية<br />

تتطلب دراسة إبستيمية لألنساق الفكرية عرب سريورتها التارخيية يف<br />

اجلزائر،‏ فقد تعددت أشكاهلا ‏–املؤسسات الدينية-‏ وتباينت مهامها<br />

انطالقا من املساجد والزوايا والكتاتيب بلوغا املؤسسات اخلريية<br />

واملؤسسات اليت متثل شؤون الفكر اإلسالمي.‏ والسؤال املطروح:‏ هل<br />

كانت عالقتها باجملتمع عالقة تواصل وتفاعل؟ أم جدل واختالف؟<br />

لقد كانت اجلزائر كغريها من بلدان املغرب العربي عرب تارخيها<br />

العربي اإلسالمي املديد تؤمن باملدارس الدينية ‏)الكتاتيب،‏ الزوايا<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

واملساجد(‏ ومتجدها وتعمل على نشرها واحلفاظ على مبادئها وقيمها<br />

ومستويات احلفظ والدرس فيها،‏ إميانا منها بالدور الوظيفي املهم الذي<br />

تؤديه هذه املعامل يف تقدم اجملتمع وتطوره،‏ ومن العمل على نشر الوعي<br />

التعليمي،‏ الديين،‏ الفكري والثقايف ‏"فاملدرسة اإلسالمية ‏)مساجد<br />

وزوايا(‏ هي امتداد ملدرسة الرسول ‏)صلى اهلل عليه وسلم(‏ األوىل وجاهة<br />

وروحية لألفكار الرتبوية احلكيمة اليت أيدها علماء املسلمني عرب<br />

تارخينا العريق"‏<br />

تعد الزوايا مؤسسة دينية تعددت أوصافها بتعدد نشاطاتها وخدماتها،‏<br />

وهي أحد أبرز هذه املعامل الدينية يف اجملتمع اجلزائري منذ عصور<br />

سالفة،‏ واليت تعكس دورا فاعال يف شتى القضايا.‏<br />

حناول يف هذه املداخلة تتبع آفاق وأهمية الزوايا يف اجلزائر ودورها<br />

الريادي يف الرتبية والتعليم وحتفيظ القرآن الكريم،‏ واحملافظة عليه لدى<br />

ناشئتنا اليت ترتبط ارتباطا ربانيا مبوروثها احلضاري،‏ وتراثها الضارب يف<br />

عمق التاريخ اإلنساني.‏<br />

– 11<br />

تعريف الزاوية ومتظهراتها يف اجلزائر:‏<br />

لقد تبني أن اخلطاب الصويف ليس طفرة يف الكتابة ظهرت من فراغ،‏<br />

أو يف أحسن أحواهلا كانت نتاج الزوايا،‏ فقد عاش معظم املتصوفة يبثون<br />

عقائدهم،‏ فإذا اشتهر أحدهم بني الناس يؤسس له مركز يستقبل فيه<br />

الزوار والغرباء واألتباع ويعلّم فيه الطلبة،‏ ويتربع الناس هلذا املركز<br />

فيكرب ويتضاعف قصاده ومريدوه،‏ ويصبح اسم املتصوف ‏)املرابط(‏ علما<br />

على املكان ويصبح املكان يدعى بني الناس زاوية سيدي فالن،‏ فإذا<br />

مات صاحبها يدفن يف الزاوية،‏ ويصري الضريح عالمة على الزاوية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

إن الزاوية يف األصل هي ركن البناء وكانت تطلق بادئ األمر على<br />

صومعة الراهب املسيحي ثم أطلقت على املسجد الصغري أو على املصلى،‏<br />

وال يزال هذا املعنى متداوال لدى املسلمني يف املشرق،‏ للتفرقة بني املسجد<br />

الذي يفوقها شأنا وهو يعرف باجلامع وكانت تسمى يف املشرق ‏–أيضا-‏<br />

باخلانقاة وهو لفظ أعجمي مجعه خانقاهات أو خنقاوات أو خوانق تعريفا<br />

هلا،‏ والظاهر<br />

Daumas<br />

أما عن الزاوية يف املغرب العربي فقد أورد<br />

دوماس أن هذا التعريف يتفق يف جوهره مع ما هي عليه الزاوية يف الوقت<br />

الراهن،‏ فنحن جند فيها األشياء التالية:‏ غرفة صالة بها حمراب،‏ ضريح<br />

ألحد املرابطني أو ولي من األشراف تعلوه قبة،‏ غرفة خصصت لتالوة<br />

القرآن،‏ مكتبة أو مدرسة لتحفيظ القرآن وغرف خمصصة لضيوف<br />

الزاوية وللحجاج واملسافرين والطلبة،‏ ويلحق بالزاوية عادة غرفة تشمل<br />

قبور أولئك الذين أوصوا يف حياتهم بأن يدفنوا فيها،‏ فيقول دوماس أن<br />

‏"الزاوية هي على اجلملة مدرسة دينية ودار جمانية للضيافة،‏ وهي بهذين<br />

الوصفني تشبه الدير يف العصور الوسطى"‏<br />

مل تعرف الزاوية يف املغرب العربي إال بعد القرن اخلامس هجري<br />

ومسيت يف البدء بدار الكرّامة كاليت بناها املنصور املوحدي يف<br />

مراكش،‏ ثم أطلق اسم دار الضيوف على ما بناه املرينيون من زوايا يف<br />

القرن ‎5‎ه-‏ ‎69‎م.‏<br />

تطورت الزوايا يف املغرب العربي خالل القرن ‎68‎ه-‏ ‎61‎م حني انتصر<br />

النصارى على املسلمني يف األندلس فامتدت أطماعهم إىل احتالل األراضي<br />

املغاربية،‏ فعجزت الدولة الوطاسية عن الدفاع عن الوطن،‏ هناك بدأت<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

الزوايا تتدخل يف شؤون البالد السياسية وتدعو إىل اجلهاد واملقاومة<br />

األجنبية<br />

قد ظهر نوع آخر من هذه املعامل ليست زاوية وال رباط،‏ بل عرفت<br />

مبنطقة القبائل باملعمرة ‏)مثعمرت(‏ وهي عبارة عن معاهد لتحفيظ القرآن<br />

وتعليمه،‏ أو لدراسة العلوم،‏ وقد انتشر هذا النوع بناحية جباية بعد<br />

احتالهلا من طرف اإلسبان.‏<br />

إن ما جيب اإلشارة إليه أن مشيخة الزاوية كانت من املناصب اليت<br />

تتطلع إليها العيون،‏ فقد سجل على الشعراني وهو يقول ‏"إذا رفعك اهلل<br />

فصرت عاملا أو شيخ زاوية"‏<br />

خيتلف بناء الزاوية عن بناء املسجد أو املدرسة،‏ فالزاوية غالبا ما<br />

مجعت بني هندسة املسجد واملنزل،‏ وهي يف اجلملة قصرية احليطان،‏<br />

منخفضة القباب والعرصات،‏ قليلة النوافذ،‏ وإذا كان للزاوية مسجد فهو<br />

يف الغالب بدون مئذنة،‏ فالزاوية من الناحية اهلندسية بسيطة يف عمارتها<br />

باإلضافة إىل أنها كثرية الرطوبة والعتمة،‏ وشكلها يوحي بالعزلة<br />

والتقشف واهلدوء أكثر مما يوحي باالختالط والثراء واحلركة،‏ غري أن<br />

بعض الزوايا املعدة أصال لسكن الطلبة وحنوهم كانت واسعة وصحية.‏<br />

استمرت الزوايا واملساجد يف ممارسة وظيفة التعليم إىل غاية أوائل<br />

القرن الرابع اهلجري،‏ حني بنى أبو علي احلسن بن علي بن إسحاق امللقب<br />

بنظام امللك مدرسته النظامية ببغداد سنة:‏ ‎987‎ه لتدريس الفقه الشافعي،‏<br />

وعلم فيها أبو حامد الغزالي من ‎959‎ه إىل ‎955‎ه،‏ فبعد إنشاء املدارس يف<br />

املغرب العربي وكلت مهمة التعليم هلا.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

إن أول مدرسة بنيت يف اجلزائر هي مدرسة ابين اإلمام بتلمسان<br />

حسب احملقق أبي راس الناصري<br />

–<br />

-<br />

بناها هلما امللك أبو محو الزياني<br />

األول املتوفى سنة ‎765‎ه،‏ وهو رابع ملوك بين زيان،‏ وهذان األخوان هما<br />

أبو زيد عبد الرمحن وأبو موسى،‏ كان أبوهما إماما جبامع برشك ‏)مدينة<br />

قدمية بني تنس وشرشال(‏ اشتهرت من مجلة مدن إمارة مغراوة وبين زيري<br />

وموقعها حيث يوجد ضريح إبراهيم اخلواص حاليا،‏ ومن مجلة تالمذة<br />

هذه املدرسة:‏ ابن خلدون،‏ لسان الدين بن اخلطيب،‏ والزاوية الثانية هي<br />

املدرسة التاشفينية اليت بقيت إىل سنة ‎6571‎م،‏ وهي اليت بناها أبو<br />

تاشفني األول واختري هلا العامل الشهري أبا موسى عمران املشدالي<br />

البحاتي،‏ صهر العامل الذائع الصيت ناصر الدين املشدالي املشهود له<br />

بالتجديد يف عمليات التعليم.‏<br />

هذا ال ينفي توقف الزوايا عن االنتشار،‏ إذ زاد عددها يف مجيع ربوع<br />

الوطن اجلزائري إىل يومنا هذا خاصة املناطق الغربية واجلنوبية كزاوية<br />

أمحد بن إدريس ببجاية سيدي البشري،‏ القيطنة مبعسكر وغريها.‏<br />

-12<br />

أدوار الزاوية يف اجملتمع اجلزائري:‏<br />

لقد أدت الزوايا أدوارا جليلة يف مجيع األقطار اإلسالمية عامة،‏<br />

ويف املغرب العربي خاصة،‏ سجلها هلا التاريخ من خالل حتقيقها لألمة<br />

خدمات مل تكن من قبل.‏<br />

قبل اإلشارة إىل هذه األدوار البد من اإلشارة لواقع احلياة اجلزائرية<br />

قبل قرنني من اآلن ‏)ق‎65‎‏،ق‎64‎‏(،‏ فقد كان اجملتمع اجلزائري مبين يف<br />

طبيعته على الطرقية الدينية ووجهتها العقائدية،‏ إذ كان للزاوية يف<br />

البداية صدى اجتماعي سليب انعكس على الفرد اجلزائري،‏ وقد صوره<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

الباحث أمحد توفيق املدني بقوله ‏"وآل أمر الكثري من هذه الزوايا<br />

والطرق إىل أحداث وثنية يف اإلسالم،‏ ما أنزل اهلل به من سلطان،‏ وأصبح<br />

شيخ الطريقة أو املرابط يف كثري من النواحي يتصف بأوصاف الربوية،‏<br />

فهو الذي يعطي وهو الذي مينع،‏ وهو الذي يقبض،‏ وهو الذي يبسط،‏ هو<br />

منبع كل خري،‏ ومصدر كل شر"‏<br />

إن الزوايا والطرق – ذاك العصر-‏ قد استهلكتها األيام،‏ وغرقت يف<br />

دوامة من الصوفية اجلوفاء،‏ وهي عاجزة عن أي دور فكري إجيابي،‏ بل<br />

مل يعد من رسالتها إال أن تتحكم يف عقول الناس بشعوذة دخيلة على<br />

اإلسالم،‏ أصيلة يف خدمة اجملتمع بتسخري رقاب البسطاء له،‏ فقد عاش<br />

اإلنسان اجلزائري حياة دينية شوهتها األضاليل،‏ فجردت من براءتها<br />

األصلية وسالف دورها احلفاظي الذي قامت من أجله،‏ إىل عقيدة جديدة<br />

تلبس أومسة التزكية والتقدير،‏ فقد سخرها شيخ الزاوية خلدمة أهوائه<br />

وأطماعه وخدمة املستعمر.‏<br />

غري أن هذا الوضع قد تغيّر بعد تفتح العقول،‏ وأصبح للزاوية دورا<br />

فعاال تؤديه داخل املنظومة االجتماعية إىل يومنا هذا دينيا،‏ تربويا،‏<br />

اجتماعيا وسياسيا،‏ فقد ‏"انتشر العلم انتشارا كثريا بفضل الزوايا،‏<br />

وانتشر الصالح وتطهّر اجملتمع من خرافاته وعقائده اليت ختالف الدين<br />

بالوعظ واإلرشاد وتثقيف عقول العامة الذي يقوم به شيويف الزوايا<br />

وعلمائها،‏ وإن عمل الزوايا يف القديم هو عمل اجلمعيات اخلريية اليوم:‏<br />

الرتبية والتعليم للشباب والوعظ واإلرشاد للكبار وبث الروح الدينية<br />

الصحيحة يف النفوس،‏ وكفالة اليتامى،‏ وإيواء املساكني،‏ وحسن<br />

الضيافة"‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

كما حافظت الكتاتيب والزوايا يف بالدنا منذ نشأتها على القرآن<br />

الكريم تعلما وقراءة وتالوة وحفظا،‏ كما حافظت على نظمها الرتبوية،‏<br />

ولوالها لضاع تاريخ وعلم كثري يبسبّرب فيه شيوخه األوائل تعليم القرآن<br />

الكريم والشيء الكثري من مواده العربية ذات البناء اللغوي،‏ ويف علوم<br />

الفقه والشريعة وأصول الدين،‏ فقد كان هلا<br />

–<br />

الزوايا-‏ هيبتها وهيئتها<br />

وقيمتها التارخيية والدينية والوطنية،‏ وذلك ملا كانت تقوم به من مهام<br />

تربوية،‏ ثقافية،‏ دينية،‏ اجتماعية وإنسانية،‏ ويف اإلرشاد والتوجيه<br />

والتعاون حلل املشاكل والتغلب على الكثري من الصعوبات بفضل ما<br />

كان عليه شيوخها محلة كتاب اهلل وسنة نبيه الكريم من دين متني<br />

وعقيدة قوية،‏ وسياسة ولباقة يف إصالح ذات البني مبا أمر اهلل تعاىل<br />

وبشكل مثمر يرضي اجلميع،‏ حيث كان اجلهل وكانت العصبيات<br />

القبلية والطائفية والرواسب العرقية و اصة يف ظل االستعمار الذي ما<br />

فتئ يغذيها ويوفر هلا من الوسائل ما يكفل هلا الدوام واالستمرار من<br />

عوامل اجلهل والركود واجلمود والتخلف االجتماعي واحلضاري،‏ فقد<br />

توصلت الزاوية ‏"إىل ختفيف حدة القبلية بني العروش املتعادية وهذا جد<br />

مهم بالنسبة للتطور الفكري"‏<br />

قد قاومت الزوايا<br />

–<br />

بذلك-‏ كل ما هو أجنيب استعماري،‏ خيالف<br />

ديننا وعاداتنا وتقاليدنا الوطنية وسلوكنا االجتماعي وأصالتنا،‏ وهذا ما<br />

جتلى يف مظهر طلبة الزوايا يف زيهم وسلوكهم،‏ كما كان هلا دور يف<br />

اجلهاد،‏ فقد صمدت يف وجه االستعمار الصلييب وقاومته بالسالح،‏<br />

وعندما انهزمت يف امليدان العسكري استعملت سالح الرفض والصمود<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

-<br />

-<br />

-<br />

لذلك حتصّنت املناطق اجلزائرية بالقرآن أمام كل محالت التمسيخ<br />

والتجويع والرتويع،‏ فلم ينل منها العدو إال الرفض والعصيان،‏ فهذه<br />

الكاتبة املشهورة ‏)إيفان قورين(‏ تصرح ‏"فقد اصطدم املستعمرون بالرفض<br />

اجلماعي،‏ واالمتناع التام،‏ يبين املدارس فال جيد فيها تالميذ..."‏<br />

تفسر الكاتبة هذه املواقف بالدور الذي كانت تقوم به الزوايا،‏ وهي<br />

مراكز دينية ثقافية،‏ ومل ينتبه املستعمر لنفوذها إال بعد زمن طويل.‏<br />

ال زالت الزوايا من أقدم البيوت اإلسالمية وأطوهلا عمرا،‏ وقد امتد<br />

تأثريها إىل كثري من املساهمات يف العطاء الفكري واحلضاري عن<br />

طريق تكوين وخترج العديد من مشاهري شيويف وحفظة القرآن والعلم<br />

منها،‏ على درجة عالية من احلفظ واإلميان مما أدى إىل انتشار العديد من<br />

الكتاتيب واملساجد والزوايا واملدارس واملعاهد الدينية يف مجيع ربوع<br />

الوطن اجلزائري،‏ فانتشر التعليم القرآني يف معظم القرى،‏ ومن أبرز<br />

العلماء على سبيل املثال ال احلصر:‏<br />

حييى بن معطي الزواوي صاحب ‏)الدرة األلفية يف علم العربية(‏<br />

الشيخ الطاهر الوغليسي املدعو بالشيخ الطاهر اجلزائري،‏ وهو<br />

قطب من أقطاب النهضة العربية يف مصر والشام.‏<br />

أبو القاسم البوجليلي صاحب كتاب ‏)التبصرة يف علم القراءات(.‏<br />

إن الزوايا تقوم مقام املدرسة اليوم بكامل مراحلها ‏"يف فصوهلا وعطلها<br />

وأيام األسبوع فيها،‏ واالحتفاالت باملتخرّجني احلاصلني على إجازة حفظ<br />

القرآن الكريم،‏ كما يقودنا إىل القول بأن األسلوب الذي كانت تتبعه<br />

هذه البيوتات بكتاتيبها ومساجدها وزواياها يومئذ هو أسلوب يكاد<br />

يكون موحدا من حيث النظام واملناهج"‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

لقد أثبتت الدراسات بطول زمن كفاءة هذا املنهج التعليمي للكُتُّاب<br />

والزاوية يف حفظ القرآن،‏ ويف إعداد الطالب الذي يريد إدراك التعليم<br />

الديين مبواده األولية كالنحو والصرف والبالغة وعلوم الفقه والشريعة<br />

وأصول الدين والتفسري واحلديث وعلوم اللغة واألدب،‏ فقد كانت تعقد<br />

بها حلقات وجلسات العلم والتعلم.‏<br />

لقد كانت الزاوية ‏"أول خط للدفاع عن حدود اجملتمع اجلزائري<br />

جبميع أطيافه،‏ وهذا بفضل شيوخه الذين كانوا ميثلون إسرتاتيجية<br />

واضحة املعامل يف بعدها اإليديولوجي للتصدي لغزاة الفكر والعقيدة من<br />

الغزاة الدخالء وخاصة يف القرى والتجمعات الصغرية والبيوتات اليت ال<br />

تتوافر على أدنى مستوى تعليمي أو نشاط ثقايف أو وعي وإدراك،‏ فالكثري<br />

من الناس من ينظر إىل الكتاب والزاوية واملسجد على أنها ال تتعدى يف<br />

أهميتها العمل على إزالة األمية من صفوف الناشئني وتلقينهم بصورة<br />

لفظية سطحية مواد دراسية جامدة ال متت بصلة إىل حياتهم العملية وال<br />

.<br />

إىل تارخيهم العربي اإلسالمي البعيد األثر العميق الرتاث"‏<br />

قد أدت الزوايا إىل نشر الفكر الصويف،‏ إذ كان للمتصوفة وخلطبهم<br />

شأن شأن باقي اخلطابات،‏ ما جيعله يكتسب األبعاد املختلفة اليت تضمن<br />

له شروط التواصل االجتماعي من خالل دورانهم ضمن معايري اجملتمع<br />

‏"وقد عرب املتصوفة باللغة،‏ واليت يعاد بفضلها إنتاج أو متثيل أو منذجة<br />

الواقع واحلدث أيا كان مصدره،‏ وتوسعوا يف أشكال التعبري اليت<br />

مسحت بها اللغة،‏ وشكلوا نسقا خطابيا خمتلف املكونات والظواهر<br />

النصية من شعر وقصص وأدعية ومناجيات وحكم وأخبار تنتظمها<br />

جمموعة من القوانني اليت حتكم العالقات والتفاعالت فيما بينها،‏ قصد<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

بلوغ هدف معني هو التعبري عن جتربتهم يف االتصال باهلل،‏ وهي جتربة<br />

معرفية عاطفية".‏<br />

إن هذه املعامل الدينية كانت قبلة لبناء الشخصيات والرجاالت<br />

الوطنية،‏ ومنشأ للمواهب،‏ وموفدا للعلماء والفقهاء والباحثني،‏ فلوال<br />

الفقيه والشيخ ولوال حفظ القرآن واحملافظة على الرتاث لضاع النشء<br />

ولضاعت البالد يف وطنيتها ودينها وعروبتها وإسالمها،‏ ولضاعت سننها<br />

وعاداتها وتقاليدها.‏<br />

-13<br />

أ –<br />

منوذج حول زاوية أبي راس الناصري مبعسكر:‏<br />

التعريف بصاحب الزاوية:‏<br />

هو أبو راس حممد بن أمحد بن عبد القادر بن حممد بن امحد بن<br />

الناصر بن علي بن عبد العظيم بن معروف بن عبد اجلليل الراشدي<br />

املعسكري،‏ وبعض املؤلفني يذكرونه الناصري،‏ وهو الراشدي قبيلة<br />

واملعسكري بلدة واجلزائري قطرا،‏ وقد ولد بنواحي مدينة<br />

معسكر بني جبل كرسوط وهونت يوم:‏‎17‎ديسمرب‎6786‎م/‏‎6618‎ه،‏<br />

وهناك من يقول أنه ولد سنة ‎6688‎ه/‏‎6717‎م من أم امسها زولة بنت<br />

السيد فرج بن الشيخ قطب السيد اعمر بن عبد القادر التوجاني واليت<br />

شبهها أبو راس برابعه العدوية يف سخائها وكرمها،‏ وتويف يف<br />

‎6115‎ه/‏ ‎17‎أفريل ‎6511‎م.‏<br />

كان أبو راس الناصري – رمحه اهلل-‏ أحد أقطاب أهل النظر،‏ ومن<br />

فحول العلماء واسعي اإلطالع،‏ الراسخني يف العلم الذين خدموا الثقافة<br />

اإلسالمية يف العهد العثماني،‏ وقد لقب بلقب احلافظ الذي الزمه كثريا،‏<br />

يقول احلفناوي ‏"كان يدعى يف زمانه احلافظ لقوة حفظه ومتكنه متى<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

شاء من استحضار مسائله حتى كأن العلوم كتبت بني عينيه"،‏ إضافة<br />

إىل ألقاب أخرى منها:‏ املؤريف،‏ الشيخ العالمة،‏ شيخ اإلسالم،‏ احملدّث<br />

املفسّر،‏ النّحوي البليغ،‏ املفيت باملذاهب األربعة،‏ عامل املغرب،...وغريها.‏<br />

وقد قارنه اجلنريال فوربيقي بابن خلدون يف بعض اجلوانب وشبّهه<br />

الباحث أبو القاسم سعد اهلل باجلَبرْتِي يف مصر لكثرة مؤلفاته وتنوّعها،‏<br />

ولقّب يف مقال كتب يف جريدة اجلمهورية بسيوطي اجلزائر.‏<br />

قد تتلمذ العالمة على يد عبد القادر املشريف الذي كان عاملا يف الفقه<br />

وأصول علم الكالم،‏ والنحو والبيان،‏ والشيخ أمحد بن عمار مفيت<br />

اجلزائر،‏ وحممد مرتضى الزبيدي وغريهم،‏ ومن مؤلفات أبي راس<br />

الناصري نذكر:‏ ‏)السيف املنتضى فيما رويته بأسانيد الشيخ مرتضى،‏<br />

مروج الذهب يف نبذة النسب ومن إىل الشرق انتصب وذهب،‏ ذيل<br />

الفرطاس يف ملوك بين وطّاس،‏ دُرْ‏ السحابة فيمن دخل املغرب األقصى من<br />

الصحابة،‏ الزمردة الوردية يف ملوك السعدية،‏ تفسري القرآن،‏ اخلرب<br />

واملعلوم يف كل من اخرتع نوعا من أنواع العلوم،‏ شرح العقيقة-‏ شرح<br />

احللل السندسية،‏ احلاوي اجلامع بني التوحيد والتصوف والفتاوي،‏<br />

عجائب األسفار ولطائف األخبار،...وغريها(‏<br />

قد قال العامل السوفياتي كراتشوفسكي عن الناصري ‏"إنه يعد من<br />

أنشط كتاب املغرب يف ذلك الوقت وأحفلهم إنتاجا"،‏ فهذه من األدلة<br />

احملسوسة اليت رضيت به،‏ فشهد له واحد من كبار العقول من العلماء<br />

من غري املسلمني.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

-<br />

-<br />

-<br />

ب – حملة تارخيية عن الزاوية وموقعها:‏<br />

بنيت هذه الزاوية على إثر حادثة سياسية متثلت يف أن العالمة أبي راس<br />

الناصري امتحن مرة فرمي من طرف خصومه احلساد باملشاركة يف ثورة<br />

درقاوة القائمة ضد السلطة الرتكية سنة ‎6167‎ه/‏‎6581‎م فعزل الشيخ<br />

يومها،‏ وملا ظهرت براءته بنى له صديقه الباي مصطفى منزالي هذه<br />

الزاوية،‏ وقد تعرض لذكر هذه الزاوية بعض املؤرخني إال أنهم قد اختلفوا<br />

يف تسميتها فقد أطلق عليها املؤريف عبد الرمحن اجلياللي يف كتابه تاريخ<br />

اجلزائر اسم ‏)املسجد(‏ يف قوله ‏"فابتنى له صديقه الباي مصطفى منزالي<br />

مسجد مبعسكر وأسس له به مكتبة حافلة"،‏ وقد أطلق عليها هذه<br />

التسمية رمبا لوجود مصلى بها أو رمبا ألنها كانت وال تزال مكانا<br />

لصالة بعض من املصلني.‏<br />

أما الباحث أبو القاسم سعد اهلل فيقول عنها يف كتابه تاريخ اجلزائر<br />

الثقايف ‏"كان ألبي راس مكتبة كبرية بناها له أحد بايات وهران<br />

ومساها بيت املذاهب األربعة"،‏ أما أبو راس الناصري ذكرها باسم<br />

‏)املصرية(‏ اليت هي بيت املذاهب األربعة واليت كان يفيت ويدرس بها<br />

إن األرجح ‏–حسب نظري-‏ تسميتها زاوية اعتمادا على مايلي:‏<br />

الشيخ أبو راس الناصري ذكر أنها كانت مكانا للتدريس واإلفتاء.‏<br />

كانت معروفة لدى سكان املنطقة بهذا االسم،‏ ويف وقت غري بعيد<br />

كانت مكانا حلفظ القرآن.‏<br />

كما أنه ينطبق عليها تعريف دوماس السابق الذكر للزاوية يف املغرب<br />

الحتوائها بيت الشيخ،‏ بيت الصالة،‏ بيت احلفظ،‏ الضريح،‏ القبة<br />

‏...وغريها.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

ملا تويف العالمة سنة ‎6115‎ه/‏‎6511‎م دفن بهذه الزاوية وأصبح<br />

ضرحيه علما على املكان،‏ أما عن تاريخ بناء الزاوية فلم يتطرق له أي<br />

واحد من املؤرخني،‏ لكن من خالل استنتاجي ميكن حصر تاريخ بناءها<br />

بني ‎6588‎م و‎6568‎م،‏ أي بعد انتهاء ثورة درقاوة سنة ‎6588‎م،‏ أما موقعها<br />

فقد شيدت وسط مدينة معسكر غرب ساحة الرّكابة حبي بابا علي،‏<br />

حيدها من اجلهات الثالث الشمالية والشرقية واجلنوبية طريقني<br />

رئيسيني،‏ أما الناحية الغربية فهي حتاذي املنازل اجملاورة.‏<br />

وعلى غرار بقية زوايا الغرب اجلزائري فإن زاوية أبي راس الناصري<br />

تعتمد على الطريقة القادرية اليت تنسب إىل مؤسسها الشيخ حمي الدين<br />

أبي حممد بن عبد القادر اجليالني،‏ وتعتمد هذه الطريقة على نشر<br />

اإلسالم بطرق سلمية بواسطة التجارة والتعلم،‏ وقد قامت أيضا على<br />

أساس العلم والفقه والدعوة الدينية وتتسم بالتساهل والتسامح مع األديان<br />

األخرى .<br />

-<br />

-<br />

توصيات:‏ إن مجلة ما أراه أيها السادة الكرام ألهل التشريع والقانون<br />

ومسؤولي الشؤون الدينية واألوقاف فيما أقول وأقرتح على سبيل املثال<br />

مايلي:‏<br />

اعتبار الزاوية مدرسة وطنية،‏ قرآنية دينية تربوية.‏<br />

ضرورة عصرنة اهلياكل التعليمية الرتبوية اخلاصة بالزوايا وجتهيزها<br />

بالوسائل السمعية البصرية.‏<br />

-<br />

تكوين املعلم تكوينا كامال يؤهله ألداء وظيفته،‏ وتبصريه بالطرق<br />

البيداغوجية املناسبة.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

-<br />

-<br />

أن ختصص حلامل كتاب اهلل شهادة معرتف بها،‏ وله فيها أحقية<br />

العمل واالنتساب إىل مؤهل يضمن له متابعة الدرس والتأهيل.‏<br />

أن يرتب للشيويف وخرجيي الزوايا فرص عمل تضمن هلم كفاءة<br />

العيش.‏<br />

لإلضافة عن وضع خرجيي الزوايا حاليا فقد ورد يف جريدة الشروق<br />

اجلزائرية ليوم الثالثاء‎81‎ماي‎1866‎م املوافق ل‎14‎ مجادى األوىل‎6911‎ه،‏<br />

1151 العدد:‏<br />

رمضان املقبل(‏ إذ ‏"اعتصم<br />

عنوان ‏)خرجيو الزوايا يهددون مبقاطعة صالة الرتاويح<br />

618<br />

طالب من خرجيي الزوايا أمس أمام مقر<br />

وزارة الشؤون الدينية واألوقاف حبيدرة،‏ قادمني من واليات الغرب<br />

والوسط،‏ مطالبني ب‎8888‎ منصب ملعلمي القرآن الكريم واملؤذنني<br />

والقيّمني،‏ وهدد هؤالء مبقاطعة صالة الرتاويح خالل شهر رمضان وترك<br />

الناس يصلون من املصاحف)...(حيث يعد عدد املتطوعني من خرجيي<br />

الزوايا الذين خيدمون يف املساجد أكثر من<br />

8888<br />

إمام متطوع ومعلم<br />

قرآن،‏ ال تعرتف الوزارة وال الوظيف العمومي بعلمهم وال شهاداتهم<br />

)...(<br />

وتعرتف وزارة الشؤون الدينية واألوقاف أن حفظة القرآن الكريم ينبعون<br />

كلهم من واليات الغرب اجلزائري،‏ وكذلك اجلنوب لكثرة تواجد<br />

الزوايا بها،‏ وهم من يذهبون تطوعا يف واليات الشرق ومنطقة القبائل<br />

وخاصة يف شهر رمضان"‏ وندد هؤالء – حسب اجلريدة-‏ بتهميش الوزارة<br />

هلم.‏<br />

إن املوقع الذي حتتله الزاوية يف قلوب الناس،‏ مل يكن ليتمكن كل<br />

هذا التمكن،‏ ويدوم هذا الدوام حلقب مديدة،‏ ولقرون عديدة لوال النفع<br />

الذي تسديه لإلنسان اجلزائري من خالل شيوخها وطالبها،‏ فقد أدرك<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

هؤالء الشيويف بفضل خربتهم وحكمتهم كيفية كسب القلوب فقد<br />

تعلموا اللسان احمللي وخاطبوا الناس على قدر عقوهلم وعواطفهم،‏ وخري<br />

ما يدلل على قيمة هذا املنهج قول الشاعر:‏<br />

أَحْسنْ‏ إلَى النباس تبسْتببْعدْ‏ قُلُوبهُمْ‏ فَطَالَمبا اسْتُبْعدب اإلنْسبانُ‏ إحْسبانُ‏<br />

قد أدى املرابطون األشراف وشيويف الزوايا دورا تارخييا بارزا يف<br />

اجلزائر،‏ إذ كان هلم الفضل يف حتقيق االستقرار،‏ وإبعاد شبح اخلالفات<br />

والفنت بفضل نشرهم للقيم اإلسالمية السمحة الداعية إىل الرمحة<br />

والتعاون والتضامن،‏ كما حاربوا اجلهل بنشر العلم والتعليم والرتبية.‏<br />

املراجع:‏<br />

أبو القاسم سعد اهلل،‏ ‏"تاريخ اجلزائر الثقايف من القرن ‎68‎ه إىل ق‎69‎ه)‏‎61‎م-‏<br />

‎18‎م(‏ ج‎81‎‏،‏ املؤسسة الوطنية للكتاب،‏ اجلزائر،‏ ط‎81‎‏،‏ ‎6458‎م.‏<br />

آمنة بلعلي،‏ احلركية التواصلية يف اخلطاب الصويف من القرن الثالث إىل القرن<br />

السابع اهلجريني،‏ منشورات احتاد كتاب العرب،‏ دمشق ‎1886‎م.‏<br />

صاحل خريف،‏ ‏"املدخل يف األدب اجلزائري احلديث"‏ الشركة الوطنية للنشر<br />

والتوزيع،‏ اجلزائر ‎6451‎م.‏<br />

حممد أبو راس،‏ فتح اإلله ومنته يف التحدث بفضل ربي ونعمته،‏ املؤسسة الوطنية<br />

للكتاب،‏ حتقيق حممد بن عبد الكريم،‏ اجلزائر،‏ 6448.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الوظيفة االجتماعية للزوايا يف اجلزائر<br />

موشعال فاطمة<br />

حممد بن يوسف الزياني،‏ دليل احلريان وأنيس السهران يف أخبار مدينة وهران،‏<br />

حتقيق:‏ املهدي بوعبدلي،‏ ش.و.ت.ت اجلزائر،‏ ‎6475‎م.‏<br />

حممد حجي،‏ الزاوية الدالئلية ودورها الديين والعلمي والسياسي،‏ املطبعة الوطنية<br />

بالرباط،‏ املغرب ‎6419‎م.‏<br />

حممد علي دبوز،‏ نهضة اجلزائر احلديثة وثورتها املباركة،‏ ج‎86‎‏،‏ املطبعة<br />

التعاونية،‏ ط‎86‎‏،‏<br />

.6418<br />

حممد قنانش،‏ ‏"آفاق مغاربية،‏ املسرية الوطنية وأحداث<br />

منشورات حلب،‏ د.ت.‏<br />

85<br />

ماي‎6498‎م"‏<br />

حممد نسيب ‏"زوايا العلم والقرآن يف اجلزائر"‏ دار الفكر اجلزائر.‏<br />

مسعود عطاء اهلل،‏ معلم القرآن شخصيته ومؤهالته،‏ جملة امللتقى الوطين للزوايا<br />

معسكر بوحنيفية،‏ وزارة الثقافة والية معسكر،‏ منشورات مديرية الثقافة،‏<br />

منشورات دار األديب،‏ وهران.‏<br />

مهدي عالم ‏"الزاوية"‏ اجمللد‎68‎‏،‏ دائرة املعارف اإلسالمية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

‏)من واقع التحديات إىل أفق العالج(‏<br />

أ.‏ ناجم موالي<br />

جامعة عمار ثليجي باألغواط<br />

متهيد:‏<br />

يف ظل التغريات – السياسية واالقتصادية والسياسية والدينية واليت<br />

يعرفها جمتمعنا احمللي واإلقليمي اليوم واملرتبطة بالعلمنة واحلداثة،‏<br />

ينكشف لنا اخللل املتمثل يف فشل املؤسسات القائمة على ذلك يف إجياد<br />

احللول الناجعة إلرشاد وتوجيه ما ينبغي إرشاده وتوجيهه ال سيما املؤسسة<br />

الدينية البالغة األهمية يف أدوارها ووظائفها.‏<br />

وانطالقا من مقولة عامل االجتماع الفرنسي<br />

دوركهايم"‏ "<br />

أن : «<br />

املؤسسة الدينية هي وحدها القادرة على أن توحد البشر يف مستوى<br />

تصورتهم ومشاعرهم «، وعلى هذا األساس فاملؤسسة الدينية إىل جانب<br />

العمل اجلمعياتي و املؤسسات الغري الدينية يف اجملتمع احمللي واإلقليمي<br />

حتمل على عاتقها اإلحاطة االجتماعية والنفسية باإلفراد واجملتمعات على<br />

اختالف جماالتها التداولية ‏)اللغة<br />

– الرتبية –<br />

العادات والتقاليد-‏<br />

الدين...(؛ ويعرف كل منا أنه يف جمال البحث االجتماعي يعترب اإللزام<br />

الديين والعقائدي فوق كل القوانني الوضعية اليت حتاول فرض سيطرتها<br />

على الفرد واجملتمع معا.‏<br />

ومنه تأتي أوراق هذه املداخلة لتحاول اإلجابة على مجلة من<br />

التساؤالت:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 210<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

‎1‎ ما هي التحديات اليت تواجهه املؤسسة الدينية يف احلفاظ على مقومات<br />

اهلوية الوطنية؟<br />

‎2‎ ما هي األساليب والوسائل اليت ينبغي على املؤسسة الدينية توفرها<br />

لرتسيخ قيمنا األخالقية يف األذهان ومحاية ووقاية شبابنا ال سيما املراهق<br />

منه ؟<br />

‎2‎ كيف ميكن للمؤسسة الدينية أن تعزز روح املواطنة احلقيقية حتى<br />

تكون يف ذات الفرد الوالء واالنتماء للوطن وفكرة التسامح مع اآلخر؟<br />

‎1‎ هل املؤسسة الدينية كفيلة بنفسها يف توجيه وترشيد سلوك الفرد<br />

واجملتمع أم أن هناك مؤسسات غري دينية حتمل على عاتقها املسؤولية<br />

نفسها من خالل قيامها بأدوارها احلقة ؟<br />

التأثيل املفاهيمي:‏<br />

وإذا كنا قد حددنا عنوان هذه املداخلة ب<br />

:<br />

املؤسسة الدينية<br />

ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية–‏ من واقع التحديات إىل أفق العالج<br />

، فإن االشتغال بهذا العنوان يتطلب منا أن حندد يف البداية مصطلحا ته<br />

األساسية واليت التزمنا يف حتديدها مبصطلحات ثالثة أساسية لضرورة<br />

تداوهلما يف مقدمة هذه املداخلة ؛ و هما مصطلح:‏<br />

و"املؤسسة الدينية".‏<br />

‎0‎ مفهوم ‏)الدين(:‏<br />

‏)يف الفرنسية<br />

"<br />

الدين"،"‏ املؤسسة<br />

"<br />

-Religion<br />

ويف اإلنكليزية<br />

-Religion<br />

الالتينية ) Religio<br />

‎00‎ يف اللغة العربية:‏<br />

ويف<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 212<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

الدين<br />

يف اللغة العادة،‏ واحلال،‏ والسرية،‏ والسياسة،‏ والرأي،‏<br />

واحلكم،‏ والطاعة واجلزاء ومنه:‏<br />

أو هو العادة مطلقا.‏<br />

)2(<br />

-<br />

-<br />

‎20‎ يف اللغة الالتينية:‏<br />

الربط بني شيئني<br />

الدين كلمة مشتقة من<br />

وتكريس عبادة(‏ أو من الفعل<br />

وجود<br />

الصلة اليت تربط اإلنسان<br />

ذلك التقاليد املسيحية.‏<br />

)1(<br />

مالك يوم الدين،‏ وكما تدين تدان،‏<br />

)2(<br />

‏)كونني،‏ اهلل واإلنسان مثال(.‏<br />

الالتينية<br />

)relegere(<br />

: عنى الروابط مب(‏ religare(<br />

)1(<br />

‎10‎ يف االصطالح:‏<br />

-<br />

-<br />

يف الفلسفة:‏<br />

عرفه الباحث<br />

باهلل<br />

‏"حممود يعقوبي"‏<br />

كمصدر<br />

لوجوده<br />

بأنه:‏ ‏"مجلة<br />

القواعد اإلهلية اليت تهدي الناس بإتباعه باعتباره فهم اجملتهد«.‏<br />

‏)احرتام تعين<br />

أي الدين هو<br />

، كما ترجم<br />

متكاملة من<br />

)1(<br />

-<br />

)1(<br />

‎10‎ كرنولوجيا مفهوم الدين:‏<br />

عند الفالسفة القدماء:‏<br />

يطلق على وضع إهلي يسوق ذوي<br />

العقول إىل اخلري؛ والفرق بني الدين وامللة و املذهب:‏ إن الشريعة من حيث<br />

هي مطاعة تسمى دينا،‏ ومن حيث إنها جامعة تسمى ملة؛ ومن حيث أنها<br />

يرجع إليها تسمى مذهبا.‏ و قيل أن الفرق بني الدين،‏ وامللة،‏ واملذهب،‏ إن<br />

الدين منسوب إىل اهلل،‏ وامللة منسوبة إىل الرسول،‏ واملذهب منسوب إىل<br />

اجملتهد.‏<br />

ويطلق لفظ الدين على<br />

لعباده من السنن واألحكام.‏<br />

الشريعة،‏ وهي<br />

السنة<br />

أي ما شرعه اهلل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

وعند الفالسفة احملدثني:‏ لفظة الدين هلا أربعة معاني:‏<br />

‎1‎ الدين مجلة من اإلدراكات واالعتقادات واألفعال احلاصلة<br />

للنفس من جراء حبها هلل،‏ عبادته إياها،‏ طاعتها ألوامره.‏<br />

‎2‎ والدين هو أيضا:‏ اإلميان بالقيم املطلقة والعمل،‏ كاإلميان<br />

بالعلم واإلميان بالتقدم؛ ففضل املؤمن بهذه القيم كفضل املتعبد الذي<br />

حيب خالقه ويعمل مبا شرعه.‏<br />

‎2‎ ويف القرن ‎19‎م أطلق مصطلح الدين الطبيعي<br />

Religion (<br />

)naturelle<br />

على االعتقاد بوجود اهلل وخرييته،‏ وبروحانية النفس<br />

وخلودها،‏ وبإلزامية فعل اخلري من جهة هو ناشئ عن وحي الضمري ونور<br />

العقل،‏ والفرق بني هذا الدين والدين الوضعي<br />

)Religion positive(<br />

-<br />

-<br />

-<br />

أن األول قائم على فعل الوحي الضمري والعقل،‏ بينما الثاني قائم على وحي<br />

إهلي يقبله اإلنسان من األنبياء والرسل.‏<br />

‎1‎ ويف األخري الدين مؤسسة اجتماعية تضم أفراد يتحلون بالصفات<br />

التالية:‏<br />

وحفظه.‏<br />

قبوهلم بعض األحكام املشرتكة،‏ وقيامهم ببعض الشعائر.‏<br />

إميانهم بقيم مطلقة،‏ وحرصهم على توكيد هذا اإلميان<br />

اعتقادهم أن اإلنسان متصل بنواة روحية أعلى منه،‏ مفارقة<br />

هلذا العامل أو سارية فيه كثرية أو موحدة.‏<br />

ومن معاني الدين عند الفيلسوف<br />

‏"دوركهايم"‏ :»<br />

أنه مؤسسة<br />

اجتماعية قوامها التفريق بني املقدس وغري املقدس،‏ وهلا جانبان أحدهما<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

روحي مؤلف من العقائد واملشاعر الوجدانية واألخر مادي مؤلف من<br />

الطقوس والعادات«.‏<br />

)7(<br />

‎2‎ مفهوم املؤسسة:‏<br />

‎02‎ يف اللغة:‏<br />

ترادف لفظة<br />

وأيضا يف اإلجنليزية<br />

العربية " املؤسسة "<br />

‏)يف الفرنسية<br />

–Institution<br />

)Institution<br />

وتعين يف<br />

اللغة الفرنسية:‏<br />

مفهوم «<br />

مركزي يف علم االجتماع البناء تعين املبادئ اليت حتكم احلياة<br />

االجتماعية للجماعة،‏ أو دستور الدولة تنظيم الناجتة االجتماعية<br />

)8(<br />

وظائف عامة خمتلفة(«.‏<br />

عن شيء<br />

واملؤسسة يف احلياة العامة تعارض الطبيعة ومرادفة للثقافة:‏<br />

عندما مؤسسة<br />

(<br />

«<br />

)9(<br />

الطبيعية«.‏<br />

-<br />

‎22‎ يف االصطالح:‏<br />

يف الفلسفة:‏<br />

وهلا<br />

يقال<br />

تكون أعمال الناس بها متميزة عن األعمال<br />

‏»هي كل ما أنشأته قوانني الدولة من أصول املعامالت واهليئات<br />

لتسري خمتلف الوظائف اليت تقتضيها احلياة االجتماعية وهي ختتلف عرب<br />

الزمان واملكان«.‏<br />

)10(<br />

‎1‎ مفهوم املؤسسة الدينية:‏<br />

: ‎01‎ يف اللغة<br />

يطلق على لفظة املؤسسة الدينية يف اللغة الفرنسية<br />

Institution (<br />

)Religieuse<br />

وتعين:‏<br />

‎21‎ يف االصطالح:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

أو<br />

‎21‎‎0‎ يف علم االجتماع:‏<br />

املؤسسة الدينية<br />

تعين:»‏<br />

نسق من املعايري واألدوار اإلمجالية<br />

املنظمة اليت تواجه احلاجة الدائمة إىل اإلجابة على األسئلة النهائية املتصلة<br />

بهدف احلياة ومبعنى املوت«،‏ وهي ختتلف عن<br />

السياسية)‏ )Institution Politique<br />

املؤسسة<br />

واليت تعين:»‏ املؤسسة االجتماعية<br />

مركب املعايري االجتماعية واألدوار اليت تعمل على تدعيم النظام<br />

االجتماعي وممارسة القوة من أجل ضمان االمتثال لنسق الدولة القائم<br />

.»<br />

)11(<br />

املؤسسة الدينية يف ظل حتديات الواقع:‏<br />

‎0‎ مؤسسة الدين واإلرهاب:‏<br />

يعترب حتدي اإلرهاب من أهم التحديات اليت تواجه مؤسسة الدين<br />

على املستويني احمللي واإلقليمي،‏ وتكمن خطورة موضوع اإلرهاب ى يف<br />

الوقت احلاضر يف أن أعداء اإلسالم يتهمون الدين احلنيف بأنه يدعو إىل<br />

اإلرهاب والقتل والفوضى؛ وأنه لوال األساليب اإلرهابية اليت يتبعها اإلسالم<br />

)12(<br />

ملا أنتشر الدين اجلديد يف أجاء املعمورة.‏<br />

لكن اإلسالم يف مواقفه إزاء اإلرهاب يف حتديد ثوابته ينطلق من<br />

ثالثة عناصر يف الفكر اإلسالمي تتجسد يف<br />

النبوية الشريفة،‏ والشريعة اإلسالمية السمحاء(:‏<br />

موقف القرآن الكريم من اإلرهاب:‏<br />

)12(<br />

معيارا يف مجيع العالقات بني الشعوب واألمم والدول،‏<br />

‏)القرآن الكريم،‏ السنة<br />

مجيع آياته تأخذ السلم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 211<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

مثل قوله تعاىل:‏<br />

{<br />

أدع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة<br />

وجدهلم باليت هي أحسن أن ربك هو أعلم مبن ضل عن سبيله وهو أعلم<br />

)11(<br />

باملهتدين {.<br />

{ وقوله أيضا:‏<br />

خطوات الشيطان أنه لكم عدو مبني{.‏<br />

يأيها الذين أمنوا أدخلوا يف السلم كافة،‏ وال تتبعوا<br />

)11(<br />

واآليتان حيمالن شعار من<br />

الواجب أن يكون مبدأ من مبادئ عمل مؤسسة الدين،‏ األول الدعوة إىل<br />

احلق باحلكمة واملوعظة احلسنة،‏<br />

اللجوء إىل العنف والتهديد.‏<br />

-<br />

األعظم-‏<br />

موقف السنة النبوية من اإلرهاب<br />

صلى اهلل عليه وسلم-‏<br />

:<br />

والثاني حل النزاعات سلميا وعدم<br />

جند يف سرية الرسول<br />

أيضا دعوة إىل السالم واآلمان<br />

املناهض لإلرهاب،‏ وبث خصال الرمحة والشفقة وهذا ما نكتشفه من<br />

خالل النصيني التاليني:‏<br />

اهلل عليه وسلم-‏<br />

قال:‏ :»<br />

)11(<br />

القاتل واملقتول يف النار«.‏ ؛<br />

عن العزيز بن صهيب عن أنس عن النيب-‏<br />

صلى<br />

ما من مسلمني التقيا بأسيافهما،‏ إال كان<br />

« وقوله أيضا:‏<br />

من محل علينا السالح فليس<br />

منا«.‏ )17( ، وهذه اخلصال تعمل مؤسسة الدين على بثها من خالل تعليمها<br />

للنشء داخلها والعمل على غرسها كقيم إنسانية أصيلة ال متت بعداوة ألي<br />

خملوق فوق وجه هاته املعمورة<br />

.<br />

-<br />

موقف الشريعة اإلسالمية السمحاء من اإلرهاب:‏<br />

وقفت<br />

الشريعة اإلسالمية من خالهلا مؤسساتها على الصعيد احمللي واإلقليمي<br />

موقفا رافضا جلميع أشكال العنف واإلرهاب اليت تهدد املواطنني<br />

وسالمتهم وهذا ما يوضح قول املشرع اإلسالمي:‏<br />

«<br />

ألنه لن يقتصر على األعداء فقط،‏ بل يتعداهم إىل األصدقاء<br />

أن العنف مثرة العنف<br />

، )19(<br />

وإذا «.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 217<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

أردنا أن منثل مبؤسسة الدين<br />

نذكر هنا أن الشريعة اليت يلتزمها رجال<br />

األزهر مناهضة لإلرهاب وناقدة له يف مجيع األحوال ترفض اإلرهاب ضد<br />

)18(<br />

اآلخرين بغض النظر عن كونهم مسلمني أو غري مسلمني.‏<br />

ورغم هذا فاإلسالم يتلقى تهم وأكاذيب باطلة جاءت على لسان<br />

بعض علماء االجتماع الغربيون أمثال<br />

وروبرتسن مسيت..(‏<br />

(<br />

يوشيم واك وماكس فيرب<br />

مفادها إن اإلسالم بعد انتشاره يف اجلزيرة العربية<br />

حتول من دين مساوي إىل دين يدعو إىل العنف و اإلرهاب والقتال واحلرب<br />

)22(<br />

والتوسع العسكري.‏<br />

وإدعاء كهذا ليس له ما يثبته،‏ ذلك أن اإلسالم كدين<br />

وكمؤسسة من خالل مبادئه وأخالقياته وتعاليمه وممارساته إمنا هو دين<br />

إنساني مسامل لقوله تعاىل:}‏<br />

اهلل أنه هو السميع العليم{،‏<br />

وإن جنحوا للسلم فاجنح هلا وتوكل على<br />

)21(<br />

حتى أن انتشار اإلسالم كان مبنطق<br />

اإلقناع واإلميان باملبادئ ال بالقوة واإلكراه لقوله تعاىل:‏<br />

{<br />

ال إكراه يف<br />

الدين وما على الرسول إال البالغ املبني،‏ فذكر إمنا أنت مذكر ليست<br />

)22(<br />

عليهم مبسيطر{.‏<br />

واملوقف العلمي هنا ال جيعلنا نربأ الدين وال مؤسسته مما قد حيدث<br />

يف الواقع احمللي واإلقليمي اليوم<br />

-<br />

خصوصا بعد تفجريات احلادي عشر أيلول<br />

وحنن نعلم أن تهم اإلسالم ازدادت<br />

2221<br />

يف الواليات املتحدة<br />

األمريكية وتفجريات لندن وفرنسا وإسبانيا ومصر،‏ فاتهمت اجلالية<br />

اإلسالمية من طرف املغرضون واليت راح ضحيتها اآلالف من البشر.‏<br />

)22(<br />

بدليل أن الدين قد يكون سببا من أسباب العنف واإلرهاب ال سيما<br />

أن كان الفرد متعصبا ومتحيزا لدينه أو طائفته الدنية ضد األديان<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 218<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

والطوائف األخرى ، وهذا ليس معناه احلقيقي أن الدين وال مؤسساته هو<br />

سبب اإلرهاب بل األشخاص الذين يتعصبون و يتحيزون له نتيجة تربيتهم<br />

الدينية واألخالقية وتنشئتهم االجتماعية والسلوكية واحلديث جيري<br />

داخل اجملتمع احمللي أو خارجه.‏<br />

)21(<br />

ولو مثلنا ما جيري اليوم يف العراق أين غاب دور مؤسسة الدين<br />

اإلسالمي،‏ وأتضح ما أمساه املرحوم ‏"حممد أركون"‏ ‏"اإلسالم الشعيب"،‏<br />

بدليل التعصب الديين والطائفي،‏ حيث أن هناك بعض أهل السنة<br />

يتعصبون للسنة ضد الشيعة،‏ وبعض الشيعة يتعصبون للشيعة ضد السنة؛<br />

وهذا ما يدفعهم إىل االقتتال فيما بينهم يف أقل ما ميكن القول عنها إنها<br />

‏"حرب العصابات"،‏ ومنه ختلص إىل الطائفية أو العرق وهو سبب مهم من<br />

أسباب العنف واإلرهاب.‏<br />

)21(<br />

‎2‎ العلمنة ومؤسسة الدين يف اجلزائر:‏<br />

تتجلى مسات اخلطاب اليوم أنه خاضع للماضي وللمشاكل<br />

السياسية احلالية ال اجتاه الدين،‏ وهذا واضح منذ االستقالل<br />

إن )1812(<br />

القوى االجتماعية واإليديولوجية مل تكن تتجه كلها على منط واحد بعد<br />

استالم السلطة من قبل جمموعة اجملاهدين.‏<br />

)21(<br />

حيث سيطر اخلطاب<br />

العلمي على اخلطاب الديين مثل ما هو مشار إليه عند الباحث ‏"هنري<br />

سانسون"‏ يف دراسة بعنوان<br />

"<br />

اجلزائر جمتمع طائفي ومع ذلك علماني"‏<br />

)27(<br />

فالتيارات والصراعات كانت قد ظهرت سابقا أثنا احلرب وسط صفوف<br />

‏"جبهة التحرير الوطين"‏<br />

حول الشخصية اإلسالمية أو اجلزائرية للبالد مبعنى هل هي<br />

إسالمية أم جزائرية ؟ حيث برزت تيارات أهمها<br />

:<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 219<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

الناصر".‏<br />

-<br />

-<br />

تيار العروبة:‏ املنتصر سابقا يف مصر مبجيء ‏"مجال عبد<br />

تيار علماء الدين:‏ املشدد على االنتماء اإلسالمي للبالد ضمن<br />

خط ‏"السلفيني اإلسالميني".‏<br />

أقلية خجولة:‏ حتدثت عن انتماء اجلزائري للجزائر،‏ أي<br />

اجلزائر جزائرية حيث وجدت نفسها معزولة قليال أو كثريا من الناحية<br />

اإليديولوجية عن ‏)العروبة والسلفية(‏ رغم أصداء فكرة ‏"اجلامعة<br />

اإلسالمية"‏ اليت كانت تصل إىل السكان بواسطة ‏"علماء الدين"؛ ولكن<br />

هؤالء أنفسهم كانوا يتلقون املعارضة من طرف السكان اجلزائريني<br />

)29(<br />

أنفسهم".‏<br />

هذا ما ينب أن مؤسسة الدين مل تلعب حينها دورا ميكن<br />

الوصول إىل درجة إن اإلسالم مل يكن ميتلك فيها نفس التواجد الواحدي<br />

والعقائدي واإليديولوجي الذي يتخذه اجملتمع اجلزائري غدية االستقالل<br />

بسب النبثاق الدولة املركزية والقوية للسلطة وأرادت السلطة املركزية<br />

كرد فعل على االستدمار تأكيد انتمائها احلماسي للعروبة<br />

واإليديولوجية اإلسالمية أكثر بكثري من انتمائها لإلسالم كما يقول<br />

املرحوم"‏ حممد أركون"‏ أنه رد فعل أكثر مما هو حتمل مسؤولية الواقع<br />

اجلزائري للنواحي االجتماعية والثقافية والتارخيية بشكل جاد ومتزن،‏ أو<br />

حتمل مسؤولية من قبل دولة حرة فعال.‏<br />

حيث جند جمتمعنا اليوم يف تطوره ال ينأى-‏ يف اعتقاد<br />

‏"حممد أركون"-‏ عن الضغوطات اخلارجية وأوهلا اإلستدمارية أو<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

اإليديولوجية العروبوية املبالغة فيها أحيانا؛ أو يتم مبنأى عن إيديولوجيا إسالم<br />

معني ومنصور على أنه دعامة كلها للمقاومة اإلمربيالية اإلستدمارية.‏<br />

)28(<br />

فالوضع الثقايف يف اجلزائر املعاصرة اليوم يبدو كأنه جزائري<br />

شرعا،‏ رغم الفراغ الثقايف الذي خلفه االستدمار يف حتقيق اهلوية الوطنية ومن<br />

بينها بالطبع اختيار اإلسالم دينا للدولة واللغة العربية لغة وطنية،‏ وما يعرب عن<br />

هذه الطموحات اليت يقل نظريها اليوم نسبيا عنه يف فرتات سابقة يف التغيري،‏<br />

واملشكل األساسي يف التغيري<br />

هنا أن مشروع اإلصالح املتكامل للثقافة<br />

الوطنية أصطدم بضرورات الواقع القياسية املتمثلة يف منطني أساسني:‏<br />

)22(<br />

-<br />

اشرأب السكان بالنماذج الغربية:‏<br />

املنسابة خالل مئة وثالثني<br />

عاما من التعمري اإلستدماري مما جعل ثابتة سوسيولوجية تشكل انسالخا<br />

ثقايف يف دمغ السكان املدنيني خصوصا املقرتبني إىل النماذج الغربية<br />

أمثاهلم الريفيني.‏<br />

-<br />

الضرورات االقتصادية:‏<br />

من<br />

وهذا يتضح من إلزامية انفتاح التصنيع على<br />

أوسع تكنولوجيا العامل اخلارجية ومل يكن ممكن إسرتاد وسائل التصنيع التقنية<br />

دون إسرتاد عقلية املبادرة،‏ املالزم للإلسرتاد األول،‏ حيث أدى وجود هذه التقنيات إىل<br />

إشرتاء اجملتمع هلاته التقنيات والبعد على املزارع واألراضي اخلاصة به،‏ وهذا جيعلنا<br />

أمام اجلدل الثنائي بني األصل واملعاصر واخلاص والعام ‏...والذي يتطلب هنا موقفا<br />

موحدا بني مجيع مؤسسات اجملتمع مبا فيها املؤسسة الدينية.‏<br />

‎1‎ اإلسالم واجلنوسة:‏<br />

-<br />

هذا التحدي يتضح يف البلدان العربية اإلسالمية من خالل نقطتني<br />

)10(<br />

أساسيتني يف القرن ‎21‎م:‏<br />

سيادة االعتقاد بأن التحرير الوطين جيب أن يتقدم على حترير النساء،‏<br />

مادام األخري يقود إىل التبعية للغرب من خالل االستهالكية واحلط من قدر النساء<br />

‏)كعامل داخلي(.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 270<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

الوعي بعدم تقبل الغرب للمؤسسات األسرية اإلسالمية وانتقاده<br />

هلا ‏)كعامل خارجي(.‏<br />

أذن جند البعض يرفض"األدب الغربي"‏ احملط من قدر املرأة<br />

املسلمة العربية،‏ ويدعو إىل األدب العربي اإلسالمي املؤكد على دور املرأة<br />

بدال من دورها كمصدر للغواية تتالعب حبياة الرجال ومتنعهم من أداء<br />

فرائضهم الدينية؛ وهنا ينبغي للمؤسسة الدين أن يكون هلا وعي بزيادة<br />

الفراغ بني الطبقات الوسطى خصوصا ما بني النساء غري العامالت،‏<br />

لنتيجة تضاؤل اإلنتاج املنزلي ولذا يتطلب هنا حتويل طاقتهم إىل النشطات<br />

الدينية واخلريية العامة املواجهة للصاحل العام،‏ وهكذا جتمع املؤسسة<br />

الدينية ضمن إيديولوجيتها مزجيا من االلتزام الديين والسخط األخالقي<br />

واملشاركة السياسية ؛ عكس التشريعات اليت تبنتها احلكومات<br />

صوص قانون األحوال الشخصية الذي يؤثر على حياة النساء،‏ وأنه<br />

على مؤسسة الدين يف مسؤولياتها أيضا مراعاة البحث عن هوية عربية<br />

إسالمية أصيلة؛ وعدم الفصل بني الدين والدولة خصوصا عندما يتعلق<br />

األمر بقانون األسرة،‏ واإلحساس بأن الغرب ما يزال يسيطر على التنمية<br />

االقتصادية والثقافية.‏<br />

)22(<br />

أنواع املؤسسات الدينية يف اجلزائر)وظائفها وأدوارها(:‏<br />

‎0‎ املسجد:‏<br />

إن األسرة اإلسالمية اليوم مل تعد يف عصرنا الراهن كما<br />

كانت من قبل املؤسسة الرتبوية الرئيسية يف تنشئة األبناء بل أصبحت<br />

هناك مؤسسات أخرى تشارك األسرة يف هذا اجملال لكن املسجد<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 272<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

كمؤسسة دينية يبقى أهمها قيمة يف بناء الشخصية اإلسالمية من خالل<br />

التنشئة االجتماعية السوية لألبناء.‏<br />

وإن كلمة<br />

‏"مسجد"‏<br />

من الناحية اللغوية تطلق على كل مكان<br />

يسجد فيه،‏ وبعد بعثة الرسول – صلى اهلل عليه وسلم-‏<br />

أصبح يطلق على<br />

املكان املخصص إلقامة الصلوات اخلمس،‏ وكان أول ما فعله الرسول<br />

عندما هاجر إىل املدينة مع أصحابه هو تشيد أول مسجد يف اإلسالم<br />

وهو"‏ مسجد قباء"‏<br />

وهذا ما ينبأ على مكانة املسجد االجتماعية،‏ الثقافية،‏<br />

االقتصادية والسياسية اهلامة يف اجملتمع كمؤسسة فاعلة.‏<br />

)22(<br />

- وظائفه:‏<br />

-<br />

أتباع الدين ومعتنقيه.‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

قيامها مبهمة تفسري النصوص الدينية وتعاليمها وشرحها بني<br />

أداء الصلوات والطقوس اجلماعية يف أماكن العبادة<br />

املختلفة<br />

كشعرية توحد بني املسلمني،‏ وتؤدي إىل التماسك والتضامن االجتماعي<br />

بينهم.‏ .<br />

الدعوة إىل التمسك بأدآب الدين بني أفراد اجملتمع باعتبار<br />

الدين أداة رئيسية من أداوت الضبط االجتماعي يف اجملتمع.‏<br />

يؤدي الدين دورا غاية يف األهمية فيما يتعلق بالتماسك<br />

والتضامن االجتماعي،‏ وكذا التكافل االجتماعي بني أفراد اجملتمع.‏<br />

دور حفظ القرءان الكريم،‏ ومدارسه املنتشرة يف الريف واملدن<br />

حيث تسهم يف حتفيظ القرءان لدى الناشئة وإكسابهم القيم الدينية<br />

وتعريفهم<br />

القهم،‏ وكان املسجد منتدى يلتقي فيه مجيع أفراد هذه<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

-<br />

-<br />

القبائل اليت كانت تعيش قبل اإلسالم قبائل متنابذة ومتشاحنة،‏ وعليه<br />

ميكن القول:‏ بأن املسجد أول مؤسسة اجتماعية أبتكرها اإلسالم<br />

لتكون بيتا هلل وللمسلمني يتشاورون فيه أمور دينهم ودنياهم،‏ كما يعترب<br />

أيضا بيتا للتجارة والقضاء والعلم واملعرفة.‏<br />

كما يلعب دورا يف تشكيل الشخصية اإلنسانية املؤمنة<br />

املتكاملة من حيث التوجيه واإلرشاد يف جمال الدين والدنيا معا يف<br />

التشريع والعبادات واملعامالت.‏<br />

تدريب املسلمني على التعاون والعمل اجلماعي الذي هو أساس<br />

بناء اجملتمع،‏ وتدعيم كيانه ويبصر املسلمني بأهمية الوحدة اإلسالمية<br />

ال سيما يف موسم احلج وزيارة احلرمني الشريفني.‏<br />

واألمثلة عن جتسيد هاته األدوار غنية يف أرض الواقع احمللي<br />

واإلقليمي مثل ما قام به كل من:‏<br />

األزهر الشريف ‏)‏‎110‎ه<br />

972 ه(:‏<br />

-<br />

-<br />

املؤسس من طرف الدولة<br />

الفاطمية،‏ والقائم بدور نشر املذهب الفاطمي اإلمساعيلي،‏ والدور قامت<br />

به نفسه ‏"دار احلكمة " يف مصر باإلضافة إىل تدريس القرءان وتدريس<br />

علوم أخرى مثل الفقه واحلديث والتفسري والنحو وجمالس الوعظ وحلقات<br />

الذكر.‏<br />

املسجد اجلامع:‏ الذي شيده ‏"أبو جعفر"‏ جبوار القبة اخلضرة<br />

وأعاد بناؤه ‏"الرشيد"‏ الذي لعب دورا<br />

-<br />

بارزا يف إثراء الثقافة واملعرفة اإلسالمية.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

جامع الزيتونة:‏ لعب أيضا دورا هاما يف نشر العلم واملعرفة<br />

الدينية يف تونس كجامع<br />

باملغرب.‏<br />

"<br />

األزهر"‏ يف مصر وجامع"‏ القرويني<br />

بفاس "<br />

وعليه يتضح لنا إن املساجد واجلوامع يف العامل اإلسالمي لعبت<br />

دورا حيويا يف نشر تعاليم الدين اإلسالمي وصقل مقومات الشخصية<br />

اإلسالمية من<br />

(<br />

دين ولغة وعادات وتقاليد...(،‏ واالهتمام بتدريس كل<br />

العلوم ال سيما ‏)النحو والفقه و التفسري..(‏ اليت ترتبط بالدين اإلسالمي<br />

لتحقق وحدة فكرية ودينية يف ربوع العامل اإلسالمي؛ وبهاته األساليب<br />

والوسائل اليت توفرها املؤسسة الدينية تعمل على ترسيخ قيمنا األخالقية<br />

يف األذهان ومحاية ووقاية شبابنا ال سيما املراهق منه،‏ كما ميكنها أن<br />

تعزز روح املواطنة احلقيقية لديه حتى تكون يف ذات الفرد الوالء واالنتماء<br />

للوطن وفكرة التسامح مع اآلخر؛ والشيء نفسه ميكن قوله عن الزاوية<br />

كمؤسسة دينية ثانية فاعلة يف اجملتمع احمللي واإلقليمي أيضا.‏<br />

)21( :<br />

‎2‎ الزاوية<br />

الزاوية هي صمام أمان يف جمال العقيدة،‏ وقد ملئت الفراغات<br />

اإليديولوجية؛ وبالتالي وقفت أمام االندثار احلضاري للمجتمع،‏ كيف ال<br />

وهي اليت يف أحضانها بعثت الدولة وبويع األمري،‏ وآمن املخلوع واملهزوم<br />

واملظلوم،‏ وحرر العبد وفك األسري وإكرام اجلائع وإجابة السائل،‏ وفيها<br />

انطفأت نريان الفنت وسويت النزاعات،‏ وأبرمت األحالف إضافة إىل<br />

تطوير العمران وازدهار الفنون اللغوية كالشعر واحلفظ على التوازن<br />

الروحي و الذاكرة الرتاثية لألمة.‏<br />

وظائفها:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />

العدد الثاني<br />

جوان


‎2‎<br />

املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

تتعدت وظائف الزوايا يف اجلزائر وشابهت كثريا مثيالتها يف<br />

باقي دول الوطن العربي،‏ وسنعرض ألهمها مع ذكر أمثلة من خالل<br />

الزوايا يف اجلزائر وخصوصا يف اجلنوب الغربي منها:‏<br />

‎0‎ كونها مركز إشعاع ديين:‏ حبيث أن اهلدف األساسي هو خدمة<br />

الدين ونشره وخترج منها خرية العلماء الكبار يف علوم الفقه والشرع مثل:‏<br />

عبد الكريم بن حممد بن أبي التواتي التمنطيطي.‏<br />

الشيخ حممد البكري بن عبد الكريم.‏<br />

الشيخ سيدي عمر بن عبد القادر التنيالني.‏<br />

الشيخ حممد عبد الرمحان بن عمر التنيالني.‏<br />

الشيخ حممد بن عبد الرمحان البلبالي.‏<br />

الشيخ حممد بن حممد العامل الزجالوي.‏<br />

والدراسة داخل الزاوية غري حمددة وتتوقف املدة على استيعاب<br />

املواد املقررة للحفظ.‏<br />

‎2‎ الوظيفة االجتماعية:‏ تعددت مساهمة الزوايا اجتماعيا ومن<br />

اخلدمات املتعددة كانت:‏<br />

تساعد القراء واملعوزين حيث تفتح أبوابها للفقراء واملساكني<br />

الذين جيدون املأوى واملأكل بها.‏<br />

القيام بعمليات الصلح يف حالة وقوع النزاعات،‏ فكان يتم<br />

االنتقال من الزاوية بالتهليل إىل القصور إلقامة الصلح.‏<br />

نذكر أهمها هنا:‏<br />

وقامت بوظائف أخرى متعددة ‏)صحية،‏ زراعية واقتصادية(‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 271<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

القصور.‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

أدوار صحية كجمع وقتل احلشرات الضارة املتواجد يف<br />

بعضها أختص بركب احلجيج لوقوعها على الطريق مثل<br />

‏)زاوية احلاج بلقاسم بقورارة وزاوية أبي نعامة بأقبلي(.‏<br />

ساهمت يف تنظيم التعاون بني األفراد يف القرية مثل ‏)التويزة<br />

اليت يتعاون فيها مجيع الناس(.‏<br />

مساهمة الزاوية الكبرية يف إجياد عمل مستقر لكثري من<br />

األشخاص سواء داخل الزاوية أو يف البساتني و األراضي اليت متلكها<br />

خارج القصر.‏<br />

وإذا أردنا أن نستدل من الواقع مباشرة نأخذ كمثال:‏<br />

زاوية كنتة:‏ أنشأت يف بداية األمر ألغراض تعليمية ثم عنت<br />

بعد ذلك بأدوار روحية وثقافية ثم اقتصادية وجتارية وجعلت من الصحراء<br />

حبرا آمنا للعالقات التجارية وهمزة وصل بني املغرب العربي وغرب<br />

إفريقيا.‏<br />

الزاوية الرقانية:‏ لعبت نفس األدوار التارخيية يف الثقافة<br />

والتجارة وتلقني األدوار الرقانية لألتباع.‏<br />

زاوية تاسفاوت اجلورارية:‏ يف عهد اإلمام املغيلي لعبت دور<br />

اجلهاد ضد اليهود وحركاتهم التجارية واالقتصادية،‏ وعملت ضد تهويد<br />

االقتصاد احمللي فأنشأ الشيخ ‏"سيدي موسى"‏ و"‏ املسعود الشيح الروحي"‏<br />

هلذه الزاوية أسواقا موازية ألسواق اليهود بتيميمون؛ والزال أثر هذه<br />

األسواق موجودا إىل يومنا هذا فنجد أثر لسوق يسمى " سيدي موسى".‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 277<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

-<br />

-<br />

)21(<br />

زاوية تاسفاوت البكرية:‏ هي من ضمن الزاوية البارزة باملنطقة<br />

، خترج منها مجلة من العلماء وذلك سر انتشار فروعها اليت جتاوزت<br />

حدود الوطن لتدخل تونس وليبيا،‏ وهلا دورا إصالحيا ال يستهان به.‏<br />

الزاوية البلبالية:‏ مبلوكة وكوسام امتازت بوظيفة القضاء،‏<br />

وتتلمذ يف مدارسها مشايخ الزاوية الكرزازية.‏<br />

دور مؤسسة الدين يف اخلدمة والرعاية االجتماعية:‏<br />

إن املتتبع لتاريخ نشأة التفكري االجتماعي منذ الدراسات<br />

االجتماعية عند الشرقيني األقدمني ونقصد هنا ‏)الصينيني،‏ واهلنود،‏<br />

واملصرين القدامى مرورا بالفكر االجتماعي عند اليونان األقدمني<br />

والفكر االجتماعي الروماني والوسيطي والفكر االجتماعي عند العرب؛<br />

نقف عن تلك األهمية احملورية اليت أكتسبها الدين كمؤسسة<br />

اجتماعية فاعلة يف كل املراحل التطورية اليت عرفتها هاته اجملتمعات<br />

والزالت متواصلة حتى اليوم من خالل مجلة من األدوار:‏<br />

دور مؤسسة الدين يف اخلدمة االجتماعية:‏<br />

إذا كان الدين أحد مقومات الثقافة يف الشعوب بصفة عامة،‏<br />

فإن للدين اإلسالمي الدعامة األوىل يف تنظيم اجملتمع اإلسالمي ملا أشتمل<br />

عليه من مبادئ حتدد مستوى املعامالت بني الناس،‏ ومن نظم حتمي هاته<br />

املبادئ وجتعلها واقعية وليست جمرد توصيات أو توجيهات؛ كما أنه مل<br />

يقتصر على املواعظ والوصايا األخالقية فهذا ال يؤثر غالبا يف عموم<br />

الشعب إال إذا صاحبته قوانني واضحة حتدد الواجبات وحتميها.‏<br />

)21(<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 278<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

ومن هنا يتضح التشريع اإلسالمي متماسكا مع بعضه<br />

البعض،‏ وجناحه متوقف أيضا على املؤسسات االجتماعية األخرى يف أداء<br />

أدوارها الفاعلة.‏<br />

دور مؤسسة الدين يف الرعاية االجتماعية:‏<br />

تسعى الرعاية االجتماعية يف إطار الدين اإلسالمي ومؤسساته<br />

إىل احلفاظ على تراث اجملتمع الذي يتضمن جمموعة القيم والعادات<br />

والتقاليد والدين السائدة بني أفراد اجملتمع،‏ كما يتدخل يف حتديد<br />

وتوجيه أمناط السلوك وصور وأشكال التفاعالت الدائرة بني أفراد<br />

اجملتمع،‏ وهذا ما نلمسه من خالل مبادئ الرعاية االجتماعية يف<br />

اإلسالم:‏<br />

)27(<br />

-<br />

-<br />

-<br />

الوحدة يف سبيل السالم العاملي،‏ ‏)وجعلناكم شعوبا...(‏<br />

الشورى،‏<br />

هو أقرب للتقوى...(‏<br />

(<br />

وأمرهم شورى بينهم...(،‏<br />

(<br />

-<br />

والعدوان..(‏<br />

-<br />

-<br />

وشاورهم يف األمر...(‏<br />

املساواة والعدالة االجتماعية،‏ ‏)وإذا حكمتم بني الناس فاعدلوا<br />

التعاون،‏ ‏)وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلثم<br />

التكافل االجتماعي ‏)أدبي،‏ علمي،‏ دفاعي،‏ التكافل ضد<br />

اجلرائم األخالقي،‏ االقتصادي،‏ يف العبادة،‏ احلضاري،‏ املعيشي...(‏ ومن<br />

أهم جماالت الرعاية االجتماعية اإلسالمية نذكر باختصار:‏<br />

جمال األسرة ‏)أسلوب الزواج،‏ حقوق الزوجني،‏ نفقة احلضانة<br />

والصغار والزوجة املطلقة،‏ العالقة مع األبناء(.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 279<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

على املريض(.‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

جمال املرضى واملعاقني)الوقاية من املرض،‏ النظافة،‏ العطف<br />

جمال األيتام.‏<br />

جمال املسنني.‏<br />

مواقف غربية اجتاه الدين ودوره كمؤسسة:‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

االجتاه السليب:‏<br />

أن البحث يف الثقافات الغربية املتعلقة بدراسة اإلنسان جعلنا<br />

نكتشف العديد من النظريات النفسية واالجتماعية و الوجودية،‏ اليت<br />

ليس يف خدمة اإلنسان وال اجملتمع على حد سواء بل حتى أنها معارضة<br />

للدين على وجه اخلصوص؛ وإذا أردنا على سبيل املثال ال احلصر نذكر<br />

مثال:‏<br />

فرويد:‏ نادى ببهمية اإلنسان،‏ خلص اإلنسانية يف حافز جنسي.‏<br />

كارل ماركس:‏ نادى ببهمية التاريخ،‏ وخلص التاريخ يف عامل<br />

اقتصادي،‏ والسياسة االقتصادية مرتكزة على العقل املادي فقط.‏<br />

هربرت ماركوز:‏ نادى اجلميع باخلروج إىل جمتمع اللذة الذي تباح<br />

فيه احملظورات واالستمتاع اجلنسي والعاطفي واجلمالي بال رادع من دين أو<br />

خلق أو تقاليد،‏ والتمرد على نداء العقل واملنطق ونقاء القلب وصفاء الروح؛<br />

ولألسف الشديد نرى الثقافة الغربية تتفق متاما مع أراء هؤالء اليهود الذين<br />

يفسدون يف األرض كما يقول ‏"حممد حسني فهمي"‏ يف كتابه<br />

االجتماعية،‏ ص<br />

(<br />

))222 -222(<br />

«:<br />

الرعاية<br />

لقد أفسدوا اجملتمع العربي يف مجيع جوانبه وأنتشر اإلحلاد<br />

واخلمور املخدرات وهتك األعراض والفسق وكل أنواع االحنالل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

واألمراض اخلبيثة،‏ وشتان بني هاته الثقافة والثقافة اإلسالمية اليت<br />

حتافظ على جسم اإلنسان وعقله،‏ وحتافظ على شرفه وكرامته،‏ كما<br />

حتافظ على العالقة بني اإلنسان وربه،‏ وبالتالي هي حتافظ على العالقات<br />

الطيبة بينه وبني غريه من أفراد اجملتمع ؛كما حتافظ على أن يتمتع<br />

)29(<br />

بالدنيا ويتمتع باآلخرة وحتقق له السعادة فيهما«.‏<br />

االجتاه اإلجيابي:‏<br />

يعترب"دوتوكفيل"‏ )1921-<br />

‎1918‎م(‏ من بني كالسيكي<br />

علم االجتماع األديان يف كتابه:‏ ‏"الدميقراطية يف أمريكا<br />

الحظا احلياة "<br />

االجتماعية األمريكية بنظرة ثاقبة فالحظ دور الدين املهم يف تشكيل<br />

الدميقراطية وتطويرها،‏ وحسب ‏"دوتوكفيل"‏ أن الدين كمؤسسة<br />

سياسية يف الواليات املتحدة األمريكية يشعر بالرغبة إىل اجملتمع اجلمعي<br />

" على أساس<br />

اإلميان العقائدي"‏ يف ما خيتص بالدين من خالل قوله<br />

«:<br />

للبشر إذا مصلحة مشرتكة يف تكوين أفكار ثابتة حول اهلل والروح<br />

وواجباتهم العامة جتاه اخلالق وجتاه بعضهم البعض،‏ ال شك يف هذه<br />

النقاط األولية قد يضيع أعماهلم كلها يف يد الصدفة وحيكم عليهم إىل<br />

حدا ما بالفوضى والعجز«.‏<br />

)28(<br />

«<br />

ويكفينا شرفا وداللة على عظمة اإلسالم أن يعرتف بذلك<br />

الغربيون أنفسهم إذ يقول ‏"برنارد شو":‏<br />

إني أرى اإلسالم دين أوربا يف أواخر القرن العشرين«،‏ وقال<br />

‏"جوته"‏ عندما أدرك حقيقة اإلسالم:‏ ‏»إن كان هذا هو اإلسالم أفال<br />

نكون مسلمني«.‏<br />

)12(<br />

آفاق العالج:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 280<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

-<br />

-<br />

من خالل مقدمة هذا البحث،‏ وحماولة استقراء الواقع تأمليا<br />

ميكننا أن نقدم مجلة من اآلفاق اليت عسى أن تكون توصيات ميكنها<br />

االستفادة منها يف اخلروج من أزمة مؤسسة الدين يف واقعنا اليوم؛ ويف ظل<br />

التحديات اليت يعرفها واملتمثلة فيما يلي:‏<br />

استعادة األدوار والوظائف األصلية،‏ واليت كانت متتلك<br />

املؤسسة الدينية بفرتة ليست بعيدة عن زمن احنطاط العامل اإلسالمي<br />

بسقوط اخلالفة العثمانية وقيام الدولة الرتكية احلديثة.‏<br />

العمل على التوحيد العقائدي داخل الدين الواحد وفرض فكر<br />

االنسجام والتناسق بني أمم الوحي ‏)أمة الكتاب(.‏<br />

واإلبداعية الفكرية.‏<br />

-<br />

خوض املؤسسة الدينية املعركة السياسية واإلعالمية<br />

فتح مستوى احلوار بني الثقافات حتى احلوار الذي يتجاوز<br />

الثقافات اخلصوصية.‏<br />

فلم يعد للمرء أن يصل إىل بر األمان،‏ واخلالص عن طريق<br />

طائفة دينية؛ أو أمته القومية وحدها فقط؛ وإمنا ينبغي علينا أن نتجاوز<br />

اإلشكاليات و ‏"القيم"‏ ‏"واهلويات"‏ التقليدية املوروثة داخل كل مجاعة أو<br />

أمة أو طائفة أو مذهب وينبغي أن نوسع نقد القيمة ونعممه أكثر حسب<br />

ما قال املرحوم ‏"حممد أركون"،‏<br />

)11(<br />

وأن كنا ال نتبنى كل مواقفه باسم<br />

العلمنة ال سيما ما له عالقة بقدسية نصوص القرءان الكريم والسنة<br />

النبوية الشريفة.‏<br />

خاتمة:‏<br />

مما سبق ميكننا استنتاج أن املؤسسات الرتبوية التقليدية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 282<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-<br />

الزوايا،‏ املساجد،‏ والكتاتيب...-‏ كمؤسسات دينية-‏ من جهة كونها<br />

ممانعة ثقافية لتحصني الذات العربية ضد آليات العوملة والتنميط الثقايف،‏<br />

لعبت دورا مهما يف احلفاظ على مقومات الشخصية واهلوية الوطنية<br />

والزالت حلد اآلن؛ وإن كان هنا فتورا نسبا يف وظائفها وأدوارها اليوم،‏<br />

وهذا راجع يف اعتقادنا لطبيعة عالقتها مع املؤسسات االجتماعية األخرى<br />

تكميال للدور املناط بها،‏ فال سبيل لوحدة اجتماعية متناسقة ومنسجمة<br />

خارج هاته التفاعلية،‏ واليت نراها أكثر ضرورة من السابق يف ظل<br />

التحديات اليت يعرفها واقعنا اليوم،‏ وهذا وداللة على أن املؤسسة الدينية<br />

ليست كفيلة بنفسها يف توجيه وترشيد سلوك الفرد واجملتمع،‏ وأن هناك<br />

مؤسسات غري دينية حتمل على عاتقها املسؤولية نفسها من خالل قيامها<br />

بأدوارها احلقة مثل املؤسسات ‏)السياسية واالقتصادية والثقافية والرتبوية<br />

‏...اخل(؛ واليت تتماشى مع القيم واملبادئ اإلنسانية اليت ينعم بها الدين<br />

اإلسالمي دون غريه من األديان اليت قدست أصحابها العقل البشري<br />

وأهملوا الوحي اإلهلي يف عالقته باإلنسان والوجود.‏<br />

فما هي امليكانيزمات اليت ينبغي للمؤسسة الدينية<br />

–<br />

العربية اإلسالمية-‏ التمتع بها يف ظل فكرة صدام أو صراع احلضارات<br />

كفكرة متشائمة يعرفها العامل اليوم،‏ وهل ميكننا القول أن فكرة<br />

العوملة كفكرة متفائلة تلغي دورا وأهمية هاته املؤسسة يف تكوين<br />

جمتمع عاملي منسجم ومتناسق يف وحدة إنسانية فاعلة ومتفاعلة اجتماعيا<br />

وسياسيا واقتصاديا وثقافيا؟<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

اإلحاالت و اهلوامش:‏<br />

-1<br />

-2<br />

مجيل صليبا،‏ املعجم الفلسفي،‏ دار الكتاب اللبناني،‏ جزء األول،‏ دط،‏<br />

بريوت،‏ 1892، ص‎172‎‏.‏<br />

خليل أمحد خليل،‏<br />

ط‎1‎‏،‏ بريوت،‏ 1881، ص‎79‎‏.‏<br />

املرجع نفسه،‏ ص‎79‎‏.‏<br />

معجم املصطلحات الفلسفية،‏ دار الفكر اللبناني،‏<br />

-3<br />

Roussel-DICTIONNAIRE de 4-Gérard Durozoi-André<br />

Nathan. .Gérard Durozoi-André Roussel philosophie.<br />

P.195،France par I.M.E 2003 Imprime en<br />

-1<br />

حممود يعقوبي،‏<br />

1872، ص‎11‎‏.‏<br />

-1<br />

معجم الفلسفة،‏ امليزان للنشر والتوزيع،‏ ط‎2‎‏،‏ اجلزائر<br />

مجيل صليبا،‏ املعجم الفلسفي،‏ ص)‏‎172‎‏-‏<br />

املرجع نفسه.‏ ص‎172‎‏.‏<br />

.)172<br />

-7<br />

8-Gérard Durozoi-André Roussel-DICTIONNAIRE de<br />

.221 P.،philosophie<br />

.2219-Ibid. P<br />

12- حممود يعقوبي،‏ معجم الفلسفة،‏ ص‎12‎‏.‏<br />

-11<br />

فاروق مداسي،‏ قاموس مصطلحات علم االجتماع،‏ دار مدني للطباعة<br />

والنشر،‏ دط،‏ اجلزائر،‏‎2222‎‏،‏ ص<br />

.)221<br />

-222(<br />

-12<br />

-12<br />

أبو زهرة حممد،‏ االفرتاءات ضد اإلسالم،‏ القاهرة،‏<br />

املصرية،‏ دط،‏ 1898، ص 112.<br />

مطبعة األجنلو<br />

إحسان حممد احلسن،‏ علم االجتماع العنف واإلرهاب،‏ دار وائل،‏ ط‎1‎‏،‏<br />

،2229 ص .11<br />

-11<br />

سورة النمل،‏<br />

اآلية 121.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-11<br />

-11<br />

-17<br />

-19<br />

-18<br />

سورة البقرة،‏ اآلية 227.<br />

معروف بشار،املسند اجلامع،‏ اجمللد‎2‎‏،‏ مطبعة األوقاف دار الشؤون<br />

الدينية،‏ دط،‏ بغداد.‏ 1891، ص‎211‎‏.‏<br />

املصدر السابق،‏ ص 22.<br />

عسر إبراهيم،‏ بلوغ املرام من أدلة اإلحكام،‏ لإلمام ابن حجر<br />

العسقالني،‏ دار العلوم احلديثة،‏ بريوت،‏ 1897، ص‎288‎‏.‏<br />

القبنجي عالء الدين،‏ سايكولوجية العنف يف العراق،‏ جملة النبأ،‏<br />

املستقبل للثقافة والنشر،عدد<br />

، 2222 ، 19 ص‎11‎‏(.‏<br />

M . The construction of religions thoughtin ، Iqbal22 -<br />

. P27، 1946،Islam Karachi<br />

- 21<br />

-22<br />

سورة األنفال،‏<br />

سورة الغاشية،‏<br />

اآلية 12.<br />

اآلية 22.-<br />

Neps2 ، the Fallacy of charges Against Islam، G،- Aczel22<br />

3.، P، 2005، Budapest،a bag News Paper<br />

M .F. Religion and terrorism. London the ،- Wickham21<br />

9.،.P Press .2002<br />

-25<br />

-21<br />

إحسان حممد احلسن،‏ علم االجتماع العنف واإلرهاب،‏ ص،‏ 121.<br />

حممد أركون،‏ العلمنة والدين اإلسالمي ‏)اإلسالم،‏ املسيحية،‏ الغرب(،‏<br />

دار الساقي،‏ ط‎2‎‏،‏ بريوت،‏ 1881، ص‎11‎‏.‏<br />

société confessionnelle et pour ، Algérie ،- Henri Sanson27<br />

53 .، No،tant Iaîque centre thomas more<br />

-29<br />

-28<br />

املرجع السابق،‏ ص<br />

-11(<br />

املرجع السابق،‏ ص‎22‎‏.‏<br />

.)17<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />

العدد الثاني<br />

جوان


املؤسسة الدينية ودورها يف احلفاظ على اهلوية الوطنية<br />

أ.ناجم موالي<br />

-22<br />

-21<br />

نور الدين طواليب،‏ التغري االجتماعي يف اجلزائر-‏ البحث عن اهلوية<br />

الثقافية،‏ ديوان املطبوعات اجلامعية،‏ اجلزائر،‏ ط‎1‎‏،‏ 1899، ص 12.<br />

إيفون يزبك حداد وجون ل.‏ إسبوزيتو؛ اإلسالم واجلنوسة والتغري<br />

االجتماعي،‏ تر:‏ أمل الشرقي ومر:‏ فؤاد سروجي،‏ األهلية للنشر والتوزيع،‏<br />

ط‎1‎‏،األردن،‏ 2222.<br />

-22<br />

-22<br />

املرجع السابق،‏ ص<br />

.)71 -19(<br />

-21<br />

راجع:‏ مدحيه حممد سيد إبراهيم،‏ علم االجتماع الديين،‏ دار الفكر<br />

العربي،بريوت،‏ دط،‏ دس.‏<br />

والية أدرار،‏ أدرار تاريخ وتراث،‏ نشرة مبناسبة امللتقى الوطين األول<br />

الشيخ سيدي حممد بن لكبري يومي:‏<br />

21 -22<br />

جوان<br />

2212، ص)‏‎12‎‏-‏<br />

.)11<br />

-21<br />

راجع صالح شرويف،‏ مدخل يف علم االجتماع،‏ دار العلوم والنشر<br />

والتوزيع،‏ دط،‏ عنابة،‏ 2221، ص)‏‎29‎‏-‏<br />

.)82<br />

-21<br />

-27<br />

-29<br />

-28<br />

حممد سيدي فهمي،‏ الرعاية االجتماعية اإلسالمية،‏ دار الوفاء لدنيا<br />

الطباعة والنشر،‏ دط،‏ األسكندرية،‏ ‎2221‎‏،ص 17 وما بعدها.‏<br />

املرجع نفسه،‏ ص)‏‎17‎‏-‏<br />

املرجع نفسه،‏ ص<br />

.)211<br />

.)222 -222(<br />

-12<br />

-11<br />

جان-‏ بول ويليم،‏ األديان يف علم االجتماع،‏ تر:‏ بسمة بدران،‏ املؤسسة<br />

اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع،‏ ط‎1‎‏،‏ 2221، ص)‏‎21‎ و‎229‎‏(.‏<br />

حممد سيدي فهمي،‏ الرعاية االجتماعية اإلسالمية،‏ ص 222.<br />

حممد أركون،‏ العلمنة والدين اإلسالمي ‏)اإلسالم،‏ املسيحية،‏ الغرب(،‏<br />

ص 91<br />

وما بعدها.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 281<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

مقدمة<br />

اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة،‏<br />

جامعة معسكر.‏<br />

:<br />

العمل اخلريي التطوعي دعامة أساسية من دعامات التنمية مبفهومها<br />

الشامل ودليل ساطع على حيوية اجملتمع واستعداد أفراده للتضحية،وميثل<br />

مبنهجه االجتماعي واإلنساني سلوكا حضاريا ترتقي به اجملتمعات منذ<br />

قدم الزمان،‏ ورمزا للتكافل والتعاون بني أفراد اجملتمع ضمن خمتلف<br />

مؤسساته،فقد أسهم التطوع عرب التاريخ يف إعادة التوازن للمجتمعات<br />

اإلنسانية من حيث فتح باب العطاء من األغنياء للفقراء وعلى الرغم من<br />

أن العرب قبل اإلسالم،عرفوا قيمة اخلري الذي يقدمه القادر على العطاء<br />

يف بعض صوره كالكرم وجندة امللهوف،ومساعدة الفقري،‏ إال أن أرقى<br />

صوره هي ذلك الذي يستهدف اجلزاء األوفى من اهلل سبحانه<br />

وتعاىل،حيث تنتهي منظومة العمل التطوعي يف املنظور اإلسالمي إىل<br />

قيمة اجتماعية هي قيمة التضامن أو التكافل االجتماعي وقيمة روحية<br />

أعلى هي قيمة التقوى والعمل الصاحل،وهذا االنتماء الذي جيمع طريف<br />

معادلة الروح واملادة ال يتوفر يف أي منظومة تطوعية أخرى مستمدة من<br />

أصول الفلسفات الوضعية،‏ وتتجلى األهمية الكربى هلذا االنتماء املزدوج<br />

يف كل مكونات منظومة األعمال التطوعية اليت حض عليها<br />

اإلسالم،ويف مقدمتها الوقف والزكاة اليت أصبحت مؤسسة دينية قائمة<br />

بذاتها من خالل صندوق الزكاة.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 287<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

-0<br />

وال شك أن العمل التطوعي يكون أكثر فعالية عندما يتبلور ويتهيكل يف<br />

شكل تنظيمي جيعله أكثر قدرة على تنظيم الطاقات واستثمارها،وتلبية<br />

االحتياجات اجملتمعية املتجددة واملتغرية،حيث أن جناحه مرهون بتوافر<br />

عناصر عديدة يف مقدمتها تعبئة مجاهريية تشكل جمموعة قيم،‏ تساهم<br />

يف إرساء ثقافة العمل التطوعي واالرتقاء به من املستوى الفردي إىل<br />

املستوى املؤسسي من خالل عملية االتصال واليت هي عملية دينامية ذات<br />

اجتاهني هما اإلرسال واالستقبال،يف إطارها يتم بناء املنهاج الذي تصاغ<br />

من خالله األفكار وآليات العمل،‏ ومن قنوات االتصال اخلطاب<br />

الديين،حيث يقرتن اخلطاب يف القرآن بالعزة واحلكمة والعظمة<br />

الربانية،‏ ومن أشكاله اخلطاب اإلعالمي الديين وخطبة اجلمعة فهذه<br />

األخرية مثال أداة اتصال فعال،حيث تكتسي أهميتها،من كونها<br />

متكررة أسبوعيا،وهي إلزامية ‏)للرجال(‏ ومن أركانها أنها ال تصح إال يف<br />

البيت،كما أن مجهورها متنوع،وبالتالي يصل تأثريها غالبا إىل كل بيت.‏<br />

وما يالحظ أن العمل التطوعي يف جمتمعنا الزال فرديا،عفويا وحمدودا<br />

رغم أهميته على عكس اجملتمعات الغربية اليت يتطور فيها التطوع يوما<br />

بعد أخر كما ونوعا وأهدافا.‏ فما دور اخلطاب الديين يف إرساء ثقافة<br />

العمل التطوعي وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي؟<br />

التطوع ركيزة العمل اخلريي<br />

لقد عين اإلسالم عناية بالغة بالعمل اخلريي.‏ واخلري يف املنظور<br />

اإلسالمي هو الفعل أو القول الذي ينفع اآلخرين،‏ ويسعد صاحبه يف الدنيا<br />

واآلخرة.‏ وقد وجه اإلسالم اإلنسان إىل كل باب للخري،‏ وعمل على إغالق<br />

كل باب للشر،‏ فاإلسالم هو دين الفطرة اخلالصة من الشوائب قال<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 288<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

تعاىل ‏"فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل<br />

خللق اهلل دلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون"‏ الروم،‏ اآلية<br />

.22<br />

ويأتي العمل اخلريي يف القرآن والسنة بصيغ شتى،‏ بعضها أمر به وترغيب<br />

فيه،‏ وبعضها نهي عن ضده أو حتذير منه،‏ وبعضها يثين على فعل اخلري<br />

يف ذاته،‏ وبعضها يثين على الدعوة إليه،‏ والتنافس فيه،‏ وإن صغر،‏ ففي<br />

الدعوة إىل قول اخلري وفعله والتسابق عليه،‏ يقول تعاىل<br />

حسنا<br />

"<br />

البقرة،‏ اآلية "<br />

92<br />

احلج،‏ اآلية 77.<br />

وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال<br />

" ويقول أيضا<br />

وقولوا للناس<br />

وافعلوا اخلري لعلكم تفلحون<br />

"<br />

:<br />

‏»جاء الفقراء اىل النيب ‏)ص(‏ فقالوا<br />

ذهب :<br />

اهل الدثور من االموال بالدرجات العال والنعيم املقيم،‏ يصلون كما نصلي،‏<br />

ويصومون كما نصوم،‏ وهلم فضل من اموال حيجون بها ويعتمرون وجياهدون<br />

ويتصدقون قال<br />

:<br />

أال أحدثكم بأمر إن أخذمت به أدركتم من سبقكم،‏ ومل<br />

يدرككم احد بعدكم وكنتم خري من انتم بني ظهرانية إال من عمل مثله؟<br />

تسبحون،‏ وحتمدون وتكربون خلف كل صالة ثالثا وثالثني«‏<br />

وكما مدح القرآن فاعلي اخلري والداعيني اإليه ذم أبلغ الذم الذين<br />

مينعون اخلري،‏ يقول تعاىل ‏"وال تطع كل حالف مهني<br />

‏*مناع للخري معتد اثيم"‏ القلم،‏ اآلية 12-<br />

*<br />

.12<br />

هماز مشاء بنميم<br />

ومن أصول اإلسالم وجوب التعاون عليه،‏ فاملرء قليل بنفسه كثري<br />

بإخوانه وأعوانه وماال يستطيعه الفرد قد تستطيعه اجلماعة.حيث يقول<br />

" تعاىل<br />

وتعاونوا على الرب والتقوى"‏ املائدة،‏ اآلية 2، ويقول على لسان ذي<br />

القرنني وهو يرد على القوم الذين طلبوا ان يدفعوا له خرجا ويتوىل الدفاع<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 289<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

:" عنهم<br />

ما مكين فيه ربي خري فأعينوني بقوة<br />

"<br />

الكهف،‏ اآلية 81، وهي<br />

صورة من صور التعاون بني احلاكم والرعية.‏<br />

والعمل اخلريي ينهض على التطوع،‏ الذي يعد جتسيدا عمليا ملبدأ<br />

التكافل االجتماعي فهو تعبري عن معاني اإلنسانية الفاضلة،‏ حيمل<br />

عنصر املبادرة احمللية يف التعبري عن احلاجة،‏ واإلحساس باملشكلة،‏<br />

وحماولة معاجلتها،‏ وتربز أهمية التطوع،‏ واحلاجة إليه كلما تقدم<br />

اجملتمع،‏ وتعقدت العالقات االجتماعية،‏ وقد اختذ يف سريورته أشكاال<br />

خمتلفة،‏ حيث بدا باجلهود الفردية ثم األسرية ثم القبلية،‏ معتمدا على<br />

البساطة يف النشاط والنظم والعالقات بني األفراد ونتيجة لزيادة منو أفراد<br />

القبيلة الواحدة،‏ احتل الدين مركز القيادة يف اجملتمع،‏ وأصبح الوالء<br />

الديين من أقوى الدوافع التطوعية لتقديم الرب واإلحسان.‏<br />

حيث يعرف التطوع لغة بأنه<br />

"<br />

يلزمه فرضه " ‏)مصطفى متولي،‏‎1882‎<br />

ما تربع به الفرد من ذات نفسه،‏ مما ال<br />

)21:<br />

أما اصطالحا فقد تعددت<br />

تعاريف التطوع لرتكيز كل واحد منها على جانب معني،‏ لكنها اتفقت<br />

على أن التطوع جهود إنسانية،‏ متارس من قبل األفراد واملؤسسات،‏ قائم<br />

على أساس الرغبة الذاتية للفرد،‏ فهو غري رحبي،‏ يتخذ أشكاال وصورا<br />

متعددة،‏ حيث عرفه ياسني قرشي بأنه<br />

"<br />

العمل النافع الذي ميارسه الفرد<br />

من خالل كل املؤسسات يف اجملتمع،‏ املؤسسة األسرية أو احلكومية أو<br />

اخلاصة أو األهلية " ‏)فريد ياسني<br />

قرشي،‏‎1881‎‏:‏ 21(<br />

اما راشد حممد راشد فيعرف التطوع بأنه ‏"التضحية بالوقت او اجلهد أو<br />

املال،‏ دون انتظار عائد مادي،يوازي اجلهد املبذول " ‏)راشد حممد<br />

راشد،‏‎1882‎<br />

)11 :<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

يف حني يعرفه خمتار إبراهيم عجوبة انه<br />

"<br />

أي عمل يقوم به شخص أو<br />

مؤسسة ما،‏ وبصورة منظمة دون أن يعطى أجرا مقابل ما يؤدي من عمل،‏<br />

مهما كان حجمه ودرجته ونوعه وتكلفته املادية واملعنوية<br />

إبراهيم عجوبة،‏‎1899‎<br />

" ‏)خمتار<br />

)178 :<br />

وعليه فالعمل التطوعي هو تنظيم األفكار واجلهود والعالقات من أجل<br />

تقديم خدمات اجتماعية واالستفادة من كل ما ميكن أن يقدمه<br />

املتطوعون يف خمتلف اجلوانب لدعم ذلك التوجه من فكر وجهد ومال<br />

ووقت وعالقات،‏ ويستمد أهميته من أثاره ومساهماته عرب التاريخ يف<br />

إعادة التوازن للمجتمعات البشرية،من خالل فتح باب العطاء من األغنياء<br />

إىل الفقراء،‏ ومن القادرين للعاجزين،‏ حيث أصبح يف الوقت احلاضر<br />

ضرورة اجتماعية،‏ يشرتك فيها األفراد يف حدود قدراتهم وإمكاناتهم ويف<br />

ضوء احتياجات اجلماعة واجملتمع،‏ وألنه من الوسائل الفعالة اليت<br />

يستخدمها احملتمع لتقدمه يف إطار أهدافه،‏ يأتي اهتمام الدولة به،‏<br />

والدعوة اىل املشاركة باجيابية يف مشروعاته كنشاط تربوي.‏ ومن آثار<br />

التطوع على الفرد واجملتمع ذلك الذي رصده عمر القثمي وبينه يف النقاط<br />

اآلتية:‏ ‏)عبد الرزاق خيلف،‏‎2228‎<br />

) 21:<br />

أوال : يف احلياة املتطوع<br />

:<br />

-<br />

-<br />

-<br />

فيه إشباع للرغبات وحتقيق للذات وشغل للفراغ برد اجلميل للمجتمع.‏<br />

فيه فتح باب للتعود على االحتساب واألجر من عند اهلل عز وجل.‏<br />

يشعر املتطوع بالسعادة ملشاركته من حوله وختفيف معاناته.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 290<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

-<br />

يتيح الفرصة لتبادل اخلربات الكثرية واملفيدة،‏ من خالل االحتكاك<br />

بالزمالء.‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

يساعد املتطوع للحصول على االحرتام وتقدير وقبول أفراد اجملتمع.‏<br />

ينمي القدرات الذهنية لدى املتطوع،‏ ويعمل على إرساء قاعدة متينة<br />

من السلوكات احلميدة يف اجملتمع.‏<br />

يعني على الثقة بالنفس وحتمل املسؤوليات االجتماعية ومواجهة<br />

املشكالت بشكل مباشر.‏<br />

ثانيا : يف احلياة اجملتمع:‏<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

يدعم العمل احلكومي ويرفع مستوى اخلدمة االجتماعية.‏<br />

يعد ظاهرة اجتماعية محيدة للداللة على حيوية اجملتمع<br />

يعد مؤشرا جيدا للحكم على مدى تقدم الشعوب ورقيتها.‏<br />

يشجع على االستفادة من قدرات املتطوعني.‏<br />

يسهم يف تقليل حجم املشكالت االجتماعية،‏ من خالل دعوة أفراد<br />

اجملتمع للمشاركة يف تأدية اخلدمات بأنفسهم لصاحل جمتمعهم<br />

ومنه فالتطوع ركيزة من ركائز الرعاية االجتماعية،‏ تنهض عليه<br />

اجلمعيات اخلريية اليت تتيح الفرصة ملن أراد التقرب اىل اهلل سبحانه<br />

وتعاىل،‏ بوقف قدر من ماله النقدي أو العيين على غرض من األغراض<br />

اخلريية،‏ كما أنه ليس عمال يسد ثغرة يف نشاط الدولة واهليئات<br />

االجتماعية فقط،‏ بل أنه يعمل على تنمية اإلحساس لدى املتطوع،‏ ومن<br />

تقدم إليه اخلدمة باالنتماء واإلرتباط والوالء للمجتمع،‏ فهولون من ألوان<br />

املشاركة االجيابية،ليس فقط يف تقديم اخلدمة،‏ بل يف توجيه ورسم<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 292<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

السياسة اليت تقوم عليها مؤسساته،‏ ومتابعة تنفيذ برناجمها وتقوميها مبا<br />

يعود على اجملتمع بالنفع والفائدة.‏<br />

وألن العمل التطوعي ممارسة إنسانية،‏ ارتبطت باألعمال النفعية املتعدية<br />

لآلخرين،‏ وأحد الركائز األساسية لبناء أي جمتمع ورمزا لتكافل<br />

وتضامن أفراده،،‏ فان اإلحصائيات تقدر أن نسبة مساهمة اجملتمع<br />

األمريكي يف التربعات اخلارجية الدولية تقدر ب<br />

‏)عبد القادر عزوز،‏ 2228<br />

ويف دراسة<br />

7<br />

)21:<br />

(<br />

جوردن مانزر<br />

الواليات املتحدة االمريكية يف الفرتة<br />

(Gordon Manser<br />

)1891 -1818(<br />

مليار دوالر سنويا<br />

عن املتطوعني يف<br />

ظهر أن عدد<br />

املتطوعني يف تزايد مستمر،‏ فقد ذكر مكتب العمل األمريكي أن عدد<br />

املتطوعني يف عام<br />

1818 كان 22<br />

مكتب التعداد أن عدد املتطوعني اصبح<br />

منظمة جالوب عام<br />

متطوع بزيادة قدرها<br />

مليون متطوع ويف عام<br />

1871<br />

27<br />

1891<br />

أظهر<br />

مليون متطوع ويف تقرير<br />

ذكر أن عدد املتطوعني وصل إىل<br />

91<br />

% 127<br />

املنظمة أن عدد املتطوعني يقدر ب<br />

ويف عام<br />

1891<br />

82<br />

مليون<br />

أظهرت دراسة لنفس<br />

مليون متطوع،‏ هذا ومت تقويم<br />

الوقت التطوعي يف عام 1891 مبا قيمته 1101 بليون دوالر.‏<br />

وتشري دراسة معهد جالوب نفسها إىل أن<br />

% 12<br />

من املتطوعني كرسوا<br />

أنفسهم لألنشطة الدينية،‏ وهذا يظهر لنا أهمية جمال التطوع يف<br />

املؤسسات الدينية يف الواليات املتحدة األمريكية.‏ ويعكس لنا أهمية<br />

املتطوعني يف العمل الدعوي،‏ ويف املنظمات اإلسالمية بصفة عامة،‏ واليت<br />

هي حباجة ماسة إىل جهود الكثري من املتطوعني على اختالف<br />

ختصصاتهم وقدراتهم ‏)حممد سيد فهمي،‏ 2221<br />

.)272<br />

-271 :<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

ويدعم هذا ما جاء يف مداخلة لألستاذ علي بوناب حول تأصيل العمل<br />

اخلريي،‏ ضمن امللتقى الوطين الثاني حول ترقية العمل اخلريي من تنظيم<br />

مجعية صناع احلياة جبامعة البليدة يومي<br />

عدد املنظمات يف الو.م.أ<br />

و‎22‎ أفريل 21<br />

2212. حيث<br />

101<br />

و‎19‎ %<br />

منها بنيت على أساس ديين.‏<br />

ويف بريطانيا عدد املتطوعني يفوق<br />

أن<br />

مليون منظمة،‏ ثلثها ذات طابع خريي<br />

82<br />

مليون متطوع مبعدل<br />

ساعات 1<br />

أسبوعيا حيث مت جعل العمل التطوعي كمحور مهم يف الربامج الرتبوية<br />

مبعدل أسبوعني يف السنة.‏ أما يف الكيان الصهيوني فيعد 12 ألف منظمة<br />

غري رحبية،‏ ميثل الدعم احلكومي هلا %. 11<br />

أما يف العامل العربي فإن العمل التطوعي الزال ضعيفا عفويا،‏ حمدودا<br />

وفرديا يف أغلبه،ومن مؤشرات ذلك،‏ ما أظهرته دراسة ميدانية عن التطوع<br />

يف العامل العربي،‏ قامت بها الشبكة العربية للمنظمات األهلية كون أن<br />

الشباب من سن<br />

22 -11<br />

سنة هم أقل فئة مهتمة بالتطوع برغم<br />

إمكانيات وقدرات الشباب يف هذا السن للقيام بأعمال ختدم اجملتمع<br />

بصورة فائقة.‏<br />

وكذا مشكل التمويل الذي تعانيه املنظمات اخلريية اإلسالمية عامة،‏<br />

فال خالف على أن املال مقوم رئيس من مقومات احلياة الدنيا،‏ فقد<br />

ذكره القرآن الكريم يف مواضع كثرية بأنه زينة احلياة الدنيا،يقول<br />

تعاىل"املال والبنون زينة احلياة الدنيا والباقيات الصاحلات خري عند ربك<br />

ثوابا وخري أمال"‏ الكهف،‏ اآلية‎11‎‏.‏<br />

وألهمية املال فقد نظم اإلسالم طرق احلصول عليه،‏ واإلنفاق منه<br />

واحلقوق اليت فيه هلل ولعبادة بشكل بشكل دقيق وحمكم،‏ وبني فضل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

اإلنفاق يف سبيل اهلل،‏ ويقول تعاىل<br />

"<br />

مثل الذين ينفقون يف سبيل اهلل<br />

كمثل حبة انبتت سبغ سنابل يف كل سنبلة مائة حبة واهلل يضاعف ملن<br />

يشاء واهلل واسع عليم"‏<br />

البقرة،االية 211.<br />

:<br />

العمل اخلريي املؤسسي:‏<br />

إن الفكرة التطوعية تكون أكثر فاعلية عندما تتبلور يف شكل<br />

مؤسسة ذات قدرة على البقاء والتجرد واالبتكار على حنو ميكنها من<br />

تلبية االحتياجات االجتماعية املتجددة واملتغرية من فرتة إىل أخرى،‏ فقد<br />

ظلت جهود الرب واإلحسان تأخذ الطابع الفردي،‏ واستمرت على ذلك<br />

بالرغم من مشاركة املؤسسات واهليئات الدينية للمجتمع،‏ واستمر احلال<br />

على ذلك،حتى اتسعت رقعة اجملتمعات البشرية وتعرض اإلنسانية هلزات<br />

اجتماعية واقتصادية قوية.فقد أدت هذه اهلزات والتغريات إىل ضرورة<br />

تدخل اجملتمع احمللي والدولة ملساعدة وتوحيد اجلهود األهلية وجتميعها<br />

وتنظيمها لتتضافر وحتقق تأثريا أكرب ومردودا أفضل،‏ فربزت فكرة<br />

إنشاء مجعيات خريية للرب واإلحسان،‏ وكان ذلك يف القرن ال‎18‎ حيث<br />

حدثت تطورات مهمة يف ميدان اخلدمة االجتماعية التطوعية،‏ وبعد ذلك<br />

انتشرت اجلمعيات اخلريية يف خمتلف أحناء العامل كحركة أهلية تطوعية<br />

القت تأييد الشعوب واحلكومات على حد سواء،‏ ومع أن غالبية هذه اجلمعيات<br />

احنصر نشاطها يف بادئ األمر على تقديم املساعدة واخلدمات إال أن خدماتها<br />

سرعان ما تطورت،‏ فتعددت جماالت املساعدة واخلدمات وأصبحت تشمل<br />

‏)حفصة بنت حممد بن عبد اهلل املنيف،‏ 2221<br />

) 12:<br />

-<br />

ومجاعاته.‏<br />

خدمة اجملتمع وتقديم أوجه الرعاية االجتماعية ألفراده<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

القيام بدور ريادي على صعيد التنمية احمللية.‏<br />

تقديم املساعدات والدعم املالي والعيين لألسر الفقرية.‏<br />

مساعدة املعاقني حركيا وعقليا وكبار السن.‏<br />

االهتمام بالطفولة ورعايتها عن طريق إنشاء دور للحضانة وريا<br />

ض لألطفال ومراكز األلعاب.‏<br />

اجلغرافية.‏<br />

-<br />

-<br />

اإلسهام يف رفع ومشول مستوى اخلدمات الصحية لكل املناطق<br />

النهوض باملرأة وتطويرها من الناحية االجتماعية والثقافية.‏<br />

االهتمام بتطوير القدرات الفنية والعلمية لألعضاء وغريهم.‏<br />

إن حتول العمل اخلريي من جهد فردي عشوائي إىل جهد مجاعي<br />

منظم،يطبق األسس العلمية يف اإلحصاء وطرق التوزيع والبحث،‏ يتطلب<br />

توفري اإلمكانات املالية والكوادر املتخصصة املدربة يف مجيع اجملاالت،‏<br />

السيما مع تطور وازدياد احلاجات وتشعب املطالب احلياتية وتعددها،‏<br />

فتمويل املنظمات االجتماعية على سبيل املثال مل يعد عمال فرديا،بل<br />

أصبح علما له خرباؤه ونظرياته وأساليبه واليت استطاعت القفز بالرصيد<br />

املالي للمؤسسات التنصريية والذي جاء ذكره سابقا.‏<br />

وألن العمل اخلريي التطوعي فيه خري الدنيا واآلخرة،‏ وهدف نبيل<br />

لألتقياء الذين يسعون لرضا اهلل وثوابه،‏ ورمزا للتكافل االجتماعي،‏ فإن<br />

اجملتمع اجلزائري قد مارس العمل التطوعي قبل ظهور اجلمعيات<br />

اخلريية،‏ من خالل اجلهود الفردية أو العائلية أو جمتمع القرية،أومن<br />

خالل صناديق الرب،‏ فقد كان القائمون على هذه الصناديق جيمعون<br />

األموال والصدقات من املوسرين يف مواسم معينة إلعطائها للمحتاجني يف<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 291<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

املناسبات الدينية واألعياد،والزال هذا التقليد مستمرا إىل يومنا هذا رغم<br />

تضاؤله.‏<br />

ومع التغريات اليت عرفها اجملتمع،‏ واليت أثرت على مفهوم القيم<br />

والعالقات االجتماعية بني األفراد،أصبح اجملتمع حباجة إىل تقديم<br />

خدمات كثرية تعجز عنها األسرة أو جمتمع القرية،لذلك قامت الدولة<br />

بإنشاء وزارة للشؤون االجتماعية باختالف تسمياتها كما قامت بتشجيع<br />

املشاركة األهلية من قبل املواطنني يف خمتلف برامج التنمية االجتماعية<br />

مما أدى إىل قيام العديد من اجلمعيات اخلريية اليت أسهمت يف تقديم<br />

العديد من اخلدمات االجتماعية يف البيئة اليت وجدت فيها،‏ حيث أن أهم<br />

تطور عرفته اجلمعيات اخلريية كان بعد إقرار دستور‎1898‎‏،‏ فلقد بقيت<br />

احلركة اجلمعوية تنشط على أساس القانون الفرنسي الذي حيدد<br />

كيفية إنشاء وتسري وحل اجلمعيات،‏ ذلك ألن اجلزائر كانت يف ذلك<br />

الوقت تعترب جزءا من فرنسا،‏ حتى 1872، حيث مت إصدار أول تشريع<br />

جزائري يف هذا املوضوع،ممثال يف أمرية حتدد اإلجراءات العامة فيما<br />

خيص إنشاء وتنظيم احلركة اجلمعوية عموما،وجتدر اإلشارة إىل أن<br />

تأثري هذه األمرية كان جد حمدودا نتيجة البطء يف إصدار النصوص<br />

التطبيقية،باإلضافة إىل ذلك فان انسحاب اجملتمع املدني من التدخل يف<br />

الشؤون االقتصادية والسياسية للبالد ساهم هو اآلخر يف عدم انتعاش<br />

حركة املنظمات واجلمعيات يف اجلزائر خالل تلك الفرتة.‏<br />

إن أول خطوة يف طريق فتح اجملال لتأسيس اجلمعيات بنوع من<br />

احلرية جتسد يف ظهور قانون‎1897‎‏،‏ ولقد أدى هذا القانون<br />

إىل:''االعرتاف مببدأ الوجود القانوني ألي منظمة إال أن هذا الوجود<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 297<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

مشروط بإجراءات االعتماد من طرف السلطات العمومية،‏ حيث تتمتع<br />

هذه األخرية بصالحيات ختوهلا رفض اعتماد اجلمعيات اليت قد ال ترغب<br />

يف ظهورها على الساحة،‏ لكن رغم النقائص اليت ميكن مالحظتها<br />

حول هذا القانون،فانه أدى فعال إىل خلق ديناميكية جديدة يف العمل<br />

اجلمعوي،حيث تأسست عدة مجعيات ومنظمات.‏<br />

ومع تدهور الوضع السياسي واالقتصادي واالجتماعي للبالد<br />

وانفجار‎21‎أكتوبر‎1899‎‏،‏ جعل اجلمهورية تعيد النظر يف منوذج تسري<br />

اجملتمع،خاصة وأن أهم تطلعات اجملتمع املدني كانت باألساس ختص<br />

العمل اجلمعوي احلر،فقامت بسن قانون 1882، الذي مسح بديناميكية<br />

أكثر للجمعيات.)حممود بوسنة،‏‎2222‎<br />

) 121:<br />

إن حتول العمل التطوعي من جهد فردي إىل جهد مؤسساتي،يعد<br />

ضرورة ملحة يف وقتنا احلاضر ألنه األكثر تنظيما وتأثريا يف اجملتمع،‏<br />

ويعد مؤشرا من مؤشرات التنمية،من خالل الربامج واخلدمات اليت<br />

ميكن أن يقدمها،‏ واليت ميكن إجيازها يف برامج رعاية الطفولة،‏ برامج<br />

التعليم والتدريب،برامج الثقافة العامة،‏ برامج رعاية املعاقني والعجزة<br />

وكبار السن،‏ اخلدمات الصحية،املساعدات واإلعانات،برامج رعاية<br />

املرافق العامة.‏<br />

وألن اإلسالم يقرر حق الفرد احملتاج على اجملتمع اإلسالمي،‏ فقد<br />

حث كل قادر على العطاء من أجل إخوانه احملتاجني،‏ وشرع الزكاة<br />

ركنا رئيسيا من أركان اإلسالم،‏ فنظام الزكاة يعد من التشريعات<br />

اإلسالمية األساسية،‏ اليت حددت مصادر رعاية احملتاجني،والفئات اليت<br />

تغطيها هذه الرعاية يف اجملتمع،‏ حيث حتولت الزكاة يف وقتنا احلالي إىل<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 298<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

مؤسسة اجتماعية خريية من خالل صناديق الزكاة،فالزكاة مصدر<br />

متويلي كبري،‏ إذا أحسن الدعوة إليها وتوعية املسلمني بقيمتها،‏ وهي<br />

فريضة ربانية،للدولة مسؤولية يف مجعها وتوزيعها وممن أبرزوا ذلك<br />

العالمة أبو احلسن الندوي،''‏ فطبيعة الزكاة ووضعها الشرعي األصيل<br />

يتطلب أن تكون بنظام،وأن تدفع إىل بيت مال املسلمني،‏ واىل من يلي<br />

أمرهم من اخللفاء واألمراء'')فؤاد عبد اهلل العمر،‏‎1891‎‏،ص‎18‎<br />

فهي )<br />

ليست إحسانا فرديا،وإمنا هي تنظيم اجتماعي،‏ تشرف عليه الدولة.‏<br />

فللزكاة أثار اجتماعية أهمها حتقيق التكافل<br />

االجتماعي،وحماربة الفقر والتسول،‏ وتفادي الديون)سهم الغارمني(‏<br />

واحملافظة على األمن العام للدولة،وبالتالي فهي حتمية اقتصادية ألن أول<br />

مصارفها هم الفقراء واملساكني،‏ ومنذ أحداث العنف اليت عرفتها بعض<br />

البلدان اإلسالمية ومن بينها اجلزائر وهجمات ‎11‎سبتمرب‎2221‎ اليت<br />

استهدفت الو.م.أ،أصبحت إقامة مؤسسات الزكاة ضرورة سياسية،فقد<br />

تزايد اهتمام الرأي العام واحلكومات باألنظمة غري الرمسية لتحويل<br />

األموال يف كل أحناء العامل،وباألخص املتأتية من مجع الزكاة ويرجع<br />

ذلك للدور املزعوم لنظام الزكاة يف متويل األنشطة غري<br />

القانونية)اإلرهابية(.‏<br />

انطالقا من الدواعي اليت مت ذكرها،قامت الدولة اجلزائرية،مبحاولة<br />

تنظيم مجع الزكاة،وتوزيعها من خالل صندوق الزكاة،والذي هو<br />

مؤسسة دينية اجتماعية،تقوم على ترشيد أداء الزكاة،مجعا وصرفا يف<br />

إطار أحكام الشريعة اإلسالمية،والقوانني الساري العمل بها يف جمال<br />

الشعائر اإلسالمية،يعمل حتت إشراف وزارة الشؤون الدينية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 299<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

واألوقاف،واليت تضمن له التغطية القانونية بناءا على القانون املنظم<br />

ملؤسسة املسجد حيث يعمل الصندوق على<br />

متويل مشاريع دعم وتشغيل الشباب.‏<br />

متويل املشاريع املصغرة ‏)القرض احلسن(.‏<br />

متويل مشاريع الصندوق الوطين للتأمني على البطالة.‏<br />

دعم املشاريع املضمونة لدى صندوق ضمان القروض.‏<br />

مساعدة املؤسسات الغارمة القادرة على االنتعاش.‏<br />

إنشاء شركات بني صندوق استثمار أموال الزكاة وبنك الربكة<br />

اجلزائري.‏<br />

ويف دراسة مقدمة لنيل شهادة املاجستري يف علم االجتماع الديين بعنوان<br />

دور الزكاة يف معاجلة الفقر وحتقيق التكافل االجتماعي للطالب بن<br />

مقلة رضا،جامعة اجلزائر للسنة اجلامعية<br />

2227 -2221<br />

توصل إىل أن<br />

تعامل اجلزائريني مع الصندوق كان متفاوتا ففئة رحبت بالفكرة لكنها<br />

فضلت التصرف يف زكاتها بنفسها،وفئة ساهمت يف الصندوق جبزء من<br />

زكاتها،وفئة منحت زكاتها كلها للصندوق.‏<br />

حيث أثر ذلك على حصيلة الصندوق،وبالتالي على جنا عته،فحصيلة<br />

زكاة املال تضاعفت خالل الفرتة‎2222‎‏-‏<br />

2221<br />

حيث ارتفعت من<br />

12<br />

مليون دينار إىل ‎122‎مليون دينار،إال أن الرقم بعيد عن األرقام احلقيقية<br />

اليت ستصل إليها إن دفع كل اجلزائريني أمواهلم ونفس الشيء بالنسبة<br />

لزكاة الفطر،‏ والذي انعكس على نصيب كل مستفيد منها،حيث أن<br />

قيمة املساعدات املمنوحة بسيطة مقارنة باملستوى املعيشي،واليت قدرت<br />

ب:‏‎1222‎دج.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

ويف إطار القرض احلسن الذي هو آلية من آليات صندوق الزكاة،‏ والذي<br />

هو عبارة عن حتويل جزء من األموال املودعة يف الصندوق إىل مشاريع<br />

استثمارية،‏ وهذا بتقديم قروض إلنشاء مؤسسات صغرية ومتوسطة،‏<br />

لكل شخص قادر على العمل،‏ ومل جيد التمويل الالزم إلقامة مشروعه،‏<br />

فان عدد القروض احلسنةبلغ‎221‎ قرضا حسنا سنة‎2222‎ ليبلغ‎1222‎<br />

قرضا حسنا سنة‎2221‎‏،‏ ونظرا للحصيلة الضعيفة للزكاة،‏ فان قيمة<br />

القرض املقدم لالستثمار قليل ال يفي بتكلفة املشاريع،‏ وهذا ما عرب<br />

عنه،أغلب املستفيدين من هذا القرض،‏ الذين يرون ضرورة متاشي قيمة<br />

القرض مع قيمة املشروع،‏ كما أثر على اهلدف من هذه القروض وهو أن<br />

يصبح املستفيد مزكيا مستقبال.‏<br />

دور اخلطاب الديين يف تفعيل العمل اخلريي<br />

:<br />

يعتمد العمل اخلريي يف مفاهيمه وأبعاده على استثارة األفراد وحماولة<br />

تكوين رأي مجاهريي مستنري،‏ لتعبئة اجلهود واملوارد واستثمار الطاقات<br />

البشرية إلشباع احلاجات وتقليص املشكالت،وهو يف هدا يعتمد على<br />

عدد من العمليات من بينها االتصال الذي من أدواته اخلطاب،حيث أن<br />

اخلطاب الديين هو أحد أشكاله.فاخلطاب يعترب وسيلة اتصال تهدف إىل<br />

التأثري واإلثارة واإلقناع،كما يعد مضمونه واجهة لوضع اجتماعي قائم أو<br />

يراد له أن يقوم،‏ حيث يؤدي وظيفته االجتماعية كوسيلة من وسائل<br />

الضبط،‏ تغرس ما هو مرغوب فيه وتعمل على إبعاد اجلماهري عن املرغوب<br />

عنه،‏ وبذلك ميكن توجيه الفاعلني االجتماعيني يف اطار إصالح<br />

اجتماعي.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 110<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

ونظرا ألهمية ودور اخلطاب يف تكوين شخصية الفرد وتنمية<br />

اجملتمع سعى االسالم إىل حتقيق ذلك من خالل عدة جماالت من بينها<br />

املساجد وطريقته يف ذلك اخلطاب املسجدي والذي يفعله اخلطيب،‏ وال<br />

عجب يف ذلك اذا عرفنا تعجل رسول اهلل ‏)ص ‏(يف بناء مسجد قباء كأول<br />

مسجد يف االسالم حال قدومه مهاجرا ‏)ص(‏ من مكة إىل املدينة ثم<br />

حث املسلمني على بناء املساجد واكثارها،‏ لتحقيق املهمة املتوخاة<br />

منها.قال)‏ ص(‏ : ‏)من بنى مسجدا يبتغي به وجه اهلل بنى اهلل له مثله يف<br />

رواه البخاري ) اجلنة.‏<br />

ولقد أناط االسالم باخلطابة دورا أكرب مما ألفه الناس يف<br />

عصورهم املتأخرة،‏ ومن ذلك تعضيد الروابط االجتماعية وااللتزام بالقيم<br />

الفاضلة.ولكي يكون اخلطاب فعال اوحتى يؤدي وظيفته البد من<br />

تسلسل وترابط افكاره ووصوحها،حيث يبدأ اخلطيب من الفكرة<br />

البسيطة ثم يتدرج إىل الفكرة اليت يود ايصاهلا وعدم التكلف أو التصنع<br />

يف اخلطاب،‏ وألن أسلوب اخلطاب هو وسيلة لنقل املعاني واالفكار وعن<br />

طريقه يستطيع اخلطيب التأثري يف غريه جيب أن يوظف األساليب البالغية<br />

وينوع فيها كما أن اخلطاب الناجح هو الذي يستند إىل استدالالت دينية<br />

علمية واقعية تارحيية أدبية.فاخلطاب القرآني قد تفوق يف توظيف<br />

األساليب البالغية ‏)بشهادة املسلمني وغري املسلمني ‏(واليت تسعى يف<br />

مغزاها إىل حتقيق هدف أبعد من جمرد التأثري البالغي لتهدف إىل التبيني<br />

وتقديم عرض حمسوس لكل عناصر املشهد املوصوف،‏ وتبيان مقاصد<br />

األحكام وإظهار حدود اإلمكانات،‏<br />

(<br />

وهامش التعامل<br />

لإلنسان،‏ ومرافقته نفسيا أثناء الصعوبات عند اجناز املشروع.‏<br />

املتاحة )<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 112<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

وحيث أن تفاعل الفرد مع قضايا جمتمعه يكون بناءا على<br />

جمموعة من الدوافع واحلاجات،وحمافظة على التوازن النفسي<br />

واالجتماعي للفرد واجلماعة حركت الشريعة االسالمية مجلة منها<br />

حتفيزا للفرد على ضرورة التفاعل مع قضايا اجملتمع واملشاركة يف بناء<br />

مستقبله.ومن أدوات حتقيق ذلك اخلطاب الذي يسمح بالتأثري يف حياة<br />

الفرد النفسية واإلجتماعية،‏ يف أفكاره واجتاهاته لتحسني وتوجيه<br />

وتدعيم وظيفته االجتماعية وبالتالي صياغة الفرد املسلم املتكامل يف<br />

شخصيته املادية واملعنوية.‏ وهذا يشري إىل أن هذا التأثري ميتد إىل بيئة<br />

الفرد،‏ وعلى عاتق القائمني واخلطباء تقع مسؤولية ترشيد وتفعيل دور<br />

اخلطاب الديين،‏ وربطه بقضايا اجملتمع،‏ فالدين فاعل ميكن استثمار<br />

قيمه وثوابته يف تغيري البنى االجتماعية.‏<br />

يقول االستاذ رشيد ميموني انه من خالل استشعار ه بواجباته املختلفة<br />

ينتقل اإلنسان من حتمل املسؤولية الفردية إىل املسؤولية اجلماعية،‏ من<br />

خالل الشعور بالرابطة االجتماعية،‏ وينموفيه احلس املدني،‏ الذي حيول<br />

الفرد املعزول األناني إىل مواطن واع وميتد تدرجييا األثر اإلجيابي<br />

لسلوكه املسؤول إىل كل مؤسسات اجملتمع إذ يتصاعف أداؤها وتقل<br />

اختالالتها الداخلية ويتحقق التناغم بينها ويتدعم متاسك النظام<br />

اجلتماعي.‏<br />

وإذا مراجعنا إىل مفهوم املؤسسة،‏ جند أنها ال تأتي مكتملة،‏ إمنا تعرف<br />

صريورة تبدأ من سلوكات أو ممارسات متكررة متعارف عليها<br />

اجتماعيا،‏ ثم تكتسي تدرجييا عرب الزمن تقاليد وهيكلة،‏ وهكذا<br />

برزت املؤسسات العلمية مثال حتى ارتقت إىل مستوى اجلامعة أو<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

املؤسسات السياسية او القانونية او غريها من املؤسسات.‏ جند أن<br />

االسالم قصد جتسيد النموذج ومواكبة تطورات الزمن يركز على هذا<br />

النوع من املؤسسات،‏ فأحدث نظام الزكاة وبني ابوابها ومل حينطها يف<br />

هيكل جامد.فاملؤسات ختضع ملسار تكويين عرب التاريخ يبدأ من وضع<br />

قيم تأسيسية قصد تلبية االحتياجات األساسية لإلنسان،وينتهي<br />

باالستجابة للمتطلبات املتزايدة للنظام االجتماعي قصد ضبط العالقات<br />

االجتماعية يف اجملتع.‏ ‏)رشيد ميموني،‏<br />

.)117 : 2228<br />

يف إطار هذه<br />

العالقة ميارس اخلطاب الديين دوره،‏ حيث يشتمل على جوانب معرفية<br />

انفعالية واجتماعية تتجلى يف نصوصه من خالهلا يتم بناء املفاهيم<br />

والتصورات حول أهمية العمل اخلريي،‏ خاصة املؤسسي منه ودوره يف<br />

خدمة اجملتمع اإلسالمي،‏ وحتقيق التكافل بني أفراده.حيث أن جناح<br />

اخلطاب الديين ينطلق من إدراك اخلطيب ألهمية وضرورة فهم جملتمع<br />

املستقبل لرسالته،وتزود ه باملعارف اليت متكنه من فهم اجملتمع من حيث<br />

طبيعة العالقات االجتماعية القائمة،‏ والقوى االجتماعية املسيطرة وغري<br />

املسيطرة،وعادات اجملتمع وتقاليده،‏ واجتاهاته السياسة،‏ والنظم<br />

االجتماعية السائدة فيه،‏ واملنظمات االجتماعية الرمسية وغري الرمسية<br />

املتواجدة فيه،‏ واخلدمات القائمة وطبيعتها،‏ واحتياجاته ومشكالته،‏<br />

ودرجة تدينه......ومعرفة األساليب اليت ميكن أن يستخدمها يف دراسة<br />

اجملتمع وفهمه كمنطلق لتحديد طبيعة اخلطاب املناسب،‏ فاخلطاب<br />

كما يقول حممد عابد اجلابري،‏ جيب رفعه إىل املستوى العقالني،‏ الذي<br />

ميكنه من التفكري يف مشروعه املستقبلي انطالقا من التحليل الواقعي<br />

امللموس،‏ بدال من التفكري فيه انطالقا من سراب احللم وهواجسه.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

وحيث ال يتوقع أن تتم املشاركة يف العمل اخلريي ورفعه من املستوى<br />

الفردي إىل املستوى املؤسسي،بصورة عفوية وتلقائية،‏ ما مل تستثرها<br />

وتدفعها عوامل وحمددات داخلية وحوافز خارجية،‏ فإن الشريعة اإلسالمية<br />

قد حركت مجلة منها يرتكز عليها العمل اخلريي،‏ واليت جاءت يف<br />

النصوص القرآنية أوالسنة النبوية،‏ واليت ميكن استثمارها يف اخلطاب<br />

الديين من أجل تفعيلها يف نفوس األفراد وواقع املنظمات،‏ ومن أهم<br />

الدوافع:‏<br />

الدافع إىل التدين:‏<br />

وهو من أهم الوسائل املساعدة يف عملية دعوة الناس إىل املساهمة يف<br />

العمل اخلريي،‏ فمن خصائص ثقافة العمل التطوعي اخلريي،‏ أن تنطلق<br />

من املصادر الدينية،‏ من خالل العمل بالقاعدة العقائدية الداعية إىل<br />

التنافس لتحقيق الضروريات والكماليات قال تعاىل<br />

" :<br />

وقل اعملوا<br />

فسريى اهلل عملكم ورسوله واملؤمنون"‏ التوبة،‏‎121‎‏.‏ وكذلك يقول<br />

لن "<br />

تنالوا الرب حتى تنفقوا مما حتبون"‏ آل عمران،‏‎82‎‏.‏<br />

دافع حتقيق الذات:‏<br />

وهو االستثمار األمثل لطاقات وامكانيات الفرد،‏ وهذا ما يبينه<br />

ماجاء عن أبي موسى األشعري<br />

(<br />

رضي اهلل عنه<br />

كل مسلم صدقه قيل أرأيت إن مل جيد ؟ قال<br />

ويتصدق قال<br />

قال<br />

)<br />

أن النيب ‏)ص(‏ قال<br />

" على<br />

:<br />

:<br />

:<br />

أرأيت ان مل يستطع ؟ قال<br />

:<br />

قيل له !<br />

أرأيت إن مل يستطع قال<br />

أرأيت ان مل يفعل ؟ قال<br />

:<br />

:<br />

يعتمل بيديه،‏ فينفع نفسه<br />

يعني ذا احلاجة امللهوف،‏<br />

يأمر باملعروف أواخلري ‏.قال<br />

ميسك عن الشر فإنها صدقة ‏"رواه<br />

مسلم.‏ فاحلديث يبني أن مساهمة الفرد يف قضايا جمتمعه أمر مهم،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

فقوله ‏)ص(‏ يعني ذا احلاجة امللهوف<br />

"<br />

فيه داللة على مكانة التطوع وفعل<br />

اخلريي يف جلب املصاحل للناس،كما فيه داللة على حاجة الفرد اىل<br />

حتقيق ذاته من خالل العمل الذي يقوم به.‏<br />

دافع حتقيق التقدير االجتماعي<br />

:<br />

فلقد أمرت السنة الشريفة بتنمية هذا الشعور،‏ ودعت اجملتمع اىل تفعيله<br />

فقد جاء عن أبي موسى االشعري قال<br />

قال النيب :<br />

( ص(‏<br />

ان االشعرين اذا<br />

ارملوا يف الغزو او قل طعام عياهلم باملدينة،‏ مجعوا ما كان عندهم يف<br />

ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم يف إناء واحد بالسوية،‏ فهم مين وأنا<br />

منهم"‏ رواه مسلم فقوله<br />

‏)ص(‏ :<br />

فهم مين وأنا منهم<br />

"<br />

"<br />

دعوة منه ‏)ص(‏ إىل<br />

تقدير اجلهود اخلريية،‏ وتعزيزا النتمائم وترغيبا هلم يف املزيد منه،‏ ودافعا<br />

لغريهم يف االتيان مبا ينافسه،‏ وخيدم اجملتمع.‏<br />

كما دعت الشريعة االسالمية اىل حتمل املسؤولية الفردية منها واجلماعية<br />

فمن األفراد من يقدم على األمر دون تدبر للنتائج واملسؤولية املدنية املرتتبة<br />

عن ذلك،‏ ومنهم من يعزف عنه كلية،‏ ومنهم من جيتهد التوسط يف<br />

األمر،‏ ولعل الكثريين يعزفون عن االخنراط يف العمل اخلريي املؤسساتي<br />

خلوفهم من حتمل املسؤولية وهذا األمر يؤثر على تطور هذا العمل<br />

وجناعته،‏ وهذا التخوف املفرط يتناقض مع قواعد املسؤولية يف املعنى<br />

الشرعي إذ جاء يف قوله ‏)ص(‏ :» كلكم راع وكلكم مسؤول عن<br />

رعيته«‏<br />

كما يؤدي اخلطاب الديين دوره يف تنمية روح التعاون بني أبناء<br />

اجملتمع الواحد وبني مؤسساته لقوله تعاىل يف اآلية الثانية من سورة املائدة<br />

وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان<br />

ونبذ الفرقة "<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

والدعوة إىل التنسيق والتكامل بني مؤسساته وإيضاح أهمية ذلك من<br />

خالل االستشهاد بأمثلة واقعية.فاملالحظ على الكثري من اجلمعيات<br />

واملنظمات االسالمية<br />

) اخلريية منها (<br />

أنه إن مل يكن فيها صراع أو<br />

خالف فإنه ليس بينها أي نوع من التنسيق او التكامل فكل يعمل<br />

بطريقته،‏ وميكن أن يعزى منو حركة العمل االجتماعي املسيحي يف<br />

مصر مثال إىل التنسيق الذي يتم بني الكنيسة املصرية واهليئات<br />

واملنظمات التنصريية العاملية.‏<br />

وألن اخلطاب املسجدي هو أحد أشكال اخلطاب الديين،‏ ففي<br />

دراسة حول دور اخلطاب املسجدي يف تعزيز األمن اإلنساني،‏ وهي عبارة<br />

عن حتليل خلطب اجلمعة،مقدمة يف إطار شهادة املاجستري ي علم<br />

االجتماع الديين بعنوان دور اخلطاب املسجدي يف تعزيز األمن اإلنساني<br />

من جامعة اجلزائر للسنة اجلامعية 2229-<br />

2228<br />

فان ما مييز اخلطاب<br />

املسجدي يف اجلزائر هو اجلمود وعدم مسايرة الواقع،‏ كما أنه غري قادر<br />

على حتريك اهلمم وحتفيز القلوب،‏ وإيقاظ الضمائر،‏ وكأنه نصوص<br />

تلقى من أسبوع آلخر،‏ حيث نتيجة غياب أنواع االستدالل وعدم القدرة<br />

على اإلقناع،‏ مل يستطع اخلطاب أن يؤثر يف شبكة العالقات<br />

االجتماعية،‏ وأن جيعل املصلني يتمثلون ما يدعون إليه يف شكل<br />

سلوكات،‏ وهذا ما أدى إىل الدعوة إىل ضرورة جتديد اخلطاب املسجدي<br />

واصالحه يف حد ذاته،‏ والقائمني عليه من خالل اجياد خنب فكرية<br />

ميكنها أن متارس ما ميكن تسميته املتابعة والرقابة العلمية على<br />

القائمني باخلطاب املسجدي.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 117<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

وقد توصلت هذه الدراسة إىل أن عناصر األمن اإلنساني واليت هلا عالقة<br />

باحلياة االجتماعية والصحية والبيئية يفتقر إليها اخلطاب املسجدي،‏<br />

وكأنه ال عالقة له باجلوانب املختلفة لالسالم،‏ يف حني أحل على هذه<br />

اجلوانب وهذه العناصر هي<br />

:<br />

األمن الوطين،‏ األمن املائي،‏ األمن الصحي،‏ األمن البيئي،‏ األمن الغذائي<br />

واقتصار اخلطاب املسجدي على أبعاد أمنية هلا وجهة دينية صرفة متثلت<br />

يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر،‏ احلض على التعاون والتكافل<br />

االجتماعي،دون ربط هذا التعاون بإطار تنظيمي يتم من خالله،‏ أو ربطه<br />

باجملاالت اليت ميكن ان يتجسد فيها ودوره يف بناء اجملتمع<br />

اخلريية مثال<br />

خامتة:‏<br />

(<br />

.)<br />

اجلمعيات<br />

رغم أن الدين فاعل ميكن استثمار قيمة وثوابته يف تغيري البنى<br />

االجتماعية إال أن املؤسسة الدينية ممثلة يف خطابها مل تستخدم هذه<br />

امليزة املشروعة،‏ ومل تستطع إحداث تعبئة مجاهريية تشكل جمموعة قيم<br />

تسهم يف تطور اجملتمع،‏ واالنتقال بالعمل اخلريي من الظرفية واملناسباتية<br />

إىل العمل الدائم القادر على االبداع واستثمار الطاقات،‏ وهو حال<br />

اجلمعيات اخلريية يف جمتمعنا مثال رغم ما تقدمه من نشاطات.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 118<br />

العدد الثاني<br />

جوان


اخلطاب الديين وتفعيل العمل اخلريي املؤسسي<br />

صغري مجيلة<br />

: املراجع<br />

-1<br />

مصطفى متولي،‏<br />

اخلرجيي.‏<br />

(<br />

-2<br />

فريد ياسني قرشي<br />

(<br />

-3<br />

1882(، مدخل اىل تاريخ الرتبية اإلسالمية،‏ الرياض دار<br />

1881(، رؤية مشولية وتكاملية لتنسيق العمل اخلريي<br />

التطوعي يف اململكة العربية السعودية،‏ مكة املكرمة،‏ جامعة ام القرى.‏<br />

خمتار ابراهيم عجوبة،‏<br />

(<br />

-4<br />

1899(، القاعدة النظرية لألنشطة التطوعية اخلريية<br />

يف اململكة العربية السعودية،‏ جملة التعاون،‏ العدد 21.<br />

عبد الرزاق خيلف،)‏<br />

2228<br />

(، ثقافة التطوع أساس العمل اخلريي،‏ مداخلة<br />

مقدمه يف إطار ملتقى وطين حول اجلمعيات اخلريية الطالبية تنظم مجعية صناع<br />

احلياة،جامعة البليدة،‏ 12<br />

11 ماي .2228<br />

-<br />

-5<br />

حممد سيد فهمي،‏<br />

2221(<br />

-6<br />

اإلسالمية،‏<br />

عبد القادر عزوز،‏<br />

اإلسكندرية،دار الوفاء لدينا الطباعة والنشر.‏<br />

2228(<br />

(، الرعاية االجتماعية<br />

‏(،وسائل تفعيل العمل اخلريي التطوعي،‏ مداخله<br />

مقدمة يف إطار ملتقي وطين حول اجلمعيات اخلريية الطالبية،تنظيم جامعة البليدة<br />

‎11‎ماي 12-<br />

.2228<br />

-7<br />

حفصة بنت حممد املنيف<br />

2221(<br />

-8<br />

-9<br />

-11<br />

-11<br />

النسائية،‏ الرياض،‏ دار امللك عبد العزيز.‏<br />

(، اجلهود الرتبوية للجمعيات اخلريية<br />

عبد اهلل فؤاد العمر،‏ ‏)‏‎1891‎‏(،حنوتطبيق معاصر لفريضة الزكاة،‏ الكويت،‏<br />

ذات السالسل للطباعة والتوزيع<br />

حممود بوسنة،)‏<br />

‎2222‎‏(،احلركة اجلمعوية<br />

اإلنسانية،‏ العدد‎17‎‏،‏ اجلزائر،دار اهلدى للطباعة والنشروالتوزيع.‏<br />

يف اجلزائر،جملة العلوم<br />

رشيد ميموني )2221(، البعد االجتماعي يف القرآن،‏ قسنطينة،‏ خمرب غلم<br />

اجتماع االتصال،‏ جامعة منتوري.‏<br />

حممد عبد الفتاح حممد )2221(، اجلمعيات األهلية النسائية وتنمية اجملتمع،‏<br />

االسكندرية،‏ املكتب اجلامعي احلديث.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 119<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />

العدد الثاني<br />

2102 جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

: مقدمة<br />

-<br />

احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

حركة جمتمع السلم منوذجا<br />

د.‏ زازوي موفق،‏<br />

جامعة تلمسان،‏<br />

نسعى يف هذه املداخلة إىل حتديد هوية حركة جمتمع<br />

السلم<br />

االفرتاضية واحلقيقية حلزب سياسي إسالمي مبنيا االختالف القائم بني<br />

اهلويتني كخطوة أوىل.ثم انين أسعى إىل<br />

االختالف عند احلركة وعليه نتساءل:‏<br />

جمتمع السلم؟<br />

-<br />

-<br />

ما املقصود باهلوية االفرتاضية<br />

وهل يوجد اختالف بني اهلويتني؟<br />

تبيان<br />

إسرتاتيجية جتاوز هذا<br />

واهلوية احلقيقية عند حركة<br />

وما هي إسرتاتيجية احلركة يف جتاوز االختالف القائم بينهما ؟<br />

إن اإلجابة عن هذه التساؤالت<br />

-1<br />

احلزب السياسي<br />

:<br />

يعرف لغة يف لسان العرب على<br />

يتطلب اإلحاطة ببعض املفاهيم.‏<br />

أنه النوبة يف ورود املاء،‏ أو الورد من<br />

القرآن الكريم وهي احلصة اليت اعتاد عليها الرجل قراءتها.‏<br />

واحلزب<br />

بالكسر يعين الطائفة والسالح واجلماعة من الناس،‏ ومجعه أحزاب وهم<br />

مجع من الناس تألبوا وتظاهروا على حرب النيب<br />

1<br />

" ص"‏ .<br />

على فاملالحظ<br />

التعريف استخدمه لبعض املصطلحات كالتجمع والتأليب والتظاهر<br />

والطائفية وكلها<br />

توحي بالتكتل واملغالبة اجتاه شخص<br />

أخرى.أما إذا رجعنا إىل مصطلح حزب بالفرنسية"‏<br />

"parti<br />

أو مجاعة<br />

فانه مشتق من<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 100<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

كلمة االجنليزية<br />

" partis "<br />

واليت ترتبط مبفهوم<br />

" part"<br />

اجلزء واجلزء يف األصل يفرتض دائما وجود الكل الذي<br />

والذي يعين<br />

حيتويه ويرتبط<br />

به،‏ ولكن بالرغم من وجود هذا اجلزء فانه ينبغي أن يسلك منهجا غري<br />

جزئي<br />

‎2‎‏،خاصة عندما يكون ممثال للكل،‏ أي عندما يقدم برناجمه<br />

كمشروع للمجتمع.‏<br />

أما اصطالحا فان مفهومه خيتلف باختالف األيديولوجيا اليت تناولت<br />

هذا املوضوع فاالجتاه السياسي الليبريالي وعلى رأسهم املفكر الفرنسي<br />

بنجامني كنوستان<br />

B.constant<br />

2<br />

أشخاص يعتنقون العقيدة السياسية نفسها .<br />

الذي عرف احلزب على أنه:‏ ‏"احتاد<br />

أما االجتاه املاركسي يرى فيه التعبري السياسي عن طبقة وبالتالي ال<br />

وجود حلزب سياسي<br />

دون أساس<br />

طبقي،‏ حيث يتم الرتكيز هنا على<br />

التكوين اإلجتماعي للحزب واإلرتباطات االقتصادية ألعضائه واملراتب<br />

1<br />

اليت حيتلونها يف السلم االجتماعي .<br />

ميكننا القول أن احلزب يف هذا املستوى يتخذ مفهومان خمتلفان األول<br />

يرتبط بالتيار الليبريالي<br />

والذي خلّف مفهوم احلزب العقيدة،‏ أما<br />

فريتبط بالتيار املاركسي الذي جاء مبفهوم احلزب الطبقة.‏<br />

-2<br />

: اهلوية<br />

يف اللغة العربية هو مصدر صناعي مركب من<br />

الثاني<br />

‏"هو"‏ ضمري الغائب وهو<br />

عبارة عن رابطة ومعناه الوجود ‏،ومسي بالرابطة ألنه يربط بني معنيني،وملا<br />

" كانت لفظة<br />

مصدرا منها.‏<br />

فقد للضرورة<br />

" هو<br />

ليست امسا وال كلمة يف اللغة العربية تعذر اجياد<br />

فكلمة هوية ليست يف األصل عربية،‏<br />

إضطر املرتمجون إىل االشتقاق هذا االسم<br />

ولكن<br />

من حرف<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 102<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

الرباط،‏ والذي وجد أساسا لريبط احملمول باملوضوع،‏ وملا وجدوا<br />

هذا<br />

احلرف يقوم بهذه الوظيفة فقد اشتقوا<br />

عليه العرب من اشتقاق اسم من اسم الن<br />

األحوال<br />

أن يكون<br />

يدل عليه الشيء‎1‎<br />

كلمة<br />

مشتقة<br />

identité<br />

منه هذا اسم<br />

احلرف ال ميكن<br />

مصدر اشتقاق وبهذا أصبح هذا االسم<br />

وإذا رجعنا إىل<br />

مشتقة من الالتينية<br />

على ما اعتاد<br />

بان حال<br />

يدل على<br />

من<br />

ما<br />

اللغة الفرنسية فان<br />

،idntitas 6 وهذه الكلمة<br />

بدورها من الكلمةidem وتعين املثل أو الشيء نفسه.‏<br />

ومن الناحية االصطالحية:‏ فإنه خيتلف بإختالف املقاربات اليت تناولته<br />

فلسفيا واجتماعيا و نفسيا وأنرتوبولوجيا وسأقف عند املقاربة الفلسفية ملا هلا<br />

من ارتباط مبوضوع املداخلة،‏ واليت حتصر يف مقوليت التغري والثبات.‏<br />

ميثل األول هريقليطس"‏ الذي قال<br />

ألن مياه جديدة جتري من حولك.‏<br />

"<br />

أنت ال تنزل يف النهر الواحد مرتني<br />

أما الصورة الثانية:‏ هي أن اضطراب النار هي أسرع حركة وأدل على التغري<br />

7<br />

" ‏.وهذا ما عرب عنه كلود ديبار<br />

claudeعندما dubar قال<br />

:<br />

"<br />

ال يوجد جوهر أبدي فالكل خاضع للتغري،‏ فهوية أي كائن أمربيقي ترتبط<br />

9<br />

بالفرتة اليت يتناول فيها ويوجه النظر اليت يتناول من خالهلا"‏<br />

أما االجتاه الثاني ميثله بارمينيدس والذي يعترب معارضا ومناقضا<br />

لألول فقد ذهب إىل أن الوجود قدميا ثابت<br />

كامل...‏<br />

فأنكر الكثرة<br />

8<br />

والتغري وإعتربهما وهما وظلما ‏.ففي حبثه عن احلقيقية يرى أن هناك<br />

الوجود والالوجود أنكر الثاني وأبقى على األول ألنه يربى<br />

اليت هي الوجود جيب أن تكون<br />

12<br />

الدوام ساكنة ال تتحرك"‏ .<br />

أن احلقيقة "<br />

متجانسة غري قابلة لالنقسام باقية على<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

على أساس هذه جلدلية جاء التعريف الفلسفي للهوية جامعا بني<br />

الثبات والتغري ، إال أن ما ينبغي اإلشارة إليه أن مفهوم اهلوية مطاطي<br />

ميكن أن يُلبس معاني كثرية<br />

كالوحدة والكثرة<br />

اهلوية االفرتاضية واهلوية احلقيقية عن حركة جمتمع السلم<br />

التعدد والتنوع...‏<br />

.<br />

يقال أن اهلوية آلية دفاعية وحصنا حيتمي به صاحبه من أي عدو<br />

هلم غري أن اآلخر<br />

التهديد اآلخر اهلوية<br />

يبعث فينا<br />

مزيدا من<br />

بإمكانها أن جند آخر<br />

يرى فيها عاقبة ينبغي إزالتها من الوجود،‏ فاخلوف من<br />

الذي<br />

يبعث فينا<br />

التماسك ذلك أن<br />

"<br />

11<br />

لتحفيز أفرادها"‏<br />

الشعور باالنتماء إىل اجلماعة مما<br />

وجود اجلماعة يكون<br />

إذا كان<br />

وواقع األحزاب السياسية يف اجلزائر ال يشد عن ذلك،‏ فانتقال<br />

النظام السياسي من األحادية إىل التعددية احلزبية فتح اجملال لتشكل<br />

خطابات سياسية متعددة حتمل يف ذاتها<br />

الصراع اختذ صورته القانونية املشروعة<br />

األرضية<br />

اليت<br />

املشرتكة<br />

تعد نقطة<br />

اليت نص عليها بيان أول نوفمرب<br />

انطالق هذه األحزاب<br />

.<br />

هويات متصارعة،‏ غري أن هذا<br />

من<br />

فإذا كان على املستوى االفرتاضي ما يعمل<br />

حتديد خالل<br />

وأكدها الدستور<br />

على جتميع هذه<br />

األحزاب حنو وهدف احد مشرتك ميكن يف العمل واالنضواء حتت غطاء<br />

اهلوية الوطنية فان األحزاب السياسية<br />

يف اجلزائر<br />

قد تعرف تنافسا<br />

وصراعا حادين ألجل إثبات هويتها ومن ترمجتها يف شكل برامج.‏<br />

هوية<br />

وتأسيس على هذا فان<br />

افرتاضية<br />

على حد التعبري كلوديبار<br />

اخلطاب السياسي احلزبي تبنى<br />

claude dubar<br />

مستمدة من<br />

املرجعية القانونية ممثلة يف ما نص عليه الدستور من مواد هذا على<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

املستوى االفرتاضي أما على املستوى احلقيقي الواقعي فان احلزب<br />

لسياسي<br />

إحدى<br />

يدعى إىل تأكيد مشروعيته من خالل<br />

مقومات<br />

اهلوية الوطنية<br />

(<br />

الدين ، اللغة والتاريخ(.‏<br />

املراهنة على<br />

والعمل على<br />

تفعليها مبا يتماشى وأيديولوجيته لتطرح يف شكل برامج وجتسيد<br />

واقعيا،‏ يف هذا اإلطار جند األحزاب السياسية عامة وحركة جمتمع<br />

السلم خاصة ذاتها حماصرة باالنتماء إىل هويتني أو مشروعني خمتلفني<br />

إحداها افرتاضي والثاني حقيقي.‏<br />

-0<br />

من<br />

يقابل<br />

اهلوية االفرتاضية:‏<br />

إن مصطلح االفرتاضي حييلنا إىل<br />

"vertualis "<br />

واملشتق بدوره من<br />

البحث يف أصل كلمة<br />

"vertus "<br />

املشتقة<br />

فاالفرتاض هو ما<br />

12<br />

الواقعي ، و منه جاء مصطلح الواقعي،‏ ففي املعنى العام،‏ هو ما<br />

يرتبط بعامل األشياء أو ما خيصها وهو ضد الوهم واخليالي،‏ انه يرتبط<br />

وجود بالوقائع كما أنه ضد كل ما هو جمرد،‏ وما هو عقلي ومن هنا<br />

جاءت مقولة<br />

Goblot<br />

سيعطي يف جتربة ما"‏<br />

12<br />

حيدد كلود ديبار<br />

مؤكدة أن<br />

‏"الواقع هو ما يعطي يف احملال أو ما<br />

claude dubar<br />

مفهومه للهوية االفرتاضية<br />

عندما يقول هي تلك اليت من املفروض أن يكون عليها الفرد وهي اهلوية<br />

لآلخر وهي اليت مينعنا إياها اآلخر،‏ أما اهلوية احلقيقية فهي اليت يكون<br />

11<br />

عليها الفرد وتعرف اهلوية للذات وهي اليت نعطيها ألنفسنا"‏<br />

فيتحول عديد من ما ينبغي أن يكون إىل ما هو كائن،‏ وبذلك تتحدد<br />

الذات املثالية من خالل ما يرغب فيه الفرد أو ما يأمل أن يكون عليه وفق<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

املوجد املرغوب فيه ومدى تناسب ذلك مع ما ميلكه من قدرات ومن<br />

11<br />

فرص حيقق من خالهلا ذاته وينجز هويته<br />

ومن هنا ميكن الوقوف على ثالثة<br />

املبدأ األول<br />

الصورة<br />

اإلجتماعية.‏<br />

املبدأ الثاني<br />

:<br />

االفرتاضية<br />

:<br />

(<br />

مبادئ يف نظرية<br />

ميثل املشروع االفرتاضي العام<br />

واليت للهوية<br />

ديبار.‏<br />

للمجتمع و هو<br />

تفرض على الفرد يف إطار التنشئة<br />

يشري إىل املشروع االفرتاضي اخلاص،‏ وهو الصورة<br />

االفرتاضية اليت يتوقعها الفرد لذاته،وهي غالبا ما تكون حصيلة<br />

التجارب اليت تعرض إليها الفرد عرب التنشئة االجتماعية املتعددة املصادر.‏<br />

أما املبدأ الثالث:‏ يعرب عن ما هو كائن بالفعل،‏ ويقصد به اهلوية اليت استطاع<br />

الفرد حتقيقيها يف الوقع وتدعى اهلوية احلقيقية،‏ يف هذا املستوى حياول الفرد<br />

اجلمع بني املشروعني السابقني<br />

العام واخلاص(‏<br />

املبدأ األول<br />

يف مشروع ثالث جيسده الواقع.‏<br />

واعتمادا على هذا فإنين أستعري هذه النظرية يف مداخليت<br />

عد حركة<br />

" محس"‏<br />

يف قيم ثورة نوفمرب ومبادئ دستور<br />

فيصبح<br />

مشروع اجملتمع اجلزائري الذي ترتسم معامله<br />

‎1898‎‏.فقيم نوفمرب تؤكد صراحة على<br />

إقامة حكومة جزائرية داخل إطار املبادئ اإلسالمية وحتقيق وحدة مشال<br />

11<br />

إفريقيا يف إطار العروبة اإلسالم<br />

ديبار<br />

اجلوهري<br />

وبالنظر إىل ما مت ذكره يف األسبق حول نظرية<br />

اليت مت التمييز فيها<br />

بالصريورة والتغيري<br />

17<br />

كلود<br />

بني منوذجني خمتلفني من اهلوية،‏ االجتاه<br />

الذي يرتكز على دميومة اهلوية واالجتاه الثاني الذي يقول<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 101<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

وبالنظر إىل خطاب اهلوية األول وهو اخلطاب اجلوهري نستطيع القول أن<br />

انتهاج التعددية احلزبية باجلزائر وليت اقرها دستور<br />

مشرتكة تعد منطلق رئيسا لنشاطاتها احلزبية.‏<br />

1898<br />

فرض أرضية<br />

فاملادة الثانية من الدستور تقر باإلسالم دين الدول أما املادة الثانية تؤكد<br />

أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية الرمسية<br />

اإلسالمي<br />

وبذلك تصبح اهلوية<br />

واللغة العربية<br />

متثل<br />

من املقومات<br />

19<br />

18<br />

الثوابت اليت ينبغي احلفاض عليها دون أدنى تغيري".‏<br />

الدميومة يف الزمن فالدين<br />

األساسية للهوية الوطنية وهي من<br />

وملا كانت تركيبية الشعب اجلزائري حصيلة تعدد عرقي ممثال<br />

يف االمازيغ والعرب فكان داخل اهلوية<br />

األم<br />

هويات اثنية،‏ فما كان هلا<br />

إال االنصهار و الذوبان فيها،‏ فإذا كانت اهلوية االثنية اقصائية ألنها<br />

مغلقة على نفسها،‏ فان اهلوية<br />

القومية الوطنية انفتاحية تستوعب اآلخر<br />

املختلف ولذلك فال وجود الختالف إال جبود تشابهات هذا<br />

إىل وجود أصل<br />

إىل<br />

ميثل<br />

ما جيعلنا منيل<br />

حد أدنى من االشرتاك أو التشابه.‏ واهلوية اليت تعد<br />

يف حد ذاتها تشابها هي حصيلة ااختالف الن االختالف يؤدي<br />

الوحدة،‏ ومن الوحدة حتدث التمايزات.‏<br />

فاهلوية الوطنية يف اجلزائر<br />

هي حصيلة مجلة من التشابهات والتشاركات يف كثري من<br />

جتمعنا<br />

فقد متكنت جبهة التحرير الوطين<br />

األطراف التعارضية يف هوية<br />

األمور ليت<br />

من توحيد وحصر كل<br />

واحدة من اجل استقالل اجلزائر وبناء هوية<br />

الدولة الوطنية فيما بعد،‏ لكن هذا ال يعين أن الوحدة ال تتضمن<br />

االختالف"‏<br />

22<br />

باستمرار"‏<br />

فاالختالفات هي أساس اهلوية<br />

كهوية متجددة ومتغرية<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 107<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

ومن األمور اليت وقع عليها اإلمجاع،‏ هوية الفرد اجلزائري الذي<br />

يشرتك يف تكزينها عنصران أساسيان الدين اإلسالمي والوطنية،‏ فعامل<br />

الدين ميثل الرابط االجتماعي بني أفراد اجملتمع،‏<br />

أما عامل الوطنية فانه<br />

حيتوي لعصر الرببري والعربي اللذان امتزجا وتوحدا يف التاريخ.‏<br />

ألن معيار<br />

والواقع انه ال ميكن التمييز بني العنصرين األمازيغي و العربي،‏<br />

اللغة غري ثابت حبكم أن هناك مناطق يؤكد التاريخ على أن<br />

سكانها بربر لكنهم فقدوا التكلم باللغة االمازيغية،‏ غري أن اغلب<br />

الدراسات تؤكد أن هذا<br />

راهن عليها<br />

منطقة<br />

التمييز من خملفات االستعمار ومن االمور اليت<br />

القبائل بغية التقسيم و التفريق.‏<br />

اإلسالم والعربية واالمازيغية من ثوابت األمة<br />

وهلذا عدّ‏ الدستورُ‏<br />

اجلزائرية لسد أية ثغرة قد<br />

تستغل يف ضرب وتقسيم اجملتمع اجلزائري.يقول أحد املهتمني باهلوية يف<br />

اجلزائر"‏<br />

متيل<br />

العربي<br />

إن حمور اهلوية<br />

الوطنية هو ااالسالم عقيدة وسطية ال<br />

كل امليل ال ذات اليمني وال ذات اليسار واللسان<br />

املبني<br />

حيتاج مهما<br />

إىل<br />

وتوأمه االمازيغي وقد انغمس كل منهما يف اآلخر فال<br />

ترمجان أو وسيط<br />

ليتصل باآلخر بصلة الرمحى<br />

والتضامن وهما قبل كل العوامل املوضوعية األخرى ركن املواطنة األول<br />

واحملرك الذي<br />

ينقل اهلوية<br />

21<br />

من حال الكمون إىل الفعل"‏<br />

ما خنلص إليه أن املبدأ األول بالنسبة حلركة جمتمع السلم هو<br />

املشروع االفرتاضي العام وهو مشروع اجملتمع الذي يرسم احلدود احلمراء<br />

للهوية اليت ال يكن<br />

بينهما.‏<br />

االنزياح عنها<br />

أو جتاوزها وهو القاسم املشرتك<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 108<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

: املبدأ الثاني<br />

لذاته وأهم ما يشكل<br />

هو الصورة االفرتاضية اخلاصة باحلزب و هي ما يتوقعه هو<br />

هذه اهلوية<br />

ما يعرف باديولوجية احلزب أو املعتقد<br />

الذي يبنى عليه احلزب فلسفته سواء كان ذا بعد اقتصادي أو ثقايف أو<br />

ديين أو اجتماعي وقد تكون كلها مجيعا.‏<br />

ويشكل املعتقد<br />

هنا مجلة التصورات واملعتقدات حول الوجود والكون واحلياة.‏ وهذا الفهم<br />

ينبع يف األصل من املرجعية اليت تعد إحدى الثوابت اليت ينهل منها احلزب<br />

أفكاره،‏ وهي مرجعية دينية تنبع من املوروث اإلسالمي األصيل.‏<br />

تتحدد مرجعية حركة<br />

بأنها ‏"محس"‏<br />

وبهذا<br />

دينية إسالمية فهي تنتمي إىل<br />

احلركات اإلسالمية اليت ترى احلل يف العودة إىل املنابع اإلسالمية األوىل<br />

وخاصة تلك الفرتة اليت عاشها الرسول<br />

أ-‏<br />

" ص"‏<br />

بني احلركات اإلسالمية اختارت خط الوسطية<br />

جعل منها حركة تتميز جبملة من اخلصائص:‏<br />

وصحابته،‏ وبدعوى التميز<br />

واالعتدال،‏ وهذا ما<br />

الواقعية:‏ متكن يف الدعوة إىل اإلسالم انطالقا من حاجات الناس<br />

وهمومهم بعيدا عن املثالية واالنعزالية والتطرف.‏<br />

ب-‏<br />

الوسطية:‏ إن وسطية حركة جمتمع السلم تكمن يف األخذ مبنهج<br />

االعتدال فكرا وممارسة<br />

"<br />

فدين اإلسالم أصوال وفروعا وأخالقا هو دين<br />

22<br />

الفطرة وهو دين االستقامة على احلق وهو دين الوسطية"‏ يقول مؤسس<br />

حركة"‏ محس"‏<br />

الشيخ حنناح:"‏<br />

وحتى<br />

طرح االعتدال الذي من مقوماته<br />

الواقعية واملرونة و التسامح والرغبة يف التعايش وحتقيق املواطنة بأمسى<br />

22<br />

معانيها"‏ .<br />

كلها مقومات تدخل يف هوية<br />

احلركة وهذا هو السبيل<br />

الوحيد للمّ‏ مشل األخوة املتصارعني يف اجلزائر وهم الوطنيون<br />

والدميقراطيون واالسالميون فهم يستشهدون<br />

دائما باآلية:"‏<br />

وكذلك<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 109<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم<br />

شهيدا"‏<br />

21<br />

وجتسيدا ملنهج االعتدال<br />

الشاغر<br />

اختارت<br />

كان علمانيا<br />

واقتناعا منها يرفض سياسة الكرسي<br />

املشاركة مع اآلخر املختلف عنها اديولوجيا حتى ولو<br />

أو شيوعا<br />

لتؤكد بذلك فكر التعايش وتقصي فكر<br />

املباعدة واملفاصلة الذي جعل منها حركة تُجمع على وحدة الوطن ترابا<br />

وشعبا وتراثا معتربة التنوع الثقايف والتعدد العرقي عنصر قوة<br />

21<br />

انصهاره عرب التاريخ<br />

ج-‏<br />

وإبداع ‏ّمت<br />

الشمولية:‏ ترى حرك محس أن اإلسالم نظام شامل متكامل ال جيوز<br />

تغليب جانب على آخر،‏ فاجلانب السياسي ميليه اجلانب االقتصادي<br />

واالجتماعي والثقايف:"‏ فمن ثابت احلركة أن يكون اإلسالم عقيدة ينبثق<br />

عنه تصور شامل لإلنسان والكون واحلياة عموما تنظم أحكامه كل<br />

21<br />

جوانب احلياة وتربط قيمه األفراد واجملتمعات<br />

د-‏<br />

و-‏<br />

العاملية:‏ تقصد بها عاملية الفكرة،‏ فهي حركة شعبية موجهة للناس<br />

كافة الن الناس تصوراتها إخوة مؤمنني باألخوة اإلنسانية أو العاملية.‏<br />

الوطنية:‏ تربز أدبيات احلركة أن الوطنية هي متهيد طريق العاملية<br />

الن احلركة تؤمن بفكرة األمة الدينية االنسانية ال بالدولة<br />

فعناية املسلم بإصالح وطنه واجب ديين إذ كلما<br />

وأصبح اقدر على إقامة األوطان اإلسالمية<br />

27<br />

األخرى"‏ .<br />

اهلوية 2-<br />

: احلقيقية<br />

تقدم هذا الوطن<br />

القطرية<br />

إال<br />

إن القصد من اهلوية احلقيقية عند حركة جمتمع السلم،‏ جتسيد<br />

ما مت افرتاضه من مبادئ واهداف وحماولة تقريبها إىل ارض الواقع.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

واهلوية احلقيقية عند"محس"‏<br />

أ-‏<br />

تربز يف مسار احلركة<br />

السياسية من خالل التعريف على مواقفها من السلطة واملعارضة.‏<br />

ويف ممارستها<br />

فحيازة احلزب أو احلركة مصداقية مجهوره ومناضليه واملتعاطفني معه<br />

والرأي العام ميكن يف وفاء احلركة هلويتها االفرتاضية ‏.لقد نادى الشيخ<br />

حنناح بتطبيق إسرتاتيجية إصالحية تأخذ بالتدرج يف حتويل<br />

واجملتمع والسلوك الفردي إىل منط يتماشى والتعاليم اإلسالمية<br />

.<br />

الدولة<br />

فقد كان ‏"شعار التغيري اهلادئ"‏ الذي رفعته حركة ‏"محس"‏ نتيجة منطقية<br />

لتجربة اإلنقاذيني،‏ فأيقنت أن املعارضة ال تعين املواجهة واملغالبة لذلك<br />

اختذت احلركة بناء العالقة سلمية مع السلطة أحسن من مواجهتها<br />

ألسباب أمجلها رئيس احلركة ومؤسسها يف هذه النقاط:‏<br />

توحش النظام:‏ إن النظرة اليت كان حيملها النظام السياسي يف تلك<br />

الفرتة عن احلركة اإلسالمية واحدة نتيجة الصدام الذي وقع مع جبهة<br />

اإلنقاذ وحتى ال يضع التيار اإلسالمي<br />

خطر االنسياب يف تيار الفيس<br />

fis<br />

بيضه يف سلسلة واحدة وخوفا من<br />

اجلارف اختارت حركة جمتمع السلم<br />

احلوار ونبد العنف فرأى مؤسسها " يف ليونة االرتباط خطر بإمكانه أن<br />

حيرق العمل واجملموعة ويثري التوترات مع احلركة واجملتمع من دون<br />

29<br />

سبب .<br />

ب-‏<br />

ج-‏<br />

احلفاظ على كيان الدولة:‏ ألن املرحلة آنذاك كانت صداميه تنذر<br />

حبرب أهلية قد تؤدي إىل ضياع املؤسسات وانهيار الدولة<br />

اإلميان بالتواصل بني<br />

الوطنيني واإلسالميني:‏<br />

.<br />

ألن املسافة يف رأي<br />

احلركة ومؤسسها قريبة وهذه رسالة وجهها الشيخ حنناح إىل اإلسالميني<br />

للبحث عن حتالفات مع الوطنيني خاصة،‏ ال التيار الوطين واإلسالمي<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 120<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

واحد يف اعتقادهم،‏ فقد تعرض لالنقسام بفعل دعاة التمزيق وبعض<br />

االستئصالني املناهضني للقضايا الوطنية واإلسالمية.‏<br />

هذه األسباب كانت وراء اختاذ احلركة نهج املشاركة السياسية واليت<br />

قادتها إىل حمطات أخرى كاالئتالف احلزبي والتحالف الرئاسي،‏ وقد<br />

مرت املشاركة السياسية عند احلركة بأربعة مراحل.‏<br />

-<br />

.1887<br />

-<br />

املرحلة األوىل حتضريية:‏<br />

إمتدت من جانفي<br />

1881<br />

ديسمرب 1888.<br />

-<br />

املرحلة الثانية:‏<br />

إىل جوان<br />

مشاركة ائتالفية برملانية من جوان‎1887‎ إىل<br />

املرحلة الثالثة:‏ مشاركة ائتالفية رئاسية ومتتد من سنة<br />

1888<br />

إىل 2221.<br />

-<br />

2221<br />

املرحلة الرابعة:‏ وهي مشاركة حتالفية واليت بدأت بعد رئاسيات<br />

إىل يومنا هذا.‏<br />

إختارت حركة جمتمع السلم خيار املشاركة أو املساهمة يف تسيري<br />

البالد على أساس ان<br />

كلمة مشاركة تعين االشرتاك بنصيب<br />

أو حق االشرتاك<br />

بنصيب مع اآلخرين يف بعض األفعال،‏ وعندما تضاف كلمة سياسة إليها فإنها<br />

تعين<br />

28<br />

االشرتاك بنصيب يف بعض األفعال السياسية فاملشاركة ختتلف عن<br />

التعايش الذي يتخذ طابع احلتمية يف تقبل وضع ما<br />

قبول طرف ما يف االشرتاك يف احلكم من عدمها.‏<br />

والتأصيل<br />

أما املشاركة فمصدرها<br />

لفكرة املشاركة عند حركة محس يعود إىل<br />

االستشهاد بقصة يوسف ودعوته ملك مصر حني قال"‏ اجعلين على خزائن<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 122<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

22<br />

األرض إنين حفيظ عليم .<br />

فكان يوسف بذلك وزيرا يف حكومة<br />

مصر.فإقرار املشاركة قاد حركة جمتمع السلم من االئتالف احلزبي إىل<br />

التحالف الرئاسي ألنها تري يف دلك ً"<br />

تعاون على محاية ألواننا الوطنية<br />

العاكسة أللوان الطيف السياسي الثالثة الفاعلة يف اجلزائر،فبغري تناسق<br />

األخضر و األبيض و األمحر ال تعكس الراية اجلزائرية ألوانها الوطنية،و<br />

بغري تناغم اإلسالم و الوطنية و الدميقراطية ال تعكس الساحة السياسية<br />

يف اجلزائر حقيقة األسرة السياسية املتعاونة على إرساء دعائم دولة احلق<br />

و القانون<br />

. 21."<br />

االقصائي الذي كان سائدا<br />

تكون حركة محس بهذا اخليار قد استبدلت اخلطاب<br />

عند جبهة االنقاد إىل فكر جامع جممع<br />

لطاقات األمة وهو ما اصطلح عليه مسمى املصاحلة الوطنية املشرتكة.‏<br />

فعبارة:‏<br />

مشاركون يف احلكومة<br />

ال يف احلكم،‏ و اجلزائر حررها<br />

اجلميع و يبنيها اجلميع شعارات كررها مؤسس احلركة حتى صارت<br />

عنوانا من عناوين اهلوية عند حركة جمتمع السلم<br />

.<br />

ميكن أن خنلص إىل أن اقرتاب حركة جمتمع السلم من السلطة<br />

بدد فكر املواجهة<br />

شريك<br />

الدميقراطيون(.‏<br />

واملغالبة وأسس لفكر املشاركة الذي أهلها لكسب<br />

هام ممثال يف أحزاب التحالف الرئاسي)‏<br />

ثم إن سياسة املشاركة ال املغالبة اليت اتبعتها حركة<br />

الوطنيون-‏<br />

‏"محس"‏<br />

جعلها ال تتخلف عن املشاركة يف كل االستحقاقات االنتخابية رافضة<br />

بذلك سياسة الكرسي الشاغر.‏<br />

إن مالحظة سريعة ملسار احلركة ولنتائج االنتخابات اجلماعية<br />

والتشريعية يبني لنا التطور احلاصل والنمو املتزايد يف كيانها مقارنة مع<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

-1<br />

األحزاب العتيقة اليت عرفت تراجعا يف مواقعها أو اختذت سبيل<br />

املقاطعة على غرار جبهة القوى االشرتاكية بسب النتائج املخيبة يف<br />

االنتخابات،‏ هذا ما يربر أن احلركة متكنت من مزامحة األحزاب<br />

الكربى يف فرتة وجيزة وجتربة قصرية.واستطاعت مأل الفراغ السياسي<br />

الذي أحدثته أحزاب املعارضة خاصة املقاطعة للنظام.‏<br />

وإذا ما رجعنا إىل هوية محس التنظيمية وباخلصوص إىل مفهوم<br />

العضوية يف احلركة،‏ ميكن القول أن العضو يدعى أخا وهذا يعين أن<br />

أعضاء احلركة تربطهم وحدة العقيدة الدينية ووحدة إليديولوجية<br />

فأعضاء احلركة اخوة يف الدين قبل أن يكونوا أعضاء يف السياسة.‏<br />

اإلختالف بني اهلويتني<br />

ميكن حتديد االختالف بني اهلويتني االفرتاضية واحلقيقية عند<br />

احلركة جمتمع السلم عرب املستويات التالية:‏<br />

-1<br />

0: على مستوى املرجعية:‏<br />

إن مرجعية حركة جمتمع السلم دينية إسالمية ففي املادة رقم<br />

2<br />

من القانون األساسي نالحظ قرارها للمرجعية الدينية الرتاثية ممتثلة يف<br />

اإلسالم مبصادرة ومقاصده وتراث مجعية العلماء املسلمني وفضائل<br />

الزوايا ‏.لكن على املستوى احلقيقي أو اهلوية احلقيقية فان<br />

احلركة تأخذ مبرجعية خمالفة لتلك اليت تبنتها يف هويتها االفرتاضية.‏<br />

إن قراءة بسيطة ملرجعية حركة جمتمع السلم تبني تعدد<br />

مرجعياتها فمن مرجعية حملية وطنية إىل أخرى أجنبية غريبة عن اجملتمع<br />

اجلزائري.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

يظهر هذا يف والء حركة جمتمع السلم للتنظيم االخواني مبصر<br />

وخاصة أفكار حسن البنا،‏ حتى وإن مت رفع غطاء الوالء مؤخرا عن<br />

حركة جمتمع السلم فان التأثري على مستوى الفكر يبقى بارزا ذلك أن<br />

تنظيم اإلخوان تنظيم عاملي يبقى تأثريه فاعال خاصة يف الدول العربية<br />

.<br />

-<br />

"<br />

االختالف بني كاريزمية الشيخ وكاريزمية املؤسسة.‏<br />

فالشيخ له احلق الكامل يف إدارة شؤون املؤسسة اليت أوجدها من<br />

الصفر،ألنه منشؤها فان كل من حوله من األتباع واألنصار واملريدين من<br />

يسلمون له طوعا أو كرها<br />

بسلطة التقدير املطلقة فيكون الرتتيب<br />

22<br />

التنظيمي هكذا املؤسس ثم املؤسسة أو هما مع شيء واحد فعلى<br />

املستوى االفرتاضي تكرس أدبيات احلركة كاريزمية الشيخ ففي عهد<br />

التأسيس كانت احلركة مشخصة يف رئيسها الشيخ حنناح هذا أن دل<br />

22<br />

على شيء إمنا يدل على شخصنة السلطة أي اختزاهلا يف شخص فرد .<br />

وهذا يعين كذلك أن احلركة زمن املؤسس كانت حتتكم إىل<br />

ما يعرف بثنائية السلطان/‏<br />

الرعية ذلك أن الشيخ كان ميثل املرجعية<br />

املطلقة،‏ له كامل احلرية يف القرار دون اعرتاض أو مراقبة كونه ينتمي<br />

إىل فضاء املقدس أما الرعية متثل اخلضوع والطاعة و التسليم ألوامر<br />

لسلطان املطلقة<br />

خالف<br />

.<br />

مثل هذه اهلوية ملفاهيم تكرس قيم جملتمع التقليدي<br />

ما يعرف عن املؤسسة كونها تنتمي إىل فضاء احلداثي ألنها تقوم<br />

على مجلة من القوانني املنظمة ‏"والن اجملتمع املؤسس يسوده نظام يسمح<br />

لألفراد بإقامة توقعات منتظمة والتعرف على احلقوق والواجبات اليت<br />

21<br />

تلزمهم إزاء بعضهم البعض بصفتهم مواطنني"‏ . وهلذا فان رفع شعار من<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

التأسيس إىل املؤسسة‎21‎‏،‏ يعين<br />

"<br />

اإلحتكام إىل اللوائح والقوانني<br />

21<br />

وااللتزام باملتفق عليه فال صوت يعلو فوق صوت املؤسسات..."‏ .<br />

ميكن أن خنلص أن انتقال احلركة من التأسيس إىل املؤسسة هو جتاوز<br />

احلركة ملرحة<br />

املؤسسة.‏<br />

2<br />

-1<br />

حتكمها قيم السلفية اليت ختتلف كلية على مرحلة<br />

: على مستوى املفاهيم واملصطلحات:‏<br />

يثري املصطلح عامليا أزمة إدراك ووعي<br />

خيرجون عن هذا السياق<br />

بالذات،‏ واإلسالميون ال<br />

إن صميم ااالشكال يكمن عندهم فيما<br />

حيملونه من مشاريع وأفكار تراثية وما متدهم به حضارة الغرب،‏ من<br />

مفاهيم<br />

مصطلحات حداثية شكلت هلم ما أصبح يعرف بصدمة احلداثة<br />

اليت كان من نتائجها أن خلقت حلظة الوعي باالختالف سببها<br />

‏"تقادم<br />

27<br />

فهمهم للدين وبتخلف فكرهم وجمتمعاتهم مقارنة بشيء آخر"‏ فمما ال<br />

شك فيه أن اللبس والغموض الذي اكتنف طريقة التعامل مع الوافد<br />

الغربي طرح أمامهم إشكالية عويصة أوقعتهم يف أزمة اهلوية<br />

االصطالحية..‏<br />

فالغموض الذي خلق االختالف القائم بني تصور احلركة ملفهوم احلركية<br />

واحلزبية يف جانبها الفرتاضي احلقيقي يدفعنا للبحث عن بعض الفروقات<br />

بينهما.‏<br />

فالبحث يف املعاجم حييلنا إىل أن احلركة ضد الكون وتنطوي<br />

على معاني كثرية منها<br />

األشياء أو يف األشخاص فاحلياة<br />

29<br />

التغري والتغري<br />

ال يتم<br />

الفرد أو حياة اجلماعات.‏<br />

بدون تغيري سواء يف<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 121<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

واحلركة من خصائصها السرعة يف التغيري بواسطة التعبئة والتجميع<br />

للجماهري خالف<br />

الورد...‏<br />

‏"احلزب"‏<br />

الذي من معانيه اللغوية الطائفة و اجلماعة و<br />

ومنها التحزب لعقيدة أو لفكرة وكلها تصب يف معنى التحجر<br />

والسكون والتقوقع حول مجاعة ما.‏<br />

أما اصطالحا فقد عرفه موريس ديفرجي على أنه<br />

اجتماع "<br />

جمموعات صغرية منتشرة يف البالد أقسام،‏ جلان،‏ مجعيات حملية...‏<br />

28<br />

" أما تعريف ماكس فيرب فقد عرفه بأنه"‏<br />

انتماء مؤسس على جتنيد<br />

بشكل حر هدفه ضمان السلطة املنظمة يف وسط مجاعة مؤسسة ألجل<br />

حتقيق هدفه األعلى أو احلصول على امتيازات مادية<br />

12<br />

ملناضليه."‏ ومهما<br />

اختلفت التعاريف و تعددت فإنها تشرتك يف كون احلزب جتمع أو تنظيم<br />

سياسي هدفه الوحيد العملية السياسية أو بلوغ السلطة.‏<br />

لعل هذا ما مييز احلزب عن احلركة فاحلركة أوسع وأمشل من<br />

احلزب واحلزب يف معناه استاتيكي ثابت مقارنة مع احلركة اليت تتميز<br />

بالتغري واحلركة.‏<br />

وهذا يعين أن احلركة هلا قدرة االنتشار األفقي من<br />

خالل ختندقها يف فئات الشعب.‏ وحركة<br />

اإلسالمية إلي نلمس عندها لبسا واختالفا<br />

" محس"‏<br />

واحدة من احلركات<br />

يف اجلانب املفاهيم يف بعدها<br />

االفرتاضي واحلقيقي خاصة حول موضوع التسمية وعلى رأسها ثنائية<br />

مصطلح حركة/‏ حزب.‏<br />

ففي القانون األساسي والنظام الداخلي ويف باب التسمية:‏ املبادئ<br />

واألهداف والوسائل<br />

ويف الفصل األول<br />

نقرا املادة رقم<br />

1 حتمل حلركة<br />

التسمية التالية : حركة جمتمع السلم عوض استخدام مصطلح حزب لقد<br />

خلصت إىل أننا<br />

أمام تيار يسمي نفسه على املستوى<br />

االفرتاضي<br />

حركة<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 127<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

ال حزبا<br />

ولعل التسمية تنطلق من املرجعية املؤسسة وهي مدرسة اإلخوان<br />

املسلمني،‏ فقد كان يراها املؤسس " حسن البنا"‏ حركة.‏<br />

يقول يف رسائله:‏<br />

-<br />

وتستطيع أن تقول وال حرج عليك أن اإلخوان<br />

املسلمني دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية مجاعة<br />

رياضية ورابطة علمية وثقافية...‏<br />

11<br />

أكسب فكرة مشوال لكل مناجي اإلصالح..."‏<br />

هكذا نرى أن مشول معنى اإلسالم قد<br />

فالنظرة الشمولية للفكر االخواني يكسب تنظيمهم معنى احلركة الن<br />

هلذه األخرية من املعاني ما يتسع ليشمل كل مناحي احلياة االجتماعية<br />

هذا باإلضافة إىل النظرة السلبية اليت حيملها تنظيم اإلخوان عن<br />

احلزبية ألنها مصدر التقاطع والتدبري والتفرقة وهلذا السبب اختارت<br />

حركة محس مصطلح احلركة على احلزب.‏<br />

حتكم احلركة على نفسها من الناحية االفرتاضية بأنها<br />

حركة شعبية خرجت من رحم الشعب على اختالفه غري أن هويتها<br />

احلقيقية تفصح عن كونها حركة خنبوية فاغلب املنتمني إليها أساتذة<br />

ومعلمني وطلبة جامعيون...‏<br />

-<br />

يف املشروع االفرتاض للحركة نلمس مصطلح األمة<br />

فاحلركات اإلسالمية على اختالفها تؤمن بفكرة اخلالفة،‏ وهذه<br />

األخرية ال تكون إال يف سياق إنتاج امة إسالمية ال تعرف حدودا جغرافية<br />

فاحملاضر الرتبوية لألخوان تؤكد على مفهوم األمة<br />

الواقعي نعثر على مصطلح الدولة.‏<br />

2 املادة رقم<br />

الدولة اجلزائرية املنشودة.‏<br />

أما يف مشروعها<br />

فالقانون األساسي يتحدث صراحة يف<br />

على أن بيان أول نوفمرب ببنوده وأهدافه يطمح اىل اجياد<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 128<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

نالحظ على حركة محس اختالفا يف قاموس مصطلحاتها ففي<br />

أدبيات احلركة اإلسالمية تستخدم مصطلحات ومفاهيم اسالمية قرآنية<br />

حتمل القيم السلفية<br />

كمصطلح األيف الذي يقابله العضو يف القانون<br />

األساسي والدولة احلديثة بدل الدولة اإلسالمية...‏<br />

وكلها مفاهيم تعرب<br />

عنها تغري اخلطاب السياسي لدى حركة جمتمع السلم على املستوى<br />

احلقيقي.‏<br />

-1<br />

أ-‏<br />

: اإلسرتاتيجية<br />

إن لسؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا االختالف القائم بني اهلوية<br />

االفرتاضية واهلوية احلقيقية هو كيف ميكن حلركة محس جتاوز هذا<br />

االختالف؟ وماهية اإلسرتاتيجية املعتمدة يف ذلك؟ إن اإلجابة على هذا<br />

السؤال ميكن حصرها يف النقاط التالية:‏<br />

استطاعت حركة جمتمع السلم أن جتد لذاتها خمرجا يبعدها عن االختناق<br />

الذي وقعت فيه احلركات اإلسالمية وخاصة تلك اليت نلمس يف خطابها<br />

التشدد والتطرف،‏ فمنهجها الوسطي االعتدالي واعتمادها املشاركة ال املغالبة<br />

فرض طريقة يف االنتقال من<br />

النمطني التقليدي<br />

واحلداثي.‏<br />

االفرتاضي إىل احلقيقي وذلك العتماد اجلمع بني<br />

من خالل إبداع مصطلح جديد عرف<br />

12<br />

بالشروقراطية يوصف على أنه أقرب إىل الركاكة واهلزل وهي حالة توفيقية<br />

بني الفكرة اإلسالمية والفكرة احلداثية،‏<br />

وقد استخدمه مؤسس احلركة<br />

تعبريا عن االعتدال والوسطية،‏ ولفتح خط التواصل بني اإلسالميني<br />

والدميقراطيني والوطنيني.‏<br />

ب-‏<br />

التخلي عن كاريزمية الشيخ وعن الوالء له وملنهجه الذي<br />

رمسه من خالل بروز بعض<br />

االنشقاقات داخل احلزب،‏ حيث أصبح<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 129<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

االنشقاق فعال طبيعيا بعدما كان يعترب يف أدبيات احلركة اإلسالمية ردة<br />

وخروجا عن امللة يستدعي صاحبها التكفري عن نفسه،‏ وهذا إن دل على<br />

شيء إمنا على تغيري القيم اليت حتكم احلركة حيث نالحظ التغري الذي<br />

مس قيم جلماعة والطاعة والوالء لتتحول إىل سيادة قيم الفر دانية و<br />

التمرد وهذا ما يؤكد فرضية علمنة احلركة<br />

مع<br />

.<br />

-<br />

ج-‏ التسامي يف االنتماء إىل احلزب أو التنظيم اإلسالمي أمر مقدس<br />

واخلروج عنه ميثل الضياع يف عرف احلركة اإلسالمية على أساس أن<br />

االنتماء إىل اجلماعة والتشبث بها رمحة واالبتعاد عنها عذاب وفرقة.‏<br />

د-‏ إن حتالف حرك محس كحركة أو تيار إسالمي مع التيارات<br />

األخرى الوطنية ذات البعد االشرتاكي والدميقراطية يف بعدها العلماني<br />

االختالف يف مرجعيات إسرتاتيجية مكنتها من االندماج مع هذه<br />

التيارات لتفتكك بذلك حق القرار لكن التشارك مع اآلخر قد يؤدي إىل<br />

قسط من التنازل عن بعض مبادئها مما قد يؤدي إىل تدجينها وذوبانها يف<br />

األحزاب األخرى<br />

خالصة:‏<br />

.<br />

ما ميكن حوصلته أنه بالرغم من وجود بعض االختالل<br />

واالختالف بني اهلوية االفرتاضية واهلوية احلقيقية للحركة،‏ فان ذلك<br />

يعود إىل ظروف املمارسة مبعطياتها املتغرية.‏<br />

فإذا كان الوضع السياسي يسري بشكل طبيعي لبقى خطاب<br />

احلركة يف مستواه االفرتاضي غري أن حتميات الواقع فرضت على<br />

احلركة إسرتاتيجية املشاركة السياسية والتشارك يتطلب حد أدني من<br />

التنازالت حتى يقع االتفاق.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

ثم إن اهلوية<br />

االفرتاضية يف جوهرها غري منفصلة عن اهلوية احلقيقية<br />

بل هي مؤسسة هلا،‏ اي إنها متثل املعيار الذي ينبغي االرتقاء إليه يبقى حلقيقي<br />

ميثل التغيب النسيب<br />

.<br />

إن استخدام حركة محس مصطلحات حداثية قد جيعل منها حركة<br />

غريبة عن هويتها االفرتاضية هذا يكشف اغرتاب احلركة عن واقعها ألن<br />

املصطلح حتى ميتلك هويته ينبغي أن يكون ابن بيئته وتراثه وهذا يف األصل<br />

تهديد هلويتها االفرتاضية بالذوبان يف هويات أخري ذات طابع حداثي تهدد<br />

وجودها و حتاول ابتالعها.‏<br />

اهلوامش :<br />

-1<br />

د.‏ 2-<br />

ابن منظور،‏ لسان العرب،معجم لغوي علمي اجمللد األول تقديم الشيخ عبداهلل العاليلي،‏<br />

إعداد وتصنيف يوسف خياط دار لسان العرب لبنان،‏ ص 121<br />

املعرفة،‏<br />

أسامة الغزالي حرب،‏ األحزاب السياسية يف العامل الثالث،‏ سلسلة عامل<br />

اصدر اجمللس الوطين للثقافة والفنون<br />

واالدابي ، الكويت 1897، ص 11<br />

2 M. Duverger les partis politiques libraire armands colin paris<br />

19876, p 3<br />

-1<br />

لقمان اخلطيب،‏<br />

النشر مصر ، 1892 ص.‏<br />

األحزاب السياسية ودوره يف<br />

.21<br />

-1<br />

أنظمة احلكم،‏<br />

دار الثقافة للتوزيع و<br />

جريار هجامي،‏ موسعة مصطلحات القلق عند العرب،‏ مكتبة لبنان ناشرون،ط‎1‎‏،‏<br />

لبنان،‏ 1889، ص 811.<br />

1 - Jacqueline russe, c. lotilel, le gril , dictionnaire de philosophie<br />

bords paris 2004. p 188.<br />

القاهرة 1811.<br />

-7<br />

يوسف كرم،‏ تاريخ الفلسفة اليوناني ، مكتبة النهضة املصرية،‏ ط‎1‎‏.‏<br />

ص‎17‎‏.‏<br />

9 - C. dubar, la crise des identités, interprétation d’une mutation<br />

presse universitaire de France paris 200. p 02.<br />

-8<br />

-12<br />

يوسف كرم ، املرجع نفسه ص 28<br />

زكي جنيب حممود وآخرون،‏ املوسوعة فلسفية املختصرة دار القلم،‏ لبنان ص 122.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 110<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

-11<br />

صامويل هنتغتون،أمريكا األنا و اآلخر،‏ اجلدل الكبري يف أمريكا،‏ ترمجة عثمان<br />

اجليالي املثلوني،‏<br />

مراجعة و تقديم يوسف الصوابي املركز العاملي لدراسات وأحباث<br />

الكتاب االخضر،‏ ط‎1‎‏،‏ 2221 بنغازي ليبيا،‏ ص 11<br />

12 - Sous la direction de Michel Blay, Larousse grand dictionnaire<br />

de la philosophie la rousse CIVRS, Ed 2005 paris p 1077<br />

12 - L. morfaux, vocabulaire de la philosophie<br />

-11<br />

طييب غماري،‏ املقال السابق ، ص 71-<br />

.92<br />

-11<br />

-11<br />

حممد العربي ولد خليفة،‏<br />

اجلامعية،‏ 2222. اجلزائر،‏ ص 122.<br />

املسألة الثقافية وقضايا اللسان واهلوية ديوان املطبوعات<br />

بيان أول نوفمرب 1811 يف جملة اإلرشاد إسالمية شاملة تصدر عن مجعية اإلرشاد<br />

واإلصالح الوطنية العدد األول ،<br />

.8<br />

التجرييب 1112 ديسمرب 1898، ص 9-<br />

17 -C. dubar, la crise des identités, interprétation d’une mutation<br />

presse universitaire de France paris 200. p 02<br />

-19<br />

-18<br />

وزارة الداخلية و اجلماعات احمللية والبيئة و اإلصالح اإلداري،‏ دستور اجلمهورية<br />

اجلزائرية الدميقراطية الشعبية،‏ ملؤريف يف 1898/22/22 ص 29<br />

طييب غماري،‏ املقال السابق ، ص 71-<br />

.92<br />

-22<br />

-21<br />

اخلمار العلمي ،<br />

منشورات دار<br />

يف اهلوية والسلطة دراسات و أحباث يف الفكر واجملتمع والسياسة<br />

ما بعد احلداثة ط‎1‎‏.‏ 2221. فاس ، ص‎12‎‏.‏<br />

حممد العربي ولد خليفة،‏<br />

اجلامعية،‏ 2222. اجلزائر ، ص 122<br />

-22<br />

املسالة الثقافية وقضايا السان واهلوية ديوان املطبوعات<br />

النبأ جريدة األسبوع الوطين تصدر عن حركة جمتمع السلم،‏ العدد<br />

11 من 217<br />

21 جوان .1888<br />

املواقف من 1 اىل 1 ربيع االول 1122 ص.‏<br />

22<br />

-22<br />

الشيخ حنناح،‏<br />

مقال احلركة الواعية يف األصولية<br />

اهلدف،‏ منشورات جمتمع السلم 2222 ص.‏<br />

11<br />

-21<br />

-21<br />

-21<br />

من سورة البقرة اآلية 112.<br />

القانون األساسي،‏ حركة جمتمع السلم املادة الثالثة،‏<br />

ل<br />

االستئصالية يف سلسلة حنو<br />

الثوابت واملبادئ،‏ ص . 1<br />

القانون األساسي،‏ حركة جمتمع السلم املادة 22 الثوابت واملبادئ ص ص 1-<br />

.1<br />

-27<br />

راشد الغنوشي،احلركة اإلسالمية ومسألة التغيري،دار قرطبةط‎1‎‏،‏ 2222 ص‎122‎‏.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 112<br />

العدد الثاني<br />

جوان


احلزب السياسي اإلسالمي بني االفرتاضي واحلقيقي<br />

د.‏ زازوي موفق<br />

-29<br />

حممد امحد الراشد،‏<br />

الوعي النسيب يف خطط حمفوظ يف جملة املختار،‏<br />

عن اجمللس السياسي حلركة جمتمع السلم،‏ العدد 00 ربيع لثاني 0127-<br />

جملة شهري تصدر<br />

ماي 2111 ص.‏<br />

28<br />

-29<br />

عبد اهلل حممد بن عبد الرمحن،‏<br />

اجلامعية 2111، ص 278.<br />

-11<br />

-10<br />

-32<br />

-11<br />

من سورة يوسف اآلية ، 11<br />

السيد شحاته السيد،‏ علم االجتماع السياسي در املعرفة<br />

امحد يوسف،اجلزائر و سفر اخلروج،‏ جدليات السياسة والدعوة واحلركة،‏ وجها لوجه مع<br />

رئيس حركة جمتمع السلم الشيخ أبو جرة سلطاني،‏ تقديم الشيخ عبد الرمحان شيبان واألستاذ<br />

الطاهر وطار،دار قرطبة الطبعة األوىل،اجلزائر ‎2111‎‏،ص‎129‎‏.‏<br />

أبو جرة سلطاني ، رسالة املؤمتر الرابع،‏ سلسلة من التأسيس إىل املؤسسة دار اخللدونية للنشر<br />

والتوزيع ط‎0‎‏،‏ اجلزائر ص 8<br />

عبد اإلله بلقزيز وآخرون،‏<br />

املعارضة والسلطة يف الوطن العربي،‏<br />

العربية،‏ مركز الدراسات الوحدة العربية ط‎0‎‏،‏ بريوت 2110 ص.‏<br />

91<br />

-11<br />

-11<br />

-11<br />

-17<br />

-18<br />

ر.بودون و بوريكو،‏ املرجع لسابق ص 178.<br />

الشعار الذي رفع يف املؤمتر الرابع حلركة جمتمع السلم<br />

أزمة املعارضة السياسية<br />

أبو جرة سلطاني ، رسالة املؤمتر الرابع،‏ سلسلة من التأسيس إىل املؤسسة دار اخللدونية للنشر<br />

والتوزيع ط‎0‎‏،‏ اجلزائر ص 8<br />

حسني رحال،‏ إشكاليات التجديد،‏ دراسة يف ضوء علم االجتماع املعرفة،‏ دار اهلادي للطباعة<br />

والنشر و التوزيع،الط 0، لبنان،‏ ص 01.<br />

مجيل طيب،املعجم<br />

الفسلفي،اجلزء األول دار الكتاب البناي 982 ص‎117‎‏-‏<br />

119<br />

-19<br />

-11<br />

ابن منظور لسان العرب معجم لغوي علمي قدم له الشيخ عبد اهلل العال بلي،‏ املواد وتصنيف<br />

يوسف خياط،‏ دار لسان العرب اجمللد األول،‏ لبنان ص 120.<br />

ابن منظور،املصدر السابق،ص‎120‎‏.‏<br />

41- Duverger, op cit, p34.<br />

42- Jean charlot, OP cit, p 34.<br />

-11<br />

سنة<br />

حسن البنا ، جمموعة<br />

ص<br />

.022.021<br />

-11<br />

رسائل اإلمام الشهيد،‏ شركة الشهاب اجلزائر،‏ دون طبعة دون<br />

د حيدر إبرهيم علي،‏ التيار اإلسالمي وقضية الدميقراطية،‏ مركز دراسات الوحدة العربية،‏<br />

ط‎2.0999‎‏،بريوت ص 28<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

2102 جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

مقدمة<br />

قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

أمنوذج ‏:"محدان خوجة وأمحد بوضربة"‏<br />

د.‏ سلطانة عابد،‏<br />

خمرب البحوث االجتماعية والتارخيية<br />

جامعة معسكر<br />

غداة احتالل فرنسا للجزائر يف جويلية 1922، برزت فئة التجار على مسرح<br />

األحداث بروزا ملفتا ، حيث لعبت أدوارا رئيسية<br />

وهامة بني سلطة األيالة و سلطة<br />

اإلحتالل.‏<br />

إن مساهمتنا نسعى من خالهلا إىل فهم امليكانيزمات و اآلليات اليت جعلت من<br />

جتار مدينة اجلزائر يتصدرون باقي الفئات اإلجتماعية ملدينة اجلزائر يف الدفاع عن<br />

املدينة وسكانها ومقدساتها<br />

.<br />

وألجل فهم هذه امليكانيزمات واآلليات سنسعى إىل مقاربة فئة التجار مبدينة<br />

اجلزائر من خالل خصائصهم اإلجتماعية<br />

واإلقتصادية<br />

والثقافية والسياسية<br />

اليت<br />

مسحت لتاجرين هامني من جتار هذه املدينة،‏ هما محدان بن عثمان خوجة وأمحد<br />

بوضربة<br />

من لعب األدوار األوىل على املستوى السياسي والنضالي يف مواجهة سلطة<br />

اإلحتالل بقيادة اجلينرال دوبورمون<br />

. Debourmont<br />

إن إختيارنا حلمدان خوجة وأمحد بوضربة<br />

كعينة لفئة التجار مبدينة<br />

اجلزائر هو إختيار أملته ضرورة منهجية وموضوعية،‏ وذلك من حيث أنهما الوحيدان<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية<br />

111<br />

العدد الثاني جوان<br />

2102


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

يف حدود علمنا املتواضع،‏ اللذان تركا كتابات نوعية تعرضا فيها ألوضاعهم<br />

ودورهم أمام صدمة سقوط دولة األيالة،‏ وهي اآلثار احملفوظة بدور األرشيف<br />

الفرنسي ‏)مراسالتهم مع ضباط اإلحتالل خاصة دوبورمون وكلوزيل Clauzel<br />

ودور األرشيف الرتكي<br />

‏)مراسالت محدان خوجة مع السلطان العثماني<br />

)<br />

وموظفي األستانة(.‏<br />

-I<br />

اخلصائص اإلجتماعية<br />

:<br />

إن اهلدف من التعرض إىل مقاربة اخلصائص اإلجتماعية هو مالمسة<br />

الوضع اإلجتماعي واإلثين هلذين التاجرين،‏ وإىل أي حد مسحت اخلصوصية<br />

اإلجتماعية واألثنية بربوزهما كفاعلني إجتماعيني وسياسيني يف جزائر<br />

1922، متسائلني عن فاعلية اإلنتماء العرقي واإلثين يف الدفع بهما كفاعلني<br />

يف تسيري األحداث بدءا من مفاوضات الداي حسني ودوبورمون<br />

Debourmont<br />

وصوال إىل توقيع معاهدة اإلستسالم وتشكيل أول جبهة جزائرية ملقاومة<br />

اإلحتالل،‏ هي جلنة املغاربة اليت ترأسها محدان خوجة إىل جانب أمحد بوضربة<br />

وابن عمر،‏ وإمساعيل ابن مصطفى ومحدان آغة ، وهي اللجنة اليت راحت<br />

تكشف املمارسات التعسفية والإلنسانية للجيش الفرنسي باجلزائر،‏ واليت<br />

كانت تتنافى مع إلتزمات الطرف الفرنسي املوقعة مبوجب معاهدة اإلستسالم<br />

مع الداي حسني.‏ ‏)عبد الرمحن،ج.‏‎1881‎<br />

.)7 :<br />

-0<br />

-<br />

-<br />

-<br />

اخلصائص اإلجتماعية واإلثنية حلمدان بن عثمان خوجة:‏<br />

أصوله ترجع إىل تركيا<br />

كان أبوه يشغل وظيفة دفرت دار بدار اإلدارة الرتكية.‏<br />

أمه تنتمي لعائلة أمني السكة،‏ أخت احلاج حممد أمني السكة.‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-2<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

كان متزوجا من الزهرة بنت احلاج عبد الرمحن بوركايب<br />

وهو من كبار جتار مدينة اجلزائر.‏<br />

كان متزوجا أيضا من الال خدوجة بنت إبراهيم باي من<br />

كبار موظفي األيالة.‏<br />

كانت تربطه عالقة مصاهرة بباي قسنطينة احلاج أمحد<br />

والذي كان زوجا ألخته خدوجة ‏)عبد الرمحن ج.‏‎1881‎‏:‏ 7(.<br />

اخلصائص اإلجتماعية واإلثنية ألمحد بوضربة:‏<br />

أصوله ترجع إىل عرب األندلس<br />

كان والده من كبار جتار مدينة اجلزائر<br />

كان لعائلة بوضربة عالقات مصاهرة بعائلة الصايغي،‏ وهو<br />

من كبار موظفي اإليالة.‏<br />

كما كانت له عالقة مصاهرة وجة اخليل<br />

)George.Y.1913 :218(<br />

من خالل القراءة األولية هلذه اخلصائص اإلجتماعية واإلثنية<br />

نستخلص أن التاجرين ينتميان إجتماعيا إىل الفئة احلضرية<br />

األرستقراطية،‏ فحمدان خوجة ينتمى إىل الفئة الرتكية وأمحد بوضربة<br />

إىل الفئة األندلسية،‏ وهذا ما يفسر يف رأينا املتواضع توجههما حنو<br />

التجارة الدولية ‏)اإلسترياد والتصدير(،‏ حيث يربز ثقل عالقات املصاهرة<br />

القوية مع كبار موظفي اإليالة،‏ مما حييلنا إىل اقرتاح فرضية أن ممارسة<br />

النشاط التجاري اخلارجي مل يكن نشاطا جتاريا مفتوحا أمام مجيع<br />

التجار،‏ بل كان نشاط يتحكم فيه الوضع اإلجتماعي ‏)األصول اإلثنية،‏<br />

عالقات املصاهرة(‏ ودرجة التالحم ‏)القرابة(‏ بالسلطة السياسية واإلدارية،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 117<br />

العدد الثاني<br />

جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

وعليه فإن وضع التاجر كان يف الواقع إنعكاسا لوضع إجتماعي مميز،‏<br />

وضع يتداخل فيه الرهان اإلثين والسياسي،‏ وحتى الديين والثقايف؛ وهو ما<br />

فسرته الباحثة لواليش فتيحة على أساس أن شح املوارد البحرية خاصة القرصنة<br />

مع بداية القرن الثامن عشر،‏ دفع بالعديد من موظفي اإليالة ورياس البحر<br />

بالتحول إىل ممارسة النشاط التجاري وذلك يربط عالقات مصاهرة مع كبار<br />

التجار ومشاركتهم نشاطهم التجاري ‏)لواليش،ف.‏‎1882‎‏:‏ 111( مما ميكن<br />

اعتباره حتالفا مصاحل بني البورجوازية التجارية احلضرية والبريوقراطية<br />

السياسية واإلدارية مبدينة اجلزائر.‏<br />

-II<br />

-0<br />

اخلصائص االقتصادية:‏<br />

ونقصد بهذه اخلصائص،‏ الوضع املادي لكل من محدان خوجة و<br />

أمحد بوضربة،‏ و ذلك من خالل التعرض إىل نوعية النشاط التجاري<br />

املمارس و حجم املمتلكات ونوعيتها.‏<br />

محدان خوجة:‏<br />

0<br />

0- نوعية النشاط التجاري:‏<br />

حجم التجارة اخلارجية قدرت ب 2220222 فرنك فرنسي<br />

كان يستورد:السكر،‏ الشاي،‏ الكتان،‏ الورق،‏ اآلزوت،‏ البوتاس،‏<br />

نشري إىل أن محدان كان ميارس هذا النشاط باإلشرتاك مع خاله<br />

أمني السكة وبعض التجار<br />

اليهود)‏‎21-22‎‏:‏ )Temimi,A.1980<br />

-<br />

-<br />

2<br />

0- نوعية النشاط الزراعي:‏<br />

كان ميلك بسهول متيجة:‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 118<br />

العدد الثاني<br />

جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

120222 -<br />

122 -<br />

222 -<br />

- 12 محل<br />

222 -<br />

-<br />

-<br />

-<br />

رأس من الغنم واملاعز<br />

بقرة حلوب<br />

زوج من الثريان<br />

من اخليول<br />

‎12‎من البغال<br />

122 جبح من العسل<br />

إىل 1222<br />

1222 كيال<br />

‏)الكيلة=‏‎21‎كلغ(‏ من احلبوب يف املطامري<br />

‏)مفردها مطمورة عرفت اجلزائر منذ أقدم العصور هذا النوع من<br />

املطامري لتخزين احلبوب خاصة القمح الصلب والشعري(‏<br />

يذهب محدان بن عثمان خوجة يف كتابه ‏"املرآة"‏ متحدثا عن ثروته<br />

قائال:"...‏ علي أن أصرح مبلكييت لقطعة كبرية من األرض كافية من<br />

هذا السهل،‏ توارثناها أبا عن جد"‏ ، ليواصل:"فانا مالك ألمالك بسهل<br />

متيجة يقدرما أبذره بهذا السهل سنويا 112 محولة إبل من قمح وما بني<br />

122<br />

و‎122‎ محولة من الشعري..."‏ ‏)عبد الرمحن،‏‎1881‎<br />

أما عن :22(<br />

ممتلكاته العقارية،‏ فكانت متعددة،‏ كمحالته التجارية بوسط مدينة<br />

اجلزائر واليت صادرتها قوات اإلحتالل الفرنسي،‏ كما صودر ‏"قصره<br />

القائم بأعالي الربوة بربض العني الزرقاء...")‏ عبد الرمحن،ج 1881<br />

.)21:<br />

-2<br />

-2<br />

-<br />

أمحد بوضربة<br />

:<br />

0<br />

نوعية النشاط التجاري:‏<br />

ختصصت عائلة بوضربة يف استرياد:‏<br />

الكتان،‏ السك الفوالذي،‏ الزجاج،‏ ملح األمونياك.‏<br />

الزيت،‏ القهوة،‏ اخلشب،‏<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 119<br />

العدد الثاني<br />

جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

كان أمحد بوضربة ميارس هذا النشاط باإلشرتاك مع عائلة الصايغي،‏<br />

وبوركايب و بعض التجار اليهود<br />

‎2-2‎األمالك العقارية<br />

)A.M.G,Alg. 1831(<br />

:<br />

1<br />

-<br />

-<br />

-<br />

مخسة حمالت جتارية مبدينة اجلزائر<br />

قصور مبدينة اجلزائر<br />

عقارات فالحية بسهل متيجة<br />

ومما يالحظ أن أمحد بوضربة كان تاجرا،‏ ومل يكن يشتغل يف النشاط<br />

الزراعي،‏ عكس محدان خوجة،‏ فبوضربة كان يستثمر فوائده من<br />

التجارة يف شراء العقار مبدينة اجلزائر)‏A.MG.Alg.1831‎‏(.‏<br />

-III<br />

اخلصائص الثقافية والسياسية<br />

:<br />

-0<br />

تعترب اخلصائص الثقافية والعلمية والسياسية لكن من محدان<br />

خوجة وأمحد بوضربة كأهم خصائص جذبت واسرتعت انتباهنا ، فنحن<br />

أمام تاجرين برزا على مسرح األحداث يف مدينة اجلزائر مبستوى ثقايف<br />

وسياسي جد مميز.‏<br />

محدان خوجة:‏ و الذي يصفه املؤريف عبد الرمحن اجلياللي بقوله:"‏<br />

أنه بليغ القلم واللسان نظما ونثرا،‏ واسع اإلطالع،‏ سديد الرأي،‏ نافد<br />

البصرية ذا رجاجة يف العقل والتدين والتقوى خبريا بسياسة الدول وامللوك<br />

، ملما ببعض اللغات األجنبية ، فكان حيسن إىل جانب لغة أبويه العربية<br />

والرتكية واللغة الفرنسية واإلنكليزية ، وكان مجاعة للكتب.‏<br />

وكثريا ما كان يقضي األيام والليالي الطويلة يف نسخ الكتب<br />

النادرة املفيدة بيده وتارة يعلق عليها بقلمه،‏ وقد وقفت على بعضها طه<br />

اجلميل")‏ عبد الرمحن،ج.‏‎1881‎‏:‏ 22(.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

مل يقتصر النشاط الثقايف حلمدان خوجة على مجع الكتب،‏<br />

وإتقان اللغات فقط بل جنده يؤلف العديد من الكتب،‏ يف السياسة<br />

والتاريخ،‏ والفلسفة وحتى الطب،‏ نذكر منها مؤلفه الشهري كتاب ‏"املرآة"‏<br />

1922<br />

والذي تعرض فيه إىل ذكر أحوال اجلزائر غداة اإلحتالل<br />

الفرنسي سنة 1922، فكان هذا الكتاب هو ‏"أول بيان سياسي ضد<br />

السياسة الفرنسية بوالية اجلزائر"‏ على حد تعبري الشيخ عبد الرمحن<br />

اجلياللي ‏)عبد الرمحن،ج.‏‎1881‎‏:‏ 12(.<br />

إضافة إىل ‏"املرآة"‏ ألف محدان بن عثمان خوجة كذلك:‏ كتاب"‏ إحتاف<br />

املنصفني واألدباء مبباحث اإلحرتاز من الوباء"‏ و هو كتاب كتبه باللغة<br />

العربية واللغة الرتكية سنة<br />

"1929<br />

وحققه ونشره البحاثة حممد بن عبد<br />

الكريم سنة 1819، وموضوعه يدور حول ‏"احلجر الصحي"،‏ حيث أفتى<br />

محدان خوجة بضرورة احلجر خالفا ملا ذهبت إليه مشيخه اإلسالم،‏ اليت<br />

كانت ترى فيه تقليدا للكفار،‏ وكانت الكلمة األخرية حلمدان خوجة<br />

بعد مناظرة شهرية مع علماء اسطنبول،‏ مما دفعه لتأليف هذا<br />

الكتاب)عبد الرمحن،ج.‏‎1881‎<br />

)29 -27:<br />

كما ألف محدان خوجة رسالة فلسفية،‏ شرح فيها كلمة الغزالي<br />

الشهرية ‏"ليس يف املكان أبدع مما كان<br />

ألفها سنة ‎1921‎‏)عبد الرمحن،ج.‏‎1881‎<br />

"<br />

أمساها ‏"حكمة العارف"‏ واليت<br />

.)28:<br />

فنحن إذن أمام تاجر مثقف وعامل،‏ وهي خاصية جعلت الكثري من<br />

الضباط الفرنسيني يعتربونه املثقف املستنير الوحيد بإيالة اجلزائر،‏<br />

والذي يتسم بسعة علمه،‏ وتنوع لغاته،‏ مما يؤهله للعب أدوار مهمة في<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 110<br />

العدد الثاني<br />

جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

التوسط بين إدارة اإلحتالل وسكان مدينة اجلزائر<br />

)Temimi,A.1980 :21(<br />

وهذا ما يفسر ذلك الدور السياسي اهلام الذي لعبه محدان خوجة<br />

غداة اإلحتالل،‏ فكان أبرز شخصية لعبت دورا تفاوضيا هاما بني<br />

اجلنرال دوبورمون والداي حسني،‏ قبل توقيع معاهدة اإلستسالم ، حيث<br />

كان الداي حسني يستشريه يف كل تفاصيل معاهدة االستسالم خاصة ما<br />

تعلق بالبنود اخلاصة باإلسالم واملساجد واألمالك الوقفية.‏<br />

كما إستعانت به السلطة الفرنسية يف إتصاهلا بباي قسنطينة<br />

احلاج أمحد باي ليعقد بينهما معاهدة سلم)‏ أوت ‏–أكتوبر<br />

عهد اجلنرال دوريفيقوRovigo De<br />

)1922<br />

،<br />

على<br />

وأوكلت له اإلدارة اإلستعمارية<br />

مهمة التفاوض مع باي التيطري بومرزاق ‏)عبد الرمحن،ج.‏‎1881‎<br />

-27:<br />

،)21<br />

وكان أول من ترأس اجمللس البلدي ملدينة اجلزائر رفقة أمحد<br />

بوضربة وجلنة املغاربة رفقة ابن عمر وإمساعيل.‏<br />

-2<br />

أمحد بوضربة<br />

:<br />

تذكر جل الكتابات واملصادر أنه كان من امللمني باللغة الفرنسية<br />

حبكم إقامته بفرنسا مدة تسع سنوات أين تزوج بامرأة فرنسية،‏ وحبكم<br />

تعامالته التجارية الواسعة مع ميناء مرسيليا،‏ فقد كان أمحد بوضربة من<br />

بني أبرز شخصيات جلنة املغاربة اليت أوفدت يف أواخر<br />

1922<br />

إىل باريس<br />

لشرح قضية االحتالل و جتاوزاته أمام احلكومة الفرنسية.‏<br />

وقد ال نعرف ألمحد بوضربة كتابات أخرى أو تأليف سوى<br />

مذكرته املشهورة املوسومة"مذكرة بوضربة"‏ وهي عبارة عن نصائح وإرشادات<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 112<br />

العدد الثاني<br />

جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

إىل الفرنسيني عن طريقة التعامل مع اجلزائر بني وكيفية التنظيم اإلداري<br />

والسياسي حلكم اجلزائريني.‏<br />

)George.Y.1913 :219(<br />

.1<br />

.2<br />

.2<br />

.1<br />

ويف ختام هذه املقاربة،‏ وبعد استعراضنا ألهم خصائص جتار مدينة اجلزائر ‏)محدان<br />

بن عثمان خوجة وأمحد بوضربة(‏ ، ميكن لنا أن نصيغ الفرضيات اإلستشرافية<br />

التالية علها تكون أو تشكل سبال ألحباث قادمة.‏<br />

دور الوسط العائلي واإلنتماء اإلثين يف ممارسة النشاط التجاري<br />

اخلارجي،‏ فاإلنتماء إىل الفئة الرتكية كان عامال حامسا يف<br />

ممارسة هذا النشاط التجاري.‏<br />

عالقات املصاهرة بني التجار وموظفي اإليالة يؤشر إىل أن النشاط<br />

التجاري اخلارجي مل يكن يتم دون إشراك البريوقراطية<br />

السياسية.‏<br />

طبيعة التجارة اخلارجية ‏)نوعية املواد املستورة(‏ يعكس أن هذا<br />

النوع من النشاط التجاري كان بإشراف ومراقبة السلطة<br />

السياسية.‏<br />

الدور السياسي للتجار خاصة موقفهم من االحتالل يقرء يف بعده<br />

اإلثين واإلجتماعي،‏ فحينما يعترب محدان خوجة االحتالل مؤقت<br />

وسوف تعود اجلزائر إىل السلطة السابقة ، جند أمحد بوضربة<br />

يرحب بالوجود الفرنسي باجلزائر ويسعى للتقريب بني الفرنسيني<br />

واجلزائريني ، وما يؤكد هذه الفرضية اتهام محدان خوجة<br />

لبوضربة بأنه هو من كان وراء قرار سلطة اإلحتالل القاضي<br />

بنفي أتراك مدينة اجلزائر،‏ إضافة إىل اتهام بوضربة بدوره يف<br />

دعم األمري عبد القادر على حساب احلاج أمحد باي،‏ بينما جند<br />

محدان خوجة مييل و يؤيد احلاج أمحد باي على حساب األمري<br />

عبد القادر.‏ :85( A.1980 )Temimi,<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان


قراءة يف خصائص جتار مدينة اجلزائر سنة 0811<br />

د.‏ سلطانة عابد<br />

بيبلوغرافيا :<br />

- 1<br />

- Archive du ministère de la guerre- Vincennes<br />

Alger 1831 Générales série 1H Correspondances<br />

- 2<br />

األرشيف:‏<br />

املراجع باللغة العربية:‏<br />

اجلياللي ، عبد الرمحان )1881(، تاريخ اجلزائر العام،‏ ديوان املطبوعات اجلامعية،‏ اجلزائر<br />

- 2<br />

-TEMIMI Abdeljalil(1980) , Recherches et documents d’histoire<br />

maghrébine , Tunis .<br />

:<br />

-1<br />

- Yver, George (1913) , Mémoire de Bouderbah, in Revue<br />

Africaine, pp 218-245.<br />

- 1<br />

املراجع باللغة األجنبية:‏<br />

املقاالت<br />

األطروحات:‏<br />

لواليش فتيحة،‏ (1993)، احلياة احلضرية ببايلك الغرب،‏ رسالة ماجيسرت<br />

يف التاريخ احلديث واملعاصر،‏ جامعة اجلزائر.‏<br />

.<br />

2102<br />

الناصرية للدراسات االجتماعية والتارخيية 111<br />

العدد الثاني<br />

جوان

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!